Geri

   

 

 

İleri

 

٧٣

المكتوب الثالث والسبعون

إلى حضرة المخدوم زاده الخواجه محمد سعيد فى أسرار صفة الحياة التى هى فوق العلم وبيان أن العلم كما أنه من الصفات الزائدة كذلك هى من الشئون الغير الزائدة أيضاً وكذا سائر الصفات.

اعلم أن حضرة الشيخ محيى الدين بن العربى قدس سره ومتابعيه الذين أثبتوا التنزلات الخمس اعتبروا التعين الأول من إجمال حضرة العلم وقالوا له الحقيقة المحمدية عليه وعلى آله الصلاة والسلام واعتقدوا انكشاف ذلك التعين تجليات ذاتيا واعتقدوا ما فوقه اللاتعين الذى هو مرتبة الذات البحت والأحدية المجردة من جميع النسب والاعتبارات ( لا يخفى ) أن فوق شأن العلم شأن الحياة التى العلم تابع لها وهى أم جميع الصفات علما وغيره وسواء كان العلم حصوليا أو حضوريا وشأن الحيوة هذا الشأن عظيم الشأن وحكم سائر الشئون والصفات فى جنبه حكم الجداول بالنسبة إلى البحر والمحيط والعجب أن الشيخ المعظم لم يسر فى هذه المملكة الوسيعة ولم يقتطف من رياضها أزهار العلوم والمعارف وهذا الشأن وإن كان إلى حضرة الذات تعالت أقرب وللجهالة وعدم الإدراك أنسب ولكن لما كان فيه شائبة التنزل والظلية كان من مظان العلم والمعرفة قل أو كثر ولما وقع السير لهذا الفقير بكرم اللّه سبحانه فى ذلك الشأن عظيم الشأن صار مشهود أن الشيخ له حجرة تحت ذلك المقام بمسافة بعيدة وانه اختيار الإقامة فيه ولعله نال من هذا المقام حظا وافرا فى الآخر وإطلاق بعد المسافة فى مثل هذه الأبعاد اللاكيفية يمكن باعتبارين ضيق ميدان العبارة أو أن صورة ذلك البعد المثالية مشهودة فى عالم المثال فى صورة بعد المسافة سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم والسلام على من اتبع الهدى .

( فصل بالخير ) لزم من هذا البيان أن لا يكون العلم ثابتاً فى مرتبة الحياة التى فوق سواء كان حصولياً أو حضورياً فإذا لم يكن ثابتاً فى مرتبة الحياة كيف يكون ثابتاً فى مرتبة حضرة الذات جل شأنها التى هى فوق الفوق فإذا لم يكن العلم ثابتاً يكون نقيضه ثابتا تعالى اللّه سبحانه عن ذلك علوا كبيرا والتفصى من هذا الكلام مبنى على معرفة دقيقة قل من تكلم بها من أولياء اللّه تعالى

( ينبغى ) أن يعلم أن علم الواجب جل شأنه كما أنه من الصفات الثمانية الحقيقية الزائدة كما قال أهل الحق كذلك هو من الشئون والاعتبارات الذاتية الغير الزائدة أيضاً وحيث أن القسم الأول من الصفات الزائدة على الذات تعالت فمتعلقة أيضاً مما سوى الذات المقدسة سواء كان ذلك السوى عالما أو صفات زائدة فإن كلما هو متسم بسمة الظلية وعرض له اسم الزيادة لا يكون لائقا بجناب مرتبة حضرة الذات المقدسة ولا يكون له تعلق بجناب قدسه تعالى سواء كان ذلك العلم حصوليا أو حضورياً فإن كان حضورياً فهو أيضاً متعلق بظل من ظلال حضرة الذات وإن كان بين العلم والعالم والمعلوم اتحاد فإن هذا الاتحاد أيضاً ظل من ظلال المرتبة المقدسة لا عينها وإن ظن جمع عينيتها والقسم الثانى الذى هو من الشئون الذاتية الغير الزائدة متعلقة حضرة الذات فقط تعالت وتقدست وأعلى مما يتعلق بما سوى الذات وبالجملة أن العلم إن كان زائدا فتعلقه مقصور على ما سوى الذات والعلم الذى ليس بزائد بل مجرد اعتبار فتعلقه مقصور على حضرة الذات تعالت وتقدست والعلم المنتفى فى مرتبة حضرة الذات هو العلم الزائد الغير اللائق بتلك المرتبة المقدسة الذى هو ظل شأن العلم الغير الزائد ولا يلزم من انتفاء ذلك العلم ثبوت نقيضه الذى هو الجهل فإنه إذا لم يكن هناك مجال للعلم الذى هو من الصفات الكاملة كيف يكون لنقيضه الذى هو الجهل فإنه إذا لم يكن هناك مجال للعلم الذى هو من الصفات الكاملة كيف يكون لنقيضه الذى هو نقص من القدم إلى الرأس مجال الثبوت فى تلك الحضرة غاية ما فى الباب أن هذين النقيضين كلاهما يكونان مسلوبين عن تلك الحضرة ولا يلزم محذور أصلا قال واحد من العارفين عرفت ربى بجمع الأضداد وكأنه لا يصل إلى ذلك المقام الأقدس بواسطة علوه واحد من هذين النقيضين (*) فإذا كان جميع النسب والاعتبارات مسلوبة عن تلك الحضرة فالعلم وعدم العلم اللذان من جملة النسب يكونان مسلوبين أيضاً والذى لابد له من النسب والاعتبارات ولا يكون فيه رفع النقيضين ولا جمعهما هو الممكن وخالق النسب والاعتبارات منزه عن النسب والاعتبارات وقياس الغائب على الشاهد ممتنع فى ذلك الموطن أو نقول إن انتفاء العلم الخاص لا يستلزم عدم العلم المطلق بل يستلزم عدم العلم الخاص الذى هو متضمن لشائبة الظلية فعلى هذا التقدير لا يلزم محذور أصلا ولا يكون أرتفاع النقيضين فأفهم

(*) قوله إن هذين النقيضين الخ وهذا من جملة مصطلحات الصوفية وقد أخذه عنهم بعض أصحابهم من أرباب المعقول فاشتهر بينهم أيضاً فهم يستعملونه فيما بينهم ولا يدرون معناه سند .

( ينبغى ) أن يعلم أن العلم الذى هو من الشئون الذاتية لا مناسبة له أصلا بالعلم الذى هو من الصفات الزائدة وإن كان أصل هذا العلم هو ذاك العلم فإن الصفات الزائدة ظل الشأن الذاتى وثمة كله انكشاف فى انكشاف وحصول فى عين الحضور ومن علو درجته لا يقدر الجهل أن يقع فى الطرف المقابل له وأن يقوم بنقاضته بخلاف صفة العلم فإن الجهل قائم بنقاضتها وإن كان وقوعه غير جائز واحتمال النقيض له هذا صار باعثا على انحطاطه ومنعه من التعلق بجناب القدس فإن كل كمال فيه احتمال النقيض أى كمال كان لا مجال له فى تلك الحضرة القدرة التى أثبتوها فى تلك المرتبة المقدسة مثلا هى القدرة التى عجز فى مقابلته بخلاف صفة القدرة فإن فيها احتمال النقيض وإن لم يكن واقعا وعلى هذا القياس جميع الشئون والصفات الواجبة تعالت وتقدست فإذا لم يكن لشأن العلم مناسبة بصفة العلم أصلا كيف يكون لعلم المخلوقات مناسبة بهذا الشأن عظيم الشأن وكيف يتصور له تعلق بتلك المرتبة المقدسة إلا أن يكون من الحق سبحانه رعاية وعناية للعبد فأعطى لانكشافه الناقص جلاء من عند انكشافه وأعطاه البقاء الأكمل من عنده بعد الفناء الأتم ففى هذا الوقت يمكن أن يحصل له تعلق لا كيفى بتلك المرتبة المقدسة ويبلغ مبلغاً يقصر دونه الأصل ويصل إلى أصل الأصل متجاوزا مرتبة الأصل وهذه خصوصية امتاز بها بنو آدم وفتح لهم طريق الترقى حتى يتجاوزون الأصل وأصل الأصل أيضاً ويبلغون مبلغا يبقى الأصل كالظل فى الطريق ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم والسلام .