٦٦ المكتوب السادس والستون إلى محمد مقيم القصورى فى جواب سؤاله عن معنى المجاز قنطرة الحقيقة. سأل أخى محمد مقيم أنه بأى معنى قالوا المجاز قنطرة الحقيقة اعلم أن المجاز ظل الحقيقة ومن الظل إلى الأصل طريق سلطانى ولعلهم بهذا الاعتبار قالوا من عرف نفسه فقد عرف ربه فإن معرفة الظل مستلزمة لمعرفة الأصل فإن الظل كائن على صورة أصله فيكون سببا لانكشاف الأصل لأن صورة الشئ ما ينكشف به ذلك الشئ لكن ينبغى أن يعلم المجاز إنما يكون قنطرة الحقيقة إذا لم يدخل فى البين تعلق بالمجاز ولم ينجر الأمر إلى نظرة ثانية وقنطرة الحقيقة هى النظرة الأولى التى قال المخبر الصادق عليه وعلى آله الصلاة والسلام فى حقها النظرة الأولى لك وكأنه أشار بلفظ لك إلى حصول هذه الدولة وأما إذا دخل التعلق بالمجاز فى البين عياذا باللّه سبحانه وانجر الأمر إلى النظرة الثانية فذلك المجاز سد فى طريق الوصول إلى الحقيقة فضلا عن أن يكون قنطرة بل هو صنم يدعو إلى عبادته وغول يضل عن طريق الحقيقة بغوايته ولهذا قال المخبر الصادق بيانا لمضرة النظرة الثانية النظرة الثانية عليك وأى شئ يكون أضر مما يصد عن الحق ويشغل بالباطل ( ينبغى ) أن يعلم أن النظرة الأولى إنما تكون نافعة إذا لم تكن عن اختيار وأما إذا كانت بالاختيار فحكمها حكم النظرة الثانية قوله تعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم كاف فى إثبات هذا المطلب ولم يفهم جهلاء الصوفية الناقصون معنى هذه العبارة فغلطوا وخلطوا وطفقوا يشغفون بالصور الجميلة وينخدعون بغنجهم ودلالهم بطمع أنهم يجعلونهم وسيلة الوصول إلى الحقيقة ومعراجا لحصول المطلوب كلا إن ذلك هو عين سد طريق المطلوب وحاجب عن حصول المقصود والذى زين فى نظرهم هو الباطل وهم قد وقعوا فى الغرور بأنه الحقيقة وزعم جمع منهم حسن تلك الصور وجمالهم حسن عين الحق جل شأنه وجماله وظنوا التعلق بهم عين التعلق بالحق وزعموا مشاهدتهم عين مشاهدة الحق حتى قال بعضهم ( شعر ) . أمر وزجون جمال توبى برده ظاهر است * درحير تمكه وعده فردا براى جيست تعالى اللّه عما يقول الظالمون علوا كبيرا ماذا ظن هؤلاء القاصرون الحق سبحانه وماذا زعموا حسنه وجماله تعالى أما سمعوا أنه إذا وقعت شعرة من شعر حور الجنان التى هى من مخلوقاته سبحانه فرضا فى الدنيا لما أظلمت الدنيا من إضاءتها وإشراقها أبدا وقد ثبت احتراق جبل الطور واندكاكه بتجل واحد من تجليات الحق جل وعلا وسقوط كليم اللّه على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام مغشيا عليه من ذلك التجلى مع علو منزلته وزيادة قربه ورفعته بنص القرآن وهؤلاء مع قصور عقولهم هذه يرون الحق سبحانه بلا حجاب فى جميع الأوقات ويتعجبون من وعد الرؤية الأخروية لقد استكبروا فى أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا وعلماء أهل السنة والجماعة شكر اللّه تعالى سعيهم بذلوا غاية جهدهم فى إثبات الرؤية الأخروية ببراهين نقلية وخالفوا فى ذلك جميع الفرق فإنه لم يقل برؤية الحق جل وعلا غير أهل السنة أحد من الفرق المخالفين ملييوهم وغير ملييهم بل عدوها من المحال العقلى وأهل السنة أيضاً قالوا أنها بلا كيف وأنها مخصوصة بتلك النشأة وهؤلاء المهوسون يزعمون حصول هذه الدولة الباهرة فى هذه النشأة الفانية وصاروا مسرورين بمنامهم وخيالهم ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا والسلام على من اتبع الهدى والتزم متابعة المصطفى عليه وعلى آله أتم الصلوات وأكمل التسليمات . |