٦٤ المكتوب الرابع والستون إلى حضرة الخواجه محمد سعيد وحضرة الخواجه محمد معصوم سلمهما اللّه سبحانه وأبقاهما بيان الفناء الأتم المربوط بزوال العين والأثر مع تحقيق وجود الواجب سبحانه وبيان زوال العدم من الممكن وبقاء الثبوت وعروجاته. الفناء الأتم إنما يتحقق إذا حصل زوال العين والأثر عن الفانى ولم يبق منه اسم ولا رسم ( فإن قيل ) إذا كانت حقيقة الممكنات الإعدام التى تمايزت بالإضافة وصارت مجالى أسماء الواجب وصفاته سبحانه كما حققت ذلك فى مكاتيب لزم أن لا يبقى من العدم الذى هو حقيقته اسم ولا رسم فى الممكن على تقدير حصول هذا الفناء وأن لا يكون فيه شئ غير الوجود الصرف فإن زوال أحد النقيضين مستلزم لحصول الآخر لئلا يلزم ارتفاع النقيضين معا والوجود عند الصوفية عين الواجب تعالى أو أخص صفاته سبحانه وعلى كلا التقديرين يلزم قلب الحقيقة وهو مستلزم للإلحاد والزندقة ( أجيب ) إن نقيض العدم ليس هو ذاك الوجود الذى هو حقيقة الواجب تعالى أو أخص صفاته الذاتية سبحانه بل هو ظل من ظلال ذلك الوجود وعكس من عكوسة وبالجملة إن كل وجود وقع العدم فى الطرف المقابل له فهو من مظان الإمكان ومحتاج إلى رفع العدم الذى هو نقيضه وصفات الواجب جل شأنه وإن كانت خارجة من دائرة الإمكان ولكن لما كانت لها احتياج إلى ذات الواجب تعالى ومقابلة الاعدام ثابتة بكل منها ليست بخارجة من شوب الإمكان والاحتياج إلى الذات لازم لها دائما وإن كانت قديمة غير منفكة عن الذات ونفس الاحتياج دليل الإمكان فإن كان احتياجا إلى الغير فهو نقص كامل والمتصف به داخل فى دائرة الإمكان وإن لم يكن احتياجا إلى الغير فالمتلبس به فيه رائحة من الإمكان وإن لم يكن داخلا فى دائرة الإمكان كما أن صفات الواجب تعالى كما لها دون كمال الذات تعالت وتقدست فالوجوب المطلق مختص بذات الواجب تعالى فإنها منزهة عن مظنة النقص ومبرأة من شائبة القصور وصفات الواجب وإن كان لها قدم فى دائرة الوجوب لكن لما كانت محتاجة إلى الذات كان وجوبها دون وجوب الذات كما أن وجودها دون وجود الذات تعالت فإن فى وجودها نقاضة بالعدم وهو عدم العلم وعدم القدرة مثلا وليس لوجود الذات تعالت عدم مقابل أصلا ولا يتصور له نقيض قطعا فلو كان عدم من الإعدام نقيضا لوجود الواجب تعالى لكان محتاجا إلى رفع ذلك النقيض والاحتياج من سمات النقص المناسب لحال الإمكان تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا ( لا يخفى ) أنه ينبغى التحاشى من إطلاق لفظ الإمكان على صفات الواجب جل سلطانه لكونه موهما للحدوث وصفات اللّه تعالى قديمة وإن لم تكن واجبة بذواتها ولكنها واجبة بالنظر إلى ذات الواجب جل شأنه فإنها غير منفكة عنها وحاصل هذا المعنى وإن كان منجرا إلى الإمكان ولكنه خال عن توهم الحدوث وعدم حصول النقيض من العدم لوجود الواجب تعالى كشفى وشهودى وإن استدل عليه بحسب الصورة كما يورد على بديهى تنبيه فى صورة الاستدلال ( ولنرجع ) إلى أصل الكلام فنقول فى جواب السؤال لا يبقى فى الممكن على تقدير الفناء بعد زوال العدم شئ غير الوجود ولا يكون له نصيب غير الثبوت والتحقق فإنه قد انتفى عنه العين والأثر ولكن هذا الوجود والثبوت مما أثبت للممكن فى مرتبة الوهم والحس وترتبت عليه الأثار وصار مرآة لكمالات مرتبة حضرة الوجوب تعالت وتقدست بعد زوال العدم وصار ذات الممكن وحقيقته كالعدم الزائل وكان هذا الثبوت قبل زوال العدم من صفات العدم مثبتا له فى مرتبة الحس والوهم وقد صار ذلك الثبوت الآن بعد زوال العدم نائبا منابه فى كونه ذات الممكن وانتساب الصفات إليه وقيام معاملة العدم به وقيام معاملة نيابة العدم هذه منوط ببقاء نقيض ذلك الثبوت وبقاء الإمكان فإذا ترقت المعاملة من نقيض الثبوت ولم يبق للوجود ما يقابله بل لم يبق للعدم مجال المقابلة به ولم يبق للإمكان مساغ فيه فحينئذ تتبدل المعاملة غير المعاملة وتقع بين الجلساء والندماء مغايرة ومبادلة فينبغى طلب سرأ وأدنى ثمة وكل محل فيه شوب الإمكان ومجال العدم ولو بالنقاضة فهو داخل فى قاب قوسين فإذا شرع الإمكان والعدم فى الرحيل وقرعت لهما مقرعة التحويل فح تستقبل كمالات أو أدنى لا بمعنى أن الممكن يصير فى ذلك الوقت ذات الواجب يعنى عينه بل بمعنى أن قيامه يكون بالذات البحت تعالت ويزول قيامه الذى كان بظل من ظلال الذات تعالت (ع) ليس من غاب فى الإله إلها * وقيام هذا العارف بذات واجب الوجود كقيام صفاته بذاته سبحانه وتعالى بل قيامه بمرتبة ليست الصفات ملحوظة فيها أصلا وإن لم يكن للصفات انفكاك عن الذات إلا أن قيام الصفات أزلى وأبدى وهى قديمة وقيامه ليس بأزلى وهو متسم بسمة الحدوث ولكن للصفات نقائض من الإعدام كعدم العلم وعدم القدرة مثلا ومعاملة هذا العارف قد ترقت من نقاضة الإعدام كما حققنا ( لا يخفى ) أن المعاملة إذا ترقت من نقاضة العدم يتحقق الوجوب ويصير الممكن واجبا وهو محال ( أجيب ) إنما يصير الممكن واجباً إذا عرض له الوجود الخارجى ولا ثبوت للمكن فى غير مرتبة الوهم والحس فمن أين يتصور فى حقه وجوب الوجود وظهر من هذا البيان بين قيام العارف وقيام الصفات فرق آخر وهو أن قيام الصفات باعتبار الوجود الخارجى وقيام العارف باعتبار الوجود الوهمى وإن كان له ثبات واستقرار وكان مبدأ للاثار ( ينبغى ) أن يعلم أن بقاء صدور أنا من العارف مربوط ببقاء العدم الذى هو حقيقته فإذا زال العدم لم يبق لأنا مورد حتى يطلق عليه ومعاملة الثبوت بعد زوال العدم وإن كانت طويلة الذيل وصار الثبوت ذاتا للممكن ولكن لا مورد لكلمة أنا هناك وكأن وضع لفظ أنا كان للحقيقة العدمية حيث تنفر من الحقيقة الثبوتية نعم إن الجزء الأعظم فى الممكن هو العدم وصار الممكن ممكنا من العدم واتسعت معاملة الممكن من العدم واحتاج الممكن إنما نشأ من العدم والحدوث اللازم للإمكان إنما ترتب على العدم وكثرة الممكن منشعبة من جهة العدم والامتياز فيه أيضاً حصل من العدم والوجود فى حقه مستعار وهو أيضا بالتخيل والتوهم ولو كان له ثبات واستقرار ( واعلموا ) أن الصفات القائمة بذات الواجب جل سلطانه تظهر الذات عز شأنها بتمامها بلون كل واحدة منها لا إن بعض الذات يكون متصفا بصفة وبعض آخر منها متصفا بصفة أخرى فإنه لا تبعض فى حضرة الذات ولا تجزى بل هى بسيط حقيقى وكل حكم يثبت ثمة فهو باعتبار الكلية كما قالوا إن ذات اللّه تعالى كلها علم وكلها قدرة وكلها إرادة والقيام الذى يحصل للعارف بذات الواجب جل سلطانه بلا ملاحظة الأسماء والصفات أيضاً من هذا القبيل حيث تظهر بالكلية بلونه وتبدى مرآتيتها بتشخصه على عكس مرايا آخر فهم من فهم ( شعر ) . أتقيم يا سعد القيامة من حلا * وة منطق عطلت به الببغاء ومثل هذا الظهور أعنى ظهور المرآة بلون الصورة بالكلية إن حصل للعارف بعد الفناء الأتم بقاء بذلك الظهور يكون أكمل تعيناته لكونه وجودا موهوبا حقانيا قد تيسر له بالولادة الثانية وهذا التعين مع حدوثه وإمكانه لما كان ناشيا من مرتبة الجمع له مزية وفضل على تعينات أخر ليست ناشية من تلك المرتبة كمزية حروف القرآن وكلماته على حروف وكلمات أخر وإن كان كلها متسمة بسمة الحدوث وأبله من يرى هذا التعين من اقتصار نظره على الظاهر مساويا لتعينات أخر وتزعم مساواة حروف القرآن وكلماته مع حروف كلمات أخر فاعرف فضل العارف من ههنا وقس مزيته على الآخرين على مزية كلام اللّه عز وجل على كلام الآخرين ( شعر ) . خاب الذى قد يرى ذا القبح كالحسن * وفاز من كان فيه حدة البصر وقال المحجوبون فى حق محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إنه بشر وتصوروه كسائر البشر فأنكروه بالضرورة وتصوره أصحاب الدولة وأرباب السعادة بعنوان الرسالة والرحمة للعالمين واعتقدوه ممتازا من سائر الناس فتشرفوا بدولة الإيمان وصاروا من أهل النجاة ( تنبيه ) إذا أورد فى أثناء أداء بعض المطالب العالية المتعلقة بذات الواجب جل شأنه وصفاته بواسطة ضيق ميدان العبارة ألفاظ موهمة بصفات الممكن المستلزمة للنقص والقصور ينبغى أن يصرف تلك الألفاظ عن ظاهرها وأن يعتقد جناب قدسه تعالى منزها ومبرأ عن جميع صفات النقص وسمات القصور وأطلق بعض الألفاظ الذى لم يرد به الشرع على حضرته تعالى بتقليد المشائخ العظام بطريق التجوز مثل المرآتية وغيرها وأنا خائف مشفق منه ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ( فإن قيل ) إنه قد يقع فى عباراتك لفظ التجلى والظهور الظلى وأمثالهما فيلزم منه تنزل الوجود فى مراتب الظهورات كما قال به المشائخ وأنت تنكر على ذلك فما وجه ما ذكرت هنالك ( قلت ) إن التنزل إنما يلزم إذا قلنا إن المظهر عين الظاهر كما قال الآخرون وأما إذا لم نقل إنه عينه لا يلزم التنزل ومختار هذا الفقير عدم عينية الظاهر بالمظهر واللّه سبحانه الموفق . |