٦٣ المكتوب الثالث والستون إلى المير منصور فى كشف سر الإحاطة والقرب والمعية الكائنة للّه تعالى وإرجاع هذه إلى مجمل الكتاب الكريم ومشكله. إن القرب والمعية والإحاطة والسريان والوصل والاتصال والتوحيد والاتحاد وأمثالها فى حضرته سبحانه من قبيل المشكلات والشطحيات وجناب قدسه جل شأنه منزه ومبرا من القرب والمعية والوصل والاتصال التى تكون مدركة بفهومنا ومتعقلة بعقولنا ولكن القدر الذى أطلعنا عليه فى آخر الأمر إن هذا القرب وغيره شبيه بالقرب والاتصال الحاصلين بين المرآة وبين الصورة المتوهمة فيها الذى هما من قبيل قرب الموجود واتصاله بالموهوم وحيث أن الحق سبحانه موجود حقيقى والعالم مخلوق فى مرتبة الحس والوهم يكون القرب والاتصال بين الواجب والممكن من قبيل قرب الموجود واتصاله بالموهوم ولا يعود من هذا القرب والاتصال إلى جناب قدسه تعالى محذور أصلا فإن الأشياء الحسيسة قد تنعكس فى المرآة ويحصل للمرآة قرب وإحاطة بها ولا يتطرق إلى المرآة نقص أصلا ولا ترى فيها خسة قطعاً فإنه لا اسم لتلك الأشياء فى المرتبة التى فيها المرآة ولا رسم حتى تؤثر فيها صفاتها غاية ما فى الباب إن الحق سبحانه لما خلق العالم فى مرتبة الحس والوهم وأراد أن يثبت هذه المرتبة ويحكم أن أجرى الأحكام والآثار المترتبة على الموجود على هذا الموهوم ولهذا أثبت القرب والإحاطة الموهومين كالقرب والإحاطة الموجودين وجعلهما من الأحكام الصادقة ألا ترى أن رؤية الصورة الجميلة فى الخارج كما أنها مستلزمة للالتذاذ وحصول العلاقة كذلك تلك الصورة موجبة للالتذاذ والعلاقة حين انعكاسها فى المرآة وحصول الثبوت الوهمى لها فيها مع أن الصورة الأولى موجودة والثانية موهومة وفى حصول الأثر بينهما شركة ولما حصلت للموهوم بكرم اللّه تعالى شركة مع الموجود فى ترتيب الأحكام وترتبت الآثار على الموهوم ترتبها على الموجود انبعثت فى الموهوم المحروم أطماع ورجايا من الموجود وحصلت له بشارات حصول دولة القرب والاتصال بالموجود ( شعر ) . هنيئا لأرباب النعيم نعيمها * وللعاشق المسكين ما يتجرع ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم ( ينبغى ) أن يعلم أن القرب والاتصال كلما تصورا وتعقلا بغير المعنى الذى ذكر لا يكونان من غير تشبيه وتجسيم إلا أن يؤمنوا بهما ولم يشتغلوا بكيفيتهما ويفوضوهما إلى علم اللّه تعالى وحيث لحق بهذه الألفاظ نوع بيان ساغ أن نخرجها من المتشابهات ونحلقها بالجمل أو المشكل واللّه سبحانه أعلم بحقيقة الحال. |