٦٠ المكتوب الستون إلى ولد شيخه الخواجه عبد اللّه فى بيان عدمية ذات الإنسان وبيان أن ذاته هى النفس الناطقة مع بيان فناء النفس والقلب وزوال العلم الحصولى. هو الحق المبين سبحانه من لا يتغير بذاته ولا بصفاته ولا فى أسمائه بحدوث الأكوان فإن كل تغير وتلون وقع فى حدوث الأكوان فإنما هو فى مراتب العدم ولم يتطرق إلى حضرة الوجود تعالى وتقدس تنزل ولا تبدل لا فى الخارج ولا فى العلم أصلا بيانه أن الحق سبحانه لما أراد أن يظهر كمالاته الذاتية والصفاتية والأسمائية وأن بجليها فى مجالى الأشياء ومراياها عين لكل كمال فى مراتب العدم نقيض ذلك الكمال المقابل له والمتميز عن سائر الإعدام بالإضافة إليه ليكون مرآة له فإن مرآءة الشئ مقابل المشى وسبب لظهوره وبضدها تتبين الأشياء والاعدام التى فيا قابلية لأن تكون مرايا للكمالات أوجدها فى مرتبة الحس والوهم فى أى وقت أراد وأعطاها الاستقرار والاستحكام وجعل جميع تلك الكمالات منعكسة فيها وصير تلك الاعدام بذلك الانعكاس حيا وعالما وقادرا ومريدا وبصيرا وسميعاً ومتكلماً فى تلك المرتبة ولكن قد كان محسوساً إنه قد يتصرف أولاً فى العدم من غير أن يجعل فيه شئ آخر ويجعل هو بذلك التصرف ملائما ولينا ثم يظهر فيه الكمال كما أن الشمع يجعل أولا لينا وملائما ثم يصور بعد ذلك صورا وأشكالا ( ينبغى ) أن يعلم أن المراد هنا من العدم هو العدم الخارجى المقابل للوجود الخارجى فلا يكون منافيا لإيجاده الواقع فى مرتبة الوهم مع أنا نقول أن المنافى للعدم هو الوجود الذى نقيضه ولا يصير العدم وجودا وأما إذا كان موجوداً لا يلزم منه محذور أصلا كما قالوا فى الوجود إنه من المعقولات الثانوية ولا وجود لها فى الخارج بل هى معومة فيه ( فعلم ) من هذا التحقيق أن حقائق الأشياء إعدام انعكست فيها كمالات مرتبة الوجود تعالت وتقدست وحصلت لها بإيجاد اللّه تعالى تحقق وثبوت وهمى واستقرار واستمرار فى مرتبة الحس والوهم وكان ذوات الأشياء تلك الإعدام وانعكاس الكمالات فيها بمثابة قواها وجوارحها وبعد تمهيد هذه المقدمات نذكر فى بيان المقصد الأصلى الذى يتعلق بالولاية الخاصة كلمات ينبغى استماعها بسمع العقل ( اعلم ) أرشدك اللّه وهداك سواء الطريق إن حقيقة الإنسان وذاته العدم الذى هو حقيقة النفس الناطقة التى يعبر عنها فى الابتداء بالنفس الأمارة وكل فرد من أفراد الإنسان يشير بلفظ انا إليها فتكون ذات الإنسان هى النفس الأمارة وتكون سائر لطائف الإنسان كالقوى والجوارح لها وحيث أن العدم شر محض فى حد ذاته لم يشم رائحة من الخيريرة تكون النفس أيضاً شرا محضا لا تكون فيها رائحة من الخيرية ومن خباثتها وجهلها تدعى الكمالات الظاهرة فيها بطريق الانعكاس والظلية لنفسها وتنسب قيام تلك الكمالات الثابتة بأصلها إلى نفسها وتزعم نفسها بتلك الكمالات كاملة وخيرا وتكتسب من هذه الحيثية دعوى السيادة وتشرك نفسها بربها فى الكمالات وتظن الحول والقوة من نفسها وتزعم نفسها متصرفة وتريد أن يكون الكل تابعاً لها وتحب نفسها أكثر من الكل وتحب غيرها لنفسها لا لأجلهم ومن هذه التخيلات الفاسدة تكتسب عداوة ذاتية لمولاها ولا تذعن بأحكامها المنزلة بل تتبع هواها وورد فى الحديث القدسى عاد نفسك فإنها انتصبت لمعاداتى وبعث اللّه سبحانه الأنبياء عليهم السلام من كمال رأفته ورحمته رحمة للعالمين ليدعوا الخلق إلى الحق سبحانه وليخربوا بيوت الأعداء وليدلوها على مولاها وليخلصوها من جهلها وخبثها وليطعلوها على شرها ونقصها فمن أدركته السعادة الأزلية أجاب دعوة هؤلاء الأكابر ورجع من جهله وخبثه وصار منقادا للأحكام المنزلة ( ينبغى ) أن يعلم أن طريق تزكية النفس على نوعين طريق يتعلق بالرياضات والمجاهدات وهو طريق الإنابة ومخصوص بالمريدين والطريق الثانى طريق الجذب والمحبة وهو طريق الاجتباء ويتعلق بالمرادين شتان ما بين الطريقين الطريق الأول سير إلى جناب المطلوب والطريق الثانى جر نحو القصور وبين السير والجر فوق كثير وتفاوت فاحش فإذا أريد لصاحب دولة بسابق الكرام الجر من طريق الاجتباء يعطى له الجذب والمحبة لجناب القدس ويوصل به إلى المقصود جرا جرا فإذا كان فيما بين هؤلاء من إدركته السعادة يوصل به إلى حد الفناء ويتخلص من رؤية السوى وعلمه ويجاوز به الآفاق والأنفس ونسيان الآفاق مربوط بفناء القلب ونسيان الأنفس موقوف على فناء النفس الأمارة وفى الأول زوال العلم الحصولى وفى الثانى زوال العلم الحضورى وزوال العلم الحضورى وزوال العلم الحضورى لا يتصور ما لم يتحقق زوال النفس الحاضرة وما دامت النفس الحاضرة قائمة فالعلم الحضورى عبارة عن النفس الحاضرة لا أمر زائد عليها فالزوال الشهودى فى فناء النفس يكون عبارة عن زوالها الوجودى بخلاف الزوال الشهودى الذى اعتبر فى فناء القلب فإنه ليس بمستلزم لزوال وجود القلب فإن الشهود هناك زائد على الشاهد وفناء أحدهما ليس بمستلزم لنفاء الآخر ( تبنيه ) لا يتخيلن الأبله أن زوال النفس الحاضرة حاصل أيضاً فى مقام البقاء باللّه الذى هو ميسر لارباب التوحيد الوجودى فإن الحاضر ثمة هو الحق سبحانه لا نفس السالك الفانية لا نا نقول أن الحاضر فى ذلك المقام هو نفس السالك وقد تصورها السالك بعنوان الحقية والحق سبحانه منزه ومبرأ من هذا التعين والحضور وهذا من قبيل ما قيل (ع) وصار الفأر فى رؤياه ناقة * وإنا هنا زوال العلم بالنفس الحاضرة وهو من أقسام العلم الحصولى لازوال النفس الحاضرة المستلزم لزوال العلم الحضورى وزوال النفس الحاضرة عبارة عن زوال عينها وأثرها لا أنه عبارة عن زوال العلم بها شتان ما بينهما . |