٣١ المكتوب الحادى والثلاثون إلى الملا بدر الدين فى تحقيق عالم الأرواح وعالم المثال وعالم الأجساد. الحمد للّه وسلام على عباده الذين اصطفى قد كتبتم أن الروح كان قبل تعلقه بالبدن فى عالم المثال ويذهب بعد مفارقته من البدن أيضاً إلى عالم المثال فيكون عذاب القبر فى عالم المثال كالم يحس به الإنسان فى المنام فى عالم المثال وكتبتم أن هذا الكلام له تشعبات كثيرة فإن قبلتم نفرع عليه فروعات كثيرة ( اعلم ) أن أمثال هذه الخيالات قليلة النصيب من الصدق نخاف من أن تدلكم على طريق غير متعارف فلنكتب فى تحقيق هذا المبحث كلمات بالضرورة مع وجود الموانع واللّه سبحانه الهادى إلى سبيل الرشاد ( أيها الأخ) إن عالم الممكنات منقسمة إلى ثلاثة أقسام عالم الأرواح وعالم المثال وعالم الأجساد وقالوا إن عالم المثال برزخ بين عالم الأرواح وعالم الأجساد وقالوا أيضاً إن عالم المثال كالمرآة لمعانى العالمين المذكورين وحقائقهما وتظهر معانى عالم الأرواح والأجساد فى عالم المثال بصور لطيفة فإن لكل معنى وحقيقة هناك صورة وهيئة أخرى مناسبة لهما وذلك العالم ليس هو فى حد ذاته متضمنا للصورة والهيآت والأشكال وإنما ظهرت فيه الصورة والأشكال منعكسة من عوالم أخر كالمرآة التى ليست هى متضمنة لصورة أصلا فى حد ذاتها فإن كانت فيها صورة فهى حاصلة من خارج فإذا علم هذا الكلام فاعلم أن الروح كان قبل تعلقه بالبدن فى عالمه الذى هو فوق عالم المثال فإن تنزل بعد التعلق بالبدن فنازل إلى عالم الأجساد بعلاقة حبية لا شغل له بالعالم المثال لا قبل التعلق ولا بعد التعلق وإنما يطالع بعض أحواله بعناية اللّه تعالى فى مرآة ذلك العالم فى بعض الأوقات ويستعلم حسن أحواله وقبحها من هناك كما أن هذا المعنى واضح ولائح فى صورة الواقعات والمنامات وربما يحس هذا المعنى من غير أن يغيب عن الحس وبعد المفارقة عن البدن فإن كان علويا فمتوجة إلى فوق وإن كان سفليا فمأسور فى السفل لا شغل له بعالم المثال وعلام المثال إنما هو للمشاهدة والرؤية لا للكينونة فيه ومحل الكينونة أما عالم الأرواح وأما عالم الأجساد وعالم المثال إنما هو مرآة لهذين العالمين كما مر والألم الذى يرى فى المنام فى عالم المثال إنما هو صورة العقوبة وشبحها التى استحقها الرائى ظهرت له للتنبيه وعذاب القبر ليس من هذا القبيل فإنه حقيقة العقوبة لا صورتها وشبحها وأيضاً إن الآلم الذى يحس فى المنام لو كان له حقيقة فرضا فهو من قبيل الآلام الدنيوية وعذاب القبر من جملة عذاب الآخرة شتان ما بينهما فإن العذاب الدنيوى لا مقدار له ولا اعتبار بالنسبة إلى عذاب الآخرة أعاذنا اللّه سبحانه فلو وقعت فى الدنيا شرارة من نار جهنم لأحرقت الكل وجعلت متلاشياً وزعم عذاب القبر كعذاب المنام من عدم الاطلاع على صورة العذاب وحقيقة العذاب وأيضاً إن منشأ هذا الاشتباه هو توهم مجانسة عذاب الدنيا بعذاب الآخرة وهذا توهم باطل بين البطلان ( فإن قيل ) قد يفهم من قوله تعالى اللّه يتوفى الأنفس حين موتها والتى لم تمت فى منامها إن توفى الأنفس كما هو فى الموت كذلك هو فى المنام أيضاً فما وجه عد عذاب أحدهما من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة من عذاب الآخرة ( أجيب ) إن التوفى فى المنام من قبيل خروج شخص من وطنه المألوف بالشوق والرغبة للنزاهة والنظارة ليحصل له الفرح والسرور فيرجع إلى وطنه فرحا مسرورا ومنتزهه عالم المثال الذى متضمن لعجائب الملك والملكوت ولا كذلك التوفى حين الموت فإن فيه هدم الوطن المألوف وتخريب البناء المعمور ومن ههنا لا تحصل المحنة والكلفة فى توفى النوم بل هو متضمن للفرح والسرور وفى توفى الموت شدة وكلفة فيكون وطن المتوفى النومى هو الدنيا وتكون المعاملة التى تظهر له من معاملات الدنيا والمتوفى الموتى منتقل إلى الآخرة بعد تخريب وطنه المألوف وكانت المعاملة معه من معاملات الآخرة ولعلكم سمعتم من مات فقد قامت قيامته وإياكم والانحراف عن الاعتقادات أهل السنة والجماعة شكر اللّه تعالى سعيهم اغترارا بالكشف الخيالية وظهور الصور المثالية فإن النجاة بدون متابعة هذه الفرقة الناجية غير متصورة فعليكم بالاجتهاد فى اتباع هؤلاء الأكابر غاية الإمكان تركين ما ينافيه كائنا ما كان ما على الرسول إلا البلاغ وقد أوردنى انبساطكم فى العبارة فى توهم أن هذه التخيلات تكاد تخرجكم من تقليد هؤلاء الأكابر وتجعلكم ممن يتبع كشفيات نفسه نعوذ باللّه سبحانه منها ومن شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا الشيطان عدو قوى ينبغى للإنسان أن يكون واقفاً على نفسه حتى لا يخرج من الصراط المستقيم إلى سكك أخر أى بلاء وقع لم تنجر مدة المفارقة إلى سنة حتى وقع الذهول عن الاحتياط والتزام متابعة السنة وأهل السنة وحصر النجاة فى تقليد هؤلاء الأكابر التى كانت فيكم وجعلتم متخيلاتكم مقتداكم وفرعتم عليها فروعات كثيرة واحتمال ملاقاتنا يرى بحسب الظاهر بعيداً جداً فعليكم المعيشة والمعاملة بحيث لا ينقطع حبل الرجاء ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا والسلام على من اتبع الهدى . |