Geri

   

 

 

İleri

 

٢٤

المكتوب الرابع والعشرون

إلى الملا محمد مراد الكشمى الذى هو من خدام المير محمد نعمان فى بيان مناقب أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورحمتهم ورأفتهم فيما بينهم

قال اللّه تبارك وتعالى محمد رسول اللّه والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم الآية مدح اللّه سبحانه فى هذه الآية أصحاب خير البشر عليه وعليهم الصلاة والسلام بكمال رحمة بعضهم لبعض التى كانوا عليها فإن الرحيم الذى هو واحد رحماء متضمن للمبالغة فى الرحمة وحيث أن الصفة المشتبهة دلالة على الاستمرار أيضاً ينبغى أن يكون رحمة بعضهم بعضاً على صفة الدوام والاستمرار سواء كان فى حضوره صلى اللّه عليه وسلم أو بعد ارتحاله وكلما هو مناف لرحمة بعضهم بعضا ينبغى أن يكون مسلوبا عنهم على الدوام ويكون احتمال البغض والحقد والحسد وعداوة بعضهم لبعض منتفيا عنهم على سبيل الاستمرار فإن كان جميع الصحابة الكرام متصفين بهذه الصفة المرضية كما هو مقتضى كلمة والذين التى هى من صيغ العموم والاستغراق ماذا تقول من أكابر الصحابة فإن هذه الصفة تكون فيهم أتم وأكمل وأوفى ولهذا قال صلى اللّه عليه وسلم ارحم أمتى بأمتى أبو بكر وقال عليه الصلاة والسلام فى شأن الفاروق رضى اللّه عنه لو كان بعدى نبى لكان عمر يعنى أن لوازم النبوة وكمالاتها كلها حاصلة فى عمر ولكن لما ختم منصب النبوة بخاتم الرسل عليه وعلى آله الصلاة والسلام لم يشرف بدولة منصب النبوة وأحد لوازم النبوة كمال الرحمة والشفقة على الخلق وأيضاً إن الرذائل التى تنافى الشفقة والرحمة ومن ذمايم الأخلاق من الحسد والبغض والحقد والعداوة كيف تتصور من قوم تشرفوا بشرف صحبة خير البشر عليه وعليهم الصلوات والتسليمات فإنهم أفضل هذه الأمة التى هى خير الأمم وأسبق أهل هذه الملة التى هى ناسخة لجميع الملل لأن قرنهم كان خير القرون وصاحبهم كان أفضل الأنبياء والمرسلين فلو كانوا موصوفين بهذه الصفات الردية التى على أحقر هذه الأمة المرحومة عار منها كيف يكونون أفضل هذه الأمة وبأى وجه تكون هذه الأمة خير الأمم وأى مزية وأى فضيلة تكون لا سبقية الإيمان وأولية إنفاق الأموال وبذل النفس وأى تأثير يكون لخيرية القرن وأى أثر يترتب على فضيلة صحبة خير البشر عليه وعلى آله الصلاة والسلام والذين يكونون فى صحبة أولياء هذه الأمة ينجون من هذه الرذائل فكيف تتوهم هذه الذمائم فى حق جماعة صرفوا أعمارهم فى صحبة أفضل الرسل عليه وعليهم الصلوات والتسليمات وبذلوا أموالهم وأنفسهم لتأييد دينه ونصرة ملته وإعلاء كلمته إلا إذا سقط عياذا باللّه سبحانه عظمة خير البشر عليه وعلى آله الصلاة والسلام وجلالته عن النظر وتوهم أن صحبته صلى اللّه عليه وسلم أنقص من صحبة ولى الأمة نعوذ باللّه سبحانه منه ومن المقرر أنه لا يبلغ ولى من أولياء الأمة مرتبة صحابى من صحابة تلك الأمة فكيف بمرتبة نبيها قال الشيخ الشبلى عليه الرحمة ما آمن برسول اللّه من لم يوقر أصحابه

( وجماعة من الناس ) يظنون أن أصحاب النبى عليه وعليهم الصلاة والسلام كانوا فرقتين فرقة كانت لهم مخالفة مع على رضى اللّه عنه وعنهم وفرقة كانت لهم موافقة به كرم اللّه وجهه وكان فى كل واحدة من هاتين الفرقتين عداوة وبغض وحقد فى حق الأخرى وبعض منهم بطن صفاته هذه تقية وملاحظة لبعض المصالح وزعموا أن تلك الرذائل امتدت فيهم إلى قرن واحد وما كانوا كانت فيهم هذه الذمايم وبهذا التوهم يذكرون مخالفى على كرم اللّه وجهه بالشر وينسبون إليهم أشياء غير مناسبة ينبغى أن ينصف فإنه على هذا التقدير يكون كلا الفريقين موردا للطعن ومتصفين برذائل الصفات ويصير أفضل هذه الأمة شر هذه الأمة بل شر جميع الأمم وتتبدل خيرية تلك الفرقة بالشرية أى أنصاف فى ذكر الشيخين رضى اللّه عنهما بسوء بهذا التوهم ونسبة أمور غير مناسبة إلى كبراء الدين وحضرة الصديق رضى اللّه عنه اتقى هذه الأمة بحكم نص القرآن فإن المفسرين ابن عباس وغيره أجمعوا على أن قوله تعالى وسيجنبها الأتقى الآية نزل فى شأن الصديق رضى اللّه عنه والمراد من الأتقى هو الصديق رضى اللّه عنه فإذا قال اللّه تعالى فى حق شخص أنه أتقى هذه الأمة التى هى خير الأمم ينبغى أن يتأمل أن تكفيره وتفسيقه وتضليله إلى أى حد من الشناعة يوصل

( واستدل ) الإمام الفخر الرازى بهذه الآية الكريمة على أفضلية الصديق رضى اللّه عنه فإن أكرم هذه الأمة المخاطبة بقوله تعالى إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم بحكم هذه الآية هو أتقى هذه الأمة حيث كان الصديق أتقى هذه الأمة بنص القرآن ينبغى أن يكون أكرم هذه الأمة عند الحق جل وعلى بحكم النص اللاحق هو الصديق رضى اللّه تعالى عنه أيضاً وأثبت أكابر أئمة السلف واحد منهم الإمام الشافعى رضى اللّه تعالى عنهم إجماع الصحابة والتابعين على أفضلية الشيخين رضى اللّه عنهما وحكم على كرم اللّه وجهه أيضاً بأفضلية الشيخين قال الذهبى الذى هو من أكابر المحدثين روى ذلك عن على نيف وثمانون نفرا وعبد الرزاق الذى هو من أكابر الشيعة حكم بأفضلية الشيخين بموجب هذا النقل وقال بهذه العبارة أفضل الشيخين لتفضيل على إياهما على نفسه وإلا لما فضلتهما كفر بى وزرا أن أحبه ثم أخالفه فتنقيص من كانوا أفضل هذه الأمة التى هى خير الأمم بحكم الكتاب والسنة وإجماع الأمة وباعتراف على أيضاً وتحقيرهم من أى إنصاف ومن أى ديانة وأى خير مودع فى ضمنه فلو كان فى سب أحد معنى الخيرية والعبادة لكان فى سب أبى جهل وأبى لهب الذين هما ملعونان ومطرودان بحكم نص القرآن ولحصل فى ضمنه حسنات كثيرة أى خيرية فى السب الذى هو متضمن للفحش والقطيعة خصوصاً فى حق شخص لا يستحقه ولا يكون أهلا له ووضع الشئ فى غير موضعه ظلم وفرق بين شئ وشئ وتفاوت بين موضع فيكون بين ظلم وظلم بونا بعيداً

( وخلافة ) ذى النورين رضى اللّه عنه ثابتة بإجماع الصحابة الكرام وبإتفاق صغار ذلك القرن الذى هو خير القرون وكبارهم وذكورهم وإناثهم

ولهذا قال العلماء إن الاتفاق والإجماع الذى وقع فى خلافة ذو النورين لم يتفق فى خلافة أحد من سائر الخلفاء الثلاثة فإنه لما كان فى بدء خلافته نوع تردد راعى أهل ذلك القرن فى تلك المادة احتياطا كثيرا ثم أقدموا عليها

( ينبغى ) أن يعلم أن الأصحاب الكرام رضى اللّه تعالى عنهم مبلغوا الكتاب والسنة وكان الإجماع أيضاً منوطاً بقرنهم فلو كان جميعهم أو بعضهم متصفين بالضلالة والفسق يرتفع الاعتماد عن كل الدين أو بعضه وتكون فائدة بعثة خاتم الأنبياء وأفضل الرسل قليلة وجامع القرآن المجيد هو حضرة عثمان بل حضرة الصديق وحضرة الفاروق رضى اللّه تعالى عنهم فلو كان هؤلاء مطعونا فيهم ومسلوبى العدالة أى اعتماد يبقى على القرآن وبأى شئ يكون الدين قائماً ينبغى أن يتأمل فى شناعة هذا الأمر أصحاب النبى صلى اللّه عليه وسلم كلهم عدول وكلما بلغنا بتبليغهم حق وصدق والمخالفات والمنازعات الواقعة فى زمن خلافة على رضى اللّه تعالى عنه لم تكن من جهة الهوى والهوس ولا لأجل حب الجاه والرياسة بل كانت على وجه الاجتهاد والاستنباط وإن كان فى اجتهاد واحد منهم خطأ واستنباطه بعيداً عن الصواب ومن المقرر عند علماء أهل السنة والجماعة رضى اللّه تعالى عنهم إن المحق فى تلك المحاربات والمشاجرات كان عليا كرم اللّه وجهه ومخالفوهم كانوا على خطاء ولكن لما كان منشأ هذا الخطاء الاجتهاد كان صاحبه بعيداً عن الطعن والملامة عليه والمقصود حقية جانب على وخطاء جانب مخالفيه وأهل السنة قائلون بذلك واللعن والطعن زيادة بلا فائدة بل متضمنة لاحتمال الضرر فإنهم أصحاب النبى صلى اللّه عليه وسلم ورضى عنهم وبعضهم مبشر بالجنة وبدرى مغفور له والعذاب الأخروى مرفوع عنه كما ورد فى الأحاديث الصحاح أن اللّه اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فإنى غفرت لكم وبعضهم تشرف ببيعة الرضوان وقد قال النبى صلى اللّه عليه وسلم لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة بل قال العلماء يفهم من القرآن المجيد أن جميع الصحابة من أهل الجنة لقوله تعالى لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد اللّه الحسنى واللّه بما تعملون خبير والحسنى هو الجنة فكل صحابى أنفق وقاتل قبل الفتح وبعده موعود له بالجنة قالوا إن صفة الإنفاق والقتال ليست للتقييد بل للمدح فإن جميع الصحابة كانوا متصفين بهاتين الصفتين فكلهم يكونون موعودا لهم بالجنة فينبغى الملاحظة إن ذكر أمثال هؤلاء الأكابر بشر وسوء الظن بهم فكيف يكون من الإنصاف والديانة

( فإن قيل ) قال جماعة أن بعض الأصحاب الكرام لم يبق بعد ارتحاله صلى اللّه عليه وسلم على ذلك الطريق بل انحرف من طريق الحق بواسطة حب الخلافة وطلب الجاه والرياسة وغصب عن على كرم اللّه وجهه منصب الخلافة بل يظنون أن انحرافه بلغ حد الكفر والضلالة فيكون هؤلاء المذكورون بزعم هذه الجماعة محرومين عما وعد به الأصحاب الكرام فإن نيل فضيلة الصحبة فرع تحقق الإسلام فإذا كان فى إسلامهم كلام كيف يكون للصحبة تأثير

( أجيب ) إن الخلفاء الثلاثة رضى اللّه عنهم مبشرون بالجنة ثبت ذلك بأحاديث صحيحة بلغت حد التواتر المعنوى فاحتمال الكفر والضلالة مدفوع عنهم والشيخان من أهل بدر وهم مغفور لهم مطلقاً على ما فى الأحاديث الصحاح وأيضاً إنهم من أهل بيعة الرضوان وهم من أهل الجنة بأحاديث صحيحة كما مر وعثمان لم يحضر بدر لأن النبى صلى اللّه عليه وسلم تركه فى المدينة لتمريض أهله بنت النبى صلى اللّه عليه وسلم قائلا بأن لك من الأجر ما لأهل بدر ولم يحضر بيعة الرضوان لأن النبى صلى اللّه عليه وسلم كان أرسله إلى مكة عند قريش وبايع عنه النبى صلى اللّه عليه وسلم بنفسه كما هو مشهور وأيضاً إن القرآن المجيد يشهد بجلالة شأن هؤلاء الأكابر ويخبر عن علو درجاتهم فمن أغمض عن الكتاب والسنة فهو خارج عن المبحث قال الشيخ السعدى رحمه اللّه .

من لم يقف عند الكتاب وسنة  * فجوابه أن لا تجيب وتسكتا

أى بلاء وقع لو كان فى الصديق احتمال الكفر والضلالة لما أجلسه الصحابة مع عدالتهم وكثرتهم مكان النبى صلى اللّه وسلم وفى تكذيب خلافة الصديق تكذيب ثلاث وثلاثين ألفا ومن أهل ذلك القرن الذى هو خير القرون ولا يجوز ذلك من له أدنى دراية أى خير يبقى فى قرن يجتمع من أهله ثلاث وثلاثون ألف على الباطل ويجلسون مكان النبى صلى اللّه عليه وسلم ضالا ومضلا رزق اللّه سبحانه لهؤلاء الجماعة الإنصاف حتى يكفوا لسانهم عن الطعن فى أكابر الدين ويراعوا حق صحبة النبى صلى اللّه عليه وسلم قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام اللّه اللّه فى أصحابى لا تتخذوهم عرضاً من بعدى من أحبهم فبحبى أحبهم ومن أبغضهم فببغضى أبغضهم ماذا أكتب زيادة على ذلك وكيف أجلى أجلى البديهات والقرآن المجيد مملوء بمدح الصديق نزلت فيه سورة الليل وآيات أخر وروى فى كمالاته وفضائله من الأحاديث الصحاح ما لا يعد ولا يحصى وورد فى كتب الأنبياء المتقدمين ذكر شمائله وأوصافه بل ذكر جميع الصحابة كما قال اللّه تعالى مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل ورأس هذه الأمة المرحومة التى الأمم ورئيسهم هو الصديق فإذا رموه بالكفر والضلالة بما يعتذرون فى حق غيره وبأى طريق يتكلمون اللّهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون والسلام على من اتبع الهدى والتزم متابعة المصطفى عليه وعلى آله أتم الصلوات وأكمل التسليمات .