Geri

   

 

 

İleri

 

   ٣  الفن الثالث في البديع

الفن الثالث في البديع

(وهو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام) أي يتصور به معانيها ويعلم اعداها وتفاصيلها بقدر الطاعة. والمراد بالوجوه ما مر في قوله وتتبعها وجوه اخر تورث الكلام حسنا وقبولا. وقوله

(بعد رعاية المطابقة) أي مطابقة الكلام لمقتضى الحال

(و) رعاية

(وضوح الدلالة) أي الخلو عن التعقيد المعنوي اشارة إلى ان هذه الوجوه انما تعد محسنة للكلام بعد رعاية الامرين والا لكان كتعليق الدرر على اعناق الخنازير والظرف اعني قوله بعد رعاية متعلق بقوله تحسين الكلام.

(وهى) أي وجوه تحسين الكلام

(ضربان معنوى) أي راجع إلى تحسين المعنى اولا وبالذات وان كان قد يفيد بعضها تحسين اللفظ ايضا

(ولفظي) أي راجع إلى تحسين اللفظ كذلك

(اما المعنوي) قدمه لان المقصود الاصلى والغرض الاولى هو المعاني والالفاظ توابع وقوالب لها

(فمنه المطابقة وتسمى الطباق والتضاد ايضا. وهى الجمع بين المتضادين أي معنيين متقابلين في الجملة) أي يكون بينهما. تقابل وتناف ولو في بعض الصور سواء كان التقابل حقيقيا أو اعتباريا وسواء كان تقابل التضاد أو تقابل الايجاب والسلب أو تقابل العدم والملكة أو تقابل التضائف أو ما يشبه شيئا من ذلك

(ويكون) ذلك الجمع

(بلفظين من نوع) واحد من انواع الكلمة

(اسمين نحو وتحسبهم ايقاظا وهم رقود أو فعلين نحو يحيى ويميت أو حرفين نحو لها ما كسبت وعليها ما اكتسب). فان في اللام معنى الانتفاع وفى على معنى التضرر أي لا ينتفع بطاعتها ولا يتضرر بمعصيتها غيرها

١٢٩

(أو من نوعين نحو أو من كان ميتا فاحييناه) فانه قد اعتبر في الاحياء معنى الحياة وفى الامانة معنى الموت والموت والحياة مما يتقابلان

٣-١ الطباق

وقد دل على الاول بالاسم وعلى الثاني بالفعل

(وهو) أي الطباق

(ضربان طباق الايجاب كما مر وطباق السلب وهو ان يجمع بين فعلى مصدر احدهما مثبت والاخر منفى أو احدهما امر والاخر نهى فالاول

(نحو قوله تعالى ولكن اكثر الناس لا يعلمون يعلمون) ظاهرا من الحياة الدنيا.

(و) الثاني

(نحو قوله تعالى ولا تخشوا الناس واخشوني، ومن الطباق) ما سماه بعضهم تدبيجا من دبج المطر الارض إذا زينها وفسره بان يذكر في معنى من المدح أو غيره الوان لقصد الكناية أو التورية واراد بالالوان ما فوق الواحد بقرينة الامثلة فتدبيج الكناية

(نحو قوله تردى) من ترديت الثوب اخذته رداء

(ثياب الموت حمرا فما اتى لها) أي لتلك الثياب

(الليل الا وهى من سندس خضر) يعنى ارتدى الثياب الملطخة بالدم فلم ينقض يوم قتله ولم يدخل في ليله الا وقد صارت الثياب من سندس خضر من ثياب الجنة فقد جمع بين الحمرة والخضرة وقصد بالاول الكناية عن القتل وبالثانى الكناية عن دخول الجنة. وتدبيج التورية كقول الحريري فمذ أغبر العيش الاخضر، وازور المحبوب الاصفر، اسود يومى الابيض وابيض فودى الاسود، حتى رثى لى العدو الازرق، فيا حبذا الموت الاحمر. فالمعنى القريب للمحبوب الاصفر هو الانسان الذى له صفرة والبعيد هو الذهب وهو المراد ههنا فيكون تورية وجمع الالوان لقصد التورية لا يقتضى ان يكون في كل لون تورية كما توهمه بعض

(ويلحق به) أي بالطباق شيئان احدهما الجمع بين معنيين بتعلق احدهما بما يقابل الاخر نوع تعلق مثل السببية واللزوم

(نحو قوله تعالى اشداء على الكفار رحماء بينهم. فان الرحمة وان لم تكن مقابلة للشدة لكنها مسببية عن اللين) الذى هو ضد الشدة.

(و) الثاني الجمع بين معنيين غير متقابلين عبر عنهما بلفظين يتقابل معناهما الحقيقي

(نحو قوله لا تعجبي يا سلم من رجل) يعنى نفسه ضحك المشيب برأسه) أي ظهر ظهورا تاما

(فبكى) ذلك الرجل فظهور الشيب لا يقابل البكاء الا انه قد عبر عنه بالضحك الذى معناه الحقيقي مقابل للبكاء.

(ويسمى الثاني ايهام التضاد) لان المعنيين قد ذكرا بلفظين يوهمان التضاد نظرا إلى الظاهر

(ودخل فيه) أي في الطباق بالتفسير الذى سبق ما يختص باسم المقابلة وان جعله السكاكى وغيره قسما برأسه من المحسنات المعنوية

(وهى ان يؤتى بمعنيين) متوافقين

(أو اكثر ثم) يؤتى

(بما يقابل ذلك) المذكور من المعنيين المتوافقين أو المعاني المتوافقة

(على الترتيب) فيدخل في الطباق لانه جمع بين معنيين متقابلين في الجملة.

١٣٠

(والمراد بالتوافق خلاف التقابل) حتى لا يشترط ان يكونا متناسبين أو متماثلين فمقابلة الاثنين بالاثنين

(نحو فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا) اتى بالضحك والقلة المتوافقين ثم بالبكاء والكثرة المتقابلين لهما

(و) مقابلة الثلاثة بالثلاثة

(نحو قوله ما احسن الدين والدنيا إذا اجتمعا، واقبح الكفر والافلاس بالرجل) اتى بالحسن والدين والغنى ثم بما يقابلها من القبح والكفر والا فلاس على الترتيب

(و) مقابلة الاربعة بالاربعة

(نحو فاما من اعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى، واما من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى،) والتقابل بين الجميع ظاهرا لا بين الاتقاء والاستغناء فبينه بقوله.

(والمراد باستغنى انه زهد فيما عند اللّه تعالى كانه استغنى عنه) أي اعرض عما عند اللّه تعالى

(فلم يتق أو) المراد باستغنى

(استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة فلم يتق) فيكون الاستغناء مستتبعا لعدم الاتقاء وهو مقابل للاتقاء فيكون هذا من قبيل قوله تعالى اشداء على الكفار رحماء بينهم،

(وزاد السكاكى) في تعريف المقابلة قيدا آخر حيث قال هي ان تجمع بين شيئين متوافقين أو اكثر وضديهما

(وإذا شرط ههنا) أي فيما بين المتوافقين أو المتوافقات

(امر شرط ثمة) أي فيما بين ضديهما أو اضدادها

(ضده) أي ضد ذلك الامر

(كهاتين الايتين فانه لما جعل التيسير مشتركا بين الاعطاء والاتقاء والتصديق جعل ضده) أي ضد التيسير وهو التعسير المعبر عنه بقوله فسنيسره للعسرى

(مشتركا بين اضدادها) وهى البخل والاستغناء والتكذيب، فعلى هذا لا يكون قوله ما احسن الدين إلى آخره من المقابلة لانه اشترط في الدين والدنيا الاجتماع ولم يشترط في الكفر والا فلاس ضده.

 ٣-٢مراعاة النظير

 ويسمى التناسب والتوفيق

(ومنه) أي من المعنوي

(مراعاة النظير ويسمى التناسب والتوفيق) والائتلاف والتلفيق

١٣١

(ايضا وهى جمع امر وما يناسبه لا بالتضاد) والمناسبة بالتضاد ان يكون كل منهما متقابلا للاخر، وبهذا القيد يخرج الطباق. وذلك قد يكون بالجمع بين الامرين

(نحو الشمس والقمر بحسبان) جمعا بين امرين

(و) نحو

(قوله) في صفة الابل

(كالقسى) جمع قوس

(المعطفات) أي المنحنيات

(بل الاسهم) جمع سهم

(مبرية) أي منحوتة

(بل الاوتار) جمع وتر جمع بين ثلاثة امور

مراعاة النظير ما يسميه بعضهم تشابه الاطراف

(ومنها) أي من مراعاة النظير ما يسميه بعضهم تشابه الاطراف وهو ان يختم الكلام بما يناسب ابتدائه في المعنى نحو

(لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير) فان اللطيف يناسب كونه غير مدرك بالابصار والخبير يناسب كونه مدركا بالابصار لان المدرك للشئ يكون خبيرا له عالما به.

(ويلحق بها) أي بمراعاة النظير ان تجمع بين معنيين غير متناسبين بلفظين يكون لهما معنيان متناسبان وان لم يكونا مقصودين ههنا

(نحو الشمس والقمر بحسبان والنجم) أي والنبات الذى ينجم أي يظهر من الارض له ساق له كالبقول

(والشجر) الذى له ساق

(يسجدان) أي ينقادان للّه تعالى فيما خلقا له، فالنجم بهذا المعنى وان لم يكون مناسبا للشمس والقمر لكنه قد يكون بمعنى الكوكب وهو مناسب لهما

(ويسمى ايهام التناسب) لمثل ما مر في ايهام التضاد.

 ٣-٣الارصاد

(ومنه) أي من المعنوي

(الارصاد) وهو في اللغة نصب الرقيب في الطريق

(ويسميه بعضهم التسهيم) يقال برد مسهم فيه خطوط مستوية

(وهو ان يجعل قبل العجز من الفقرة) وهى في النثر بمنزلة البيت من النظم، فقوله وهو يطبع الاسجاع بجواهر لفظه فقرة ويقرع الاسماع بزواجر وعظه فقرة اخرى، والفقرة في الاصل حلى يصاغ على شكل فقرة الظهر

(أو) من

(البيت ما يدل عليه) أي على العجز وهو آخر كلمة من الفقرة أو البيت

(إذا عرف الروى) فقوله ما يدل فاعل يجعل وقوله إذا عرف متعلق بقوله يدل والروى الحرف الذى يبنى عليه أو آخر الابيات أو الفقرة ويجب تكرره في كل منهما. وقيد بقوله إذا عرف الروى لان من الارصاد ما لا يعرف فيه العجز لعدم معرفة حرف الروى كما في قوله تعالى وما كان الناس الا امة واحدة فاختلفوا ولو لا كلمة سبقت من ربك لقضى بينهم فيما هم فيه يختلفون فلو لم يعرف ان حرف الروى هو النون لربما توهم ان العجز فيما هم فيه اختلفوا أو اختلفوا فيه فالارصاد في الفقرة

(نحو وما كان اللّه ليظلمهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون) وفى البيت

(نحو قوله إذا لم تستطع شيئا فدعه، وجاوزه إلى ما تستطيع.

١٣٢

 ٣-٤المشاركة

ومنه) أي ومن المعنوي

(المشاركة، وهى ذكر الشئ بلفظ غيره لوقوعه) أي ذلك الشئ

(في صحبته) أي ذلك الغير

(تحقيقا أو تقديرا) أي وقوعا محققا أو مقدرا

(فالاول نحو قوله قالوا اقترح شيئا) من اقترحت عليه شيئا إذا سألته اياه من غير روية وطلبته على سبيل التكليف والتحكم وجعله من اقترح الشئ ابتدعه غير مناسب على ما لا يخفى

(تجد) مجزوم على انه جواب الامر من الاجادة وهى تحسين الشئ

(لك لطبخه، قلت اطبخوا لى جبه وقميصا) أي خيطوا وذكر خياطة الجبة بلفظ الطبخ لوقوعها في صحبة طبخ الطعام

(ونحوه تعلم ما نفسي ولا اعلم ما في نفسك) حيث اطلق النفس على ذات اللّه تعالى لوقوعه في صحبة نفسي.

(والثانى) وهو ما يكون وقوعه في صحبة الغير تقديرا

(نحو) قوله تعالى قولوا آمنا باللّه، وما انزل الينا إلى قوله

(صبغة اللّه) ومن احسن من اللّه صبغة ونحن له عابدون

(وهو) أي قوله صبغة اللّه

(مصدر) لانه فعلة من صبغ كالجلسة من جلس وهى الحالة التى يقع عليها الصبغ

(مؤكد لآمنا باللّه أي تطهير اللّه لان الايمان يطهر النفوس) فيكون آمنا مشتملا على تطهير اللّه لنفوس المؤمنين ودالا عليه فيكون صبغة اللّه بمعنى تطهير اللّه مؤكدا لمضمون قوله آمنا باللّه ثم اشار إلى وقوع تطهير اللّه في صحبة ما يعبر عنه بالصبغ تقديرا بقوله

(والاصل فيه) أي في هذا المعنى وهو ذكر التطهير بلفظ الصبغ

(ان النصارى كانوا يغمسون اولادهم في ماء اصفر يسمونه المعمودية ويقولون انه) أي الغمس في ذلك الماء

(تطهير لهم) فإذا فعل الواحد منهم بولده ذلك قال الآن صار نصرانيا حقا فامر المسلمون بان يقولوا للنصارى قولا آمنا باللّه وصبغنا اللّه بالايمان صبغة لا مثل صبغتنا وطهرنا به تطهيرا لا مثل تطهيرنا. هذا إذا كان الخطاب في قوله قولوا آمنا باللّه للكافرين وان كان الخطاب للمسلمين فالمعنى ان المسلمين امروا بان يقولوا صبغنا اللّه بالايمان صبغة ولم يصبغ صبغتكم ايها النصارى

(فعبر عن الايمان باللّه بصبغة اللّه للمشاركة) لوقوعه في صحبة صبغة النصارى تقديرا

(بهذه القرينة) الحالية التى هي سبب النزول من غمس النصارى اولادهم في الماء الاصفر وان لم يذكره ذلك لفظا.

 ٣-٥ المزاوجة

(ومنه) أي ومن المعنوي

(المزاوجة، وهى ان تزاوج) أي توقع المزاوجة على ان الفعل مسند إلى ضمير المصدر أو إلى الظرف اعني قوله

(بين معنيين في الشرط والجزاء) والمعنى بجعل معنيان واقعان في الشرط والجزاء مزدوجين في ان يرتب على كل منهما معنى رتب على الاخر

(كقوله إذا ما نهى الناهي) ومنعنى عن حبها

(فلج بى الهوى) لزمنى

(اصخت إلى الواشى) أي استمعت إلى النمام الذى يشى حديثه ويزينه وصدقته فيما افترى على

(فلج بها الهجر) زواج بين نهى الناهي واصاختها إلى الواشى الواقعين في الشرط والجزاء في ان رتب عليهما لجاج شئ. وقد يتوهم من ظاهر العبارة ان المزاوجة هي ان نجمع بين معنيين في الشرط ومعنيين في الجزاء كما جمع في الشرط بين نهى الناهي ولجاج الهوى وفى الجزاء بين اصاختها إلى الواشى ولجاج الهجر وهو فاسد إذ لا قائل بالمزاوجة في مثل قولنا إذا جاءني زيد فسلم على اجلسته فانعمت عليه. وما ذكرنا هو المأخوذ من كلام السلفة.

١٣٣

 ٣-٦العكس

(ومنه) أي من المعنوي

(العكس) والتبديل

(وهو ان يقدم جزء من الكلام على جزء) آخر

(ثم يؤخر) ذلك المقدم عن الجزء المؤخر اولا، والعبارة الصريحة ما ذكره بعضهم وهو ان تقدم في الكلام جزءا ثم تعكس فتقدم ما اخرت وتؤخر ما قدمت.

وظاهر عبارة المصنف صادق على نحو عادات السادات اشرف العادة وهو ليس من العكس

(ويقع) العكس

(على وجوه منها ان يقع بين احد طرفي جملة وبين ما اضيف إليه ذلك الطرف نحو عادات السادات سادات العادات) فالعادات احد طرفي الكلام والسادات مضاف إليه لذلك الطرف. وقد وقع العكس بينهما بان قدم اولا العادات على السادات ثم السادات على العادات.

 (ومنها) أي من الوجوه

(ان يقع بين متعلقي فعلين في جملتين نحو يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى) فالحي والميت متعلقان بيخرج وقد قدم اولا الحى على الميت وثانيا الميت على الحى.

 (ومنها) أي من الوجوه

(ان يقع بين لفظين في طرفي جملتين نحو لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن) قدم اولاهن على هم وثانيا هم على هن وهما لفظان وقع احدهما في جانب المسند إليه والآخر في جانب المسند.

 ٣-٧الرجوع

ومنه) أي من المعنوي

(الرجوع، وهو العود إلى الكلام السابق بالنقض) أي بنقضه وابطاله

(لنكتة كقوله قف بالديار التى لم يعفها القدم) أي لم يبلها تطاول الزمان وتقادم العهد ثم عاد إلى ذلك الكلام ونقضه بقوله

(بلى وغيرها الارياح والديم) أي الرياح والامطار والنكتة اظهار التحير والتدله كانه اخبر اولا بما لا تحقق له ثم افاق بعض الافاقة فنقض الكلام السابق قائلا بلى عفاها القدم وغيرها الارياح والمديم

 ٣-٨التورية

(ومنه) أي ومن المعنوي

(التورية وتسمى الايهام ايضا، وهو ان يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد ويراد به البعيد) اعتمادا على قرينة خفية

(وهى ضربان) الاولى

(مجردة وهى) التورية

(التى لا تجامع شيئا مما يلائم) المعنى

(القريب نحو الرحمن على العرش استوى) فانه اراد باستوى معناه البعيد وهو استولى ولم يقرن به شئ مما يلائم المعنى القريب الذى هو الاستقرار

١٣٤

(و) الثانية

(مرشحة) وهى التى تجامع شيئا مما يلائم المعنى القريب

(نحو والسماء بنيناها بايد) اراد بالا يدى معناه البعيد وهو القدرة وقد قرن لها ما يلائم المعنى القريب الذى هو الجارية المخصوصة وهو قوله بنيناها إذ البناء يلائم اليد وهذا مبنى على ما اشتهر بين اهل الظاهر من المفسرين والا فالتحقيق ان هذا تمثيل وتصوير لعظمته وتوقيف على كنه جلاله من غير ان يتمحل للمفردات حقيقة أو مجازا

 ٣-٩الاستخدام

(ومنه) أي ومن المعنوي

(الاستخدام وهو ان يراد بلفظ له معنيان احدهما ثم يراد بضميره) أي بالضمير العائد إلى ذلك اللفظ

(معناه الاخر أو يراد باحد ضميريه احدهما) أي احد المعنيين ثم يراد بالاخرى معناه الاخر ويجوز في كليهما ان يكونا حقيقيين وان يكونا مجازيين أو ان يكونا مختلفين

(فالاول) وهو ان يراد باللفظ احد المعنيين وبضميره معناه الاخر

(كقوله إذا نزل السماء بارض قوم، رعيناه وان كانوا غضابا) جمع غضبان اراد بالسماء الغيث وبالضمير الراجع إليه في رعيناه، النبت وكلا المعنيين مجازى

(والثانى) وهو ان يراد باحد ضميريه احد المعنيين وبالضمير الاخر معناه الاخر

(كقوله فسقى الغضا والساكنيه وان هم، شبوه بين جوانحي وضلوعي) اراد باحد ضميري الغضا اعني المجرور في الساكنيه المكان الذى فيه شجرة الغضا وبالاخر اعني المنصوب في شبوه النار الحاصلة من شجرة الغضا وكلاهما مجازى

 ٣-١٠اللف والنشر

(ومنه) أي من المعنوي

(اللف والنشر، وهو ذكر متعدد على التفصيل أو الاجمال ثم) ذكر

(ما لكل واحد من آحاد هذا المتعدد من غير تعيين ثقة) أي الذكر بدون التعيين لاجل الوثوق

(بان السامع يرده إليه) أي يرد ما لكل من آحاد هذا المتعدد إلى ما هو له لعلمه بذلك بالقرائن اللفظية أو المعنوية

(فالاول) وهو ان يكون ذكر المتعدد على التفصيل

(ضربان لان النشر

١٣٥

اما على ترتيب اللف) بان يكون الاول من المتعدد في النشر للاول من المتعدد في اللف والثانى للثاني وهكذا إلى الاخر

(نحو ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) ذكر الليل والنهار على التفصيل ثم ذكر ما لليل وهو السكون فيه وما للنهار وهو الابتغاء من فضل اللّه فيه على الترتيب. فان قيل عدم التعيين في الاية ممنوع فان المجرور من فيه عائد إلى الليل لا محالة.

قلنا نعم ولكن باعتبار احتمال ان يعود إلى كل من الليل والنهار يتحقق عدم التعيين

(واما على غير ترتيبه) أي ترتيب اللف سواء كان معكوس الترتيب

(كقوله كيف اسلو وانت حقف) وهو البقاء من الرمل

(وغصن، وغزال لحظا وقد اوردفا) فاللحظ للغزال والقد للغصن والردف للحقف أو مختلطا كقولك هو شمس واسد وبحر جودا وبهاءا وشجاعة.

(والثانى) وهو ان يكون ذكر المتعدد على الاجمال

(نحو قوله تعالى وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى) فان الضمير في قالوا لليهود والنصارى فذكر الفريقان على وجه الاجمال بالضمير العائد اليهما ثم ذكر ما لكل منهما

(أي قالت اليهود لن يدخل الجنة الا من كان هودا وقالت النصارى لن يدخل الجنة الا من كان نصارى فلف) بين الفريقين أو القولين اجمالا

(لعدم الالتبا) والثقة بان السامع يرد إلى كل فريق أو كل قول مقوله

(للعلم) بتضليل كل فريق صاحبه واعتقاده ان داخل الجنة هو لاصاحبه. ولا يتصور في هذا الضرب الترتيب وعدمه. ومن غريب اللف والنشر ان يذكر متعدد ان أو اكثر ثم يذكر في نشر واحد ما يكون لكل من آحاد كل المتعدين كما تقول الراحة والتعب في العدل والظلم قد سد من ابوابها ما كان مفتوحا وفتح من طرقها ما كان مسدودا.

 ٣-١١الجمع

(ومنه) أي ومن المعنوي

(الجمع) وهو ان يجمع بين متعدد اثنين أو اكثر

(في حكم واحد كقوله تعالى المال والبنون زينة الحيوة الدنيا ونحو قاله) أي قول ابى العتاهية، علمت يا مجاشع بن مسعدة

(ان الشباب والفراغ والجدة) أي الاستغناء

(مفسدة) أي داعية إلى الفساد

(للمراء) أي مفسدة.

١٣٦

 ٣-١٢التفريق

ومنه) أي ومن المعنوي

(التفريق وهو ايقاع تباين بين امرين من نوع في المدح أو غيره كقوله ما نوال الغمام وقت ربيع كنوال الامير يوم سخاء فنوال الامير بدرة عين) هي عشرة آلاف درهم

(ونوال الغمام قطرة ماء) اوقع التباين بين النوالين.

 ٣-١٣التقسيم

(ومنه) اي ومن المعنوي

(التقسيم وهو ذكر متعدد ثم اضافه ما لكل إليه على التعيين) وبهذا القيد يخرج اللف والنشر وقد اهمله السكاكى فتوهم بعضهم ان التقسيم عنده اعم من اللف والنشر. اقول ان ذكر الاضافة مغن عن هذا القيد إذ ليس في اللف والنشر اضافة ما لكل إليه بل يذكر فيه ما لكل إليه حتى يضيفه السامع إليه ويرده

(كقوله) أي قول المتلمس

(ولا يقيم على ضيم) أي ظلم

(يراد به) الضمير عائد إلى المستثنى منه المقدر العام

(الا الاذلان) في الظاهر فاعل لا يقيم وفى التحقيق يدل أي لا يقيم احد على ظلم يقصد به الاهذان

(عير الحى) وهو الحمار

(والوتد هذا) أي عير الحى

(على الخسف) أي الذل

(مربوط برمته) هي قطعة حبل بالية

(وذا) أي الوتد

(يشج) أي يدق ويشق رأسه

(فلا يرثى) أي فلا يرق ولا يرحم

(له احد) ذكر العير والوتد ثم اضاف إلى الاول الربط على الخسف والى الثاني الشج على التعيين. وقيل لا تعيين لان هذا وذا متساويان في الاشارة إلى القريب فكل منهما يحتمل ان يكون اشارة إلى العير والى الوتد فالبيت من اللف والنشر دون التقسيم. وفيه نظر لانا لا نسلم التساوى بل في حرف التشبيه ايماء إلى ان القرب فيه اقل بحيث يحتاج إلى تنبيه ما بخلاف المجرد عنها فهذا للقريب اعني العير وذا للاقرب اعني الوند. وامثال هذه الاعتبارات لا ينبغى ان تهمل في عبارات البلغاء بل ليست البلاغة الارعاية امثال ذلك.

 ٣-١٤الجمع مع التفريق

(ومنه) أي ومن المعنوي

(الجمع مع التفريق وهو ان يدخل شيئان في معنى ويفرق بين جهتى الادخال كقوله فوجهك كالنار في ضوئها، وقلبي كالنار في حرها) ادخل قلبه ووجه الحبيب في كونهما كالنار ثم فرق بينهما بان وجه الشبه في الوجه الضوء واللمعان وفى القلب الحرارة والاحتراق.

 ٣-١٥الجمع مع التقسيم

(ومنه) أي ومن المعنوي

(الجمع مع التقسيم، وهو جمع متعدد تحت حكم ثم تقسيمه أو العكس) أي من تقسيم متعدد ثم جمعة تحت حكم

(فالاول) أي الجمع ثم التقسيم

١٣٧

(كقوله حتى اقام) أي الممدوح ولتضمين الاقامة معنى التسليط عداها بعلى فقال

(على ارباض) جمع ربض وهو ما حول المدينة

(حرشنة) وهى بلدة من بلاد الروم

(تشقى به الروم والصلبان) جمع صليب النصارى

(والبيع) جمع بيعة وهى معبدهم وحتى متعلق بالفعل في البيت السابق اعني قاد المقانب أي العساكر جمع في هذا البيت شقاء الروم بالممدوح ثم قسم فقال

(للسبى ما نكحوا والقتل ما ولدوا) ذكر ما دون من اهانة وقلة المبالات بهم كأنهم من غير ذوى العقول وملايمة بقوله

(والنهب ما جمعوا والنار ما زرعوا والثانى) أي التقسيم ثم الجمع

(كقوله قوم إذا حاربوا ضر واعدوهم، أو حاولوا) أي طلبوا

(النفع في اشياعهم) أي اتباعهم وانصارهم

(نفعوا سجية) أو غريزة وخلق

(وتلك) الخصلة

(منهم غير محدثة ان الخلائق) جمع خليفة والطبيعة وهى الخلق

(فاعلم شرها البدع) جمع بدعة وهى المبتدعات والمحدثات قسم في الاول صفة الممدوحين إلى ضرر الاعداء ونفع الاولياء ثم جمعها في الثاني تحت كونها سجية.

 ٣-١٦الجمع مع التفريق والتقسيم

(ومنه) أي ومن المعنوي

(الجمع مع التفريق والتقسيم). وتفسيره ظاهر مما سبق فلم يتعرض له

(كقوله تعالى يوم يأتي) يعنى يأتي اللّه أي أمره أو يأتي اليوم أي هو له والظرف منصوب باضمار اذكروا بقوله

(لا تكلم نفس) أي بما ينتفع من جواب أو شفاعة

(الا باذنه. فمنهم) أي من اهل الموقف

(شقى) مقضى له بالنار

(وسعيد) مقضى له بالجنة

(فاما الذين شقوا ففى النار لهم فيها زفير) أي اخراج النفس بشدة

(وشهيق) رده بشدة

(خالدين فيها ما دامت السموات والارض) أي سموات الاخرة وارضها. وهذه العبارة كناية عن التأبيد ونفى الانقطاع

(الا ما شاء ربك) أي الا وقت مشيئة اللّه تعالى

(ان ربك فعال لما يريد) من تخليد البعض كالكفار واخراج البعض كالفساق

(واما الذين سعدوا ففى الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) أي غير مقطوع بل ممتد إلى غير النهاية ومعنى الاستثناء في الاول ان بعض الاشقياء لا يخلدون في النار كالعصاة من المؤمنين الذين شقوا بالعصيان. وفى الثاني ان بعض السعداء لا يخلدون في الجنة بل يفارقونها ابتداء يعنى ايام عذابهم كالفساق من المؤمنين الذى سعدوا بالايمان والتأبيد من مبدأ معين فكما ينتقض باعتبار الانتهاء فكذلك باعتبار الابتداء. فقد جمع الا نفس بقوله لا تكلم نفس ثم فرق بينهم بان بعضهم شقى وبعضهم سعيد بقوله فمنهم شقى وسعيد ثم قسم بان اضاف إلى الاشقياء مالهم من عذاب النار والى السعداء مالهم من نعيم الجنة بقوله فاما الذى شقوا إلى آخر الاية.

١٣٨

(وقد يطلق التقسيم على امرين آخرين

احدهما ان يذكر احوال الشيئ مضافا إلى كل من تلك الاحوال) ما يليق به كقوله سأطلب حقى بالقناء والمشايخ، كأنهم من طول ما التثموا مرد

(ثقال) أي لشدة وطائهم على الاعداء

(إذا لاقوا) أي حاربوا الاعداء

(خفاف) أي مسرعين إلى الاجابة

(إذا دعوا) إلى كفاية مهم ودفاع ملم

(كثير إذا شدوا) لقيام واحد مقام الجماعة

(قليل إذا عدوا،) ذكر احوال المشايخ واضاف إلى كل حال ما يناسبها بان اضاف إلى الثقل حال الملاقاة والى الخفة حال الدعاء وهكذا إلى الاخر

(والثانى استيفاء اقسام الشيئ كقوله تعالى يهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا واناثا ويجعل من يشاء عقيما) فان الانسان اما ان لا يكون له ولد أو يكون له ولد ذكرا أو انثى أو ذكر وانثى وقد استوفى في الاية جميع الاقسام.

 ٣-١٧التجريد

(ومنه) أي ومن المعنوي

(التجريد وهو ان ينتزع من امر ذى صفة) امر

(آخر مثله فيها) أي مماثل لذلك الامر ذى الصفة في تلك الصفة

(مبالغة) أي لاجل المبالغة وذلك

(لكماها) أي تلك الصفة

(فيه) أي في ذلك الامر حتى كانه بلغ من الاتصاف بتلك الصفة إلى حيث يصح ان ينتزع منه موصوف آخر بتلك الصفة.

(وهو) أي التجريد

(اقسام منها) أي ما يكون بمن التجريدية

(نحو قولهم لى من فلان صديق حميم) أي قريب يهتم لامره.

(أي بلغ فلان من الصداقة حدا صح معه) أي مع ذلك الحد

(ان يستخلص معه) أي من فلان صديق.

(آخر مثله فيها) أي في الصداقة.

(ومنها) ما يكون بالباء التجريدية الداخلة على المنتزع منه

(نحو قولهم لئن سألت فلانا لتسألن به البحر) بالغ في اتصافه بالسماحة حتى انتزع منه بحرا في السماحة.

١٣٩

(ومنها) ما يكون بدخول باء المعية في المنتزع

(نحو قوله وشوهاء) أي فرس قبيح المنظر لسعة اشداقها أو لما اصابها من شدائد الحرب

(تعدوا) أي تسرع

(بى إلى صارخ الوغى،) أي مستغيث في الحرب

(بمستلئم) أي لا بس لامة وهى الدرع والباء للملابسة والمصاحبة

(مثل الفتيق) هو الفحل المكرم

(المرحل) من رحل البعير اشخصه من مكانه وارسله أي تعدو بى ومعى من نفسي مستعد للحرب بالغ في استعداده للحرب حتى انتزع منه مستعدا آخر.

(ومنها) أي ما يكون بدخول في في المنتزع منه

(نحو قوله تعالى لهم فيها دار الخلد أي في جهنم وهى دار الخلد) لكنه انتزع منه دارا اخرى وجعلها معدة في جهنم لاجل الكفار تهويلا لامرها ومبالغة في اتصافها بالشدة.

(ومنها) ما يكون بدون توسط حرف

(نحو قوله فلئن بقيت لارحلن بغزوة، تحوى) أي تجمع

(الغنائم أو يموت) منصوب باضمار ان أي الا ان يموت

(كريم) يعنى نفسه انتزع من نفسه كريما مبالغة في كرمه، فان قيل هذا من قبيل الالتفات من التكلم إلى الغيبة، قلنا لا ينافى التجريد على ما ذكرنا.

(وقيل تقديره أو يموت منى كريم) فيكون من قبيل لى من فلان صديق حميم ولا يكون قسما آخر.

(وفيه نظر) لحصول التجريد تمام المعنى بدون هذا التقدير.

(ومنها) ما يكون بطريق الكناية

(نحو قوله يا خير من يركب المطى ولا يشرب كاسا بكف من بخلا) أي تشرب الكاس بكف الجواد انتزع منه جواد يشرب هو بكفه على طريق الكناية لانه إذا نفى عنه الشرب بكف البخيل فقد ثبت له الشرب بكف كريم ومعلوم انه يشرب بكفه فهو ذلك الكريم، وقد خفى هذا على بعضهم فزعم ان الخطاب ان كان لنفسه فهو تجريد والا فليس من التجريد في شيئ بل كناية عن كون الممدوح غير بخيل، واقول الكناية لاينا في التجريد على ما قررناه ولو كان الخطاب لنفسه لم يكن قسما بنفسه بل داخل في قوله

(ومنها مخاطبة الانسان نفسه) وبيان التجريد في ذلك انه ينتزع من نفسه شخصا آخر مثله في الصفة التى سبق لها الكلام ثم يخاطبه

(كقوله لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق ان لم يسعد الحال) أي الغنى فكأنه انتزع من نفسه شخصا آخر مثله في فقد الخيل والمال وخاطبه.

١٤٠

 ٣-١٨المبالغة المقبولة

(ومنه) أي ومن المعنوي

(المبالغة المقبولة) لان المردودة لا تكون من المحسنات، وفى هذا اشارة إلى الرد على من زعم ان المبالغة مقبولة مطلقا وعلى من زعم انها مردودة مطلقا، ثم انه فسر مطلق المبالغة وبين اقسامها والمقبولة منها والمردودة منها فقال

(والمبالغة) مطلقا

(ان يدعى لوصف بلوغه في الشدة أو الضعف حدا مستحيلا أو مستبعدا) وانما يدعى ذلك

(لئلا يظن انه) أي ذلك الوصف

(غير متناه فيه) أي في الشدة أو الضعف، وتذكير الضمير وافراده باعتبار عوده إلى احد الامرين

(وتنحصر المبالغة)

(في التبليغ والاغراق والغلو) لا بمجرد الاستقراء بل بالدليل القطعي. وذلك

(لان المدعى ان كان ممكنا عقلا وعادة فتبليغ كقوله فعادى) يعنى الفراس

(عداءا) هو الموالاة بين الصيدين يصرع احدهما إلى اثر الاخر في طلق واحد

(بين ثور) يعنى الذكر من بقر الوحش

(ونعجة) يعنى الانثى منها

(دراكا) أي متتابعا

(فلم ينضح بماء فيغسل) مجزوم معطوف على ينضح أي لم يعرق فلم يغسل. ادعى ان فرسه ادرك ثورا ونعجة في مضمار واحد ولم يعرق، وهذا ممكن عقلا وعادة

(وان كان ممكنا عقلا لا عادة فاغراق كقوله ونكرم جارنا ما دام فينا، ونتعبه) من الاتباع أي نرسل

(الكرامة) على اثره

(حيث مالا) أي سار وهذا ممكن عقلا وممتنع عادة

(وهما) أي التبليغ والاغراق

(مقبولان والا) أي وان لم يكن ممكنا لا عقلا ولا عادة لامتناع ان يكون ممكنا عادة ممتنعا عقلا إذ كل ممكن عادة ممكن عقلا ولا ينعكس

(فغلو كقوله واخفت اهل الشرك حتى انه) الضمير للشأن

(لتخافك النطف التى لم تخلق) فان خوف النطفة الغير المخلوقة ممتنع عقلا وعادة والمقبول منه) أي من الغلو

(اصناف منها ما ادخل عليه ما يقربه إلى الصحة نحو) لفظة

(يكاد في قوله تعالى يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار،

١٤١

 ومنها ما تضمن نوعا حسنا من التخييل كقوله عقدت سنابكها) أي حوافر الجياد

(عليها) يعنى فوق رؤسها

(عثيرا) بكسر العين أي غبارا. ومن لطائف العلامة في شرح المفتاح العثير الغبار ولا تفتح فيه العين. والطف من ذلك ما سمعت ان بعض البغالين كان يسوق بغلته في سوق بغداد وكان بعض عدول دار القضاء حاضرا فضرطت البغلة فقال البغال على ما هو دأبهم بحلية العدل بكسر العين يعنى احد شقى الوقر فقال بعض الظرفاء على الفور افتح العين فان المولى حاضر. ومن هذا القبيل ما وقع لى في قصيدة علا: فاصبح يدعوه الورى ملكا، وريثما فتحوا عينا غدا ملكا. ومما يناسب هذا المقام ان بعض اصحابي ممن الغالب على لهجتهم امالة الحركات نحو الفتحة اتانى بكتاب فقلت لمن هو فقال لمولانا عمر بفتح العين فضحك الحاضرون فنظر إلى كالمتعرف عن سبب ضحكهم المسترشد بطريق الصواب فرمزت إليه بعض الجفن وضم العين فتفطن للمقصود واستظرف الحاضرون ذلك

(لو تبتغى) أي تلك الجياد

(عنقا) هو نوع من السير

(عليه) أي على ذلك العثير

(لا مكنا) أي العنق ادعى ان تراكم الغبار المرتفع من سنابك الخيل فوق رؤسها بحيث صار ارضا يمكن سيرها عليه. وهذا ممتنع عقلا وعادة لكنه تخييل حسن

(وقد اجتمعا) أي ادخال ما يقربه إلى الصحة وتضمن التخييل الحسن

(في قوله يخيل إلى ان سمر الشهب في الدجى، وشدت باهدابى اليهن اجفاني) أي يوقع في خيالي ان الشهب محكمة بالمسامير لا تزول عن مكانها وان اجفان عينى قد شدت باهدابها إلى الشهب لطول ذلك الليل وغاية سهري فيه. وهذا تخييل حسن ولفظ يخيل يقربه من الصحة ويزيده حسنا

(ومنها ما اخرج مخرج الهزل والخلاعة كقوله اسكر بالامس ان عزمت على الشرب غدا ان ذا من العجب ومنه) أي ومن المعنوي

(المذهب الكلامي وهو ايراد حجة للمطلوب على طريقة اهل الكلام) وهو ان تكون بعد تسليم المقدمات مستلزمة للمطلوب

(نحو لو كان فيهما آلهة الا إليه لفسدتا) واللازم وهو فساد السموات والارض باطل لان المراد به خروجهما عن النظام الذى هما عليه فكذا الملزوم وهو تعدد الالهة وهذه الملازمة من المشهورات الصادقة التى يكتفى بها في الخطابيات دون القطعيات المعتبرة في البرهانيات

(وقوله حلفت فلم اترك لنفسك ريبة) أي شكا

(وليس وراء اللّه للمرء مطلب) أي هو اعظم المطالب والحلف به اعلى الاحلاف فكيف يحلف به كاذبا

(لئن كنت) اللام لتوطئة القسم

(قد بلغت عنى جناية، لمبلغك) اللام جواب القسم

(الواشى اغش) من غش إذا خان

(واكذب ولكننى كنت امرءا لى جانب. من الارض فيه أي في ذلك الجانب

(مستراد) أي موضع طلب الرزق من راد الكلاء وارتاده

(ومذهب) أي موضع ذهاب للحاجات

(ملوك) أي في ذلك الجانب ملوك

(واخوان إذا ما مدحتهم احكم في اموالهم) أي اتصرف فيها كيف شئت

(واقرب) عندهم واصير رفيع المرتبة

١٤٢

(كفعلك) أي كما تفعله انت

(في قوم ازاك اصطنعتهم) أي واحسنت إليهم

(فلم ترهم في مدحهم لك اذنبوا) أي لا تعاتبني على مدح آل جفنة المحسنين إلى والمنعمين على كما لا تعاتب قوما احسنت إليهم فمدحوك ان مدح اولئك لا يعد ذنبا كذلك مدحى لمن احسن إلى. وهذه الحجة على طريق التمثيل الذى يسميه الفقهاء قياسا. ويمكن رده إلى صورة قياس استثنائي أي لو كان مدحى لال جفنة ذنبا لكان مدح ذلك القوم لك ايضا ذنبا واللازم باطل فكذا الملزوم

 ٣-١٩حسن التعليل

(منه) أي ومن المعنوي

(حسن التعليل) وهو ان يدعى لوصف علة مناسبة له باعتبار لطيف) أي بان ينظر نظرا يشتمل على لطف ودقة

(غير حقيقي) أي لا يكون ما اعتبر علة له في الواقع كما إذا قلت قتل فلان اعاديه لدفع ضررهم فانه ليس في شئ من حسن التعليل وما قيل من ان هذا الوصف اعني غير حقيقي ليس بمفيد لان الاعتبار لا يكون الاغير حقيقي فغلط ومنشأه ما سمع ان ارباب المعقول يطلقون الاعتباري على ما يقابل الحقيقي. ولو كان الامر كما توهم لوجب ان يكون جميع اعتبارات العقل غير مطابق للواقع

(وهو اربعة اضرب لان الصفة) التى ادعى لها علة مناسبة

(اما ثابتة قصد بيان علتها أو غير ثابتة اريد اثباتها والاولى اما ان لا يظهر لها في العادة علة) وان كانت لا تخلو في الواقع عن علة

(كقوله لم يحك) أي لم يشابه

(نائلك) أي عطائك

(السحاب وانما حمت به) أي صارت محمومة بسبب نائلك وتفوقه عليها

(فصبيبها الرحضاء) أي فالمصبوب من السحاب، هو عرق الحمى فنزول المطر من السحاب صفة ثابتة لا يظهر لها في العادة علة. وقد عللّه بانه عرق حماها الحادثة بسبب عطاء الممدوح

١٤٣

(أو يظهر لها) أي لتلك الصفة

(علة غير) العلة

(المذكورة) لتكون المذكورة غير حقيقية فتكون من حسن التعليل

(كقوله ما به قتل اعاديه ولكن يتقى اخلاف ما ترجو الذئاب فان قتل الاعداء في العادة لدفع مضرتهم) وصفوة المملكة عن منازعتهم

(لا لما ذكره) من ان طبيعة الكرم قد غلبت عليه ومحبة صدق رجاء الراجين بعثته على قتل اعاديه لما علم من انه إذا توجه إلى الحرب صارت الذئاب ترجوا اتساع الرزق عليها بلحوم من يقتل من الاعادي. وهذا مع انه وصف بكمال الجود وصف بكماله الشجاعة حتى ظهر ذلك للحيوانات العجم.

(والثانية) أي الصفة الغير الثابتة التى اريد اثباتها

(اما ممكنة كقوله يا واشيا حسنت فينا اسائته، نجى حذارك) أي حذارى اياك

(انسانى) أي انسان عينى

(من الغرق فان استحسان اسائة الواشى ممكن لكن لما خالف) أي الشاعر

(للناس فيه) إذ لا يستحسنه الناس

(عقبه) أي عقب الشاعر استحسان اسائة الواشى

(بان حذاره منه) أي من الواشى

(نجى انسانه من الغرق في الدموع) حيث ترك البكاء خوفا منه

(أو غير ممكنة كقوله لو لم تكن نية الجوزاء خدمته، لما رأيت عليها عقد منتطق) من انتطق أي شد النطاق. وحول الجوزاء كواكب يقال لها نطاق الجوزاء فنية الجوزاء خدمة الممدوح صفة غير ممكنة الممدوح صفة غير ممكنة قصد اثباتها كذا في الايضاح. وفيه بحث لان مفهوم هذا الكلام هو ان نية الجوزاء خدمة الممدوح علة لرؤية عقد النطاق عليها اعني لرؤية حالة شبيهة بانتطاق المنتطق كما يقال لو لم تجئنى لم اكرمك يعنى ان علة الاكرام هي المجئ وهذه صفة ثابتة قصد تعليلها بنية الخدمة الممدوح فيكون من الضرب الاول وهو الصفة الثابتة التى قصد علتها. وما قيل من انه اراد ان الانتطاق صفة ممتنعة الثبوت للجوزاء وقد اثبتها الشاعر وعللّها بنية الجوزاء خدمة الممدوح فهو مع انه مخالف بصريح كلام المصنف في الايضاح ليس بشئ لان حديث انتطاق الجوزاء اعني الحالة الشبيهة بذلك ثابت بل محسوس. والاقرب ان يجعل لو ههنا مثلها في قوله تعالى لو كان فيهما آلهة الا اللّه لفسدتا اعني الاستدلال بانتفاء الثاني على انتفاء الاول فيكون الانتطاق علة لكون نية الجوزاء خدمة الممدوح أي دليلا عليه وعلة للعلم مع انه وصف غير ممكن

(والحق به) أي بحسن التعليل

(ما بنى على الشك) ولم يجعل منه لان فيه ادعاء واصرارا والشك ينافيه

(كقوله كأن السحاب الغر) جمع الاغر والمراد السحاب الماطرة الغريزة الماء

(غيبن تحتها) أي تحت الربا

(حبيبا فما ترقا) الاصل ترقاء بالهمزة فخففت أي ما تسكن

(لهن مدامع) علل على سبيل الشك نزول المطر من السحاب بانها غيبت حبيبا تحت تلك الربا فهى تبكى عليها.

١٤٤

 ٣-٢٠التفريع

(ومنه) أي ومن المعنوي

(التفريع وهو ان يثبت لمتعلق امر حكم بعد اثباته) أي اثباته ذلك الحكم

(لمتعلق له آخر) على وجه يشعر بالتفريع والتعقيب وهو احتراز عن نحو غلام زيد راكب وابوه راكب

(كقوله احلامكم لسقام الجهل شافية، كما دماؤكم تشفى من الكلب) هو بفتح اللام شبه جنون يحدث للانسان من عض الكلب إذ لا دواء له انجع من شرب دم ملك كما قال الحماسي بنات مكارم واساة كلم، دماؤكم من الكلب الشفاء ففرع على وصفهم بشفاء احلامهم من داء الجهل وصفهم بشفاء دمائهم من داء الكلب يعنى انهم ملوك واشراف وارباب العقول الراجحة.

 ٣-٢١تأكيد المدح بما يشبه الذم

(ومنه) أي ومن المعنوي

(تأكيد المدح بما يشبه الذم وهو ضربان افضلهما ان يستثنى من صفة ذم منفية عن الشئ صفة مدح) لذلك الشئ

(بتقدير دخولها فيها) دخول صفة المدح في صفة الذم

(كقوله ولا عيب فيهم غير ان سيوفهم، بهن فلول) جمع فل وهو الكسر في حد السيف

(من قراع الكتائب) أي مضاربة الجيوش

(أي ان كان فلول السيف من القرع عيبا فاثبت شيئا منه) أي من العيب

(على تقدير كونه منه) أي كون فلول السيف من العيب.

(وهو) أي هذا التقدير وهو كون الفلول من العيب

(محال) لانه كناية عن كمال الشجاعة

(فهو) أي اثبات شئ من العيب على هذا التقدير

(في المعنى تعليق بالمحال) كما يقال حتى يبيض الفار وحتى يلج الجمل في سم الخياط

(فالتأكيد فيه) أي في هذا الضرب

(من جهة انه كدعوى الشئ ببينة) لانه علق نقيض المدعى وهو اثبات شئ من العيب بالمحال والمعلق بالمحال محال فعدم العيب محقق.

(و) من جهة

(ان الاصل في) مطلق

(الاستثناء) هو

(الاتصال) أي كون المستثنى منه بحيث يدخل فيه المستثنى على تقدير السكوت عنه. وذلك لما تقرر في موضعه من ان الاستثناء المنقطع مجاز وإذا كان الاصل في الاستثناء الاتصال

(فذكر اداته قبل ذكر ما بعدها) يعنى المستثنى

(يوهم اخراج شئ) وهو المستثنى

(مما قبلها) أي مما قبل الاداة وهو المستثنى منه

(فإذا وليها) أي الاداة

(صفة مدح) وتحول الاستثناء من الاتصال إلى الانقطاع

(جاء التأكيد لما فيه من المدح على المدح والاشعار بانه لم يجد فيه صفة ذم حتى يستثنيها فاضطر إلى استثناء صفه مدح وتحويل الاستثناء إلى الانقطاع.

(و) الضرب

(الثاني) من تأكيد المدح بما يشبه الذم

(ان يثبت لشئ اداة الاستثناء) أي يذكر عقيب اثبات صفة المدح لذلك الشئ اداة استثناء

(تليها صفة مدح اخرى له) أي لذلك الشئ

(نحو انا افصح العرب بيدانى من قريش) بيد بمعنى غير وهو اداة الاستثناء

(واصل الاستثناء فيه) أي في هذا الضرب

(ايضا ان يكون منقطعا) كما ان الاستثناء في الضرب الاول منقطع لعدم دخول المستثنى في المستثنى منه. وهذا لا ينافى كون الاصل في مطلق الاستثناء هو الاتصال

(لكنه) أي الاستثناء المنقطع المنقطع في هذا الضرب

١٤٥

(لم يقدر متصلا) كما قدر في الضرب الاول إذ ليس هنا صفة ذم منفية عامة يمكن تقدير دخول صفة المدح فيها. وإذا لم يكن تقدير الاستثناء متصلا في هذا الضرب

(فلا يفيد التأكيد الا من الوجه الثاني) وهو ان ذكر اداة الاستثناء قبل ذكر المستثنى يوهم اخراج شئ مما قبلها من حيث ان الاصل في مطلق الاستثناء هو الاتصال فإذا ذكر بعد الاداة صفة مدح اخرى جاء التأكيد ولا يفيد التأكيد من الوجه الاول وهو دعوى الشئ ببينة لانه مبنى على التعليق بالمحال المبنى على تقدير الاستثناء متصلا

(ولهذا) أي ولكون التأكيد في هذا الضرب من الوجه الثاني فقط

(كان) الضرب

(الاول) المفيد للتأكيد من وجهين

(افضل ومنه) أي ومن تأكيد المدح بما يشبه الذم

(ضرب اخر) وهو ان يؤتى بمستثنى فيه معنى المدح معمولا لفعل فيه معنى الذم نحو قوله تعالى

(وما تنقم منا الا ان آمنا بايات ربنا) أي ما تعيب منا الا اصل المناقب والمفاخر كلها وهو الايمان. يقال نقم منه وانتقم إذا عابه وكرهه وهو كالضرب الاول في افادة التأكيد من وجهين

(والاستدراك) المفهوم من لفظ لكن

(في هذا الباب) أي باب تأكيد المدح بما يشبه الذم

(كالاستثناء كما في قوله هو البدر الا انه البحر زاخرا * سوى انه الضرغام لكنه الوبل فقوله الا وسوى استثناء مثل قوله ع بيدانى من قريش، وقوله لكنه استدراك يفيد فائدة الاستثناء المنقطع في هذا الضرب لان الا في الاستثناء المنقطع بمعنى لكن

 ٣-٢٢تأكيد الذم بما يشبه المدح

(ومنه) أي ومن المعنوي

(تأكيد الذم بما يشبه المدح وهو ضربان

احدهما ان يستثنى من صفة مدح منفية عن الشئ صفة ذم له بتقدير دخولها) أي صفة الذم

(فيها) أي في صفة المدح

(كقولك فلان لا خير فيه الا انه يسئ إلى من احسن إليه

وثانيهما ان يثبت للشئ صفة ذم وتعقب باداة استثناء يليها صفة ذم اخرى له) أي لذلك الشئ

(كقولك فلان فاسق الا انه جاهل،) فالضرب الاول يفيد التأكيد من وجهين والثانى من وجه واحد

(وتحقيقها على قياس ما مر) في تأكيد المدح بما يشبه الذم

 ٣-٢٣(الاستتباع

(ومنه) أي ومن المعنوي

(الاستتباع وهو المدح بشئ على وجه يستتبع المدح بشئ آخر كقوله

١٤٦

نهبت من الاعمار ما لو حويته

* لهنئت الدنيا بانك خالد

مدحه بالنهاية في الشجاعة) حيث جعل كثرة قتلاه بحيث يخلد لو ورث اعمارهم

(على وجه استتبع مدح بكونه سببا لصلاح الدنيا ونظامها) إذ لا تهنئة لاحد بشئ لا فائدة له فيه. قال على بن عيسى الربعي

(وفيه) أي في البيت وجهان آخران من المدح احدهما

(انه نهب الاعمار دون الاموال) كما هو مقتضى علو الهمة وذلك مفهوم من تخصيص الاعمار بالذكر والاعراض عن الاموال مع ان النهب بها اليق وهم يعتبرون ذلك في المحاورات والخطابيات وان لم يعتبره ائمة الاصول

(و) الثاني

(انه لم يكن ظالما في قتلهم) والا لما كان للدنيا سرور بخلوده.

 ٣-٢٤الادماج

(ومنه) أي ومن المعنوي

(الادماج) فقال ادمج الشئ في ثوبه إذا لفه فيه

(وهو ان يضمن كلام سيق لمعنى) مدحا كان أو غيره

(معنى اخر) هو منصوب على انه مفعول ثان ليضمن وقد اسند إلى المفعول الاول

(فهو) لشموله المدح وغيره

(اعم من الاستتباع) لاختصاصه بالمدح

(كقوله اقلب فيه) أي في ذلك الليل

(اجفاني كانى، اعد بها على الدهر الذنوبا، فانه ضمن وصف الليل بالطول لشكاية الدهر

 ٣-٢٥التوجيه

ومنه) أي ومن المعنوي

(التوجيه) ويسمى محتمل الضدين

(وهو ايراد الكلام محتملا لوجهين مختلفين) أي متبائنين متضادين كالمدح والذم مثلا ولا يكفى مجرد احتمال معنيين متغايرين

(كقول من قال لا عور ليت عينيه سواء) يحتمل تمنى صحة العين العوراء فيكون دعاء له والعكس فيكون دعاء عليه. قال

(السكاكى متشابهات القرآن باعتبار ومنه) أي ومن التوجيه

(متشابهات القرآن باعتبار) وهو احتمالها لوجهين مختلفين وتفارقه باعتبار آخر، وهو عدم استواء الاحتمالين لان احد المعنيين في المتشابهات قريب والاخر بعيد ولما ذكر السكاكى نفسه من ان اكثر متشابهات القرآن من قبيل التورية والايهام ويجوز ان يكون وجه المفارقة هو ان المعنيين في المتشابهات لا يجب تضادهما.

 ٣-٢٦الهزل

(ومنه) أي ومن المعنوي

(الهزل الذى يراد به الجد كقوله

إذا ما تميمي اتاك مفاخرا * فقل عد عن ذا كيف اكلك للضب

١٤٧

 ٣-٢٧تجاهل العارف

ومنه) أي ومن المعنوي

(تجاهل العارف وهو كما سماه السكاكى سوق المعلوم مساق غيره لنكتة) وقال لا احب تسميته بالتجاهل لو روده في كلام اللّه تعالى

(كالتوبيخ في قول الخارجية اياشجر الخابور) هو من ديار بكر

(مالك مورقا) أي ناضرا ذا ورق

(كانك لم تجزع على ابن ظريف. والمبالغة في المدح كقوله المع برق سرى ام ضوء مصباح، ام ابتسامتها بالمنظر الضاحى) أي اظن

(أو) المبالغة

(في الذم كقوله وما ادرى وسوف اخال ادرى) أي اظن وكسر همزة المتكلم فيه هو الافصح وبنو اسد تقول اخال بالفتح وهو القياس

(قوم آل حصن ام نساء) فيه دلالة على ان القوم هم الرجال خاصة

(والتدله) أي وكالتحير والتدهش

(في الحب في قوله " تاللّه يا ظبيات القاع) وهو المستوى من الارض

(قلن لنا، ليلا منكن ام ليلى من البشر) وفى اضافة ليلى إلى نفسه أو لا والتصريح باسمها ثانيا استلذاذ. وهذه انموذج من نكات التجاهل وهى اكثر من ان يضبطها القلم

 ٣-٢٨القول بالموجب

(ومنه) أي ومن المعنوي

(القول بالموجب وهو ضربان

احدهما ان تقع صفة في كلام الغير كناية عن شئ اثبت له) أي لذلك الشئ

(حكم فتثبتها لغيره) أي فتثبت انت في كلامك تلك الصفة لغير ذلك الشئ

(من غير تعرض لثبوته له) أي لثبوت ذلك الحكم لذلك الغير

١٤٨

(أو نفيه عنه نحو قوله تعالى يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل وللّه العزة ولرسوله وللمؤمنين) فالاعز صفة وقعت في كلام المنافقين كناية عن فريقهم والاذل كناية عن المومنين وقد اثبت المنافقون لفريقهم اخراج المؤمنين من المدينة، فاثبت اللّه تعالى في الرد عليهم صفة العزة لغير فريقهم وهو اللّه تعالى ورسوله والمؤمنون ولم يتعرض لثبوت ذلك الحكم الذى وهو الاخراج للموصوفين بالعزة اعني اللّه تعالى ورسوله والمؤمنين ولا لنفيه عنهم.

(والثانى حمل لفظ وقع في كلام الغير على خلاف مراده) حال كون خلاف مراده

(مما يحتمله) ذلك اللفظ

(بذكر متعلقه) أي انما يحمل على خلاف مراده بان يذكر متعلق ذلك اللفظ

(كقوله قلت ثقلت إذا اتيت مرارا * قال ثقلت كاهلى بالايادي فلفظ ثقلت وقع في كلام الغير بمعنى حملتك المؤنة فحمله على تثقيل عاتقه بالايادي والمنن بان ذكر متعلقه اعني قوله كاهلى بالايادي.

 ٣-٢٩الاطراد

(ومنه) أي ومن المعنوي

(الاطراد وهو ان تأتى باسماء الممدوح أو غيره) واسماء

(آبائه على ترتيب الولادة من غير تكلف) في السبك

(كقوله ان يقتلوك فقد ثللت عروشهم، بعتيبة بن الحارث بن شهاب) يقال للقوم إذا ذهب عزهم وتضعضع حالهم قد ثل عرشهم يعنى ان تبحجوا بقتلك وفرحوا به فقد اثرت في عزهم وهدمت اساس مجدهم بقتل رئيسهم. فان قيل هذا من تتابع الاضافات فكيف يعد من المحسنات. قلنا قد تقرر ان تتابع الاضافات إذا سلم من الاستكراه ملح ولطف والبيت من هذا القبيل كقوله عليه السلام الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم الحديث، هذا تمام ما ذكر من الضرب المعنوي

(واما) الضرب

 ٣-٣٠ اللفظى

(اللفظى) من الوجوه المحسنة للكلام.

 ٣-٣١الجناس بين اللفظين

(فمنه الجناس بين اللفظين وهو تشابههما في اللفظ) أي في التلفظ فيخرج التشابه في المعنى نحو اسد وسبع أو في مجرد عدد الحروف نحو ضرب وعلم أو في مجرد الوزن نحو ضرب وقتل

(والتام منه) أي من الجناس

(ان يتفقا) أي اللفظان

(في انواع الحروف) فكل من الحروف التسعة والعشرين نوع وبهذا يخرج نحو يفرح ويمرح

(و) في

(اعدادها) وبه يخرج نحو الساق والمساق

(و) في هيئاتها) وبه يخرج نحو البرد والبرد بالفتح والضم فان هيئة الكلمة هي كيفية حاصلة لها باعتبار الحركات والسكنات فنحو ضرب وقتل على هيئة واحدة مع اختلاف الحروف بخلاف ضرب وضرب مبنيين للفاعل والمفعول فانهما على هيئتين مع اتحاد الحروف.

(و) في

(ترتيبها) أي تقديم بعض الحروف على بعض وتأخيره عنه وبه يخرج نحو الفتح والحتف

١٤٩

(فان كانا) أي اللفظان المتفقان في جميع ما ذكره

(من نوع) واحد من انواع الكلمة

(كاسمين) أو فعلين أو فعلين أو حرفين

(يسمى متماثلا) جريا على اصطلاح المتكلمين من ان التماثل هو الاتحاد في النوع

(نحو ويوم تقوم الساعة) أي القيامة

(يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة) من ساعات الايام

(وان كانا من النوعين) اسم وفعل أو اسم وحرف أو فعل وحرف

(يسمى مستوفى كقوله ما مات من كرم الزمان فانه * يحيى لدى يحيى بن عبد اللّه) لانه كريم يحيى من اسم الكرم

(وايضا) لجناس التام تقسيم آخر وهو انه

(ان كان احد لفظيه مركبا) والاخر مفردا

(سمى جناس التركيب) وحينئذ

(فان اتفقا) أي اللفظان المفرد والمركب

(في الخط خص) هذا النوع من جناس التركيب

(باسم المتشابه) لاتفاق اللفظين في الكتابة

(كقوله إذا ملك لم يكن ذاهبة) أي صاحب هبة وعطاء

(فدعه) أي اتركه

(فدولته ذاهبة) أي غير باقية

(والا) أي وان لم يتفق اللفظان المفرد والمركب في الخط

(خص) هذا النوع من جناس التركيب

(باسم المفروق) لافتراق اللفظين في صورة الكتابة

(كقوله: كلكم قد اخذ الجام ولا جام لنا * ما الذى ضر مدير الجام لو جاملنا) أي عاملنا بالجميل هذا إذا لم يكن اللفظ المركب مركبا من كلمة وبعض كلمة والاخص باسم المرفو كقولك اهذا مصاب ام طعم صاب

(وان اختلفا) عطف على قوله والتام منه ان يتفقا أو على محذوف أي هذا ان اتفقا فيما ذكر وان اختلفا أي لفظا المتجانسين

(في هيئات الحروف فقط) أي واتفقا في النوع والعدد والترتيب

(يسمى) التجنيس

(محرفا) لانحراف احدى الهيئتين عن الهيئة الاخرى والاختلاف قد يكون بالحركة

(كقولهم جبة البرد جنة البرد) يعنى لفظ البرد والبرد بالضم والفتح

١٥٠

(ونحوه) في ان الاختلاف في الهيئة فقط قولهم

(الجاهل اما مفرط ومفرط) لان الحرف المشدد لما كان يرتفع اللسان عنهما دفعة واحدة كحرف واحد عد حرفا واحدا وجعل التجنيس مما لا اختلاف فيه في الهيئة فقط. ولذا قال

(والحرف المشدد) في هذا الباب

(في حكم المخفف) واختلاف الهيئة في مفرط ومفرط باعتبار ان الفاء من احدهما ساكن ومن الاخر مفتوح.

(و) قد يكون الاختلاف فيه في الحركة والسكون جميعا

(كقولهم البدعة شرك الشرك) فان الشين من الاول مفتوح ومن الثاني مكسور والراء من الاول مفتوح ومن الثاني ساكن

(وان اختلفا) أي لفظا المتجانسين

(في اعدادها) أي اعداد الحروف بان يكون في احد اللفظين حرف زائد أو اكثر إذا سقط حصل الجناس التام

(سمى الجناس ناقصا) لنقصان احد اللفظين عن الاخر

(وذلك) الاختلاف

(اما بحرف) واحد

(في الاول مثل والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق) بزيادة الميم

(أو في الوسط نحو جدى جهدي) بزيادة الهاء وقد سبق ان المشدد بحكم المخفف أو في الاخر كقوله يمدون من ايد عواص عواصم) بزيادة الميم ولا اعتبار بالتنوين وقوله من ايد في موضع مفعول يمدون على زيادة من كما هو مذهب الاخفش أو على كونها للتبعيض كما في قولهم هز من  عطفه وحرف من نشاطه أو على انه صفة محذوف أي يمدون سواعد من ايد عواص جمع عاصية من عصاه ضربه بالعصا وعواصم من عصمه حفظه وحماه وتمامه تصول باسياف قواض قواضب أي يمدون ايديا ضاربات للاعداء حاميات للاولياء صائلات على الاقران بسيوف حاكمة بالقتل قاطعة.

(وربما سمى) هذا القسم الذى يكون الزيادة فيه في الاخر

(مطرفا واما باكثر) من حرف واحد وهو عطف على قوله اما بحرف ولم يذكر من هذا الضرب الا ما تكون الزيادة في الاخر

(كقولها) أي الخنساء

(ان البكاء هو الشفاء من الجوى) أي حرقة القلب

(بين الجوانح) بزيادة النون والحاء

(وربما سمى هذا) النوع

(مذيلا وان اختلفا) أي لفظ المتجانسين

(في انواعها) أي انواع الحروف

(فيشترط ان لا يقع) الاختلاف

(باكثر من حرف) واحد والا لبعد بينهما التشابه ولم يبق التجانس كلفظي نصر ونكل

(ثم الحرفان) اللذان وقع بينهما الاختلاف

(ان كانا متقاربين في المخرج

(سمى) الجناس

(مضارعا وهو) ثلثة اضرب لان الحرف الأجنبي

١٥١

(اما في الاول نحو بينى وبين كنى ليل دامس وطريق طامس أو في الوسط نحو قوله تعالى وهم ينهون عنه وينأون عنه أو في الاخر نحو الخيل معقود بنواصيها الخير). ولا يخفى تقارب الدال والطاء وكذا الهاء والهمزة وكذا اللام والراء

(والا) أي وان لم يكن الحرفان متقاربين

(سمى لاحقا وهو ايضا اما في الاول نحو ويل لكل همزة لمزة) الهمزة الكسر واللمزة الطعن وشاع استعمالهما في الكسر من اعراض الناس والطعن فيها وبناء فعلة يدل على الاعتياد

(أو في الوسط نحو ذلك بما كنتم تفرجون في الارض بغير الحق وبما كنتم تمرحون) وفى عدم تقارب الفاء والميم نظر فانهما شفويتان وان اريد بالتقارب ان يكونا بحيث يدغم احدهما في الاخر فالهاء والهمزة ليستا كذلك

(أو في الاخر نحو قوله تعالى فإذا جاءهم امر من الامن وان اختلفا) أي لفظا المتجانسين

(في ترتيبها) أي ترتيب الحروف بان يتحد النوع والعدد والهيئة لكن قدم في احد اللفظين بعض الحروف واخر في اللفظ الاخر.

(سمى) هذا النوع

(تجنيس القلب نحو حسامه فتح لاوليائه حتف لاعدائه ويسمى قلب كل) لانعكاس ترتيب الحروف كلها

(ونحو اللّهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا ويسمى قلب بعض) إذ لم يقع الانعكاس الابين بعض حروف الكلمة

١٥٢

(فإذا وقع احدهما) أي احد اللفظين المتنجانسين تجانس القلب

(في اول البيت و) اللف

(الاخر في آخره سمى) تجنيس القلب حينئذ

(مقلوبا مجنحا) لان اللفظين بمنزلة جناحين للبيت كقوله لاح انوار الهدى من كفه في كل حال.

(وإذا ولى احد المتجانسين) أي تجانس سواء كان جناس القلب أو غيره ولذا ذكره باسمه الظاهر دون المضمر المتجانس

(الاخر سمى) الجناس

(مزدوجا ومكررا ومرددا نحو

وجئتك من سبأ بنبأ يقين) هذا من التجنيس اللاحق وامثلة الاخر ظاهرة مما سبق

(ويلحق بالجناس شيئان

احدهما ان يجمع اللفظين الاشتقاق وهو توافق الكلمتين في الحروف الاصول مع الاتفاق في اصل المعنى

(نحو قوله تعالى فاقم وجهك للدين القيم) فانهما مشتقان من قام يقوم.

(والثانى ان يجمعهما) أي اللفظين

(المشابهة وهى ما يشبه) أي اتفاق يشبه

(الاشتقاق) وليس باشتقاق فلفظة ما موصولة أو موصوفة، وزعم بعضهم انها مصدرية أي اشباه اللفظين الاشتقاق وهو غلط لفظا ومعنا اما لفظا فلانه جعل الضمير المفرد في " يشبه " أي اللفظين وهو لا يصح الا بتأويل بعيد فلا يصح عند الاستغناء عنه. واما معنا فلان اللفظين لا يشبهان الاشتقاق بل توافقهما قد يشبه الاشتقاق بان يكون في كل منهما جميع ما يكون في آخر من الحروف أو اكثرها ولكن لا يرجعان إلى اصل واحد كما في الاشتقاق

(نحو قوله تعالى انى لعملكم من القالين) فالاول من القول والثانى من القلى. وقد يتوهم ان المراد بما يشبه الاشتقاق هو الاشتقاق الكبير وهذا ايضا غلط لان الاشتقاق الكبير هو الاتفاق في الحروف الاصول دون الترتيب مثل القمر والرقم والمرق، وقد مثلوا في هذا المقام بقوله تعالى اثاقلتم إلى الارض ارضيتم بالحياة الدنيا، ولا يخفى ان الارض مع ارضيتم ليس كذلك.

 ٣-٣٢رد العجز على الصدر

(ومنه) أي ومن اللفظى

(رد العجز على الصدر وهو في النثر ان يجعل احد اللفظين المكررين) أي المتفقين في اللفظ والمعنى

(أو المتجانسين) أو المتشابهين في اللفظ دون المعنى

(والملحقين بهما) أي بالمتجانسين الذى يجمعهما الاشتقاق أو شبه الاشتقاق

(في اول الفقرة) وقد عرفت معناها

(و) اللفظ

(الاخر في آخرها) أي آخر الفقرة فتكون الاقسام اربعة

(نحو قوله تعالى وتخشى الناس واللّه احق ان تخشاه) في المكررين

(ونحو سائل اللئيم يرجع ودمعه سائل) في المتجانسين

(ونحو قوله تعالى استغفروا ربكم انه كان غفارا) في الملحقين اشتقاقا

١٥٣

(ونحو قال انى لعملكم من القالين) في الملحقين بشبه الاشتقاق

(و) هو

(في النظم ان يكون احدهما) أي احد اللفظين المكررين أو المتجانسين أو الملحقين بهما اشتقاقا أو شبه الاشتقاق

(في آخر البيت و) اللفظ

(الاخر في صدر المصراع الاول أو حشوه أو آخره أو صدر) المصراع

(الثاني) فتصير الاقسام ستة عشرة حاصلة من ضرب اربعة في اربعة. والمصنف اورد ثلثة عشر مثالا واهمل ثلاثا

(كقوله سريع إلى ابن العم يلطم وجهه، وليس إلى داعي الندى بسريع) فيما يكون المكرر الاخر في صدر المصراع الاول

(وقوله: تمتع من شميم عرار نجد * فما بعد العشية من عرار) فيما يكون المكرر الاخر في حشو المصراع الاول. ومعنى البيت استمتع بشميم عرار نجد وهى وردة ناعمة صفراء طيبة الرائحة فانا نعدمه إذا امسينا لخروجنا من ارض نجد ومنابته

(وقوله " ومن كان بالبيض الكواعب) جمع كاعب وهى الجارية حين تبدو ثديها للنهود

(مغرما) مولعا

(فما زلت بالبيض القواضب) أي السيوف القواطع

(مغرما) فيما يكون المكرر الاخر في آخر المصراع الاول

(وقوله وان لم يكن الا معرج ساعة) هو خبر كان واسمه ضمير يعود إلى الامام المدلول عليه في بيت السابق وهو الما على الدار التى لو وجدتها بها اهلها ما كان وحشا مقيلها

(قليلا) صفة مؤكدة لفهم القلة من اضافة التعريج إلى الساعة أو صفة مقيدة أي الا تعريجا قليلا في ساعة

(فانى نافع لى قليلها) مرفوع بانه فاعل نافع والضمير للساعة والمعنى قليل من التعريج في الساعة ينفعني ويشفى غليل وجدى، وهذا فيما يكون المكرر الاخر في صدر المصراع الثاني

(وقوله دعاني) أي اتركانى

(من ملامكما سفاها) أي خفة وقلة عقل

(فداعى الشوق قبلكما دعاني) من الدعاء وهذا فيما يكون المتجانس الاخر في صدر المصراع الاول

١٥٤

(وقوله وإذا البلابل) جمع بلبل وهو طائر معروف

(افصحت بلغاتها، فانف البلابل) جمع بلبال وهو الحزن

(باحتساء بلابل) جمع بلبلة بالضم وهو ابريق فيه الخمر. وهذا فيما يكون المتجانس الاخر اعني البلابل الاول في حشو المصراع الاول لا صدره لان صدره هو قوله وإذا

(وقوله فمشعوف بآيات المثانى،)

(أي القرآن)

(ومفتون برنات المثانى) أي بنغمات اوتار المزامير التى ضم طاق منها إلى طاق. وهذا فيما يكون المتجانس الاخر في آخر المصراع الاول

(وقوله املتهم ثم أملتهم فلاح) أي ظهر

(لى ان ليس فيهم فلاح) أي فوز ونجاة وهذا فيما يكون المتجانس الاخر في صدر المصراع الثاني

(وقوله ضرائب) جمع ضريبة وهى الطبيعة التى ضربت للرجل وطبع عليها

(ابدعتها في السماح، فلسنا نرى لك فيها ضريبا) أي مثلا واصله المثل في ضرب القداح. وهذا فيما يكون الملحق الاخر بالمتجانسين اشتقاقا في صدر المصراع الاول

(وقوله) إذ المرء لم يخزن عليه لسانه، فليس على شئ سواه بخزان) أي إذا لم يحفظ المرء لسانه على نفسه مما يعود ضرره إليه فلا يحفظه على غيره مما لا ضرر له فيه، وهذا فيما يكون الملحق الاخر اشتقاقا في حشو المصراع الاول

(وقوله لو اختصرتم من الاحسان زرتكم، والعذاب) من الماء

(يهجر للافراط في الخصر) أي في البرودة يعنى ان بعدى عنكم لكثرة انعامكم على. وقد توهم بعضهم ان هذا المثال مكرر حيث كان اللفظ الاخر في حشو المصراع الاول كما في البيت الذى قبله ولم يعرف ان اللفظين في البيت السابق مما يجمعهما الاشتقاق وفى هذا البيت مما يجمعهما شبه الاشتقاق والمصنف لم يذكر من هذا القسم الا هذا المثال واهمل الثلاثة الباقية وقد اوردتها في الشرح

(وقوله: فدع الوعيد فما وعيدك ضائري * اطنين اجنحة الذباب يضير) وهذا فيما يكون الملحق الاخر اشتقاقا وهو ضائري في اخر المصراع الاول

١٥٥

(وفى قوله وقد كانت البيض القواضب في الوغى) أي السيوف القواطع في الحرب

(بواتر) أي قواطع بحسن استعمال اياها

(فهى الان من بعده بتر) جمع ابتر إذ لم يبق من بعده من يستعملها استعمالة. وهذا فيما يكون الملحق الاخر اشتقاقا في صدر المصراع الثاني.

 ٣-٣٣السجع

(ومنه) أي ومن اللفظى

(السجع قيل وهو تواطؤ الفاصلتين من النثر على حرف واحد) في الاخر

(وهو معنى قول السكاكى هو) أي السجع

(في النثر كالقافية في الشعر) يعنى ان هذا مقصود كلام السكاكى ومحصوله والا فالسجع على التفسير المذكور بمعنى المصدر اعني توافق الفاصلتين في الحرف الاخير. وعلى كلام السكاكى هو نفس اللفظ المتواطي الاخر في اواخر الفقر ولذا ذكره السكاكى بلفظ الجمع وقال انها في النثر كالقوافي في الشعر وذلك لان القافية لفظ في آخر البيت اما الكلمة نفسها أو الحرف الاخير منها أو غير ذلك على تفصيل المذاهب وليست عبارة عن تواطئ الكلمتين من اواخر الابيات على حرف واحد. فالحاصل ان السجع قد يطلق على الكلمة الاخيرة من الفقرة باعتبار توافقها للكلمة الاخيرة من الفقرة الاخرى وقد يطلق على نفس توافقها ومرجع المعنيين واحد

(وهو) أي السجع ثلاثة اضرب

(مطرف ان اختلفا) أي الفاصلتين

(في الوزن نحو مالكم لا ترجون للّه وقارا وقد خلفكم اطوارا) فان الوقار والاطوال مختلفان وزنا

(والا) أي وان لم يختلفا في الوزن

(فان كان ما في احدى القرينتين) من الالفاظ

(أو) كان

(اكثره) أي اكثر ما في احد لقرينتين

(مثل ما يقابله) من القرينة الاخرى

(في الوزن والتقفية) أي التوافق على الحرف الاخير

(فترصيع نحو فهو يطبع الاسجاع بجواهر لفظه ويقرع الاسماع بزواجر وعظه) فجميع ما في القرينة الثانية يوافق لما يقابله من القرينة الاولى. واما لفظه فهو فلا يقابله شئ من الثانية، ولو قال بدل الاسماع الاذان كان مثالا لما يكون اكثر ما في الثانية موافقا لما يقابله في الاولى

(والا فهو متواز) أي وان لم يكن جميع ما في القرينة ولا اكثر مثل ما يقابله من الاخرى فهو السجع المتوازي

(نحو فيها سرر مرفوعة واكواب موضوعة) لاختلاف سرر واكواب في الوزن والتقفية جميعا. وقد يختلف الوزن فقط نحو والمرسلات عرفا، فالعاصفات عصفا، وقد تختلف التقفية فقط كقولنا، حصل الناطق والصامت، وهلك الحاسد والشامت.

(قيل واحسن السجع

١٥٦

ما تساوت قرائته نحو في سدر مخضود وطلح مضود وظل ممدود ثم) أي بعد ان لا تتساوى قرائنه فالاحسن

(ما طالت قرينته الثانية نحو والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى أو) قرينته

(الثالثة نحو خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه) من التصلية

(ولا يحسن ان يؤتى قرينة) بعد قرينة اخرى.

(اقصر منها) قصرا

(كثيرا) لان السجع قد استوفى امده في الاول بطوله فإذا جاء الثاني اقصر منه كثيرا يبقى الانسان عند سماعه كمن يريد الانتهاء إلى غاية فيعثر دونها، وانما قال كثيرا احترازا عن نحو قوله تعالى الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل الم يجعل كيدهم في تضليل

(والا سجاع مبنية على سكون الاعجاز) أي أو اخر فواصل القرائن إذ لا يتم التواطؤ والتزاوج في جميع الصور الا بالوقف والسكون

(كقولهم ما ابعد ما فات واقرب ما هو آت) أي إذ لو لم يعتبر السكون لفات السجع لان التاء من فات مفتوح ومن آت منون مكسور

(قيل ولا يقال في القرآن اسجاع) رعاية للادب وتعظيما له إذ السجع في الاصل هدير الحمام ونحو. وقيل لعدم الاذن الشرعي، وفيه نظر إذ لم يقل احد بتوقف امثال هذا على اذن الشارع وانما الكلام في اسماء اللّه تعالى.

(بل يقال) للاسجاع في القرآن اعني الكلمة الاخيرة من الفقرة

(فواصل، وقيل السجع غير مختص بالنثر ومثله من النظم

(قوله تجلى به رشدي واثرت) أي صارت ذات ثروة

(به يدى وفاض به ثمدى) هو بالكسر الماء القليل. والمراد ههنا المال القليل

(واورى) أي صار ذاورى

(به زندي) فاما اورى بضم الهمزة وكسر الراء على انه المتكلم المضارع من اوريت الزند اخرجت ناره فغلط وتصحيف ومع ذلك يأباه الطبع

١٥٧

 ٣-٣٤التشطير

(ومن السجع على هذا القول) أي القول بعدم اختصاصه بالنثر

(ما يسمى التشطير، وهو جعل كل من شطرى البيت سجعة مخالفة لاختها) أي للسجعة التى في الشطر الاخر، وقوله سجعة في موضع المصدر أي مسجوعا سجعة لان الشطر نفسه ليس بسجعة أو هو مجاز تسمية للكل باسم جزئه

(كقوله تدبير معتصم باللّه منتقم، للّه مرتغب في اللّه) أي راغب فيما يقربه من رضوانه

(مرتقب) أي منتظر ثوابه أو خائف عقابه، فالشطر الاول سجعة مبنية على الميم والثانية سجعة مبنيه على الباء.

 ٣-٣٥الموازنة

(ومنه) أي ومن اللفظى

(الموازنة وهى تساوى الفاصلتين) أي الكلمتين الاخيرتين من الفقرتين أو من المصراعين

(في الوزن دون التقفية نحو ونمارق مصفوفة وزرابى مبثوثة) فان مصفوفة ومبثوثة متساويان في الوزن لا في التقفية إذ الاولى على الفاء والثانية على الثاء لا عبرة بتاء التأنيث في القافية على ما بين في موضع. وظاهر قوله دون التقفية انه يجب في الموازنة عدم التساوى في التقفية حتى لا يكون نحو فيها سرر مرفوعة، واكواب موضوعة، من الموازنة ويكون بين الموازنة والسجع مباينة الا على رأى ابن الاثير فانه يشترط في السجع التساوى في الوزن والتقفية ويشترط في الموازنة التساوى في الوزن دون الحرف الاخير فنحو شديد وقريب ليس بسجع وهو اخص من الموازنة وإذا تساوى الفاصلتان في الوزن دون التقفية

(فان كان في احدى القرينتين) من الالفاظ

(أو اكثره مثل ما يقابله من) القرينة

(الاخرى في الوزن) سواء كان يماثله في التقفية أو لا

(خص) هذا النوع من الموازنة

(باسم المماثلة) وهى لا تخص بالنثر كما توهمه البعض من ظاهر قولهم تساوى الفاصلتين ولا بالنظم على ما ذهب إليه البعض بل تجرى في القبيلتين فلذلك أو رد مثالين نحو قوله تعالى

(وآتيناهما الكتاب المستبين وهدينا هما الصراط المستقيم وقوله مهما الوحش) جمع مهاة وهى البقرة الوحشية

(الا ان هاتا) أي هذه النساء

(أو انس، قنا الخط الا ان تلك) لقناة

(ذوابل) وهذه النساء نواضر، والمثالان مما يكون اكثر ما في احدى القرينتين مثل ما يقابله من الاخرى لعدم تماثل آتيناهما وهدينا هما وزنا وكذا هاتا وتلك. ومثال الجميع قول ابى تمام، فاحجم لما لم يجد فيك مطمعا، واقدم لما لم يجد عنك مهربا. وقد كثر ذلك في الشعر الفارسى واكثر مدائح ابى الفرج الرومي من شعراء العجم على المماثلة وقد اقتفى الانورى اثره في ذلك.

 ٣-٣٦القلب

(ومنه) أي ومن اللفظى

(القلب) وهو ان يكون الكلام بحيث لو عكسته بدأت بحرفه الاخير الحرف الاول كان الحاصل بعينه هو هذا الكلام ويجرى في النثر والنظم

١٥٨

(كقوله مودته تدوم لكل هول * وهل كل مودته تدوم) في مجموع البيت. وقد يكو ذلك في المصراع كقوله ارانا الاله هلالا ارانا

(وفى التنزيل كل في فلك يسبحون وربك فكبر) والحرف المشدد في حكم المخفف لان المعتبر هو الحرف المكتوبة. وقد يكون ذلك في الفرد نحو سلس ومغايرة القلب بهذا المعنى لتجنيس القلب ظاهر فان المقلوب ههنا يجب ان يكون عين اللفظ الذى ذكر بخلافه ثمة ويجب ثمة ذكر اللفظين جميعا بخلافه ههنا.

 ٣-٣٧التشريع

(ومنه) أي ومن اللفظى

(التشريع) ويسمى الترشيح وذا القافيتين ايضا

(وهو بناء البيت على قافيتين يصح المعنى عند الوقوف على كل منهما لان التشريع هو ان يبنى الشارع ابيات القصيدة ذات قافيتين على بحرين أو ضربين من بحر واحد فعلى أي القافيتين وقفت كان شعرا مستقيما، قلنا القافية انما هي آخر البيت فالبناء على قافيتين لا يتصور الا إذا كان البيت بحيث يصح الوزن ويحصل الشعر عند الوقوف على كل منهما والا لم تكن الاولى قافية

(كقوله يا خاطب الدنيا) من خطب المرأة

(الدنية) أي الخسيسة

(انها، شرك الردى) أي حبالة الهلاك

(وقرارة الاكدار) أي مقر الكدورات. فان وقفت على الردى فالبيت من الضرب الثامن الطويل الكامل وان وقفت على الاكدار فهو من الضرب الثاني منه، والقافية عند الخليل من آخر حرف في البيت إلى اول ساكن يليه مع الحركة التى قبل ذلك الساكن، فالقافية الاولى من هذا البيت هو لفظ الردى مع حركة الكاف من شرك والقافية الثانية هي من حركة الدال من الاكدار إلى الاخر وقد يكون البناء على اكثر من قافيتين وهو قليل متكلف، ومن لطيف ذى القافيتين نوع يوجد في الشعر الفارسى وهو ان تكون الالفاظ الباقية بعد القوافى الاول بحيث إذا جمعت كانت شعرا مستقيم المعنى.

 ٣-٣٨لزوم ما لا يلزم

(ومنه) أي ومن اللفظى

(لزوم ما لا يلزم) ويقال له الالزام والتضمين والتشديد والاعنات ايضا

(وهو ان يجئ قبل حرف الروى) وهو الحرف الذى تبنى عليه القصيدة وتنسب إليه فيقال قصيدة لامية أو ميمية مثلا من رويت الحبل إذا فتلته لانه يجمع بين الابيات كما ان الفتل يجمع بين قوى الحبل أو من رويت على البعير إذا شددت عليه الرواء وهو الحبل الذى يجمع به الاحمال

(أو ما في معناه) أي قبل الحرف الذى هو في معنى الروى

(من الفاصلة) يعنى الحرف الذى وقع في فواصل الفقر موقع حرف الروى في قوافى الابيات. وفاعلي يجئ هو قوله

(ما ليس بلازم في السجع) يعنى ان يؤتى قبله بشئ لو جعل القوافى أو الفواصل اسجاعا لم يحتج إلى الاتيان بذلك الشئ ويتم السجع بدونه. فمن زعم انه كان ينبغى ان يقول ما ليس بلازم في السجع أي القافية ليوافق قوله قبل حرف الروى أو ما في معناه فهو لم يعرف معنى هذا الكلام. ثم لا يخفى ان المراد بقوله يجئ قبل كذا ما ليس بلازم في السجع ان يكون ذلك في بيتين أو اكثر أو فاصلتين أو اكثر والا ففي كل بيت أو فاصلة يجئ قبل حرف الروى أو ما في معناه ما ليس بلازم في السجع كقوله: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * بسقط اللوى بين الدخول فحومل قد جاء قبل اللام ميم مفتوحة وهو ليس بالزم في السجع. وقوله قبل حرف الروى أو ما في معناه اشارة إلى انه يجرى في النثر والنظم

(نحو فاما اليتيم فلا تقهر واما السائل فلا تنهر) فالراء بمنزلة حرف الروى ومجئ الهاء قبلها في الفاصلتين لزوم ما يلزم لصحة السجع بدونها نحو فلا تنهر ولا تسخر

(وقوله ساشكر عمرا ان تراخت منيتى، ايادي) بدل من عمرا

(ايادي لم تمن وان هي جلت،) أي لم تقطع أو لم تخلط بمنة وان عظمت وكثرت

(فتى غير محجوب الغنى عن صديقه * ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت) زلة القدم والنعل كناية عن نزول الشر والمحنة

(راى خلتى) أي فقرى

(من حيث يخفى مكانها) لانى كنت استرها عنه بالتجمل

(فكانت) أي خلتى

(قذى عينيه حتى تجلت) أي انكشفت وزالت باصلاحه اياها باياديه يعنى من حسن اهتمامه جعله كالداء الملازم لا شرف اعضائه حتى تلافاه بالاصلاح، فحرف الروى هو التاء وقد جئ قبله بلام مشدة مفتوحة وهو ليس بلازم في السجع لصحة السجع بدونها نحو جلت ومدت ومنت وانشقت ونحو ذلك

١٥٩

(واصل الحسن في ذلك كله) أي في جميع ما ذكر من المحسنات اللفظية

(ان تكون الالفاظ تابعة للمعانى دون العكس) أي ان لا يكون المعاني توابع للالفاظ بان يؤتى بالالفاظ متكلمة مصنوعة فيتبعها المعنى كيف ما كان كما فعله بعض المتأخرين الذين لهم شعف بايراد المحسنات اللفظية فيجعلون الكلام كانه غير مسوق لافادة المعنى ولا يبالون بخفاء الدلالات وركاكة المعنى فيصير كغمد من ذهب على سيف من خشب. بل الوجه ان تترك المعاني على سجيتها فتطلب لانفسها لفظا تليق بها، وعند هذا تظهر البلاغة والبراعة ويتميز الكامل من القاصر، وحين رتب الحريري مع كمال فضله في ديوان الانشاء عجز فقال ابن الخشاب هو رجل مقاماتي وذلك لان كتابه حكاية تجرى على حسب ارادته ومعانية تتبع ما اختاره من الالفاظ الموضوعة فاين هذا من كتاب امر به في قضية وما احسن ما قيل في الترجيح بين الصاحب والصابى ان الصاحب كان يكتب كما يريد والصابى كان يكت كما يؤمر وبين الحالتين بون بعيد ولهذا قال قاضى قم حين كتب إليه الصاحب. ايها القاضى بقم، قد عزلناك فقم واللّه ما عزلتني الا هذه السجعة.

١٦٠