٤ خاتمةخاتمة الفن الثالث (في السرقات الشعرية وما يتصل بها) مثل الاقتباس والتضمين والعقد والحل والتلميح (وغير ذلك) مثل القول في الابتداء والتخلص والانتهاء. وانما قلنا ان الخاتمة من الفن الثالث دون ان نجعلها خاتمة للكتاب خارجة عن الفنون الثلاثة كما توهمه غيرنا لان المصنف قال في الايضاح في آخر بحث المحسنات اللفظية. هذا ما تيسر لى باذن اللّه جمعه وتحريره من اصول الفن الثالث وبقيت اشياء يذكرها في علم البديع بعض المصنفين وهو قسمان. احدهما ما يجب ترك التعرض له لعدم كونه راجعا إلى تحسين الكلام أو لعدم الفائدة في ذكره لكون داخلا فيما سبق من الابواب والثانى مما لا بأس بذكره لاشتماله على فائدة مع عدم دخوله فيما سبق مثل القول في السرقات الشعرية وما يتصل بها (اتفاق القائلين) على لفظ التثنية (ان كان في الغرض على العموم كالوصف بالشجاعة والسخاء) وحسن الوجه والبهاء ونحو ذلك (فلا يعد) هذا الاتفاق (سرقة) ولا استعانة ولا اخذا ونحو ذلك مما يؤدى هذا المعنى (لتقرره) أي لتقرر هذا الغرض العام في (العقول والعادات) فيشترك فيه الفصيح والاعجم والشاعر والمفحم (وان كان) اتفاق القائلين (في وجه الدلالة) أي طريق الدلالة على الغرض (كالتشبيه والمجاز والكناية وكذكر هيئات تدل على الصفة لاختصاصها بمن هي له) أي لاختصاص تلك الهيئات بمن ثبت تلك الصفة له (كوصف الجواد بالتهلل عند ورود العفاة) أي السائلين جمع عافى (و) كوصف (البخيل بالعبوس) عند ذلك (مع سعة ذات اليد أي المال. واما العبوس عند ذلك مع قلة ذات اليد فمن اوصاف الاسخياء (فان اشترك الناس في معرفته) أي في معرفة وجه الدلالة (لاستقراره فيهما) أي في العقول والعادات (كتشبيه الشجاع بالاسد والجواد بالبحر فهو كالاول) أي فالاتفاق في هذا النوع من وجه الدلالة كالاتفاق في الغرض العام في انه لا يعد سرقة ولا اخذا (والا) أي وان لم يشترك الناس في معرفته (جاز ان يدعى فيه) أي في هذا النوع من وجه الدلالة (السبق والزيادة) بان يحكم بين القائلين فيه بالتفاضل وان احدهما فيه اكمل من الاخر وان الثاني زاد على الاول أو نقص عنه. (وهو) أي ما لا يشترك الناس في معرفته من وجه الدلالة على الغرض (ضربان) احدهما (خاصى في نفسه غريب) لا ينال الا بفكر (و) الاخر (عامى تصرف فيه بما اخرجه من الابتذال إلى الغرابة كما مر) في باب التشبيه والاستعارة من تقسيمهما إلى الغريب الخاصى والمبتذل العامي الباقي على ابتذاله والمتصرف فيه بما يخرجه إلى الغرابة (فالاخذ والسرقة) أي ما يسمى بهذين الاسمين (نوعان ظاهر ١٦١ وغير ظاهر. اما الظاهر فهو ان يؤخذ المعنى كله اما) مع اللفظ كله أو بعضه أو) حال كونه (وحده) من غير اخذ شئ من اللفظ (فان اخذ اللفظ كله من غير تغيير لنظمه) أي لكيفية الترتيب والتأليف الواقع بين المفردات (فهو مذموم لانه سرقة محضة ويسمى نسخا وانتحالا كما حكى عن عبد اللّه بن الزبير انه فعال ذلك بقول معن ابن اوس إذا انت لم تنصف اخاك) أي لم تعطه النصفة ولم توفه حقوقه (وجدته، على طرف الهجران) أي هاجرا لك متبدلا بك وباخوتك (ان كان يعقل ويركب حد السيف) أي يتحمل الشدائد تؤثر فيه تأثير السيوف وتقطعه وتقطيعها (من ان تضيمه،) أي بدلا من ان تظلمه (إذا لم يكن عن شفرة السيف) أي عن ركوب حد السيف وتحمل المشاق (مزحل) أي مبعد. فقد حكى ان عبد اللّه بن الزبير دخل على معاوية فأنشده هذين البيتين فقال له معاوية لقد شعرت بعدى يا ابا بكر ولم يفارق عبد اللّه المجلس حتى دخل معن بن اوس المزني فانشد قصيدته التى اولها: لعمرك ما ادرى وانى لاوجل * على اينا تغدو المنية اول حتى اتمهما وفيها هذان البيتان فاقبل معاوية على عبد اللّه بن الزبير وقال الم تخبرني انهما لك فقال اللفظ له والمعنى له وبعد فهو اخى من الرضاعة وانا احق بشعره. (وفى معناه) أي في معنى ما لم يغير فيه النظم (ان يبدل بالكلمات كلها أو بعضها ما يرادفها) يعنى انه ايضا مذموم وسرقة محضة كما يقال في قول الحطية: دع المكارم لا ترحل لبغيتها * واقعد فانك انت الطاعم الكاسي ذر الماثر لا تذهب بمطلبها * واجلس فانك انت الآكل اللابس كما قال امرئ القيس: وقوفا بها صحبى على مطيهم * يقولون لا تهلك اسى وتجمل فاورده طرفة في داليته الا انه اقام تجلد مقام تجمل (وان كان) اخذ اللفظ كله (مع تغيير لنظمه) أي نظم اللفظ (أو اخذ بعض اللفظ) لاكله (سمى) هذا الاخذ (اغارة ومسخا) ولا يخلو اما ان يكون الثاني ابلغ من الاول أو دونه أو مثله (فان كان الثاني ابلغ) من الاول (لاختصاصه بفضيلة) لا توجد في الاول كحسن السبك أو الاختصار أو الايضاح أو زيادة معنى (فممدوح) أي فالثاني مقبول كقول بشار من راقب الناس) أي حاذرهم (لم يظفر بحاجة وفاز بالطيبات الفاتك اللّهج) أي الشجاع القتال الحريص على القتل (وقول سلم) الخاسر بعده (من راقب الناس مات غما) أي حزنا وهو مفعول له أو تمييز (وفاز باللذة الجسور) أي التشديد الجرئة فبيت سلم اجود سبكا واخصر لفظا (وان كان) الثاني (دونه) أي دون الاول في البلاغة لفوات فضيلة توجد في الاول ١٦٢ (فهو) أي الثاني (مذموم كقول ابى تمام) في مرثية محمد بن حميد (هيهات لا يأتي الزمان بمثله * ان الزمان بمثله لبخيل) وقول ابى الطيب اعدى الزمان سخاؤه) يعنى لعلم الزمان منه السخاء وسرى سخاؤه إلى الزمان (فسخا به) واخرجه من العدم إلى الوجود ولو لا سخاؤه الذى استفاده منه لبخل به على اهل الدنيا واستبقى لنفسه كذا ذكره ابن جنى وقال ابن فورجه هذا تأويل فاسد لان سخاء غير موجود لا يوصف بالعدوى وانما المراد سخا به على وكان بخيلا به على فلما اعداه سخاؤه اسعدني بضمي إليه وهدايتي له لما اعداه سخاؤه (ولقد يكون به الزمان بخيلا) فالمصراع الثاني مأخوذ من المصراع الثاني لابي تمام على كل من تفسيرى ابن جنى وابن فورجة إذ لا يشترط في هذا النوع من الاخذ عدم تغاير المعنين اصلا كما توهمه البعض والا لم يكن مأخوذا منه على تأويل ابن جنى ايضا لان ابا تمام علق البخل بمثل المرثى وابا الطيب بنفس الممدوح هذا ولكن مصراع ابى تمام اجود سبكا لان قول ابى الطيب. ولقد يكون بلفظ المضارع لم يقع موقعه إذ المعنى على المضى. فان قيل المراد فقد يكون الزمان بخيلا بهلاكه أي لا يسمح بهلاكه قط لعلمه بانه سبب صلاح العام والزمان وان سخا بوجوده وبذله للغير لكن اعدامه وافناؤه باق بعد في تصرفه. قلنا هذا تقدير لا قرينة عليه وبعد صحته فمصراع ابى تمام اجود لاستغنائه عن مثل هذا التكلف (وان كان) الثاني (مثله) أي مثل الاول (فابعد) أي فالثاني ابعد (من الذم والفضل للاول كقول ابى تمام لو حار) أي تحير في التوصل إلى اهلاك النفوس (مرتاد المنية) أي الطالب الذى هو المنية على انها اضافة بيان (لم يجد، الا الفراق على النفوس دليلا وقول ابى الطيب لو لا مفارقة الاحباب ما وجدت، لها المنايا إلى ارواحنا سبلا) الضمير في لها لمنية وهو قال من سبلا أو المنايا فاعلل وجدت وروى يد المنايا فقد اخذ المعنى كله مع لفظ المنية والفراق والوجدان وبدل النفوس بالارواح وان اخذ المعنى وحده سمى) هذا الاخذ (لماما) من الم إذا قصد واصله من الم بالمنزل إذا نزل به (وسلخا) وهو كشط الجلد عن الشاة ونحوها فكأنه كشط عن المعنى جلد أو البسه جلدا آخر فان اللفظ للمعننى بمنزلة اللباس (وهو ثلاثة اقسام كذلك) أي مثل ما يسمى اغارة ومسخا لان الثاني اما ابلغ من الاول أو دونه أو مثله (اولها) أي اول الاقسام وهو ان يكون الثاني ابلغ من الاول (كقول ابى تمام هو) الضمير للشان (الصنع) أي الاحسان والصنع مبتدأ خبره الجملة الشرطية اعني قوله (ان تعجل فخير وان ترث،) أي تبطأ (فالريث في بعض المواضع أنفع) والاحسن ان يكون هو فيه عائذا إلى حاضر في الذهن وهو مبتدأ خبره الصنع والشرطية ابتداء كلام، وهذا كقول ابى العلاء هو الهجر حتى ما يلم خيال، وبعض صدود الزائرين وصال، وهذا نوع من الاعراب لطيف لا يكاد يتنبهه الا الاذهان الراقية من ائمة العرب ١٦٣ (وقول ابى الطيب ومن الخير بطوء سيبك) أي تأخر عطائك (عنى، اسرع السحب في المسير الجهام) أي السحاب الذى لا ماء فيه. واما ما فيه ماء فيكون بطيئا ثقيل المشى فكذا حال العطاء ففى بيت ابى الطيب زيادة بيان لاشتماله على ضرب المثل بالسحاب (وثانيها) أي ثانى الاقسام وهو ان يكون الثاني دون الاول (كقول البحترى وإذا تألق) أي ملع (في الندى) أي في المجلس (كلامه المصقول) المنقح (خلت) أي حسبت (لسانه من عضبه) أي سفيه القاطع وقول ابى الطيب: كأن السنهم في النطق قد جعلت * على رماحهم في الطعن خرصانا جمع خرص بالضم والكسر هو السنان يعنى ان السنهم عند النطق في المضاء والنفاذ تشابه اسنتهم عند الطعن فكأن السنهم جعلت اسنة على رماحهم فبيت البحترى ابلغ لما في لفظي تألق والمصقول من الاستعارة التخييلية فان التألق والصقالة للكلام بمنزلة الاظفار للمنية ولزم من ذلك تشبيه كلامه بالسيف هو استعارة بالكناية. (وثالثها) أي ثالث الاقسام وهو ان يكون الثاني مثل الاول (كقول الاعرابي) ابى زياد (ولم يك اكثر الفتيان مالا، ولكن ارحبهم ذراعا) أي اسخاهم، يقال فلان رحب الباع والذراع ورحبتهما أي سخى (وقول الشجع ليس) أي الممدوح يعنى جعفر بن يحيى (باوسعهم) الضمير للملوك (في الغنى ولكن معروفه) أي احسانه (اوسع) فالبيتان متماثلان هذا ولكن لا يعجبنى معروفه اوسع (واما غير الظاهر فمنه ان يتشابه المعنيان) أي معنى البيت الاول ومعنى البيت الثاني (كقول جرير ١٦٤ فلا يمنعك من ارب) أي حاجة (لحاهم) جمع لحية يعنى كونهم في صورة (الرجال سواء ذو العمامة والخمار) يعنى ان الرجال منهم والنساء سواء في الضعف. وقول ابى الطيب: ومن في كفه منهم قناة * كمن في كفه منهم خضاب) واعلم انه يجوز في تشابه المعنيين اختلاف البيتين نسيبا ومديحا وهجاء وافتخارا أو نحو ذلك. فان الشاعر الحاذق إذا قصد إلى المعنى المختلس لينظمه احتال في اخفائه فغير لفظه وصرفه عن نوعه ووزنه وقافيته والى هذا اشار بقوله. (ومنه) أي غير الظاهر (ان ينقل المعنى إلى محل آخر كقول البحترى سلبوا) أي ثيابهم (واشرقت الدماء عليهم، محمرة فكأنهم لم يسلبوا) لان الدماء المشرقة كانت بمنزلة الثياب لهم (وقول ابى الطيب يبس النجيع عليه) أي على السيف (وهو مجرد عن غمده فكأنما هو مغمد) لان الدم اليابس بمنزلة غمد له فنقل المعنى من القتلى والجرحى إلى السيف. (ومنه) أي من غير الظاهر (ان يكون معنى الثاني اشمل) من معنى الاول (كقول جرير إذا غضبت عليك بنو تميم، وجدت الناس كلهم غضابا) لانهم يقومون مقام كلهم (وقول ابى نؤاس ليس من اللّه بمستنكر * ان يجمع العالم في واحد) فانه يشمل الناس وغيرهم فهو اشمل من معنى بيت جرير. ١٦٥ (ومنه) أي من غير الظاهر (القلب وهو ان يكون معنى الثاني نقيض معنى الاول كقول ابى الشيص اجد الملاملة في هواك لذيذة * حبا لذكرك فليلمنى اللوم وقول ابى الطيبء احبه) الاستفهام للانكار باعتبار القيد الذى هو الحال اعني قوله (واحب فيه ملامة،) كما يقال اتصلى وانت محدث على تجويز واو الحال في المضارع المثبت كما هو راى البعض أو على حذف المبتدا أي وانا احب. ويجوز ان يكون الواو للعطف، والانكار راجع إلى الجمع بين الامرين اعني محبته ومحبة الملامة فيه (ان الملامة فيه من اعدائه) وما يصدر عن عدو المحبوب يكون مبغوضا لا محبوبا وهذا نقيض معنى بيت ابى الشيص لكن كل منهما باعتبار آخر ولهذا قالوا الاحسن في هذا النوع ان يبين السبب. (ومنه) أي من غير الظاهر (ان يؤخذ بعض المعنى ويضاف إليه ما يحسنه كقول الافوه فترى الطير على آثارنا، راى عين) يعنى عيانا (ثقة) حال أي واثقة أو مفعول له مما يتضمنه قوله على آثارنا أي كائنة على آثارنا لوثوقها (ان ستمار) أي ستطعم من لحوم من نقتلهم (وقول ابى تمام وقد ظللت) أي القى عليها الظل وصارت ذوات ظل (عقبان اعلامه ضحى، بعقبان طير في الدماء نواهل) من نهل إذا روى نقيض عطش ١٦٦ (اقامت) أي عقبان الطير (مع الرايات) أي لاعلام وثوقا بانها ستطعم لحوم القتلى (حتى كلها من الجيش الا انها لم تقاتل، (فان ابا تمام لم يلم بشئ من معنى قول الافوه راى عين) الدال على قرب الطير من الجيش بحيث ترى عيانا لاتخيلا. وهذا مما يؤكد شجاعتهم وقتلهم الاعادي (ولا) بشئ من معنى (قوله ثقة ان ستمار) الدال على وثوق الطير بالمبرة لاعتيادها بذلك وهذا ايضا مما يؤكد المقصود قيل ان قول ابى تمام وقد ظلت المام بمعنى قوله راى عين لان وقوع الظل على الرايات مشعر بقربها من الجيش. وفيه نظر إذ قد يقع ظل الطير على الراية وهو في جو السماء بحيث لا يرى اصلا. نعم لو قيل ان قوله حتى كأنها من الجيش المام بمعنى قوله راى عين فانما تكون من الجيش إذا كانت قريبا منهم مختلطا بهم لم يبعد عن الصواب (لكن زاد) أبو تمام (عليه) أي على الافوه زيادات محسنة للمعنى المأخوذ من الافوه اعني تساير الطير على آثارهم (بقوله الا انها لم تقاتل وبقوله في الدماء نواهل وباقامتها مع الرايات حتى كأنها من الجيش وبها) أي وباقامتها مع الرايات حتى كأنها من الجيش (تيم حسن الاول) يعنى قوله الا انها لم تقاتل لانه لا يحسن الاستدراك الذى هو قوله الا انها لم تقاتل ذلك الحسن الا بعد ان يجعل الطير مقيمة مع الرايات معدودة في عداد الجيش حتى يتوهم انها ايضا من المقاتلة، وهذا هو المفهوم من الايضاح. وقد قيل معنى قوله وبها أي بههذه الزيادات الثلاث يتم حسن معنى البيت الاول (واكثر هذه الانواع) المذكورة لغير الظاهر (ونحوها مقبولة) لما فيها من نوع تصرف. (ومنها) أي من هذه الانواع (ما يخرجه حسن التصرف من قبيل الاتباع إلى حيز الابتداع وكل ما كان اشد خفاء) بحيث لا يعرف كونه مأخوذا من الاول الا بعد مزيد تأمل (كان قرب إلى القبول) لكونه ابعد عن الاتباع وادخل في الابتداع (هذا) أي الذى ذكر في الظاهر وغيره من ادعاء سبق احدهما واخذ الثاني منه وكونه مقبولا أو مردودا وتسمية كل بالاسامي المذكورة (كله) انما يكون (إذا علم ان الثاني اخذ من الاول) بان يعلم انه كان يحفظ قول الاول حين نظم أو بان يخبر هو عن نفسه انه اخذ منه والا فلا يحكم بشئ من ذلك (لجواز ان يكون الاتفاق) في اللفظ والمعنى جميعا أو في المعنى وحده (من قبيل توارد الخواطر) أي مجيئه (على سبيل الاتفاق من غير قصد إلى الاخذ) كما يحكى عن ابن ميادة انه انشد لنفسه، مفيد ومتلاف إذا ما اتيته، تهلل واهتز اهتزاز المهند فقيل له اين يذهب بك هذا للحطيئة، فقال الان علمت انى شاعر إذا وافقته على قوله ولم اسمعه (فإذا لم يعلم) ان الثاني اخذ من الاول. (قيل قال فلان كذا وقد سبقه إليه فلان فقال كذا) ليغتنم بذلك فضيلة الصدق ويسلم من دعوى علم الغيب ونسبة النقص إلى الغير (ومما يتصل بهذا) أي بالقول في السرقات (القول في الاقتباس والتضمين والعقد والحل والتلميح) بتقديم اللام على الميم من لمحه إذا ابصره وذلك لان في كل منها اخذ شئ من الاخر ٤-١الاقتباس(اما الاقتباس فهو ان يضمن الكلام) نظما كان أو نثرا (شيئا من القرآن أو الحديث لا على انه منه) أي لا على طريقة ان ذلك الشئ من القرآن أو الحديث يعنى على وجه لا يكون فيه اشعار بانه منه كما يقال في اثناء الكلام قال اللّه تعالى كذا وقال النبي عليه السلام كذا ونحو ذلك فانه لا يكون اقتباسا. ومثل للاقتباس باربعة امثلة لانه اما من القرآن أو الحديث وكل منهما اما في النثر أو في النظم. فالاول (كقول الحريري فلم يكن الا كلمح البصر أو هو اقرب حتى انشد واغرب،). والثانى مثل (قول الاخر ان كنت ازمعت) أي عزمت (على هجرنا، من غير ما جرم فصبر جميل، وان تبدلت بنا غيرنا، فحسبنا اللّه ونعم الوكيل و) الثالث مثل (قول الحريري قلنا شاهت الوجوه) أي قبحت وهو لفظ الحديث على ما روى انه لما اشتد الحرب يوم حنين اخذ النبي صلى اللّه تعالى عليه وسلم كفا من الحصاء فرمى به وجوه المشركين وقال شاهت الوجوه (وقبح) على المبنى للمفعول أي لعن من قبحه اللّه بالفتح أي ابعده عن الخير (اللكع) أي لعن اللئيم. ١٦٧ (و) الرابع مثل (قول ابن عباد قال) أي الحبيب (لى ان رقيبي سئ الخلق فداره،) من المداراة وهى الملاطفة والمجاملة وضمير المفعول للرقيب (قلت دعني وجهك الجنة حفت بالمكاره) اقتباسا من قوله عليه السلام حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات أي احيطت يعنى لابد لطالب جنة وجهك من تحمل مكاره الرقيب كما انه لابد لطالب الجنة من مشاق التكاليف. (وهو) أي الاقتباس (ضربان) احدهما (ما لم ينقل فيه المقتبس عنه معناه الاصلى كما تقدم) من الامثلة (و) الثاني (خلافه) أي ما نقل فيه المقتبس عن معناه الاصلى (كقول ابن الرومي لئن اخطأت في مدحك ما اخطأت في منعى، لقد انزلت حاجاتي بواد غير ذى زرع) هذا مقتبس من قوله تعالى (ربنا انى اسكنت من ذريتي بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم) لكن معناه في القرآن واد لا ماء فيه ولا نبات وقد نقله ابن الرومي إلى جانب لا خير فيه ولا نفع (ولا بأس بتغيير يسير) في اللفظ المقتبس (للوزن أو غيره كقوله) أي كقول بعض المغاربة (قد كان) أي وقع (ما خفت ان يكونا، انا إلى إليه راجعونا) وفى القرآن انا للّه وانا إليه راجعون ٤-٢التضمين(واما التضمين فهو ان يضمن الشعر شيئا من شعر الغير) بيتا كان أو ما فوقه أو مصراعا أو ما دونه (مع التنبيه عليه) أي على انه من شعر الغير (ان لم يكن ذلك مشهورا عند البلغاء). وبهذا يتمييز عن الاخذ والسرقة (كقوله) أي كقول الحريري يحكم ما قاله الغلام الذى عرضه أبو زيد للبيع (على انى سأنشد عند بيعي، اضاعوني واى فتى اضاعوا) المصراع الثاني للعرجى، ونمامه ليوم كريهة وسداد ثغر اللام في ليوم لام التوقيت والكريهة من اسماء الحرب وسداد الثغر بكسر السين لا غير سده بالخير والرجال والثغر موضع للمخافة من فروج البلدان أي اضاعوني في وقت الحرب وزمان سد الثغور ولم يراعوا حقى احوج ما كانوا إلى واى فتى أي كاملا من الفتيان اضاعوا. وفيه تنديم وتخطئة لهم وتضمين المصراع بدون التنبيه لشهرته كقول الشاعر قد قلت لما اطلعت وجناته، حول الشقيق الغض روضة آس، اعذاره السارى العجول توقفا، ما في وقوفك ساعة من بأس المصراع الاخير لابي تمام ١٦٨ (واحسنه) أي احسن التضمين (ما زاد على الاصل) أي شعر الشاعر الاول (بنكتة) لا توجد فيه (كالتورية) أي الايهام (والتشبيه في قوله إذا الوهم ابدى) أي اظهر (لى لماها) أي سمرة شفتيها (وثغرها، تذكرت ما بين العذيب وبارق ويذكرني) من الاذكار (من قدها ومدامعي، مجر عوالينا ومجرى السوابق) انتصب مجر على انه مفعول ثان ليذكرني وفاعله ضمير يعود إلى الوهم. وقوله تذكرت ما بين العذيب وبارق، مجر عوالينا ومجرى السوابق مطلع. قصيدة لابي الطيب، والعذيب وباريق موضعان وما بين ظرف للتذكر أو للمجر والمجرى قدم اتساعا في تقديم الظرف على عامله المصدر أو ما بين مفعول تذكرت ومجر بدل عنه والمعنى انهم كانوا نزولا بين هذين الموضعين وكانوا يجرون الرماح عند مطارده الفرسان ويسابقون على الخيل. فالشاعر الثاني اراد بالعذيب تصغير العذب يعنى به شفة الحبيبة ويبارق ثغرها الشبيهة بالبرق وبما بينهما ريقها. وهذا تورية وشبه تبختر قدها بتمايل الرمح وتتابع دموعه بجريان الخيل السوابق (ولا يضر) في التضمين (التغيير اليسير) لما قصد تضمينه ليدخل في معنى الكلام كقول الشاعر في يهودى به داء الثعلب اقول لمعشر غلطوا وغضوا، من الشبخ الرشد وانكروه، هو ابن جلا وطلاع الثنايا، متى يضع العمامة يعرفوا، البيت لسحيم بن وشيل واصله اما ان جلا على طريقة التكلم فغيره إلى طريقة الغيبة ليدخل في المقصود. (وربما سمى تضمين البيت فيما زاد على البيت استعانة وتضمين المصراع فما دونه ايداعا) كانه اودع شعره شيئا قليلا من شعر الغير (ورفوا) كانه رفا خرق شعره بشئ من شعر الغير. ٤-٣العقد(واما العقد فهو ان ينظم نثرا) قرآنا كان أو حديثا أو مثلا أو غير ذلك (لا على طريق الاقتباس) يعنى ان كان النثر قرآنا أو حديثا فنظمه انما يكون عقدا إذا غير تغييرا كثيرا واشير إلى انه من القرآن أو الحديث وان كان غير القرآن أو الحديث فنظمه عقد كيف ما كان إذ لا دخل فيه للاقتباس. (كقوله ما بال من اوله نطفة، وجيفة آخره يفخر) الجملة حال أي ما باله مفتخرا (عقد قول) على رضى اللّه عنه وما لابن آدم الفخر وانما اوله نطفة وآخره جيفة ٤-٤الحل(واما الحل فهو ان ينثر نظما) وانما يكون مقبولا إذا كان سبكه مختارا لا يتقاصر عن سبك النظم وان يكون حسن الموقع غير قلق (كقول بعض المغاربة ١٦٩ فانه لما قبحت فعلاته وحنظلت نخلاته) أي صارت ثمار نخلاته كالحنظل في المرارة (لم يزل سوء الظن يقتاده) أي يقوده إلى تخيلات فاسدة وتوهمات باطلة (ويصدق) هو (توهمه الذى يعتاده) من الاعتياد (حل قول أي الطيب إذا ساء فعل المرء سائت ظنونه * وصدق ما يعتاده من توهم ١٦٩ يشكو سيف الدولة واستماعه لقول اعدائه. ٤-٥التلميح(واما التلميح) صح بتقديم اللام على الميم من لمحه إذا ابصره ونظر إليه وكثيرا ما تسمعهم يقولون لمح فلان هذا البيت فقال كذا وفى هذا البيت تلميح إلى قول فلان واما التمليح بتقديم الميم على اللام بمعنى الاتيان بالشئ المليح كما مر في التشبيه والاستعارة فهو ههنا غلط محض وان اخذا مذهبا (فهو ان يشار) في فحوى الكلام (إلى قصة أو شعر) أو مثل سائر (من غير ذكره) أي ذكر كل واحد من القصة أو الشعر وكذا المثل فالتلميح اما في النظم أو في النثر والمشار إليه في كل منهما اما ان يكون قصة أو شعرا أو مثلا تصير ستة اقسام والمذكور في الكتاب مثل التلميح في النظم إلى القصة والشعر (كقوله فواللّه ما ادرى أحلام نائم، المت بنا اما كان في الركب يوشع) وصف لحوقه بالاحبة المرتحلين وطلوع شمس وجه الحبيب من جانب الخدر في ظلمة الليل. ثم استعظم ذلك واستغرب وتجاهل تحيرا وتدلها وقال اهذا حلم اراه في النوم، ام كان في الركب يوشع، النبي صلى اللّه عليه وآله. فرد الشمس (اشارة إلى قصة يوشع عليه السلام واستيقافه الشمس) على ما روى من انه قاتل الجبارين يوم الجمعة فلما ادبرت الشمس خاف ان تغيب قبل ان يفرغ منهم ويدخل السبت فلا يحل له قتالهم فيه فدعا اللّه تعالى فرد له الشمس حتى فرغ من قتالهم (وكقوله لعمرو) واللام للابتداء وهو مبتدأ (مع الرمضاء) أي الارض الحارة التى ترمض فيها القدم أي تحترق حال من الضمير في ارق (والنار) مرفوع معطوف تعلى عمروا أو مجرور معطوف على الرمضاء (تلتظى) حال منها وما قيل انها صلة على حذف الموصول أي النار التى تلتظى تعسف لا حاجة إليه (ارق) خبر المبتدأ من رق له إذا رحمه. (واخفى) من خفى عليه تلطف وتشقق (منك في ساعة الكرب، اشار إلى البيت المشهور) وهو قوله (المستجير) أي المستغيث (بعمر وعند كربته) الضمير للموصول أي الذى يستغيث عند كربته بعمرو (كالمستجير من الرمضاء بالنار) وعمرو هو جساس بن مرة وذلك لانه لما رمى كليبا ووقف فوق رأسه قال له كليب با عمرو اغثني بشربة ماء فاجهز عليه فقيل المستجير بعمرو البيت. فصلفصل من الخاتمة في حسن الابتداء والتخلص والانتهاء (ينبغى للمتكلم) شاعرا كان أو كاتبا (ان يتأنق) أي يتبع الانق والاحسن يقال تأنق في الروضة إذا وقع فيها متتبعا لما يونقه أي يعجبه (في ثلاثة مواضع من كلامه حتى تكون) تلك المواضع الثلاثة اعذب لفظا) بان تكون في غاية البعد عن التنافر والثقل (واحسن سبكا) بان تكون في غاية البعد عن التعقيد والتقديم والتأخير الملبس وان تكون الالفاظ متقاربة في الجزلة والمتانة والرقة والسلاسة وتكون المعاني مناسبة لا لفظها من غير ان تكتسي اللفظ الشريف المعنى السخيف أو على العكس بل يصاغان صياغة تناسب وتلاؤم (واصح معنى) بان يسلم من التناقض والامتناع والابتذال ومخالفة العرف ونحو ذلك. (احدها الابتداء) لانه اول ما يقرع السمع فان كان عذبا حسن السبك صحيح المعنى اقبل السامع على الكلام فوعى جميعه والا عرض عنه وان كان الباقي في غاية الحسن فالابتداء الحسن في تذكار الاحبة والمنازل (كقوله قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل * بسقط اللوى بين الدخول فحومل) السقط منقطع الرمل حيث يدقه واللوى رمل معوج ملتوى والدخول وحومل موضعان والمعنى بين اجزاء الدخول ١٧٠ (و) في وصف الدال (كقوله: قصر عليه تحية وسلام * خلعت عليه جمالها الايام) خلع عليه أي نزع ثوبه وطرحه عليه. (و) ينبغى (ان يجتنب في المديح مما يتظير به) أي يتشأم به (كقوله موعدا حبابك بالفرقة غد)، مطلع قصيدة لابن مقاتل الضرير أنشدها للداعى العلوى فقال له الداعي موعد أحبابك يا اعمى ولك المثل السوء (واحسنه) أي أحسن الابتدا (ما ناسب المقصود) بأن يشتمل على إشارة إلى ما سبق الكلام لاجله، (ويسمى) كون الابتداء مناسبا للمقصود (براعة الاستهلال) من برع الرجل: إذا فاق أصحابه في العلم أو غيره (كقوله في التهنئة: بشرى فقد أنجز الاقبال ما وعدا) وكوكب المجد في افق العلى صعدا مطلع قصيدة لابي محمد الخازن يهنئ الصاحب بولد لا بنته. (وقوله في المرثية هي الدنيا تقول بملء فيها حذار حذار) أي احذر (من بطشي) أي أخذي الشديد (وفتكي) أي قتلي فجأة مطلع قصيدة لابي الفرج الساوي يرثي فخر الدولة (وثانيها) أي ثاني المواضع التي ينبغي للمتكلم أن يتأنق فيها (التخلص) أي الخروج (مما شبب الكلام به) أي ابتدأ وافتتح قال الامام الواحدي رحمه اللّه معنى التشبيب ذكر أيام الشباب واللّهو والغزل وذلك يكون في ابتداء قصائد الشعر فسمى ابتداء كل امر تشبيبا وان لم يكن في ذكر الشباب (من تشبيب) إلى وصف للجمال (وغيره) كالادب والافتخار والشكاية وغير ذلك (إلى المقصود مع رعاية الملائمة بينهما) أي بين ما شبب به الكلام وبين المقصود واحترز بهذا عن الاقتضاب وأراد بقوله التخلص معناه اللغوي وإلا فالتخلص في العرف هو الانتقال مما افتتح به الكلام إلى المقصود مع رعاية المناسبة. وإنما ينبغي أن يتأنق في التخلص لان السامع يكون مترقبا الانتقال من الافتتاح إلى المقصود كيف يكون، فان كان حسنا متلائم الطرفين حرك من نشاطه وأعان على اصغاء ما بعده وإلا فبالعكس فالتخلص الحسن. (كقوله يقول في قومس) اسم موضع قومي وقد اخذت منا السرى أي اثر فينا السير بالليل ونقص من قوانا (وخطى المهرية) عطف على السرى لا على المجرور في منا كما سبق إلى بعض الاوهام وهي جمع خطوة وأراد بالمهرية الابل المنسوبة إلى مهر ابن حيدان أبي قبيلة (القود) أي الطويلة الظهور والاعناق جمع اقود اي اثرت فينا مزاولة السرى ومسايرة المطايا بالخطى ومفعول يقول هو قوله (امطلع الشمس تبغى) أي تطلب (ان تؤم) أي تقصد (بنا فقلت كلا) ردع للقوم وتنبيه (ولكن مطلع الجود ١٧١ وقد ينتقل منه) أو مما شبب به الكلام (إلى ما لا يلائمه ويسمى) ذلك الانتقال (الاقتضاب) وهو في اللغة الاقتطاع والارتجال (وهو) أي الاقتضاب (مذهب العرب الجاهلية ومن يليهم من المخضرمين) بالخاء والضاد المعجمتين أي الذين أدركوا الجاهلية والاسلام مثل لبيد. قال في الاساس ناقة مخضرمة أي جذع نصف اذنها ومنه المخضرم الذي أدرك الجاهلية والاسلام كأنما قطع نصفه حيث كان في الجاهلية (كقوله لو رأى اللّه ان في الشيب خيرا، جاورته الابرار في الخلد شيبا) جمع أشيب وهو حال من الابرار، ثم انتقل من هذا الكلام إلى ما لا يلائمه فقال: (كل يوم تبدى) أي تظهر (صروف الليالى، خلقا من أبى سعيد غريبا) ثم كون الاقتضاب مذهب العرب والمخضرمين أي دأبهم وطريقتهم لا ينافي أن يسلكه الاسلاميون ويتبعونهم في ذلك فان البيتين المذكورين لابي تمام وهو من الشعراء الاسلامية في الدولة العباسية، وهذا المعنى مع وضوحه قد خفى على بعضهم حتى اعترض على المصنف بأن أبا تمام لم يدرك الجاهلية فكيف يكون من المخضرمين. (ومنه) أي من الاقتضاب (ما يقرب من التخلص) في أنه يشوبه شيئ من المناسبة (كقولك بعد حمد اللّه اما بعد) فانه كان كذا وكذا فهو اقتضاب من جهة الانتقال من الحمد والثناء إلى كلام آخر من غير رعاية ملائمة بينهما لكنه يشبه التخلص حيث لم يأت بالكلام الآخر فجأة من غير قصد إلى ارتباط وتعليق بما قبله بل قصد نوع من الربط على معنى مهما يكون من شيئ بعد الحمد والثناء فانه كان كذا وكذا (قيل وهو) أي قولهم بعد حمداللّه أما بعد. هو (فصل الخطاب) قال ابن الاثير والذي اجمع عليه المحققون من علماء البيان ان فصل الخطاب هو اما بعد لان المتكلم يفتتح كلامه في كل امر ذي شأن بذكر اللّه وتحميده فإذا أراد أن يخرج منه إلى الغرض المسوق له فصل بينه وبين ذكر اللّه تعالى بقوله اما بعد، وقيل فصل الخطاب معناه الفاصل من الخطاب أي الذي يفصل بين الحق والباطل على أن المصدر بمعنى الفاعل، وقيل المفصول من الخطاب وهو الذي يتبينه من يخاطب به أي يعمله بينا لا يلتبس عليه فهو بمعنى المفعول. (وكقوله) تعالى عطف على قوله كقولك بعد حمد اللّه يعنى من الاقتضاب القريب من التخلص ما يكون بلفظ هذا كما في قوله تعلى بعد ذكر اهل الجنة (هذا وان للطاغين لشر مآب) فهو اقتضاب فيه نوع مناسبة وارتباط لان الواو للحال ولفظ هذا اما خبر مبتدا محذوف (أي الامر هذا) والحال كذا (أو) مبتدأ محذوف الخبر أي (هذا كما ذكر) وقد يكون الخبر مذكورا (مثل قوله تعالى) بعد ما ذكر جمعا من الانبياء عليهم السلام وأراد أن يذكر بعد ذالك الجنة واهلها (هذا ذكر وان للمتقين لحسن مآب) باثبات الخبر اعني قوله ذكر وهذا مشعر بأنه في مثل قوله تعالى هذا وان للطاغين مبتدأ محذوف الخبر، قال ابن الاثير لفظ هذا في هذا المقام من الفصل الذي هو احسن من الوصل وهي علاقة وكيدة بين الخروج من كلام إلى كلام آخر، (ومنه) أي من الاقتضاب القريب من التخلص (قول الكاتب) هو مقابل للشاعر عند الانتقال من حديث إلى آخر (هذا باب) فان فيه نوع ارتباط حيث لم يبتدئ الحديث الآخر بغتة. (وثالثها) أي ثالث المواضع التي ينبغي للمتكلم أن يتأنق فيها (الانتهاء) لانه آخر ما يعيه السمع ويرتسم في النفس فان كان حسنا مختارا تلقاء السمع واستلذه حتى جبر ما وقع فيما سبقه من التقصير وإلا لكان على العكس حتى ربما أنساه المحاسن الموردة فيما سبق فالانتهاء الحسن (كقوله وانى جدير) أي خليق (إذ بلغتك بالمنى) أي جدير بالفوز بالاماني (وانت بما املت منك جدير، فان تولني) اي تعطني (منك الجميل فاهله) أي فأنت أهل لاعطاء ذلك الجميل (والا فاني عاذر) اياك عما صدر عنى من الابرام (وشكور) لما صدر عنك من الاصغاء إلى المديح أو من العطايا السالفة. ١٧٢ (واحسنه) أي أحسن الانتهاء (ما اذن بانتهاء الكلام) حتى لا يبقى للنفس تشوق إلى ما وراءة (كقوله بقيت بقاء الدهر يا كهف اهله، وهذا دعاء للبرية شامل) لان بقاءك سبب لنظام امرهم وصلاح حالهم، وهذه المواضع الثلاثة مما يبالغ المتأخرون في التأنق فيها واما المتقدمون فقد قلت عنايتهم بذلك (وجميع فواتح السور وخواتمها واردة على أحسن الوجوه وأكملها) من البلاغة لما فيها من التفنن وأنواع الاشارة وكونها بين أدعية ووصايا ومواعظ وتحميدات وغير ذلك مما وقع موقعه وأصاب نحره بحيث تقصر عن كنه وصفه العبارة وكيف لا وكلام اللّه سبحانه وتعالى في الرتبة العليا من البلاغة والغاية القصوى من الفصاحة، ولما كان هذا المعنى مما قد يخفى على بعض الاذهان لما في بعض الفواتح والخواتم من ذكر الاهوال والافزاع المحاسن الموردة فيما سبق فالانتهاء الحسن (كقوله وانى جدير) أي خليق (إذ بلغتك بالمنى) أي جدير بالفوز بالاماني (وانت بما املت منك جدير، فان تولني) اي تعطني (منك الجميل فاهله) أي فأنت أهل لاعطاء ذلك الجميل (والا فاني عاذر) اياك عما صدر عنى من الابرام (وشكور) لما صدر عنك من الاصغاء إلى المديح أو من العطايا السالفة. (واحسنه) أي أحسن الانتهاء (ما اذن بانتهاء الكلام) حتى لا يبقى للنفس تشوق إلى ما وراءة (كقوله بقيت بقاء الدهر يا كهف اهله، وهذا دعاء للبرية شامل) لان بقاءك سبب لنظام امرهم وصلاح حالهم، وهذه المواضع الثلاثة مما يبالغ المتأخرون في التأنق فيها واما المتقدمون فقد قلت عنايتهم بذلك (وجميع فواتح السور وخواتمها واردة على أحسن الوجوه وأكملها) من البلاغة لما فيها من التفنن وأنواع الاشارة وكونها بين أدعية ووصايا ومواعظ وتحميدات وغير ذلك مما وقع موقعه وأصاب نحره بحيث تقصر عن كنه وصفه العبارة وكيف لا وكلام اللّه سبحانه وتعالى في الرتبة العليا من البلاغة والغاية القصوى من الفصاحة، ولما كان هذا المعنى مما قد يخفى على بعض الاذهان لما في بعض الفواتح والخواتم من ذكر الاهوال والافزاع وأحوال الكفار وأمثال ذلك اشار إلى إزالة هذا الخفاء بقوله (يظهر ذلك بالتامع مع التذكر لما تقدم) من الاصول والقواعد المذكورة في الفنون الثلاثة التي لا يمكن الاطلاع على تفاصيلها وتفاريقها الا لعلام الغيوب فانه يظهر بتذكرها ان كلا من ذلك وقع موقعه بالنظر إلى مقتضيات الاحوال وان كلا من السور بالنسبة إلى المعنى الذي يتضمنه مشتملة على لطف الفاتحة ومنطوية على حسن الخاتمة ختم اللّه تعالى لنا بالحسن ويسر لنا الفوز بالذخر الاسنى بحق النبي وآله الاكرمين والحمد للّه رب العالمين. ١٧٣ |