Geri

   

 

 

İleri

 

   ٢  الفن الثاني علم البيان

الفن الثاني علم البيان قدمه على البديع للاحتياج إليه في نفس البلاغة وتعلق البديع بالتوابع

(وهو علم) أي ملكة يقتدر بها على ادراكات جزئية أو اصول وقواعد معلومة

(يعرف به ايراد المعنى الواحد) أي المدلول عليه بكلام مطابق لمقتضى الحال

(بطرق) وتراكيب

(مختلفة في وضوح الدلالة عليه) أي على ذلك المعنى بان يكون بعض الطرق واضح الدلالة عليه وبعضها اوضح والواضح خفى بالنسبة إلى الاوضح فلا حاجة إلى ذكر الخفاء. وتقيد الاختلاف بالوضوح ليخرج معرفة ايراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في اللفظ والعبارة. واللام في المعنى الواحد للاستغراق العرفي أي كل معنى واحد يدخل تحت قصد المتكلم وارادته فلو عرف احد ايراد معنى قولنا زيد جواد بطرق مختلفة لم يكن بمجرد ذلك عالما بالبيان ثم لما لم يكن كل دلالة قابلا للوضوح والخفاء اراد ان يشير إلى تقسيم الدلالة وتعيين ما هو المقصود ههنا فقال:

(ودلالة اللفظ) يعنى دلالته الوضعية. وذلك لان الدلالة هي كون الشئ بحيث يلزم من العلم به العلم بشئ آخر والاول الدال والثانى المدلول. ثم الدال ان كان لفظا فالدلالة لفظية والا فغير لفظية كدلالة الخطوط والعقود والاشارات والنصب. ثم الدلالة اللفظية اما ان يكون للوضع مدخل فيها أو لا فالاولى هي المقصودة بالنظر ههنا وهى كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى عند الاطلاق بالنسبة إلى العالم بوضعه، وهذه الدلالة

(اما على تمام ما وضع) اللفظ

(له) كدلالة الانسان على الحيوان الناطق

(أو على جزئه) كدلالة الانسان على الحيوان أو الناطق

(أو على خارج منه) كدلالة الانسان على الضاحك.

(وتسمى الاولى) أي الدلالة على تمام ما وضع له

(وضعية) لان الواضع انما وضع اللفظ لتمام المعنى

(و) يسمى

(كل من الاخيرتين) أي الدلالة على الجزء والخارج

(عقلية) لان دلالة اللفظ على كل من الجزء والخارج انما هي من جهة حكم العقل بان حصول الكل أو الملزوم يستلزم حصول الجزء أو اللازم والمنطقيون يسمون الثلاثة وضعية باعتبار ان للوضع مدخلا فيها ويخصون العقلية بما يقابل الوضعية والطبيعية كدلالة الدخان على النار.

(وتقيد الاولى) من الدلالات الثلاث

(بالمطابقة) لتطابق اللفظ والمعنى.

(والثانية بالتضمن) لكون الجزء في ضمن المعنى الموضوع له.

(والثالثة بالالتزام) لكون الخارج لازما للموضوع له. فان قيل إذا فرضنا لفظا مشتركا بين الكل وجزئه وبين الملزوم لازمه كلفظ الشمس المشترك مثلا بين الجرم والشعاع ومجموعهما فإذا اطلق على المجموع مطابقة واعتبر دلالته على الجرم تضمنا والشعاع التزاما فقد صدق على هذا التضمن والالتزام انها دلالة اللفظ على تمام الموضوع له وإذا اطلق على الجرم أو الشعاع مطابقة صدق عليها انها دلالة اللفظ على جزء الموضوع له أو لازمه وحينئذ ينتقض تعريف كل من الدلالات الثلاث بالاخريين. فالجواب ان قيد الحيثية مأخوذ في تعريف الامور التى تختلف باعتبار الاضافات حتى ان المطابقة هي الدلالة على تمام ما وضع له من حيث انه تمام الموضوع له والتضمن هي الدلالة على جزء ما وضع له من حيث انه جزء ما وضع له والالتزام هي الدلالة على لازمه من حيث انه لازم ما وضع له وكثيرا ما يتركون هذا القيد اعتمادا على شهرة ذلك وانسباق الذهن إليه.

(وشرطه) أي الالتزام

(هي اللزوم الذهنى) أي كون المعنى الخارجي بحيث يلزم من حصول المعنى الموضوع له في الذهن حصوله فيه اما على الفور أو بعد التأمل في القرائن والامارات. وليس المراد باللزوم عدم انفكاك تعقل المدلول الالتزامى عن تعقل المسمى في الذهن اصلا اعني اللزوم البين المعتبر عند المنطقيين والا لخرج كثير من معاني المجازات والكنايات عن ان يكون مدلولات التزامية. ولما يتأتى الاختلاف بالوضوح في دلالة الالتزام ايضا وتقييد اللزوم بالذهنى اشارة إلى انه لا يشترط اللزوم الخارجي كالعمى فانه يدل على البصر التزاما لانه عدم البصر عما من شأنه ان يكون بصيرا مع التنافى بينهما في الخارج ومن نازع في اشتراط اللزوم الذهنى فكأنه اراد باللزوم اللزوم البين بمعنى عدم انفكاك تعلقه عن تعقل المسمى. والمصنف اشار إلى انه ليس المراد باللزوم الذهنى البين المعتبر عند المنطقيين بقوله

(ولو لاعتقاد المخاطب بعرف) أي ولو كان ذلك اللزوم مما يثبته اعتقاد المخاطب بسبب عرف عام إذا هو المفهوم من اطلاق العرف

(أو غيره) يعنى العرف الخاص كالشرع واصطلاحات ارباب الصناعات وغير ذلك

(والا يراد المذكور) أي ايراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في الوضوح

(لا يتأتى بالوضعية) أي بالدلالة المطابقة

(لان السامع إذا كان عالما بوضع الالفاظ) لذلك المعنى

(لم يكن بعضها اوضح دلالة عليه من بعض والا) أي وان لم يكن عالما بالوضع الالفاظ

(لم يكن كل واحد) من الالفاظ

(دالا عليه) لتوقف الفهم على العلم بالوضع مثلا إذا قلنا خده يشبه الورد فالسامع ان كان عالما بوضع المفردات والهيئة التركيبية امتنع ان يكون كلام آخر يؤدى هذا المعنى بطريق المطابق دلالة اوضح أو اخفى لانه إذا اقيم مقام كل لفظ ما يرادفه فالسامع ان علم الوضع فلا تفاوت في الفهم والا لميتحقق الفهم. وانما قال لم يكن كل واحد لان قولنا هو عالم بوضع الالفاظ معناه انه عالم بوضع كل لفظ فنقيضه المشار إليه بقوله والا يكون سلبا جزئيا أي لم لم يكن عالما بوضع كل لفظ فيكون اللازم عدم كل لفظ ويحتمل ان يكون البعض منها دالا لاحتمال ان يكون عالما بوضع البعض. ولقائل ان يقول لا نسلم عدم التفاوت في الفهم على تقدير العلم بالوضع بل يجوز ان يحضر في العقل معاني بعض الالفاظ المخزونة في الخيال بادنى التفات لكثرة الممارسة والمؤانسة وقرب العهد بخلاف البعض فانه يحتاج اليا لتفات اكثر ومراجعة اطول مع كون الالفاظ مترادفة والسامع عالما بالوضع وهذا مما نجده من انفسنا. والجواب ان التوقف انما هو من جهة تذكر الوضع وبعد تحقق العلم بالوضع وحصوله بالعقل فالفهم ضروري.

(ويتأتى) الايراد المذكور

(بالعقلية) من الدلالات

(لجواز ان تختلف مرات اللزوم في الوضوح) أي مرات لزوم الاجزاء لكل في التضمن ومراتب لزوم اللوازم للملزوم في الالتزام. وهذا في الالتزام ظاهر فانه يجوز ان يكون للشئ لوازم متعددة بعضها اقرب إليه من بعض واسرع انتقالا منه إليه لقلة الوسائط فيمكن تأدية الملزوم بالالفاظ الموضوعة لهذه اللوازم المختلفة الدلالة عليه وضوحا وخفاء. وكذا يجوز ان يكون للازم ملزومات لزومه لبعضها اوضح منه للبعض الآخر فيمكن تأدية اللازم بالالفاظ الموضوعة للملزومات المختلفة وضوحا وخفاء واما في التضمن فلانه يجوز ان يكون المعنى جزء من شئ وجزء من شئ آخر فدلالة الشئ الذى ذلك المعنى جزء منه على ذلك المعنى اوضح من دلالة الشئ الآخر الذى ذلك المعنى جزء منجزئه مثلا دلالة الحيوان على الجسم اوضح من دلالة الانسان عليه ودلالة الجدار على التراب اوضح من دلالة البيت عليه. فان قلت بل الامر بالعكس فان فهم الجزء سابق على فهم الكل. قلت نعم ولكن المراد هنا انتقال الذهن إلى الجزء وملاحظته بعد فهم الكل وكثيرا ما يفهم الكل من غير التفات إلى الجزء كما ذكره الشيخ الرئيس في الشفاء انه يجوز ان يخطر النوع بالبال ولا يلتفت الذهن إلى الجنس.

(ثم اللفظ المراد به لازم ما وضع له) سواء كان اللازم داخلا فيه كما في التضمن أو خارجا عنه كما في الالتزام

(ان قامت قرينة على عدم ارادته) ارادة ما وضع له

(فمجاز والا فكناية) فعند المصنف ان الانتقال في المجاز والكناية كليهما من الملزوم إلى اللازم إذ لا دلالة للازم من حيث انه لازم على الملزوم الا ان ارادة المعنى الموضوع له جائزة في الكناية دون المجاز

(وقدم) المجاز

(عليها) اي على الكناية

(لان معناه) اي المجاز

(كجزء معناها) اي الكناية لان معنى المجاز هو اللازم فقط ومعنى الكناية يجوز ان يكون هو اللازم والملزوم جميعا والجزء مقدم على الكل طبعا فيقدم بحث المجاز على بحث الكناية وضعا. وانما قال كجزء معناها لظهور انه ليس جزء معناها حقيقة فان معنى الكناية ليس هو مجموع اللازم والملزوم بل هو اللازم مع جواز ارادة الملزوم

(ثم منه) أي من المجاز

(ما يبتنى على التشبيه) وهو الاستعارة التى كان اصلها التشبيه

(فتعين التعرض له) أي للتشبيه ايضا قبل التعرض للمجاز الذى احد اقسامه الاستعارة المبنية على التشبيه ولما كان في التشبيه مباحث كثيرة وفوائد جمة لم يجعل مقدمة لبحث الاستعارة بل جعل مقصدا برأسه

(فانحصر) المقصود من علم البيان

(في الثلثة) التشبيه والمجاز والكناية. التشبيه أي هذا باب التشبيه الاصطلاحي المبنى عليه الاستعارة.

٩٣

 ٢-١التشبيه

(التشبيه) أي مطلق التشبيه اعم من ان يكون على وجه الاستعارة أو على وجه تبتنى عليه الاستعارة أو غير ذلك فلم يأت بالضمير لئلا يعود إلى التشبيه المذكور الذى هو اخص وما يقال ان المعرفة إذا اعيدت كانت عين الاول فليس على اطلاقه يعنى ان معنى التشبيه في اللغة

(الدلالة) هو مصدر قولك دللت فلانا على كذا إذ هديته له

(على مشاركة امر لامر اخر في معنى) فالامر الاول هو المشبه والثانى هو المشبه به والمعنى هو وجه الشبه وهذا شامل لمثل قاتل زيد عمرا وجاءني زيد وعمرو.

(والمراد) بالتشبيه المصطلح عليه

(ههنا) أي في علم البيان

(ما لم يكن) أي الدلالة على مشاركة امر لامر في معنى بحيث لا يكون

(على وجه الاستعارة التحقيقية) نحو رأيت اسدا في الحمام

(ولا على) وجه

(الاستعارة بالكناية) نحو انشبت المنية اظفارها

(و) لا على وجه

(التجريد) الذى يذكر في علم البديع من نحو لقيت بزيد اسدا أو لقيني منه اسد فان في هذه الثلثة دلالة على مشاركة امر لامر في معنى مع ان شيئا منها لا يسمى تشبيها اصطلاحا. وانما قيد الاستعارة بالتحقيقية والكناية لان الاستعارة التخييلية كاثبات الاظفار للمنية في المثال المذكور ليس في شئ من الدلالة على مشاركة امر لامر في معنى على رأى المصنف إذا المراد بالاظفار ههنا معناها الحقيقي على ما سيجئ فالتشبيه الاصطلاحي هو الدلالة على مشاركة امر لامر في معنى لا على وجه الاستعارة التحقيقية والاستعارة بالكناية والتجريد

(فدخل فيه نحو قولنا زيدا اسدا) بحذف اداة التشبيه

(و) نحو

(قوله تعالى صم بكم عمى،) بحذف الاداة والمشبه جميعا أي هم كاصم. فان المحققين على انه تشبيه بليغ لا استعارة لان الاستعارة انما تطلق حيث يطوى ذكر المستعار له بالكلية ويجعل الكلام خلو عنه صالحا لان يراد به المنقول عنه والمنقول إليه لو لا دلالة الحال أو فحوى الكلام.

(والنظر ههنا في اركانه) أي البحث في هذا المقصد عن اركان التشبيه المصطلح عليه.

(وهى) اربعة

(طرفاه) أي المشبه والمشبه به

(ووجهه واداته وفى الغرض منه

وفى اقسامه) واطلاق الاركان على الاربعة المذكورة اما باعتبار انها مأخوذة في تعريفه عنى الدلالة على مشاركة امر لامر في معنى بالكاف ونحوه واما باعتبار ان التشبيه في الاصطلاح كثيرا ما يطلق على الكلام الدال على المشاركة المذكور كقولنا زيد كالاسد في الشجاعة.

ولما كان الطرفان هما الاصل والعمدة في التشبيه لكون الوجه معنى قائما بهما والاداة آلة في ذلك قدم بحثهما فقال

(طرفاه) أي المشبه والمشبه به

(اما حسيان كالخد والورد) في المبصرات

(والصوت الضعيف والهمس) أي الصوت الذى اخفى حتى كأنه لا يخرج عن فضاء الفم في المسموعات

(والنكهة) وهى ريح الفم

(والعنبر) في المشمومات

(والريق والخمر) في المذوقات

(والجلد الناعم والحرير) في الملموسات. وفى اكثر ذلك تسامح لان المدرك بالبصر مثلا انما هو لو الخد والورد وبالشم رائحة العنبر وبالذوق طعم الريق والخمر وباللمس ملاسة الجلد الناعم والحرير وليتهما لا نفس هذه الاجسام لكن اشتهر في العرف ان يقال ابصرت الورد وشممت العنبر وذقت الخمر ولمست الحرير

(أو عقليان كالعلم والحياة) ووجه الشبه بينهما كونهما جهتى ادراك كذا في المفتاح والايضاح. فالمراد بالعلم ههنا الملكة التى يقتدر بها على الادراكات الجزئية لانفس الادراك. ولا يخفى انها جهة وطريق إلى الادراك كالحياة. وقيل وجه الشبه بينهما الادراك إذ العلم نوع من الادراك والحياة مقتضية للحس الذى هو نوع من الادراك وفساده واضح لان كون الحياة مقتضية للحس لا يوجب اشتراكهما في الادراك على ما هو شرط في وجه الشبة. وايضا لا يخفى ان ليس المقصود من قولنا العلم كالحياة والجهل كالموت ان العلم ادراك كما ان الحياة معها ادراك بل ليس في ذلك كثير فائدة كما في قولنا العلم كالحس في كونهما ادراكا

(أو مختلفان) بان يكون المشبه عقليا والمشبه به حسيا

(كالمنية والسبع) فان المنية أي الموت عقلي لانه عدم الحياة عما من شانه الحياة والسبع حسى أو بالعكس

(و) ذلك مثل

(العطر) الذى هو محسوس مشموم

(وخلق كريم) وهو عقلي لانه كيفيه نفسانية يصدر عنها الافعال بسهولة. والوجه في تشبيه المحسوس بالمعقول ان يقدر المعقول محسوسا ويجعل كالاصل لذلك المحسوس على طريق المبالغة والا فالمحسوس اصل للمعقول لان العلوم العقلية مستفادة من الحواس ومنتهية إليها فتشبيهه بالمعقول يكون من جعل الفرع اصلا والاصل فرعا وذلك لا يجوز. ولما كان من المشتبه والمشبه به ما لا يدرك بالقوة العاقلة ولا بالحس اعني الحس الظاهر مثل الخياليات والوهميات والوجدانيات اراد ان يجعل الحسى والعقلي بحيث يشملانها تسهيلات للضبط بتقليل الاقسام فقال.

(والمراد بالحسى المدرك هو ان مادته باحدى الحواس الخمس الظاهرة) اعني البصر والسمع والشم والذوق واللمس

(فدخل فيه) أي في الحس بسبب زيادة قولنا أو مادته

(الخيالي) وهو المعدوم الذى فرض مجتمعما من امور كل واحد منها مما يدرك بالحس

٩٤

 

(كما في قوله وكأن محمر الشقيق) هو من باب جرد قطيفة والشقيق ورد احمر في وسط سواد ينبت بالجبال

(إذا تصوب) أي مال إلى السفل

(أو تصعد) أي مال إلى العلو

(اعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد) فان كلا ن العلم والياقوت والرمح والزبرجد محسوس لكن المركب الذى هذه الامور مادته ليس بمحسوس لانه ليس بموجود والحس لا يدرك الا ما هو موجود في المادة حاضر عند المدرك على هيئة مخصوصة.

(و) المراد

(بالعقلى ما عدا ذلك) أي مالا يكون هو ولا مادته مدركا باحدى الحواس الخمس الظاهر

(فدخل فيه الوهمي) أي الذى لا يكون للحس مدخل فيه

(أي ما هو غير مدرك بها) أي باحدى الحواس المذكورة

(و) لكنه بحيث

(لو ادرك لكان مدركا بها) وبهذا القيد يتميز عن العقلي

(كما في قوله) ايقتلنى والمشرفي مضاجعي.

(ومسنونة زرق كانياب اغوال)

أي ايقتلنى ذلك الرجل الذى يوعدني والحال ان مضاجعي سيف منسوب إلى مشارف اليمن وسهام محددة النصال صافية مجلوة. وانياب الاغوال مما لا يدركها الحس لعدم تحققها مع انها لو ادركت لم تدرك الا بحس البصر. ومما يجب ان يعلم في هذا المقام ان من قوى الادراك ما يسمى متخلية ومفكرة ومن شانها تركيب الصور والمعاني وتفصيلها والتصرف فيها واختراع اشياء لا حقيقة لها. والمراد بالخيالى المعدوم الذى ركبته المتخلية من الامور التى ادركت بالحواس الظاهرة وبالوهمى ما اخترعته المتخلية من عند نفسها كما إذا سمع ان الغول شئ تهلك به النفوس كالسبع فاخذت المتخيلة في تصويرها بصورة السبع واختراع ناب لها كما للسبع

(وما يدرك بالوجدان) أي ودخل ايضا في العقلي ما يدرك بالقوى الباطنة ويسمى وجدانيا

(كاللذة) وهى ادراك ونيل لما هو عند المدرك كمال وخير من حيث هو كذلك

(والالم) وهو ادراك ونيل لما هو عند المدرك آفة وشر من حيث هو كذلك. ولا يخفى ان ادراك هذين المعنيين ليس بشئ من الحواش الظاهرة وليسا ايضا من العقليات الصرفة لكونهما من الجزئيات المستندة إلى الحواس بل هما من الوجدانيات المدركة بالقوى الباطنة كالشبع والجوع والفرح والغم والغضب والخوف وما شاكل ذلك والمراد ههنا اللذة والالم الحسيان والا فاللذة والالم العقليان من العقليات الصرفة.

(ووجهه) أي وجه الشبه

(ما يشتركان فيه) أي المعنى الذى قصد اشتراك الطرفين فيه وذلك ان زيدا والاسد يشتركان في كثير من الذاتيات وغيرها كالحيوانية والجسمية والوجود وغير ذلك مع ان شيئا منها ليس وجه الشبه وذلك الاشتراك يكون

(تحقيقيا أو تخييليا.

والمراد بالتخييلى) ان لا يوجد ذلك المعنى في احد الطرفين أو في كليهما الا على سبيل التخييل والتأويل

(نحو ما في قوله وكأن النجوم بين دجاه) جمع دجية وهى الظلمة والضمير لليل وروى دجاها والضمير للنجوم

(سنن لاح بينهن ابتداع.

فان وجه الشبه فيه) أي في هذا التشبيه

(هو الهيئة الحاصلة من حصول اشياء مشرقة بيض في جانب شئ مظلم اسود فهى) أي تلك الهيئة

(غير موجودة في المشبه به) اعني السنن بين الابتداع

(الا على طريق التخييل) أي وجودها في المشبه به على طريق التخييل

(انه) الضمير للشان

(لما كانت البدعة وكل ما هو جهل يجعل صاحبها كمن يمشى في الظلمة فلا يهتدى إلى الطريق ولا يأمن من ان ينال مكروها شبهت)

٩٦

أي البدعة وكل ما هو جهل

(بها) أي بالظلمة

(ولزم بطريق العكس) إذا اريد التشبيه

(ان تشبه السنة وكل ما هو علم بالنور) لان السنة والعلم يقابل البدعة والجهل كما ان النور يقابل الظلمة.

(وشاع ذلك) ان كون السنة والعلم كالنور والبدعة والجهل كالظلمة

(حتى تخيل ان الثاني) أي السنة وكل ما هو علم

(مما له بياض واشراق نحو

اتيتكم بالحنفية البيضاء

والاول على خلاف ذلك) أي يخيل ان البدعة وكل ما هو جهل مما له سواد واظلام

(كقولك

شاهد سواد الكفر من جبين فلان

فصار) بسبب التخيل ان الثاني مما له بياض واشراق والاول مما له سواد واظلام

(تشبيه النجوم بين الدجى بالسنن بين الابتداع كتشبيها) أي النجوم

(يبياض الشيب في سواد الشباب) أي ابيضه في اسوده

(أو بالانوار) أي الازهار

(مؤتلقة) بالقاف أي لامعة

(بين النبات الشديدة الخضرة) حتى تضرب إلى السواد. فهذا التأويل اعني تخييل ما ليس بمتلون متلونا ظهر اشتراك النجوم بين الدجى والسنن بين الابتداع في كون كل منهما شيئا ذا بياض بين شئ ذى سواد. ولا يخفى ان قوله لاح بينهن ابتداع من باب القلب أي سنن لاحت بين الابتداع

(فعلم) من وجوب اشتراك الطرفين في وجه التشبيه

(فساد جعله) أي وجه الشبه

(في قول القائل " النحو في الكلام كالملح في الطعام " كون القليل مصلحا والكثير مفسدا) لان المشبه اعني النحو لا يشترك في هذا المعنى

(لان النحو لا يحتمل القلة والكثرة). إذ لا يخفى ان المراد به ههنا رعاية قواعده واستعمال احكامه مثل رفع الفاعل ونصب المفعول وهذه ان وجدت في الكلام بكما لها صار صالحا لفهم المراد وان لم توجد بقى فاسدا ولم ينتفع به

(بخلاف الملح) فانه يحتمل القلة والكثرة بان يجعل في الطعام القدر الصالح منه أو اقل أو اكثر بل وجه الشبه هو الشبه هو الصلاح باعمالهما والفساد باهمالهما.

(وهو) أي وجه الشبه

(اما غير خارج عن حقيقتهما) أي حقيقة الطرفين بان يكون تمام ماهيتهما أو جزء منهما

(كما في تشبيه ثوب بآخر في نوعهما أو جنسهما أو فصلهما) كما يقال هذا القميص مثل ذاك في كونهما كرباسا أو ثوبا أو من القطن

(أو خارج) عن حقيقة الطرفين

(صفة) أي معنى قائم بهما ضرورة اشتراكهما فيه وتلك الصفة

(اما حقيقية) أي هيئة متمكنة في الذات متقررة فيها

(و) هي

(اما حسية) أي مدركة باحدى الحواس الظاهرة وهى

(كالكيفيات الجسمية) أي المختصة بالاجسام

(مما يدرك بالبصر) وهى قوة مرتبة في العصبتين المجوفتين اللتين تتلاقيان فتفترقان إلى العينين

(من الالوان والاشكال) والشك هيئة احاطة نهاية واحدة أو اكثر بالجسم كالدائرة ونصف الدائرة والمثلث والمربع وغير ذلك

(والمقادير) جمع مقدار وهو كم متصل قار الذات كالخط والسطح

(والحركات) والحركة هي الخروج من القوة إلى الفعل على سبيل التدريج. وفى جعل المقادير والحركات من الكيفيات تسامح

(وما يتصل بها) أي بالمذكورات كالحسن والقبح المتصف بهما الشخص باعتبار الخلقة التى هي مجموع الشكل واللون وكالضحك والبكاء الحاصلين باعتبار الشكل والحركة

(أو بالسمع) عطف على قوله بالبصر وهى قوة رتبت في العصب المفروش على سطح باطن الصماخين تدرك بها الاصوات

(من الاصوات الضعيفة والقوية والتى بين بين) والصوت يحصل من التموج المعلول للقرع الذي هو امساس عنيف والقدح الذي هو تفريق عنيف بشرط مقاومة المقروع للقارع والمقلوع للقالع ويختلف الصوت قوة وضعفا بحسب قوة المقاومة وضعفها

(أو بالذوق) وهى قوة منبثتة في العصب المفروش على جرم اللسان

(من الطعوم) كالحلاوة والمرارة والملوحة والحموضة وغير ذلك

(أو بالشم) وهى قوة مرتبة في زائدتي مقدم الدماغ المشبهتين بحلمتي الثدى

(من الروايح أو باللمس) وهى قوة سارية في البدن كله يدرك بها الملموسات

(من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة). هذه الاربعة هي اوائل الملموسات فالاوليان منها فعليان والاخريان منها انفعاليان

(والخشونة) وهى كيفية حاصلة من كون بعض الاجزاء اخفض وبعضها ارفع

(والملاسة) وهى كيفية حاصلة عن استواء وضع الاجزاء

(واللين) وهى كيفية بها يقتضى الجسم قبول الغمز إلى الباطن ويكون للشئ بها قوام غير سيال

(والصلابة) وهى تقابل اللين

(والخفة) وهى كيفية بها يقتضى الجسم ان يتحرك إلى صوب المحيط لو لم يعقه عائق

(والثقل) وهى كيفية بها يقتضى الجسم ان يتحرك إلى صوب المركز لو لم يعقه عائق

(وما يتصل بها) أي بالمذكورات كالبة والجفاف والزوجة والهشاشة واللطافة والكثافة وغير ذلك

(أو عقلية) عطف على حسية

(كالكيفيات النفسانية) أي المختصة بذوات الانفس

(من الذكاء) وهى شدة قوة للنفس معدة لاكتساب الاراء.

(والعلم) وهو الادراك المفسر بحصول صورة الشئ عند العقل وقد يقال على معان اخر.

(والغضب) وهو حركة للنفس مبدؤها ارادة الانتقام.

(والحلم) وهو ان تكون النفس مطمئنة بحيث لا يحركها الغضب بسهولة ولا تضطرب عند اصابة المكروه.

(وسائر الغرائز) جمع غريزة وهى الطبيعة اعني ملكة تصدر عنها صفات ذاتية مثل الكرم والقدرة والشجاعة وغير ذلك.

(واما اضافية) عطف على قوله اما حقيقية. ونعنى بالاضافية ما لا تكون له هيئة متقررة في الذات بل تكون معنى متعلقا بشيئين

(كازالة الحجاب في تشبيه الحجة بالشمس) فانها ليست هيئة متقررة في ذات الحجة والشمس ولا في ذات الحجاب وقد يقال الحقيقي على ما يقابل الاعتباري الذى لا تحقق له الا بحسب اعتبار العقل. وفى المفتاح اشارة إلى انه المراد ههنا حيث قال الوصف العقلي منحصر بين حقيقي كالكيفيات النفسانية وبين اعتباري ونسبي كاتصاف الشئ بكونه مطلوب الوجود أو العدم عند النفس أو كاتصافه بشئ تصوري وهمى محض

(وايضا) لوجه الشبه تقسيم آخر وهو انه

(اما واحد

واما بمنزلة الواحد لكونه مركبا من متعدد) تركيبا حقيقيا بأن يكون وجه الشبه حقيقة ملتئمة من امور مختلفة أو اعتباريا بان يكون هيئة انتزعها العقل من عدة امور.

(وكل منهما) أي من الواحد وما هو بمنزلته

(حسى أو عقلي

واما متعدد) عطف على قوله اما واحد واما بمنزلة الواحد، والمراد بالمتعدد ان ينظر إلى عدة امور ويقصد اشتراك الطرفين في كل واحد منها ليكون كل منها وجه الشبه بخلاف المركب المنزل منزلة الواحد فانه لم يقصد اشتراك الطرفين في كل من تلك الامور بل في الهيئة المنتزعة أو في الحقيقة الملتئمة منها

(كذلك) أي المتعدد ايضا حسى أو عقلي

(أو مختلف) بعضه حسى وبعضه عقلي.

(والحسى) من وجه التشبيه سواء كان بتمامه حسيا أو ببعضه

(طرفاه حسيان لاغير) أي لا يجوز ان يكون كلاهما أو احدهما عقليا

(لامتناع ان يدرك بالحس من غير الحسى شئ) فان وجه الشبه امر مأخوذ من الطرفين موجود فيهما والموجود في العقلي انما يدرك بالعقل دون الحس إذا المدرك بالحس لا يكون الا جسما أو قائما بالجسم.

(والعقلي) من وجه الشبه

(اعم) من الحسى

(لجواز ان يدرك بالعقل من الحسى شئ) أي يجوز ان يكون طرفاه حسيين أو عقليين أو احدهما حسيا والاخر عقليا إذ لا امتناع في قيام المعقول بالمحسوس وادراك العقل من المحسوسات شيئا

(ولذلك يقال التشبيه بالوجه العقلي اعم) من التشبيه بالوجه الحسى بمعنى ان كلما يصح فيه التشبيه بالوجه الحسى يصح بالوجه العقلي من غير عكس.

(فان قيل هو) أي وجه الشبه

(مشترك فيه) ضرورة اشتراك الطرفين فيه

(فهو كلى) ضرورة ان الجزئي يمتنع وقوع الشركة فيه

(والحسى ليس بكلى) قطعا ضرورة ان كل حسى فهو موجود في المادة حاضر عند المدرك ومثل هذا لا يكون الا جزئيا ضرورة فوجه الشبه لا يكون حسيا قط.

(قلنا المراد) بكون وجه الشبه حسيا

(ان افراده) أي جزئياته

(مدركة بالحس) كالحمرة التى تدرك بالبصر جزئياتها الحاصلة في المواد، فالحاصل ان وجه الشبه اما واحد أو مركب أو متعدد وكل من الاولين اما حسى أو عقلي والاخير اما حسى أو عقلي أو مختلف تصير سبعة والثلاثة العقلية طرفاها اما حسيان أو عقليان أو المشبه حسى والمشبه به عقلي أو بالعكس فصارت ستة عشر قسما

٩٧

(الواحد الحسى كالحمرة) من المبصرات

(والخفاء) يعنى خفاء الصوت من المسموعات

(وطيب الرائحة) من المشمومات

(ولذة الطعم) من المذوقات

(ولين اللمس) من الملموسات

(فيما مر) أي في تشبيه الخد بالورد والصوت الضعيف بالهمس والنكهة بالعنبر والريق بالخمر والجلد الناعم بالحرير وفى كون الخفأ من المسموعات والطيب من المشمومات واللذة من المذوقات تسامح

(و) الواحد

(العقلي كالعراء عن الفائدة والجرأة) على وزن الجرعة أي الشجاعة. وقد يقال جزء الرجل جرائة بالمد

(والهداية) أي الدلالة إلى طريق يوصل إلى المطلوب

(واستطابة النفس في تشبيه وجود الشئ العديم النفع بعدمه) فيما طرفاه عقليان إذ الوجود والعدم من الامور العقلية

(و) تشبيه

(الرجل الشجاع بالاسد) فيما طرفاه حسيان.

(و) تشبيه

(العلم بالنور) فيما المشبه عقلي والمشبه به حسى فبالعلم يوصل إلى المطلوب ويفرق بين الحق والباطل كما ان بالنور يدرك المطلوب ويفصل بين الاشياء فوجه الشبه بينهما الهداية.

(و) تشبيه

(العطر بخلق) شخص

(كريم) فيما المشبه حسى والمشبه به عقلي ولا يخفى ما في الكلام من اللف والنشر وفى وحدة بعض الامثلة تسامح لما فيه شائبة التركيب كالعراء عن الفائدة مثلا

(والمركب الحسى) من وجه الشبه طرفاه اما مفردان أو مركبان أو احدهما مفرد والآخر مركب ومعنى التركيب ههنا ان تقصد إلى عدة اشياء مختلفة فتنزع منها هيئة وتجعلها مشبها أو مشبها بها. ولهذا صرح صاحب المفتاح في تشبيه المركب بالمركب بان كلا من المشبه والمشبه به هيئة منتزعة.

وكذا المراد بتركيب وجه الشبه ان تعمد إلى عدة اوصاف لشئ فتنزع منها
  هيئة. وليس المراد بالمركب ههنا ما يكون حقيقة مركبة من اجزاء مختلفة بدليل انهم يجعلون المشبه والمشبه به في قولنا زيد كالاسد مفردين لامركبين. ووجه الشبه في قولنا زيد كعمر وفى الانسانية واحد لا منزلا منزلة الواحد فالمركب الحسى

(فيما) أي في التشبيه الذى

(طرفاه مفردان كما في قوله

وقد لاح في الصبح الثريا كما ترى، كعنقود ملاحية)

بضم الميم وتشديد اللام عنب ابيض في حبه طول وتخفيف اللام اكثر

(حين نورا)

أي تفتح نوره

(من الهيئة) بيان لما في قوله كما

(الحاصلة من تقارن الصور البيض المستديرة الصغار المقادير في المرأى) وان كانت كبارا في الواقع حال كونها

(على كيفية المخصوصة) أي لا مجتمعة اجتماع التضام والتلاصق ولا شديدة الافتراق منضمة

(إلى المقدار المخصوص) من الطول والعرض فقد نظر إلى عدة اشياء وقصد إلى هيئة حاصلة منها. والطرفان مفردان لان المشبه هو الثريا والمشبه به هو العنقود مقيدا بكونه عنقود الملاحية في حال اخراج النور والتقييد لا ينافي الافراد كما سيجئ ان شاء اللّه تعالى.

(وفيما) أي والمركب الحسى وفى التشبيه الذى

(طرفاه مركبان كما في قول بشار كأن مثار النقع) من آثار الغبار هيجه

(فوق رؤسنا، واسيافنا ليل تهاوى كواكبه) أي تتساقط بعضها اثر بعض والاصل تتهاوى حذفت احدى التائين

(من الهيئة الحاصلة من هوى) بفتح لهاء أي سقوط

(اجرام مشرقة مستطيلة متناسبة المقدار متفرقة في جوانب شئ مظلم). فوجه الشبه مركب كما ترى وكذا الطرفان لانه لم يقصد تشبيه الليل بالنقع والكواكب بالسيوف بل عمد إلى تشبيه هيئة السيوف وقد سلت من اغمادهما وهى تعلو وترسب وتجئ وتذهب وتضطرب اضطرابا شديدا وتتحرك بسرعة إلى جهات مختلفة وعلى احوال تنقسم بين الاعوجاج والاستقامة والارتفاع والانخفاض مع التلاقي والتداخل والتصادم والتلاصق. وكذا في جانب المشبه به فان للكواكب في تهاويها تواقعا وتداخلا واستطالة لاشكالها

(و) المركب الحسى

(فيما طرفاه مختلفان) احدهما مفرد والآخر مركب

(كما مر في تشبيه الشقيق) باعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد من الهيئة الحاصلة من نشر اجرام حمر مبسوطة على رؤس اجرام خضر مستطيلة فالمشبه مفرد وهو الشقيق والمشبه به مركب وهو ظاهر وعكسه تشبيه نهار مشمس قد شابه أي خالطه زهر الربا بليل مقمر على ما سيجئ.

(ومن بديع المركب الحسى ما) أي وجه الشبه الذى

(يجئ الهيئات التى تقع عليها الحركة) أي يكون وجه الشبه الهيئة التى تقع عليها الحركة من الاستدارة والاستقامة وغيرهما ويعتبر فيها تركيب

(ويكون) ما يجئ في تلك الهيئات

(على وجهين احدهما ان يقترن بالحركة غيرها من اوصاف الجسم كالشكل واللون) والاوضح عبارة اسرار بلاغة اعلم ان ما يزداد به التشبيه دقة وسحرا ان يجئ بالهيئات التي تقع عليها الحركات والهيئة المقصودة في التشبيه على وجهين احدهما ان تقرن بغيرها من الاوصاف والثانى ان تجرد هيئة الحركة حتى لا يزاد عليها غيرها فالاول

٩٨

(كما في قوله والشمس كالمرآة في كف الاشل من الهيئة) بيان لما في قوله كما

(الحاصلة من الاستدارة مع الاشراق والحركة السريعة المتصلة مع تموج الاشراق حتى يرى الشعاع كأنه يهم بان ينبسط حتى يفيض من جوانب الدائرة ثم يبدو له) يقال بداله إذا ندم والمعنى ظهر له رأى غير الاول

(فيرجع) من الانبساط الذى بداه

(إلى الانقباض) كانه يرجع من الجوانب إلى الوسط فان الشمس إذا احد الانسان النظر إليها ليتبين جرمها وجدها مؤدية لهذه الهيئة الموصوفة وكذلك المرآة في كف الاشل.

(و) الوجه

(الثاني ان تجرد) الحركة

(عن غيرها) من الاوصاف

(فهناك ايضا) يعنى كما انه لابد في الاول من ان يقترن بالحركة غيرها من الاوصاف فكذا في الثاني.

(لابد من اختلاط حركات) كثيرة للجسم

(إلى جهات مختلفة) له كأن يتحرك بعضه إلى اليمين وبعضه إلى الشمال وبعضه إلى العلو وبعضه إلى السفل ليتحقق التركيب والا لكان وجه الشبه مفردا وهو الحركة

(فحركة الرحى والدولاب والسهم لا تركيب فيها) لاتحادها

(بخلاف حركة المصحف في قوله

وكأن البرق مصحف قار) بحذف الهمزة أي قارئ

(فانطباق مرة وانفتاحا)

أي فينطبق انطباقا مرة وينفتح انفتاحا اخرى فان فيها تركيبا لان المصحف يتحرك في حالتى الانطباق والانفتاح إلى جهتين في كل حالة إلى جهة واحدة.

(وقد يقع التركيب في هيئة السكون كما في قوله في صفة كلب يقعى) أي يجلس على اليتيه

(جلوس البدوى المصطلى) من اصطلى بالنار

(من الهيئة الحاصلة من موقع كل عضو منه) أي من الكلب

(في اقعائه) فانه يكون لكل عضو منه في الاقعاء موقع خاص وللمجموع صورة خاصة مؤلفة من تلك المواقع وكذلك صورة جلوس البدوى عند الاصطلاء بالنار الموقدة على الارض.

(و) المركب

(العقلي) من وجه الشبه

(كحرمان الانتفاء بابلغ نافع مع تحمل التعب في استصحابه في قوله تعالى مثل الذين حملوا التورية ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفارا) جمع سفر بكسر السين وهو الكتاب فانه امر عقلي منتزع من عدة امور لانه روعى من الحمار فعل مخصوص هو الحمل وان يكون المحمول اوعية العلوم وان الحمار جاهل بما فيها وكذا في جانب المشبه.

٩٩

(واعلم انه قد ينتزع) وجه الشبه

(من متعدد فيقع الخطأ لوجوب انتزاعه من اكثر) من ذلك المتعدد

(كما إذا انتزع) وجه الشبه

(من الشطر الاول من قوله

كما ابرقت قوما عطاشا) في الاساس ابرقت لى فلانة إذا تحسنت لك وتعرضت فالكلام ههنا على حذف الجار وايصال الفعل أي ابرقت لقوم عطاش جمع عطشان

(غمامة، فلما رأوها اقشعت وتجلت)

أي تفرقت وانكشفت فانتزاع وجه الشبه من مجرد قوله كما ابرقت قوما عطاشا غمامة خطأ

(لوجوب انتزاعه من الجميع) اعني جميع البيت.

(فان المراد التشبيه) أي تسبيه الحالة المذكورة في الابيات السابقة بحالة ظهور غمامة للقوم العطاش ثم تفرقها وانكشافها وبقائهم متحيرين

(باتصال) أي باعتبار اتصال فالباء ههنا مثلها في قولهم التشبيه بالوجه العقلي الاعم إذ الامر المشترك فيه ههنا هو اتصال

(ابتداء مطمع بانتهاء مؤيس). وهذا بخلاف التشبيهات المجتمعة كما في قولنا زيد كالاسد والسيف والبحر فان القصد فيها إلى التشبيه لكل واحد من الامور على حدة حتى لو حذف ذكر البعض لم يتغير حال الباقي في افادة معناه بخلاف المركب فان المقصود منه يختل باسقاط بعض الامور

(والمتعدد الحسى كاللون والطعم والرائحة في تشبيه فاكهة باخرى

و) المتعدد

(العقلي كحدة النظر وكمال الحذر واخفاء السفاد) أي نزو الذكر على الانثى

(في تشبيه طائر بالغراب

و) المتعدد

(المختلف) الذى بعضى حسى وبعضه عقلي

(كحسن الطلعة) الذى هو حسى

(ونباهة الشان) أي شرفه واشتهاره الذى هو عقلي

(في تشبيه انسان بالشمس) ففى المتعدد يقصد اشتراك الطرفين في كل من الامور المذكورة ولا يعمد إلى انتزاع هيئة منها تشترك هي فيها.

(واعلم انه قد ينتزع الشبه) أي التماثل يقال بينهما شبه بالتحريك أي تشابه، والمراد به ههنا ما به التشابه اعني وجه التشبيه

(من نفس التضاد لاشتراك الضدين فيه) أي في التضاد لكون كل منهما متضادا للآخر

(ثم ينزل) التضاد

(منزلة التناسب بواسطة تمليح) أي اتيان بما فيه ملاحة وظرافة. يقال ملح الشاعر إذا اتى بشئ مليح. وقال الامام المرزوقى في قول الحماسي " اتانى من ابى انس وعيد، فسل لغيظة الضحاك جسمي " ان قائل هذه الابيات قد قصد بها الهزؤ والتمليح. واما الاشارة إلى قصة أو مثل أو شعر فانما هو التلميح بتقديم اللام على الميم وسيجئ ذكره في الخاتمة. والتسوية بينهما انما وقعت من جهة العلامة الشيرازي رحمه اللّه تعالى وهو سهو

(أو تهكم) أي سخرية واستهزاء

(فيقال للجبان ما اشبهه بالاسد وللبخيل انه هو حاتم) كل من المثالين صالح للتمليح والتهكم وانما يفرق بينهما بحسب المقام فان كان القصد إلى ملاحة وظرافة دون استهزاء وسخرية باحد فتمليح والا فتهكم وقد سبق إلى بعض الاوهام نظرا إلى ظاهر اللفظ ان وجه الشبه في قولنا للجبان هو اسد وللبخيل هو حاتم هو التضاد المشترك بين الطرفين باعتبار الوصفين المتضادين. وفيه نظر لانا إذا قلنا الجبان كالاسد في التضاد أي في كون كل منهما متضادا للاخر لا يكون هذا من التمليح والتهكم في شئ كما إذا قلنا السواد كالبياض في اللونية أو في التقابل ومعلوم انا إذا اردنا التصريح بوجه الشبه في قولنا للجبان هو اسد تمليحا أو تهكما لم يتأت لنا الا ان نقول في الشجاعة. لكن الحاصل في الجبان انما هو ضد الشجاعة فنزلنا تضادهما منزلة التناسب وجعلنا الجبن بمنزلة الشجاعة على سبيل التمليح والهزؤ

(واداته) أي اداة التشبيه

(الكاف وكأن). وقد تستعمل عند الظن بثبوت الخبر من غير قصد إلى التشبيه سواء كان الخبر جامدا أو مشتقا نحو كأن زيدا اخوك وكأنه قدم وكانك قلت وكأني قلت

(ومثل وما في معناه) مما يشتق من المماثلة والمشابهة ومما يؤدى هذا المعنى

(والاصل في نحو الكاف) أي في الكاف ونحوها كلفظ نحو ومثل وشبه بخلاف كأن وتماثل وتشابه

(ان يليه المشبه به) لفظا نحو زيد كالاسد أو تقديرا نحو قوله تعالى " أو كصيب من السماء " على تقدير أو كمثل ذوى صيب

١٠٠

(وقد يليه) أي نحو الكاف

(غيره) أي غير مشبه به

(نحو واضرب لهم مثل الحيوة الدنيا كماء انزلناه) الاية إذ ليس المراد تشبيه حال الدنيا بالماء ولا بمفرد آخر يتحمل تقديره بل المراد تشبيه حالها في نضارتها وبهجتها وما يتعقبها من الهلاك والفناء بحال النبات الحاصل من الماء يكون اخضر ناضرا شديد الخضرة ثم ييبس فتطيره الرياح كأن لم يكن ولا حاجة إلى تقدير كمثل ماء لان المعتبر هو الكيفية الحاصلة من مضمون الكلام المذكور بعد الكاف واعتبارها مستغن عن هذا التقدير. ومن زعم ان التقدير كمثل ماء وان هذا مما يلى الكاف غير المشبه به بناء على انه محذوف فقدسها سهوا بينا لان المشبه به الذى يلى الكاف قد يكون ملفوظا به وقد يكون محذوفا على ما صرح به في الايضاح.

(وقد يذكر فعلى ينبئ عنه) أي عن التشبيه

(كما في علمت زيدا اسدا ان قرب) التشبيه وادعى كمال المشابهة لما في علمت من معنى التحقيق

(وحسبت) زيدا اسدا

(ان بعد) التشبيه لما في الحسبان من الاشعار بعدم التحقيق والتيقن وفى كون مثل هذه الافعال منبئا عن التشبيه نوع خفاء والاظهر ان الفعل ينبئ عن حال التشبيه في القرب والبعد

(والغرض منه) أي من التشبيه

(في الاغلب يعود إلى المشبه وهو) أي الغرض العائد إلى المشبه

(بيان امكانه) أي المشبه. وذلك إذا كان امرا غريبا يمكن ان يخالف فيه ويدعى امتناعه

(كما في قوله

 " فان تفق الانام وانت منهم، فان المسك بعض دم الغزال ")

فانه لما ادعى ان الممدوح قد فاق الناس حتى صار اصلا برأسه وجنسا بنفسه وكان هذا في الظاهر كالممتنع احتج لهذه الدعوى وبين امكانها بان شبه هذه الحال بحال المسك الذى هو من الدماء ثم انه لا يعد من الدماء لما فيه من الاوصاف الشريفة التى لا توجد في الدم. وهذا التشبيه ضمنى ومكنى عنه لا صريح

(او حاله) عطف على امكانه أي بيان حال المشبه بانه على أي وصف من الاوصاف

(كما في تشبيه ثوب بآخر في السواد) إذا علم السامع لون المشبه به دون المشبه

(أو مقدارها) أي بيان مقدار حال المشبه في القوة والضعف والزيادة والنقصان

(كما في تشبيهه) أي تشبيه الثوب الاسود

(بالغراب في شدته) أي في شدة السواد

(أو تقريرها) مرفوع عطفا على بيان امكانه أي تقرير حال المشبه في نفس السامع وتقوية شانه

(كما في تشبيه من لا يحصل من سعيه على طائل بمن يرقم على الماء) فانك تجد فيه من تقرير عدم الفائدة وتقوية شأنه ما لا تجده في غيره لان الالف بالحسيات اتم منه بالعقليات لتقدم الحسيات وفرط الف النفس بها.

١٠١

(وهذه) أي الاغراض

(الاربعة تقتضي ان يكون وجه الشبه في المشبه به اتم وهو به اشهر) أي وان يكون المشبه به بوجه الشبه اشهر واعرف وظاهر هذه العبارة ان كلا من الاربعة يقتضى الاتمية والاشهرية. لكن التحقيق ان بيان الامكان وبيان الحال لا يقتضيان الا الاشهرية ليصح القياس ويتم الاحتجاج في الاول ويعلم الحال في الثاني وكذا بيان المقدار لا يقتضى الاتمية بل يقتضى ان يكون المشبه به على حد مقدار المشبه لا ازيد ولا انقص ليتعين مقدار المشبه على ما هو عليه. واما تقرير الحال فيقتضى الامرين جميعا لان النفس إلى الاتم والاشهر اميل فالتشبيه به بزيادة التقرير والتقوية اجدر

(أو تزيينه) مرفوع عطفا على بيان امكانه أي تزيين المشبه في عين السامع

(كما في تشبيه وجه اسود بمقلة الظبى

أو تشويهه) أي تقبيحه

(كما في تشبيه وجه مجدور بسلحة جامدة قد نقرتها الديكة) جمع ديك

(أو استطرافه) أي عد المشبه طريفا حديثا بديعا

(كما في تشبيه فحم فيه جمر موقد ببحر من المسك موجه الذهب لابرازه) أي انما استطرف المشبه في هذا التشبيه لابراز المشبه

(في صورة الممتنع) الوقوع

(عادة) وان كان ممكنا عقلا ولا يخفى ان الممتنع عادة مستطرف غريب.

(وللاستطراف وجه آخر) غير الابراز في صورة الممتنع عادة

(وهو ان يكون المشبه نادر الحضور في الذهن

اما مطلقا كما مر) في تشبيه فحم فيه جمر موقد

(واما عند حضور المشبه كما في قوله

"ولا زوردية) يعنى البنفسج

(تزهو) قال الجوهرى في الصاح زهى الرجل فهو مزهو إذا تكبر. وفيه لغة اخرى حكاها ابن دريد زها يزهو زهوا

(بزرقتها، بين الرياض على حمر اليواقيت،)

يعنى الازهار والشقائق الحمر.

(كأنها فوق قامات ضعفن بها * اوائل النار في اطراف كبريت)

فان صورة اتصال النار باطراف الكبريت لا يندر حضورها في الذهن ندرة حضور بحر من المسك موجه الذهب لكن يندر حضورها عند حضور صورة البنفسج فيستطرف بمشاهدة عناق بين صورتين متباعدتين غاية البعد.

(وقد يعود) أي الغرض من التشبيه

(أي المشبه به وهو ضربان

احدهما ايهام انه اتم من المشبه) في وجه الشبه

(وذلك في التشبيه المقلوب)

١٠٢

الذى يجعل فيه الناقص مشبها به قصدا إلى ادعاء انه انه اكمل

(كقوله

وبدا الصباح كأن غرته،)

هي بياض في جبهة الفرس فوق الدرهم استعيرت لبياض الصبح

(وجه الخليفة حين يمتدح)

فانه قصد ايهام ان وجه الخليفة اتم من الصباح في الوضوح والضياء، وفى قوله حين يمتدح دلالة على اتصاف الممدوح بمعرفة حق المادح وتعظيم شأنه عند الحاضرين بالاصغاء إليه والارتياح له وعلى كماله في الكرم حيث يتصف بالبشر والطلاقة عند استماع المديح.

(و) الضرب

(الثاني) من الغرض العائد إلى المشبه به

(بيان الاهتمام به) أي بالمشبه به

(كتشبيه الجائع وجها كالبدر في الاشراق والاستدارة بالرغيف ويسمى هذا) أي التشبيه المشتمل على هذا النوع من الغرض

(اظهار المطلوب، هذا) الذى ذكرناه من جعل احد الشيئين مشبها والاخر مشبها به انما يكون

(إذا اريد الحاق الناقص) في وجه الشبه

(حقيقة) كما في الغرض العائد إلى المشبه

(أو ادعاء) كما في الغرض العائد إلى المشبه به

(بالزايد) في وجه الشبه

(فان اريد الجمع بين شيئين في امر) من الامور من غير قصد إلى كون احدهما ناقصا والاخر زائدا سواء وجدت الزيادة والنقصان ام لم توجد

(فالاحسن ترك التشبيه) ذاهبا

(إلى الحكم بالتشابه) ليكون كل واحد من الشيئين مشبها ومشبها به

(احترازا عن ترجيح احد المتساويين) في وجه الشبه.

(كقوله

تشابه دمعى إذ جرى ومدامتى   

فمن مثل ما في الكأس عينى تسكب

فواللّه ما ادرى ابالخمر اسبلت، جفوني)

يقال اسبل الدمع والمطر إذا هطل واسبلت السماء فالباء في قوله " ابا لخمر " للتعدية وليست بزائدة على ما توهم بعضهم

(ام من عبرتي كنت اشرب)

لما اعتقد التساوى بين الدمع والخمر ترك التشبيه إلى التشابه

(ويجوز) عند ارادة الجمع بين شيئين في امر

(التشبيه ايضا) لانهما وان تساويا في وجه الشبه بحسب قصد المتكلم الا انه يجوز له ان يعجل احدهما مشبها والاخر مشبها به لغرض من الاغراض وسبب من الاسباب مثل زيادة الاهتمام وكون الكلام فيه

(كتشبيه غرة الفرس بالصبح وعكسه) أي تشبيه الصبح بغرة الفرس

(متى اريد ظهور منير في مظلم اكثر منه) أي من ذلك المنير من غير قصد إلى المبالغة في وصف غرة الفرس بالضياء والانبساط وفرط التلاء لؤ ونحو ذلك إذ لو قصد ذلك لوجب جعل الغرة مشبها والصبح مشبها به.

(وهو) أي التشبيه

(باعتبار الطرفين) المشبه والمشبه به اربعة اقسام لانه

(اما تشبيه مفرد بمفرد وهما) أي المفردان

١٠٣

(غير مقيدين كتشبيه الخد بالورد

أو مقيدان كقولهم) لمن لا يحصل من سعيه على طائل

(هو كالراقم على الماء) فالمشبه هو الساعي المقيد بان لا يحصل من سعيه على شئ والمشبه به وهو الراقم المقيد بكون رقمه على الماء لان وجه الشبه هو التسوية بين الفعل وعدمه وهو موقوف على اعتبار هذين القيدين

(أو مختلفان) أي احدهما مقيد والاخر غير مقيد

(كقوله

والشمس كالمرآة في كف الاشل

فالمشبه به اعني المرآة مقيدة بكونه في كف الاشل بخلاف المشبه اعني الشمس

(وعكسه) أي تشبيه المرآة في كف الاشل بالشمس فالمشبه مقيد دون المشبه به.

(واما تشبيه مركب بمركب) بان يكون كل من الطرفين كيفية حاصلة من مجموع اشياء قد تضامت وتلاصقت حتى عادت شيئا واحدا

(كما في بيت بشار)

كأن مثار النقع فوق رؤسنا

واسيافنا على ما سبق تقريره

(واما تشبيه مفرد بمركب كما مر من تشبيه الشقيق) وهو مفرد باعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد وهو مركب من عدة امور، والفرق بين المركب والمفرد المقيد احوج شئ إلى التأمل فكثيرا مما يقع الالتباس.

(واما تشبيه مركب بمفرد كقوله

يا صاحبي تفصيا نظريكما

في الاساس تقصيته أي بلغت اقصاه أي اجتهدا في النظر وابلغا اقصى نظريكما

(تريا وجود الارض كيف تصور،)

أي تتصور حذفت التاء، يقال صوره اللّه صورة حسنة فتصور

(تريا نهارا مشمسا)

أي ذا شمس لم يستره غيم

(قد شابه)  أي خالطه

(زهر الربا)

خصها لانها انضر واشد خضرة ولانها المقصود بالنظر

(فكأنما هو)

أي ذلك النهار المشمس الموصوف

(مقمر) أي ليل ذو قمر لان الازهار باخضرارها قد نقصت من ضوء الشمس حتى صارت تضرب إلى السواد فالمشبه مركب والمشبه به مفرد وهو المقمر.

(وايضا) تقسيم آخر للتشبيه باعتبار الطرفين وهو انه

(ان تعدد طرفاه

فاما ملفوف) وهو ان يؤتى اولا بالمشبهات على طريق العطف أو غيره ثم بالمشبه به كذلك

(كقوله) في صفة العقاب بكثرة اصطياد الطيور

(كان قلوب الطير رطبا) بعضها

(ويابسا) بعضها

(لدى وكرها العناب والحشف) وهو اردأ التمر

(البالى) شبه الرطب الطرى من قلوب الطير بالعناب واليابس العتيق منها بالحشف البالى إذ ليس لاجتماعهما هيئة مخصوصة يعتد بها ويقصد تشبيهها الا انه ذكر اولا المشبهين ثم المشبه بهما على الترتيب

١٠٤

(أو مفروق) وهو ان يؤتى بمشبه ومشبه به ثم آخر وآخر

(كقوله

النشر) أي الطيب والرائحة

(مسك والوجوه دنانير واطراف الاكف). وروى اطراف البنان

(عنم) هو شجر احمر لين

(وان تعدد طرفه الاول) يعنى المشبه دون الثاني يعنى المشبه به

(فتشبيه التسوية كقوله صدغ الحبيب وحالى، كلاهما كالليالى

وان تعدد طرفه الثاني) يعنى المشبه به دون الاول

(فتشبيه الجمع كقوله)

بات نديما لى حتى الصباح * اغيد مجدول مكان الوشاح

(كأنما يبسم) ذلك الا غيد أي الناعم البدن

(عن لؤلؤ منضد) منظم

(أو برد) هو حب الغمام

(أو اقاح) جمع اقحوان وهو ورد له نور شبه ثغره بثلاثة اشياء

(وباعتبار وجهه) عطف على قوله باعتبار الطرفين

(اما تمثيل وهو ما) أي التشبيه الذى

(وجهه) وصف

(منتزع من متعدد) أي امرين أو امور

(كما مر) من تشبيه الثريا وتشبيه مثار النقع مع الاسياف وتشبيه الشمس بالمرآة في كف الاشل وغير ذلك.

(وقيده) أي المنتزع من متعدد

(السكاكى بكونه غير حقيقي) حيث قال التشبيه متى كان وجهه وصفا غير حقيقي وكان منتزعا من عدة امور خص باسم التمثيل

(كما في تشبيه مثل اليهود بمثل الحمار) فان وجه الشبه هو حرمان الانتفاع بابلغ نافع مع الكد والتعب في استصحابه فهو وصف مركب من متعدد وليس بحقيقى بل وهو عائد إلى التوهم

(واما غير تمثيل وهو بخلافه) أي بخلاف التمثيل يعنى ما لا يكون وجهه منتزعا من متعدد وعند السكاكى ما لا يكون منتزعا من متعدد ولا يكون وهميا واعتباريا بل يكون حقيقا فتشبيه الثريا بالعنقود المنور تمثيل عند الجمهور دون السكاكى

(وايضا) تقسيم آخر للتشبيه باعتبار وجهه وهو انه

(اما مجمل وهو ما لم يذكر وجهه فمنه) أي فمن المجمل

(ما هو ظاهر) وجهه أو فمن الوجه الغير المذكور ما هو ظاهر

(يفهمه كل احد) ممن له مدخل في ذلك

(نحو زيد كالاسد

١٠٥

ومنه خفى لا يدركه الا الخاصة كقول بعضهم) ذكر الشيخ عبد القاهر انه قول من وصف بنى المهلب للحجاج لما سأله عنهم وذكر جار اللّه انه قول الانمارية فاطمة بنت الخرشب وذلك انها سئلت عن بنيها ايهم افضل فقالت عمارة لا بل فلان لابل فلان ثم قالت ثكلتهم ان كنت اعلم ايهم افضل

(هم كالحلقة المفرغة لا يدرى اين طرفاها، أي هم متناسبون في الشرف) يمتنع تعيين بعضهم فاضلا وبعضهم افضل منه

(كما انها) أي الحلقة المفرغة متناسبة الاجزاء في الصورة يمتنع تعيين بعضها طرفا وبعضها وسطا لكونها مفرغة مصمتة الجوانب كالدائرة.

(وايضا منه) أي من المجمل وقوله منه دون ان يقول وايضا اما كذا واما كذا اشعار بان هذا من تقسيمات المجمل لا من تقسيمات مطلق التشبيه أي ومن المجمل

(ما لم يذكر فيه ؟ ؟ احد الطرفين) يعنى الوصف الذى يكون فيه ايماء إلى وجه الشبه نحو زيد اسد.

(ومنه ما ذكر فيه وصف المشبه به وحده) أي الوصف المشعر بوجه الشبه كقولها هم كالحلقة المفرغة لا يدرى اين طرفاها

(ومنه ما ذكر فيه وصفهما) أي المشبه والمشبه به كليهما

(كقوله

صدفت عنه) أي اعرضت عنه

(ولم تصدف مواهبه، عنى وعاوده ظنى فلم يخب، كالغيث ان جئته وافاك) أي اتاك

(ريقه). يقال فعله في روق شبابه وريقه أي اول واصابه ريق المطر وريق كل شئ افضله

(وان ترحلت عنه لج في الطلب)

وصف المشبه اعني الممدوح بان عطاياه فائضة عليه اعرض أو لم يعرض وكذا وصف المشبه به اعني الغيث بانه يصيبك ان جئته أو ترحلت عنه والوصفان مشعر ان بوجه الشبه اعني الاضافة في حالتى الطلب وعدمه وحالتي الاقبال عليه والاعراض منه.

(واما مفصل) عطف على اما مجمل

(وهو ما ذكر وجهه كقوله وثغره في صفاء، وادمعى كاللاءلى

وقد يتسامح بذكر ما يستتبعه مكانه) أي بان يذكر مكان وجه الشبه ما يستلزمه أي يكون وجه الشبه تابعا لازما له في الجملة

(كقولهم للكلام الفصيح هو كالعسل في الحلاوة فان الجامع فيه لازمها) أي وجه الشبه في هذا التشبيه لازم الحلاوة

(وهو ميل الطبع) لانه المشترك بين العسل والكلام لا الحلاوة التى هي من خواص المطعومات

١٠٦

(وايضا) تقسيم ثالث للتشبيه باعتبار وجهه وهو انه

(اما قريب مبتذل وهو ما ينتقل فيه من المشبه إلى المشبه به من غير تدقيق نظر لظهور وجهه في بادى الرأى) أي في ظاهره إذا جعلته من بدا الامر يبدو أي ظهر وان جعلته مهموزا من بدأ فمعناه في اول الرأى وظهور وجه الشبه في بادى الرأى يكون لامرين اما

(لكونه امرا جمليا) لا تفصيل فيه.

(فان الجملة اسبق إلى النفس) من التفصيل الا ترى ان ادراك الانسان من حيث انه شئ أو جسم أو حيوان اسهل واقدم من ادراكه من حيث انه جسم نام حساس متحرك بالارادة ناطق.

(أو) لكون وجه الشبه

(قليل التفصيل مع غلبة حضور المشبه به في الذهن اما عند حضور المشبه لقرب المناسبة) بين المشبه والمشبه به. إذ لا يخفى ان الشئ مع ما يناسبه اسهل حضورا منه مع ما لا يناسبه

(كتشبيه الجرة الصغيرة بالكوز في المقدار والشكل) فانه قد اعتبر في وجه الشبه تفصيل ما اعني المقدار والشكل الا ان الكوز غالب الحضور عند حضور الجرة في الذهن

(أو مطلقا) عطف على قوله عند حضور المشبه ثم غلبة حضور المشبه به في الذهن مطلقا تكون

(لتكرره) أي المشبه به

(على الحس) فان المتكرر على الحس كصورة القمر غير منخسف اسهل حضورا مما لا يتكرر على الحس كصورة القمر منخسفا

(كالشمس) أي كتشبيه المشس

(بالمرآة المجلوة في الاستدارة والاستنارة) فان في وجه الشبه تفصيلا ما لكن المشبه به اعني المرآة غالب الحضور في الذهن مطلقا

(لمعارضة كل من القرب والتكرر التفصيل) أي وانما كانت قلة التفصيل في وجه الشبه مع غلبة حضور المشبه به بسبب قرب المناسبة أو التكرر على الحس سببا لظهوره المؤدى إلى الابتذال مع ان التفصيل من اسباب الغرابة لان قرب المناسبة في الصورة الاولى والتكرر على الحس في الثانية يعارض كل منهما التفصيل بواسطة اقتضائهما سرعة الانتقال من المشبه إلى المشبه به فيصير وجه الشبه كأنه امر جملى لا تفصيل فيه فيصير سببا للابتذال

(واما بعيد غريب) عطف على قوله اما قريب مبتذل

(وهو بخلافه) أي ما لا ينتقل فيه من المشبه إلى المشبه به الا بعد فكر وتدقيق نظر

(لعدم الظهور) أي لخفاء وجهه في بادى الرأى. وذلك اعني عدم الظهور

(اما لكثرة التفصيل كقوله والشمس كالمرآة في كف الاشل). فان وجه التشبه فيه من التفصيل ما قد سبق ولذا لا يقع في نفس الرائى للمرآة الدائمة الاضطراب الا بعد ان يستأنف تأملا ويكون في نظره متمهلا

١٠٨

(أو ندور) أي أو لندور

(حضور المشبه به اما عند حضور المشبه لبعد المناسبة كما مر) من تشبيه البنفسج بنار الكبريت

(واما مطلقا) وندور حضور المشبه به مطلقا يكون

(اما لكونه وهميا) كانياب الاغوال

(أو مركبا خياليا) كاعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد

(أو) مركبا

(عقليا) كمثل الحمار يحمل اسفارا

(كما مر) اشارة إلى الامثلة التى ذكرناها آنفا

(أو لقلة تكرره) أي المشبه به

(على الحس كقوله والشمس كالمرآة في كف الاشل) فان الرجل ربما ينقضى عمره ولم يتفق له ان يرى مرآة في يد الاشل.

(فالغرابة فيه) أي في تشبيه الشمس بالمرآة في كف الاشل

(من وجهين) احدهما كثرة التفصيل في وجه الشبه والثانى قلة التكرر على الحس. فان قلت كيف تكون ندرة حضور المشبه به سببا لعدم ظهور وجه الشبه. قلت لانه فرع الطرفين والجامع المشترك الذى بينهما انما يطلب بعد حضور الطرفين فإذا ندر حضورهما ندر التفات الذهن إلى ما يجمعهما ويصلح سببا للتشبيه بينهما.

(والمراد بالتفصيل ان ينظر في اكثر من وصف) واحد لشئ واحد أو اكثر بمعنى ان يعتبر في الاوصاف وجودها أو عدمها أو وجود البعض وعدم البعض كل من ذلك في امر واحد أو امرين أو ثلاثة امور أو اكثر فلهذا قال

(ويقع) أي التفصيل

(على وجوه) كثيرة

(اعرفها ان تأخذ بعضها) من الاوصاف

(وتدع بعضا) أي تعتبر وجود بعضها وعدم بعضها

(كما في قوله حملت ردينيا) يعنى رمحا منسوبا إلى ردينة

(كأن سنانه، سنا لهب لم يتصل بدخان) فاعتبر في اللّهب الشكل واللون واللمعان وترك الاتصال بالدخان ونفاه

(وان تعتبر الجميع كما مر من تشبيه الثريا) بعنقود الملاحية المنورة باعتبار اللون والشكل وغير ذلك

(وكلما كان التركيب) خياليا كان أو عقليا

(من امور اكثر كان التشبيه ابعد) لكون تفاصيله اكثر

(و) التشبيه

(البليغ ما كان من هذا الضرب) أي من البعيد الغريب دون القريب المبتذل

(لغرابته) أي لكون هذا الضرب غريبا غير مبتذل

(ولان نيل الشئ بعد طلبه الذ) وموقعه في النفس الطف، وانما يكون البعيد الغريب بليغا حسنا إذا كان سببه لطف المعنى ودقته أو ترتيب بعض المعاني على البعض فان المعاني الشريفة قلما تنفك عن بناء ثان على اول ورد تال على سابق فيحتاج إلى نظر وتأمل

(وقد يتصرف في) التشبيه

(القريب) المبتذل

(بما يجعله غريبا) ويخرجه عن الابتذال

(كقوله: لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا * الا بوجه ليس فيه حياء) فتشبيه الوجه بالشمس قريب مبتذل الا ان حديث الحياء وما فيه من الدقة والخفاء اخرجه إلى الغرابة.

وقوله لم تلق ان كان من لقيته بمعنى ابصرته فالتشبيه مكنى غير مصرح به وان كان من لقيته بمعنى قابلته وعارضته فهو فعل ينبئ عن التشبيه أي لم تقابله في الحسن والبهاء الا بوجه ليس فيه حياء

(وقوله عزماته مثل النجوم ثواقبا) أي لوامعا

(لو لم تكن للثاقبات افول) فتشبيه العزم بالنجم مبتذل الا ان اشتراط عدم الافول اخرجه إلى الغرابة.

(ويسمى) مثل

(هذا) التشبيه

(التشبيه المشروط) لتقييد المشبه أو المشبه به أو كليهما بشرط وجودي أو عدمي يدل عليه بصريح اللفظ أو بسياق الكلام

(وباعتبار) أي والتشبيه باعتبار

(اداته اما مؤكد وهو ما حذفت اداته مثل قوله تعالى وهى تمر مر السحاب،) أي مثل مر السحاب.

(ومنه) أي ومن المؤكد ما اضيف المشبه به إلى المشبه بعد حذف الاداة

(نحو قوله والريح تعبث بالغصون) أي تميلها إلى الاطراف والجوانب

(وقد جرى ذهب الاصيل) هو الوقت بعد العصر إلى المغرب بعد من الاوقات الطيبة كالسحر ويوصف بالصفرة كقوله: " ورب نهار للفراق اصيله * ووجهى كلا لونيهما متناسب " " فذهب الاصيل صفرته وشعاع الشمس فيه

(على لجين الماء) أي على ماء كاللجين أي الفضة في الصفاء والبياض فهذا تشبيه مؤكد ومن الناس من لم يميز بين لجين الكلام ولجينه ولم يعرف هجانه من هجينه حتى ذهب بعضهم إلى ان اللجين انما هو بفتح اللام وكسر الجيم يعنى الورق الذى يسقط من الشجر وقد شبه به وجه الماء وبعضهم إلى ان الاصيل هو الشجر الذى له اصل وعرق وذهبه ورقه الذى اصفر ببرد الخريف وسقط منه على وجه الماء وفساد هذين الوهمين غنى عن البيان.

(أو مرسل) عطف على اما مؤكد

(وهو بخلافه) أي ما ذكر اداته فصار مرسلا عن التأكيد المستفاد من حذف الاداة المشعر بحسب الظاهر بان المشبه عين المشبه به

(كما مر) من الامثلة المذكورة فيها اداة التشبيه

(و) التشبيه

(باعتبار الغرض اما مقبول وهو الوافى بافادته) أي افادة الغرض

(كأن يكون المشبه به) اعرف شئ بوجه التشبيه

(في بيان الحال أو) كأن يكون المشبه به

(اتم شئ فيه) أي في وجه التشبيه

(في الحاق الناقص بالكامل أو) كان يكون المشبه به

١٠٩

(مسلم الحكم فيه) اي في وجه التشبيه

(معروفة عند المخاطب في بيان الامكان أو مردود) عطف على اما مقبول

(وهو بخلافه) اي ما يكون قاصرا عن افادة الغرض بان لا يكون على شرط المقبول كما سبق ذكره.

(خاتمة) في تقسيم التشبيه بحسب القوة والضعف في المبالغة باعتبار ذكر الاركان وتركها وقد سبق ان الاركان اربعة والمشبه به مذكور قطعا فالمشبه اما مذكور أو محذوف وعلى التقديرين فوجه الشبه اما مذكور أو محذوف وعلى التقدير الاربعة فالاداة اما مذكورة أو محذوفة تصير ثمانية

(واعلى مراتب التشبيه في قوة المبالغة) إذا كان اختلاف المراتب وتعددها

(باعتبار ذكر اركانه) أي اركان التشبيه

(كلها أو بعضها) أي بعض الاركان. فقوله باعتبار متعلق بالاختلاف الدال عليه سوق الكلام لان اعلى المراتب قد يكون بالنظر إلى عدة مراتب مختلفة. وانما قيد بذلك لان اختلاف المراتب قد يكون باعتبار اختلاف المشبه به نحو زيد كالاسد وزيد كالذئب في الشجاعة. وقد يكون باختلاف الاداة نحو زيد كالا سد وكأن زيدا الاسد وقد يكون باعتبار ذكر الاركان كلها أو بعضها بانه إذا ذكر الجميع فهو ادنى المراتب وان حذف الوجه والاداة فاعلاها والا فمتوسط. وقد توهم بعضهم ان قوله باعتبار متعلق بقوة المبالغة فاعترض بانه لا قوة مبالغة عند ذكر جميع الاركان فالاعلى

(حذف وجهه واداته فقط) أي بدون حذف المشبه نحو زيد اسد

(أو مع حذف المشبه) نحو اسد في مقام الاخبار عن زيد

(ثم) الاعلى بعد هذه المرتبة

(حذف احدهما) أي وجهه أو اداته

(كذلك) أي فقط أو مع حذف المشبه نحو زيد كالاسد ونحو كالاسد عند الاخبار عن زيد ونحو زيد اسد في الشجاعة ونحو اسد في الشجاعة عند الاخبار عن زيد

(ولا قوة لغيرهما) وهما الاثنان الباقيان اعني ذكر الاداة. والوجه جميعا اما مع ذكر المشبه أو بدونه نحو زيد كالاسد في الشجاعة ونحو كالاسد في الشجاعة خبرا عن زيد وبيان ذلك ان القوة اما بعموم وجه الشبه ظاهرا أو بحمل المشبه به على المشبه بانه هو هو فما اشتمل على الوجهين جميعا فهو على غاية القوة وما خلا عنهما فلا قوة له وما اشتمل على احدهما فقط فهو متوسط واللّه اعلم.

 ٢-٢الحقيقة والمجاز

الحقيقة والمجاز هذا هو المقصد الثاني من مقاصد علم البيان أي هذا بحث الحقيقة والمجاز والمقصود الاصلى بالنظر إلى علم البيان هو المجاز إذ به يتأتى اختلاف الطرق دون الحقيقة الا انها لما كانت كالاصل للمجاز إذ الاستعمال في غير ما وضع له فرع الاستعمال فيما وضع له جرت العادة بالبحث عن الحقيقة اولا.

(وقد يقيدان باللغويين) ليتميزا عن الحقيقة والمجاز العقليين الذين هما في الاسناد. والاكثر ترك هذا التقييد لئلا يتوهم انه مقابل للشرعي والعرفي.

الحقيقة. في الاصل فعيل بمعنى فاعل من حق الشئ إذا ثبت أو بمعنى مفعول من حققته إذا اثبته نقل إلى الكلمة الثابتة أو المثبتة في مكانها الاصلى والتاء فيها للنقل من الوصفية إلى الاسمية وهى في الاصطلاح

(الكلمة المستعملة فيما) أي في معنى

(وضعت) تلك الكلمة

(له في اصطلاح به التخاطب) أي وضعت له في اصطلاح به يقع التخاطب بالكلام المشتمل على تلك الكلمة فالظرف اعني في اصطلاح متعلق بقوله وضعت وتعلقه بالمستعملة على ما توهمه البعض مما لا معنى له فاحترز بالمستعملة عن الكلمة قبل الاستعمال فانها لا تسمى حقيقة ولا مجازا وبقوله فيما وضعت له عن الغلط نحو خذ هذا الفرس مشيرا إلى كتاب وعن المجاز المستعمل فيما لم يوضع له في اصطلاح به التخاطب ولا في غيره كالاسد في الرجل الشجاع لان الاستعارة وان كانت موضوعة بالتأويل الا ان المفهوم من اطلاق الوضع انما هو الوضع بالتحقيق. واحترز بقوله في اصطلاح به التخاطب عن المجاز المستعمل فيما وضع له في اصطلاح آخر غير الاصطلاح الذى يقع به التخاطب كالصلاة إذا استعملها المخاطب بعرف الشرع في الدعاء فانها تكون مجازا لاستعماله في غير ما وضع له في الشرع اعني الاركان المخصوصة وان كانت مستعملة فيما وضع له في اللغة

(والوضع) أي وضع اللفظ

(تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه) أي ليدل بنفسه لا بقرينة تنضم إليه. ومعنى الدلالة بنفسه ان يكون العلم بالتعيين كافيا في فهم المعنى عند اطلاق اللفظ وهذا شامل للحرف ايضا لانا نفهم معاني الحروف عند اطلاقها بعد علمنا باوضاعها الا ان معانيها ليست تامة في انفسها بل تحتاج إلى الغير بخلاف الاسم والفعل. نعم لا يكون هذا شاملا لوضع الحرف عند من يجعل معنى قولهم الحرف ما دل على معنى في غيره انه مشروط في دلالته على معناه الافرادى ذكر متعلقه

(فخرج المجاز) عن ان يكون موضوعا بالنسبة إلى معناه المجازى

(لان دلالته) على ذلك المعنى انما تكون

(بقرينة) لا بنفسه

(دون المشترك) فانه لم يخرج لانه قد عين للدلالة على كل من المعنيين بنفسه وعدم فهم احد المعنيين بالتعيين لعارض الاشتراك لا ينافى ذلك فالقرء مثلا عين مرة للدلالة على الطهر بنفسه ومرة آخر للدلالة على الحيض بنفسه فيكون موضوعا بالتعيين. وفى كثير من النسخ بدل قوله دون المشترك دون الكناية وهو سهو لانه ان اريد ان الكناية بالنسبة إلى معناها الاصلى موضوعة فكذا المجاز ضرورة ان الاسد في قولنا رأيت اسدا يرمى موضوع للحيوان المفترس وان لم يستعمل فيه وان اريد انها موضوعة بالنسبة إلى معنى الكناية اعني لازم المعنى الاصلى ففساده ظاهر لانه لا يدل عليه بنفسه بل بواسطة القرينة. لا يقال معنى قوله بنفسه أي من غير قرينة مانعة عن ارادة الموضوع له أو من غير قرينة لفظية فعلى هذا يخرج من الوضع المجاز دون الكناية. لانا نقول اخذ الموضوع في تعريف الوضع فاسد للزوم الدور وكذا حصر القرينة في اللفظى لان المجاز قد يكون قرينة فيه معنوية لا يقال معنى الكلام انه خرج عنه تعريف الحقيقة المجاز دون الكناية فانها ايضا حقيقة على ما صرح به صاحب المفتاح. لانا نقول هذا فاسد على رأى المصنف لان الكناية لم تستعمل عنده فيما وضع له بل انما استعملت في لازم الموضوع له مع جواز ارادة الملزوم وسيجئ لهذا زيادة تحقيق.

(والقول بدلالة اللفظ لذاته ظاهره فاسد) يعنى ذهب بعضهم إلى ان دلالة الالفاظ على معانيها لا تحتاج إلى الوضع بل بين اللفظ والمعنى مناسبة طبيعية تقتضي دلالة كل لفظ على معناه لذاته فذهب المصنف وجميع المحققين على ان هذا القول فاسد ما دام محمولا على ما يفهم منه ظاهرا لان دلالة اللفظ على المعنى لو كانت لذاته كدلالته على اللافظ لوجب ان تختلف اللغات باختلاف الامم وان يفهم كل احد معنى كل لفظ لعدم انفكاك المدلول عن الدليل ولا متنع ان يجعل اللفظ بواسطة القرينة بحيث يدل على المعنى المجازى دون الحقيقي لان ما بالذات لا يزول بالغير ولا متنع نقله من معنى إلى معنى آخر بحيث لا يفهم منه عند الاطلاق الا المعنى الثاني.

(وقد تأوله) أي القول بدلالة اللفظ لذاته

(السكاكى) أي صرفه عن ظاهره وقال انه تنبيه على ما عليه ائمة علمي الاشتقاق والتصريف من ان للحروف في انفسها خواص بها تختلف كالجهر والهمس والشدة والرخاوة والتوسط بينهما وغير ذلك وتلك الخواص تقتضي ان يكون العالم بها إذا اخذ في تعيين شئ مركب منها لمعنى لا يهمل التناسب بينهما قضاء لحق الحكمة كالفصم بالفاء الذى هو حرف رخو لكسر الشئ من غير ان يبين والقسم بالقاف الذى هو حرف شديد لكسر الشئ حتى يبين وان لهيئات تركيب الحروف ايضا خواص كالفعلان والفعلى بالتحريك لما فيه حركة كالنزوان والحيدى وكذا باب فعل بالضم مثل شرف وكرم للافعال الطبيعية اللازمة.

(والمجاز) في الاصل مفعل من جاز المكان يجوزه إذا تعداه نقل إلى الكلمة الجائزة أي المتعدية مكانها الاصلى أو الكلمة المجوز بها على معنى انهم جازوا بها وعدوها مكانها الاصلى كذا ذكره الشيخ في اسرار البلاغة وذكر المصنف ان الظاهر انه من قولهم جعلت كذا مجازا إلى حاجتى أي طريقا لها على ان معنى جاز المكان سلكه فان المجاز طريق إلى تصور معناه. فالمجاز

(مفرد ومركب) وهما مختلفان فعرفوا كلا على حدة.

(اما المفرد فهو الكلمة المستعملة) احترز بها عن الكلمة قبل الاستعمال فانها ليست بمجاز ولا حقيقة

(في غير ما وضعت له) احترز به عن الحقيقة مرتجلا كان أو منقولا أو غيرهما وقوله

١١٠

(في اصطلاح به التخاطب) متعلق بقوله وضعت. قيد بذلك ليدخل المجاز المستعمل فيما وضع له في اصطلاح آخر كلفظ الصلاة إذا استعمله المخاطب بعرف الشرع في الدعاء مجازا فانه وان كان مستعملا فيما وضع له في الجملة فليس بمستعمل فيما وضع له في الاصطلاح الذى وقع به التخاطب اعني الشرع وليخرج من الحقيقة ما يكون له معنى آخر باصطلاح آخر كلفظ الصلاة المستعملة بحسب الشرع في الاركان المخصوصة فانه يصدق عليه انه كلمة مستعملة في غير ما وضعت له لكن بحسب اصطلاح آخر وهو اللغة لا بحسب اصطلاح به التخاطب وهو الشرع

(على وجه يصح) متعلق بالمستعملة

(مع قرينة عدم ارادته) أي ارادة الموضوع له

(فلابد) للمجاز

(من العلاقة) ليتحقق الاستعمال على وجه يصح. وانما قيد بقوله على وجه يصح واشترط العلاقة

(ليخرج الغلط) من تعريف المجاز كقولنا خذ هذا الفرس مشيرا إلى كتاب لان هذا الاستعمال ليس على وجه يصح.

(و) انما قيد بقوله مع قرينة عدم ارادته لتخرج

(الكناية) لانها مستعملة في غير ما وضعت له مع جواز ارادة ما وضعت له

(وكل منهما) أي من الحقيقة والمجاز

(لغوى وشرعي وعرفي خاص) وهو ما يتعين ناقله كالنحوي والصرفى وغير ذلك

(أو) عرفى

(عام) لا يتعين ناقله. وهذه القسمة في الحقيقة بالقياس إلى الواضع فان كان واضعها واضع اللفظ واللغة فلغوية وان كان الشارع فشرعية وعلى هذا القياس وفى المجاز باعتبار الاصطلاح الذى وقع الاستعمال في غير ما وضعت له في ذلك الاصطلاح فان كان هو اصطلاح اللغة فالمجاز لغوى وان كان اصطلاح الشرع فشرعي والا فعرفى عام أو خاص

(كاسد للسبع) المخصوص

(والرجل الشجاع) فانه حقيقة لغوية في السبع مجاز لغوى في الرجل الشجاع

(والصلاة للعبادة) المخصوصة

(والدعاء) فانها حقيقة شرعية في العبادة ومجاز شرعى في الدعاء

(وفعل للفظ) المخصوص اعني ما دل على معنى في نفسه مقترنا باحد الازمنة الثلاثة

(والحدث) فانه حقيقة عرفية خاصة أي نحوية في اللفظ مجاز نحوى في الحدث

(ودابة لذوى الاربع والانسان) فانها حقيقة عرفية عامة في الاول مجاز عرفى عام في الثاني.

(والمجاز مرسل ان كانت العلاقة) المصححة

(غير المشابهة) بين المعنى المجازى والمعنى الحقيقي

(والا فاستعارة) فعلى هذا الاستعارة هي اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الاصلى لعلاقة المشابهة كاسد في قولنا رأيت اسدا يرمى

(وكثيرا ما تطلق الاستعارة) على فعل المتكلم اعني

(على استعمال اسم المشبه به في المشبه). فعلى هذا تكون بمعنى المصدر ويصح منه الاشتقاق

(فهما) أي المشبه به والمشبه

(مستعار منه ومستعار له واللفظ) أي لفظ المشبه به

(مستعار) لانه بمنزلة اللباس الذى استعير من احد فالبس غيره

(والمرسل) وهو ما كانت العلاقة غير المشابهة

(كاليد) الموضوعة للجارحة المخصوصة إذا استعملت

(في النعمة) لكونها بمنزلة العلة الفاعلية للنعمة لان النعمة منها تصدر وتصل إلى المقصود بها

(و) كاليد في

(القدرة) لان اكثر ما يظهر سلطان القدرة يكون في اليد وبها يكون الافعال الدلالة على القدرة من البطش والضرب والقطع والاخذ وغير ذلك.

(والرواية) التى هي في الاصل اسم للبعير الذى يحمل المزادة إذا استعملت

(في المزادة) أي المزود الذى يجعل فيه الزاد أي الطعام المتخذ للسفر والعلاقة كون البعير حاملا لها وهى بمنزلة العلة المادية، ولما اشار بالمثال إلى بعض انواع العلاقة اخذ في التصريح بالبعض الآخر من انواع العلاقات فقال.

(ومنه) أي من المرسل

(تسمية الشئ باسم جزئه) في هذه العبارة نوع من التسامح أي عند اطلاقه على نفس ذلك الشئ لا نفس التسمية مجازا،

(كالعين) وهى الجارحة المخصوصة

(في الربيئة) وهى الشخص الرقيب والعين جزء منه. ويجب ان يكون الجزء الذى يطلق على الكل مما يكون له من بين الاجزاء مزيد اختصاص بالمعنى الذى قصد بالكل مثلا لا يجوز اطلاق اليد أو الاصبع على الربيئة

(وعكسه) أي ومنه عكس المذكور يعنى تسمية الشئ باسم كله

(كالاصابع) المستعملة

(في الانامل) التى هي اجزاء من الاصابع في قوله تعالى " يجعلون اصابعهم في آذانهم،

(وتسميته) أي ومنه تسمية الشئ

(باسم سببه نحو رعينا الغيث) أي النبات الذى سببه الغيث

(أو) تسمية الشئ باسم

١١١

(مسببه نحو امطرت السماء نباتا) أي غيثا لكون النبات مسببا عنه، واورد في الايضاح في امثلة تسمية السبب باسم المسبب في قولهم فلان اكل الدم أي الدية المسببة عن الدم وهو سهو. بل هو من تسمية المسبب باسم السبب

(أو ما كان عليه) أي تسمية الشئ باسم الشئ الذى كان هو عليه في الزمان الماضي لكنه ليس عليه الآن

(نحو قوله تعالى وآتوا اليتامى اموالهم،) أي الذين كانوا يتامى قبل ذلك إذ لا يتم بعد البلوغ أو تسمية الشئ باسم

(ما يؤل) ذلك الشئ

(إليه) في الزمان المستقبل

(نحو انى ارانى اعصر خمرا) أي عصيرا يؤل إلى الخمر

(أو) تسمية الشئ باسم

(محله نحو فليدع ناديه) أي اهل ناديه الحال فيه. والنادى المجلس

(أو) تسمية الشئ باسم

(حاله) أي باسم ما يحل في ذلك الشئ

(نحو واما الذين ابيضت وجوههم ففى رحمة اللّه أي في الجنة) التى تحل فيها الرحمة

(أو) تسمية الشئ باسم

(آلته نحو واجعل لى لسان صدق في الآخرين، أي ذكرا حسنا) واللسان اسم لآلة الذكر ولما كان في الاخيرين نوع خفاء صرح به في الكتاب. فان قيل قد ذكر في مقدمة هذا الفن ان مبنى المجاز على الانتقال من الملزوم إلى اللازم وبعض انواع العلاقة بل اكثرها لا يفيد اللزوم فكيف ذلك. قلنا ليس معنى اللزوم ههنا امتناع الانفكاك في الذهن أو الخارج بل تلاصق واتصال ينتقل بسببه من احدهما إلى الآخر في الجملة وفى بعض الاحيان. وهذا متحقق في كل امرين بينهما علاقة وارتباط

(والاستعارة) وهى مجاز تكون علاقته المشابهة أي قصد ان الاطلاق بسبب المشابهة فإذا اطلق المشفر على شفة الانسان فان قصد تشبيهها بمشفر الابل في الغلظ فهو استعارة وان اريد انه من اطلاق المقيد على المطلق كاطلاق المرسن على الانف من غير قصد إلى التشبيه فمجاز مرسل فاللفظ الواحد بالنسبة إلى المعنى الواحد قد يكون استعارة وقد يكون مجازا مرسلا والاستعارة

(قد تقيد بالتحقيقية) ليتميز عن التخييلية والمكنى عنها

(لتحقق معناها) أي ما عنى بها واستعملت هي فيه

(حسا أو عقلا) بان يكون اللفظ قد نقل إلى امر معلوم يمكن ان ينص عليه ويشار إليه اشارة حسية أو عقلية فالحسى

١١٢

(كقوله لدى اسد شاكى السلاح) أي تام السلاح

(مقذف أي رجال شجاع) أي قذف به كثيرا إلى الوقائع. وقيل قذف باللحم ورمى به فصار له جسامة ونبالة فالاسد ههنا مستعار للرجل الشجاع وهو امر متحقق حسا

(وقوله) أي والعقلي كقوله تعالى

(" اهدنا الصراط المستقيم " أي الدين الحق) وهو ملة الاسلام وهذا امر متحقق عقلا. قال المصنف رحمه اللّه فالاستعارة ما تضمن تشبيه معناه بما وضع له. والمراد بمعناه ما عنى باللفظ واستعمل اللفظ فيه. فعلى هذا يخرج من تفسير الاستعارة نحو زيد اسد ورأيت زيدا اسدا ومررت بزيد اسد مما يكون اللفظ مستعملا فيما وضع له وان تضمن تشبيه شئ به وذلك لانه إذا كان معناه عين المعنى الموضوع له لم يصح تشبيه معناه بالمعنى الموضوع له لاستحالة تشبيه الشئ بنفسه على ان ما في قولنا ما تضمن عبارة عن المجاز بقرينة تقسيم المجاز إلى الاستعارة وغيرها واسد في الامثلة المذكورة ليس بمجاز لكونه مستعملا فيما وضع له. وفيه بحث لانا لا نسلم انه مستعمل فيما وضع له بل في معنى الشجاع فيكون مجازا أو استعارة كما في رأيت اسدا يرمى بقرينة حمله على زيد. ولا دليل لهم على ان هذا على حذف اداة التشبيه وان التقدير زيد كاسد، واستدلالهم على ذلك بانه قد اوقع الاسد على زيد. ومعلوم ان الانسان لا يكون اسدا فوجب المصير إلى التشبيه بحذف ادانه قصدا إلى المبالغة فاسد لان المصير إلى ذلك انما يجب إذا كان اسد مستعملا في معناه الحقيقي واما إذا كان مجازا عن الرجل الشجاع فحمله على زيد صحيح. ويدل على ما ذكرنا ان المشبه به في مثل هذا المقام كثيرا ما يتعلق به الجار والمجرور كقوله " اسد على وفى الحروب نعامة " أي مجترى، صائل على وكقوله والطير اغربه على اي باكية وقد استوفينا ذلك في الشرح، واعلم انهم قد اختلفوا في ان الاستعارة مجاز لغوى أو عقلي فالجمهور على انها مجاز لغوى بمعنى انها لفظ استعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة.

(ودليل انها) أي الاستعارة

(مجاز لغوى كونها موضوعة للمشبه به لا للمشبه ولا للاعم منهما) أي من المشبه والمشبه به فاسد في قولنا رأيت اسدا يرمى موضوع للسبع المخصوص لا للرجل الشجاع ولا لمعنى اعم من السبع والرجل الشجاع كالحيوان المجترى، مثلا ليكون اطلاقه عليهما حقيقة كاطلاق الحيوان على الاسد والرجل الشجاع وهذا معلوم بالنقل عن ائمة اللغة قطعا فاطلاقه على المشبه وهو الرجل الشجاع اطلاق على غير ما وضع له مع قرينة مانعة عن ارادة ما وضع له فيكون مجازا لغويا. وفى هذا الكلام دلالة على لفظ العام إذا اطلق على الخاص لا باعتبار خصوصه بل باعتبار عمومه فهو ليس من المجاز في شئ كما إذا لقيت زيدا فقلت لقيت رجلا أو انسانا أو حيوانا بل هو حقيقة إذ لم يستعمل اللفظ الا في معناه الموضوع له.

(وقيل انها) أي الاستعارة

(مجاز عقلي بمعنى ان التصرف في امر عقلي لا لغوى لانها لما لم تطلق على المشبه الا بعد ادعاء دخوله) أي دخول المشبه

(في جنس المشبه به) بان جعل الرجل الشجاع فردا من افراد الاسد

(كان استعمالها) أي الاستعارة في المشبه استعمالا

(فيما وضعت له) وانما قلنا انها لم تطلق على المشبه الا بعد ادعاء دخوله في جنس المشبه به لانها لو لم تكن كذلك لما كانت استعارة لان مجرد نقل الاسم لو كانت استعارة لكانت الاعلام المنقولة استعارة ولما كانت الاستعارة ابلغ من الحقيقة إذ لا مبالغة في اطلاق الاسم المجرد عاريا من معناه. ولما صح ان يقال لمن قال رأيت اسدا واراد به زيدا انه جعله اسدا كما لا يقال لمن سمى ولده اسدا انه جعله اسدا إذ لا يقال جعله اميرا الا وقد اثبت فيه صفة الامارة وإذا كان نقل اسم المشبه به إلى المشبه تبعا لنقل معناه إليه بمعنى انه اثبت له معنى الاسد الحقيقي ادعاء ثم اطلق عليه اسم الاسد كان الاسد مستعملا فيما وضع له فلا يكون مجازا لغويا بل عقليا بمعنى ان العقل جعل الرجل الشجاع من جنس الاسد وجعل ما ليس في الواقع واقعا مجاز عقلي.

(ولهذا) أي ولان اطلاق اسم المشبه به على المشبه انما يكون بعد ادعاء دخوله في جنس المشبه به

(صح التعجب في قوله قامت تظللنى) أي توقع الظل على.

(من الشمس نفس اعز على من نفسي، قامت تظلنى ومن عجب، شمس) أي غلام كالشمس في الحسن والبهاء

(تظللنى من الشمس) فلو لا انه ادعى لذلك الغلام معنى الشمس الحقيقي وجعله شمسا على الحقيقة لما كان لهذا التعجب معنى إذ لا تعجب في ان يظل انسان حسن الوجه انسانا آخر

(والنهى عنه) أي ولهذا صح النهى عن التعجب في قوله

(لا تعجبوا من بلى غلالته) هي شعار يلبس تحت الثوب وتحت الدرع ايضا.

(قد زر از راره على القمر) تقول زررت القميص عليه ازره إذا شددت ازراره عليه فلو لا انه جعله قمرا حقيقيا لما كان للنهى عن التعجب معنى لان الكتان انما يسرع إليه البلى بسبب ملابسة القمر الحقيقي لا بملابسة انسان كالقمر في الحسن لا يقال القمر في البيت ليس باستعارة لان المشبه مذكور وهو الضمير في غلالته وازراره لانا نقول لا نسلم ان الذكر على هذا الوجه ينافى الاستعارة المذكورة كما في قولنا سيف زيد في يد اسد فان تعريف الاستعارة صادق على ذلك

١١٣

(ورد) هذا الدليل

(بان الادعاء) أي ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به

(لا يقتضى كونها) أي الاستعارة

(مستعملة فيما وضعت له) للعلم الضرورى بان اسدا في قولنا رأيت اسدا يرمى مستعمل في الرجل الشجاع والموضوع له هو السبع المخصوص. وتحقيق ذلك ان ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به مبنى على انه جعل افراد الاسد بطريق التأويل قسمين: احدهما المتعارف وهو الذى له غاية الجرأة ونهاية القوة في مثل تلك الجنة المخصوصة والثانى غير المتعارف وهو الذى له تلك الجرأة لكن لا في تلك الجنة المخصوصة. والهيكل المخصوص ولفظ الاسد انما هو موضوع للمتعارف فاستعماله في غير المتعارف استعمال في غير ما وضع له والقرينة مانعة عن ارادة المعنى المتعارف ليتعين المعنى الغير المتعارف. وبهذا يندفع ما يقال ان الاصرار على دعوى الاسدية لرجل الشجاع ينافى نصب القرينة المانعة عن ارادة السبع المخصوص.

(واما التعجب والنهى عنه) كما في البيتين المذكورين

(فللبناء على تناسى التشبيه قضاء لحق المبالغة) ودلالة على ان المشبه بحيث لا يتميز عن المشبه به اصلا حتى ان كل ما يترتب على المشبه به من التعجب والنهى عن التعجب يترتب على المشبه ايضا

(والاستعارة تفارق الكذب بوجهين بالبناء على التأويل) في دعوى دخول المشبه في جنس المشبه به بان يجعل افراد المشبه به قسمين متعارفا وغير متعارف كما مر ولا تأويل في الكذب.

(ونصب) أي وبنصب

(القرينة على ارادة خلاف الظاهر) في الاستعارة لما عرفت انه لابد للمجاز من قرينة مانعة عن ارادة المعنى الحقيقي الموضوع له بخلاف الكذب فان قائله لا ينصب فيه قرينة على ارادة خلاف الظاهر بل يبذل المجهود في ترويج ظاهره

(ولا تكون) أي الاستعارة

(علما) لما سبق من انها تقتضي ادخال المشبه في جنس المشبه به بجعل افراده قسمين متعارفا وغير متعارف ولا يمكن ذلك في العلم

(لمنافاته الجنسية) لانه يقتضى التشخص ومنع الاشتراك والجنسية يقتضى العموم وتناول الافراد

(الا إذا تضمن) العلم

(نوع وصفية) بواسطة اشتهاره بوصف من الاوصاف

(كحاتم) المتضمن للاتصاف بالجود وكذا ومادر بالبخل وسحبان بالفصاحة وباقل بالفهاهة. فحينئذ يجوز ان يشبه شخص بحاتم في الجود ويتأول في حاتم فيجعل كأنه موضوع للجواد سواء كان ذلك الرجل المعهود أو غيره كما مر في الاسد. فبهذا التأويل يتناول حاتم الفرد المتعارف والمعهود والفرد الغير المتعارف ويكون اطلاقه على المعهود اعني حاتما الطائى حقيقة وعلى غيره ممن يتصف بالجود استعارة نحو رأيت اليوم حاتما.

(وقرينتها) يعنى ان الاستعارة لكونها مجاز لابد لها من قرينة مانعة عن ارادة المعنى الموضوع له وقرينتها

 (ما امر واحد كما في قولك رأيت اسدا يرمى أو اكثر) أي امران أو امور يكون كل واحد منها قرينة

(كقوله وان تعافوا) أي تكرهوا

(العدل والايمانا، فان في ايماننا نيرانا) أي سيوفا تلمع كشعل النيران فتعلق قوله تعافوا بكل واحد من العدل والايمان قرينة على ان المراد بالنيران السيوف لدلالته على ان جواب هذا الشرط تحاربون وتلجأون إلى الطاعة بالسيوف

(أو معان ملتئمة) مربوطة بعضها ببعض يكون الجميع قرينة لا كل واحد. وبهذا ظهر فساد قول من زعم ان قوله أو اكثر شامل لقوله أو معان فلا يصح جعله مقابلا له وقسيما

(كقوله وصاعقة من نصله) أي من نصل سيف الممدوح

(تنكفى بها) من انكفاء أي انقلب والباء للتعدية والمعنى رب نار من حد سيفه يقلبها

(على ارؤس الاقران خمس سحائب) أي انامله الخمس التى هي في الجود وعموم العطايا سحائب أي تصبها على اكفائه في الحرب فيهلكهم بها. ولما استعار السحائب لانامل الممدوح ذكر ان هناك صاعقة وبين انها من نصل سيفه ثم قال على ارؤس الاقران ثم قال خمس فذكر العدد الذى هو عدد الانامل فظهر من جميع ذلك انه اراد بالسحائب الانامل

(وهى) أي الاستعارة

(باعتبار الطرفين) المستعار منه والمستعار له

(قسمان لان اجتماعهما) أي اجتماع الطرفين

(في شئ اما ممكن نحو احييناه) في قوله تعالى

(أو من كان ميتا فاحييناه، أي ضالا فهديناه) استعار الاحياء من معناه الحقيقي وهو جعل الشئ حيا للّهداية التى هي الدلالة على طريق يوصل إلى المطلوب. والاحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما في شئ واحد. وهذا اولى من قول المصنف ان الحياة والهداية مما يمكن اجتماعهما في شئ واحد لان المستعار منه هو الاحياء لا الحياة. وانما قال نحو احييناه لان الطرفين في استعارة الميت للضال مما لا يمكن اجتماعهما في شئ إذا الميت لا يوصف بالضلال

(ولتسم) الاستعارة التى يمكن اجتماع طرفيها في شئ

(وفاقية) لما بين الطرفين من الاتفاق

(واما ممتنع) عطف على اما ممكن

(كاستعارة اسم المعدوم للموجود لعدم غنائه) هو بالفتح النفع أي لانتفاءه النفع في ذلك الموجود كما في المعدوم. ولا شك ان اجتماع الوجود والعدم في شئ ممتنع وكذلك استعارة اسم الموجود لمن عدم أو فقد لكن بقيت آثاره الجميلة التى تحى ذكره وتديم في الناس اسمه

(ولتسم) الاستعارة التى لا يمكن اجتماع طرفيها في شئ

(عنادية) لتعاند الطرفين وامتناع اجتماعهما.

(ومنها) أي من العنادية الاستعارة

(التهكمية والتمليحية وهما ما استعمل في ضده) أي الاستعارة التى استعملت في ضد معناها الحقيقي

(أو نقيضه لما مر) أي لتنزيل التضاد أو التناقص منزلة التناسب بواسطة تمليح أو تهكم على ما سبق تحقيقه في باب التشبيه

(نحو فبشرهم بعذاب اليم،) أي انذرهم. استعيرت البشارة التى هي الاخبار بما يظهر سرورا في المخبر له للانذار الذى هو ضده بادخال الانذار في جنس البشارة على سبيل التهكم والاستهزاء وكقولك رأيت اسدا وانت تريد جبانا على سبيل التمليح والظرافة. ولا يخفى امتناع اجتماع التبشير والانذار من جهة واحدة وكذا الشجاعة والجبن.

(و) الاستعارة

(باعتبار الجامع) أي ما قصد اشتراك الطرفين فيه

(قسمان لانه) أي الجامع

(ما داخل في مفهوم الطرفين) المستعار له والمستعار منه

(نحو) قوله عليه الصلاة والسلام خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه

(كلما سمع هيعة طار إليها) أو رجل في شعفة في غنيمة يعبد اللّه حتى يأتيه الموت. قال جار اللّه الهيعة الصيحة التى تفزع منها واصلها من هاع يهيع إذا جبن والشعفة رأس الجبل والمعنى خير الناس رجل اخذ بعنان فرسه واستعد للجهاد في سبيل اللّه أو رجل اعتزل الناس وسكن في رؤس بعض الجبال في غنم له قليل يرعاها ويكتفى بها في امر معاشه ويعبد اللّه حتى يأتيه الموت. استعار الطيران للعدو والجامع داخل في مفهومهما

(فان الجامع بين العدو والطيران هو قطع المسافة بسرعة وهو داخل فيهما) أي في مفهوم العدو والطيران الا انه في الطيران اقوى منه في العدو. والاظهر ان الطيران هو قطع المسافة بالجناح والسرعة لازمة له في الاكثر لا داخلة في مفهومه فالاولى ان يمثل باستعارة التقطيع الموضوع لازالة الاتصال بين الاجسام الملتزقة بعضها ببعض لتفريق الجماعة وابعاد بعضها عن بعض في قوله تعالى وقطعناهم في الارض امما.

والجامع ازالة الاجتماع الداخلة في مفهومهما وهى في القطع اشد، والفرق بين هذا وبين اطلاق المرسلين على الانف مع ان في كل من المرسن والتقطيع خصوص وصف ليس في الانف وتفريق الجماعة هو ان  خصوص الوصف الكائن في التقطيع مرعى وملحوظ في استعارته لتفريق الجماعة بخلاف خصوص الوصف في المرسن. والحاصل ان التشبيه ههنا منظور بخلافة ثمة. فان قلت قد تقرر في غير هذا الفن ان جزء الماهية لا يختلف بالشدة والضعف فيكف يكون جامعا والجامع يجب ان يكون في المستعار منه اقوى. قلت امتناع الاختلاف انما هو في الماهية الحقيقية والمفهوم لا يجب ان يكون ماهية حقيقية بل قد يكون امرا مركبا من امور بعضها قابل للشدة والضعف فيصح كون الجامع داخلا في مفهوم الطرفين مع كونه في احد المفهومين اشد واقوى الا ترى ان السواد جزء من مفهوم الاسود اعني المركب من السواد والمحل مع اختلافه بالشدة والضعف

(واما غير داخل) عطف على اما داخل

(كما مر) من استعارة الاسد للرجل الشجاع والشمس للوجه المتهلل ونحو ذلك لظهور ان الشجاعة عارض للاسد لا داخل في مفهومه، وكذا التهلل للشمس.

(وايضا) للاستعارة تقسيم آخر باعتبار الجامع وهو انها

١١٥

(اما عامية وهى المبتذلة لظهور الجامع فيها نحو رأيت اسدا يرمى أو خاصية وهى الغريبة) التى لا يطلع عليها الا الخاصة الذين اوتو اذهنا به ارتفعوا عن طبقة العامة.

(والغرابة قد تكون في نفس الشبه) بان يكون تشبيها فيه نوع غرابة

(كما في قوله) في وصف الفرس بانه مؤدب وانه إذا نزل صاحبه عنه والقى عنانه في قربوس سرجه وقف مكانه إلى ان يعود إليه

(وإذا احتبى قربوسه) أي مقدم سرجه

(بعنانه، علك الشكيم إلى انصراف الزائر) الشكيم والشكيمة هي الحديدة المعترضة في فهم الفرس. واراد بالزائر نفسه شبه هيئة وقوع العنان في موقعه من قربوس السرج ممتدا إلى جانبى فم الفرس بهيئة وقوع الثوب في موقعه من ركبتي المحتبى ممتدا إلى جانبى ظهره ثم استعار الاحتباء وهو ان يجمع الرجل ظهره وساقيه يثوب أو غيره لوقوع العنان في قربوس السرج فجائت الاستعارة غريبة لغرابة التشبيه.

(وقد تحصل) أي الغرابة

(بتصرف في) الاستعارة

(العامية كما في قوله) اخذنا باطراف الاحاديث بيننا،

(وسالت باعناق المطى الاباطح) جمع ابطح وهو مسيل الماء فيه دقاق الحصى استعار سيلان السيول الواقعة في الاباطح لسير الابل سيرا حثيثا في غاية السرعة المشتملة على لين وسلاسة والشبه فيها ظاهر عامى لكن قد تصرف فيه بما افاد اللطف والغرابة

(إذ اسند الفعل) اعني سالت

(إلى الاباطح دون المطى) واعناقها حتى افاد انه امتلائت الاباطح من الابل كما في قوله تعالى واشتعل الرأس شيبا،

(أو ادخل الاعناق في السير) لان السرعة والبطؤ في سير الابل يظهر ان غالبا في الاعناق ويتبين امر هما في الهوادى وسائر الاجزاء تستند إليها في الحركة وتتبعها في الثقل والخفة.

(و) الاستعارة

(باعتبار الثلاثة) المستعار منه والمستعار له والجامع

(ستة اقسام). لان المستعار منه والمستعار له اما حسيان أو عقليان أو المستعار منه حسى والمستعار له عقلي أو بالعكس تصير اربعة والجامع في الثلاثة الاخيرة عقلي لا غير لما سبق في التشبيه لكنه في القسم الاول اما حسى أو عقلي أو مختلف فتصير ستة والى هذا اشار بقوله

(لان الطرفين ان كانا حسيين فالجامع اما حسى نحو قوله تعالى فاخرج لهم عجلا جسدا له خوار. فان المستعار منه ولد البقرة والمستعار له الحيوان الذى خلقه اللّه تعالى من حلى القبط) التى سبكتها نار السامري عند القائه في تلك الحلى التربة التى اخذها من موطى ء فرس جبريل عليه السلام.

(والجامع الشكل) فان ذلك الحيوان كان على شكل ولد البقرة

(والجميع) من المستعار منه والمستعار له والجامع

(حسى) أي مدرك بالبصر

١١٦

(واما عقلي نحو وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فان المستعار منه) معنى السلخ وهو

(كشط الجلد عن نحو الشاة والمستعار له كشف الضوء عن مكان الليل) وهو موضع القاء ظله

(وهما حسيان والجامع ما يعقل من ترتب امر على آخر) أي حصوله عقيب حصوله دائما أو غالبا كترتب ظهور اللحم على الكشط وترتب ظهور الظلمة على كشف الضوء عن مكان الليل والترتب امر عقلي. وبيان ذلك ان الظلمة هي الاصل والنور فرع طار عليها يسترها بضوئه فإذا غربت الشمس فقد سلخ النهار من الليل أي كشط وازيل كما يكشف عن الشئ الشئ الطارى عليه السا ؟ له فجعل ظهور الظلمة بعد ذهاب ضوء النهار بمنزلة ظهور المسلوخ بعد سلخ اهابه عنه وحينئذ صح قوله تعالى فإذا هم مظلمون، لان الواقع عقيب اذهاب الضوء عن مكان الليل هو الاظلام. واما على ما ذكر في المفتاح من ان المستعار له ظهور النهار من ظلمة الليل ففيه اشكال لان الواقع بعده انما هو الابصار دون الاظلام. وحاول بعضهم التوفيق بين الكلامين بحمل كلام صاحب المفتاح على القلب أي ظهور ظلمة الليل من النهار أو بان المراد من الظهور التمييز أو بان الظهور بمعنى الزوال كما في قول الحماسي وذلك عاريا ابن ريطة ظاهر. وفى قول ابى ذؤيب وتلك شكاة ظاهر عنك عارها. أي زائل وذكر العلامة في شرح المفتاح ان السلخ قد يكون بمعنى النزع مثل سلخت الاهاب عن الشاة. وقد يكون بمعنى الاخراج نحو سلخت الشاة عن الاهاب فذهب صاحب المفتاح إلى الثاني وصح قوله تعالى فإذا هم مظلمون بالفاء لان التراخي وعدمه مما يختلف باختلاف الامور والعادات وزمان النهار وان توسط بين اخراج النهار من الليل وبين دخول الظلام لكن لعظم شان دخول الظلام بعد اضائة النهار وكونه مما ينبغى ان يحصل الا في اضعاف ذلك الزمان من الليل عد الزمان قريبا وجعل الليل كأنه يفاجئهم عقيب اخراج النهار من الليل بلا مهلة. وعلى هذا حسن إذا المفاجاة كما يقال اخرج النهار من الليل ففاجاه دخول الليل. ولو جعلنا السلخ بمعنى النزع وقلنا نزع ضوء الشمس عن الهواء ففجاه الظلام لم يستقم أو لم يحسن كما إذا قلنا كسرت الكوز ففاجاه الانكسار فلا يجوز ذلك.

(واما مختلف) بعضه حسى وبعضه عقلي

(كقولك " رأيت شمسا " وانت تريد انسانا كالشمس في حسن الطلعة) وهى حسى

(ونباهة الشان) وهى عقلية

(والا) عطف على قوله وان كانا حسيين أي وان لم يكن الطرفان حسيين

(فهما) أي الطرفان

(اما عقليان نحو قوله تعالى من بعثنا من مرقدنا. فان المستعار منه الرقاد) أي النوم على ان يكون المرقد مصدرا ميميا وتكون الاستعارة اصلية أو على انه بمعنى المكان الا انه اعتبر التشبيه في المصدر لان المقصود بالنظر في اسم المكان وسائر المشتقات انما هو في المعنى القائم بالذات لا نفس الذات واعتبار التشبيه في المقصود الاهم اولى وستسمع لهذا زياده تحقيق في الاستعارة التبعية.

(والمستعار له الموت والجامع عدم ظهور الفعل والجميع عقلي). وقيل عدم ظهور الافعال في المستعار له اعني الموت اقوى. ومن شرط الجامع ان يكون المستعار منه اقوى فالحق ان الجامع هو البعث الذى هو في النوم اظهر واشهر واقوى لكونه مما لا شبهة فيه لاحد وقرينة الاستعارة هي كون هذا الكلام كلام الموتى مع قوله هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون.

(واما مختلفان) أي احد الطرفين حسى والآخر عقلي

(والحسى هو المستعار منه نحو قوله تعالى فاصدع بما تؤمر، فان المستعار منه كسر الزجاج وهو حسى والمستعار له التبليغ والجامع التأثير وهما عقليان) والمعنى ابن الامر ابانة أي لا تنمحي كما لا يلتئم صدع الزجاجة

(واما عكس ذلك) أي الطرفان مختلفان والحسى هو المستعار له

(نحو قوله تعالى انا لما طغى الماء حملناكم في الجارية. فان المستعار له كثرة الماء

١١٧

 

وهو حسى والمستعار منه التكثير والجامع الاستعلاء المفرط وهما عقليان و) الاستعارة

(باعتبار اللفظ) المستعار

(قسمان لانه) أي اللفظ المستعار

(ان كان اسم جنس) حقيقة أو تأويلا كما في الاعلام المشتهرة بنوع وصفية

(فاصلية) أي فالاستعارة اصلية

(كاسد) إذا استعير للرجل الشجاع

(وقتل) إذا استعير للضرب الشديد الاول اسم عين والثانى اسم معنى

(والافتبعية) أي وان لم يكن اللفظ المستعار اسم جنس فالاستعارة تبعية

(كالفعل وما يشتق منه) مثل اسمى الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وغير ذلك

(والحرف) وانما كانت تبعية لان الاستعارة تعتمد التشبيه والتشبيه يقتضى كون المشبه موصوفا بوجه الشبه أو بكونه مشاركا للمشبه به في وجه الشبه وانما يصلح للموصوفية الحقائق اي الامور المتقررة الثابتة كقولك جسم ابيض وبياض صاف دون معاني الافعال والصفات المشتقة منها لكونها متجددة غير متقررة بواسطة دخول الزمان في مفهوم الافعال وعروضه للصفات دون الحروف وهو ظاهر كذا ذكروه. وفيه بحث لان هذا الدليل بعد استقامته لا يتناول اسم الزمان والمكان والالة لانها تصلح للموصوفية وهم ايضا صرحوا بان المراد بالمشتقات هو الصفات دون اسم الزمان والمكان والالة فيجب ان تكون الاستعارة في اسم الزمان ونحو اصلية بان يقدر التشبيه في نفسه لا في مصدره وليس كذلك للقطع بانا إذا قلنا هذا مقتل فلان للموضع الذى ضرب فيه ضربا شديدا أو مرقد فلان لقبره فان المعنى على تشبيه الضرب بالقتل والموت بالرقاد وان الاستعارة في المصدر لا في نفس المكان بل التحقيق ان الاستعارة في الافعال وجميع المشتقات التى يكون القصد بها إلى المعاني القائمة بالذوات تبعية لان المصدر الدال على المعنى القائم بالذات هو المقصود الاهم الجدير بان يعتبر فيه التشبيه والا لذكرت الالفاظ الدالة على نفس الذوات دون ما يقوم بها من الصفات

(فالتشبيه في الاولين) أي في الفعل وما يشتق منه

(المعنى المصدر وفى الثالث) أي الحرف

(لمتعلق معناه) أي لما تعلق به معنى الحرف. قال صاحب المفتاح المراد بمتعلقات معاني الحروف ما يعبر بها عنها عند تفسير معانيها مثل قولنا من معناها ابتداء الغاية وفى معناها الظرفية وكى معناها الغرض فهذه ليست معاني الحروف والا لما كانت حروفا بل اسماءا لان الاسمية والحرفية انما هي باعتبار المعنى وانما هي متعلقات لمعانيها أي إذا افادت هذه الحروف معاني ترجع تلك المعاني إلى هذه بنوع استلزام. فقول المصنف في تمثيل متعلق معنى الحروف

(كالمجرور في قولنا زيد في نعمة) ليس بصحيح. وإذا كان التشبيه لمعنى المصدر ولمتعلق معنى الحروف

(فيقدر) التشبيه

(في نطقت الحال والحال ناطقة بكذا للدلالة بالنطق) أي يجعل دلالة الحال مشبها ونطق الناطق مشبها به ووجه الشبه ايضاح المعنى وايصاله إلى الذهن ثم يستعار للدلالة لفظ النطق ثم يشتق من النطق المستعار الفعل والصفة فتكون الاستعارة في المصدر اصلية وفى الفعل والصفة تبعية وان اطلق النطق وعلى الدلالة لا باعتبار التشبيه بل باعتبار ان الدلالة لازمة له يكون مجازا مرسلا. وقد عرفت انه لا امتناع في ان يكون اللفظ الواحد بالنسبة إلى المعنى الواحد استعارة ومجازا مرسلا باعتبار العلاقتين

(و) يقدر التشبيه

(في لام التعليل نحو قوله تعالى فالتقطه) أي موسى عليه السلام

(آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا للعداوة) أي يقدر التشبيه للعداوة

(والحزن) الحاصلين

(بعد الالتقاط بعلته) أي علة الالتقاط

(الغائية) كالمحبة والتبنى في الترتب على الالتقاط والحصول بعده ثم استعمل في العداوة والحزن ما كان حقه ان يستعمل في العلة الغائية فتكون الاستعارة فيها تبعا للاستعارة في المجرور. وهذا الطريق مأخوذ من كلام صاحب الكشاف ومبنى على ان متعلق معنى اللام هو المجرور على ما سبق. لكنه غير مستقيم على مذهب المصنف في الاستعارة المصرحة لان المتروك يجب ان يكون هو المشبه سواء كانت الاستعارة اصلية أو تبعية. وعلى هذا الطريق المشبه اعني العداوة والحزن مذكور لا متروك. بل تحقيق استعارة التبعية ههنا انه شبه ترتب العداوة والحزن على الالتقاط بترتب علته الغائية عليه ثم استعمل في المشبه اللام الموضوعة للمشبه به اعني ترتب علة الالتقاط الغائية على فجرت الاستعارة اولا في العلية والفرضية وتبعيتها في اللام كما مر في نطقت الحال فصار حكم اللام حكم الاسد حيث استعيرت لما يشبه العلية وصار متعلق معنى اللام هو العلية والفرضية لا المجرور على ما ذكره المصنف سهوا. وفى هذا المقام زيادة تحقيق اوردناها في الشرح

(ومدار قرينتها) أي قرينة الاستعارة التبعية

(في الاولين) أي في الفعل وما يشتق منه

(على الفاعل نحو نطقت الحال) بكذا فان النطق الحقيقي لا يسند إلى الحال

(أو المفعول نحو) جمع الحق لنا في امام

(قتل البخل واحى السماحا) فان القتل والاحياء الحقيقيين لا يتعلقان بالبخل والجود

١١٨

(ونحو نقريهم لهذميات نقد بها) ما كان خاط عليهم كل زراد. اللّهذم من الاسنة القاطع فاراد بلهذميات طعنات منسوبة إلى الاسنة القاطعة أو اراد نفس الاسنة والنسبة للمبالغة كاحمرى والقد القطع وزرد الدرع وسردها نسجها فالمفعول الثاني اعني لهذميات قرينة على ان نقريهم استعارة

(أو المجرور نحو فبشرهم بعذاب اليم،) فان ذكر العذاب قرينة على ان بشر استعارة تبعية تهكمية. وانما قال ومدار قرينتها على كذا لان القرينة لا تنحصر فيما ذكر بل قد تكون حالية كقولك قتلت زيدا إذا ضربته ضربا شديدا

(و) الاستعارة

(باعتبار آخر) غير اعتبار الطرفين والجامع. واللفظ

(ثلثة اقسام) لانها اما ان لم تقترن بشئ يلائم المستعار له والمستعار منه أو تقترن بما يلائم المستعار له أو تقترن بما يلائم المستعار منه. الاول

(مطلقة وهى ما لم تقترن بصفة ولا تفريع) أي تفريع كلام مما يلائم المستعار له والمستعار منه نحو عندي اسد

(والمراد) بالصفة

(المعنوية) التى هي معنى قائم بالغير

(لا النعت) النحوي الذى هو احد التوابع.

(و) الثاني

(مجردة وهى ما قرن بما يلائم المستعار له كقوله غمر الرداء) أي كثير العطاء استعار الرداء للعطاء لانه يصون عرض صاحبه كما يصون الرداء ما يلقى عليه.

ثم وصفه بالغمر الذى يناسب العطاء دون الرداء تجريدا للاستعارة والقرينة سياق الكلام اعني قوله

(إذا تبسم ضاحكا) أي شارعا في الضحك آخذا فيه. وتمامه غلقت بضحكته رقاب المال أي إذا تبسم غلقت رقاب امواله في ايدى السائلين. يقال غلق الرهن في يد المرتهن إذا لم يقدر على انفكاكه.

(و) الثالث

(مرشحة وهى ما قرن بما يلائم المستعار منه نحو اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم) استعير الاشتراء للاستبدال والاختيار. ثم فرع عليها ما يلائم الاشتراء من الربح والتجارة

(وقد يجتمعان) أي التجريد والترشيح

(كقوله لدى اسد شاكى السلاح) هذا تجريد لانه وصف بما يلائم المستعار له اعني الرجل الشجاع

١١٩

(مقذف له لبد اظفاره لم تقلم) هذا ترشيح لان هذا الوصف مما يلائم المستعار منه اعني الاسد الحقيقي. واللبد جمع لبدة وهى ما تلبد من شعر الاسد على منكبيه والتقليم مبالغة القلم وهو القطع

(والترشيح ابلغ) من الاطلاق والتجريد ومن جمع التجريد والترشيح

(لا شتماله على تحقيق المبالغة) في التشبيه لان في الاستعارة مبالغة في التشبيه فترشيحها بما يلائم المستعار منه تحقيق ذلك وتقوية له

(ومبناه) أي مبنى الترشيح

(على تناسى التشبيه) وادعاء ان المستعار له نفس المستعار منه لا شئ شبيه به

(حتى انه يبنى على علو القدر) الذى يستعار له علو المكان

(ما يبنى على علو المكان كقوله ويصعد حتى يظن الجهول بان له حاجة في السماء) استعار الصعود لعلو القدر والارتقاء في مدارج الكمال ثم بنى عليه ما يبنى على علو المكان والارتقاء إلى السماء من ظن الجهول ان له حاجة في السماء. وفي لفظ الجهول زيادة مبالغة في المدح لما فيه من الاشارة إلى ان هذا انما يظنه الجهول واما العاقل فيعرف انه لا حاجة له في السماء لا تضافه بسائر الكمالات. وهذا المعنى مما خفى على بعضهم فتوهم ان في البيت تقصيرا في وصف علوه حيث اثبت هذا الظن للكامل الجهل بمعرفة الاشياء

(ونحو) أي مثل البناء على علو القدر ما يبنى على علو المكان لمتناسى التشبيه

(ما مر من التعجب) في قوله قامت تظللنى ومن عجب شمس تظللنى من الشمس

(والنهى عنه) أي عن التعجب في قوله لا تعجبوا من بلى غلالته قد زر ازراره على القمر. إذ لو لم يقصد تناسى التشبيه وانكاره لما كان للتعجب والنهى عنه جهة على ما سبق، ثم اشار إلى زيادة تقرير لهذا الكلام فقال

(وإذا جاز البناء على الفرع) أي المشبه به

(من الاعتراف بالاصل) أي المشبه. وذلك لان الاصل في التشبيه وان كان هو المشبه به من جهة انه اقوى واعرف الا ان المشبه هو الاصل من جهة ان الغرض يعود إليه وانه المقصود في الكلام بالنفى والاثبات

(كما في قوله هي الشمس مسكنها في السماء فعز) امر من عزاه حمله على العزاء وهو الصبر

(الفؤاد عزاء جميلا فلن تسطتيع) انت

(إليها) أي إلى الشمس الصعود ولن تستطيع الشمس

(اليك النزولا) والعامل في إليها واليك هو المصدر بعد هما ان جوزنا تقديم الظرف على المصدر والا فمحذوف يفسره الظاهر. فقوله هي الشمس تشبيه لا استعارة وفى التشبيه اعتراف بالمشبه ومع ذلك فقد بنى الكلام على المشبه به اعني الشمس وهو واضح. فقوله وإذا جاز البناء شرط جوابه قوله

(فمع جحده) أي جحد الاصل كما في الاستعارة البناء على الفرع

(اولى) بالجواز لانه قد طوى فيه ذكر المشبه اصلا وجعل الكلام خلوا عنه ونقل الحديث إلى المشبه به. وقد وضع في بعض اشعار العجم النهى عن التعجب من التصريح باداة التشبيه. وحاصله لا تعجبوا من قصر ذوائبه فانها كالليل ووجهه كالربيع والليل في الربيع مائل إلى القصر. وفى هذا المعنى من الغرابة والملاحة بحيث لا يخفى.

(واما) المجاز

(المركب فهو اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الاصلى) أي بالمعنى الذى يدل عليه ذلك اللفظ بالمطابقة

(تشبيه التمثيل) وهو ما يكون وجهه منتزعا من متعدد واحترز بهذا على الاستعارة في المفرد

(للمبالغة) في التشبيه

(كما يقال للمتردد في امر انى اراك تقدم رجلا وتؤخر اخرى) شبه صورة تردده في ذلك الامر بصورة تردد من قام ليذهب فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلا وتارة لا يريد فيؤخر اخرى. فاستعمل في الصورة الاولى الكلام الدال بالمطابقة على الصورة الثانية ووجه الشبه وهو الاقدام تارة والاحجام اخرى منتزع من عدة امور كما ترى.

(وهذا) المجاز المركب

(يسمى التمثيل) لكون وجهه منتزعا من متعدد

(على سبيل الاستعارة) لانه قد ذكر فيه المشبه به واريد المشبه كما هو شان الاستعارة.

(وقد يسمى التمثيل مطلقا) من غير تقييد بقولنا على سبيل الاستعارة ويمتاز عن التشبيه بان يقال له تشبيه تمثيل أو تشبيه تمثيلي. وفى تخصيص المجاز المركب بالاستعارة نظر لانه كما ان المفردات موضوعة بحسب الوضع الشخصي فالمركبات موضوعة بحسب النوع فإذا استعمل المركب في غير ما وضع له فلابد من ان يكون ذلك بعلاقة فان كانت هي المشابهة فاستعارة والا فغير استعارة وهو كثير في الكلام كالجمل الخبرية التى لم تستعمل في الاخبار

(ومتى فشا استعماله) أي المجاز المركب

١٢٠

(كذلك) أي على سبيل الاستعارة

(يسمى مثلا ولهذا) أي ولكون المثل تمثيلا فشا استعماله على سبيل الاستعارة

(لا تغير الامثال) لان الاستعارة يجب ان يكون لفظ المشبه به المستعمل في المشبه. فلو غير المثل لما كان لفظ المشبه به بعينه فلا يكون استعارة فلا يكون مثلا. ولهذا لا يلتفت في الامثال إلى مضاربها تذكيرا وتأنيثا وافرادا وتثنية وجمعا بل انما ينظر إلى مواردها كما يقال للرجل بالصيف ضعيت اللبن بكسر تاء الخطاب لانه في الاصل للامرأة.

فصل

فصل في بيان الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية. ولما كانتا عند المصنف امرين معنويين غير داخلين في تعريف المجاز اورد لهما على حدة ليستو في المعاني التى يطلق عليها لفظ الاستعارة فقال

(قد يضمر التشبيه في النفس فلا يصرح بشئ من اركانه سوى المشبه) واما وجوب ذكر المشبه به فانما هو في التشبيه المصطلح عليه، وقد عرفت انه غير الاستعارة بالكناية.

(ويدل عليه) أي على ذلك التشبيه المضمر في النفس

(بان يثبت للمشبه امر مختص بالمشبه به) من غير ان يكون هناك امر متحقق حسا أو عقلا يطلق عليه اسم ذلك الامر

(فيسمى التشبيه) المضمر في النفس

(استعارة بالكناية أو مكنيا عنها) اما الكناية فلانه لم يصرح به بل انما دل عليه بذكر خواصه ولوازمه واما الاستعارة فمجرد تسمية خالية عن المناسبة

(و) يسمى

(اثبات ذلك الامر) المختص بالمشبه به

(للمشبه استعارة تخييلية) لانه قد استعير للمشبه ذلك الامر الذى يختص المشبه به وبه يكون كمال المشبه به أو قوامه في وجه الشبه ليخيل ان المشبه من جنس المشبه به

(كما في قول الهذلى وإذا المنية انشب) أي علقت

(اظفارها) الفيت كل تميمة لا تنفع. التميمة الخرزة التى تجعل معاذة أي تعويذا أي إذا علق الموت مخلبه في شئ ليذهب به بطلت عنده الحيل

(شبه) الهذلى في نفسه

(المنية بالسبع في اغتيال النفوس بالقهر والغلبة من غير تفرقة بين نفاع وضرار) ولا رقة لمرحوم ولا بقيا على ذى فضيلة

(فاثبت لها) أي للمنية

(الاظفار التى لا يكمل ذلك) الاغتيال

(فيه) أي في السبع

(بدونها) تحقيقا للمبالغة في التشبيه. فتشبيه المنية بالسبع استعارة بالكناية واثبات الاظفار لها استعارة تخييلية

(وكما في قول الاخر ولئن نطقت بشكر برك مفصحا، فلسان حالى بالشكاية انطق.  شبه الحال بانسان متكلم في الدلالة على المقصود) وهو استعارة بالكناية

(فاثبت لها) أي للحال

(اللسان الذى به قوامها) أي قوام الدلالة

(فيه) أي في الانسان المتكلم. وهذا الاثبات استعارة تخييلية، فعلى هذا كل من لفظي الاظفار والمنية حقيقة مستعملة في معناها الموضوع له وليس في الكلام مجاز لغوى. والاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية فعلان من افعال المتكلم متلا زمان إذ التخييلية يجب ان تكون قرينة للمكنية البتة والمكنية يجب ان تكون قرينتها تخييلية البتة فمثل قولنا اظفار المنية المشبهة بالسبع اهلكت فلانا يكون ترشيحا للتشبيه كما ان اطولكن في قوله عليه السلام اسرعكن لحوقابى اطولكن يدا أي نعمة ترشيح للمجاز. هذا ولكن تفسير الاستعارة بالكناية بما ذكره المصنف شئ لا مستند له في كلام السلف ولا هو مبنى على مناسبة لغوية ومعناها المأخوذ من كلام السلف هو ان لا يصرح بذكر المستعار بل بذكر رديفه ولازمه الدال عليه فالمقصود بقولنا اظفار المنية استعارة السبع للمنية كاستعارة الاسد للرجل الشجاع. الا انا لم نصرح بذكر المستعار اعني السبع بل اقتصرنا على ذكر لازمه وهو الاظفار لينتقل منه إلى المقصود كما هو شان الكناية فالمستعار هو لفظ السبع الغير المصرح به والمستعار منه هو الحيوان المفترس والمستعار له هو المنية. قال صاحب الكشاف ان من اسرار البلاغة ولطائفها ان يسكتوا عن ذكر الشئ المستعار ثم يرمزوا إليه بذكر شئ من روادفه فينبهوا بذلك الرمز على مكانه نحو شجاع يفترس افتراسة. ففيه تنبيه على ان الشجاع اسد. هذا كلامه وهو صريح في ان المستعار هو اسم المشبه به المتروك صريحا المرموز إليه بذكر لوازمه، وسيجئ الكلام على ما ذكره السكاكى

(وكذا قول زهير صحا) أي سلا مجازا من الصحو خلاف السكر

(القلب عن سلمى واقصر باطله،).

يقال اقصر عن الشئ إذا اقلع عنه أي تركه وامتنع عنه أي امتنع باطله عنه وتركه بحاله

(وعرى افراس الصبا ورواحله اراد) زهير

(ان يبين انه ترك ما كان يرتكبه زمن المحبة من الجهل والغى واعرض عن معاودته فبطلت آلاته) الضمير في معاودته وآلاته لما كان يرتكبه

(فشبه) زهير في نفسه

(الصبا بجهة من جهات المسير كالحج والتجارة قضى منها) أي من تلك الجهة

١٢١

(الوطر فاهملت آلاتها) ووجه الشبه الاشتغال التام وركوب المسالك الصعبة فيه غير مبال بمهلكة ولا محترز عن معركة، وهذا التشبيه المضمر في النفس استعارة بالكناية.

(فاثبت له) أي للصبا بعض ما يختص تلك الجهة اعني

(الافراس والرواحل) التى بها قوام جهة المسير والسفر. فاثبات الافراس والرواحل استعارة

(فالصبا) على هذا التقدير

(من الصبوة بمعنى الميل إلى الجهل والفتوة) يقال صبا يصبو صبوا أي مال إلى الجهل والفتوة كذا في الصحاح لامن الصباء بالفتح والمد يقال صبى صباء مثل سمع سماعا أي لعب مع الصبيان.

(ويحتمل انه) أي زهير

(اراد) بالافراس والرواحل

(دواعى النفوس وشهواتها والقوى الحاصلة لها في استيفاء اللذات أو اراد بها الاسباب التى قلما تتاخذ في اتباع الغى الا اوان الصبا) وعنفوان الشباب مثل المال والمنال والاخوان والاعوان

(فتكون الاستعارة) أي استعارة الافراس والرواحل

(تحقيقية) لتحقق معناها عقلا إذا اريد بهما الدواعى وحسا إذا اريد بهما اسباب اتباع الغى من المال والمنال مثل المصنف امثلة الاول ما تكون التخييلية اثبات ما به كمال المشبه به والثانى ما تكون اثبات ما به قوام المشبه به والثالث ما يحتمل التخييلية والتحقيقية.

فصل

(فصل) في مباحث من الحقيقة والمجاز والاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية وقعت في المفتاح مخالفة لما ذكره المصنف والكلام عليها

(عرف السكاكى الحقيقة اللغوية) أي غير العقلية

(بالكلمة المستعملة فيما وضعت هي له من غير تأويل في الوضع واحترز بالقيد الاخير) وهو قوله من غير تأويل في الوضع

(عن الاستعارة على اصح القولين) وهو القول بان الاستعارة مجاز لغوى لكونها مستعملة في غير الموضوع له الحقيقي فيجب الاحتراز عنها، واما على القول بانها مجاز عقلي واللفظ مستعمل في معناه اللغوى فلا يصح الاحتراز عنها

(فانها) أي انما وقع الاحتراز بهذا القيد عن الاستعارة لانها

(مستعملة فيما وضعت له بتأويل) وهو ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به بجعل افراده قسمين متعارفا وغير متعارف.

(وعرف) السكاكى

(المجاز اللغوى بالكلمة) في غير ما هي موضوعة له بالتحقيق استعمالا في الغير بالنسبة إلى نوع حقيقتها مع قرينة مانعة عن ارادة معناها في ذلك النوع. وقوله بالنسبة متعلق بالغير واللام في الغير للعهد أي المستعملة في معنى غير المعنى الذى الكلمة موضوعة له في اللغة أو الشرع غيرا بالنسبة إلى نوع حقيقة تلك الكلمة حتى لو كان نوع حقيقتها لغويا يكون الكلمة قد استعملت في غير معناها اللغوى فيكون مجازا لغويا. وعلى هذا القياس ولما كان هذا القيد بمنزلة قولنا في اصطلاح به التخاطب مع كون هذا اوضح وادل على المقصود اقام المصنف مقام اخذا بالحاصل من كلام السكاكى فقال

(في غير ما وضعت له بالتحقيق في اصطلاح به التخاطب مع قرينة مانعة عن ارادته) أي ارادة معناها في ذلك الاصطلاح.

(واتى) السكاكى

(بقيد التحقيق) حيث قال موضوعة له بالتحقيق

(لتدخل) في تعريف المجاز

(الاستعارة) التى هي مجاز لغوى

(على ما مر) من انها مستعملة فيما وضعت له بالتأويل لا بالتأويل لا بالتحقيق، فلو لم يقيد الوضع بالتحقيق لم تدخل هي في التعريف لانها ليست مستعملة في غير ما وضعت له بالتأويل. وظاهر عبارة صاحب المفتاح ههنا فاسد لانه قال وقولى بالتحقيق احتراز عن ان لا تخرج الاستعارة وظاهر ان الاحتراز انما هو عن خروج الاستعارة لا عن عدم خروجها فيجب ان تكون لا زائدة لا زائدة أو يكون المعنى احترازا لئلا تخرج الاستعارة

(ورد) ما ذكره السكاكى

(بان الوضع) وما يشتق منه كالموضوعة مثلا

(إذا اطلق لا يتناول الوضع بتأويل). لان السكاكى نفسه قد فسر الوضع بتعيين اللفظ بازاء المعنى بنفسه وقال وقولى بنفسه احتراز عن المجاز المعين بازاء معناه بقرينة ولا شك ان دلالة الاسد على الرجل الشجاع انما هو بالقرينة فحينئذ لا حاجة إلى تقييد ذلك الوضع في تعريف الحقيقة بعدم التأويل وفى تعريف المجاز بالتحقيق. اللّهم الا ان يقصد زيادة الايضاح لا تتميم الحد. ويمكن الجواب بان السكاكى لم يقصد ان مطلق الوضع بالمعنى الذى ذكره يتناول الوضع بالتأويل بل مراده انه قد عرض للفظ الوضع اشتراك بين المعنى المذكور وبين الوضع بالتأويل كما في الاستعارة فقيده بالتحقيق ليكون قرينة على ان المراد بالوضع معناه المذكور لا المعنى الذى يستعمل فيه احيانا وهو الوضع بالتأويل. وبهذا يخرج الجواب عن سؤال آخر وهو ان يقال لو سلم تناول الوضع للوضع بالتأويل فلا تخرج الاستعارة ايضا لانه يصدق عليها انها مستعملة في غير ما وضعت له في الجملة اعني الوضع بالتحقيق إذ غاية ما في الباب ان الوضع يتناول الوضع بالتحقيق والتأويل لكن لا جهة لتخصيصه بالوضع بالتأويل فقط حتى تخرج الاستعارة البتة.

(و) رد ايضا ما ذكره

(بان التقييد باصطلاح به التخاطب) أو ما يؤدى معناه

(كما لابد منه في تعريف المجاز) ليدخل فيه نحو لفظ الصلاة إذا استعمله الشارع في الدعاء مجازا كذلك

(لابد منه في تعريف الحقيقة) ايضا ليخرج عنه نحو هذا اللفظ لانه مستعمل فيما وضع له في الجملة وان لم يكن ما وضع له في هذا الاصطلاح. ويمكن الجواب بان قيد الحيثية مراد في تعريف الامور التى تختلف باختلاف الاعتبارات والاضافات. ولا يخفى ان الحقيقة والمجاز كذلك لان الكلمة الواحدة بالنسبة إلى المعنى الواحد قد تكون حقيقة وقد تكون مجازا بحسب وضعين مختلفين فالمراد ان الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما هي موضوعة له من حيث انها موضوعة له لا سيما ان تعليق الحكم بالوصف مفيد لهذا المعنى كما يقال الجواد لا يخيب سائله أي من حيث انه جواد. وحينئذ يخرج عن التعريف مثل لفظ الصلاة المستعمل في عرف الشرع في الدعاء لان استعماله في الدعاء ليس من حيث انه موضوع الدعاء بل من حيث ان الدعاء جزء من الموضوع له، وقد يجاب بان قيد اصطلاح به التخاطب مراد في تعريف الحقيقة لكنه اكتفى بذكره في تعريف المجاز لكون البحث عن الحقيقة غير مقصود بالذات في هذا الفن وبان اللام في الوضع للعهد أي الواضع الذى وقع به التخاطب فلا حاجة إلى هذا القيد وفى كليهما نظر. واعترض ايضا على تعريف المجاز بانه يتناول الغلط لآن الفرس في خذ هذا الفرس مشيرا إلى كتاب بين يديه مستعمل في غير ما وضع له والاشارة إلى الكتاب قرينة على انه لم يرد بالفرس معناه الحقيقي.

١٢٢

(وقسم) السكاكى

(المجاز اللغوى) الراجع إلى معنى الكلمة المتضمن للفائدة

(إلى الاستعارة وغيرها) بانه ان تضمن المبالغة في التشبيه فاستعارة والا فغير استعارة

(وعرف) السكاكى

(الاستعارة بان تذكر احد طرفي التشبيه وتريد به) أي بالطرف المذكور

(الآخر) أي الطرف المتروك

(مدعيا دخول المشبه في جنس المشبه به) كما تقول في الحمام اسد وانت تريد به الرجل الشجاع مدعيا انه من جنس الاسد فتثبت له ما يختص السبع المشبه به وهو اسم جنسه وكما تقول انشبت المنية اظفارها وانت تريد بالمنية السبع بادعاء السبعية لها فتثبت لها ما يختص السبع المشبه به وهو الاظفار ويسمى المشبه به سواء كان هو المذكور أو المتروك مستعارا منه ويسمى اسم المشبه به مستعارا ويسمى المشبه بالمشبه به مستعارا له.

(وقسمها) أي الاستعارة

(إلى المصرح بها والمكنى عنها وعنى بالمصرح بها ان يكون) الطرف

(المذكور) من طرفي التشبيه

(هو المشبه به وجعل منها) أي من الاستعارة المصرح بها

(تحقيقية وتخييلية). وانما لم يقل قسمها اليهما لان المتبادر إلى الفهم من التحقيقية والتخييلية ما يكون على الجزم وهو قد ذكر قسما آخر سماه المحتملة للتحقيق والتخييل كما ذكر في بيت زهير

(وفسر التحقيقية بما مر) أي بما يكون المشبه المتروك متحققا حسا أو عقلا

(وعد التمثيل) على سبيل الاستعارة كما في قولك انى اراك تقدم رجلا وتؤخر اخرى.

(منها) أي من التحقيقية حيث قال في قسم الاستعارة المصرح بها التحقيقية مع القطع ومن الامثلة استعارة وصف احدى صورتين منتزعتين من امور لوصف صورة اخرى.

(ورد) ذلك

(بانه) أي التمثيل

(مستلزم للتركيب المنافى للافراد) فلا يصح عده من الاستعارة التى هي من اقسام المجاز المفرد لان تنافى اللوازم يدل على تنافى الملزومات والا لزم اجتماع المتنافيين ضرورة وجود اللازم عند وجود الملزوم والجواب انه عد التمثيل قسما من مطلق الاستعارة التصريحية التحقيقية لا من الاستعارة التى هي مجاز مفرد وقسمة المجاز المفرد إلى الاستعارة وغيرها لا توجب كون كل استعارة مجازا مفردا كقولنا الابيض اما حيوان أو غيره والحيوان قد يكون أبيض وقد لا يكون على ان لفظ المفتاح صريح في ان المجاز الذى جعله منقسما إلى اقسام ليس هو المجاز المفرد المفسر بالكملة المستعملة في غير ما وضعت له لانه قال بعد تعريف المجاز ان المجاز عند السلف قسمان لغوى وعقلي واللغوى قسمان راجع إلى معنى الكلمة وراجع إلى حكم الكلمة والراجع إلى المعنى قسمان خال عن الفائدة ومتضمن لها والمتضمن للفائدة قسمان استعارة وغير استعارة وظاهر ان المجاز العقلي والراجع إلى حكم الكلمة خارجان عن المجاز بالمعنى المذكور فيجب ان يريد بالراجع إلى معنى الكلمة اعم من المفرد والمركب ليصح الحصر في القسمين. واجيب بوجوه آخر

الاول ان المراد بالكلمة اللفظ الشامل للمفرد والمركب نحو كلمة اللّه

والثانى انا لا نسلم ان التمثيل يستلزم التركيب بل هو استعارة مبنية على التشبيه التمثيلي وهو قد يكون طرفاه مفردين كما في قوله تعالى. مثلهم كمثل الذى استوفد نارا الاية. والثالث ان اضافة الكلمة إلى شئ أو تقييدها واقترانها بالف شئ لا يخرجها عن أي تكون كلمة فالاستعارة في مثل انى اراك تقدم رجلا وتؤخر اخرى هو التقديم المضاف إلى الرجل المقترن بتأخيره اخرى والمستعار له هو التردد فهو كلمة في غير ما وضعت له. وفى الكل نظر اوردناه في الشرح

(وفسر) السكاكى الاستعارة

(التخييلية بما لا تحقق لمعناه حسا ولا عقلا بل هو) أي معناه

(صورة وهمية محضة) لايشعر بها شئ من التحقق العقلي أو الحسى

(كلفظ الاظفار في قول الهذلى) وإذا المنية انشبت اظفارها * الفيت كل تميمة لا تنفع

(فانه لما شبه المنية بالسبع في الاغتيال اخذ الوهم في تصويرها) أي المنية

(بصورته) أي السبع

(واختراع لوازمه لها) أي لوازم السبع للمنية وعلى الخصوص ما يكون قوام اغتيال السبع للنفوس به

(فاخترع لها) أي للمنية صورة

(مثل صورة الاظفار) المحققة

(ثم اطلق عليه) أي على ذلك المثل اعني الصورة التى هي مثل صورة الاظفار

(لفظ الاظفار) فيكون استعارة تصريحية لانه قد اطلق اسم المشبه به وهو الاظفار المحققة على المشبه وهو صورة وهمية شبيهة بالسبع فصرح بالتشبيه لتكون الاستعار في الاظفار فقط من غير استعارة بالكناية في المنية. وقال المصنف انه بعيد جدا لا يوجد له مثال في الكلام.

(وفيه) أي في تفسير التخييلية بما ذكره

(تعسف) أي اخذ على غير الطريق لما فيه من كثرة الاعتبارات التى لا تدل عليها دليل ولا تمس إليها حاجة وقد يقال ان التعسف فيه هو انه لو كان الامر كما زعم لوجب ان تسمى هذه الاستعارة توهمية لا تخييلية. وهذا في غاية السقوط لانه يكفى في التسمية ادنى مناسبة على انهم يسمون حكم الوهم تخييلا ذكر في الشعاء ان القوة المسماة بالوهم هي الرئيسة الحاكمة في الحيوان حكما غير عقلي ولكن حكما تخييليا

(ويخالف) تفسيره للتخييلية بما ذكره

(تفسير غيره لها) أي غير السكاكى للتخييلية

(بجعل الشئ للشئ) كجعل اليد للشمال وجعل الاظفار للمنية. قال الشيخ عبد القاهر انه لا خلاف في ان اليد استعارة ثم انك لا تستطيع ان تزعم ان لفظ اليد قد نقل عن شئ إلى شئ إذ ليس المعنى على انه شبه شيئا باليد بل المعنى على انه اراد ان يثبت للشمال يداء ولبعضهم في هذا المقام كلمات واهية بينا فسادها في الشرح. نعم نتيجته ان يقال ان صاحب المفتاح في هذا الفن خصوصا في مثل هذه الاعتبارات ليس بصدد التقليد لغيره حتى يعترض عليه بان ما ذكره هو مخالف لما ذكره غيره.

(ويقتضى) ما ذكره السكاكى في التخييلية

(ان يكون الترشيح) استعارة

(تخييلية للزوم مثل ما ذكره) السكاكى في التخييلية من اثبات صورة وهمية

(فيه) أي في الترشيح لان في كل من التخييلية والترشيح اثبات بعض ما يخص المشبه به للمشبه فكما اثبت للمنية التى هي المشبه ما يخص السبع الذى هو المشبه به من الاظفار كذلك اثبت لاختيار الضلالة على الهدى الذى هو المشبه ما يخص المشبه به الذى هو الاشتراء الحقيقي من الربح والتجارة فكما اعتبر هنا لك صورة وهمية شبيهة بالاظفار فليعتبر ههنا ايضا امر وهمى شبيه بالتجارة وآخر شبيه بالربح ليكون استعمال الربح والتجارة بالنسبة اليهما استعارتين تخييليتين إذ لا فرق بينهما الا بان التعبير عن المشبه الذى اثبت له ما يخص المشبه به كالمنية مثلا في التخييلية بلفظ الموضوع له كلفظ المنية وفى الترشيح بغير لفظه كلفظ الاشتراء المعبر به عن الاختيار والاستبدال الذى هو المشبه مع ان لفظ الاشتراء ليس بموضوع له. وهذا الفرق لا يوجب اعتبار المعنى المتوهم في التخييلية وعدم اعتباره في الترشيح فاعتباره في احدهما دون الاخر تحكم. والجواب ان الامر الذى هو من خواص المشبه به لما قرن في التخييلية بالمشبه كالمنية مثلا جعلناه مجازا عن امر متوهم يمكن اثابته للمشبه وفى الترشيح لما قرن بلفظ المشبه به لم يحتج إلى ذلك لان المشبه به جعل كأنه هو هذا المعنى مقارنا للوازمه وخواصه حتى ان المشبه به في قولنا رأيت اسدا يفترس اقرانه وهو الاسد الموصوف بالافتراس الحقيقي من غير احتياج إلى توهم صورة واعتبار مجاز في الافتراس بخلاف ما إذا قلنا رأيت شجاعا يفترس اقرانه فانا نحتاج إلى ذلك ليصح اثباته للشجاع فليتأمل ففى الكلام دقة ما.

(وعنى بالمكنى عنها) أي اراد السكاكى بالاستعارة المكنى عنها

(ان يكون) الطرف

(المذكور) من طرفي التشبيه

(هو المشبه) ويراد به المشبه به

(على ان المراد بالمنية) في مثل انشبت المنية اظفارها هو

(السبع بادعاء السبعية لها) وانكار ان يكون شيئا غير السبع

(بقرينة اضافة الاظفار) التى هي من خواص السبع

(إليها) أي إلى المنية فقد ذكر المشبه وهو المنية واراد به المشبه به وهو السبع فالاستعارة بالكناية لا تنفك عن التخييلية بمعنى انه لا توجد استعارة بالكناية بدون الاستعارة التخييلية لان في اضافة خواص المشبه به إلى المشبه استعاره تخييلية.

(ورد) ما ذكره من تفسير الاستعارة المكنى عنها

(بان لفظ المشبه فيها) أي في الاستعارة بالكناية كلفظ المنية مثلا

(مستعمل فيما وضع له تحقيقا) للقطع بان المراد بالمنية هو الموت لا غير

(والاستعارة ليست كذلك) لانه قد فسرها بان تذكر احد طرفي التشبيه وتريد به الطرف الاخر ولما كان ههنا مظنة سؤال وهو انه لو اريد بالمنية معناها الحقيقي فما معنى اضافة الاظفار إليها اشار إلى جوابة بقوله

(واضافة نحو الاظفار قرينة التشبيه) المضمر في النفس يعنى تشبيه المنية بالسبع وكان هذا الاعتراض من اقوى اعتراضات المصنف على السكاكى. وقد يجاب عنه بانه وان صرح بلفظ المنية الا ان المراد به السبع ادعاءا كما اشار إليه في المفتاح من انا نجعل ههنا اسم المنية اسما للسبع مرادفا له بان ندخل المنية في جنس السبع للمبالغة في التشبيه بجعل افراد السبع قسمين متعارفا وغير متعارف ثم يخيل ان الواضع كيف يضع اسمين كلفظي المنية والسبع لحقيقة واحدة ولا يكونان مترادفين فيتأتى لنا بهذا الطريق دعوى السبعية للمنية مع التصريح بلفظ المنية. وفيه نظر لان ما ذكره لا يقتضى كون المراد بالمنية غير ما وضعت له بالتحقيق حتى يدخل في تعريف الاستعارة للقطع بان المراد بها الموت، وهذا اللفظ موضوع له بالتحقيق وجعله مرادفا للفظ السبع بالتأويل المذكور لا يقتضى ان يكون استعماله في الموت استعارة. ويمكن الجواب بانه قد سبق ان قيد الحيثية مراد في تعريف الحقيقة أي هي الكلمة المستعملة فيما هي موضوعة له بالتحقيق ولا نسلم ان استعمال لفظ المنية في الموت مثل اظفار المنية استعمال فيما وضع له بالتحقيق من حيث انه موضوع له بالتحقيق في مثل قولنا دنت منية فلان بل من حيث ان الموت جعل من افراد السبع الذى لفظ المنية موضوع له بالتأويل. وهذا الجواب وان كان مخرجا له عن كونه حقيقة الا ان تحقيق كونه مجازا أو مرادا به الطرف الاخر غير ظاهر بعد

(واختار) السكاكى

(رد) الاستعارة

(التبعية) وهى ما تكون في الحروف والافعال وما يشتق منها

(إلى) الاستعارة

(المكنى عنها بجعل قرينتها) أي قرينة التبعية استعارة مكنيا عنها

١٢٣

(و) جعل الاستعارة

(التبعية قرينتها) أي قرينة الاستعارة المكنى عنها

(على نحو قوله) أي قول السكاكى

(في المنية واظفارها) حيث جعل المنية استعارة بالكناية واضافة الاظفار إليها قرينتها ففى قولنا نطقت الحال بكذا جعل القوم نطقت استعارة عن دلت بقرينة الحال والحال حقيقة وهو يجعل الحال استعارة بالكناية عن المتكلم ونسبة النطق إليها قرينة الاستعارة وهكذا في قوله نقريهم لهذميات بجعل اللّهذميات استعارة بالكناية عن المطعومات الشهية على سبيل التهكم ونسبة القرى إليها قرينة الاستعارة، وعلى هذا القياس وانما اختار ذلك ايثارا للضبط وتقليلا للاقسام.

(ورد) ما اختاره السكاكى

(بانه ان قدر التبعية) كنطقت في نطقت الحال بكذا

(حقيقة) بان يراد بها معناها الحقيقي

(لم تكن) التبعية استعارة

(تخييلية لانها) أي التخييلية

(مجاز عنده) أي عند السكاكى لانه جعلها من اقسام الاستعارة المصرح بها المفسرة بذكر المشبه به وارادة المشبه الا ان المشبه فيها يجب ان يكون مما لا تحقق لمعناه حسا ولا عقلا بل وهما فتكون مستعملة في غير ما وضعت له بالتحقيق فتكون مجازا وإذا لم تكن التبعية تخييلية

(فلم تكن) الاستعارة

(المكنى عنها مستلزمة للتخييلية) بمعنى انها لا توجد بدون التخييلية. وذلك لان المكنى عنها قد وجدت بدون التخييلية في مثل نطقت الحال بكذا على هذا التقدير.

(وذلك) أي عدم استلزام المكنى عنها للتخييلية

(باطل بالاتفاق) وانما الخلاف في ان التخييلية هل تستلزم المكنى عنها فعند السكاكى لا تستلزم كما في قولنا اظفار المنية الشبيهة بالسبع. وبهذا ظهر فساد ما قيل ان مراد السكاكى بقوله لا تنفك المكنى عنها عن التخييلية ان التخييلية مستلزمة للمكنى عنها لا على العكس كما فهمه المصنف. نعم يمكن ان ينازع في الاتفاق على استلزام المكنى عنها للتخييلية لان كلام الكشاف مشعر بخلاف ذلك. وقد صرح في المفتاح ايضا في بحث المجاز العقلي بان قرينة المكنى عنها قد تكون امرا وهميا كاظفار المنية وقد تكون امرا محققا كالانبات في انبت الربيع البقل والهزم في هزم الامير الجند الا ان هذا لا يدفع الاعتراض عن السكاكى لانه قد صرح في المجاز العقلي بان نطقت في نطقت الحال بكذا امر وهمى جعل قرينة للمكنى عنها وايضا فلما جوز وجود المكنى عنها بدون التخييلية كما في انبت الربيع البقل ووجود التخييلية بدونها كما في اظفار المنية الشبيهة بالسبع فلا جهة لقوله ان المكنى عنها لا تنفك عن التخييلية

(والا) أي وان لم تقدر التبعية التى جعلها السكاكى قرينة المكنى عنها حقيقة بل قدرها مجاز

(فتكون) التبعية كنطقت الحال مثلا

(استعارة) ضرورة انه مجاز علاقته المشابهة والاستعارة في الفعل لا تكون الا تبعية فلم يكن ما ذهب إليه السكاكى من رد التبعية إلى المكنى عنها

(مغنيا عما ذكره غيره) من تقسيم الاستعارة إلى التبعية وغيرها لانه اضطر آخر الامر إلى القول بالاستعارة التبعية. وقد يجاب بان كل مجاز تكون علاقته المشابهة لا يجب ان يكون استعارة لجواز ان يكون له علاقة اخرى باعتبارها وقع الاستعمال كما بين النطق والدلالة فانها لازمة للنطق بل انما يكون استعارة إذا كان الاستعمال باعتبار علاقته المشابهة وقصد المبالغة في التشبيه، وفيه نظر لان السكاكى قد صرح بان نطقت ههنا امر مقدر وهمى كاظفار المنية المستعارة للصورة الوهمية الشبيهة بالاظفار المحققة ولو كان مجازا مرسلا عن الدلالة لكان امرا محققا عقليا على ان هذا لا يجرى في جميع الامثلة. ولو سلم فحينئذ يعود الاعتراض الاول وهو وجود المكنى عنها بدون التخييلية. ويمكن الجواب بان المراد بعدم انفكاك الاستعارة بالكناية عن التخييلية ان التخييلية لا توجد بدونها فيما شاع من كلام الفصحاء إذ لا نزاع في عدم شيوع مثل اظفار المنية الشبيهة بالسبع. وانما الكلام في الصحة، واما وجود الاستعارة بالكناية بدون التخييلية فشائع على ما قرره صاحب الكشاف في قوله تعالى [ الذين ينقضون عهد اللّه ]، وصاحب المفتاح في مثل انبت الربيع البقل، فصار الحاصل من مذهبه ان قرينة الاستعارة بالكناية قد تكون استعارة تخييلية مثل اظفار المنية ونطقت الحال وقد تكون استعارة تحقيقية على ما ذكر في قوله تعالى يا ارض ابلعى ماءك ان البلع استعارة عن غور الماء في الارض والماء استعارة بالكناية عن الغذاء، وقد تكون حقيقة كما في انبت الربيع.

فصل

فصل في شرائط حسن الاستعارة

(وحسن كل من) الاستعارة

(التحقيقية والتمثيل) على سبيل الاستعارة

(برعاية جهات حسن التشبيه) كان يكون وجه الشبه شاملا للطرفين والتشبيه وافيا بافادة ما علق به من الغرض ونحو ذلك

(وان لا يشم رائحته لفظا) أي وبان لا يشم شئ من التحقيقية والتمثيل رائحة التشبيه من جهة اللفظ لان ذلك يبطل الغرض من الاستعارة اعني ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به لما في التشبيه من الدلالة على ان المشبه به اقوى في وجه الشبه.

(ولذلك) أي ولان شرط حسنه ان لا يشم رائحة التشبيه لفظا

(يوصى ان يكون الشبه) أي ما به المشابهة

(بين الطرفين جليا) بنفسه أو بواسطة عرف أو اصطلاح خاص

(لئلا تصير) الاستعارة

(الغازا) وتعمية ان روعى شرائط الحسن ولم تشم رائحة التشبيه وان لم يراع فات الحسن يقال اللغز في كلامه إذا عمى مراده ومنه اللغز وجمعه الغاز مثل رطب وارطاب

(كما لو قيل) في التحقيقية

(رأيت اسدا واريد انسان ابخر) فوجه الشبه بين الطرفين خفى

(و) في التمثيل

(رأيت ابلا مائة لا تجد فيها راحلة واريد الناس) من قوله عليه السلام الناس كابل مائة لا تجد فيها راحلة، وفى الفائق الراحلة البعير الذى يرتحله الرجل جملا كان أو ناقة يعنى ان المرضى المنتخب من الناس في عزة وجوده كالنجيبة المنتخبة التى لا توجد في كثير من الابل.

(وبهذا ظهر ان التشبيه اعم محلا) إذ كل ما يتأتى فيه الاستعارة يتأتى فيه التشبيه من غير عكس لجواز ان يكون وجه الشبه غير جلى فتصير الاستعارة الغازا كما في المثالين المذكورين، فان قيل قد سبق ان حسن الاستعارة برعاية جهات حسن التشبيه ومن جملتها ان يكون وجه الشبه بعيدا غير مبتذل فاشتراط جلائه في الاستعارة ينافى ذلك. قلنا الجلاء والخفاء مما يقبل الشدة والضعف فيجب ان يكون من الجلاء بحيث لا يصير مبتذلا ومن الغرابة بحيث لا يصير الغازا.

(ويتصل به) أي بما ذكرنا من انه إذا خفى التشبيه لم تحسن الاستعارة ويتعين التشبيه

(انه إذا قوى الشبه بين الطرفين حتى اتحدا كالعلم والنور والشبهة والظلمة لم يحسن التشبيه وتعينت الاستعارة) لئلا يصير كتشبيه الشئ بنفسه. فإذا فهمت مسألة تقول حصل في قلبى نور ولا تقول علم كالنور، وإذا وقعت في شبهة تقول وقعت في ظلمة ولا تقول في شبهة كالظلمة

١٢٤

(و) الاستعارة

(المكنى عنها كالتحقيقية) في ان حسنها برعاية جهات حسن التشبيه لانها تشبيه مضمر

(و) الاستعارة

(التخييلية حسنها بحسب حسن المكنى عنها) لما بينا لانها لا تكون الا تابعة للمكنى عنها وليس لها في نفسها تشبيه بل هي حقيقة فحسنها تابع لحسن متبوعها.

فصل

فصل في بيان معنى آخر يطلق عليه لفظ المجاز على سبيل الاشتراك أو التشابه

(وقد يطلق المجاز على كلمة تغير حكم اعرابها) أي حكمها الذى هو الاعراب على ان الاضافة للبيان أي تغير اعرابها من نوع إلى نوع آخر

(بحذف لفظ أو زيادة لفظ) فالاول

(كقوله تعالى وجاء ربك، وقوله تعالى واسئل القرية و) الثاني مثل

(قوله تعالى ليس كمثله شئ أي) جاء

(امر ربك) لاستحالة المجئ على اللّه تعالى

(و) اسئل

(اهل القرية) للقطع. بان المقصود ههنا سؤال اهل القرية وان جعلت القرية مجازا عن اهلها لم يكن من هذا القبيل

(وليس مثله شئ) لان المقصود نفى ان يكون شئ مثل اللّه تعالى لا نفى ان يكون شئ مثل مثله فالحكم الاصلى لربك والقرية هو الجر. وقد تغير في الاول إلى الرفع وفى الثاني إلى النصب بسبب حذف المضاف والحكم الاصلى في مثله هو النصب لانه خبر ليس وقد تغير إلى الجر بسبب زيادة الكاف فكما وصفت الكلمة بالمجاز باعتبار نقلها عن معناها الاصلى كذلك وصفت به باعتبار نقلها عن اعرابها الاصلى. وظاهر عبارة المفتاح ان الموصوف بهذا النوع من المجاز هو نفس الاعراب. وما ذكره المصنف اقرب، والقول بزيادة الكاف في نحو قوله تعالى ليس كمثله شئ اخذ بالظاهر ويحتمل ان لا تكون زائدة بل تكون نفيا للمثل بطريق الكناية التى هي ابلغ لان اللّه تعالى موجود فإذا نفى مثل مثله لزم نفى مثله ضرورة انه لو كان له مثل لكان هو اعني اللّه تعالى مثل مثله فلم يصح نفى مثل مثله كما تقول ليس لاخى زيد اخ أي ليس لزيد اخ نفيا للملزوم بنفى لازمه واللّه اعلم.

٢-٣ الكناية

الكناية في اللغة مصدر كنيت بكذا عن كذا أو كنوت إذا تركت التصريح به. وفى الاصطلاح

(لفظ اريد به لازم معناه مع جواز ارادته معه) أي ارادة ذلك المعنى مع لازمه كلفظ طويل النجاد والمراد به طول القامة مع جواز ان يراد حقيقة طول النجاد ايضا.

(فظهر انه تخالف المجاز من جهة ارادة المعنى) الحقيقي

(مع ارادة لازمه) كارادة طول القامة بخلاف المجاز فانه لا يجوز فيه ارادة المعنى الحقيقي للزوم القرينة المانعة عن ارادة المعنى الحقيقي. وقوله من جهة ارادة المعنى ليوافق ما ذكره في تعريف الكناية ولان الكناية كثيرا ما تخلو عن ارادة المعنى الحقيقي للقطع بصحة قولنا فلان طويل النجاد وجبان الكلب ومهزوم الفصيل وان لم يكن له نجاد ولا كلب ولا فصيل. ومثل هذا في الكلام اكثر من ان يحصى. وههنا بحث لابد من التنبيه عليه وهو ان المراد بجواز ارادة المعنى الحقيقي في الكناية هو ان الكناية من حيث انها كناية لا تنافى ذلك كما ان المجاز ينافيه. لكن قد يمتنع ذلك في الكناية بواسطة خصوص المادة كما ذكر صاحب الكشاف في قوله تعالى ليس كمثله شئ انه من باب الكناية كما في قولهم مثلك لا يبخل لانهم إذا نفوه عمن يماثله وعمن يكون على اخص اوصاف فقد نفوه عنه كما يقولون بلغت اترابه يريدون بلوغه فقولنا ليس كمثله شئ عبارتان متعاقبتان على معنى واحد وهو نفى المماثلة عن ذاته مع انه لا فرق بينهما الا ما تعطيه الكناية من المبالغة. ولا يخفى ههنا امتناع ارادة الحقيقة وهو نفى المماثلة عمن هو مماثل له وعمن يكون على اخص اوصافه

(وفرق) بين الكناية والمجاز

(بان الانتقال فيها) أي في الكناية

(من اللازم) إلى الملزوم كالانتقال من طول النجاد إلى طول القامة.

(وفيه) أي في المجاز الانتقال

(من الملزوم) إلى اللازم كالانتقال من الغيث إلى النبت ومن الاسد إلى الشجاعة

(ورد) هذا الفرق

(بان اللازم ما لم يكن ملزوما) بنفسه أو بانضمام قرينة إليه

(لم ينتقل منه) إلى الملزوم لان اللازم من حيث انه لازم يجوز ان يكون اعم ولا دلالة للعام على الخاص

(وحينئذ) أي وإذا كان اللازم ملزوما

(يكون الانتقال من الملزوم إلى اللازم) كما في المجاز فلا يتحقق الفرق. والسكاكى ايضا معترف بان اللازم ما لم يكن ملزوما امتنع الانتقال منه، وما يقال ان مراده ان اللزوم من الطرفين من خواص الكناية دون المجاز أو شرط لها دونه فمما لا دليل عليه. وقد يجاب بان مراده باللازم ما يكون وجوده على سبيل التبعية كطول النجاد التابع لطول القامة. ولهذا جوز كون الكلام اخص كالضاحك بالفعل للانسان فالكناية ان يذكر من المتلازمين ما هو تابع ورديف ويراد به ما هو متبوع ومردوف والمجاز بالعكس. وفيه نظر ولا يخفى عليك ان ليس المراد باللزوم ههنا امتناع الانفكاك.

١٢٥

(وهى) أي الكناية

(ثلاثة اقسام الاولى:) تأنيثها باعتبار كونها عبارة عن الكناية

(المطلوب بها غير صفة ولا نسبة فمنها) أي فمن الآولى

(ما هي معنى واحد) مثل ان يتفق في صفة من الصفات اختصاص بموصوف معين عارض فتذكر نلك الصفة ليتوصل بها إلى ذلك الموصوف

(كقوله) الضاربين بكل ابيض مخذم.

(والطاعنين مجامع الاضغان) المخذم القاطع والضغن الحقد ومجامع الاضغان معنى واحد كناية عن القلوب.

(ومنها ما هو مجموع معان) بان تؤخذ صفة فتضم إلى لازم آخر وآخر لتصير جملتها مختصة بموصوف فيتوصل بذكرها إليه

(كقولنا كناية عن الانسان حى مستوى القامة عريض الاظفار) ويسمى هذا خاصة مركبة

(وشرطهما) أي وشرط هاتين الكنايتين

(الاختصاص بالمكنى عنه) ليحصل الانتقال.

وجعل السكاكى الاولى منهما اعني ما هي معنى واحد قريبة بمعنى سهولة المأخوذ والانتقال فيها لبساطتها واستغنائها عن ضم لازم إلى آخر وتلفيق بينهما والثانية بعيدة بخلاف ذلك وهذه غير البعيدة بالمعنى الذى سيجئ.

(الثانية) من اقسام الكناية

(المطلوب بها صفة) من الصفات كالجود والكرم ونحو ذلك وهى ضربان قريبة وبعيدة

(فان لم يكن الانتقال) من الكناية إلى المطلوب بواسطة قريبة والقريبة قسمان

(واضحة) يحصل الانتقال منها بسهولة

(كقولهم كناية عن طول القامة طويل نجاده وطويل النجاد والاولى) أي طويل نجاده كناية

(ساذجة) لا يشوبها شئ من التصريح

(وفى الثانية) أي طويل النجاد

(تصريح ما لتضمن الصفة) أي طويل

(الضمير) الراجع إلى الموصوف ضرورة احتياجها إلى مرفوع مسند إليه فيشتمل على نوع تصريح بثبوت الطول له. والدليل على تضمنه الضمير انك تقول هند طويلة النجاد والزيدان طويلا النجاد والزيدون طوال النجاد فتؤنث وتثنى وتجمع الصفة البتة لاسنادها إلى ضمير الموصوف بخلاف هند طويل نجادها والزيدان طويل نجادهما والزيدون طويل نجادهم. وانما جعلنا الصفة المضافة كناية مشتملة على نوع تصريح ولم نجعلها تصريحا للقطع بان الصفة في المعنى صفة للمضاف إليه واعتبار الضمير رعاية لامر لفظي وهو امتناع خلو الصفة عن معمول مرفوع بها

(أو خفية) عطف على واضحة. وخفاؤها بان يتوقف الانتقال منها على تأمل واعمال روية

(كقولهم كناية عن الابله عريض القفاء) فان عرض القفاء وعظم الرأس بالافراط مما يستدل به على البلاهة فهو ملزوم لها بحسب الاعتقاد. لكن في الانتقال منه إلى البلاهة نوع خفاء لا يطلع عليه كل احد. وليس الخفاء بسبب كثرة الوسائط والانتقالات حتى يكون بعيدة

(وان كان الانتقال) من الكناية إلى المطلوب بها

(بواسطة فبعيدة كقولهم كثير الرماد

١٢٦

كناية عن المضياف فانه ينتقل من كثرة الرماد إلى كثرة احراق الحطب تحت القدر ومنها) أي ومن كثرة الاحراق

(إلى كثرة الطبائح ومنها إلى كثرة الاكلة) جمع آكل

(ومنها إلى كثرة الضيفان) بكسر الضاد جمع ضيف

(ومنها إلى المقصود) وهو المضياف وبحسب قلة الوسائط وكثرتها تختلف الدلالة على المقصود وضوحا وخفاء.

(الثالثة) من اقسام الكناية

(المطلوب بها نسبة) أي اثبات امر لاخر أو نفيه عنه وهو المراد بالاختصاص في هذا المقام

(كقوله ان السماحة والمرؤة) هي كمال الرجولية

(والندى في قبة ضربت على ابن الحشرج. فانه اراد ان يثبت اختصاص ابن الحشرج بهذه الصفات) أي ثبوتها له

(فترك التصريح) باختصاصه بها

(بان يقول انه مختص بها أو نحوه) مجرور عطفا على ان يقول أو منصوب عطفا على انه مختص بها مثل ان يقول ثبتت سماحة ابن الحشرج أو حصلت السماحة له، أو ابن الحشرج سمح، كذا في المفتاح. وبه يعرف ان ليس المراد بالاختصاص ههنا الحصر

(إلى الكناية) أي ترك التصريح ومال إلى الكناية

(بان جعلها) أي تلك الصفات

(في قبة) تنبيها على ان محها ذو قبة وهى تكون فوق الخيمة يتخذها الرؤساء

(مضروبة عليه) أي على ابن الحشرج فافاد اثبات الصفات المذكورة له لانه إذا اثبت الامر في مكان الرجل وحيزه فقد اثبت له

(ونحوه) أي مثل البيت المذكور في كون الكناية لنسبة الصفة إلى الموصوف بان تجعل فيما يحيط به ويشتمل عليه

(قولهم المجد بين ثوبيه والكرم بين برديه) حيث لم يصرح بثبوت المجد والكرم له بل كنى عن ذلك بكونهما بين برديه وبين ثوبيه. فان قلت ههنا قسم رابع وهو ان يكون المطلوب بها صفة ونسبة معا كقولنا كثير الرماد في ساحة زيد. قلت ليس هذا كناية واحدة بل كنايتان احدهما المطلوب بها نفس الصفة وهى كثرة الرماد كناية عن المضيافية والثانية المطلوب بها نسبة المضيافية إلى زيد وهو جعلها في ساحة ليفيد اثباتها له

(والموصوف في هذين القسمين) يعنى الثاني والثالث

(قد يكون) مذكورا كما مر

(و) قد يكون

(غير مذكور كما يقال في عرض من يؤذى المسلمين المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) فانه كناية عن نفى صفة الاسلام عن المؤذى وهو غير مذكور في الكلام. واما القسم الاول وهو ما يكون المطلوب بالكناية نفس الصفة وتكون النسبة مصرحا بها فلا يخفى ان الموصوف فيها يكون مذكورا لا محالة لفظا أو تقديرا. وقوله في عرض من يؤذى معناه في التعريض به يقال نظرت إليه من عرض بالضم أي من جانب وناحية. قال

(السكاكى الكناية تتفاوت إلى تعريض وتلويح ورمز وايماء واشارة) وانما قال تتفاوت ولم يقال تنقسم لان التعريض وامثاله مما ذكر ليس من اقسام الكناية فقط بل هو اعم كذا في شرح المفتاح. وفيه نظر والاقرب انه انما قال ذلك لان هذه الاقسام قد تتداخل ويختلف باختلاف الاعتبارات من الوضوح والخفاء وقلة الوسائط وكثرتها

(والمناسب للعريضة التعريض) أي الكناية إذا كانت عرضية مسوقة لاجل موصوف غير مذكور كان المناسب ان يطلق عليها اسم التعريض لانه امالة الكلام إلى عرض يدل على المقصود يقال عرضت لفلان وبفلان إذا قلت قولا لغيره وانت تعنيه فكأنك اشرت به إلى جانب وتريذ به جانبا آخر

١٢٧

(و) المناسب

(لغيرها) أي لغير العرضية

(ان كثرت الوسائط) بين اللازم والملزوم كما في كثير الرماد وجبان الكلب ومهزول الفصيل

(التلويح) لان التلويح هو ان تشير إلى غيرك من بعيد.

(و) المناسب لغيرها

(ان قلت) الوسائط

(مع خفاء) في الملزوم كعريض القفاء وعريض الوسادة

(الرمز) لان الرمز هوان تشير إلى قريب منك على سبيل الخفية لان حقيقته الاشارة بالشفة أو الحاجب

(و) المناسب لغيرها ان قلت الوسائط

(بلا خفاء) كما في قوله أو ما رأيت المجد القى رحله في آل طلحة ثم لم يتحول

(الايماء والاشارة. ثم قال) السكاكى

(والتعريض قد يكون مجازا كقولك آذيتنى فستعرف وانت تريد) بتاء الخطاب

(انسانا مع المخاطب دونه) أي لا تريد المخاطب ليكون اللفظ مستعملا في غير ما وضع له فقط فيكون مجازا

(وان اردتهما) أي اردت المخاطب وانسانا آخر معه جميعا

(كان كناية) لانك اردت باللفظ المعنى الاصلى وغيره معا والمجاز ينافى ارادة المعنى الاصلى

(ولابد فيهما) أي في الصورتين

(من قرينة) دالة على ان المراد في الصورة الاولى هو الانسان الذى مع المخاطب وحده ليكون مجازا وفى الثانية كلاهما جميعا ليكون كناية، وتحقيق ذلك ان قولك آذيتنى فستعرف كلام دال على تهديد المخاطب بسبب الايذاء ويلزم منه تهديد كل من صدر عنه الايذاء فان استعملته واردت به تهديد المخاطب وغيره من المؤذين كان كناية وان اردت به تهديد غير المخاطب بسبب الايذاء لعلاقة اشتراكه للمخاطب في الايذاء اما تحقيقا واما فرضا وتقديرا مع قرينة دالة على عدم ارادة المخاطب كان مجازا.

فصل

فصل اطبق البلغاء على ان المجاز والكناية ابلغ من الحقيقة والتصريح

(لان الانتقال فيهما من الملزوم إلى اللازم فهو كدعوى الشئ ببينة) فان وجود الملزوم يقتضى وجود اللازم لامتناع انفكاك الملزوم عن لازمه

(و) اطبقوا ايضا على

(ان الاستعارة ابلغ من التشبيه لانها نوع من المجاز) وقد علم ان المجاز ابلغ من الحقيقة. وليس معنى كون المجاز والكناية ابلغ ان شيئا منهما يوجب ان يحصل في الواقع زيادة في المعنى لا توجد في الحقيقة والتصريح بل المراد انه يفيد زيادة تأكيد للاثبات ويفهم من الاستعارة ان الوصف في المشبه بالغ حد الكمال كما في المشبه به وليس بقاصر فيه كما يفهم من التشبيه والمعنى لا يتغير حاله في نفسه بان يعبر عنه بعبارة ابلغ. وهذا مراد الشيخ عبد القاهر بقوله ليست مزية قولنا رأيت اسدا على قولنا رأيت رجلا هو والاسد سواء في الشجاعة ان الاول افاد زيادة في مساواته للاسد في الشجاعة لم يفدها الثاني بل الفضيلة وهى ان الاول افاد تأكيدا لاثبات تلك المساواة له لم يفده الثاني واللّه اعلم. كمل القسم الثاني والحمد للّه على جزيل نواله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله واصحابه اجمعين.