١ الفن الاول علم المعاني(الفن الاول علم المعاني) قدمه على البيان، لكونه منه بمنزلة المفرد من المركب، لان رعاية المطابقة لمقتضى الحال وهو مرجع علم المعاني، معتبرة في علم البيان، مع زيادة شئ آخر وهو ايراد المعنى الواحد في طرق مختلفة. (وهو علم) أي ملكة يقتدر بها على ادراكات جزئية، ويجوز ان يريد به نفس الاصول والقواعد المعلومة، ولاستعمالهم المعرفة في الجزئيات. قال (تعرف به احوال اللفظ العربي) أي هو علم يستنبط منه ادراكات جزئية، وهى معرفة كل فرد فرد من جزئيات الاحوال المذكورة، بمعنى ان أي فرد يوجد منها امكننا ان نعرفه بذلك العلم. وقوله (التى بها يطابق) اللفظ (مقتضى الحال) احتراز عن الاحوال التي ليست بهذه الصفة، مثل الاعلال والادغام والرفع والنصب وما اشبه ذلك مما لابد منه في تأدية اصل المعنى، وكذا المحسنات البديعية من التنجيس والترصيع ونحو هما مما يكون بعد رعاية المطابقة. والمراد انه علم يعرف به هذه الاحوال من حيث انها يطابق بها اللفظ مقتضى الحال، لظهور ان ليس علم المعاني عبارة عن تصور معاني التعريف والتنكير والتقديم والتأخير والاثبات والحذف وغير ذلك. وبهذا يخرج عن التعريف علم البيان، إذ ليس البحث فيه عن احوال اللفظ من هذه الحيثية، والمراد باحوال اللفظ: الامور العارضة له من التقديم والتأخير والاثبات والحذف وغير ذلك. ومقتضى الحال في التحقيق هو الكلام الكلى المتكيف بكيفية مخصوصة على ما اشار إليه في المفتاح، وصرح به في شرحه لا نفس الكيفيات من التقديم والتأخير والتعريف والتنكير على ما هو ظاهر عبارة المفتاح وغيره، والا لما صح القول بانها احوال بها يطابق اللفظ مقتضى الحال، لانها عين مقتضى الحال، قد حققنا ذلك في الشرح. واحوال الاسناد ايضا من احوال اللفظ، باعتبار ان التأكيد وتركه مثلا من الاعتبارات الراجعة إلى نفس الجملة، وتخصيص اللفظ بالعربى مجرد اصطلاح، لان الصناعة انما وضعت لذلك. (وينحصر) المقصود من علم المعاني (في ثمانية ابواب): انحصار الكل في الاجزاء لا الكلى في الجزئيات، والا لصدق علم المعاني على كل باب من الابواب المذكورة، وليس كذلك (احوال الاسناد الخبرى) و (احوال المسند إليه) و (احوال المسند) و (احوال متعلقات الفعل) و (القصر) و (الانشاء) و (الفصل) و (الوصل) و (الايجاز) و (الاطناب) و (المساواة). وانما انحصر فيها ؟ (لان الكلام اما اخبار أو انشاء لانه) لا محالة يشتمل على نسبة تامة بين الطرفين، قائمة بنفس المتكلم وهى تعلق احد الشيئين بالاخر، بحيث يصح السكوت عليه سواء كان ايجابا أو سلبا أو غيرهما كما في الانشائيات وتفسيرها بايقاع المحكوم به على المحكوم عليه أو سلبه عنه خطأ في هذا المقام، لانه لا يشمل النسبة في الكلام الانشائي فلا يصح التقسيم. فالكلام (ان كان لنسبته خارج) في احد الازمنة الثلاثة: أي يكون بين الطرفين في الخارج نسبة ثبوتية أو سلبية (تطابقه) أي تطابق تلك النسبة ذلك الخارج، بان يكونا ثبوتيتين أو سلبيتين (أو لا تطابقه) بان تكون النسبة المفهومة من الكلام ثبوتية، والتى بينهما في الخارج والواقع سلبية أو بالعكس. (فخبر) أي فالكلام خبر (والا) أي وان لم يكن لنسبته خارج كذلك (فانشاء). وتحقيق ذلك ان الكلام اما ان يكون له نسبة بحيث تحصل من اللفظ ويكون اللفظ موجدا لها من غير قصد إلى كونه دالا على نسبة حاصلة في الواقع بين الشيئين وهو الانشاء أو تكون له نسبة بحيث يقصد ان لها نسبة خارجية مطابقة اولا مطابقة، وهو الخبر، لان النسبة المفهومة من الكلام الحاصلة في الذهن لابد وان تكون بين الشيئين، ومع قطع النظر عن الذهن لابد وان يكون بين هذين الشيئين في الواقع نسبة ثبوتية، بان يكون هذا ذاك، أو سلبية بان لا يكون هذا ذاك. الا ترى انك إذا قلت زيد قائم، فان القيام حاصل لزيد قطعا، سواء قلنا ان النسبة من الامور الخارجية أو ليست منها، وهذا معنى وجود النسبة الخارجية. (والخبر لابد له من مسند إليه ومسند واسناد، والمسند قد يكون له متعلقات إذا كان فعلا أو ما في معناه) كالمصدر واسم الفاعل واسم المفعول وما اشبه ذلك، ولا وجه لتخصيص هذا الكلام بالخبر. (وكل من الاسناد والتعليق اما بقصر أو بغير قصر وكل جملة قرنت باخرى، اما معطوفة عليها أو غير معطوفة، ٦ والكلام البليغ اما زائد على اصل المراد لفائدة) احترز به عن التطويل، على انه لا حاجة إليه بعد تقييد الكلام بالبليغ (أو غير زائد). هذا كله ظاهر لكن لا طائل تحته، لان جميع ما ذكر من القصر والفصل والوصل والايجاز ومقابليه، انما هو من احوال الجملة أو المسند إليه والمسند، مثل التأكيد والتقديم والتأخير وغير ذلك، فالواجب في هذا المقام بيان سبب افرادها وجعلها ابوابا برأسها وقد لخصنا ذلك في الشرح. صدق الخبر وكذبه (تنبيه) على تفسير الصدق والكذب الذى قد سبق اشارة ما إليه في قوله تطابقه أو لا تطابقه، اختلف القائلون بانحصار الخبر في الصدق والكذب في تفسيرها. فقيل: (صدق الخبر مطابقته) أي مطابقة حكمه (للواقع) وهو الخارج الذى يكون لنسبة الكلام الخبرى (وكذبه) أي كذب الخبر (عدمها) أي عدم مطابقته للواقع، يعنى ان الشيئين اللذين اوقع بينهما نسبة في الخبر، لابد وان يكون بينهما نسبة في الواقع، أي مع قطع النظر عما في الذهن وعما يدل عليه الكلام فمطابقة تلك النسبة المفهومة من الكلام للنسبة التى في الخارج، بان يكونا ثبوتيتين أو سلبيتين صدق وعدمها، بان يكون احديهما ثبوتية والاخرى سلبية كذب. (وقيل) صدق الخبر (مطابقته لاعتقاد المخبر ولو كان) ذلك الاعتقاد (خطاء) غير مطابق للواقع (و) كذب الخبر (عدمها) أي عدم مطابقته لا عتقاد المخبر ولو كان خطاء، فقول القائل السماء تحتنا معتقدا ذلك صدق، وقوله السماء فوقنا غير معتقد كذب، والمراد بالاعتقاد الحكم الذهني الجازم أو الراجع، فيعم العلم والظن. وهذا يشكل بخبر الشاك لعدم الاعتقاد فيه فيلزم الواسطة ولا يتحقق الانحصار، اللّهم الا ان يقال انه كاذب لانه إذا انتفى الاعتقاد صدق عدم مطابقة الاعتقاد والكلام في ان المشكوك خبر اوليس بخبر مذكور في الشرح فليطالع ثمة (بدليل) قوله تعالى [إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول اللّه واللّه يشهد (ان المنافقين لكاذبون)] فانه تعالى جعلهم كاذبين في قولهم انك لرسول اللّه لعدم مطابقته لاعتقادهم وان كان مطابقا للواقع. (ورد) هذا الاستدلال (بان المعنى لكاذبون في الشهادة) وفي ادعائهم المواطأة، فالتكذيب راجع إلى الشهادة باعتبار تضمنها خبرا كاذبا غير مطابق للواقع، وهو ان هذه الشهادة من صميم القلب وخلوص الاعتقاد بشهادة ان واللام والجملة الاسمية (أو) المعنى انهم لكاذبون (في تسميتها) أي في تسمية هذا الاخبار شهادة لان الشهادة ما يكون على وفق الاعتقاد فقوله تسميتها مصدر مضاف إلى المفعول الثاني والاول محذوف (أو) المعنى انهم لكاذبون (في المشهود به) اعني قولهم انك لرسول اللّه لكن لا في الواقع بل (في زعمهم) الفاسد واعتقادهم الباطل لانهم يعتقدون انه غير مطابق للواقع فيكون كاذبا باعتقادهم وان كان صادقا في نفس الامر فكأنه قيل انهم يزعمون انهم كاذبون في هذا الخبر الصادق وحينئذ لا يكون الكذب الا بمعنى عدم المطابقة للواقع فليتأمل. لئلا يتوهم ان هذا اعتراف بكون الصدق والكذب راجعين إلى الاعتقاد. (والجاحظ) انكر انحصار الخبر في الصدق والكذب واثبت الواسطة وزعم ان صدق الخبر (مطابقته) للواقع (مع الاعتقاد) بانه مطابق (و) كذب الخبر (عدمها) أي عدم مطابقته للواقع (معه) أي مع اعتقاد انه غير مطابق (وغيرهما) أي غير هذين القسمين. وهو اربعة اعني المطابقة مع اعتقاد عدم المطابقة، أو بدون الاعتقاد اصلا، أو عدم المطابقة مع اعتقاد المطابقة، أو بدون الاعتقاد اصلا (ليس بصدق ولا كذب) فكل من الصدق والكذب بتفسيره اخص منه بالتفسيرين السابقين لانه اعتبر في الصدق مطابقة الواقع والاعتقاد جميعا وفي الكذب عدم مطابقتهما جميعا بناء على ان اعتقاد المطابقة يستلزم مطابقة الاعتقاد. ضرورة توافق الواقع والاعتقاد حينئذ وكذا اعتقاد عدم المطابقة يستلزم عدم مطابقة الاعتقاد حينئذ. وقد اقتصر في التفسيرين السابقين على احدهما (بدليل افترى على اللّه كذبا ام به جنة) لان الكفار حصروا اخبار النبي عليه السلام بالحشر والنشر على ما يدل عليه قوله تعالى " إذا مزقتم كل ممزق انكم لفى خلق جديد " في الافتراء والاخبار حال الجنة على سبيل منع الخلو. ولا شك (ان المراد بالثاني) أي الاخبار حال الجنة لا قوله ام به جنة على ما سبق إلى بعض الاوهام (غير الكذب لانه قسيمه) أي لان الثاني قسيم الكذب إذ المعنى اكذب ام اخبر حال الجنة وقسيم الشئ يجب ان يكون غيره (وغير الصدق لانهم لم يعتقدوه) أي لان الكفار لم يعتقدوا صدقه فلا يريدون في هذا المقام الصدق الذى هو بمراحل عن اعتقادهم، ولو قال لانهم اعتقدوا عدم صدقه لكان اظهر. فمرادهم بكونه خبرا حال الجنة غير الصدق وغير الكذب وهم عقلاء من اهل اللسان عارفون باللغة فيجب ان يكون من الخبر ما ليس بصادق ولا كاذب حتى يكون هذا منه بزعمهم وعلى هذا لا يتوجه ما قيل انه لا يلزم من عدم اعتقادهم الصدق عدم الصدق لانه لم يجعله دليلا على عدم الصدق بل على عدم ارادة الصدق فليتأمل. (ورد) هذا الاستدلال (بان المعنى) أي معنى ام به جنة (ام لم يفتر فعبر عنه) أي عدم الافتراء (بالجنة لان المجنون لا افتراء له) لانه الكذب عن عمد ولا عمد للمجنون فالثاني ليس قسيما للكذب، بل لما هو اخص منه، اعني الافتراء فيكون هذا حصرا للخبر الكاذب بزعمهم في نوعيه اعني الكذب عن عمد والكذب لا عن عمد. ١-١احوال الاسناد الخبرىالباب الاول (احوال الاسناد الخبرى) وهو ضم كلمة أو ما يجرى مجراها إلى اخرى بحيث يفيد الحكم بان مفهوم احديهما ثابت لمفهوم الاخرى أو منفى عنه وانما قدم بحث الخبر لعظم شأنه وكثرة مباحثه. ثم قدم احوال الاسناد على احوال المسند إليه والمسند مع تأخر النسبة عن الطرفين لان البحث في علم المعاني انما هو عن احوال اللفظ الموصوف بكونه مسند إليه أو مسندا وهذا الوصف انما يتحقق بعد تحقق الاسناد والمتقدم على النسبة انما هو ذات الطرفين ولا بحث لنا عنها. (لا شك ان قصد المخبر) أي من يكون بصدد الاخبار والاعلام والا فالجملة الخبرية كثيرا ما تورد لاغراض آخر غير افادة الحكم أو لازمه مثل التحسر والتحزن وفى قوله تعالى حكاية عن امرأة عمران [ رب اني وضعتها انثى ] وما اشبه ذلك (بخبره) متعلق بقصر (افادة المخاطب) خبران. (اما الحكم) مفعول الافادة (أو كونه) أي كون المخبر (عالما به) أي بالحكم والمراد بالحكم هنا وقوع النسبة اولا وقوعها وكونه مقصودا للمخبر بخبر لا يستلزم تحققه في الواقع. وهذا مراد من قال ان الخبر لا يدل على ثبوت المعنى أو انتفائه على سبيل القطع والا فلا يخفى ان مدلول قولنا زيد قائم ومفهومه ان القيام ثابت لزيد وعدم ثبوته له احتمال عقلي لا مدلول ولا مفهوم للفظ فليفهم. ٧ (ويسمى الاول) أي الحكم الذى يقصد بالخبر افادته (فائدة الخبر والثاني) أي كون المخبر عالما به (لازمها) أي لازم فائدة الخبر، لانه كلما افاد الحكم افاد انه عالم به وليس كلما افاد انه عالم بالحكم افاد نفس الحكم، لجواز ان يكون الحكم معلوما قبل الاخبار، كما في قولنا لمن حفظ التورية قد حفظت التورية وتسمية مثل هذا الحكم فائدة الخبر بناء على انه من شانه ان يقصد بالخبر ويستفاد منه والمراد بكونه عالما بالحكم حصول صورة الحكم في ذهنه وههنا ابحاث شريفة سمحنا بها في الشرح. (وقد ينزل) المخاطب (العالم بهما) أي بفائدة الخبر ولازمها (منزلة الجاهل) فيلقى إليه الخبر وان كان عالما بالفائدتين (لعم جريه على موجب العلم) فان من لا يجرى على مقتضى علمه هو والجاهل سواء كما يقال للعالم التارك للصلاة، الصلاة واجبة وتنزيل العالم بالشى منزلة الجاهل به لاعتبارات خطابية كثير في الكلام منه قوله تعالى [ ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الاخرة من خلاق ولبئس ما شروابه انفسهم لو كانوا يعلمون ] بل تنزيل وجود الشئ منزلة عدمه كثير منه قوله تعالى [ وما رميت إذ رميت ولكن اللّه رمى ]. (فينبغي) أي إذا كان قصد المخبر بخبره افادة المخاطب ينبغى (ان يقتصر من التركيب على قدر الحاجة) حذرا عن اللغو (فان كان) المخاطب (خالي الذهن من الحكم والتردد فيه) أي لا يكون عالما بوقوع النسبة أو لا وقوعها ولا مترددا في ان النسبة هل هي واقعة ام لا. وبهذا تبين فساد ما قيل ان الخلو عن الحكم يستلزم الخلو عن التردد فيه فلا حاجة إلى ذكره بل التحقيق ان الحكم والتردد فيه متنافيان (استغنى) على لفظ المبنى للمفعول (عن مؤكدات الحكم) لتمكن الحكم في الذهن حيث وجده خاليا (وان كان) المخاطب (مترددا فيه) أي في الحكم (طالبا له) بان حضر في ذهنه طرف الحكم وتحير في ان الحكم بينهما وقوع النسبة اولا وقوعها (حسن تقوية) أي تقويته الحكم (بمؤكد) ليزيل ذلك المؤكد تردده ويمكن فيه الحكم. لكن المذكور في دلائل الاعجاز انه انما يحسن التأكيد إذا كان للمخاطب ظن في خلاف حكمك (وان كان) أي المخاطب (منكرا) للحكم (وجب توكيده) أي توكيد الحكم (بحسب الانكار) أي بقدرة قوة وضعفا يعنى يجب زيادة التأكيد بحسب ازدياد الانكار ازالة له (كما قال اللّه تعالى حكاية عن رسل عيسى عليه السلام إذ كذبوا في المرة الاولى [انا اليكم مرسلون]) مؤكدا بان واسمية الجملة (وفي) المرة (الثانية) ربنا يعلم ([انا اليكم لمرسلون] مؤكدا بالقسم وان واللام واسمية الجملة لمبالغة المخاطبين في الانكار حيث قالوا ما انتم الا بشر مثلنا وما انزلنا الرحمن من شئ ان انتم الا تكذبون وقوله إذ كذبوا مبنى على أن تكذيب الاثنين تكذيب الثلاثة والا فالمكذب أو لا اثنان. (ويسمى الضرب الاول ابتدائيا والثاني طلبيا والثالث انكاريا و) يسمى (اخراج الكلام عليها) أي على الوجوه المذكورة وهي الخلو عن التأكيد في الاول و التقوية بمؤكد استحسانا في الثاني ووجوب التأكيد بحسب الانكار في الثالث (اخراجا على مقتضى الظاهر) وهو اخص مطلقا من مقتضى الحال لان معناه مقتضى ظاهر الحال فكل مقتضى الظاهر مقتضى الحال من غير عكس كما في صورة اخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر فانه يكون على مقتضى الحال ولا يكون على مقتضى الظاهر. (وكثيرا ما يخرج) الكلام (على خلافه) أي على خلاف مقتضى الظاهر (فيجعل غير السائل كالسائل إذا قدم إليه) أي إلى غير السائل (ما يلوح) أي يشير (له) أي لغير السائل (بالخبر فيستشرف) غير السائل (له) أي للخبر يعنى ينظر إليه يقال استشرف فلان الشئ إذا رفع رأسه لينظر إليه وبسط كفه فوق حاجبيه كالمستظل من الشمس (استشراف الطالب المتردد نحو ولا تخاطبني في الذين ظلموا) أي ولا تدعني يا نوح في شان قومك واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك فهذا كلام يلوح بالخبر تلويحا ما ويشعر بانه قد حق عليهم العذاب فصار المقام مقام يتردد المخاطب في انهم هل صاروا محكوما عليهم بالاغراق ام لا فقيل (انهم مغرقون) مؤكدا أي محكم عليهم بالاغراق. (و) يجعل (غير المنكر كالمنكر إذا لاح) أي ظهر (عليه) أي على غير المنكر (شئ من امارات الانكار نحو جاء شقيق) اسم رجل (عارضا رمحه) أي واضعا على العرض فهو لا ينكر ان في بنى عمه رماحا لكن مجيئه واضعا الرمح على العرض من غير التفات وتهيؤ امارات انه يعتقد ان لا رمح فيهم بل كلهم عزل لا سلاح معهم فنزل منزلة المنكر وخوطب خطاب التفات بقوله (ان بنى عمك فيهم رماح) مؤكدا بان وفى البيت على ما اشار إليه الامام المر زوقى تهكم واستهزاء كانه يرميه بان فيه من الضعف والجبن بحيث لو علم ان فيهم رماحا لما التفت لفت الكفاح ولم تقو يده على حمل الرماح على طريقة قوله: فقلت لمحرز لما التقينا * تنكب لا يقطرك الزحام يرميه بانه لم يباشر الشدائد ولم يدفع إلى مضائق، المجامع كأنه يخاف عليه ان يداس بالقوائم، كما يخاف على الصبيان والنساء لقلة غنائه وضعف بنائه. (و) يجعل (المنكر كغير المنكر إذا كان معه) أي مع المنكر. (ما ان تأمله) أي شئ من الدلائل والشواهد ان تأمل المنكر ذلك الشى (ارتدع) عن انكاره ومعنى كونه مع ان يكون معلوما له ومشاهدا عنده كما تقول لمنكر الاسلام " الاسلام حق " من غير تأكيد لان مع ذلك المنكر دلائل دالة على حقيقة الاسلام. وقيل معنى كونه معه ان يكون معه موجودا في نفس الامر. وفيه نظر لان مجرد وجوده لا يكفى في الارتداع ما لم يكن حاصلا عنده. وقيل معنى ما ان تأمله شئ من العقل. وفيه نظر لان المناسب حينئذ ان يقال ما ان تأمل به لانه لا يتأمل العقل بل يتأمل به. (نحو لا ريب فيه) ظاهر هذا الكلام انه مثال لجعل منكر الحكم كغيره وترك التأكيد لذلك. وبيانه ان معنى لا ريب فيه انه ليس القرآن بمظنة للريب ولا ينبغى ان يرتاب فيه وهذا الحكم مما ينكره كثير من المخاطبين لكن نزل انكارهم منزلة عدمه لما معهم من الدلائل الدالة على انه ليس مما ينبغى ان يرتاب فيه والاحسن ان يقال انه نظير لتنزيل وجود الشئ منزلة عدمه بناء على وجود ما يزيله فانه نزل ريب المرتابين منزلة عدمه تعويلا على وجود ما يزيله حتى صح نفى الريب على سبيل الاستغراق كما نزل الانكار منزلة عدمه لذلك حتى يصح ترك التأكيد. ٨ (وهكذا) أي مثل اعتبارات الاثبات (اعتبارات النفى) من التجريد عن المؤكدات في الابتدائي وتقويته بمؤكد استحسانا في الطلبى ووجوب التأكيد بحسب الانكار في الانكارى تقول لخالي الذهن ما زيد قائما أو ليس زيد قائما وللطالب ما زيد بقائم وللمنكر واللّه ما زيد بقائم وعلى هذا القياس. الاسناد الحقيقي والمجازي (ثم الاسناد) مطلقا سواء كان انشائيا أو اخباريا (منه حقيقة عقلية) لم يقل اما حقيقة واما مجاز لان بعض الاسناد عنده ليس بحقيقة ولا مجاز كقولنا الحيوان جسم والانسان حيوان وجعل الحقيقة والمجاز صفتي الاسناد دون الكلام لان اتصاف الكلام بهما انما هو باعتبار الاسناد واوردهما في علم المعاني لانهما من احوال اللفظ فيدخلان في علم المعاني. (وهى) أي الحقيقة العقيلة (اسناد الفعل أو معناه) كالمصدر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل والظرف (إلى ما) أي إلى شئ. (هو) أي الفعل أو معناه (له) أي لذلك الشئ كالفاعل فيما بنى له نحو ضرب زيد عمرا أو المفعول فيما بنى له نحو ضرب عمر وفان الضاربية لزيد والمضر وبية لعمرو (عند المتكلم) متعلق بقوله له وبهذا دخل فيه ما يطابق الاعتقاد دون الواقع (في الظاهر) وهو ايضا متعلق بقوله له وبهذا يدخل فيه ما لا يطابق الاعتقاد والمعنى اسناد الفعل أو معناه إلى ما يكون هو له عند المتكلم فيما يفهم من ظاهر حاله وذلك بان لا ينصب قرينة دالة على انه غير ما هو له في اعتقاده ومعنى كونه له ان معناه قائم به ووصف له وحقه ان يسند إليه سواء كان صادرا عنه باختياره كضرب أو لا كمات ومرض. واقسام الحقيقة العقلية على ما يشمله التعريف اربعة: الاول ما يطابق الواقع والاعتقاد جميعا (كقول المؤمن انبت اللّه البقل و). الثاني ما يطابق الاعتقاد فقط نحو قول الجاهل انبت الربيع البقل. الثالث ما يطابق الواقع فقط كقول المعتزلي لمن لا يعرف حاله وهو يخفيها منه خلق اللّه تعالى الافعال كلها وهذا المثال متروك في المتن. (و) الرابع ما لا يطابق الواقع والاعتقاد (نحو قالك جاء زيد وانت) أي والحال انك خاصة (تعلم انه لم يجئ) دون المخاطب إذ لو علمه المخاطب ايضا لما تعين كونه حقيقة لجواز ان يكون المتكلم قد جعل علم السامع بانه لم يجئ قرينة على انه لم يرد ظاهره فلا يكون الاسناد إلى ما هو له عند المتكلم في الظاهر. (ومنه) أي ومن الاسناد (مجاز عقلي) ويسمى مجازا حكميا ومجازا في الاثبات واسنادا مجازيا (وهو اسناده) أي اسناد الفعل أو معناه (إلى ملابس له) أي للفعل أو معناه (غير ما هوله) أي غير الملابس الذى ذلك الفعل أو معناه مبنى له يعنى غير الفاعل في المبنى للفاعل وغير المفعول به في المبنى للمفعول به سواء كان ذلك الغير غيرا في الواقع أو عند المتكلم في الظاهر. وبهذا سقط ما قيل انه ان اراد به غير ما هو له عند المتكلم في الظاهر فلا حاجة إلى قوله يتأول وهو ظاهر وان اراد به غير ما هو له في الواقع خرج عنه مثل قول الجاهل انبت اللّه البقل مجازا باعتبار الاسناد إلى السبب. (بتاول) متعلق باسناده ومعنى التأول تطلب ما يؤل إليه من الحقيقة أو الموضع الذى يؤل إليه من العقل وحاصله ان ينصب قرينة صارفة عن ان يكون الاسناد إلى ما هو له (وله) أي للفعل وهذا اشارة إلى تفصيل وتحقيق للتعريفين. (ملا بسات شتى) أي مختلفة جمع شتيت كمريض (يلابس الفاعل والمفعول به والمصدر والزمان والمكان والسبب) ولم يتعرض للمفعول معه والحال ونحو هما لان الفعل لا يسند إليها. (فاسناده إلى الفاعل أو المفعول به إذا كان مبنيا له) أي للفاعل أو إلى المفعول به إذا كان مبنيا للمفعول به (حقيقة كما مر) من الامثلة. (و) اسناده (إلى غيرهما) أي: غير الفاعل أو المفعول به، يعنى غير الفاعل في المبنى للفاعل، وغير المفعول به في المبنى للمفعول به (للملابسة): يعنى لاجل ان ذلك الغير يشابه ما هو له في ملابسة الفعل (مجاز كقولهم عيشة راضية) فيما بنى للفاعل واسند إلى المفعول به إذ العيشة مرضية. (وسيل مفعم) في عكسه اعني فيما بنى للمفعول، واسند إلى الفاعل، لان السيل هو الذى يفعم أي يملاء من افعمت الاناء أي ملئته (وشعر شاعر) في المصدر والاولى بالتمثيل بنحو جد جده لان الشعر ههنا بمعنى المفعول (ونهاره صائم) في الزمان (ونهر جار) في المكان لان الشخص صائم في النهار، والماء جار في النهر (وبنى الامير المدينة) في السبب وينبغى ان يعلم ان المجاز العقلي يجرى في النسبة الغير الاسنادية ايضا من الايقاعية نحو: اعجبني انبات الربيع البقل، وجرى الانهار، قال اللّه تعالى: [ فان خفتم شقاق بينهما ومكر الليل والنهار ] ونومت الليل واجريت النهر. قال اللّه تعالى:، [ ولا تطيعوا امر المسرفين ]، والتعريف المذكور انما هو للاسنادي. اللّهم الا ان يراد بالاسناد مطلق النسبة. وههنا مباحث نفيسة وشحنا بها في الشرح. (وقولنا) في التعريف (بتأول يخرج نحو ما مر من قول الجاهل) انبت الربيع البقل رائيا، الانبات من الربيع فان هذا الاسناد وان كان إلى غير ما هو له في الواقع لكن لا تأول فيه لانه مراده ومعتقده، وكذا شفى الطيب المريض ونحو ذلك فقوله بتأول يخرج ذلك كما يخرج الاقوال الكاذبة، وهذا تعريض بالسكاكي، حيث جعل التأول لاخراج الاقوال الكاذبة فقط وللتنبيه. على هذا تعرض المصنف في المتن فائدة هذا القيد مع انه ليس ذلك من ودأبه في هذا الكتاب واقتصر على بيان اخراجه لنحو قول الجاهل مع انه يخرج الاقوال الكاذبة ايضا. (ولهذا) أي: ولان مثل قول الجاهل خارج عن المجاز لاشتراط التأول فيه. (لم يحمل نحو قوله: اشاب الصغير وافنى الكبير * كر الغداة ومر العشى على المجاز أي على ان اسناد اشاب وافنى إلى كر الغداة ومر العشى مجاز (ما) دام (لم يعلم أو) لم (يظن ان قائله) أي قائل هذا القول (لم يعتقد ظاهره) أي ظاهر الاسناد لانتفاء التأول حينئذ لاحتمال ان يكون هو معتقدا للظاهر فيكون من قبيل قول الجاهل انبت الربيع البقل. (كما استدل) يعني ما لم يعلم ولو يستدل بشئ على انه لم يرد ظاهره مثل هذا الاستدلال (على ان اسناد ميز) إلى جذاب الليالى (في قول ابي النجم ٩ ميز عن) عن الرأس (قنزعا عن قنزع) هو الشعر المجتمع في نواحى الرأس. (جذب الليالى) أي مضيها واختلافها (ابطئ أو اسرعى) هو حال من الليالى على تقدير القول إلى مقولا فيها ويجوز ان يكون الامر بمعنى الخبر (مجاز) خبر ان أي استدل على ان اسناد ميز إلى جذب الليالى مجاز (بقوله) متعلق باستدل أي بقول ابى النجم (عقيبه) أي عقيب قوله ميز عنه قنزعا عن قنزع (افناه) أي بالنجم أو شعر رأسه. (قيل اللّه) أي امر اللّه تعالى وارادته (للشمس اطلعي) فانه يدل على اعتقاده انه من فعل اللّه وانه المبدئ والمعيد والمنشئ والمفنى فيكون الاسناد إلى جذب الليالي بتأول بناء على انه زمان أو سبب. (واقسامه) أي اقسام المجاز العقلي باعتبار حقيقة الطرفين أو مجازيتهما (اربعة: لان طرفيه). وهما المسند إليه والمسند (اما حقيقتان) لغويتان (نحو انبت الربيع البقل أو مجازان) لغويان (نحو احى الارض شباب الزمان) فان المراد باحياء الارض تهييج القوى النامية فيها واحداث نضارتها بانواع النبات والاحياء في الحقيقة اعطاء الحياة وهي صفة تقتضي الحس والحركة الارادية وكذا المراد بشباب الزمان زمان ازدياد قويها النامية وهو في الحقيقة عبارة عن كون الحيوان في زمان تكون حرارته الغريزية مشبوبة أي قوية مشتعلة (أو مختلفان) بان يكون احد الطرفين حقيقة والآخر مجازا (نحو انبت البقل شباب الزمان) فيما المسند حقيقة والمسند إليه مجازا. (واحى الارض الربيع) في عكسه ووجه الانحصار في الاربعة على ما ذهب إليه المصنف ظاهر لانه اشترط في المسند ان يكون فعلا أو في معناه فيكون في مفرد وكل مفرد مستعمل اما حقيقة أو مجاز. (وهو): أي المجاز العقل (في القرآن كثير) أي كثير في نفسه لا بالاضافة إلى مقابله حتى تكون الحقيقة العقلية قليلة. وتقديم في القرآن على كثير لمجرد الاهتمام كقوله تعالى (وإذا تليت عليهم آياته) أي آيات اللّه (زادتهم ايمانا) اسند الزيادة وهى فعل اللّه تعالى إلى الايات لكونها سببا. (يذبح ابناءهم) نسب التذبيح الذى هو فعل الجيش إلى فرعون، لانه سبب آمر ١٠ (ينزع عنهما لباسهما) نسب نزع اللباس عن آدم وهو فعل اللّه تعالى حقيقة إلى ابليس لان سببه الاكل من الشجر وسبب الاكل وسوسته ومقاسمته اياهما انه لهما لمن الناصحين. (يوما) نصب على انه مفعول به لتتقون، أي كيف تتقون يوم القيمة ان بقيتم على الكفر يوما. (يجعل الولدان شيبا) نسب الفعل إلى الزمان وهو للّه تعالى حقيقة وهذا كناية عن شدته وكثرة الهموم: والاحزان فيه لان الشيب هما يتسارع عند تفاقم الشدائد والمحن أو عن طوله وان الاطفال يبلغون فيه أو ان الشيخوخة. (واخرجت الارض اثقالها) أي ما فيها من الدفائن والخزائن نسب الاخراج إلى مكانه وهو فعل اللّه تعالى حقيقة (وهو غير مختص بالخبر) عطف على قوله كثير أي وهو غير مختص بالخبر وانما قال ذلك لان تسميته بالمجاز في الاثبات وايراده في احوال الاسناد الخبرى يوهم اختصاصه بالخبر. (بل يجرى في الانشاء نحو ياهامان ابن لى صرحا) لان البناء فعل العملة، وهامان سبب آمر، وكذا قولك لينبت الربيع ما شاء وليصم نهارك وليجد جدك وما اشبه ذلك، مما اسند فيه الامر أو النهى إلى ما ليس المطلوب فيه صدور الفعل أو الترك عنه وكذلك قولك ليت النهر جار وقوله تعالى [ اصلوتك تأمرك ]. (ولا بد له): أي للمجاز العقلي (من قرينة) صارفة عن ارادة ظاهرة، لان المتبادر إلى الفهم عند انتفاء القرينة هو الحقيقة (لفظية كما مر) في قول ابى النجم من قوله افناه قيل اللّه (أو معنوية كاستحالة قيام المسند بالمذكور) أي بالمسند إليه المذكور مع المسند. (عقلا) أي من جهة العقل يعنى ان يكون بحيث لا يدعى احد من المحققين والمبطلين انه يجوز قيامه به لان العقل إذا خلى ونفسه يعده محالا (كقولك محبتك جاءت بى اليك) لظهور استحالة قيام المجئ بالمحبة. (أو عادة) أي من جن جهة العادة (نحو هزم الامير الجند) لاستحالة قيام انهزام الجند بالامير وحده عادة وان كان ممكنا عقلا وانما قال قيامه به ليعم الصدور عنه مثل ضرب وهزم وغيره مثل قرب وبعد. (وصدوره) عطف على استحالة أي وكصدور الكلام (عن الموحد في مثل اشاب الصغير) وافنى الكبير البيت فانه يكون قرينة معنوية على ان اسناد شاب وافنى إلى كر الغداة ومر العشى مجاز، لا يقال هذا داخل في الاستحالة لانا نقول لا نسلم ذلك كيف وقد ذهب إليه كثير من ذوى العقول واحتجنا في ابطاله إلى الدليل. (ومعرفة حقيقته): يعنى ان الفعل في المجاز العقلي يجب ان يكون له فاعل أو مفعول به إذا اسند إليه يكون الاسناد حقيقة. فمعرفة فاعله أو مفعولة الذى إذا اسند إليه يكون الاسناد حقيقة
(اما ظاهرة كما في قوله تعالى (فما ربحت تجارتهم أي فما ربحوا في تجارتهم ١١ واما خفية) لا تظهر الا بعد نظر وتأمل (كما في قولك سرتني رؤيتك) أي سرنى اللّه عند رؤيتك (وقوله " يزيدك وجهه حسنا، إذا ما زدته نظرا ") أي يزيدك اللّه حسنا في وجهه لما اودعه من دقائق الحسن والجمال تظهر بعد التأمل والامعان. وفى هذا تعريض بالشيخ عبد القاهر ورد عليه حيث زعم انه لا يجب في المجاز العقلي ان يكون الاسناد إليه حقيقة لانه ليس لسرتني في سرتني رؤيتك ولا ليزيدك في يزيدك وجهه حسنا فاعل يكون الاسناد إليه حقيقة وكذا اقدمني بلدك حق لى على فلان بل الموجود ههنا هو السرور والزيارة والقدوم. واعترض عليه الامام فخر الدين الرازي: بان الفعل لابد وان يكون له فاعل حقيقة لامتناع صدور الفعل لاعن فاعل فهو ان كان ما اسند إليه الفعل فلا مجاز والا فيمكن تقديره، فزعم صاحب المفتاح ان اعتراض الامام حق وان فاعل هذه الافعال هو اللّه تعالى وان الشيخ لم يعرف حقيقتها لخفائها فتبعه المصنف وفى ظنى ان هذا تكلف والحق ما ذكره الشيخ. (وانكره) أي المجاز العقلي (السكاكى) وقال: الذى عندي نظمه في سلك الاستعارة بالكناية بجعل الربيع استعارة بالكناية عن الفاعل الحقيقي بواسطة المبالغة في التشبيه وجعل نسبة الانبات إليه قرينة للاستعارة وهذا معنى قوله (ذاهبا إلى ان ما مر) من الامثلة (ونحوه استعارة بالكناية) وهى عند السكاكى ان تذكر المشبه وتريد المشبه به بواسطة قرينة. وهى إن تنسب إليه شيئا من اللوازم المساوية للمشبه به مثل ان تشبه المنية بالسبع ثم تفردها بالذكر وتضيف إليها شيئا من لوازم السبع فتقول مخالب المنية نشبت بفلان بناءا (على ان المراد بالربيع الفاعل الحقيقي) للانبات يعنى القادر المختار (بقرينة نسبة الانبات) الذى هو من اللوازم المساوية للفاعل الحقيقي (إليه) أي إلى الربيع. (وعلى هذا القياس غيره) أي غير هذا المثال وحاصله ان يشبه الفاعل المجازى بالفاعل الحقيقي في تعلق وجود الفعل به ثم يفرد الفاعل المجازى بالذكر وينسب إليه شئ من لوازم الفاعل الحقيقي. (وفيه) أي فيما ذهب إليه السكاكى (نظر لانه يستلزم ان يكون المراد عيشة في قوله تعالى فهو في عيشة راضية صاحبها لما سيأتي) في الكتاب من تفسير الاستعارة بالكناية على مذهب السكاكي وقد ذكرناه وهو يقتضى ان يكون المراد بالفاعل المجازى هو الفاعل الحقيقي فيلزم ان يكون المراد بعيشة صاحبها واللازم باطل إذ لا معنى لقولنا فهو في صاحب عيشة راضية وهذا مبنى على ان المراد بعيشة وضمير راضية واحد. (و) يستلزم (ان لا تصح الاضافة في) كل ما اضيف الفاعل المجازى إلى الفاعل الحقيقي (نحو نهاره صائم لبطلان اضافة الشئ إلى نفسه) اللازمة من مذهبه لان المراد بالنهار حينئذ فلان نفسه ولا شك في صحة هذه الاضافة ووقوعها كقوله تعالى [ فما ربحت تجارتهم ] وهذا اولى بالتمثيل. (و) يستلزم (ان لا يكون الامر بالبناء) في قوله تعالى:، [ يا هامان ابن لي صرحا ] (لهامان) لان المراد به حينئذ هو العملة انفسهم واللازم باطل لان النداء له والخطاب معه. (و) يستلزم (ان يتوقف نحو انيت الربيع البقل) وشفى الطيب المريض وسرتنى رؤيتك مما يكون الفاعل الحقيقي هو اللّه تعالى (على السمع) من الشارع لان اسماء إلى تعالى توقيفية واللازم باطل، لان مثل هذا التركيب صحيح شائع ذائع عند القائلين بان اسماء اللّه تعالى توقيفية واللازم باطل لان مثل هذا التركيب صحيح شائع ذائع عند القائلين بان اسماء اللّه تعالى توفيقيه وغيرهم سمع من الشارع أو لم يسمع. (واللوازم كلها منتفية) كما ذكرنا فينتفى كونه من باب الاستعارة بالكناية لان انتفاء اللوازم يوجب انتفاء الملزوم. والجواب ان مبنى هذه الاعتراضات على ان مذهب السكاكى في الاستعارة بالكناية ان يذكر المشبه ويراد المشبه به حقيقة وليس كذلك بل مذهبه ان يراد المشبه به ادعاءا ومبالغة لظهور ان ليس المراد بالمنية في قولنا مخالب المنية نشبت بفلان هو السبع حقيقة والسكاكى صرح بذلك في كتابه والمصنف لم يطلع عليه (ولانه) أي ما ذهب إليه السكاكى (ينتقض بنحو نهاره صائم) وليله قائم وما اشبه ذلك مما يشتمل على ذكر الفاعل الحقيقي (لاشتماله على ذكر طرفي التشبيه) وهو مانع من حمل الكلام على الاستعارة كما صرح به السكاكى، والجواب انه انما يكون مانعا إذا كان ذكرهما على وجه ينبئ عن التشبيه بدليل انه جعل قوله لا تعجبوا من بلى غلالته * قد زرا زرارة على القمر من باب الاستعارة مع ذكر الطرفين وبعضهم لما لم يقف على مراد السكاكى بالاستعارة بالكناية اجاب عن هذه الاعتراضات بما هو برئ عنه ورأينا تركه اولى. ١٢ ١-٢احوال المسند إليهالباب الثاني (احوال المسند إليه) أي الامور العارضة له من حيث انه مسند إليه، وقدم المسند إليه على المسند لما سيأتي. (اما حذفه) قدمه على سائر الاحوال، لكونه عبارة عن عدم الاتيان به، وعدم الحادث سابق على وجوده، وذكره ههنا بلفظ الحذف، وفي المسند بلفظ الترك، تنبيها على ان المسند إليه هو الركن الاعظم الشديد الحاجة إليه، حتى انه إذا لم يذكر فكأنه اتى به، ثم حذف بخلاف المسند، فانه ليس بهذه المثابة فكأنه ترك عن اصله (فللا حتراز عن العبث بناء على الظاهر) لدلالة القرينة عليه وان كان في الحقيقة هو الركن من الكلام (أو تخييل العدول إلى اقوى الدليلين واللفظ). فان الاعتماد عند الذكر على دلالة اللفظ من حيث الظاهر، وعند الحذف على دلالة العقل وهو اقوى لافتقار اللفظ إليه. وانما قال تخييل لان الدال حقيقة عند الحذف ايضا هو اللفظ المدلول عليه بالقرائن (كقوله قال لي كيف انت قلت عليل) ولم يقل انا عليل، للاحتراز والتخييل المذكورين (أو اختبار تنبه السامع) عند القرينة هل يتنبه ام لا. (و) اختبار (مقدار تنبهه) هل يتنبه بالقرائن الخفية ام لا (أو ايهام صونه) أي صون المسند إليه (عن لسانك) تعظيما له (أو عكسه) أي ايهام صون لسانك عنه تحقيرا له (أو تأتى الانكار) أي تيسره (لدى الحاجة) نحو فاسق فاجر عند قيام القرينة على ان المراد زيد ليتأتى لك ان تقول ما اردت زيدا بل غيره (أو تعينه). والظاهر ان ذكر الاحتراز عن العبث يغنى عن ذلك لكن ذكره لامرين. احدهما: الاحتراز عن سوء الادب فيما ذكروا له من المثال وهو خالف لما يشاء وفاعل لما يريد، إلى: اللّه تعالى. والثاني التوطئة والتمهيد لقوله (أو ادعاء التعين له) نحو وهاب الاولوف أي السلطان (أو نحو ذلك) كضيق المقام عن اطالة الكلام بسبب ضجرة أو سآمة أو فوات فرصة أو محافظة على وزن أو سجع أو قافية أو نحو ذلك كقول الصياد غزال أي هذا غزال أو كالا خفاء عن غير السامع من الحاضرين مثل جاء وكاتباع الاستعمال الوارد على تركه مثل رمية من غير رام أو ترك نظائره مثل الرفع على المدح أو الذم أو الترحم. (واما ذكره) أي ذكر المسند إليه (فلكونه) أي الذكر (الاصل) ولا مقتضى للعدول عنه (أو للاحتياط لضعف التعويل) أي الاعتماد (على القرينة أو للتنبيه على غباوة السامع أو زيادة الايضاح والتقرير). وعليه قوله تعالى [ اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون ] (أو اظهار تعظيمه) لكون اسمه مما يدل على التعظيم نحو امير المؤمنين حاضر (أو اهانته) أي اهانة المسند إليه لكون اسمه مما يدل على الاهانة مثل السارق اللئيم حاضر (أو التبرك بذكره) مثل النبي عليه السلام قائل هذا القول (أو استلذاذه) مثل الحبيب حاضر (أو بسط الكلام حيث الاصغاء مطلوب) أي في مقام يكون اصغاء السامع مطلوبا للمتكلم لعظمته وشرفه. ولهذا يطال الكلام مع الاحباء وعليه (نحو) قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام (هي عصاي) اتوكأ عليها. ١٣ وقد يكون الذكر للتهويل أو التعجب أو الاشهاد في قضية أو التسجيل على السامع حتى لا يكون له سبيل إلى الانكار (واما تعريفه) أي ايراد المسند معرفة. وانما قدم ههنا التعريف وفى المنسد التنكير، لان الاصل في المسند إليه التعريف وفي المسند التنكير. (فبالاضمار لان المقام للتكلم) نحو انا ضربت (أو الخطاب) نحو انت ضربت (أو الغيبة) نحو هو ضرب لتقدم ذكره اما لفظا تحقيقا أو تقديرا واما معنى لدلالة اللفظ عليه أو قرينة حال واما حكما. (واصل الخطاب ان يكون لمعين) واحدا كان أو اكثر لان وضع المعارف على ان تستعمل لمعين مع ان الخطاب هو توجيه الكلام إلى حاضر (وقد يترك) الخطاب مع معين (إلى غيره) أي غير معين (ليعم) الخطاب (كل مخاطب) على سبيل البدل (نحو ولو ترى إذا المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم) لا يريد بقوله ولو ترى إذ المجرمون مخاطبا معينا قصدا إلى تفظيع حالهم (أي تناهت حالهم في الظهور) لاهل المحشر إلى حيث يمتنع خفاؤها فلا يختص بها رؤية راء دون راء. وإذا كان كذلك (فلا يختص به) أي بهذا الخطاب (مخاطب) دون مخاطب بل كل من يتأتى منه الرؤية فله مدخل في هذا الخطاب وفي بعض النسخ فلا يختص بها أي برؤية حالهم مخاطب أو بحالهم رؤية مخاطب على حذف المضاف. (وبالعلمية) أي تعريف المسند إليه بايراده علما وهو ما وضع لشئ مع جميع مشخصاته (لاحضاره) أي المسند إليه (بعينه) أي بشخصه، بحيث يكون متميزا عن جميع ما عداه. واحترز بهذا عن احضاره باسم جنسه نحو رجل عالم جاءني (في ذهن السامع ابتداء) أي اول مرة واحترز به عن نحو جاءني زيد وهو راكب (باسم مختص به) أي بالمسند إليه بحيث لا يطلق باعتبار هذا الوضع على غيره. واحترز به عن احضاره بضمير المتكلم أو المخاطب أو اسم الاشارة أو الموصول أو المعرف بلام العهد أو الاضافة وهذه القيود لتحقق مقام العلمية والا فالقيد الاخير مغن عما سبق. وقيل احترز بقوله ابتداء، عن الاحضار بشرط التقدم، كما في المضمر الغائب والمعرف بلام العهد والموصول فانه يشترط تقدم ذكره أو تقدم العلم بالصلة. وفيه نظر لان جميع طرق التعريف كذلك حتى العلم فانه مشروط بتقدم العلم بالوضع (نحو قل هو اللّه احد) فاللّه اصله الاله حذفت الهمزة وعوضت عنها حرف التعريف ثم جعل علما للذات الواجب الوجود الخالق للعالم. وزعم انه اسم لمفهوم الواجب لذاته أو المستحق للعبودية له وكل منهما كلى انحصر في فرد فلا يكون علما لان مفهوم العلم جزئي. وفيه نظر لانا لا نسلم انه اسم لهذا المفهوم الكلى كيف وقد اجتمعوا على ان قولنا لا اله الا اللّه كلمة التوحيد ولو كان اللّه اسما لمفهوم كلى لما افادت التوحيد لان الكلى من حيث انه كلى يحتمل الكثرة (أو تعظيم أو اهانة) كما في الالقاب الصالحة لذلك مثل ركب على وهرب معاوية (أو كناية) عن معنى يصلح للعلم له نحو أبو لهب فعل كذا كناية عن كونه جهنميا بالنظر إلى الوضع الاول اعني الاضافي لان معناه ملازم النار وملابسها ويلزمه ان جهنمى فيكون انتقالا من الملزوم إلى اللازم باعتبار الوضع الاول وهذا القدر كاف في الكناية. وقيل في هذا المقام ان الكناية كما يقال جاء حاتم ويراد به لازمه أي جواد لا الشخص المسمى بحاتم ويقال رأيت ابا لهب أي جهنميا. وفيه نظر لانه حينئذ يكون استعارة لا كناية على ما سيجئ ولو كان المراد ما ذكره لكان قولنا فعل هذا الرجل كذا مشيرا إلى كافر. وقولنا أبو جهل فعل كذا كناية عن الجهنمي ولم يقل به احد. ومما يدل على فساد ذلك انه مثل صاحب المفتاح وغيره في هذه الكناية، بقوله تعالى [ تبت يدا ابي لهب ]. ولا شك ان المراد به الشخص المسمى بابى لهب لا كافر آخر (أو ايهام استلذاذه) أي وجدان العلم لذيذا نحو قوله. باللّه يا ظبيات القاع قلن لنا * ليلاى منكن ام ليلى من البشر (أو التبرك به) نحو اللّه الهادى، ومحمد الشفيع، أو نحو ذلك، كالتفؤل والتطير والتسجيل على السامع وغيره مما يناسب اعتباره في الاعلام. (وبالموصولية) أي تعريف المسند إليه بايراده اسم موصول ١٤ (لعدم علم المخاطب بالاحوال المختصة به سوى الصلة كقولك الذى كان معنا امس رجل عالم) ولم يتعرض المصنف لما لا يكون للمتكلم أو لكليهما علم بغير الصلة نحو الذين في بلاد المشرق لا اعرفهم أو لا نعرفهم لقلة جدوى مثل هذا الكلام (أو استهجان التصريح بالاسم أو زيادة التقرير) أي تقرير الغرض المسوق له الكلام. وقيل تقرير المسند وقيل المسند إليه (نحو ورودته) أي يوسف عليه السلام والمرادوة مفاعلة من راد يرود جاء وذهب وكان المعنى خادعته عن نفسه وفعلت فعل المخادع لصاحبه عن الشئ الذى لا يريد ان يخرجه من يده يحتال عليه ان يأخذ، منه وهى عبارة عن التمحل لموافقته اياها. والمسند إليه هو قوله (التى هو في بيتها عن نفسه) متعلق براودته، فالغرض المسوق له الكلام، نزاهة يوسف عليه السلام، وطهارة ذيله، والمذكور ادل عليه من امرأة العزيز أو زليخا، لانه إذا كان في بيتها وتمكن من نيل المراد منها ولم يفعل كان غاية في النزاهة. وقيل هو تقرير للمراودة لما فيه من فرط الاختلاط والالفة وقيل تقرير للمنسد إليه لامكان وقوع الابهام والاشتراك في امرأة العزيز أو زليخا والمشهور ان الآية مثال لزيادة التقرير فقط. وظني انها مثال لها ولاستهجان التصريح بالاسم وقد بينته في الشرح (أو التفخيم) أي التعظيم والتهويل (نحو فغشيهم من اليم ما غشيهم) فان في هذا الابهام من التفخيم ما لا يخفى (أو تنبيه المخاطب على خطاء نحو " ان الذين ترونهم) أي تظنونهم (اخوانكم، يشفى غليل صدورهم ان تصرعوا ") أي تهلكوا وتصابوا بالحوادث. ففيه من التنبيه على خطائهم في هذا الظن ما ليس في قولك ان القوم الفلاني (أو الايماء) أي الاشارة (إلى وجه بناء الخبر) أي إلى طريقة. تقول: عملت هذا العمل على وجه عملك وعلى جهته أي على طرزه وطريقته يعنى تأتى بالموصول والصلة للاشارة إلى ان بناء الخبر عليه من أي وجه واى طريق من الثواب والعقاب والمدح والذم وغير ذلك (نحو ان الذين يستكبرون عن عبادتي) فان فيه ايماء إلى ان الخبر المبنى عليه امر من جنس العقاب والاذلال وهو قوله تعالى سيدخلون جهنم داخرين ومن الخطاء في هذا المقام تفسير الوجه في قوله إلى وجه بناء الخبر بالعلة والسبب وقد استوفينا ذلك في الشرح. (ثم انه) أي الايماء إلى وجه بناء الخبر لا مجرد جعل المسند إليه موصولا كما سبق إلى بعض الاوهام (ربما جعل ذريعة) أي وسيلة (إلى التعريض بالتعظيم لشأنه) أي لشان الخبر (نحو ان الذى سمك) أي رفع (السماء بنى لنا بيتا) اراد به الكعبة أو بيت الشرف والمجد (دعائمه اعز واطول) من دعائم كل بيت. ففى قوله ان الذى سمك السماء ايماء إلى ان الخبر المبنى على امر من جنس الرفعة والبناء عند من له ذوق سليم. ثم فيه تعريض بتعظيم بناء بيته لكونه فعل من رفع السماء التى لابناء اعظم منها وارفع ١٥ (أو) ذريعة إلى تعظيم (شان غيره) أي غير الخبر (نحو الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين). ففيه ايماء إلى ان الخبر المبنى عليه مما ينبئ عن الخيبة والخسران وتعظيم لشان شعيب عليه السلام. وربما يجعل ذريعة إلى الاهانة لشان الخبر نحو ان الذى لا يحسن معرفة الفقه قد صنف فيه أو لشان غيره نحو ان الذى يتبع الشيطان فهو خاسر وقد يجعل ذريعة إلى تحقق الخبر أي جعله محققا ثابتا نحو. ان التي ضربت بيتا مهاجرة * بكوفة الجند غالت ودها غول فان في ضرب البيت بكوفة والمهاجرة إليها بماء إلى ان طريق بناء الخبر مما ينبئ عن زوال المحبة وانقطاع المودة. ثم انه يحقق زوال المودة ويقرره حتى كأنه برهان عليه وهذا معنى تحقيق الخبر وهو مفقود في مثل ان الذى سمك السماء إذ ليس في رفع اللّه السماء تحقيق وتثبيت لبنائه لهم بيتا فظهر الفرق بين الايماء وتحقيق الخبر. (وبالاشارة) أي تعريف المسند إليه بايراده اسم الاشارة (لتمييزه) أي المسند إليه (اكمل تمييز) لغرض من الاغراض (نحو هذا أبو الصقر فردا) نصب على المدح أو على الحال (في محاسنه)، من نسل شيبان بين الضال والسلم وهما شجرتان بالبادية يعنى يقيمون بالبادية لان فقد العز في الحضر (أو التعريض بغباوة السامع) حتى كأنه لا يدرك غير المحسوس (كقوله اولئك آبائى فجئني بمثلهم * إذا جمعتنا ياجرير المجامع (أو بيان حاله) أي المسند إليه (في القرب أو البعد أو التوسط كقولك هذا أو ذاك أو ذلك زيد). واخر ذكر التوسط ؟ لانه انما يتحقق بعد تحقق الطرفين، وامثال هذه المباحث تنظر فيها اللغة، من حيث انها تبين ان هذا مثال للقريب، وذاك للمتوسط وذلك لبعيد، وعلم المعاني من حيث انه إذا اريد بيان قرب المسند إليه يؤتى بهذا وهو زائد على اصل المراد الذى هو الحكم على المسند إليه المذكور المعبر عنه بشئ يوجب تصوره على أي وجه كان (أو تحقيره) أي تحقير المسند إليه (بالقرب نحو هذا الذى يذكر آلهتكم أو تعظيمه بالبعد نحو آلم ذلك الكتاب) تنزيلا لبعد درجته ورفعة محله منزلة بعد المسافة ١٦ (أو تحقيره بالبعد كما يقال ذلك اللعين فعل كذا) تنزيلا لبعده عن ساحة عز الحضور والخطاب منزلة بعد المسافة. ولفظ ذلك صالح للاشارة إلى كل غائب، عينا كان أو معنى، وكثير ما يذكر المعنى الحاضر المتقدم الحاضر بلفظ ذلك لان المعنى غير مدرك بالحس فكأنه بعيد (أو للتنبيه) أي تعريف المسند إليه بالاشارة للتنبيه (عند تعقيق المشار إليه باوصاف) أي عند ايراد الاوصاف على عقيب المشار إليه يقال عقبه فلان إذا جاء على عقبه. ثم تعديه بالباء إلى المفعول الثاني وتقول عقبته بالشئ إذا جعلت الشئ على عقبه. وبهذا ظهر فساد ما قيل ان معناه عند جعل اسم الاشارة بعقب اوصاف (على انه) متعلق بالتنبيه أي للتنبيه على ان المشار إليه (جدير بما يرد به بعده) أي بعد اسم الاشارة (من اجلها) متعلق بجدير أي حقيق بذلك لاجل الاوصاف التى ذكرت بعد المشار إليه (نحو) الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلوة إلى قوله [ اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون) عقب المشار إليه وهو اللذين يؤمنون باوصاف متعددة من الايمان بالغيب واقامة الصلاة وغير ذلك. ثم عرف المسند إليه بالاشارة تنبيها على ان المشار إليهم احقاء بما يرد بعد اولئك وهو كونهم على الهدى عاجلا والفوز بالفلاح آجلا من اجل اتصافهم بالاوصاف المذكورة (وباللام) أي تعريف المسند إليه باللام (للاشارة إلى معهود) أي إلى حصة من الحقيقة معهودة بين المتكلم والمخاطب واحدا كان أو اثنين أو جماعة يقال عهدت فلانا إذا ادركته ولقيته وذلك لتقدم ذكره صريحا أو كناية (نحو وليس الذكر كالانثى أي ليس) الذكر (الذى طلبت) امرأة عمران (كالتي) أي كالانثى التي (وهبت) تلك الانثى (لها) أي لامرأة عمران فالانثى اشارة إلى ما تقدم ذكره صريحا في قوله تعالى [ قالت رب اني وضعتها انثى ]، لكنه ليس بمسند إليه. والذكر اشارة إلى ما سبق ذكره كناية في قوله تعالى [ رب اني نذرت لك ما في بطني محررا ]، فان لفظة ما وان كان يعم الذكور والاناث لكن التحرير وهو ان يعتق الولد لخدمة بيت المقدس انما كان للذكور دون الاناث وهو المسند إليه. وقد يستغنى عن ذكره لتقدم علم المخاطب به نحو خرج الامير إذا لم يكن في البلد الا امير واحد (أو) للاشارة (إلى نفس الحقيقة) ومفهوم المسمى من غير اعتبار لما صدق عليه من الافراد (كقولك الرجل خير من المرأة. وقد يأتي) المعرف بلام الحقيقة (لواحد) من الافراد (باعتبار عهديته للذهن) لمطابقة ذلك الواحد مع الحقيقة يعنى يطلق المعرف بلام الحقيقة الذى هو موضوع للحقيقة المتخذة في الذهن على فرد موجود من الحقيقة باعتبار كونه معهودا في الذهن وجزئيا من جزئيات تلك الحقيقة مطابقا اياها كما يطلق الكلى الطبيعي على كل جزئي من جزئياته. وذلك عند قيام قرينة دالة على أنه ليس القصد إلى نفس الحقيقة من حيث هي هي بل من حيث الوجود ولا من حيث وجودها في ضمن جميع الافراد بل بعضها غير معين (كقولك ادخل السوق حيث لا عهد) في الخارج ومثله قوله تعالى [ واخاف ان يأكله الذئب ] (وهذا في المعنى كالنكرة) وان كان في اللفظ يجرى عليه احكام المعارف من وقوعه مبتدأ وذا حال ووصفا للمعرفة وموصوفا بها ونحو ذلك وانما قال كالنكرة لما بينهما من تفاوت ما وهو ان النكرة معناه بعض غير معين من جملة الحقيقة وهذا معناه نفس الحقيقة. وانما تستفاد البعضية من القرينة كالدخول والاكل فالمجرد وذو اللام بالنظر إلى القرينة سواء وبالنظر إلى انفسهما مختلفان ولكونه في المعنى كالنكرة قد يعامل معاملة النكرة ويوصف بالجملة كقوله " ولقد امر على اللئيم يسبنى ". (وقد يفيد) المعرف باللام المشار بها إلى الحقيقة (الاستغراق نحو ان الانسان لفي خسر) اشير بالام إلى الحقيقة لكن لم يقصد بها الماهية من حيث هي هي ولا من حيث تحققها في ضمن بعض الافراد بل في ضمن الجميع بدليل صحة الاستثناء الذى شرطه دخول المستثنى في المستثنى منه لو سكت عن ذكره فاللام التى لتعريف العهد الذهنى أو الاستغراق هي لام الحقيقة حمل على ما ذكرناه بحسب المقام والقرينة. ولهذا قلنا ان الضمير في قوله يأتي وقد يفيد عائد إلى المعرف باللام المشار بها إلى الحقيقة ولابد في لام الحقيقة من ان يقصد بها الاشارة إلى الماهية باعتبار حضورها في الذهن ليتميز عن اسماء الاجناس النكرات مثل الرجعى ورجعى وإذا اعتبر الحضور في الذهن فوجه امتيازه عن تعريف العهد ان لام العهد اشارة إلى حصة معينة من الحقيقة واحدا كان أو اثنين أو جماعة ولام الحقيقة اشارة إلى نفس الحقيقة من غير نطر إلى ؟ ؟ فليتأمل. (وهو) أي الاستغراق (ضربان حقيقي) ١٧ وهو ان يراد كل فرد مما يتناوله اللفظ بحسب اللغة (نحو عالم الغيب والشهادة أي كل غيب وشهادة وعرفي) وهو ان يراد كل فرد مما يتناوله اللفظ بحسب متفاهم العرف (نحو جمع الامير الصاغة أي صاغة بلده أو) اطراف (مملكته) لانه المفهوم عرفا لا صاغة الدنيا. قيل المثال مبنى على مذهب المازنى والا فاللام في اسم الفاعل عند غيره موصول، وفيه نظر لان الخلاف انما هو في اسم الفاعل والمفعول بمعنى الحدوث دون غيره نحو المؤمن والكافر والعالم والجاهل لانهم قالوا هذه الصفة فعل في صورة الاسم فلابد فيه من معنى الحدوث ولو سلم فالمراد تقسيم مطلق الاستغراق سواء كان بحرف التعريف أو غيره. والموصول ايضا مما يأتي للاستغراق نحو اكرم الذين يأتونك الا زيدا واضرب القاعدين والقائمين الا عمرا وهذا ظاهر (واستغراق المفرد) سواء كان بحرف التعريف أو غيره (اشمل) من استغراق المثنى والمجموع بمعنى انه يتناول كل واحد واحد من الافراد والمثنى انما يتناول كل اثنين اثنين والجمع انما بتناول كل جماعة جماعة (بدليل صحة لا رجال في الدار إذا كان فيها رجل أو رجلان دون لا رجل) فانه لا يصح إذا كان فيها رجل أو رجلان وهذا في النكرة المنفية مسلم. واما في المعرف باللام فلا نسلم بل الجمع المعرف بلام الاستغراق يتناول كل واحد من الافراد على ما ذكره اكثر ائمة الاصول والنحو ودل عليه الاستقراء واشار إليه ائمة التفسير وقد اشبعنا الكلام في هذا المقام في الشرح فليطالع ثمة. ولما كان ههنا مظنة اعتراض وهو ان افراد الاسم يدل على وحدة معناه والاستغراق يدل على تعدده وهما متنافيان اجاب عنه بقوله (ولا تنافى بين الاستغراق وافراد الاسم لان الحرف) الدال على الاستغراق كحرف النفى ولام التعريف (انما يدخل عليه) أي على الاسم المفرد حال كونه (مجردا عن) الدلالة على (معنى الواحدة) وامتناع وصفه بنعت الجمع للمحافظة على التشاكل اللفظى (ولانه) أي المفرد الداخل عليه حرف الاستغراق (بمعنى كل فرد لا مجموع الافراد ولهذا امتنع وصفه بنعت الجمع) عند الجمهور وان حكاه الاخفش في نحو اهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض. (وبالاضافة) أي تعريف المسند إليه بالاضافة إلى شئ من المعارف (لانها) أي الاضافة (اخصر طريق) إلى احضاره في ذهن السامع (نحو هواى) أي مهواى وهذا اخصر من الذى اهواه ونحو ذلك والاختصار مطلوب لضيق المقام وفرط السأمة لكونه في السجن والحبيب على الرحيل (مع الركب اليمانين مصعد) أي مبعد ذاهب في الارض وتمامه " جنيب وجثماني بمكه موثق ". الجنيب المجنون المستتبع والجثمان الشخص والموثق المقيد ولفظ البيت خبر ومعناه تأسف وتحسر. (أو لتضمنها) أي التضمن الاضافة (تعظيما لشان المضاف إليه أو المضاف أو غيرهما كقولك) في تعظيم المضاف إليه (عبدى حضر) تعظيما لك بان لك عبدا (أو) في تعظيم المضاف (عبد الخليفة ركب) تعظيما للعبد بانه عبد الخليفة (أو) في تعظيم غير المضاف والمضاف إليه (عبد السلطان عندي) تعظيما للمتكلم بان عبد السلطان عنده وهو غير المسند إليه المضاف وغير ما اضيف المسند إليه وهذا معنى قوله أو غيرهما. ١٨ (أو) لتضمنها (تحقيرا) للمضاف (نحو ولد الحجام حاضر) أو المضاف إليه نحو ضارب زيد حاضر أو غيرهما نحو ولد الحجام جليس زيد أو لا غنائها عن تفصيل متعذر نحو اتفق اهل الحق على كذا أو متعسر نحو اهل البلد فعلوا كذا أو لانه يمنع عن التفصيل مانع مثل تقديم البعض على بعض نحو علماء البلد حاضرون إلى غير ذلك من الاعتبارات. (واما تنكيره) أي تنكير المسند إليه (فللافراد) أي للقصد إلى فرد مما يقع عليه اسم الجنس (نحو وجاء رجل من اقصى المدينة يسعى أو النوعية) أي للقصد إلى نوع منه (نحو وعلى ابصارهم غشاوة) أي نوع من الاغطية وهو غطاء التعامى عن ايات اللّه تعالى، وفى المفتاح انها للتعظيم أي غشاوة عظيمة (أو التعظيم أو التحقير كقوله له حاجب) أي مانع عظيم (في كل امر يشينه) أي يعيبه (وليس له عن طالب العرف حاجب) أي مانع حقير فكيف بالعظيم (أو التكثير كقولهم ان له لابلا وان له لغنما أو التقليل نحو ورضوان من اللّه اكبر). والفرق بين التعظيم والتكثير ان التعظيم بحسب ارتفاع الشان وعلو الطبقة والتكثير باعتبار الكميات والمقادير تحقيقا كما في الابل أو تقديرا كما في الرضوان وكذا التحقير والتقليل، وللاشارة إلى ان بينهما فرقا قال (وقد جاء) التنكير (للتعظيم والتكثير نحو ان يكذبوك فقد كذبت رسل) من قبلك (أي رسل ذووا عدد كثير) هذا ناظر إلى التكثير (و) ذووا (آيات عظام) هذا ناظر إلى التعظيم. وقد يكون للتحقير والتقليل معانحو حصل لى منه شئ أي حقير قليل ١٩ (ومن تنكير غيره) أي غير المسند إليه (للافراد أو النوعية نحو واللّه خلق كل دابة من ماء) أي كل فرد من افراد الدواب من نطفة معينة هي نطفة ابيه المختصة به أو كل نوع من انواع الدواب من نوع من انواع المياه وهو نوع النطفة التى تختص بذلك النوع من الدابة (و) من تنكير غيره (للتعظيم نحو فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله) أي حرب عظيم. (وللتحقير نحو ان نظن الا ظنا) أي ظنا حقيرا ضعيفا إذا الظن مما يقبل الشدة والضعف فالمفعول المطلق ههنا للنوعية لا للتأكيد وبهذا الاعتبار صح وقوعه بعد الاستثناء مفرغا مع الامتناع نحو ما ضربته الا ضربا على ان يكون المصدر للتأكيد لان مصدر ضربته لا يحتمل غير الضرب والمستثنى منه يجب ان يكون متعددا ليشمل المستثنى وغيره. واعلم انه كما ان التنكير الذى في معنى البعضية يقيد التعظيم فكذلك صريح لفظة البعض كما في قوله تعالى [ ورفع بعضهم درجات ] اراد محمدا صلى اللّه عليه وآله ففى هذا الابهام من تفخيم فضله واعلاء قدره ما لا يخفى. (واما وصفه) أي وصف المسند إليه، والوصف قد يطلق على نفس التابع المخصوص وقد يطلق بمعنى المصدر وهو الانسب ههنا واوفق بقوله واما بيانه واما الابدال عنه أي واما ذكر النعت له (فلكونه) أي الوصف بمعنى المصدر والاحسن ان يكون بمعنى النعت على ان يراد باللفظ احد معنييه وبضميره معناه الآخر على ما سيجئ في البديع (مبينا له) أي للمسند إليه. (كاشفا عن معناه كقولك الجسم الطويل العريض العميق يحتاج إلى فراغ يشغله) فان هذه الاوصاف مما يوضح الجسم ويقع تعريفا له (ومثله في الكشف) أي مثل هذا القول في كون الوصف للكشف والايضاح وان لم يكن وصفا للمسند إليه (قوله الالمعى الذى يظن بك الظن كان قد رأى وقد سمعا) فان الالمعى معناه الذكى المتوقد والوصف بعده مما يكشف معناه ويوضحه. لكنه ليس بمسند إليه لانه اما مرفوع على انه خبر ان في البيت السابق اعني قوله " ان الذى جمع السماحة والنجدة والبر والتقى جمعا " أو منصوب على انه صفة لاسم ان أو بتقدير اعني وخبر ان حينئذ في قوله بعد عدة ابيات شعر " اودى فلا تنفع الاشاحة من امر لمرء يحاول البدعا " (أو) لكون الوصف (مخصصا للمسند إليه أي مقللا اشتراكه أو رافعا احتماله، وفي عرف النحاة التخصيص عبارة عن تقليل الاشتراك في النكرات والتوضيح عبارة عن رفع الاحتمال الحاصل في المعارف (نحو زيد التاجر عندنا) فان وصفه بالتاجر يرفع احتمال التاجر وغيره (أو) لكون الوصف (مدحا أو ذما نحو جاءني زيد العالم أو الجاهل حيث يتعين الموصوف) اعني زيدا (قبل ذكره) أي ذكر الوصف والا لكان الوصف مخصصا ٢٠ (أو) لكونه (تأكيدا نحو امس الدابر كان يوما عظيما) فان لفظ الامس مما يدل على الدبور. وقد يكون الوصف لبيان المقصود وتفسيره كقوله تعالى [وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه] جيث وصف دابة وطائرا بما هو من خواص الجنس لبيان ان القصد منهما إلى الجنس دون الفرد وبهذا الاعتبار افاد هذا الوصف زيادة التعميم والاحاطة. (واما توكيده) أي توكيد المسند إليه (فللتقرير) أي تقرير المسند إليه أي تحقيق مفهومه ومدلوله اعني جعله مستقرا محققا ثابتا بحيث لا يظن به غيره نحو جاءني زيد زيد إذا ظن المتكلم غفلة السامع عن سماع لفظ المسند إليه أو عن حمله على معناه، وقيل المراد تقرير الحكم نحو انا عرفت أو المحكوم عليه نحو انا سعيت في حاجتك وحدي أو لا غيرى، وفيه نظر لانه ليس من تأكيد المسند إليه في شئ، إذ تأكيد المسند إليه لا يكون التقرير الحكم قط وسيصرح المصنف رحمه اللّه بهذا (أو لدفع توهم التجوز) أي التكلم بالمجاز نحو قطع اللص الامير الامير أو نفسه أو عينه لئلا يتوهم ان اسناد القطع إلى الامير مجاز وانما القاطع بعض غلمانه (أو) لدفع توهم (السهو) نحو: جاءني زيد زيد، لئلا يتوهم ان الجائى غير زيد وانما ذكر زيدا على سبيل السهو (أو) لدفع توهم (عدم الشمول) نحو جاءني القوم كلهم أو اجمعون لئلا يتوهم ان بعضهم لم يجئ الا انك لم تعتد بهم أو انك جعلت الفعل الواقع من البعض كالواقع من الكل بناء على انهم في حكم شخص واحد كقولك بنو فلان قتلوا زيدا وانما قتله واحد منهم. (واما بيانه) أي تعقيب المسند إليه بعطف البيان (فلا يضاحه باسم مختص به نحو قدم صديقك خالد) ولا يلزم ان يكون الثاني اوضح لجواز ان يحصل الايضاح من اجتماعها. وقد يكون عطف البيان بغير اسم مختص به كقوله والمؤمن العانذات الطير يمسحها * ركبان مكة بين الغيل والسند فان الطير عطف بيان للعائذات مع انه ليس اسما يختص بها. وقد يجئ عطف البيان لغير الايضاح كما في قوله تعالى [ جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قياما للناس ] ذكر صاحب الكشاف ان البيت الحرام عطف بيان للكعبة جئ به للمدح لا للايضاح كما تجئ الصفة لذلك. (واما الابدال منه) أي من المسند إليه (فلزيادة التقرير) من اضافة المصدر إلى المفعول أو من اضافة البيان أي الزيادة التى هي التقرير. وهذا من عادة افتنان صاحب المفتاح حيث قال في التأكيد للتقرير وههنا لزيادة التقرير. ومع هذا فلا يخلو عن نكتة لطيفة وهى الايماء إلى ان الغرض من البدل، هو ان يكون مقصودا بالنسبة والتقرير زيادة تحصل تبعا وضمنا بخلاف التأكيد، فان الغرض منه نفس التقرير والتحقيق (نحو جاءني اخوك زيد) في بدل الكل ويحصل التقرير بالتكرير (وجاءني القوم اكثرهم) في بدل البعض (وسلب زيد ثوبه) في بدل الاشتمال. وبيان التقرير فيهما ان المتبوع يشتمل على التابع اجمالا حتى كأنه مذكور. اما في البعض فظاهر. واما في الاشتمال فلان معناه ان يشمل المبدل منه على البدل لا كاشتمال الظرف على المظروف بل من حيث كونه مشعرا به اجمالا ومتقاضيا له بوجه ما بحيث تبقى النفس عند ذكر المبدل منه متشوقة إلى ذكره منتظرة له. وبالجملة يجب ان يكون المتبوع فيه بحيث يطلق ويراد به التابع نحو اعجبني زيد إذا اعجبك علمه بخلاف ضربت زيدا إذا ضربت حماره، ولهذا صرحوا بان نحو جاءني زيد اخوه بدل غلط لا بدل اشتمال كما زعم بعض النحاة ثم بدل البعض والاشتمال بل بدل الكل ايضا لا يخلو عن ايضاح وتفسير ولم يتعرض لبدل الغلط لانه لا يقع في فصيح الكلام. (واما العطف) أي جعل الشئ معطوفا على المسند إليه (فلتفصيل المسند إليه مع اختصار نحو جاءني زيد وعمرو) فان فيه تفصيلا للفاعل، بانه زيد وعمرو، من غير دلالة على تفصيل الفعل، بان المجيئين كانا معا، أو مترتبين مع مهلة أو بلا مهلة. واحترز بقوله مع اختصار عن نحو جاءني زيد، وجاءني عمرو، فان فيه تفصيلا للمسند إليه، مع انه ليس من عطف المسند إليه. وما يقال من انه احتراز عن نحو جاءني زيد، جاءني عمرو، من غير عطف، فليس بشئ، إذ ليس فيه دلالة على تفصيل المسند إليه، بل يحتمل ان يكون اضرابا عن الكلام الاول ونص عليه الشيخ في دلائل الاعجاز. (أو) لتفصيل (المسند) بانه قد حصل من احد المذكورين اولا، ومن الاخر بعده مع مهلة أو بلا مهلة (كذلك) أي مع اختصار. واحترز بقوله كذلك عن نحو جاءني زيد وعمرو بعده بيوم أو سنة (نحو جاءني زيد فعمرو أو ثم عمرو أو جاءني القوم حتى خالد) فالثلاثة تشترك في تفصيل المسند الا ان الفاء تدل على التعقيق من غير تراخ وثم على التراخي وحتى على ان اجزاء ما قبلها مترتبة في الذهن من الاضعف إلى الاقوى أو بالعكس. فمعنى تفصيل المسند فيها ان يعتبر تعلقه بالمتبوع اولا وبالتابع ثانيا من حيث انه اقوى من اجزاء المتبوع أو اضعفها ولا يشترط فيها الترتيب الخارجي. فان قلت في هذه الثلاثة ايضا تفصيل للمسند إليه فلم لم يقل أو لتفصيلهما معا. قلت فرق بين ان يكون الشئ حاصلا من شئ وبين ان يكون الشئ مقصودا منه وتفصيل المسند إليه في هذه الثلاثة وان كان حاصلا لكن ليس العطف بهذه الثلاثة لاجله لان الكلام إذا اشتمل على قيد زائد على مجرد الاثبات أو النفى فهو الغرض الخاص والمقصود من الكلام ففى هذه الامثلة تفصيل المسند إليه كانه امر كان معلوما وانما سيق الكلام لبيان ان مجئ احدهما كان بعد الاخر فليتأمل. وهذا البحث مما اورده الشيخ في دلائل الاعجاز ووصى بالمحافظة عليه (اورد السامع) عن الخطاء في الحكم (إلى الصواب نحو جاءني زيد لا عمرو) لمن اعتقد ان عمروا جاءك دون زيد أو انهما جاآك جميعا ولكن ايضا للرد إلى الصواب الا انه لا يقال لنفى الشركة حتى ان نحو ما جاءني زيد لكن عمرو انما يقال لمن اعتقد ان زيدا جاءك دون عمرو، لا لمن اعتقد انهما جاآك جميعا. وفي كلام النحاة ما يشعر بانه انما يقال لمن اعتقد انتفاء المجئ عنهما جميعا ٢١ (أو صرف الحكم) عن المحكوم عليه (إلى) محكوم عليه (آخر نحو جاءني زيد بل عمرو أو ما جاءني زيد بل عمرو) فان بل للاضراب عن المتبوع وصرف الحكم إلى التابع ومعنى الاضراب عن المتبوع ان يجعل في حكم المسكوت عنه لا ان ينفى عنه الحكم قطعا خلافا لبعضهم. ومعنى صرف الحكم في المثبت ظاهر وكذا في المنفى ان جعلناه بمعنى نفى الحكم عن التابع والمتبوع في حكم المسكوت عنه أو متحقق الحكم له حتى يكون معنى ما جاءني زيد بل عمرو ان عمروا لم يجيئ وعدم مجيئ زيد زيد ومجيئه على الاحتمال أو مجيئه محقق كما هو مذهب المبرد وان جعلناه بمعنى ثبوت الحكم للتابع حتى يكون معنى ما جاءني زيد بل عمرو ان عمروا جاءك كما هو مذهب الجمهور. ففيه اشكال (أو للشك) من المتكلم (أو التشكيك للسامع) أي ايقاعه في الشك (نحو جاءني زيد أو عمرو) أو للابهام نحو قوله تعالى وانا أو اياكم لعلى هدى اوفي ضلال مبين، أو للتخيير أو للاباحة نحو ليدخل الدار زيد أو عمرو والفرق بينهما ان في الاباحة يجوز الجمع بينهما بخلاف التخيير. واما فصله: أي تعقيب المسند إليه بضمير الفصل، وانما جعله من احوال المسند إليه، لانه يقترن به اولا، ولانه في المعنى عبارة عنه، وفى اللفظ مطابق له (فلتخصيصه) أي المسند إليه (بالمسند) يعنى لقصر المسند على المسند إليه، لان معنى قولنا: زيد هو القائم، ان القيام مقصور على زيد لا يتجاوزه إلى عمرو، فالباء في قوله فلتخصيصه بالمسند مثلها في قولهم، خصصت فلانا بالذكر، أي: ذكرته دون غيره، كانك جعلته من بين الاشخاص مختصا بالذكر، أي منفردا به، والمعنى ههنا جعل المسند إليه من بين ما يصح اتصافه بكونه مسندا إليه مختصا بان يثبت له المسند كما يقال: في اياك نعبد معناه نخصك بالعبادة ولا نعبد غيرك. واما تقديمه: أي تقديم المسند إليه (فلكون ذكره اهم) ولا يكفى في التقديم مجرد ذكر الاهتمام بل لابد من ان يبين ان الاهتمام من أي جهة وباى سبب فلذا فصله بقوله: (اما لانه) أي تقديم المسند إليه (الاصل) لانه المحكوم عليه ولابد من تحققه قبل الحكم فقصدوا ان يكون في الذكر ايضا مقدما (ولا مقتضى للعدول عنه) أي عن ذلك الاصل إذ لو كان امر يقتضى العدول عنه فلا يقدم كما في الفاعل فان مرتبة العامل التقدم على المعمول، (واما ليتمكن الخبر في ذهن السامع، لان في المبتدأ تشويقا إليه) أي الخبر (كقوله والذى حارت البرية فيه حيوان مستحدث من جماد) يعنى تحيرت الخلائق في المعاد الجسماني والنشور الذى ليس بنفسانى بدليل ما قبله " بان امر الاله واختلف الناس فداع إلى ضلال وهاد " يعنى بعضهم يقول بالمعاد، وبعضهم لا يقول به. (واما التعجيل المسرة أو المساءة للتفاؤل) علة لتعجيل المسرة (أو التطير) علة لتعجيل المساءة (نحو سعد في دارك) لتعجيل المسرة (والسفاح في دار صديقك) لتعجيل المساءة. (واما لايهام انه) أي المسند إليه (لا يزول عن الخاطر) لكونه مطلوبا (أو انه يستلذ به) لكونه محبوبا (أو لنحو ذلك) كاظهار تعظيمه أو تحقيره أو ما اشبه ذلك قال (عبد القاهر وقد يقدم) المسند إليه (ليفيد) التقديم (تخصيصه بالخبر الفعلي) أي لقصرا الخبر الفعلى عليه (ان ولى) المسند إليه (حرف النفى) أي وقع بعدها بلا فصل ٢٢ (نحو ما انا قلت هذا أي لم اقله مع انه مقول لغيري). فالتقديم يفيد نفى الفعل عن المتكلم، وثبوته لغيره على الوجه الذى نفى عنه من العموم أو الخصوص، ولا يلزم ثبوته لجميع من سواك، لان التخصيص ههنا انما هو بالنسبة إلى من توهم المخاطب اشتراكك معه في القول أو انفرادك به دونه. (ولهذا أي ولان التقديم يفيد التخصيص ونفى الحكم عن المذكور، مع ثبوته للغير (لم يصح ما انا قلت) هذا (ولا غيرى). لان مفهوم ما انا قلت ثبوت قائلية هذا القول لغير المتكلم، ومنطوق لا غيري نفيها عنه وهما متناقضان (ولا ما انا رأيت احدا) لانه يقتضى ان يكون انسان غير المتكلم، قد رأى كل احد من الانسان لانه قد نفى عن المتكلم الرؤية على وجه العموم في المفعول فيجب ان يثبت لغيره على وجه العموم في المفعول ليتحقق تخصيص المتكلم بهذا النفى (ولا ما انا ضربت إلا زيدا) لانه يقتضى ان يكون انسان غيرك قد ضرب كل احد سوى زيد لان المستثنى منه مقدر عام وكل ما نفيته عن المذكور على وجه الحصر يجب ثبوته لغيره تحقيقا لمعنى الحصر ان عاما فعام وان خاصا فخاص. وفي هذا المقام مباحث نفيسة وشحنا بها في الشرح (والا) أي وان لم يل المسند إليه حرف النفى بان لا يكون في الكلام حرف النفى أو يكون حرف النفى متأخرا عن المسند إليه (فقد يأتي) التقديم (للتخصيص) ردا (على من زعم انفراد غيره) أي غير المسند إليه المذكور (به) أي في الخبر الفعلى (أو) زعم (مشاركته) أي مشاركة الغير (فيه) أي في الخبر الفعلى (نحو انا سعيت في حاجتك) لمن زعم انفراد الغير بالسعي، فيكون قصر قلب أو زعم مشاركته لك في السعي، فكيون قصر افراد (ويؤكد على الاول) أي على تقدير كونه ردا على من زعم انفراد الغير (بنحو لا غيرى) مثل لا زيد ولا عمرو ولا من سواى لانه الدال صريحا على نفى شبهة لان الفعل صدر عن الغير. (و) يؤكد (على الثاني) أي على تقدير كونه ردا على من زعم المشاركة (بنحو وحدي) مثل منفردا أو متوحدا أو غير مشارك أو غير ذلك لانه الدال صريحا على ازالة شبهة اشتراك الغير في الفعل والتأكيد انما يكون لدفع شبهة خالجت قلب السامع (وقد يأتي لتقوى الحكم) وتقريره في ذهن السامع دون التخصيص (نحو هو يعطى الجزيل) قصدا إلى تحقيق انه يفعل اعطاء الجزيل وسيرد عليك تحقيق معنى التقوى (وكذا إذا كان الفعل منفيا) فقد يأتي التقديم للتخصيص. وقد يأتي للتقوى. فالاول نحو انت ما سعيت في حاجتى قصدا إلى تخصيصه لعدم السعي. والثانى (نحو انت لا تكذب) وهو لتقوية الحكم المنفى. وتقريره (فانه اشد لنفى الكذب من لا تكذب) لما فيه من تكرار الاسناد المفقود في لا تكذب واقتصر المصنف على مثال التقوى ليفرع عليه التفرقة بينه وبين تأكيد المسند إليه كما اشار إليه بقوله (وكذا من لا تكذب انت) يعنى انه اشد لنفى الكذب من لا تكذب انت مع ان فيه تأكيدا (لانه) أي لان لفظ انت أو لان لفظ لا تكذب انت (لتأكيد المحكوم عليه) بانه ضمير المخاطب تحقيقا وليس الاسناد إليه على سبيل السهو أو التجوز أو النسيان (لا) لتاكيد (الحكم) لعدم تكرر الاسناد وهذا الذى ذكر من ان التقديم للتخصيص تارة وللتقوى اخرى إذا بنى الفعل على معرف ٢٣ (وان بنى الفعل على منكر افاد) التقديم (تخصيص الجنس أو الواحد به) أي بالفعل (نحو رجل جاءني أي لا امرأة) فيكون تخصيص جنس (أو رجلان) فيكون تخصيص واحد وذلك ان اسم الجنس حامل لمعنيين الجنسية والعدد المعين اعني الواحد ان كان مفردا أو الاثنين ان كان مثنى، والزائد عليه ان كان جمعا، فاصل النكرة المفردة ان تكون لواحد من الجنس، فقد يقصد به الواحد فقط والذى يشعر به كلام الشيخ في دلائل الاعجاز ان لا فرق بين المعرفة والنكرة في ان البناء عليه قد يكون للتخصيص وقد يكون للتقوى. (ووافقه) أي عبد القاهر (السكاكى على ذلك) أي على ان التقديم يفيد التخصيص لكن خالفه في شرائط وتفاصيل فان مذهب الشيخ انه ان ولى حرف النفى فهو للتخصيص قطعا والا فقد يكون للتخصيص وقد يكون للتقوى مضمرا كان الاسم أو مظهرا معرفا كان أو منكرا مثبتا كان الفعل أو منفيا. ومذهب السكاكى انه ان كان تكرة فهو للتخصيص ان لم يمنع منه مانع وان كان معرفة فان كان مظهرا فليس الا للتقوى وان كان مضمرا فقد يكون للتقوى وقد يكون للتخصيص من غير تفرقة بين ما يلى حرف النفى وغيره. والى هذا اشار بقوله (الا انه) أي السكاكى (قال التقديم يفيد الاختصاص ان جاز تقدير كونه) أي المسند إليه (في الاصل مؤخرا على انه فاعل معنى فقط) لا لفظا (تحو انا قمت) فانه يجوز ان يقدر ان اصله قمت انا فيكون انا فاعلا معنى تأكيدا لفظا (وقدر) عطف على جاز يعنى ان افادة التخصيص مشروط بشرطين. احدهما جواز التقدير والاخر ان يعتبر ذلك أي يقدر انه كان في الاصل مؤخرا (والا) أي وان لم يوجد الشرطان (فلا يفيد) التقديم (الا تقوى الحكم) سواء (جاز) تقدير التأخير (كما مر) في نحو انا قمت (ولم يقدر أو لم يجز) تقدير التأخير اصلا (نحو زيد قام) فانه لا يجوز ان يقدر ان اصله قام زيد فقدم لما سنذكره. ولما كان مقتضى هذا الكلام ان لا يكون نحو رجل جاءني مفيدا للتخصيص لانه إذا اخر فهو فاعل لفظا لا معنى استثناه السكاكى واخرجه من هذا الحكم بان جعله في الاصل مؤخرا على انه فاعل معنى لا لفظا بان يكون بدلا من الضمير الذى هو فاعل لفظا لا معنى وهذا معنى قوله. (واستثنى) السكاكى (المنكر بجعله من باب واسروا النجوى الذين ظلموا، أي على القول بالابدال من الضمير) يعنى قدر بان اصل رجل جاءني جاءني رجل على ان رجل ليس بفاعل، بل هو بدل من الضمير في جاءني، كما ذكر في قوله تعالى [ واسروا النجوى الذين ظلموا ] ان الواو فاعل والذين ظلموا بدل منه. وانما جعله من هذا الباب (لئلا ينتفى التخصيص إذ لا سبب له) أي للتخصيص (وسواه) أي سوى تقدير كونه مؤخرا في الاصل على انه فاعل معنى ولولا انه مخصص لما صح وقوعه مبتدأ (بخلاف المعرف) فانه يجوز وقوعه مبتدأ من غير اعتبار التخصيص، فلزم ارتكاب هذا الوجه البعيد في المنكر دون المعرف. فان قيل: فلزمه ابراز الضمير في مثل جاءني رجلان وجاؤني رجال والاستعمال بخلاف قلنا ليس مراده ان المرفوع في قولنا جاءني رجل، بدل لافاعل، فانه مما لا يقول به عاقل فضلا عن فاضل، بل المراد ان المرفوع في مثل قولنا رجل جاءني ان يقدر، ان الاصل جاءني رجل على ان رجلا بدل لا فاعل، ففى مثل رجال جاؤني يقدر ان الاصل جاؤني رجال فليتأمل. (ثم قال) السكاكى (وشرطه) أي وشرط كون المنكر من هذا الباب، واعتبار التقديم والتأخير فيه (إذا لم يمنع من التخصيص مانع كقولك رجل جاءني على ما مر) ان معناه رجل جاءني لا امرأة أو لا رجلان (دون قولهم شر اهر ذا ناب) فان فيه مانعا من التخصيص. (اما على تقدير الاول) يعنى تخصيص الجنس (فلا متناع ان يراد ان المهر شر لا خير) لان المهر لا يكون الاشرا. واما على (الثاني) يعنى تخصيص الواحد (فلنبوه عن مظان استعماله) أي لنبو تخصيص الواحد عن مواضع استعمال هذا الكلام، لانه لا يقصد به ان المهر شر لاشران وهذا ظاهر. ٢٤ (وإذا قد صرح الائمة بتخصيصه حيث تأولوه بما اهر ذا ناب الا شرا فالوجه) أي وجه الجمع بين قولهم بتخصيصه وقولنا بالمانع من التخصيص (تفظيع شان الشربه بتنكيره) أي جعل التنكير للتعظيم والتهويل ليكون المعنى شر عظيم فظيع اهر ذا ناب لاشر حقير، فيكون تخصيصا نوعيا، والمانع، انما كان من تخصيص الجنس أو الواحد. (وفيه) أي فيما ذهب إليه السكاكى (نظر إذ الفاعل اللفظى والمعنوي) كالتأكيد والبدل (سواء في امتناع التقديم ما بقيا على حالهما) أي ما دام الفاعل فاعلا والتابع تابعا بل امتناع تقديم التابع اولى. (فتجويز تقديم المعنوي دون اللفظ تحكم) وكذا تجويز الفسخ في التابع دون الفاعل تحكم لان متناع تقديم الفاعل هو انما كونه فاعلا والا فلا امتناع في ان يقال: في نحو زيد قام انه كان في الاصل قام زيد فقدم زيد وجعل مبتدأ. كما يقال في جرد قطيفة ان جردا كان في الاصل، صفة، فقدم وجعل مضافا، وامتناع تقديم التابع حال كونه تابعا مما اجمع عليه النحاة الا في ضرورة الشعر، فمنع هذا مكابرة والقول بان في حالة تقديم الفاعل ليجعل مبتدأ: يلزم خلو الفعل عن الفاعل وهو محال بخلاف الخلو عن التابع فاسد، لان هذا اعتبار محض. (ثم لا نسلم انتفاء التخصيص) في نحو رجل جاءني (لو لا تقدير التقديم لحصوله) أي التخصيص (بغيره) أي بغير تقديم التقديم (كما ذكره) السكاكى من التهويل وغيره كالتحقير والتكثير والتقليل. والسكاكى وان لم يصرح بان لاسبب للتخصيص سواه لكن لزم ذلك من كلامه حيث قال انما يرتكب ذلك الوجه البعيد عند المنكر لفوات شرط الابتداء. ومن العجائب ان السكاكى انما ارتكب في مثل رجل جاءني ذلك الوجه البعيد لئلا يكون المبتدأ نكرة محضة. وبعضهم يزعم انه عند السكاكى بدل مقدم لا مبتدأ وان الجملة فعلية لا اسمية. ويتمسك في ذلك بتلويحات بعيدة من كلام السكاكى وبما وقع من السهو للشارح العلامة في مثل زيد قام وعمرو قعد ان المرفوع يحتمل ان يكون بدلا مقدما ولا يلتفت إلى تصريحاتهم بامتناع تقديم التوابع حتى قال الشارح العلامة في هذا المقام ان الفاعل هو الذى لا يتقدم بوجه ما. واما التوابع فتحتمل التقديم على طريق الفسخ وهو ان يفسخ كونه تابعا ويقدم، واما لا على طريق الفسخ فيمتنع تقديمها ايضا لاستحالة تقديم التابع على المتبوع من حيث هو تابع فافهم، (ثم لا نسلم امتناع ان يراد المهر شر لا خير) كيف وقد قال الشيخ عبد القاهر قدم شر لا المعنى ان الذى اهره من جنس الشر لا من جنس الخير. (ثم قال) السكاكى (ويقرب من) قبيل (هو قام زيد قائم في التقوى لتضمنه) أي لتضمن قائم (الضمير) مثل قام فيحصل للحكم تقوى (وشبهه) أي شبه السكاكى مثل قائم المتضمن للضمير (بالخالى عنه) أي عن الضمير من جهة (عدم تغيره في التكلم والخطاب والغيبة) نحو انا قائم وانت قائم وهو قائم كما لا يتغير الخالى عن الضمير نحو انا رجل وانت رجل وهو رجل. وبهذا الاعتبار قال يقرب ولم يقل نظيره، وفى بعض النسخ وشبهه بلفظ الاسم مجرورا عطفا على تضمنه يعنى ان قوله يقرب مشعر بان فيه شيئا من التقوى وليس مثل التقوى في زيد قام فالاول لتضمنه الضمير والثانى لشبهه بالخالى عن الضمير. (ولهذا) أي ولشبهه بالخالى عن الضمير (لم يحكم بانه) أي مثل قائم مع الضمير وكذا مع فاعله الظاهر ايضا (جملة ولا عومل) قائم مع الضمير (معاملتها) أي معاملة الجملة (في البناء) حيث اعرب في مثل رجل قائم ورجل قائم. (ومما يرى تقديمه) أي من المسند إليه الذى يرى تقديمه على المسند (كاللازم لفظ مثل وغير) إذا استعملا على سبيلا الكناية (في نحو مثلك لا يبخل وغيرك لا يجود بمعنى انت لا تبخل وانت تجود من غير ارادة تعريض بغير المخاطب) بان يراد بالمثل والغير انسان آخر مماثل للمخاطب ٢٥ أو غير مماثل بل المراد نفى البخل عنه على طريق الكناية، لانه إذا نفى عمن كان على صفته من غير قصد إلى مماثل، لزم نفيه عنه، واثبات الجود له بنفيه عن غيره، مع اقتضائه محلا يقوم به. وانما يرى التقديم في مثل هذه الصورة كاللازم (لكونه) أي التقديم (اعون على المراد بهما) ان بهذين التركيبين لان الغرض منهما اثبات الحكم بطريق الكناية التى هي ابلغ من التصريح والتقديم لافادته التقوى اعون على ذلك وليس معنى قوله كاللازم انه قد يقدم وقد لا يقدم بل المراد انه كان مقتضى القياس ان يجوز التأخير لكن لم يرد الاستعمال الا على التقديم كما نص عليه الشيخ في دلائل الاعجاز. (قيل وقد يقدم) المسند إليه المعسور بكل على المسند المقرون بحرف النفى (لانه) إلى التقديم (دال على العموم) أي على نفى الحكم عن كل فرد من افراد ما اضيف إليه لفظ كل (نحو كل انسان لم يقم) فانه يفيد نفى القيام عن كل واحد من افراد الانسان (بخلاف ما لو اخر نحو لم يقم كل انسان فانه يفيد نفى الحكم عن جملة الافراد لا عن كل فرد) فالتقديم يفيد عموم السلب وشمول النفى والتاخير لا يفيد الا سلب العموم ونفى الشمول. وذلك أي كون التقديم مفيدا للعموم دون التأخير (لئلا يلزم ترجيح التأكيد) وهو ان يكون لفظ كل لتقرير المعنى الحاصل قبله (على التأسيس) وهو ان يكون لافادة معنى جديد مع ان التأسيس راجح لان الافادة خير من الاعادة. وبيان لزوم ترجيح التأكيد على التأسيس اما في صورة التقديم فلان قولنا انسان لم يقم موجبة مهملة اما الايجاب فلانه حكم فيها بثبوت عدم القيام لانسان لا بنفي القيام عنه لان حرف السلب وقع جزأ من المحمول. واما الاهمال فلانه لم يذكر فيها ما يدل على كمية افراد الموضوع مع ان الحكم فيها على ما صدق عليه الانسان وإذا كان انسان لم يقم موجبة مهملة يجب ان يكون معناه نفى القيام عن جملة الافراد، لاعن كل فرد (لان الموجبة المهملة المعدولة المحمولة في قوة السالبة الجزئية) عند وجود الموضوع نحو لم يقم بعض الانسان بمعنى انهما متلازمان في الصدق، لانه قد حكم في المهملة بنفي القيام عما صدق عليه الانسان اعم من انه يكون جميع الافراد أو بعضها وايا ما كان يصدق نفى القيام عن البعض وكلما صدق نفى القيام عن البعض صدق نفيه عما صدق عليه الانسان في الجملة فهى في قوة السالبة الجزئية (المستلزمة نفى الحكم عن الجملة) لان صدق السالبة الجزئية الموجودة الموضوع اما بنفى الحكم عن كل فرد أو نفيه عن البعض مع ثبوته للبعض. وايا ما كان يلزمها نفى الحكم عن جملة الافراد (دون كل فرد) لجواز ان يكون منفيا عن البعض ثابتا للبعض الاخر وإذا كان انسان لم يقم بدون كل معناه نفى القيام عن جملة الافراد لا عن كل فرد فلو كان بعد دخول كل ايضا معناه كذلك كان كل لتأكيد المعنى الاول فيجب ان يحمل على نفى الحكم عن كل فرد ليكون كل لتأسيس معنى آخر ترجيحا للتأسيس على التأكيد. واما في صورة التأخير فلان قولنا لم يقم انسان سالبة مهملة لا سور فيها (والسالبة المهملة في قولة السالبة الكلية المقتضية للنفي عن كل فرد) نحو لا شئ من الانسان بقائم ولما كان هذا مخالفا لما عندهم من ان المهملة في قوة الجزئية بينه بقوله (لورود موضوعها) أي موضوع المهملة (في سياق النفى) حال كونه نكرة غير مصدرة بلفظ كل فانه يفيد نفى الحكم عن كل فرد وإذا كان لم يقم انسان بدون كل معناه نفى القيام عن كل فرد فلو كان بعد دخول كل ايضا كذلك كان كل لتأكيد المعنى الاول فيجب ان يحمل على نفى القيام عن جملة الافراد ليكون كل لتأسيس معنى آخر. وذلك لان لفظ كل في هذا المقام لا يفيد الا احد هذين المعنين فعند انتفاء احدهما يثبت الاخر ضرورة. والحاصل ان التقديم بدون كل لسلب العموم ونفى الشمول والتأخير لعموم السلب وشمول النفى، فبعد دخول كل، يجب ان يعكس هذا، ليكون كل للتأسيس الراجح دون التأكيد المرجوح. (وفيه نظر لان النفى عن الجملة في الصورة الاولى) يعنى الموجبة المهملة المعدولة المحمول نحو انسان لم يقم (وعن كل فرد في) الصورة (الثانية) يعنى السالبة المهملة نحو لم يقم انسان (انما افاده الاسناد إلى ما اضيف إليه كل) وهو لفظ انسان. (وقد زال ذلك) الاسناد المفيد لهذا المعنى (بالاسناد إليها) أي إلى كل لان انسانا صار مضافا إليه فلم يبق مسندا إليه (فيكون) أي على تقدير ان يكون الاسناد إلى كل ايضا، مفيدا للمعنى الحاصل من الاسناد إلى انسان يكون كل (تأسيسا لا تأكيدا) لان التأكيد لفظ يفيد تقوية ما يفيده لفظ آخر وهذا ليس كذلك لان هذا المعنى حينئذ انما افاده الاسناد إلى لفظ كل لا شئ آخر حتى يكون كل تأكيدا له. وحاصل هذا الكلام انا لا نسلم انه لو حمل الكلام بعد دخول كل على المعنى الذى حمل عليه قبل كل كان كل للتأكيد. ولا يخفى ان هذا انما يصح على تقدير ان يراد به التأكيد الاصطلاحي اما لو اريد بذلك ان يكون كل لافادة معنى كل حاصلا بدونه، فاندفاع المنع ظاهر وحينئذ يتوجه ما اشار إليه بقوله (ولان) الصورة (الثانية) يعنى السالبة المهملة نحو لم يقم انسان (إذا افادت النفى عن كل فرد فقد افادت النفى عن الجملة فإذا حملت) كل (على الثاني) أي على افادة النفى عن جملة الافراد حتى يكون معنى لم يقم كل انسان نفى القيام عن الجملة لا عن كل فرد (لا يكون) كل (تأسيسا) بل تأكيدا، لان هذا المعنى كان حاصلا بدونه، وحينئذ فلو جعلنا لم يقم كل انسان لعموم السلب مثل لم يقم انسان لم يلزم ترجيح التأكيد على التأسيس إذ لا تأسيس اصلا بل انما لزم ترجيح احد التأكيدين على الاخر. ٢٦ وما يقال ان دلالة لم يقم انسان على النفى عن الجملة بطريق الالتزام ودلالة لم يقم كل انسان عليه بطريق المطابقة فلا يكون تأكيدا. ففيه نظر إذ لو اشترط في التأكيد اتحاد الدلالتين لم يكن حينئذ كل انسان لم يقم على تقدير كونه لنفى الحكم عن الجملة تأكيدا لان دلالة انسان لم يقم على هذا المعنى التزام (ولان النكرة المنفية إذا عمت كان قولنا لم يقم انسان سالبة كلية لا مهملة) كما ذكره هذا القائل لان قد بين فيها ان الحكم مسلوب عن كل واحد من الافراد والبيان لابد له من مبين. ولا محالة ههنا شئ يدل على ان الحكم فيها على كلية افراد الموضوع ولا نعنى بالسور سوى هذا وحينئذ يندفع ما قيل سماها مهملة باعتبار عدم السور. (وقال عبد القاهر ان كانت) كلمة (كل داخلة في حيز النفى بان اخرت عن اداته) سواء كانت معمولة لاداة النفى اولا وسواء كان الخبر فعلا (نحو ما كل " ما يتمنى المرء يدركه) تجرى الرياح بما لا تشتهى السفن " أو غير فعل نحو قولك ما كل متمنى المرء حاصلا (أو معمولة للفعل المنفى). الظاهر انه عطف على داخلة وليس بسديد لان الدخول في حيز النفى شامل لذلك. وكذا لو عطفتها على اخرت بمعنى أو جعلت معمولة لان التأخير عن اداة النفى ايضا شامل له. اللّهم الا ان يخصص التأخير بما إذا لم تدخل الاداة على فعل عامل في كل على ما يشعر به المثال والمعمول (اعم) من ان يكون فاعلا أو مفعولا أو تأكيدا لاحدهما أو غير ذلك (نحو ما جاءني القوم كلهم) في تأكيد الفاعل (أو ما جاءني كل القوم) في الفاعل وقدم التأكيد على الفاعل لان كلا اصل فيه (أو لم آخذ كل الدراهم) في المفعول المتأخر (أو كل الدراهم لم آخذ) في المفعول المتقدم وكذا لم آخذ الدراهم كلها أو الدراهم كلها لم آخذ ففي جميع هذه الصور (توجه النفى إلى الشمول خاصة) لا إلى اصل الفعل. (وافاد) الكلام (ثبوت الفعل أو الوصف لبعض) مما اضيف إليه كل ان كانت كل في المعنى فاعلا للفعل أو الوصف المذكور في الكلام (أو) افاد (تعلقه) أي تعلق الفعل أو الوصف (به) أي ببعض مما اضيف إليه كل ان كان كل في المعنى مفعولا للفعل أو الوصف. وذلك بدليل الخطاب وشهادة الذوق والاستعمال والحق ان هذا الحكم اكثري لاكلى بدليل قوله تعالى [ واللّه لا يحب كل مختال فخور ] [ واللّه لا يحب كل كفار اثيم ] [ ولا تطع كل حلاف مهين ] (والا) أي وان لم تكن داخلة في حيز النفى بان قدمت على النفى لفظا ولم تقع معمولة للفعل المنفى (عم) النفى كل فرد مما اضيف إليه كل وافاد نفى اصل الفعل عن كل فرد (كقول النبي صلى اللّه عليه واله وسلم لما قال له ذو اليدين) اسم واحد من الصحابة (اقصرت الصلاة) بالرفع فاعل اقصرت (ام نسيت) يا رسول اللّه (كل ذلك لم يكن) هذا قول النبي صلى اللّه تعالى عليه وآله وسلم. والمعنى لم يقع واحد من القصر والنسيان على سبيل شمول النفى وعمومه لوجهين احدهما ان جواب ام اما بتعيين احد الامرين أو بنفيهما جميعا تخطئة للمستفهم لا بنفي الجمع بينهما لانه عارف بان الكائن احدهما. والثانى ما روى انه لما قال النبي عليه السلام كل ذلك لم يكن قال له ذو اليدين بل بعض ذلك قد كان ومعلوم ان الثبوت للبعض انما ينافى النفى عن كل فرد لا النفى عن المجموع (وعليه) أي على عموم النفى عن كل فرد. (قوله) أي قول ابى النجم قد اصبحت ام الخيار تدعى * على ذنبا كله لم اصنع برفع كله على معنى لم اصنع شيئا مما تدعيه على من الذنوب ولافادة هذا المعنى عدل عن النصب المستغنى عن الاضمار إلى الرفع المفتقر إليه أي لم اصنعه. ٢٧ (واما تأخيره) أي تأخير المسند إليه (فلاقتضاء المقام تقديم المسند) وسيجئ بيانه. (هذا) أي الذى ذكر من الحذف والذكر والاضمار وغير ذلك في المقامات المذكورة (كله مقتضى الظاهر) من الحال. (وقد يخرج الكلام على خلافه) أي على خلاف مقتضى الظاهر لاقتضاء الحال اياه (فيوضع المضمر موضع المظهر كقولهم نعم رجلا) زيد (مكان نعم الرجل زيد) فان مقتضى الظاهر في هذا المقام هو الاظهار دون الاضمار لعدم تقدم ذكر المسند إليه وعدم قرينة تدل عليه، وهذا الضمير عائد إلى متعقل معهود في الذهن والتزم تفسيره بنكرة ليعلم جنس المتعقل وانما يكون هذا من وضع المضمر موضع المظهر (في احد القولين) أي قول من يجعل المخصوص خبر مبتدأ محذوف واما من يجعله مبتدأ ونعم رجلا خبره فيحتمل عنده ان يكون الضمير عائدا إلى المخصوص وهو مقدم تقديرا ويكون التزام افراد الضمير حيث لم يقل نعما ونعموا من خواص هذا الباب لكونه من الافعال الجامدة. (وقولهم هو أو هي زيد عالم مكان الشان أو القصة) فالاضمار فيه ايضا على خلاف مقتضى الظاهر لعدم التقدم. واعلم ان الاستعمال على ان ضمير الشأن انما يؤنث إذا كان في الكلام مؤنث غير فضلة، فقوله هي زيد عالم مجرد قياس ثم علل وضع المضمر موضع المظهر في البابين بقوله (ليتمكن ما يعقبه) أي يعقب الضمير أي يجئ على عقبه (في ذهن السامع لانه) أي السامع (إذا لم يفهم منه) أي من الضمير (معنى انتظره) أي انتظر السامع ما يعقب الضمير ليفهم منه معنى فيتمكن بعد وروده فضل تمكن لان المحصول بعد الطلب اعز من المنساق بلا تعب. ولا يخفى ان هذا لا يحسن في باب نعم لان السامع ما لم يسمع المفسر لم يعلم ان فيه ضميرا فلا يتحقق فيه التشوق والانتظار (وقد يعكس) وضع المضمر موضع المظهر أي يوضع المظهر موضع المضمر (فان كان) المظهر الذى وضع موضع المضمر (اسم اشارة فلكمال العناية بتمييزه) أي تمييز المسند إليه (لا ختصاصه بحكم بديع) كقوله (كم عاقل عاقل) هو وصف عاقل الاول بمعنى كامل العقل متناه فيه (اعيت) أي اعيته واعجزته أو اعيت عليه وصعبت (مذاهبه) أي طرق معاشه. وجاهل تلقاه مرزوقا * هذا الذى ترك الاوهام حائرة وصير العالم النحرير) أي المنقن من نحر الامور علما اتقنها (زنديقا) كافرا نافيا للصانع العدل الحكيم، فقوله هذا اشارة إلى حكم سابق غير محسوس وهو كون العاقل محروما والجاهل مرزوقا فكان القياس فيه الاضمار فعدل إلى اسم الاشارة لكمال العناية بتمييزه ليرى السامعين ان هذا الشئ المتميز المتعين هو الذى له الحكم العجيب وهو جعل الاوهام حائرة والعالم النحرير زنديقا فالحكم البديع هو الذى اثبت للمسند إليه المعبر عنه باسم الاشارة (أو التهكم) عطف على كمال العناية (بالسامع كما إذا كان) السامع (فاقد البصر) أو لا يكون ثمة مشار إليه اصلا ٢٨ (أو النداء على كمال بلادته) أي بلادة السامع بانه لا يدرك غير المحسوس (أو) على كمال (فطانته) بان غير المحسوس عنده بمنزلة المحسوس (أو ادعاء كمال ظهوره) أي ظهور المسند إليه. (وعليه) أي على وضع اسم الاشارة موضع المضمر لادعاء كمال الظهور (من غير هذا الباب) أي باب المسند إليه (تعاللت) أي اظهرت العلة والمرض (كى اشجى) أي احزن من شجى بالكسر أي صار حزينا لا من شجى العظم بمعنى نشب في حلقه (وما بك علة، تريدين قتلى قد ظفرت بذلك) أي بقتلى كان مقتضى الظاهر (ان يقول به لانه ليس) بمحسوس فعدل إلى ذلك اشارة إلى ان قتله قد ظهر ظهور المحسوس (وان كان) المظهر الذى وضع موضع المضمر (غيره) أي غير اسم الاشارة (فلزيادة التمكن) أي جعل المسند إليه متمكنا عند السامع (نحو قل هو اللّه احد، اللّه الصمد) أي الذى يصمد إليه ويقصد في الحوائج لم يقل هو الصمد لزيادة التمكن. (ونظيره) أي نظير [ قل هو اللّه احد اللّه الصمد ] في وضع المظهر موضع المضمر لزيادة التمكن (من غيره) أي من غير باب المسند إليه. (وبالحق) أي بالحكمة المقتضية للانزال (انزلناه) أي القرآن (وبالحق نزل) حيث لم يقل وبه نزل (أو ادخال الروع) عطف على زيادة التمكن (في ضمير السامع وتربية المهابة) عنده وهذا كالتأكيد لادخال الروع (أو تقوية داعى المأمور، ومثالهما) أي مثال التقوية وادخال الروع مع التربية (قول الخلفاء امير المؤمنين يأمرك بكذا) مكانا انا آمرك. ٢٩ (وعليه) أي على وضع المظهر موضع المضمر لتقوية داعى المأمور (من غيره) أي من غير باب المسند إليه (فإذا عزمت فتوكل على اللّه) لم يقل على لما في لفظ اللّه من تقوية الداعي إلى التوكل عليه لدلالته على ذات موصوفة بالاوصاف الكاملة من القدر الباهرة وغيرها (أو الاستعطاف) أي طلب العطف والرحمة (كقوله: الهى عبدك العاصى اتاكا * مقرا بالذنوب وقد دعاكا لم يقل لنا لما في لفظ عبدك العاصى من التخضع واستحقاق الرحمة وترقب الشفقة. (قال السكاكى هذا) اعني نقل الكلام عن الحكاية إلى الغيبة (غير مختص بالمسند إليه ولا) النقل مطلقا مختص (بهذا القدر) أي بان يكون عن الحكاية إلى الغيبة ولا يخلو العبارة عن تسامح (بل كل من التكلم والخطاب والغيبة مطلقا) أي وسواء كان في المسند أو غيره وسواه كان كل منها واردة في الكلام أو كان مقتضى الظاهر ايراده (ينقل إلى الاخر) فتصير الاقسام ستة حاصلة من ضرب الثلاثة في الاثنين ولفظ مطلقا ليس في عبارة السكاكى لكنه مراده بحسب ما علم من مذهبه في الالتفات بالنظر إلى الامثلة. (ويسمى هذا النقل عند علماء المعاني التفاتا) مأخذوا من التفات الانسان عن يمينه إلى شماله أو بالعكس (كقوله) أي قول امرئ القيس (تقاول ليلك) خطاب لنفسه التفاتا ومقتضى الظاهر ليلى (بالاثمد) بفتح الهمزة وضم الميم اسم موضع. (والمشهور) عند الجمهور (ان الالتفات هو التعبير عن معنى بطريق من) الطرق (الثلاثة) التكلم والخطاب والغيبة (بعد التعبير عنه) أي عن ذلك المعنى (باخر منها) أي بطريق آخر من الطرق الثلاثة بشرط أي يكون التعبير الثاني على خلاف ما يقتضيه الظاهر ويترقبه السامع ولابد من هذا القيد ليخرج مثل قولنا انا زيد وانت اعمر ونحن اللذون صبحوا الصباحا، ومثل قوله تعالى [ واياك نستعين، واهدنا، وانعمت ] فان الالتفات انما هو في اياك نعبد والباقى جار على اسلوبه ومن زعم ان في مثل يا ايها الذين آمنوا التفاتا والقياس آمنتم فقد سها على ما يشهد به كتب النحو. (وهذا) أي الالتفات بتفسير الجمهور (اخص منه) بتفسير السكاكى لان النقل عنده اعم من ان يكون قد عبر عنه بطريق من الطرق ثم بطريق آخر أو يكون مقتضى الظاهر ان يعبر عنه بطريق منها فترك وعدل إلى طريق آخر فيتحقق الالتفات بتعبير واحد وعند الجمهور مخصوص بالاول حتى لا يتحقق الالتفات بتعبير واحد فكل التفات عندهم التفات عنده من غير عكس كما في تطاول ليلك. (مثال التفات من التكلم إلى الخطاب ومالى لا اعبد الذى فطرني واليه ترجعون) ومقتضى الظاهر ارجع والتحقيق ان المراد مالكم لا تعبدون، ولكن لما عبر عنهم طريق التكلم كان مقتضى ظاهر السوق اجراء باقى الكلام على ذلك الطريق فعدل عنه إلى طريق الخطاب فيكون التفاتا على المذهبين. ٣٠ (و) مثال الالتفات من التكلم (إلى الغيبة انا اعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر،) ومقتضى الظاهر لنا (و) مثال الالتفات (من الخطاب إلى التكلم) قول الشاعر (طحا) أي ذهب (بك قلب في الحسان طروب) ومعنى طروب في الحسان ان له طربا في طلب الحسان ونشاطا في مراودتها (بعيد الشباب) تصغير بعد للقرب أي حين ولى الشباب وكاد ينصرم (عصر) ظرف زمان مضاف إلى الجملة الفعلية اعني قوله (حان) أي قريب (مشيب، يكلفني ليلى) فيه التفات من الخطاب في بك الا التكلم. ومقتضى الظاهر يكلفك وفاعل يكلفني ضمير عائد إلى القلب وليلى مفعوله الثاني والمعنى يطالبني القلب بوصل ليلى. وروى تكلفني بالتاء الفوقانية على انه مسند إلى ليلى والمفعول محذوف أي شدائد فراقها أو على انه خطاب للقلب فيكون التفاتا آخر من الغيبة إلى الخطاب (وقد شط) أي بعد (وليها) أي قربها (وعادت عواد بيننا وخطوب) قال المرزوقى عادت يجوز ان يكون فاعلت من المعاداة كل الصوارف والخطوب صارت تعاديه ويجوز ان يكون من عاد يعود أي عادت عواد وعوائق كانت تحول بيننا إلى ما كانت عليه قبل. (و) مثال الالتفات من الخطاب (إلى الغيبة) قوله تعالى (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) والقياس بكم (و) مثال الالتفات (من الغيبة إلى التكلم) قوله تعالى (اللّه الذى ارسل الرياح فتثير سحابا فسقناه) ومقتضى الظاهر فساقه أي ساق اللّه ذلك السحاب اجراه إلى بلد ميت. (و) مثال الالتفات من الغيبة (إلى الخطاب) قوله تعالى (مالك يوم الدين اياك نعبد) ومقتضى الظاهر اياه ٣١ (ووجهه) أي وجه حسن الالتفات (ان الكلام إذا نقل من اسلوب إلى اسلوب آخر كان) ذلك الكلام (احسن تطرية) أي تجديدا واحداثا من طريت الثوب (لنشاط السامع وكان اكثر ايقاظا للاصغاء إليه) أي إلى ذلك الكلام لان لكل جديد لذة، وهذا وجه حسن الالتفات على الاطلاق. (وقد يختص مواقعه بلطائف) غير هذا الوجه العام (كما في) سورة (الفاتحة فان العبد إذا ذكر الحقيق بالحمد عن قلب حاضر يجد) ذلك العبد (من نفسه محركا للاقبال عليه) أي على ذلك الحقيقي بالحمد (وكلما اجرى عليه صفة من تلك الصفات العظام قوى ذلك المحرك إلى ان يؤل الامر إلى خاتمتها) أي خاتمة تلك الصفات يعنى مالك يوم الدين (المفيد انه) أي ذلك الحقيق بالحمد (مالك الامر كله في يوم الجزاء) لانه اضيف مالك إلى يوم الدين على طريق الاتساع والمعنى على الظرفية أي مالك في يوم الدين والمفعول محذوف دلالة على التعميم. (فحينئذ يوجب) ذلك المحرك لتناهيه في القوة (الاقبال عليه) أي اقبال العبد على ذلك الحقيق، بالحمد (والخطاب بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة في المهمات) فالياء في بتخصيصه متعلق بالخطاب يقال: خاطبته بالدعاء إذا دعوت له واجهة. وغاية المخضوع: هو معنى العبادة وعموم المهمات مستفاد من حذف مفعول نستعين والتخصيص مستفاد من تقديم المفعول فاللطيفة المختص بها موقع هذا الالتفات، هي: ان فيه تنبيها على ان العبد إذا اخذ في القراءة يجب ان يكون قراءته على وجه يجد من نفسه ذلك المحرك. ولما انجر الكلام إلى ذكر خلاف مقتضى الظاهر، اورد عدة اقسام: منه وان لم تكن من مباحث المسند إليه، فقال (ومن خلاف المقتضى) أي مقتضى الظاهر (تلقى المخاطب) من اضابة المصدر إلى المفعول أي تلقى المتكلم للمخاطب (بغير ما يترقب) المخاطب (بحمل كلامه). والباء في بغير للتعدية وفى بحمل كلام للسببية أي انما تلقاه بغير ما يترقبه بسبب انه حمل كلامه أي الكلام الصادر عن المخاطب (على خلاف مراده) أي مراد المخاطب، وانما حمل كلامه على خلاف مراده (تنبيها) للمخاطب (على انه) أي ذلك الغير هو (الاولى بالقصد) والاردة. (كقوله القبعثرى للحجاج وقد قال) الحجاج (له) أي للقبعثرى حال كون الحجاج (متوعدا) اياه (" لاحملنك على الادهم ") يعني القيد، هذا مقول قول الحجاج (" مثل الامير يحمل على الادهم والاشهب ") هذا مقول قول القبعثرى فابرز وعيد الحجاج في معرض الوعد وتلقاه بغير ما يتقرب بان حمل الادهم في كلامه على الفرس الادهم أي الذى غلب سواده حتى ذهب البياض الذى فيه وضم إليه الاشهب أي الذى غلب بياضه حتى ذهب سواده. ومراده الحجاج انما هو القيد فنبه على ان الحمل على الفرس الادهم، هو الاولى بان يقصده الامير (أي من كان مثل الامير في السلطان) أي الغلبة (وبسطة اليد) أي الكرم والمال والنعمة (فجدير بان يصفد) أي يعطى من اصفده (لا ان يصفد) أي يقيده من صفده (أو السائل) عطف على المخاطب أي تلقى السائل (بغير ما يطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره) أي منزلة غير ذلك السؤال (تنبيها) للسائل (على انه) أي ذلك الغير (هو الاولى بحاله أو المهم له كقوله تعالى يسئلونك عن الاهلة * قل هي مواقيت للناس والحج) ٣٢ سألوا عن سبب اختلاف القمر في زيادة النور ونقصانه، فاجيبوا ببيان الغرض من هذا الاختلاف وهو ان الاهلة بحسب ذلك الاختلاف معالم يوقت بها الناس امورهم من المزارع والمتاجر ومحال الديون والصوم وغير ذلك ومعالم للحج يعرف بها وقته. وذلك للتنبيه على ان الاول والاليق بحالهم ان يسألوا عن ذلك لانهم ليسوا ممن يطلعون بسهولة على دقائق علم الهيئة ولا يتعلق لهم به غرض (وكقوله تعالى يسئلونك ماذا ينفقون قل ما انفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل) سألوا عن بيان ماذا ينفقون فاجيبوا ببيان المصارف تنبيها على ان المهم هو السؤال عنها لان النفقة لا يتعد بها الا ان تقع موقعها. (ومنه) أي من خلاف مقتضى الظاهر (التعبير عن) المعنى (المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على تحقق وقوعه نحو قوله تعالى ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الارض) بمعنى يصعق. (ومثله) التعبير عن المقصود المستقبل بلفظ اسم الفاعل كقوله تعالى وان الدين لواقع) مكان يقع (ونحوه) التعبير عن المستقبل بلفظ اسم المفعول كقوله تعالى (ذلك يوم مجموع له الناس) مكان يجمع وههنا بحث وهو ان كلا من اسمى الفاعل والمفعول قد يكون بمعنى الاستقبال وان لم يكن ذلك بحسب اصل الوضع فيكون كل منهما ههنا واقعا في موقعه واردا على حسب مقتضى الظاهر. والجواب ان كلا منهما حقيقة فيما تحقق فيه وقوع الوصف وقد استعمل ههنا فيما لم يتحقق مجازا تنبيها على تحقق وقوعه. (ومنه) أي من خلاف مقتضى الظاهر (القلب) وهو ان يجعل احد اجزاء الكلام مكان الاخر والاخر مكانه (عرضت الناقة على الحوض) أي اظهرته عليها لتشرب (وقلبه) أي القلب السكاكي مطلقا) وقال انه مما يورث الكلام ملاحة. (ورده غيره) أي غير السكاكي (مطلقا) لانه عكس المطلوب ونقيض المقصود (والحق انه ان تضمن اعتبار لطيفا) غير الملاحة التى اورثها نفس القلب (قبل كقوله " ومهمه) أي مفازة (مغبرة أي مملوكة بالغبرة ارجاؤه،) أي اطرافه ونواحيه جمع الرجى مقصورا (كان لو ارضه سماؤه ") على حذف المضاف ٣٣ (أي لونها) يعنى لون السماء فالمصراع الاخير من باب القلب والمعنى كأن لون سمائه لغبرتها لون ارضه. والاعتبار اللطيف هو المبالغة في وصف لون السماء بالغبرة حتى كأنه صار بحيث يشبه به لون الارض في ذلك مع ان الارض اصل فيه (والا) أي وان لم يتضمن اعتبار لطيفا (رد) لانه عدول عن مقتضى الظاهر من غير نكتة يعتد بها (كقوله) فلما ان جرى سمن عليها (كما طينت بالفدن) اي بالقصر (السياعا) اي الطين بالتبن والمعنى كما طينت الفدن بالسياع يقال طينت السطح والبيت. ولقائل ان يقول: انه يتضمن من المبالغة في وصف الناقة بالسمن مالا يتضمنه قوله كما طينت الفدن بالسياع لا يهامه ان السياع قد بلغ مبلغا من العظم والكثرة إلى ان صار بمنزلة الاصل والفدن بالنسبة إليه كالسباع بالنسبة إلى الفدن. اما تركه الباب الثالث ١-٣احوال المسند(اما تركه فلما مر) في حذف المسند إليه (كقوله): " ومن يك امسى بالمدينة رحله * (فانى وقيار بها لغريب ") الرحل هو المنزل والمأوى، وقيار اسم فرس أو جمل للشاعر وهو ضابى، ابن الحارث كذا في الصحاح، ولفظ البيت خبر ومعناه التحسر والتوجع فالمسند إلى قيار محذوف لقصد الاختصار والاحتراز عن العبث بناء على الظاهر مع ضيق المقام بسبب التوجع ومحافظة الوزن. ولا يجوز ان يكون قيار عطفا على محل اسم ان وغريب خبرا عنهما لامتناع العطف على محل اسم ان قبل مضى الخبر لفظا أو تقديرا واما إذا قدرنا له خبرا محذوفا فيجوز ان يكون هو عطفا على محل اسم ان لان الخبر مقدم تقديرا فلا يكون مثل ان زيدا وعمرو ذاهبان بل مثل ان زيدا وعمرو لذاهب وهو جائز ويجوز ان يكون مبتدأ والمحذوف خبره والجملة باسرها عطف على جملة ان مع اسمها وخبرها (وكقوله " نحن بما عندنا واتت بهما * عندك راض والرأى مختلف ") فقوله: نحن مبتدأ محذوف الخبر لما ذكرنا، أي نحن بما عندنا راضون، فالمحذوف ههنا هو خير الاول بقرينة الثاني وفى البيت السابق بالعكس (وقولك: زيد منطلق وعمرو) أي وعمرو منطلق فحذف للاحتراز عن العبث من غير ضيق المقام (وقولك خرجت فإذا زيد) أي موجود أو حاضر أو واقف أو ما اشبه ذلك فحذف لما مر مع اتباع الاستعمال، لان إذا المفاجأة تدل على مطلق الوجود. وقد ينضم إليها قرائن تدل على نوع، خصوصية كلفظ الخروج المشعر بان المراد فإذا زيد بالباب حاضر أو نحو ذلك (وقوله " ان محلا وان مرتحلا * وان في السفر إذا مضوا مهلا " (أي) ان (لنا في الدنيا) حلولا (و) ان (لنا عنها) إلى الاخرة (ارتحالا). والمسافرون قد توغلوا في المضى لا رجوع لهم، ونحن على اثرهم عن قريب، فحذف المسند الذى هو ظرف قطعا لقصد الاختصار والعدول إلى اقوى الدليلين، اعني العقل ولضيق المقام، اعني المحافظة على الشعر ولاتباع الاستعمال لاطراد الحذف فيمثل ان مالا وان ولدا وقد وضع سيبويه في كتابه لهذا بابا فقال هذا باب ان مالا وان ولدا ٣٤ (وقوله تعالى قل لو انتم تملكون خزائن رحمة ربى). فقوله انتم ليس بمبتدأ لان لو انما تدخل على الفعل بل هو فاعل فعل محذوف، والاصل لو تملكون انتم تملكون فحذف الفعل الاول احترازا عن العبث لوجود المفسر ثم ابدل من الضمير المتصل ضمير منفصل على ما هو القانون عند حذف العامل فالمسند المحذوف ههنا فعل وفيما سبق اسم أو جملة. (وقوله تعالى: فصبر جميل يحتمل الامرين) حذف المسند أو المسند إليه (أي) فصبر جميل (اجمل أو فأمري صبرى جميل) ففى الحذف تكثير للفائدة بامكان حمل الكلام على كل من المعنيين بخلاف ما لو ذكر فانه يكون نصا في احدهما. (ولابد) للحذف (من قرينة) دالة عليه ليفهم منه المعنى (كوقوع الكلام جوابا لسؤال محقق نحو ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن اللّه) أي خلقهن اللّه فحذف المسند لان هذا الكلام عند تحقق ما فرض من الشرط والجزاء يكون جوابا عن سؤال محقق والدليل على ان المرفوع فاعل والمحذوف فعله انه جاء عند عدم الحذف كذلك كقوله تعالى ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن خلقهن العزيز العليم، وكقوله تعالى قال من يحي العظام وهي رميم، قل يحييها الذي انشأها اول مرة. (أو مقدر) عطف على محقق (نحو) قول ضرار بن نهشل يرثى يزيد بن نهشل (وليبك يزيد) كانه قيل من يبكيه فقال (ضارع) أي يبكيه ضارع أي ذليل (لخصومة) لانه كان ملجأ للاذلاء وعونا للضعفاء تمامه " ومختبط مما تطيح الطوائح ". والمختبط: هو الذى يأتي اليك للمعروف من غير وسيلة تطيح من الاطاحة وهى الا ذهاب والاهلاك والطوائح جمع مطيحة على غير القياس كلواقح جمع ملقحة ومما يتعلق بمختبط وما مصدرية أي سائل يسئل من اجل اذهاب الوقائع ماله أو بيبكى المقدر أي يبكى لاجل اهلاك المنايا يزيد. (وفضله) أي رجحانه نحو ليبك يزيدا ضارع مبنيا للمفعول (على خلافه) يعنى ليبك يزيد ضارع مبنيا للفاعل ناصبا ليزيد ورافعا لضارع (بتكرر الاسناد) بان اجمل اولا (اجمالا ثم) فصل ثانيا (تفصيلا) اما التفصيل فظاهر. واما الاجمال فلانه لما قيل: ليبك علم ان هناك باكيا يسند إليه هذا البكاء لان المسند إلى المفعول لابد له من فاعل محذوف اقيم المفعول مقامه ولا شك ان المتكرر آكد واقوى وان الاجمال ثم التفصيل اوقع في النفس (وبوقوع نحو يزيد غير فضلة) لكونه مسندا إليه لا مفعولا كما في خلافه ٣٥ (وبكون معرفة الفاعل كحصول نعمة غير مترقبة لان اول الكلام غير مطمع في ذكره) أي ذكر الفاعل لاسناد الفعل وتمام الكلام به بخلاف ما إذا بنى للفاعل فانه مطمع في ذكر الفاعل إذ لابد للفعل من شئ يسند هو إليه. (واما ذكره) أي ذكر المسند (فلما مر) في ذكر المسند إليه من كون الذكر هو الاصل مع عدم المقتضى للعدول ومن الاحتياط لضعف التعويل على القرينة مثل خلقهن العزيز العليم. ومن التعريض بغباوة السامع نحو محمد نبينا صلى اللّه عليه وآله في جواب من قال من نبيكم وغير ذلك (أو) لاجل (ان يتعين) بذكر المسند (كونه اسما) فيقيد الثبوت والدوام (أو فعلا) فيفيد التجدد والحدوث. (واما افراده) أي جعل المسند غير جملة (فلكونه غير سببي مع عدم افادة تقوى الحكم) إذ لو كان سببيا نحو زيد قام ابوه أو مفيدا للتقوى نحو زيد قام فهو جملة قطعا. واما نحو زيد قائم فليس بمفيد للتقوى بل هو قريب من زيد قام في ذلك. وقوله: مع عدم افادة التقوى معناه مع عدم افادة نفس التركيب تقوى الحكم فيخرج ما يفيد التقوى بحسب التكرير نحو عرفت عرفت أو بحرف التأكيد نحو ان زيدا عارف أو تقول ان تقوى الحكم في الاصطلاح هو تأكيده بالطريق المخصوص نحو زيد قائم. فان قلت: المسند قد يكون غير سببي ولا مفيد للتقوى ومع هذا لا يكون مفردا كقولنا انا سعيت في حاجتك ورجل جاءني وما انا فعلت هذا عند قصد التخصيص. قلت: سلمنا انا ليس القصد في هذه الصور إلى التقوى. لكن لا نسلم انها لا تفيد التقوى ضرورة حصول تكرار الاسناد الموجب للتقوى ولو سلم فالمراد ان افراد المسند يكون لاجل هذا المعنى ولا يلزم منه تحقق الافراد في جميع صور تحقق هذا المعنى. ثم السببي والفعلى، من اصطلاحات صاحب المفتاح، حيث سمى في قسم النحو الوصف بحال الشئ نحو رجل كريم وصفا فعليا، والوصف بحال ما هو من سببه نحو رجل كريم ابوه وصفا سببيا، وسمى في علم المعاني المسند في نحو زيد قام مسندا فعليا وفى نحو زيد قام ابوه مسندا سببيا وفسر هما بما لا يخلو عن صعوبة وانغلاق، فلهذا اكتفى المصنف في بيان المسند السببي بالمثال. وقال: (والمراد بالسببى نحو زيد ابوه منطلق) وكذا زيد انطلق ابوه. ويمكن ان يفسر المسند السببي بجملة علقت على مبتدأ بعائد لا يكون مسندا إليه في تلك الجملة فيخرج عنه المسند في نحو زيد منطلق ابوه لانه مفرد وفي نحو قل هو اللّه احد لان تعليقها على المبتدأ ليس بعائد وفي نحو زيد قام وزيد هو قائم لان العائد فيهما مسند إليه ودخل فيه نحو زيد ابوه قائم وزيد قام ابوه وزيد مررت به وزيد ضرب عمروا في داره وزيد ضربته ونحو ذلك من الجمل التى وقعت خبر مبتدأ ولا تفيد التقوى. والعمدة في ذلك تتبع كلام السكاكي لانا لم نجد هذا الاصطلاح لمن قبله. (واما كونه) اي المسند (فعلا فللتقييد) اي تقييد المسند (باحد الازمنة الثلاثة) اعني الماضي وهو الزمان الذي قبل زمانك الذي انت فيه والمستقبل وهو الزمان الذي يترقب وجوده بعد هذا الزمان والحال وهو اجزاء من اواخر الماضي واوائل المستقبل متعاقبة من غير مهلة وتراخ وهذا امر عرفي. وذلك لان الفعل دال بصيغته على احد الازمنة الثلاثة من غير احتياج إلى قرينة تدل على ذلك بخلاف الاسم فانه انما يدل عليه بقرينة خارجية كقولنا زيد قائم الان أو امس أو غدا ولهذا قال (على اخصر وجه). ولما كان التجدد لازما للزمان لكونه كما غير قار الذات اي لا يجتمع اجزائه في الوجود والزمان جزء من مفهوم الفعل، كان الفعل مع افادته التقييد باحد الازمنة الثالثة مفيدا للتجدد واليه اشار بقوله (مع افادة التجدد كقوله) اي كقول ظريف بن تميم (أو كلما وردت عكاظ) هو متسوق للعرب كانوا يجتمعون فيه فيتناشدون ويتفاخرون وكانت فيه وقايع (قبيلة بعثوا إلى عريفهم) عريف القوم القيم بامرهم الذي شهر وعرف بذلك (يتوسم) اي يصدر عنه تفرس الوجوه وتأملها شيئا فشيئا ولحظة فلحظة. واما كونه) اي المسند (اسما فلافادة عدمهما) اي عدم التقييد المذكور وافادة التجدد يعني لافادة الدوام والثبوت لاغراض تتعلق بذلك (كقوله " لا يألف الدرهم المضروب صرتنا ") وهو ما يجتمع فيه الدراهم (لكن يمر عليها وهو منطلق ") يعنى ان الانطلاق من الصرة ثابت للدرهم دائما. قال الشيخ عبد القاهر: موضوع الاسم على ان يثبت به الشئ للشئ، من غير اقتضاء انه يتجدد ويحدث شيئا فشيئا، فلا تعرض في زيد منطلق لاكثر من اثبات الانطلاق فعلا لا كما في زيد طويل وعمرو قصير. ٣٦ (واما تقييد الفعل) وما يشبهه من اسم الفاعل والمفعول وغيرهما (بمفعول) مطلق أو به أو فيه أو له أو معه (ونحوه) من الحال والتمييز والاستثناء (فلتربية الفائدة) لان الحكم كلما زاد خصوصا زاد غرابة وكلما زاد غرابة زاد افادة. كما يظهر بالنظر إلى قولنا شئ ما موجود وفلان به فلان حفظ التوراة سنة كذا في بلد كذا ولما استشعر سؤالا وهو ان خبر كان من مشبهات المفعول والتقييد به ليس لتربية الفائدة بدونه اشار إلى جوابه بقوله (والمقيد في نحو كان زيد منطلقا هو منطلقا لا كان) لان منطلقا هو نفس المسند وكان قيد له للدلالة على زمان النسبة كما إذا قلت زيد منطلق في الزمان الماضي. (واما تركه) اي ترك التقييد (فلمانع منها) اي من تربيه الفائدة، مثل خوف انقضاء المدة والفرصة أو ارادة ان لا يطلع الحاضرون على زمان الفعل أو مكانه أو مفعوله أو عدم العلم بالمقيدات أو نحو ذلك. (واما تقييده) اي الفعل (بالشرط)، مثل اكرمك ان تكرمني وان تكرمني اكرمك (فلا عتبارات) شتى وحالات تقتضي تقييده به (لا تعرف الا بمعرفة ما بين ادواته) يعني حروف الشرط واسمائه (من التفصيل وقد بين ذلك) اي التفصيل (في علم النحو). وفي هذا الكلام اشارة إلى ان الشرط في عرف اهل العربية قيد لحكم الجزاء مثل المفعول ونحوه فقولك ان جئتني اكرمك بمنزلة قولك اكرمك وقت مجيئك اياى ولا يخرج الكلام بهذا القيد عما كان عليه من الخبرية والانشائية بل ان كان الجزاء خبرا فالجملة الشرطية خبرية نحو ان جئتني اكرمك وان كان انشائيا فانشائية نحو ان جاءك زيد فأكرمه. واما نفس الشرط، فقد اخرجته الاداة عن الخبرية واحتمال الصدق والكذب وما يقال من ان كلا من الشرط والجزاء خارج عن الخبرية واحتمال الصدق والكذب وانما الخبر هو مجموع الشرط والجزاء المحكوم فيه بلزوم الثاني للاول فانما هو باعتبار المنطقيين فمفهوم قولنا كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود باعتبار اهل العربية الحكم بوجود النهار في كل وقت من اوقات طلوع الشمس فالمحكوم عليه هو النهار والمحكوم به هو الموجود. وباعتبار المنطقيين الحكم بلزوم وجود النهار لطلوع الشمس فالمحكوم عليه طلوع الشمس والمحكوم به وجود النهار فكم من فرق بين الاعتبارين. (ولكن لابد من النظر ههنا في ان وإذا ولو) لان فيها ابحاثا كثيرة لم يتعرض لها في علم النحو (فان وإذا للشرط في الاستقبال لكن اصل ان عدم الجزم بوقوع الشرط) فلا يقع في كلام اللّه تعالى على الاصل الا حكاية أو على ضرب من التأويل (واصل إذا الجزم) بوقوعه فان وإذا يشتركان في الاستقبال بخلاف لو ويفترقان بالجزم بالوقوع وعدم الجزم به واما عدم الجزم بلا وقوع الشرط فلم يتعرض له لكونه مشتركا بين إذا وان والمقصود بيان وجه الافتراق. (ولذلك) أي ولان اصل ان عدم الجزم بالوقوع (كان) الحكم (النادر) لكونه غير مقطوع به في الغالب (موقعا لان و) لان اصل إذا الجزم بالوقوع (غلب لفظ الماضي) لدلالته على الوقوع قطعا نظرا إلى نفس اللفظ وان نقل ههنا إلى معنى الاستقبال (مع إذا نحو فإذا جاءتهم) أي قوم موسى (الحسنة) كالخصب والرخاء (قالوا لنا هذه) أي هذه مختصة بنا ونحن مستحقوها (وان تصبهم سيئة) أي جدب وبلاء (يطيروا) أي يتشأموا (بموسى ومن معه) من المؤمنين جئ في جانب الحسنة بلفظ الماضي مع إذا (لان المراد بالحسنة الحسنة المطلقة) التى حصولها مقطوع به. (ولهذا عرفت) الحسنة (تعريف الجنس) أي الحقيقة لان وقوع الجنس كالواجب لكثرته واتساعه لتحققه في كل نوع بخلاف النوع وجئ في جانب السيئة بلفظ المضارع مع ان لما ذكره بقوله (والسيئة نادرة بالنسبة إليها) أي إلى الحسنة المطلقة (ولهذا نكرت) السيئة ليدل على التقليل (وقد تستعمل ان في) مقام (الجزم) بوقوع الشرط (تجاهلا)، كما إذا سئل العبد عن سيده هل هو في الدار وهو يعلم انه فيها، فيقول: ان كان فيها اخبرك يتجاهل خوفا من السيد (أو لعدم جزم المخاطب) بوقوع الشرط فيجرى الكلام على سنن اعتقاده (كقولك لمن يكذبك ان صدقت فماذا تفعل) مع علمك بانك صادق. ٣٧ (أو تنزيله) أي لتنزيل المخاطب العالم بوقوع الشرط (منزلة الجاهل لمخالفته مقتضى العلم) كقولك لمن يؤذى اباه ان كان اباك فلا تؤذه. (أو التوبيخ) أي لتعيير المخاطب على الشرط (وتصوير ان المقام لاشتماله على ما يقلع الشرط عن اصله لا يصلح الا لفرضه) أي فرض الشرط (كما يفرض المحال) لغرض من الاغراض (نحو افنضرب عنكم الذكر) أي انهملكم فنضرب عنكم القرآن. وما فيه من الامر والنهى والوعد والوعيد (صفحا) أي اعراضا أو للاعراض أو معرضين (ان كنتم قوما مسرفين فيمن قرأ ان بالكسر) فكونهم مسرفين امر مقطوع به لكن جئ بلفظ ان لقصد التوبيخ. وتصوير ان الاسراف من العاقل في هذا المقام يجب ان لا يكون الا على سبيل الفرض والتقدير كالمحالات لاشتمال المقام على الايات الدالة على ان الاسراف مما لا ينبغي ان يصدر عن العاقل اصلا فهو بمنزلة المحال وان كان مقطوعا، بعدم وقوعه لكنهم يستعملون فيه ان لتنزيله منزلة ما لا قطع بعدمه على سبيل المساهلة وارخاء العنان لقصد التبكيت كما في قوله تعالى قل ان كان للرحمن ولد فانا اول العابدين. (أو تغليب غير المتصف به) أي بالشرط (على المتصف به) كما إذا كان القيام قطعي الحصول لزيد غير قطعي لعمرو فنقول ان قمتما كان كذا (وقوله تعالى للمخاطبين المرتابين وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا، يحتملهما) أي يحتمل ان يكون للتوبيخ والتصوير المذكور وان يكون لتغليب غير المرتابين على المرتابين لانه كان في المخاطبين من يعرف الحق وانما ينكر عنادا فجعل الجميع كأنه لا ارتياب لهم. وههنا بحث، وهو: انه إذا جعل الجميع بمنزلة غير المرتابين كان الشرط قطعي اللاوقوع فلا يصح استعمال ان فيه كما إذا كان قطعي الوقوع لانها انما تستعمل في المعاني المحتملة المشكوكة وليس المعنى ههنا على حدوث الارتياب في المستقبل. ولهذا زعم الكوفيون ان ان ههنا بمعنى إذ ونص المبرد والزجاج على ان ان لا تغلب كان على معنى الاستقبال لقوة دلالته على المضى فمجرد التغليب لا يصحح استعمال ان ههنا بل لابد من ان يقال لما غلب صار الجميع بمنزلة غير المرتابين فصار الشرط قطعي الانتفاء فاستعمل فيه ان على سبيل الفرض والتقدير للتبكيت والالزام كقوله تعالى فان آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا * وقل ان كان للرحمن ولد فانا اول العابدين. (والتغليب) باب واسع (يجرى في فنون كثيرة كقوله تعالى وكانت من القانتين) غلب الذكر على الانثى بان اجرى الصفة المشتركة بينهما على طريقة اجرائها على الذكور خاصة فان القنوت مما يوصف به الذكور والاناث لكن لفظ قانتين انما يجرى على الذكور فقط (و) نحو (قوله تعالى بل انتم قوم تجهلون) غلب جانب المعنى على جانب اللفظ لان القياس يجهلون بياء الغيبة لان الضمير عائد إلى قوم ولفظه لفظ الغائب لكونه اسما مظهرا لكنه في المعنى عبارة عن المخاطبين فغلب جانب الخطاب على جانب الغيبة. (ومنه) أي ومن التغليب (ابوان) للاب والام (ونحوه) كالعمرين لابي بكر وعمر رضى اللّه عنهما والقمرين للشمس والقمر، وذلك بان يغلب احد المتصاحبين أو المتشابهين على الاخر بان يجعل الاخر متفقا له في الاسم ثم يثنى ذلك الاسم ويقصد اللفظ اليهما جميعا فمثل ابوان ليس من قبيل قوله تعالى [ وكانت من القانتين ] كما توهمه بعضهم لان الابوة ليست صفة مشتركة بينهما كالقنوت. فالحاصل ان مخالفة الظاهر في مثل القانتين من جهة الهيئة والصيغة وفي مثل ابوان من جهة المادة وجوهر اللفظ بالكلية (ولكونهما) أي ان وإذا (لتعليق امر) هو حصول مضمون الجزاء (بغيره) يعنى حصول مضمون الشرط (في الاستقبال) متعلق بغيره على معنى انه يجعل حصول الجزاء مترتبا ومعلقا على حصول الشرط في الاستقبال ولا يجوز ان يتعلق بتعليق امر لان التعليق انما هو في زمان التكلم لا في الاستقبال الا ترى انك إذا قلت ان دخلت الدار فانت حر فقد علقت في هذه الحال حريته على دخول الدار في الاستقبال (كان كل من جملتي كل) من ان وإذا بعني الشرط والجزاء (فعلية استقبالية). اما الشرط فلانه مفروض الحصول في الاستقبال فيمتنع ثبوته ومضيه. واما الجزاء، فلان حصوله معلق على حصول الشرط في الاستقبال ويمتنع تعليق حصول الحاصل الثابت على حصول ما يحصل في المستقبل (ولا يخالف ذلك لفظا الا لنكتة) لامتناع مخالفة مقتضى الظاهر من غير فائدة. وقوله لفظا: اشارة إلى ان الجملتين وان جعلت كلتاهما أو احديهما اسمية أو فعلية ما ضوية فالمعنى على الاستقبال حتى ان قولنا ان اكرمتني الان فقد اكرمتك امس معناه ان تعتد باكرامك اياى الان فاعتد باكرامى اياك امس. وقد تستعمل ان في غير الاستقبال قياسا مطردا مع كان نحو وان كنتم في ريب، كما مر وكذا إذا جئ بها في مقام التأكيد بعد واو الحال لمجرد الوصل والربط دون الشرط نحو زيد وان كثر ماله بخيل وعمرو وان اعطى جاها لئيم. وفى غير ذلك قليلا كقوله: فيا وطني ان فاتني بك سابق * من الدهر فلينعم لساكنك البال ثم اشار إلى تفصيل النكتة الداعية إلى العدول عن لفظ الفعل المستقبل بقوله ٣٨ (كابر از غير الحاصل في معرض الحاصل لقوة الاسباب) المتأخذة في حصوله نحو ان اشتريت كان كذا حال انعقاد اسباب الاشتراء (أو كون ما هو مقطوع الوقوع كالواقع) هذا عطف على قوة الاسباب وكذا المعطوفات بعد ذلك باو لانها كلها علل لابراز غير الحاصل في معرض الحاصل على ما اشار إليه في اظهار الرغبة. ومن زعم انها كلها عطف على ابراز غير الحاصل في معرض الحاصل فقدسها سهوا بينا. (أو التفاؤل أو اظهار الرغبة في وقوعه) أي وقوع الشرط (نحو ان ظفرت بحسن العاقبة) فهو المرام هذا يصلح مثالا للتفاؤل ولاظهار الرغبة ولما كان اقتضاء اظهار الرغبة ابراز غير الحاصل في معرض الحاصل يحتاج إلى بيان ما اشار إليه بقوله (فان الطالب إذا عظمت رغبته في حصول امر يكثر تصوره) أي الطالب (اياه) أي ذلك الامر (فربما يخيل) أي ذلك الامر (إليه حاصلا) فيعبر عنه بلفظ الماضي (وعليه) أي على استعمال الماضي مع ان لاظهار الرغبة في الوقوع ورد قوله تعالى " ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء " (ان اردن تحصنا) حيث لم يقل ان يردن. فان قيل تعليق النهى عن الاكراه بارادتهن التحصن يشعر بجواز الاكراه عند انتفائها على ما هو مقتضى التعليق بالشرط، اجيب بان القائلين بان التقييد بالشرط يدل على نفى الحكم عند انتفائه انما يقولون به إذا لم يظهر للشرط فائدة اخرى ويجوز ان يكون فائدته في الاية، المبالغة في النهى عن الاكراه يعنى انهن إذا اردن العفة فالمولى احق بارادتها وايضا دلالة الشرط على انتفاء الحكم انما هو بحسب الظاهر والاجماع القاطع على حرمة الاكراه مطلقا قد عارضه والظاهر يدفع بالقاطع (قال السكاكى أو للتعريض) أي ابراز غير الحاصل في معرض الحاصل. اما لما ذكر واما للتعريض بان ينسب الفعل إلى واحد والمراد غيره (نحو) قوله تعالى " ولقد اوحى اليك والى الذين من قبلك (لئن اشركت ليحبطن عملك) " فالمخاطب هو النبي صلى اللّه تعالى عليه وسلم وعدم اشراكه مقطوع به، لكن جئ بلفظ الماضي ابرازا للاشراك الغير الحاصل في معرض الحاصل على سبيل الفرض والتقدير تعريضا لمن صدر عنهم الاشراك بانه قد حبطت اعمالهم كما إذا شتمك احد فتقول واللّه ان شتمنى الامير لاضربنه، ولا يخفى عليك انه لا معنى للتعريض لمن لم يصدر عنهم الاشراك وان ذكر المضارع لا يفيد التعريض لكونه على اصله ولما كان في هذا الكلام نوع خفاء وضعف نسبه إلى السكاكى والا فهو قد ذكر جميع ما تقدم ثم قال. (ونظيره) أي نظير لئن اشركت، (في التعريض) لا في استعمال الماضي مقام المضارع في الشرط للتعريض قوله تعالى (" ومالى لا اعبد الذى فطرني، أي وما لكم لا تعبدون الذى فطركم بدليل واليه ترجعون ") إذ لو لا التعريض لكان المناسب ان يقال واليه ارجع على ما هو الموافق للسياق (ووجه حسنه) أي حسن هذا التعريض (اسماع) المتكلم (المخاطبين) الذين هم اعداؤه (الحق) هو المفعول الثاني للاسماع (على وجه لا يزيد) ذلك الوجه (غضبهم وهو) أي ذلك الوجه (ترك التصريح بنسبتهم إلى الباطل ويعين) عطف على يزيد. ٣٩ وليس هذا في كلام السكاكى أي على وجه يعين (على قبوله) أي قبول الحق (لكونه) اي لكون ذلك الوجه (ادخل في امحاض النصح لهم حيث لا يريد) المتكلم (لهم الا ما يريد لنفسه ولو للشرط) اي لتعليق حصول مضمون الجزاء بحصول مضمون الشرط فرضا (في الماضي مع القطع بانتفاء الشرط) فيلزم انتفاء الجزاء كما تقول لو جئتني لاكرمتك معلقا الاكرام بالمجئ مع القطع بانتفائه فيلزم انتفاء الاكرام فهي لامتناع الثاني اعني الجزاء لامتناع الاول اعني الشرط يعني ان الجزاء منتف بسبب انتفاء الشرط، هذا هو المشهور بين الجمهور. واعترض عليه ابن الحاجب بان الاول سبب والثانى مسبب وانتفاء السبب لا يدل على انتفاء المسبب لجواز ان يكون للشئ اسباب متعددة بل الامر بالعكس لان انتفاء المسبب يدل على انتفاء جميع اسبابه فهى لامتناع الاول لامتناع الثاني الا ترى ان قوله تعالى " لو كان فيهما آلهة الا اللّه لفسدتا " انما سيق ليستدل بامتناع الفساد على امتناع تعدد الالهة دون العكس. واستحسن المتأخرون رأى ابن الحاجب حتى كادوا ان يجمعوا على انها لامتناع الاول لامتناع الثاني. اما لما ذكره واما لان الاول ملزوم والثانى لازم وانتفاء اللازم يوجب انتفاء الملزوم من غير عكس لجواز ان يكون اللازم اعم. وانا اقول منشأ هذا الاعتراض: قلة التأمل، لانه ليس معنى قولهم لو لامتناع الثاني لامتناع الاول انه يستدل بامتناع الاول على امتناع الثاني حتى يرد عليه ان انتفاع السبب أو الملزوم لا يوجب انتفاع المسبب أو اللازم بل معناه انها للدلالة على ان انتفاء الثاني في الخارج انما هو بسبب انتفاء الاول فمعنى " لو شاء اللّه لهديكم " ان انتفاء الهداية انما هو بسبب انتفاء المشيئة يعنى انها تستعمل للدلالة على ان علة انتفاء مضمون الجزاء في الخارج هي انتفاء مضمون الشرط من غير التفات إلى ان علة العلم بانتفاء الجزاء ما هي الا ترى ان قولهم لو لا لامتناع الثاني لوجود الاول نحو " لو لا على لهلك عمر " معناه ان وجود على سبب لعدم هلاك عمر لا ان وجوده دليل على ان عمر لم يهلك. ولهذا صح مثل قولنا " لو جئتني لاكرمتك لكنك لم تجئ " اعني عدم الاكرام بسبب عدم المجئ، قال الحماسي " ولو طار ذو حافر قبلها، لطارت ولكنه لم يطر " يعنى ان عدم طيران تلك الفرس بسبب انه لم يطر ذو حافر قبلها، وقال أبو العلاء المعرى " ولو دامت الدولات كانوا كغيرهم، رعايا ولكن ما لهن دوام ". واما المنطقيون فقد جعلوا، ان ولو، اداة اللزوم وانما يستعملونها في القياسات لحصول العلم بالنتائج فهى عندهم للدلالة على ان العلم بانتفاء الثاني علة للعلم بانتفاء الاول ضرورة انتفاء الملزوم بانتفاء اللازم من غير التفات إلى ان علة انتفاء الجزاء في الخارج ما هي وقوله تعالى " لو كان فيهما آلهة الا اللّه لفسدتا " وارد على هذه القاعدة لكن الاستعمال على قاعدة اللغة هو الشانع المستفيض وتحقيق هذا البحث على ما ذكرناه من اسرار هذا الفن. وفى هذا المقام مباحث اخرى شريفة اوردناها في الشرح وإذا كان لو للشرط في الماضي (فيلزم عدم الثبوت والمضى في جملتيها) إذ الثبوت ينافى التعليق والاستقبال ينافى المضى فلا يعدل في جملتيها عن الفعلية الماضوية الا لنكتة ومذهب المبرد انها تستعمل في المستقبل استعمال ان للوصل وهو مع قلته ثابت. نحو قوله عليه السلام: " اطلبوا العلم ولو بالصين " و " انى اباهى بكم الامم يوم القيامة ولو بالسقط ". (فدخولها على المضارع في نحو) واعلموا ان فيكم رسول اللّه (لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم) أي لو قعتم في جهد وهلاك (لقصد استمرار الفعل فيما مضى وقتا فوقتا). والفعل: هو الاطاعة يعنى ان امتناع عنتكم بسبب امتناع استمراره على اطاعتكم فان المضارع يفيد الاستمرار ودخول لو عليه يفيد امتناع الاستمرار. ويجوز ان يكون الفعل امتناع الاطاعة يعنى ان امتناع عنتكم بسبب استمرار امتناعة عن اطاعتكم لانه كما ان المضارع المثبت يفيد استمرار الثبوت يجوز ان يفيد المنفى استمرار النفى والداخل عليه لو يفيد استمرار الامتناع كما ان الجملة الاسمية المثبتة تفيد تأكيد الثبوت ودوامه. والمنفية يفيد تأكيد النفى ودوامه لا نفى التأكيد والدوام كقوله تعالى " وما هم بمؤمنين " ردا لقولهم انا آمنا على ابلغ وجه وآكده كما في قوله تعالى (" اللّه يستهزئ بهم ") حيث لم يقل اللّه مستهزئ بهم قصدا إلى استمرار الاستهزاء وتجدده وقتا فوقنا. (و) دخولها على المضارع (في نحو قوله تعالى ولو ترى) الخطاب لمحمد عليه السلام أو لكل من تأتى منه الرؤية (إذ وقفوا على النار) أي اروها حتى يعاينوها واطلعوا عليها اطلاعا هي تحتهم أو ادخلوها فعرفوا مقدار عذابها وجواب لو محذوف أي لرأيت امرا فظيعا (لتنزيله) أي المضارع (منزلة الماضي لصدوره) أي المضارع أو الكلام (عمن لا خلاف في اخباره). فهذا الحالة انما هي في القيامة لكنها جعلت بمنزلة الماضي المتحقق فاستعمل فيها لو واذ المختصان بالماضي لكن عدل من لفظ الماضي ولم يقل ولو رأيت اشارة إلى انه كلام من لا خلاف في اخباره والمستقبل عنده بمنزلة الماضي في تحقق الوقوع فهذا الامر مستقبل في التحقيق ماض بحسب التأويل كأنه قيل قد انقضى هذا الامر لكنك ما رأيته ولو رأيته لرأيت امرا فظيعا (كما) عدل عن الماضي إلى المضارع (في " ربما يود الذين كفروا ") لتنزيله منزلة الماضي لصدوره عمن لا خلاف في اخباره. وانما كان الاصل ههنا هو الماضي لانه قد التزم ابن السراج وابو علي في الايضاح ان الفعل الواقع بعد رب المكفوفة بما يجب ان يكون ماضيا لانها للتقليل في الماضي ومعنى التقليل ههنا انه يدهشهم اهوال القيمة فيبهتون فان وجدت منهم افاقة ما تمنوا ذلك. وقيل هي مستعارة للتكثير أو للتحقيق ومفعول يود محذوف لدلالة لو كانوا مسلمين عليه ولو للتمني حكاية لودادتهم واما على رأى من جعل لو اللتى للتمني حرفا مصدرية فمفعول يود هو قوله لو كانوا مسلمين (أو لا ستحضار الصورة) عطف على قوله لتنزيله يعنى ان العدول إلى المضارع في نحو " ولو ترى " اما لما ذكر واما لاستحضار صورة رؤية الكافرين موقوفين على النار لان المضارع مما يدل على الحال الحاضر الذى من شأنه ان يشاهد كأنه يستحضر بلفظ المضارع تلك الصورة ليشاهدها السامعون ولا يفعل ذلك الا في امريتهم بمشاهدته لغرابته أو فظاعته أو نحو ذلك (كما قال اللّه تعالى فتثير سحابا) بلفظ المضارع بعد قوله تعالى " اللّه الذى ارسل الرياح " (استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة) يعنى اثارة صورة السحاب مسخرا بين اسماء والارض على الكيفيات المخصوصة والانقلابات المتفاوتة ٤٠ (واما تنكيره) أي تنكير المسند (فلا رادة عدم الحصر والعهد) الدال عليهما التعريف (كقولك زيد كاتب وعمرو شاعر أو للتفخيم نحو هدى للمتقين) بناء على انه خبر مبتدأ محذوف أو خبر تلك الكتاب (أو للتحقير) نحو ما زيد شيئا. (واما تحصيصه) أي المسند (بالاضافة) نحو زيد غلام رجل (أو الوصف) نحو زيد رجل عالم (فلكون الفائدة اتم) لما مر من ان زيادة الخصوص توجب اتمية الفائدة. واعلم ان جعل معمولات المسند كالحال ونحوه من المقيدات وجعل الاضافة والوصف من المخصصات انما هو مجرد اصطلاح. وقيل لان التخصيص عبارة عن نقص الشيوع ولا شيوع للفعل لانه انما يدل على مجرد المفهوم والحال تقيده والوصف يجئ في الاسم الذى فيه الشيوع فيخصصه وفيه نظر. (واما تركه) أي ترك تخصيص المسند بالاضافة أو الوصف (فظاهر مما سبق) في ترك تقيد المسند لمانع من تربية الفائدة. (واما تعريفه فلا فادة السامع حكما على امر معلوم له باحدى طرق التعريف) يعنى انه يجب عند تعريف المسند إليه إذ ليس في كلامهم مسند إليه نكرة ومسند معرفة في الجملة الخبرية (بآخر مثله) أي حكما على امر معلوم بامر آخر مثله في كونه معلوما للسامع باحدى طرق التعريف سواء يتحدا الطريقان نحو الراكب هو المنطلق أو يختلفان نحو زيد هو المنطلق (أو لازم حكم) عطف على حكما (كذلك) أي على امر معلوم باخر مثله. وفيه هذا تنبيه على ان كون المبتدأ والخبر معلومين لا ينافى افادة الكلام للسامع فائدة مجهولة لانه العلم بنفس المبتدأ والخبر لا يستلزم العلم باسناد احدهما إلى الاخر (نحو زيد اخوك وعمرو المنطلق) حال كون المنطلق معرفا (باعتبار تعريف العهد أو الجنس). وظاهر لفظ الكتاب ان نحو زيد اخوك انما يقال لمن يعرف ان له اخا. والمذكور في الايضاح انه يقال لمن يعرف زيدا بعينه سواء كان يعرف ان له اخا أو لم يعرف. ووجه التوفيق ما ذكره بعض المحققين من النحاة ان اصل وضع تعريف الاضافة على اعتبار العهد والا لم يبق فرق بين غلام زيد وغلام لزيد فلم يكن احدهما معرفة والاخر نكرة لكن كثيرا ما يقال جاءني غلام زيد من غير اشارة إلى معين كالمعرف باللام وهو خلاف وضع الاضافة فما في الكتاب ناظر إلى اصل الوضع وما في الايضاح إلى خلافه. (وعكسها) أي ونحو عكس المثالين المذكورين وهو اخوك زيد والمنطلق عمرو. والضابط في التقديم انه إذا كان للشئ صفتان من صفات التعريف وعرف السامع اتصافه باحديهما دون الاخرى فايهما كان بحيث يعرف السامع اتصاف الذات به وهو كالطالب بحسب زعمك ان تحكم عليه بالاخر فيجب ان تقدم اللفظ الدال عليه وتجعله مبتدأ وايهما كان بحيث يجهل اتصاف الذات به وهو كالطالب بحسب زعمك ان تحكم بثبوته للذات أو انتفائه عنه يجب ان تؤخر اللفظ الدال عليه وتجعله خبر فإذا عرف السامع زيدا بعينه واسمه ولا يعرف اتصافه بانه اخوه واردت ان تعرفه ذلك قلت زيد اخوك وإذا عرف اخا له ولا يعرفه على التعيين واردت ان تعينه عنده قلت اخوك زيد ولا يصح زيد اخوك ويظهر ذلك في نحو قولنا رأيت اسودا غابها الرماح ولا يصح رماحها الغاب. (والثانى) يعنى اعتبار تعريف الجنس (قد يفيد قصر الجنس على شئ تحقيقا نحو زيد الامير) إذا لم يكن امير سواه (أو مبالغة لكماله فيه) أي لكمال ذلك الشئ في ذلك الجنس أو بالعكس (نحو عمرو الشجاع) أي الكامل في الشجاعة كانه لااعتداد بشجاعة غيره لقصورها عن رتبة الكمال وكذا إذا جعل المعرف بلام الجنس مبتدأ نحو الامير زيد والشجاع عمرو ولا تفاوت بينهما وبين ما تقدم في افادة قصر الامارة على زيد والشجاعة على عمرو. والحاصل ان المعرف بلام الجنس ان جعل مبتدأ فهو مقصور على الخبر سواء كان الخبر معرفة أو نكرة وان جعل خبرا فهو مقصور على المبتدأ والجنس قد يبقى على اطلاقه كما مرو قد يقيد بوصف أو حال أو ظرف أو مفعول أو نحو ذلك نحو هو الرجل الكريم وهو السائر راكبا وهو الامير في البلد وهو الواهب الف قنطار وجميع ذلك معلوم بالاستقراء وتصفح تراكيب البلغاء. وقوله قد يفيد بلفظ قد اشارة إلى انه قد لا يفيد القصر كما في قول الخنساء " إذا قبح البكاء على قتيل، رايت بكاءك الحسن الجميلا " فانه يعرف بحسب الذوق السليم والطبع المستقيم والتدرب في معرفة معاني كلام العرب ان ليس المعنى ههنا على القصر وان امكن ذلك بحسب النظر الظاهر والتأمل القاصر. (وقيل) في نحو زيد المنطلق أو المنطلق زيد (الاسم متعين للابتداء) تقدم أو تأخر (لدلالته على الذات والصفة) متعينة (للخبرية) تقدمت أو تأخرت (لدلالتها على امر نسبي) لان معنى المبتدأ المنسوب إليه. ومعنى الخبر المنسوب والذات هي المنسوب إليها والصفة هي المنسوب فسواء قلنا زيد المنطلق أو المنطلق زيد يكون زيد مبتدأ والمنطلق خبر وهذا رأى الامام الرازي قدس اللّه سره. ٤١ (ورد بان المعنى الشخص الذى له الصفة صاحب الاسم) يعنى ان الصفة تجعل دالة على الذات ومسندا إليها والاسم يجعل دالا على امر نسبي ومسندا. (واما كونه) أي المسند (جملة فللتقوى) نحو زيد قام (أو لكونه سببيا) نحو زيد ابوه قايم (لما مر) من ان افراده يكون لكونه غير سببي مع عدم افادة التقوى. وسبب التقوى في مثل زيد قام على ما ذكره صاحب المفتاح هو ان المبتدأ لكونه مبتدأ يستدعى ان يسند إليه شئ فإذا جاء بعده ما يصلح ان يسند إلى ذلك المبتدأ صرفه ذلك المبتدأ إلى نفسه سواء كان خاليا عن الضمير أو متضمنا له فينعقد بينهما حكم. ثم إذا كان متضمنا له لضميره المعتد به بان لا يكون مشابها للخالى عن الضمير كما في زيد قائم صرفه ذلك الضمير إلى المبتدأ ثانيا فيكتسي الحكم قوة فعلى هذا يختص التقوى بما يكون مسندا إلى ضمير مبتدا ويخرج عنه نحو زيد ضربته ويجب ان يجعل سببيا. واما على ما ذكره الشيخ في دلائل الاعجاز وهو ان الاسم لا يؤتى به معرى عن العوامل اللفظية الا لحديث قد نوى اسناده إليه. فإذا قلت زيد فقد اشعرت قلب السامع بانك تريد الاخبار عنه فهذا توطئة له وتقدمة للاعلام به. فإذا قلت قام دخل في قلبه دخول المأنوس وهذا اشد للثبوت وامنع من الشبهة والشك. وبالجملة ليس الاعلام بالشئ بغتة مثل الاعلام به بعد التنبيه عليه، والتقدمة، فان ذلك يجرى مجرى تأكيد الاعلام في التقوى والاحكام فيدخل فيه نحو زيد ضربته وزيد مررت به ومما يكون المسند فيه جملة لا للسببية أو التقوى خبر ضمير الشان ولم يتعرض له لشهرة امره وكونه معلوما مما سبق. واما صورة التخصيص نحو انا سعيت في حاجتك ورجل جاءني فهى داخلة في التقوى على ما مر (واسميتها وفعليتها وشرطيتها لما مر) يعنى ان كون المسند جملة للسببية أو التقوى وكون تلك الجملة اسمية للدوام والثبوت وكونها فعلية للتجدد والحدوث والدلالة على احد الازمنة الثلثة على اخصر وجه وكونها شرطية للاعتبارات المختلفة الحاصلة من ادوات الشرط (وظرفيتها لاختصار الفعلية إذ هي) أي الظرفية (مقدرة بالفعل على الاصح) لان الفعل هو الاصل في العمل. وقيل باسم الفاعل لان الاصل في الخبر ان يكون مفردا، ورجح الاول بوقوع الظرف صلة للموصول نحوى الذى في الدار اخوك. واجيب بان الصلة من مظان الجملة بخلاف الخبر، ولو قال إذا الظرف مقدر بالفعل على الاصح، لكان اصوب لان ظاهر عبارته يقتضى ان الجملة الظرفية مقدرة باسم الفاعل على القول الغير الاصح، ولا يخفى فساده. (واما تأخيره) أي تأخير المسند (فلان ذكر المسند إليه اهم كما مر) في تقديم المسند إليه (واما تقديمه) أي تقديم المسند (فلتخصيصه بالمسند إليه) أي لقصر المسند إليه على ما حققناه في ضمير الفصل لان معنى قولنا تميمي انا هو انه مقصور على التميمية لا يتجاوزها إلى القيسية (نحو لا فيها غول أي بخلاف خمور الدنيا) فان فيها غولا. فان قلت المسند هو الظرف اعني فيها والمسند إليه ليس بمقصور عليه بل على جزء منه اعني الضمير المجرور الراجع إلى خمور الجنة قلت المقصود ان عدم الغول مقصور على الاتصاف بفى خمور الجنة لا يتجاوزه إلى الانصاف بفى خمور الدنيا وان اعتبرت النفى في جانب المسند فالمعنى ان الغول مقصور على عدم الحصول في خمور الجنة لا يتجاوزه إلى عدم الحصول في خمور الدنيا فالمسند إليه مقصور على المسند قصرا غير حقيقي وكذلك قياس في قوله تعالى لكم دينكم ولي دين. ونظيره ما ذكره صاحب المفتاح في قوله تعالى " ان حسابهم الا على ربى " من ان المعنى حسابهم مقصور على الاتصاف بعلى ربى لا يتجاوزه إلى الاتصاف بعلى فجميع ذلك من قصر الموصوف على الصفة دون العكس كما توهمه بعضهم (ولهذا) أي ولان التقديم يفيد التخصيص (لم يقدم الظرف) الذى هو المسند على المسند إليه (في " لا ريب فيه ") ولم يقل لا فيه ريب (لئلا يفيد) تقديمه عليه ثبوت الريب في سائر كتب اللّه تعالى بناء على اختصاص عدم الريب بالقرآن. وانما قال في سائر كتب اللّه تعالى لانه المعتبر في مقابلة القرآن كما ان المعتبر في مقابلة خمور الجنة هي خمور الدنيا لا مطلق المشروبات وغيرها (أو التنبيه) عطف على تخصيصه أي تقديم المسند للتنبيه (من اول الامر على انه) أي المسند (خبر لا نعت) إذ النعت لا يتقدم على المنعوت. وانما قال من اول الامر لانه ربما يعلم انه خبر لا نعت بالتأمل في المعنى والنظر إلى انه لم يرد في الكلام خبر للمبتدأ (كقوله " له همم لا منتهى لكبارها * وهمته الصغرى اجل من الدهر) حيث لم يقل همم له (أو التفاؤل) نحو سعدت بغرة وجهك الايام. ٤٢ (أو التشويق إلى ذكر المسند إليه) بان يكون في المسند المتقدم طول يشوق النفس إلى ذكر المسند إليه فيكون له وقع في النفس ومحل من القبول لان الحاصل بعد الطلب اعز من المنساق بلا تعب (كقوله ثلاثة) هذا هو المسند المتقدم الموصوف بقوله (تشرق) من اشرق بمعنى صار مضيئا (الدنيا) فاعل تشرق والعائد إلى الموصوف هو الضمير المجرور في وقوله (ببهجتها) أي بحسنها ونضارتها أي تصير الدنيا منورة ببهجة هذه الثلاثة وبهائها والمسند إليه المتأخر هو قوله (شمس الضحى وابو اسحق والقمر). (تنبيه، كثير مما ذكر في هذا الباب) يعنى باب المسند (والذي قبله) يعنى باب المسند إليه (غير مختص بهما كالذكر والحذف وغيرهما) من التعريف والتنكير والتقديم والتأخير والاطلاق والتقييد وغير ذلك مما سبق. وانما قال كثير مما ذكر لان بعضها مختص بالبابين كضمير الفصل المختص بما بين المسند إليه والمسند وككون المسند مفردا فعلا فانه مختص بالمسند إذ كل فعل مسند دائما. وقيل: هو اشارة إلى ان جميعها لا يجرى في غير البابين كالتعريف فانه لا يجرى في الحال والتمييز وكالتقديم فانه لا يجرى في المضاف إليه. وفيه نظر لان قولنا جميع ما ذكر في البابين غير مختص بهما لا يقتضى ان يجرى شئ من المذكورات في كل واحد من الامور التى هي غير المسند إليه والمسند فضلا عن ان يجرى كل منها فيه إذا يكفى لعدم الاختصاص بالبابين ثبوته في شئ مما يغايرهما فافهم. (والفطن إذا اتقن اعتبار ذلك فيهما) أي في البابين (لا يخفى عليه اعتباره في غيره هما) من المفاعيل والملحقات بها والمضاف إليه. ١-٤ احوال متعلقات الفعلالباب الرابع احوال متعلقات الفعل قد اشير في التنبيه إلى ان كثيرا من الاعتبارات السابقة يجرى في متعلقات الفعل لكن ذكر في هذا الباب تفصيل بعض من ذلك لاختصاصه بمزيد بحث ومهد لذلك مقدمة. فقال (الفعل مع المفعول كالفعل مع الفاعل في ان الغرض من ذكره معه) أي ذكر كل من الفاعل والمفعول أو ذكر الفعل مع كل منهما (افادة تلبسه به) أي تلبس الفعل بكل منهما اما بالفاعل فمن جهة وقوعه عنه واما بالمفعول فمن جهة وقوعه عليه (لا افادة وقوعه مطلق) أي ليس الغرض من ذكره معه افادة وقوع الفعل وثبوته في نفسه من غير ارادة ان يعلم ممن وقع عنه أو على من وقع عليه إذ لو اريد ذلك لقيل وقع الضرب أو وجد أو ثبت من غير ذكر الفاعل أو المفعول لكونه عبثا (فإذا لم يذكر) المفعول به (معه) اي مع الفعل المتعدى المسند إلى فاعله. (فالغرض ان كان اثباته) أي اثبات الفعل (لفاعله أو نفيه عنه مطلقا) أي من غير اعتبار تعلقه بمن وقع عليه فضلا عن عمومه وخصوصه (نزل) الفعل المتعدى (منزلة اللازم ولم يقدر له مفعول لان المقدر كالمذكور) في ان السامع يفهم منها ان الغرض الاخبار بوقوع الفعل من الفاعل باعتبار تعلقه بمن وقع عليه. فان قولنا فلان يعطى الدنانير يكون لبيان جنس ما يتناوله الاعطاء لا لبيان كونه معطيا ويكون كلاما مع من اثبت له اعطاء غير الدنانير لا مع من نفى ان يوجد منه اعطاء (وهو) أي هذا القسم الذى نزل منزلة اللازم (ضربان لانه اما ان يجعل الفعل) حال كونه (مطلقا) أي من غير اعتبار عموم أو خصوص فيه ومن غير اعتبار تعلقه بالمفعول (كناية عنه) أي عن ذلك الفعل حال كونه (متعلقا بمفعول مخصوص دلت عليه قرينة اولا) يجعل كذلك (الثاني كقوله تعالى " قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون ") ٤٣ أي لا يستوى من يوجد له حقيقة العلم ومن لا يوجد فالغرض اثبات العلم لهم ونفيه عنهم من غير اعتبار عموم في افراده ولا خصوص ومن غير اعتبار تعلقه بمعلوم عام أو خاص. وانما قدم الثاني لانه باعتبار كثرة وقوعه اشد اهتماما بحاله السكاكى ذكر في بحث افادة اللام الاستغراق انه إذا كان المقام خطابيا لا استدلاليا كقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم " المؤمن غر كريم والمنافق خب لئيم " حمل المعرف باللام مفردا كان أو جمعا على الاستغراق بعلة ايهام ان القصد إلى فرد دون آخر مع تحقق الحقيقة فيهما ترجيح لاحد المتساويين على الاخر. ثم ذكر في بحث حذف المفعول، انه قد يكون للقصد إلى نفس الفعل بتنزيل المتعدى منزلة اللازم ذهابا في نحو فلان يعطى إلى معنى يفعل الاعطاء ويوجد هذه الحقيقة ايهاما للمبالغة بالطريق المذكور في افادة اللام الاستغراق فجعل المصنف قوله بالطريق المذكور اشارة إلى قوله ثم إذا كان المقام خطابيا لا استدلاليا حمل المعرف باللام على الاستغراق واليه اشار بقوله. (ثم) أي بعد كون الغرض ثبوت اصل الفعل وتنزيله منزلة اللازم من غير اعتبار كونه كناية (إذا كان المقام خطابيا) يكتفى فيه بمجرد الظن (لا استدلاليا) يطلب فيه اليقين البرهانى (افاد) المقام أو الفعل (ذلك) أي كون الغرض ثبوته لفاعله أو نفيه عنه مطلقا (مع التعميم) في افراد الفعل (دفعا للتحكم) اللازم من حمله على فرد دون آخر. وتحقيقه ان معنى يعطى حينئذ يفعل الاعطاء فالاعطاء المعرف بلام الحقيقة يحمل في المقام الخطابى على استغارق الاعطاآت وشمولها مبالغة لئلا يلزم ترجيح احد المتساويين على الاخر. لا يقال افادة التعميم في افراد الفعل تنافى كون الغرض الثبوت أو النفى عنه مطلقا أي من غير اعتبار عموم ولا خصوص. لانا نقول لا نسلم ذلك فان عدم كون الشئ معتبرا في الغرض لا يستلزم عدم كونه مفادا من الكلام فالتعميم مفاد غير مقصود، ولبعضهم في هذا المقام تخيلات فاسدة لا طائل تحتها فلم نتعرض لها. (والاول) وهو ان يجعل الفعل مطلقا كناية عنه متعلقا بمفعول مخصوص (كقول البخترى في المعتز باللّه) تعريضا بالمستعين باللّه (شجو حساده وغيظ عداه، * ان يرى مبصر ويسمع واع) اي ان يكون ذو رؤية وذو سمع فيدرك بالبصر (محاسنه) وبالسمع (اخباره الظاهرة الدالة على استحقاقه الامامة دون غيره فلا يجدوا) نصب وعطف على يدرك أي فلا يجد اعداؤه وحساده الذين يتمنون الامامة (إلى منازعته) الامامة (سبيلا). فالحاصل انه نزل يرى ويسمع منزلة اللازم، أي: من يصدر عنه السماع والرؤية من غير تعلق بمفعول مخصوص، ثم جعلها كنايتين عن الرؤية والسماع المتعلقين بمفعول مخصوص هو محاسنه. واخباره بادعاء الملازمة بين مطلق الرؤية ورؤية آثاره ومحاسنه وكذا بين مطلق السماع وسماع اخباره للدلالة على ان آثاره واخباره بلغت من الكثرة والاشتهار إلى حيث يمتنع اخفاؤها فأبصرها كل راء وسمعها كل واع بل لا يبصر الرائى الا تلك الاثار ولا يسمع الواعي الا تلك الاخبار، فذكر اللازم واراد الملزوم على ما هو طريق الكناية ففى ترك المفعول والاعراض عنه اشعار بان فضائله قد بلغت من الظهور والكثرة إلى حيث يكفى فيها مجرد ان يكون ذو سمع وذو بصر حتى يعلم انه المتفرد بالفضائل. ولا يخفى انه يفوت هذا المعنى عند ذكر المفعول أو تقديره (والا) أي: وان لم يكن الغرض عند عدم ذكر المفعول مع الفعل المتعدى المسند إلى فاعله أو نفيه عنه مطلقا بل قصد تعلقه بمفعول غير مذكور (وجب التقدير بحسب القرائن) الدالة على تعيين المفعول ان عاما فعام وان خاصا فخاص، ولما وجب تقدير المفعول تعين انه مراد في المعنى ومحذوف من اللفظ لغرض فاشار إلى تفصيل الغرض بقوله (ثم الحذف اما للبيان بعد الابهام كما في فعل المشيئة) والارادة ونحو هما إذا وقع شرطا فان الجواب يدل عليه ويبينه لكنه انما يحذف (ما لم يكن تعلقه به) اي تعلق فعل المشيئة بالمفعول (غريبا نحو فلو شاء لهديكم اجمعين) اي لو شاء اللّه هدايتكم لهديكم اجمعين. فانه لما قيل لو شاء علم السامع، ان هناك شيئا علقت المشيئة عليه لكنه مبهم عنده، فإذا جئ بجواب الشرط صار مبينا له وهذا اوقع في النفس (بخلاف) ما إذا كان تعلق فعل المشيئة به غريبا فانه لا يحذف حينئذ كما في نحو قوله (" ولو شئت ان ابكى دما لبكيته)، عليه ولكن ساحة الصبر اوسع "، فان تعلق فعل المشيئة ببكاء الدم غريب فذكره ليتقرر في نفس السامع ويأنس به. (واما قوله: ٤٤ فلم يبق منى الشوق غير تفكري * فلو شئت ان ابكى بكيت تفكر " فليس منه) أي مما ترك فيه حذف مفعول المشيئة بناء على غرابة تعلقها به على ما ذهب إليه صدر الافاضل في ضرام السقط من ان المراد لو شئت ان ابكى تفكرا بكيت تفكرا فلم يحذف منه مفعول المشيئة. ولم يقل لو شئت بكيت تفكرا لان تعلق المشيئة ببكاء التفكر غريب كتعلقها ببكاء الدم. وانما لم يكن من هذا القبيل (لان المراد بالاول البكاء الحقيقي) لا البكاء التفكرى لانه اراد ان يقول افناني النحول فلم يبق منى غير خواطر تجول في حتى لو شئت البكاء فمريت جفوني وعصرت عينى ليسيل منها دمع لم اجده وخرج منها بدل الدمع التفكر فالبكاء الذى اراد ايقاع المشيئة عليه بكاء مطلق مبهم غير معدى إلى التفكر البتة والبكاء الثاني مقيد معدى إلى التفكر فلا يصلح ان يكون تفسيرا للاول وبيانا له كما إذا قلت لو شئت ان تعطى درهما اعطيت درهمين كذا في دلائل الاعجاز، ومما نشأ في هذا المقام من سوء الفهم وقلة التدبر ما قيل ان الكلام في مفعول ابكى والمراد ان البيت ليس من قبيل ما حذف فيه المفعول للبيان بعد الابهام بل انما حذف لغرض آخر. وقيل: يحتمل ان يكون المعنى لو شئت ان ابكى تفكرا بكيت تفكرا أي لم يبق في مادة الدمع فصرت بحيث اقدر على بكاء التفكر فيكون من قبيل ما ذكر فيه مفعول المشيئة لغرابته. وفيه نظر لان ترتب هذا الكلام على قوله لم يبق منى الشوق غير تفكري يأبى هذا المعنى عند التأمل الصادق لان القدرة على بكاء التفكر لا تتوقف على ان لا يبقى فيه غير التفكر فافهم. (واما لدفع توهم ارادة غير المراد) عطف على اما للبيان (ابتداء) متعلق بتوهم (كقوله " وكم ذدت) أي دفعت (عنى من تحامل حادث ") يقال تحامل فلان على إذا لم يعدل وكم خبرية مميزها قوله من تحامل قالوا وإذا فصل بين كم الخبرية ومميزها بفعل متعد وجبت الاتيان بمن لئلا يلتبس بالمفعول ومحل كم النصب على انها مفعول ذدت. وقيل المميز محذوف أي كم مرة ومن في من تحامل زائدة وفيه نظر للاستغناء عن هذا الحذف والزيادة بما ذكرناه (وسورة ايام) أي شدتها وصولتها (حززن) أي قطعن اللحم (إلى العظم) فحذف المفعول اعني اللحم (إذ لو ذكر اللحم لربما توهم قبل ذكر ما بعده) أي ما بعد اللحم يعنى إلى العظم (ان الحز لم ينته إلى العظم). وانما كان في بعض اللحم فحذف دفعا لهذا التوهم (واما لانه اريد ذكره) أي ذكر المفعول (ثانيا على وجه يتضمن ايقاع الفعل على صريح لفظه) لا على الضمير العائد إليه (اظهارا لكمال العناية بوقوعه) أي الفعل (عليه) أي على المفعول حتى كأنه لا يرضى ان يوقعه على ضميره وان كان كناية عنه (كقوله: " قد طلبنا فلم نجد لك في السؤدد * والمجد والمكارم مثلا ") أي قد طلبنا لك مثلا فحذف مثلا إذ لو ذكره لكان المناسب فلم نجده فيفوت الغرض اعني ايقاع عدم الوجدان على صريح لفظ المثل (ويجوز ان يكون السبب) في حذف مفعول طلبنا (ترك مواجهة الممدوح بطلب مثل له) قصدا إلى المبالغة في التأدب معه حتى كأنه لا يجوز وجود المثل له ليطلبه فان العاقل لا يطلب الا ما يجوز وجوده. (واما للتعميم) في المفعول (مع الاختصار كقولك قد كان منك ما يؤلم أي كل احد) بقرينة ان المقام مقام المبالغة، وهذا التعميم وان امكن ان يستفاد من ذكر المفعول بصيغة العموم لكن يفوت الاختصار حينئذ. ٤٥ (وعليه) أي وعلى حذف المفعول للتعميم مع الاختصار ورد قوله تعالى (" واللّه يدعوا إلى دار السلام ") أي جميع عباده. فالمثال الاول يفيد العموم مبالغة والثاني تحقيقا (واما لمجرد الاختصار) من غير ان يعتبر معه فائدة اخرى من التعميم وغيره. وفى بعض النسخ (عند قيام قرينة) وهو تذكرة لما سبق ولا حاجة إليه. وما يقال من ان المراد عند قيام قرينة دالة على ان الحذف لمجرد الاختصار ليس بسديد لان هذا المعنى معلوم ومع هذا جار في سائر الاقسام ولا وجه لتخصيصه بمجرد الاختصار (نحو " اصغيت إليه " أي اذنى وعليه) أي على الحذف لمجرد الاختصار (قوله تعالى " رب ارنى انظر اليك " أي ذاتك). وههنا بحث وهو ان الحذف للتعميم مع الاختصار ان لم يكن فيه قرينة دالة على ان المقدر عام فلا تعميم اصلا وان كانت فالتعميم مستفاد من عموم المقدر سواء حذف أو لم يحذف فالحذف لا يكون الا لمجرد الاختصار. (واما للرعاية على الفاصلة نحو) قوله تعالى " والضحى والليل إذا سجى " (ما ودعك ربك وما قلى) أي وما قلاك وحصول الاختصار ايضا ظاهر (واما لاستهجان) ذكره) أي ذكر المفعول (كقول عائشة) رضى اللّه تعالى عنه " ما رأيت منه أي من النبي عليه السلام (ولا رأى منى) أي العورة. (واما لنكتة اخرى) كاخفائه أو التمكن من انكاره ان مست إليه حاجة أو تعينه حقيقة أو ادعاء أو نحو ذلك (وتقديم مفعوله) أي مفعول الفعل (ونحوه) أي نحو المفعول من الجار والمجرور والظرف والحال وما اشبه ذلك (عليه) أي على الفعل (لرد الخطاء في التعيين كقولك زيدا عرفت لمن اعتقد انك عرفت انسانا) واصاب في ذلك (و) اعتقد (انه غير زيد) واخطأ فيه (وتقول لتأكيده) أي تأكيد هذا الرد زيدا عرفت لا غيره وقد يكون ايضا لرد الخطاء في الاشتراك كقولك زيدا عرفت لمن اعتقد انك عرفت زيدا وعمرو، وتقول لتأكيده زيدا عرفت وحده، وكذا في نحو زيدا اكرم وعمروا لا تكرم امرا ونهيا فكان الاحسن ان يقول لافادة الاختصاص. (ولذلك) أي ولان التقديم لرد الخطاء في تعيين المفعول مع الاصابة في اعتقاد وقوع الفعل على مفعول ما (لا يقال ما زيدا ضربت ولا غيره) لان التقديم يدل على وقوع الضرب على غير زيد تحقيقا لمعنى الاختصاص. وقولك ولا غيره ينفى ذلك فيكون مفهوم التقديم مناقضا لمنطوق لا غيره. نعم لو كان التقديم لغرض آخر غير التخصيص جاز ما زيدا ضربت ولا غيره وكذا زيدا ضربت وغيره (ولا ما زيدا ضربت ولكن اكرمته) لان مبنى الكلام ليس على ان الخطاء واقع في الفعل بانه الضرب حتى ترده إلى الصواب بانه الاكرام وانما الخطا في تعيين المضروب فالصواب ولكن عمروا. ٤٦ (واما نحو زيدا عرفته فتأكيد ان قدر) الفعل المحذوف (المفسر) بالفعل المذكور (قبل المنصوب) أي عرفت زيدا عرفته (والا) أي وان لم يقدر المفسر قبل المنصوب بل بعده (فتخصيص) أي زيدا عرفت عرفته لان المحذوف المقدر كالمذكور فالتقديم عليه كالتقديم على المذكور في افادة الاختصاص كما في بسم اللّه فنحو زيدا عرفته محتمل للمعنيين التخصيص والتأكيد فالرجوع في التعيين إلى القرائن وعند قيام القرينة على انه للتخصيص يكون اوكد من قولنا زيدا عرفت لما فيه من التكرار وفى بعض النسخ. (واما نحو " واما ثمود فهدينا هم " فلا يفيد الا التخصيص) لامتناع ان يقدر الفعل مقدما نحو اما فهدينا ثمود لالتزامهم وجود فاصل بين اما والفاء بل التقدير اما ثمود فهدينا هم بتقديم المفعول، وفى كون هذا التقديم للتخصيص نظر لانه يكون مع الجهل بثبوت اصل الفعل كما إذا جاءك زيد وعمرو ثم سألك سائل ما فعلت بهما فتقول اما زيدا فضربته واما عمروا فأكرمته فليتأمل. (وكذلك) أي ومثل زيدا عرفت في افادة الاختصاص (قولك بزيد مررت) في المفعول بواسطة لمن اعتقد انك مررت بانسان وانه غير زيد وكذلك يوم الجمعة سرت وفى المسجد صليت وتأديبا ضربته وما شيا حججت. (والتخصيص لازم للتقديم غالبا) أي لا ينفك عن تقديم المفعول ونحوه في اكثر الصور بشهادة الاستقراء وحكم الذوق. وانما قال غالبا لان اللزوم الكلى غير متحقق، إذا التقديم قد يكون لاغراض اخر كمجرد الاهتمام والتبرك والاستلذاذ وموافقة كلام السامع وضرورة الشعر أو رعاية السجع والفاصلة ونحو ذلك قال اللّه تعالى خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه، وقال وان عليكم لحافظين، واما اليتيم فلا تقهر، واما السائل فلا تنهر، وقال وما ظلمنا هم ولكن كانوا انفسهم يظلمون، إلى غير ذلك مما لا يحسن فيه اعتبار التخصيص عند من له معرفة باساليب الكلام. (ولهذا) أي ولان التخصيص لازم للتقديم غالبا (يقال في " اياك نعبد واياك نستعين " معناه نخصك بالعبادة والاستعانة) بمعنى نجعلك من بين الموجودات مخصوصا بذلك لا نعبد ولا نستعين غيرك (وفى لا لى اللّه تحشرون معناه إليه تحشرون لا إلى غيره ويفيد) التقديم (في الجميع) أي جميع صور التخصيص (وراء التخصيص) أي بعده (اهتماما بالمقدم) لانهم يقدمون الذى شانه اهم وهم ببيانه اعني (ولهذا يقدر) المحذوف (في بسم اللّه مؤخرا) أي بسم اللّه افعل كذا ليفيد مع الاختصاص الاهتمام لان المشركين كانوا يبدؤن باسماء آلهتهم فيقولون باسم اللات باسم العزى فقصد الموحد تخصيص اسم اللّه بالابتداء للاهتمام والرد عليهم. (واورد اقرأ باسم ربك) يعنى لو كان التقديم مفيدا للاختصاص والاهتمام لوجب ان يؤخر الفعل ويقدم باسم ربك لان كلام اللّه تعالى احق لرعاية ما تجب رعايته (واجيب بان الاهم فيه القرائة) لانها اول سورة نزلت فكان الامر بالقرائة اهم باعتبار هذا العارض وان كان ذكر اللّه اهم في نفسه هذا جواب جار اللّه العلامة في الكشاف (وبانه) أي باسم ربك (متعلق باقرأ الثاني) أي هو مفعول اقرأ الذى بعده. (ومعنى) اقرأ (الاول اوجد القرائة) من غير اعتبار تعديته إلى مقروء به كما في فلان يعطى ويمنع كذا في المفتاح ٤٧ (وتقديم بعض معمولاته) أي معمولات الفعل (على بعض لان اصله) أي اصل ذلك البعض (التقديم) على البعض الاخر (ولا مقتضى للعدول عنه) أي عن الاصل (كالفاعل في نحو ضرب زيد عمروا) لانه عمدة في الكلام وحقه ان يلى الفعل وانما قال في نحو ضرب زيد عمروا لان في نحو ضرب زيد غلامه مقتضيا للعدول عن الاصل (والمفعول الاول في نحو اعطيت زيدا درهما) فان اصله التقديم لما فيه من معنى الفاعلية وهو انه عاط أي آخذ للعطاء (أو لان ذكره) أي ذكر ذلك البعض الذى يقدم. (اهم) جعل الاهمية ههنا قسيما لكون الاصل التقديم وجعلها في المسند إليه شاملا له ولغيره من الامور المقتضية للتقديم وهو الموافق للمفتاح ولما ذكره الشيخ عبد القاهر حيث قال انا لم نجدهم اعتمدوا في التقديم شيئا يجرى مجرى الاصل غير العناية والاهتمام لكن ينبغى ان يفسر وجه العناية بشئ يعرف له فيه معنى وقد ظن كثير من الناس انه يكفى ان يقال قدم للعناية ولكونه اهم من غير ان يذكر من اين كانت تلك العناية وبم كان اهم. فمراد المصنف بالاهمية ههنا الاهمية العارضة بحسب اعتناء المتكلم أو السامع بشانه والاهتمام بحاله لغرض من الاغراض (كقوله قتل الخارجي فلان) لان الاهم في تعلق القتل هو الخارجي المقتول ليتخلص الناس من شره (أو لان في التأخير اخلالا ببيان المعنى نحو قوله تعالى " وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه " فانه لو اخر) قوله من آل فرعون عن قوله يكتم ايمانه (لتوهم انه من صلة يكتم) أي يكتم ايمانه من آل فرعون (فلم يفهم انه) أي ذلك الرجل كان (منهم) أي من آل فرعون. والحاصل انه ذكر للرجل ثلاثة اوصاف انه مؤمن، ومن آل فرعون، ويكتم ايمانه، قدم الاول اعني مؤمن لكونه اشرف ثم الثاني لئلا يتوهم خلاف المقصود (أو) لان في التأخير اخلالا (بالتناسب كرعاية الفاصلة نحو قوله تعالى " فاوجس في نفسه خيفة موسى ") بتقديم الجار والمجرور والمفعول على الفاعل لان فواصل الاى على الالف. ١-٥ القصرالباب الخامس: القصر في اللغة الحبس وفى الاصطلاح تخصيص شئ بشئ بطريق مخصوص وهو (حقيقي وغير حقيقي) لان تخصيص شئ بشئ اما ان يكون بحسب الحقيقة وفى نفس الامر بان لا يتجاوزه إلى غيره اصلا وهو الحقيقي. أو بحسب الاضافة إلى شئ آخر بان لا يتجاوزه إلى ذلك الشئ وان امكن ان يتجاوزه إلى شئ آخر في الجملة وهو غير حقيقي بل اضافي كقولك ما زيد الا قائم بمعنى انه لا يتجاوز القيام إلى القعود لا بمعنى انه لا يتجاوزه إلى صفة اخرى اصلا. وانقسامه إلى الحقيقي والاضافى بهذا المعنى لا ينافى كون التخصيص مطلقا من قبيل الاضافات. (وكل واحد منهما) اي من الحقيقي وغيره (نوعان ٤٨ قصر الموصوف على الصفة) وهو ان لا يتجاوز الموصوف من تلك الصفة إلى صفة آخر لكن يجوز ان تكون تلك الصفة لموصوف آخر.
(وقصر الصفة على الموصوف) وهو ان لا يتجاوز تلك الصفة ذلك الموصوف إلى موصوف آخر لكن يجوز ان يكون لذلك الموصوف صفات آخر. (والمراد) بالصفة ههنا الصفة (المعنوية) اعني المعنى القائم بالغير (لا النعت النجوى) اعني التابع الذى يدل على معنى في متبوعه غير الشمول وبينهما عموم من وجه لتصادقهما في مثل اعجبني هذا العلم وتفارقهما في مثل العلم حسن ومررت بهذا الرجل. واما نحو قولك ما زيد الا اخوك وما الباب الاساج وما هذا الا زيد فمن قصر الموصوف على الصفة تقديرا إذ المعنى انه مقصور على الاتصاف بكونه اخا اوساجا أو زيدا. (والاول) أي قصر الموصوف على الصفة (من الحقيقي نحو ما زيد الا كاتب إذا اريد انه لا يتصف بغيرها) أي غير الكتابة من الصفات (وهو لا يكاد يوجد لتعذر الاحاطة بصفات الشئ) حتى يمكن اثبات شئ منها ونفى ما عداها بالكلية بل هذا محال لان للصفة المنفية نقيضا وهو من الصفات التى لا يمكن نفيها ضرورة امتناع ارتفاع النقيضين مثلا. إذا قلنا ما زيد الا كاتب واردنا انه لا يتصف بغيره لزم ان لا يتصف بالقيام ولا بنقيضه وهو محال. (والثانى) أي قصر الصفة على الموصوف من الحقيقي (كثير نحو ما في الدار الا زيد) على معنى ان الحصول في الدار المعينة مقصور على زيد (وقد يقصد به) أي بالثاني (المبالغة لعدم الاعتداد بغير المذكور) كما يقصد بقولنا ما في الدار الا زيد ان جميع من في الدار ممن عدا زيدا في حكم العدم فيكون قصرا حقيقيا ادعائيا واما في القصر الغير الحقيقي فلا يجعل فيه غير المذكور بمنزلة العدم بل يكون المراد ان الحصول في الدار مقصور على زيد بمعنى انه ليس حاصلا لعمرو وان كان حاصلا لبكر وخالد. (والاول) أي قصر الموصوف على الصفة (من غير الحقيقي تخصيص امر بصفة دون) صفة (اخرى أو مكانها) أي تخصيص امر بصفة مكان صفة اخرى. (والثانى) أي قصر الصفة على الموصوف من غير الحقيقي (تخصيص صفة بامر دون) امر (آخر أو مكانه). وقوله دون اخرى معناه متجاوز اعن الصفة الاخرى فان المخاطب اعتقد اشتراكه في صفتين والمتكلم يخصصه باحديهما ويتجاوز عن الاخرى ومعنى دون في الاصل ادنى مكانا من الشئ يقال هذا دون ذاك إذا كان احط منه قليلا ثم استعير للتفاوت في الاحوال والرتب ثم اتسع فيه فاستعمل في كل تجاوز حد إلى حد وتخطى حكم إلى حكم. ولقائل ان يقول ان اريد بقوله دون اخرى ودون آخر دون صفة واحدة اخرى ودون امر واحد آخر فقد خرج عن ذلك ما إذا اعتقد المخاطب اشتراك ما فوق الاثنتين كقولنا ما زيد الا كاتب لمن اعتقده كاتبا وشاعرا ومنجما وقولنا ما كاتب الا زيد لمن اعتقد ان الكاتب زيد أو عمرو واو بكر وان اريد به الاعم من الواحد وغيره فقد دخل في هذا التفسير القصر الحقيقي وكذا الكلام على مكان اخرى ومكان آخر. (فكل منهما) أي فعلم من هذا الكلام ومن استعمال لفظة أو فيه ان كان واحد من قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف (ضربان). الاول التخصيص بشئ دون شئ والثانى التخصيص بشئ مكان شئ (والمخاطب بالاول من ضربي كل) من قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف ويعنى بالاول التخصيص بشئ دون شئ (من يعتقد الشركة) ٤٩ أي شركة صفتين في موصوف واحد في قصر الموصوف على الصفة وشركة موصوفين في صفة واحدة في قصر الصفة على الموصوف فالمخاطب بقولنا ما زيد الا كاتب من يعتقد اتصافه بالشعر والكتابة وبقولنا ما كاتب الا زيد من يعتقد اشتراك زيد وعمرو في الكتابة. (ويسمى) هذا القصر (قصر افراد لقطع الشركة) التى اعتقدها المخاطب (و) المخاطب (بالثاني) اعني التخصيص بشى ء مكان شئ من ضربي كل من القصرين (يعتقد العكس) أي عكس الحكم الذى اثبته المتكلم فالمخاطب بقولنا ما زيد الا قائم من اعتقد اتصافه بالقعود دون القيام وبقولنا ما شاعر الا زيد من اعتقد ان الشاعر عمرو لا زيد. (ويسمى) هذا القصر (قصر قلب لقلب حكم المخاطب أو تساويا عنده) عطف على قوله يعتقد العكس على ما يفصح عنه لفظ الايضاح أي المخاطب بالثاني اما من يعتقد العكس واما من تساوى عنده الامر ان اعني الاتصاف بالصفة المذكورة وغيرها في قصر الموصوف على الصفة واتصاف الامر المذكور وغيره بالصفة في قصر الصفة على الموصوف حتى يكون المخاطب بقولنا ما زيد الا قائم من يعتقد اتصافه بالقيام أو القعود من غير علم بالتعيين وبقولنا ما شاعر الا زيد من يعتقد ان الشاعر زيدا وعمروا من غير ان يعلمه على التعيين. (ويسمى) هذا القصر (قصر تعيين) لتعيينه ما هو غير معين عند المخاطب. فالحاصل ان التخصيص بشئ دون شئ آخر قصر افراد والتخصيص بشئ مكان شئ ان اعتقد المخاطب فيه العكس قصر قلب وان تساويا عنده قصر تعيين. وفيه نظر لانا لو سلمنا ان في قصر التعيين تخصيص شئ بشئ مكان شئ آخر فلا يخفى ان فيه تخصيص شئ بشئ دون آخر فان قولنا ما زيد الا قائم لمن تردد بين القيام والقعود تخصص له بالقيام دون القعود. ولهذا جعل السكاكى التخصيص بشئ دون شئ مشتركا بين قصر الافراد والقصد الذي سماء المصنف قصر تعيين وجعل التخصيص بشئ مكان شئ قصر قلب فقط. (وشرط قصر الموصوف على الصفة افرادا عدم تنافى الوصفين) ليصح اعتقاد المخاطب اجتماعهما في الموصوف حتى تكون الصفة المنفية في قولنا ما زيد الا شاعر كونه كاتبا أو منجما لا كونه مفحما أي غير شاعر لان الافحام وهو وجدان الرجل غير شاعر ينافى الشاعرية. (و) شرط قصر الموصوف على صفة (قلبا تحقق تنافيهما) أي تنافى الوصفين حتى يكون المنفى في قولنا ما زيد الا قائم كونه قاعدا أو مضطجعا أو نحو ذلك مما ينافى القيام. ولقد احسن صاحب المفتاح في اهمال هذا الاشتراط لان قولنا ما زيد الا شاعر، لمن اعتقد انه كاتب وليس بشاعر قصر قلب على ما صرح به في المفتاح مع عدم تنافى الشعر والكتابة ومثل هذا خارج عن اقسام القصر على ما ذكره المصنف. لا يقال هذا شرط الحسن أو المراد التنافى في اعتقاد المخاطب. لانا نقول اما الاول فلا دلالة للفظ عليه مع انا لا نسلم عدم حسن قولنا ما زيد الا شاعر لمن اعتقده كاتبا غير شاعر. واما الثاني فلان التنافى بحسب اعتقاد المخاطب معلوم مما ذكره في تفسيره ان قصر القلب هو الذى يعتقد فيه المخاطب العكس فيكون هذا الاشتراط ضائعا، وايضا لم يصح قول المصنف في الايضاح ان السكاكى لم يشترط في قصر القلب تنافى الوصفين وعلل المصنف رحمه اللّه اشتراط تنافى الوصفين بقوله ليكون اثبات الصفة مشعرا بانتفاء غيرها. وفيه نظر بين في الشرح. (وقصر التعيين اعم) من ان يكون الوصفان فيه متنافيين أو لا فكل مثال يصلح لقصر الافراد والقلب يصلح التعيين من غير عكس. (وللقصر طرق) والمذكور ههنا اربعة وغيرها قد سبق ذكره، فالاربعة المذكورة ههنا (منها العطف كقولك في قصره) أي قصر الموصوف على الصفة (افرادا زيد شاعر لا كاتب أو ما زيد كاتبا بل شاعر) مثل بمثالين اولهما الوصف المثبت فيه معطوف عليه والمنفى معطوف والثانى بالعكس (وقلبا زيد قائم لا قاعد أو ما زيد قائما بل قاعد). فان قلت إذا تحقق تنافى الوصفين في قصر القلب فاثبات احدهما يكون مشعرا بانتفاء الغير فما فائدة نفى الغير واثبات المذكور بطريق الحصر. قلت الفائدة فيه التنبيه على رد الخطاء فيه إذ المخاطب اعتقد العكس فان قولنا زيد قائم وان دل على نفى القعود لكنه خال عن الدلالة على ان المخاطب اعتقد انه قاعد. (وفى قصرها) أي قصر الصفة على الموصوف افرادا، أو قلبا بحسب المقام (زيد شاعر لا عمرو اوما عمرو شاعرا بل زيد) ويجوز ما شاعر عمرو بل زيد بتقديم الخبر لكنه يجب حينئذ رفع الاسمين لبطلان العمل ولما لم يكن في قصر الموصوف على الصفة مثال الافراد صالحا للقلب لاشتراط عدم التنافى في الافراد. وتحقق التنافى في القلب على زعمه اورد للقلب مثالا يتنافى فيه الوصفان بخلاف قصر الصفة فان فيه مثالا واحدا يصلح لهما، ولما كان كل ما يصلح مثالا لهما يصلح مثالا لقصر التعيين لم يتعرض لذكره، وهكذا في سائر الطرق. (ومنها النفى والاستثناء ٥٠ كقولك في قصره) افرادا (ما زيد الاشاعر) قلبا (وما زيد الا قائم وفى قصرها) افرادا وقلبا (ما شاعر الا زيد) والكل يصلح مثالا للتعيين والتفاوت انما هو بحسب اعتقاد المخاطب. (ومنها انما كقولك في قصره) افرادا (انما زيد كاتب) قلبا (وانما زيد قائم وفى قصرها) افرادا وقلبا (انما قائم زيد). وفى دلائل الاعجاز ان انما ولاء العاطفة انما يستعملان في الكلام المعتد به لقصر القلب دون الافراد. واشار إلى سبب افادة انما القصر بقوله (لتضمنه معنى ما والا) واشار بلفظ التضمن إلى انه ليس بمعنى ما والا حتى كأنهما لفظان مترادفان إذ فرق بين ان يكون في الشئ معنى الشئ. وبين ان يكون الشئ الشئ، على الاطلاق فليس كل كلام يصلح فيه ما والا يصلح فيه انما صرح بذلك الشيخ في دلائل الاعجاز، ولما اختلفوا في افادة انما القصر وفى تضمنه معنى ما والا بينه بثلثة اوجه فقال (لقول المفسرين انما حرم عليكم الميتة بالنصب معناه ما حرم اللّه عليك الا الميتة و) هذا المعنى (هو المطابق لقرائة الرفع) أي رفع الميتة، وتقرير هذا الكلام ان في الاية ثلث قرائات حرم مبنيا للفاعل مع نصب الميتة ورفعها وحرم مبنيا للمفعول مع رفع الميتة كذا في تفسير الكواشى، فعلى القرائة الاولى ما في انما كافة إذ لو كانت موصولة لبقى ان بلا خبر والموصول بلا عائد وعلى الثانية موصولة لتكون الميتة خبرا إذ لا يصح ارتفاعها بحرم المبنى للفاعل على ما لا يخفى. والمعنى ان الذى حرمه اللّه تعالى عليكم هو الميتة وهذا يفيد القصر (لما مر) في تعريف المسند من ان نحو المنطلق زيد وزيد المنطلق يفيد قصر الانطلاق على زيد. فإذا كان انما متضمنا معنى ما والا وكان معنى القرائة الاولى ما حرم اللّه عليكم الا الميتة كانت مطابقة للقرائة الثانية والا لم تكن مطابقة لها لافادتها القصر، فمراد السكاكى والمصنف بقرائة النصب والرفع هو القرائة الاولى والثانية في المبنى للفاعل ولهذا لم يتعرضا للاختلاف في لفظ حرم بل في لفظ الميتة رفعا ونصبا. واما على القرائة الثالثة اعني رفع الميتة وحرم مبنيا للمفعول فيحتمل ان يكون ما كافة أي ما حرم عليكم الا الميتة وان يكون موصولة أي ان الذى حرم عليكم وهو الميتة ويرجح هذا ببقاء ان عاملة على ما هو اصلها. وبعضهم توهم ان مراد السكاكى والمصنف بقرائة الرفع هذه القرائة الثالثة فطالبهما بالسبب في اختيار كونها موصولة مع ان الزجاج اختار انها كافة. (ولقول النحاة انما لا ثبات ما يذكر بعده ونفى ما سواه) أي سوى ما يذكر بعده اما في قصر الموصوف نحو انما زيد قائم فهو لاثبات قيام زيد ونفى ما سواه من القعود ونحوه واما في قصر الصفة نحو انما يقوم زيد فهو لاثبات قيامه ونفى ما سواه من قيام عمرو وبكر وغيرهما (ولصحة انفصال الضمير معه) أي معه انما نحو انما يقوم انا فان الانفصال انما يجوز عند تعذر الاتصال ولا تعذر ههنا الا بان يكون المعنى ما يقوم الا انا فيقع بين الضمير وعامله فصل لغرض ثم استشهد على صحة هذا الانفصال ببيت من هو ممن يستشهد بشعره. ولهذا صرح باسمه ٥١ فقال (قال الفرزدق انا الذائد)، من الذود وهو الطرد (الحامى الذمار) أي العهد. وفى الاساس هو الحامى الذمار إذا حمى ما لو لم يحمه ليم وعنف من حماه وحريمه (وانما يدافع عن احسابهم انا أو مثلى،) لما كان غرضه ان يخص المدافع لا المدافع عنه فصل الضمير واخره إذ لو قال وانما ادافع عن احسابهم لصار المعنى انه يدافع عن احسابهم لا عن احساب غيرهم وهو ليس بمقصوده. ولا يجوز ان يقال انه محمول على الضرورة لانه كان يصح ان يقال انما ادافع عن احسابهم انا على ان يكون انا تأكيدا وليست ما موصولة اسم ان وانا خبرها إذ لا ضرورة في العدول عن لفظ من إلى لفظ ما (ومنها التقديم) أي تقديم ما حقه التأخير كتقديم الخبر على المبتدأ أو المعمولات على الفعل (كقولك في قصره) أي قصر الموصوف (تميمي انا) كان الانسب ذكر المثالين لان التميمية والقيسية ان تنافيا لم يصلح هذا مثالا لقصر الافراد والا لم يصلح لقصر القلب بل للافراد (وفى قصرها انا كفيت مهمتك) افرادا وقلبا أو تعيينا بحسب اعتقاد المخاطب. (وهذه الطرق الاربعة) بعد اشتراكها في افادة القصر (تختلف من وجوه فدلالة الرابع) أي التقديم (بالفحوى) أي بمفهوم الكلام بمعنى انه إذا تأمل صاحب الذوق السليم فيه فهم منمه القصر وان لم يعرف اصطلاح البلغاء في ذلك (و) دلالة الثلثة (الباقية بالوضع) لان الواضع وضعها لمعان تفيد القصر. (والاصل) أي الوجه الثاني من وجوه الاختلاف ان الاصل (في الاول) أي في طريق العطف (النص على المثبت والمنفى كما مر فلا يترك) النص عليهما (الا لكراهة الاطناب كما إذا قيل زيد يعلم النحو الصرف والعروض أو زيد يعلم النحو وعمرو وبكر فتقول فيهما) أي في هذين المقامين (زيد يعلم النحو لا غير) واما في الاول فمعناه لاغير زيد أي لا عمرو ولا بكر وحذف المضاف إليه من غير وبنى هو على الضم تشبيها بالغايات، وذكر بعض النحاة ان لا في لا غير ليست عاطفة بل لنفى الجنس (أو نحوه) أي نحو لا غير مثل لا ما سواه ولا من عداه وما اشبه ذلك. (و) الاصل (في) الثلاثة (الباقية النص على المثبت فقط) دون المنفى وهو ظاهر (والنفى) أي وجه الثالث من وجوه الاختلاف ان النفى بلاء العاطفة (لا يجامع الثاني) اعني النفى والاستثناء فلا يصح ما زيد الا قائم لا قاعد، وقد يقع مثل ذلك في كلام المصنفين لا في كلام البلغاء (لان شرط المنفى بلاء العاطفة ان لا يكون) ذلك المنفى (منفيا قبلها بغيرها) من ادوات النفى لانها موضوعة لان تنفى بها ما اوجبته للمتبوع لا لان تعيد بها النفى في شئ قد نفيته وهذا الشرط مفقود في النفى والاستثناء. لانك إذا قلت ما زيد الا قائم فقد نفيت عنه كل صفة وقع فيها التنازع حتى كانك قلت ليس هو بقاعد ولا نائم ولا مضطجع ونحو ذلك، فإذا قلت لا قاعد فقد نفيت عنه بلاء العاطفة شيئا هو منفى قبلها بماء النافية وكذا الكلام في ما يقوم الا زيد وقوله بغيرها يعنى من ادوات النفى على ما صرح به في المفتاح. وفائدته الاحتراز عما إذا كان منفيا بفحوى الكلام أو علم المتكلم أو السامع ونحو ذلك كما سيجئ في بحث انما، لا يقال هذا يقتضى جواز ان يكون منفيا قبلها بلاء العاطفة الاخرى نحو جاءني الرجال لا النساء لا هند لانا نقول الضمير لذلك المشخص أي بغير لاء العاطفة التى نفى بها ذلك المنفى ومعلوم انه يمتنع نفيه قبلها بها لامتناع ان ينفى شئ بلاء قبل الاتيان بها وهذا كما يقال دأب الرجل الكريم ان لا يؤذى غيره فان المفهوم منه ان لا يؤذى غيره سواء كان ذلك الغير كريما أو غير كريم. ٥٢ (ويجامع) أي النفى بلاء العاطفة (الاخيرين) أي انما والتقديم (فيقال انما انا تميمي لا قيسى* وهو يأتيني لاعمرو ولان النفى فيهما) أي في الاخيرين (غير مصرح به) كما في النفى والاستثناء فلا يكون المنفى (بلاء العاطفة منفيا بغيرها من ادوات النفى وهذا كما يقال امتنع زيد عن المجى ء لا عمرو) فانه يدل على نفى المجئ عن زيد لكن لا صريحا بل ضمنا وانما معناه الصريح هو ايجاب امتناع المجئ عن زيد فيكون لا نفيا لذلك لايجاب. والتشبيه بقوله امتنع زيد عن المجئ لاعمرو من جهة ان النفى الضمنى ليس في حكم النفى الصريح لا من جهة ان المنفى بلاء العاطفة منفى قبلها بالنفى الضمنى كما في انما انا تميمي لا قيسى إذ لا دلالة لقولنا امتنع زيد عن المجئ على نفى امتناع مجئ عمرو لا ضمنا ولا صريحا. قال (السكاكى شرط مجامعته) أي مجامعة النفى بلاء العاطفة (الثالث) أي انما (ان لا يكون الوصف في نفسه مختصا بالموصوف) لتحصل الفائدة (نحو انما يستجيب الذين يسمعون) فانه يمتنع ان يقال لا الذين لا الذين لا يسمعون لان الاستجابة لا تكون الا ممن يسمع ويعقل بخلاف انما يقوم زيد لا عمرو إذ القيام ليس مما يختص بزيد. وقال الشيخ (عبد القاهر لا تحسن) مجامعة الثالث (في) الوصف (المختص كما تحسن في غيره وهذا اقرب) إلى الصواب إذ لا دليل على الامتناع عند قصد زيادة التحقيق والتأكيد (واصل الثاني) أي الوجه الرابع من وجوه الاختلاف ان اصل النفى والاستثناء (ان يكون ما استعمل له) أي الحكم الذى استعمل فيه النفى والاستثناء (مما يجهله المخاطب وينكره بخلاف الثالث) أي انما فان اصله ان يكون الحكم المستعمل هو فيه مما يعلمه المخاطب ولا ينكره كذا في الايضاح نقلا عن دلائل الاعجاز. وفيه بحث لان المخاطب إذا كان عالما بالحكم ولم يكن حكمه مشوبا بخطاء لم يصح القصر بل لا يفيد الكلام سوى لازم الحكم وجوابه ان مراده ان انما يكون لخبر من شأنه ان لا يجهله المخاطب ولا ينكره حتى ان انكاره يزول بادنى تنبيه لعدم اصراره عليه وعلى هذا يكون موافقا لما في المفتاح (كقولك لصاحبك وقد رأيت شبحا من بعيد ما هو الازيد إذا اعتقده غيره) أي إذا اعتقد صاحبك ذلك الشبح غير زيد (مصرا) على هذا الاعتقاد (وقد ينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب فيستعمل له) أي لذلك المعلوم. (الثاني) أي النفى والاستثناء (افرادا) أي حال كونه قصر افراد (نحو وما محمد الا رسول صلى اللّه عليه وآله أي مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبرى من الهلاك) فالمخاطبون وهم الصحابة رضى اللّه عنهم كانوا عالمين بكونه مقصورا على الرسالة غير جامع بين الرسالة والتبرى من الهلاك لكنهم لما كانوا يعدون هلاكه امرا عظيما (نزل استعظامهم هلاكه منزلة انكارهم اياه) أي الهلاك فاستعمل له النفى والاستثناء واعتبار المناسب هنا هو الاشعار بعظم هذا الامر في نفوسهم وشدة حرصهم على بقائه عليه الصلاة والسلام عندهم. ٥٣ (أو قلبا) عطف على قوله افرادا (نحو ان انتم الا بشر مثلنا) فالمخاطبون وهم الرسل عليهم السلام لم يكونوا جاهلين بكونهم بشرا ولا منكرين لذلك لكنهم نزلوا منزلة المنكرين (لاعتقاد القائلين) وهم الكفار (ان الرسول لا يكون بشرا مع اصرار المخاطبين على دعوى الرسالة) فنزلهم القائلون منزلة المنكرين للبشرية لما اعتقدوا اعتقادا فاسدا من التنافى بين الرسالة والبشرية فقلبوا هذا الحكم بان قالوا ان انتم الا بشر مثلنا أي مقصورون على البشرية ليس لكم وصف الرسالة التى تدعونها. ولما كان هنا مظنة سؤال وهو ان القائلين قد ادعوا التنافى بين البشرية والرسالة وقصروا المخاطبين على البشرية والمخاطبون قد اعترفوا بكونهم مقصورين على البشرية حيث قالوا ان نحن الا بشر مثلكم فكأنهم سلموا انتفاء الرسالة عنهم اشار إلى جوابه بقوله. (وقولهم) أي قول الرسل المخاطبين (ان نحن الا بشر مثلكم من) باب (مجاراة الخصم) وارخاء العنان إليه بتسليم بعض مقدماته (ليعثر) الخصم من العثار وهو الزلة. وانما يفعل ذلك (حيث يراد تبكيته) أي اسكات الخصم والزامه (لا لتسليم انتفاء الرسالة) فكأنهم قالوا ان ما ادعيتم من كوننا بشرا فحق لا ننكره. ولكن هذا لا ينافى ان يمن اللّه تعالى علينا بالرسالة فلهذا اثبتوا البشرية لانفسهم. واما اثباتها بطريق القصر فليكون على وفق كلام الخصم (وكقولك) عطف على قوله كقولك لصاحبك. وهذا مثال لاصل انما أي الاصل في انما ان يستعمل فيما لا ينكره المخاطب كقولك (انما هو اخوك لمن يعلم ذلك ويقر به وانت تريد ان ترققه عليه) أي ان تجعل من يعلم ذلك رقيقا مشفقا على اخيه. والاولى بناء على ما ذكرنا ان يكون هذا المثال من الاخراج لا على مقتضى الظاهر (وقد ينل المجهول منزلة المعلوم لادعاء ظهوره فيستعمل له الثالث) أي انما (قوله تعالى حكاية عن اليهود انما نحن مصلحون) ادعوا ان كونهم مصلحين امر ظاهر من شأنه ان لا يجهله المخاطب ولا ينكره (ولذلك جاء الا انهم هم المفسدون للرد عليهم مؤكدا بما ترى) من ايراد الجملة الاسمية الدالة على الثبات. وتعريف الخبر الدال على الحصر وتوسيط ضمير الفصل المؤكد لذلك وتصدير الكلام بحرف التنبيه الدال على ان مضمون الكلام مما له خطر وله عناية. ثم لتأكيده بان ثم تعقيبه بما يدل على التقريع والتوبيخ وهو قوله ولكن لا يشعرون (ومزية انما على العطف انه يعقل منها) أي من انما (الحكمان) اعني الاثبات للمذكور والنفى عما عداه (معا) بخلاف العطف فانه يفهم منه اولا الاثبات ثم النفى نحو زيد قائم لا قاعد وبالعكس نحو ما زيد قائما بل قاعدا. (واحسن مواقعها) أي مواقع انما (التعريض نحو " انما يتذكر اولو الالباب " فانه تعريض بان الكفار من فرط جهلهم كالبهائم فطمع النظر) ٥٤ أي التأمل (منهم كطمعه منها) أي كطمع النظر من البهائم. (ثم القصر كما يقع بين المبتدأ والخبر على ما مر يقع بين الفعل والفاعل) نحو ما قام الا زيد (وغيرهما) كالفاعل والمفعول نحو ما ضرب زيد الا عمروا وما ضرب عمروا الا زيد والمفعولين نحو ما اعطيت زيدا الا درهما وما اعطيت درهما الا زثدا وغير ذلك من المتعلقات. (ففى الاستثناء يؤخر المقصور عليه مع اداة الاستثناء) حتى لو اريد القصر على الفاعل قبل ما ضرب عمروا الا زيد ولو اريد القصر على المفعول قبل ما ضرب زيد الا عمروا ومعنى قصر الفاعل على المفعول مثلا قصر الفعل المسند إليه الفاعل على المفعول. وعلى هذا قياس البواقى فيرجع في الحقيقة إلى قصر الصفة إلى الموصوف وبالعكس ويكون حقيقيا وغير حقيقي افرادا وقلبا وتعيينا ولا يخفى اعتبار ذلك. (وقل) أي جاز على قلة (تقديمهما) أي تقديم المقصور عليه واداة الاستثناء على المقصور (حال كونهما بحالهما) وهو ان يلى المقصور عليه الاداة (نحو ما ضرب الا عمروا زيد) في قصر الفاعل على المفعول (وما ضرب الا زيد عمروا) في قصر المفعول على الفاعل، وانما قال بحالهما احترازا عن تقديمهما مع ازالتهما عن حالهما بان يؤخر الاداة عن المقصور عليه كقولك في ما ضرب زيدا الا عمروا ما ضرب عمروا الا زيد فانه لا يجوز ذلك لما فيه من اختلال المعنى وانعكاس المقصود. وانما قل تقديمهما بحالهما (لاستلزامه قصر الصفة قبل تمامها) لان الصفة المقصورة على الفاعل مثلا هي الفعل الواقع على المفعول لا مطلق الفعل فلا يتم المقصود قبل ذكر المفعول فلا يحسن قصره، وعلى هذا فقس، وانما جاز على قلة نظرا إلى انها في حكم التام باعتبار ذكر المتعلق في الاخر. (ووجه الجميع) أي السبب في افادة النفى والاستثناء القصر فيما بين مبتدأ والخبر والفاعل والمفعول وغير ذلك (ان النفى في الاستثناء المفرغ) الذي حذف منه المستثنى منه واعرب ما بعد الا بحسب العوامل (يتوجه إلى مقدر وهو مستثنى منه) لان الا للاخراج والاخراج يقتضى مخرجا منه. (عام) ليتناول المستثنى وغيره فيتحقق الاخراج (مناسب للمستثنى في جنسه) بان يقدر في نحو ما ضرب الا زيد ما ضرب احد وفي نحو ما كسوته الا الجبة ما كسوته لباسا وفي نحو ما جاءني الا راكبا ما جاءني كائنا على حال من الاحوال وفي نحو ما سرت الا يوم الجمعة ما سرت وقتا من الاوقات. وعلى هذا القياس (و) في (صفته) يعنى في الفاعلية والمفعولية والحالية ونحو ذلك. وإذا كان النفى متوجها إلى هذا المقدر العام المناسب للمستثنى في جنسه وصفته (فإذا اوجبت منه) أي من ذلك المقدر (شئ بالاجاء القصر) ضرورة بقاء ما عداه على صفة الانتقاء. (وفي انما يؤخر المقصور عليه تقول انما ضرب زيد عمروا) فيكون القيد الاخير بمنزلة الواقع بعد الا فيكون هو المقصور عليه (ولا يجوز تقديمه) أي تقديم المقصور عليه بانما (على غيره للالتباس) كما إذا قلنا في انما ضرب زيد عمروا انما ضرب عمروا زيد بخلاف النفى والاستثناء فانه لا التباس فيه إذا المقصور عليه هو المذكور بعد الاسواء قدم اواخر وههان ليس الا مذكورا في اللفظ بل تضمنا. (وغير كالا في افادة القصرين) أي قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف افراد وقلبا وتعيينا (و) في (امتناع مجامعته لاء) العاطفة لما سبق فلا يصح ما زيد غير شاعر لا كاتب ولا ما شاعر غير زيد لا عمرو. ١-٦الانشاءالباب السادس في الانشاء اعلم ان الانشاء قد يطلق على نفس الكلام الذى ليس لنسبته خارج تطابقته أو لا تطابقته وقد يقال على ما هو فعل المتكلم اعني القاء مثل هذا الكلام كما ان الاخبار كذلك. والاظهر ان المراد ههنا هو الثاني بقرينة تقسيمه إلى الطلب وغير الطلب وتقسيم الطلب إلى التمنى والاستفهام وغيرهما والمراد بها معانيها المصدرية لا الكلام المشتمل عليها بقرينة قوله واللفظ الموضوع له كذا وكذا لظهور ان لفظ ليت مثلا يستعمل لمعنى التمنى لا لقولا ليت زيدا قائم فافهم. فالانشاء ان لم يكن طلبا كافعال المقاربة وافعال المدح والذم وصيغ العقود والقسم ورب ونحو ذلك فلا يبحث عنها ههنا لقلة المباحث المناسبة المتعلقة بها ولان اكثرها في الاصل اخبار نقلت إلى معنى الانشاء فالانشاء (ان كان طلبا استدعى مطلوبا غير حاصل وقت الطلب) لامتناع طلب الحاصل فلو استعمل صيغ الطلب لمطلوب حاصل امتنع اجراؤها على معانيها الحقيقية ويتولد منها بحسب القرائن ما يناسب المقام. ٥٥ (وانواعه) أي الطلب (كثيرة منها): (التمنى) وهو طلب حصول شئ على سبيل المحبة (واللفظ الموضوع له ليت ولا يشترط امكان المتمنى) بخلاف الترجي (كقولك ليت الشباب يعود يوما) فاخبره بما فعل المشيب ولا تقود لعله يعود لكن إذا كان المتمنى ممكنا يجب ان لا يكون لك توقع وطماعية في وقوعه والا لصار ترجيا. (وقد يتمنى بهل نحو هي لى من شفيع حيث يعلم ان لا شفيع له) لانه حينئذ يمتنع حمله على حقيقة الاستفهام لحصول الجزم بانتفائه، والنكتة في التمنى بهل والعدول عن ليت هي ابراز المتمنى لكمال العناية به في صورة الممكن الذى لا جزم بانتفائه. (و) قد يتمنى (بلو نحو لو تأتيني فتحدثني بالنصب) على تقدير فان تحدثني فان النصب قرينة على ان لو ليست على الصلها إذ لا ينصب المضارع بعدها باضمار ان وانما يضمر ان بعد الاشياء الستة والمناسب للمقام ههنا هو التمنى. قال (السكاكى كان حروف التنديم والتحضيض وهى هلا والا بقلب الهاء همزة ولولا ولو ما مأخوذة منهما) وخبر كأن منهما أي كأنها مأخوذة من هل ولو اللتين للتمني حال كونهما (مركبتين مع ماء ولاء المزيدتين لتضمينهما) علة لقوله مركبتين. والتضمين جعل الشئ في ضمن الشئ تقول ضمنت الكتاب كذا كذا بابا إذا جعلته متضمنا لتلك الابواب يعنى ان الغرض المطلوب من هذا التركيب والتزامه هو جعل هل ولو متضمنتين (معنى التمنى ليتولد) علة لتضمينهما يعنى ان الغرض من تضمينهما معنى التمنى ليس افادة التمنى بل ان يتولد (منه) أي من معنى التمنى المتضمنتين هما اياه (في الماضي التنديم نو هلا اكرمت زيدا) أو لو ما اكرمته على معنى ليتك اكرمته قصدا إلى جعله نادما على ترك الاكرام. (وفي المضارع التحضيض نحو هلا تقوم) ولو ما تقوم على معنى ليتك تقوم قصدا إلى حثه على القيام. والمذكور في الكتاب ليس عبارة السكاكى لكنه حاصل كلامه. وقوله لتضمينهما مصدر مضاف إلى المفعول الاول ومعنى التمنى مفعوله الثاني. ووقع في بعض النسخ لتضمنهما على لفظ التفعل وهو لا يوافق معنى كلام المفتاح. وانما ذكر هذا بلفظ كأن لعدم القطع بذلك. (وقد يتمنى بلعل فيعطى له حكم ليت) وينصب في جوابه المضارع على اضمار ان ٠ نحو لعلى احج فازورك بالنصب لبعد المرجو عن الحصول). وبهذا يشبه المحالات والممكنات التي لاطماعية في وقوعها فيتولد منه معنى التمنى ومنها أي من انواع الطلب (الاستفهام) ٥٦ وهو طلب حصول صورة الشئ في الذهن فان كانت وقوع نسبة بين امرين أو لا وقوعها فحصولاه هو التصديق والا فهو التصور. (والالفاظ الموضوعة له الهمزة وهل وما ومن واى وكم وكيف واين وانى ومتى وايان. فالهمزة لطلب التصديق) أي انقياد الذهن واذعانه لوقوع نسبة تامة بين الشيئين (كقولك اقام زيد) في الجملة الفعلية (وازيد قائم) في الجملة الاسمية (أو) لطلب (التصور) أي ادراك غير النسبة (كقولك) في طلب تصور المسند إليه (ادبس في الاناء ام عسل) عالما بحصول شئ في الاناء طالبا لتعيينه (و) في طلب تصور المسند (في الخابية دبسك ام في الزق) عالما بكون الدبس في واحد من الخابية والزق طالبا لتعيين ذلك (ولهذا) أي ولمجئ الهمزة لطلب التصور (لم يقبح) في تصور الفاعل (ازيد قام) كما قبح هل زيد قام (و) (لم يقبح في طلب تصور المفعول " اعمروا عرفت ") كما قبح هل عمروا عرفت. وذلك لان التقديم يستدعى حصول التصديق بنفس الفعل فيكون هل لطلب حصول الحاصل. وهذا ظاهر في أعمروا عرفت لا في ازيد قام فليتأمل (والمسؤول عنه بها) أي بالهمزة (هو ما يليها كالفعل في اضربت زيدا) إذا كان الشك في نفس الفعل اعني الضرب الصادر من المخاطب الواقع على زيد واردت بالاستفهام ان تعلم وجوده فيكون لطلب التصديق. ويحتمل ان يكون لطلب تصور المسند بان تعلم انه قد تعلق فعل من المخاطب بزيد لكن لا تعرف انه ضرب أو اكرام (والفاعل فئ انت ضربت) إذا كان الشك في الضارب (والمفعول في ازيدا ضربت) إذا كان الشك في المضروب، وكذا قياس سائر المتعلقات (وهل لطلب التصديق فحسب) وتدخل على الجملتين (نحو هل قام زيد وهل عمرو قاعد) إذا كان المطلوب حصول التصديق بثبوت القيام لزيد والقعود لعمرو. (ولهذا) أي ولا ختصاصها بطلب التصديق (امتنع هل زيد قام ام عمرو) لان وقوع المفرد ههنا بعد ام دليل على ان ام متصلة وهى لطلب تعيين احد الامرين مع العلم بثبوت اصل الحكم وهل انما تكون لطلب الحكم فقط. ولو قلت هل زيد قام بدون ام عمرو لقبح ولا يمتنع لما سيجئ ٥٧ (و) لهذا ايضا (قبح هل زيدا ضربت لان التقديم يستدعى حصول التصديق بنفس الفعل) فيكون هل لطلب حصول الحاصل وهو محال. وانما لما يمتنع ؟ لاحتمال ان يكون زيدا مفعول فعل محذوف أو يكون التقديم لمجرد الاهتمام لا للتخصيص لكن ذلك خلاف الظاهر (دون) هل زيدا (ضربته) فانه لا يقبح (لجواز تقدير المفسر قبل زيدا) أي هل ضربت زيدا ضربته (وجعل السكاكى قبح هل رجل عرف لذلك) أي لان التقديم يستدعى حصول التصديق بنفس الفعل لما سبق من مذهبه من ان الاصل عرف رجل على ان رجل بدل من الضمير في عرف قدم للتخصيص. (ويلزمه) أي السكاكى (ان لا يقبح هل زيد عرف) لان تقديم المظهر المعرفة ليس للتخصيص عنده حتى يستدعى حصول التصديق بنفس الفعل مع انه قبيح باجماع النحاة. وفيه نظر لان ما ذكره من اللزوم ممنوع لجواز ان يقبح لعلة اخرى (وعلل غيره) أي غير السكاكى (قبحهما) أي قبح هل رجل عرف وهل زيد عرف (بان هل بمعنى قد في الاصل) واصله اهل (وترك الهمزة قبلها لكثرة وقوعها في الاستفهام فاقيمت هي مقام الهمزة وقد تطفلت عليها في الاستفهام وقد من خواص الافعال فكذا ما هي بمعناها. وانما لم يقبح هل زيد قائم لانها إذا لم تر الفعل في حيزها ذهلت عنه ونسيت بخلاف ما إذا رأته فانها تذكرت العهود وجنت إلى الالف المألوف فلم ترض بافتراق الاسم بينهما. ) (وهى) أي هل (تخصص المضارع بالاستقبال) بحكم الوضع كالسين وسوف (فلا يصح هل تضرب زيدا) في ان يكون الضرب واقعا في الحال على ما يفهم عرفا ومن قوله (وهو اخوك كما يصح اتضرب زيدا وهو اخوك) قصدا إلى انكار الفعل الواقع في الحال بمعنى انه لا ينبغى ان يكون وذلك لان هل تخصص المضارع بالاستقبال فلا يصح لانكار الفعل الواقع في الحال بخلاف الهمزة فانها تصلح لانكار الفعل الواقع لانها ليست مخصصة للمضارع بالاستقبال. وقولنا في ان يكون الضرب واقعا في الحال ليعلم ان هذا الامتناع جار في كل ما يوجد فيه قرينة تدل على ان المراد انكار الفعل الواقع في الحال سواء عمل ذلك المضارع في جملة حالية كقولك اتضرب زيدا وهو اخوك أو لا كقوله تعالى اتقولون على اللّه ما لا تعلمون، وكقولك اتؤذى اباك واتشتم الامير فلا يصح وقوع هل في هذه المواضع. ومن العجائب ما وقع لبعضهم في شرح هذا الموضع من ان هذا الامتناع بسبب ان الفعل المستقبل لا يجوز تقييده بالحال واعماله فيها. ولعمري ان هذه فرية ما فيها مرية إذ لم ينقل عن احد من النحاة امتناع مثل سيجئ زيد راكبا وسأضرب زيدا وهو بين يدى الامير كيف وقد قال اللّه تعالى سيدخلون جهنم داخرين، وانما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار مهطعين، وفى الحماسة " ساغسل عنى العار بالسيف جاليا، على قضاء اللّه ما كان جالبا " وامثال هذه اكثر من ان تحصى. واعجب من هذا انه لما سمع قول النحاة انه يجب تجريد صدر الجملة الحالية عن علم الاستقبال لتنافى الحال والاستقبال بحسب الظاهر على ما سنذكره حتى لا يجوز يأتيني زيد سيركب أو لن يركب فهم منه انه يجب تجريد الفعل العامل في الحال عن علامة الاستقبال حتى لا يصح تقييد مثل هل تضرب وستضرب ولن تضرب بالحال واورد هذا المقال دليلا على ما ادعاه ولم ينظر في صدر هذا المقال حتى يعرف انه لبيان امتناع تصدير الجملة الحالية بعلم الاستقبال (ولاختصاص التصديق بها) أي لكون هل مقصورة على طلب التصديق وعدم مجيئها لغير التصديق كما ذكر فيما سبق. (وتخصيصها المضارع بالاستقبال كان لها مزيد اختصاص بما كونه زمانيا اظهر) وما موصولة وكونه مبتدأ خبره اظهر وزمانيا خبر الكون أي بالشئ الذى زمانيته اظهر (كالفعل) فان الزمان جزء عن مفهومه بخلاف الاسم فانه انما يدل عليه حيث يدل بعروضه له اما اقتضاء تخصيصها المضارع بالاستقبال لمزيد اختصاصها بالفعل فظاهر. واما اقتضاء كونها لطلب التصديق فقط لذلك فلان التصديق هو الحكم بالثبوت أو الانتفاء والنفى والاثبات انما يتوجهان إلى المعاني والاحداث التى هي مدلولات الافعال لا إلى الذوات التى هي مدلولات الاسماء. (ولهذا) أي ولان لها مزيد اختصاص بالفعل (كان فهل انتم شاكرون ادل على طلب الشكر من فهل تشكرون وفهل انتم تشكرون) مع انه مؤكد بالتكرير لان انتم فاعل فعل محذوف (لان ابراز ما سيتجدد في معرض الثابت ادل على كمال العناية بحصوله) من ابقائه على اصله كما في هل تشكرون لان هل في هل تشكرون وفى هل انتم تشكرون على اصلها لكونها داخلة على الفعل تحقيقا في الاول وتقديرا في الثاني. (و) فهل انتم شاكرون ادل على طلب الشكر (من افانتم شاكرون) ايضا (وان كان للثبوت باعتبار) كون الجملة اسمية (لان هل ادعى للفعل من الهمزة فتركه معها) أي ترك الفعل مع هل (ادل على ذلك) أي على كمال العناية بحصول ما سيتجدد ٥٨ (ولهذا) أي ولان هل ادعى للفعل من الهمزة (لا يحسن هل زيد منطلق الا من البليغ) لانه الذى يقصد به الدلالة على الثبوت وابراز ما سيوجد في معرض الوجود (وهى) أي هل (قسمان بسيطة وهى التى يطلب بها وجود الشئ أو لا) وجوده (كقولنا هل الحركة موجودة) أو لا موجودة (ومركبة وهى التى يطلب بها وجود شئ لشئ) أو لا وجود له (كقولنا هل الحركة دائمة) أو لا دائمة فان المطلوب وجود الدوام للحركة أو لا وجوده لها. وقد اعتبر في هذه شيئان غير الوجود وفى الاولى شئ واحد فكانت مركبة بالنسبة إلى الاولى وهى بسيطة بالنسبة إليها. (والباقية) من الفاظ الاستفهام تشترك في انها (لطلب التصور فقط) وتختلف من جهة ان المطلوب بكل منها تصور شئ آخر. (قيل فيطلب بما، شرح الاسم كقولنا ما العنقاء) طالبا ان يشرح هذا الاسم ويبين مفهومه فيجاب بايراد لفظ اشهر (أو ما هية المسمى) أي حقيقته التى هو بها هو (كقولنا ما الحركة) أي ما حقيقة مسمى هذا اللفظ فيجاب بايراد ذاتياته. (وتقع هل البسيطة في الترتيب بينهما) أي بين ما التى لشرح الاسم والتى لطلب الماهية يعنى ان مقتضى الترتيب الطبيعي ان يطلب أو لا شرح الاسم ثم وجود المفهوم في نفسه ثم ما هيته وحقيقته لان من لا يعرف مفهوم اللفظ استحال منه ان يطلب وجود ذلك المفهوم ومن لا يعرف انه موجود استحال منه ان يطلب حقيقته وماهيته إذ لا حقيقة للمعدوم ولا ماهية له والفرق بين المفهوم من الاسم بالجملة وبين الماهية التى يفهم من الحد بالتفصيل غير قليل فان كل من خوطب باسم فهم فهما ما ووقف على الشئ الذى يدل عليه الاسم إذا كان عالما باللغة. واما الحد فلا يقف عليه الا المرتاض بصناعة المنطق فالموجودات لما كان لها حقائق ومفهومات فلها حدود حقيقية واسمية واما المعدومات فليس لها الا المفهومات فلا حدود لها الا بحسب الاسم لان الحد بحسب الذات لا يكون الا بعد ان يعرف ان الذات موجودة حتى ان ما يوضع في اول التعاليم من حدود الاشياء التى يبرهن عليها في اثناء التعاليم انما هي حدود اسمية ثم إذا برهن عليها واثبت وجودها صارت تلك الحدود بعينها حدودا حقيقية جميع ذلك مذكور في الشفاء. (و) يطلب (بمن العارض المشخص) أي الامر الذى يعرض (لذى العلم) فيفيد تشخصه وتعينه (كقولنا من في الدار) فيجاب عنه بزيد ونحوه مما يفيد تشخصه (وقال السكاكى يسأل بما عن الجنس تقول ما عندك أي أي اجناس الاشياء عندك وجوابه كتاب ونحوه) ويدخل فيه السؤال عن الماهية والحقيقة نحو ما الكلمة أي أي اجناس الالفاظ هي وجوابه لفظ مفرد موضوع ٥٩ (أو عن الوصف تقول ما زيد وجوابه الكريم ونحوه و) يسأل (بمن عن الجنس من ذى العلم تقول من جبريل أي ابشر هو ام ملك ام جنى. وفيه نظر) إذ لا نسلم انه للسؤال عن الجنس وانه يصح في جواب من جبريل ان يقال ملك بل جوابه ملك من عند اللّه يأتي بالوحى كذا وكذا مما يفيد تشخصه (ويسأل باى عما يميز احد المتشاركين في امر يعمهما) وهو مضمون اضيف إليه أي (نحو أي الفريقين خير مقاما، أي انحن ام اصحاب محمد عليه السلام) والمؤمنون والكافرون قد اشتركا في الفريقية وسألوا عما يميز احدهما عن الاخر مثل كون الكافرين قائلين بهذا القول ومثل كون اصحاب محمد عليه السلام غير قائلين. (و) يسأل (بكم عن العدد نحو سل بنى اسرائيل كم آتيناهم من آية بينة،) أي كم آية آتيناهم اعشرين ام ثلثين فمن آية مميزكم بزيادة من لما وقع من الفصل بفعل متعد بين كم ومميزه كما ذكرنا في الخبرية، فكم ههنا للسؤال عن العدد لكن الغرض من هذا السؤال هو التقريع والتوبيخ. (و) يسأل (بكيف عن الحال وباين عن المكان وبمتى عن الزمان) ماضيا كان أو مستقبلا (وبايان عن) الزمان (المستقبل. قيل ويستعمل في مواضع التفخيم مثل يسأل ايان يوم القيمة، وانى ٦٠ تستعمل تارة بمعنى كيف) ويجب ان يكون بعدها فعل (نحو " فأتوا حرثكم انى شئتم ") أي على أي حال ومن أي شق اردتم بعد ان يكون المأتى موضع الحرث ولم يجئ انى زيد بمعنى كيف هو (واخرى بمعنى من اين نحو انى لك هذا) أي من اين لك هذا الرزق الاتى كل يوم. وقوله يستعمل اشارة إلى انه يحتمل ان يكون مشتركا بين المعنيين وان يكون في احدهما حقيقة وفى الاخر مجازا ويحتمل ان يكون معناه اين الا انه في الاستعمال يكون مع من ظاهرة كما في قوله " من انى " عشرون لنا أي من اين أو مقدرة كما في قوله تعالى " انى لك هذا " أي من اين لك هذا على ما ذكره بعض النحاة. (ثم ان هذه الكلمات الاستفهامية كثيرا ما تستعمل في غير الاستفهام) مما يناسب المقام بحسب معونة القرائن (كالا ستبطاء نحو كم دعوتك والتعجب نحو " مالى لا ارى الهدهد ") لانه كان لا يغيب عن سليمان عليه السلام الا باذنه فلما لا يبصره مكانه تعجب من حال نفسه في عدم ابصاره اياه. ولا يخفى انه لا معنى لاستفهام العاقل عن حال نفسه وقول صاحب الكشاف انه نظر سليمان إلى مكان الهدهد فلم يبصره فقال مالى لا اراه على معنى انه لا يراه وهو حاضر لساتر ستره أو غير ذلك ثم لاح له انه غائب فاضرب عن ذلك واخذ يقول اهو غائب كانه يسأل عن صحة ما لاح له يدل على ان الاستفهام على حقيقته. (والتنبيه على الضلال نحو فاين تذهبون والوعيد كقولك لمن يسئ الادب الم اؤدب فلانا إذا علم) المخاطب (ذلك) وهو انك ادبت فلانا فيفهم معنى الوعيد والتخويف ولا يحمله على السؤال. (والتقرير) أي حمل المخاطب على الاقرار بما يعرفه والجائه إليه (بايلاء المقرر به الهمزة) أي بشرط ان يذكر بعد الهمزة ما حمل المخاطب على الاقرار به (كما مر) في حقيقة الاستفهام من ايلاء المسؤل عنه الهمزة تقول اضربت زيدا في تقريره بالفعل وانت ضربت في تقريره بالفاعل وازيدا ضربت في تقريره بالمفعول وعلى هذا القياس. وقد يقال التقرير بمعنى التحقيق والتثبيت فيقال اضربت زيدا بمعنى انك ضربته البتة (والانكار كذلك نحو " اغير اللّه تدعون ") أي بايلاء المنكر الهمزة كالفعل في قوله ايقتلنى والمشرفي مضاجعي، والفاعل في قوله تعالى اهم يقسمون رحمة ربك، والمفعول في قوله تعالى اغير اللّه اتخذ وليا، واغير اللّه تدعون. واما غير الهمزة فيجئ للتقرير والانكار لكن لا يجرى فيه هذه التفاصيل ولا يكثر كثرة الهمزة فلذا لم يبحث عنه. ٦١ (ومنه) أي من مجئ الهمزة للانكار (نحو اليس اللّه بكاف عبده، أي اللّه كاف) لان انكار النفى نفى له و (نفى النفى اثبات وهذا) المعنى (مراد من قال الهمزة فيه للتقرير) أي لحمل المخاطب على الاقرار (بما دخله النفى) وهو اللّه كاف (لا بالنفى) وهو ليس اللّه بكاف فالتقرير لا يجب ان يكون بالحكم الذى دخلت عليه الهمزة بل بما يعرف المخاطب من ذلك الحكم اثباتا أو نفيا. وعليه قوله تعالى اأنت قلت للناس اتخذوني وامى الهين من دون اللّه، فالهمزة فيه للتقرير أي بما يعرفه عيسى عليه السلام من هذا الحكم لا بانه قد قال ذلك فافهم. وقوله والانكار كذلك دل على ان صورة انكار الفعل ان يلى الفعل الهمزة، ولما كان له صورة اخرى لا يلى فيها الفعل الهمزة اشار إليها بقوله (ولانكار الفعل صورة اخرى وهى نحو " ازيدا ضربت ام عمروا " لمن يردد الضرب بينهما) من غير ان يعتقد تعلقه بغيرهما فإذا انكرت تعلقه بهما فقد نفيته عن اصله لانه لابد له من محل يتعلق به (والانكار اما للتوبيخ أي ما كان ينبغى ان يكون) ذلك الامر الذى كان (نحو " اعصيت ربك ") فان العصيان واقع لكنه منكر. وما يقال انه للتقرير فمعناه التحقيق والتثبيت (أو لا ينبغى ان يكون في) أي ان يحدث ويتحقق مضمون ما دخلت عليه الهمزة وذلك في المستقبل (نحو " اتعصى ربك ") يعنى لا ينبغى ان يتحقق العصيان (أو للتكذيب) في الماضي (أي لم يكن نحو " افاصفيكم ربكم بالبنين ") أي لم يفعل ذلك (أو) في المستقبل أي (لا يكون نحو " انلز مكموها ") أي انلزمكم تلك الهداية أو الحجة بمعنى أنكرهكم على قبولها ونقسركم على الاهتداء والحال انكم لها كارهون يعنى لا يكون منا هذا الالزام ٦٢ (والتهكم) عطف على الاستبطاء أو على الانكار، وذلك انهم اختلفوا في انه إذا ذكر معطوفات كثيرة ان الجميع معطوف على الاول أو كل واحد عطف على ما قبله (نحو " اصلوتك تأمرك ان نترك ما يعبد آباؤنا ") وذلك ان شعيبا عليه السلام كان كثير الصلوات وكان قومه إذا رأوه يصلى تضاحكوا فقصدوا بقولهم " اصلوتك تأمرك " الهزء والسخرية لاحقيقة الاستفهام (والتحقيق نحو " من هذا ") استحقارا بشانه مع انك تعرفه (والتهويل كقرائة ابن عباس) رضى اللّه عنه (" ولقد نجينا بنى اسرائيل من العذاب المهين من فرعون " بلفظ الاستفهام) أي من بفتح الميم (ورفع فرعون) على انه مبتدأ ومن الاستفهامية خبره أو بالعكس على اختلاف الرأيين فانه لا معنى لحقيقة الاستفهام ههنا وهو ظاهر بل المراد انه لما وصف اللّه العذاب بالشدة والفظاعة زادهم تهويلا " من فرعون " أي هل تعرفون من هو في فرط عتوه وشدة شكيمته فما ظنكم بعذاب يكون المعذب به مثله (ولهذا قال " انه كان عاليا من المسرفين ") زيادة لتعريف حاله وتهويل عذابه (والاستبعاد نحو " انى لهم الذكرى " فانه لا يجوز حمله على حقيقة الاستفهام وهو ظاهر. بل المراد استبعاد ان يكون لهم الذكرى بقرينة قوله تعالى (" وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه ") أي كيف يتذكرون ويتعظون ويوفون بما وعدوه من الايمان عند كشف العذاب عنهم وقد جاءهم ما هو اعظم وادخل في وجوب الاذكار من كشف الدخان وهو ما ظهر على يد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من الايات والبينات من الكتاب المعجز وغيره فلم يتذكروا واعرضوا عنه. (ومنها) أي من انواع الطلب (الامر) وهو طلب فعل غير كف على جهة الاستعلاء وصيغته تستعمل في معان كثيرة، فاختلفوا في حقيقته الموضوعة هي لها اختلافا كثيرا، ولما لم تكن الدلائل مفيدة للقطع بشئ. قال المصنف: (والاظهر ان صيغته من المقترنة باللام نحو ليحضر زيد وغيرها نحو اكرم عمرا ورويد بكرا) فالمراد بصيغته ما دل على طلب فعل غير كف استعلاء سواء كان اسما أو فعلا (موضوعة لطلب الفعل استعلاء) أي على طريق طلب العلو وعد الآمر نفسه عاليا سواء كان عاليا في نفسه ام لا (لتبادر الفهم عند سماعها) أي سماع الصيغة (إلى ذلك) المعنى اعني الطلب استعلاء والتبادر إلى الفهم من اقوى امارات الحقيقة. (وقد تستعمل) صيغة الامر (لغيره) أي لغير طلب الفعل استعلاء (كالاباحة نحو " جالس الحسن أو ابن سيرين ") فيجوز له ان يجالس احدهما أو كليهما وان لا يجالس احدا منهما اصلا ٦٣ (والتهديد) أي التخويف وهوا اعم من الانذار لانه ابلاغ مع التخويف. وفى الصحاح الانذار تخويف وهو مع دعوة (نحو " اعملوا ما شئتم ") لظهور ان ليس المراد الامر بكل عمل شاؤا (والتعجيز نحو " فأتوا بسورة من مثله ") إذ ليس المراد طلب اتيانهم بسورة من مثله لكونه محالا. والظرف اعني قوله من مثله متعلق بفأتوا والضمير لعبدنا أو صفة لسورة والضمير لما نزلنا أو لعبدنا. فان قلت لم لا يجوز على الاول ان يكون الضمير لما نزلنا. قلت: لانه يقتضى ثبوت مثل القرآن في البلاغة وعلوا الطبقة بشهادة الذوق إذ التعجيز انما يكون عن المأتى به فكأن مثل القرآن ثابت لكنهم عجزوا عن ان يأتوا عنه بسورة بخلاف ما إذا كان وصفا للسورة فان المعجوز عنه هو السورة الموصوفة باعتبار انتفاء الوصف. فان قلت فليكن التعجيز باعتبار انتفاء المأتى به منه. قلنا احتمال عقلي لا يسبق إلى الفهم ولا يوجد له مساغ في اعتبارات البلغاء واستعمالاتهم فلا اعتداد به، ولبعضهم هنا كلام طويل لا طائل تحته (والتسخير نحو " كونوا قردة خاسئين " والاهانة نحو " كونوا حجارة أو حديدا ") إذ ليس الغرض من يطلب منهم كونهم قردة أو حجارة أو حديدا لعدم قدرتهم على ذلك لكن في التسخير يحصل الفعل اعني صيرورتهم قردة وفى الاهانة لا يحصل إذا المقصود قلة المبالاة بهم. (والتسوية نحو " اصبروا أو لا تصبروا ") ففى الاباحة كأن المخاطب توهم ان الفعل محظور عليه فاذن له في الفعل مع عدم الحرج في الترك وفى التسوية كانه توهم ان احد الطرفين من الفعل والترك انفع له وارجح بالنسبة إليه فرفع ذلك التوهم وسوى بينهما. (والتمنى نحو الا ايها الليل الطويل الا انجلى) بصبح وما الا صباح منك بامثل، إذ ليس الغرض طلب الانجلاء من الليل إذ ليس ذلك في وسعه لكنه يتمنى ذلك تخلصا عما عرض له في الليل من تباريح الجو ولا ستطالة تلك الليلة كأنه طماعية له في انجلائها فلهذا يحمل على التمنى دون الترجي. (والدعاء) أي الطلب على سبيل التضرع (نحو رب اغفر لى والالتماس كقولك لمن يساويك رتبة افعل بدون الاستعلاء) والتضرع، فان قيل أي حاجة إلى قوله بدون الاستعلاء مع قوله لمن يساويك رتبة، قلت قد سبق ان الاستعلاء لا يستلزم العلو فيجوز ان يتحقق من المساوى بل من الادنى ايضا. (ثم الامر قال السكاكى حقه الفور لانه الظاهر من الطلب) عند الانصاف كما في الاستفهام والنداء (ولتبادر الفهم عند الامر بشئ بعد الامر بخلافه إلى تغيير) الامر (الاول دون الجمع) بين الامرين (وارادة التراخي). فان المولى إذا قال لعبده قم ثم قال له قبل ان يقوم اضطجع حتى المساء يتبادر الفهم إلى انه غير الامر بالقيام إلى الامر بالاضطجاع ولم يرد الجمع بين القيام والاضطجاع مع تراخى احدهما. (وفيه نظر) لانا لا نسلم ذلك عند خلو المقام عن القرائن. ٦٤ (ومنها) أي من انواع الطلب (النهى) وهو طلب الكف عن الفعل استعلاء (وله حرف واحد وهو لاء الجازمة في نحو قولك لا تفعل وهو كالامر في الاستعلاء) لانه المتبادر إلى الفهم. (وقد يستعمل في غير طلب الكف) عن الفعل كما هو مذهب البعض (أو) طلب (الترك) كما هو مذهب البعض. فانهم قد اختلفوا في ان مقتضى النهى كف النفس عن الفعل بالاشتغال باحد اضداده أو ترك الفعل وهو نفس ان لا تفعل (كالتهديد كقولك لعبد لا يمتثل امرك لا تمثل امرى) وكالدعاء والالتماس وهو ظاهر. (وهذه الاربعة) يعنى التمنى والاستفهام والامر والنهى (يجوز تقدير الشرط بعدها) وايراد الجزاء عقيبها مجز وما بان المضمرة مع الشرط (كقولك) في التمنى (ليت لى مالا انفقه) أي ان ارزقه انفقه. (و) في الاستفهام (اين بيتك ازرك) أي ان تعرفنيه ازرك (و) في الامر (اكرمني اكرمك) أي ان تكرمني اكرمك (و) في النهى (لا تشتمني يكن خيرا لك) أي ان لا تشتم يكن خيرا لك، وذلك لان الحامل للمتكلم على الكلام الطلبى كون المطلوب مقصورا للمتكلم اما لذاته أو لغيره لتوقف ذلك الغير على حصوله. وهذا معنى الشرط فإذا ذكرت الطلب وذكرت بعده ما يصلح توقفه على المطلوب غلب على ظن المخاطب كون المطلوب مقصودا لذلك المذكور بعده لا لنفسه فيكون إذا معنى الشرط في الطلب مع ذكر ذلك الشئ ظاهرا. ولما جعل النحاة الاشياء التى تضمن حرف الشرط بعدها خمسة اشياء اشار المصنف إلى ذلك بقوله (واما العرض كقولك الا تنزل عندنا تصب خيرا) أي ان تنزل تصب خيرا (فمولد من الاستفهام) وليس شيئا آخر برأسه لان الهمزة فيه للاستفهام دخلت على فعل منفى وامتنع حملها على حقيقة الاستفهام للعلم بعدم النزول مثلا وتولد عنه بمعونة قرينة الحال عرض النزول على المخاطب وطلبه عنه (ويجوز) تقدير الشرط (في غيرها) أي في غير هذه المواضع (لقرينة) تدل عليه (نحو " ام اتخذوا من دونه اولياء " ٦٥ (فاللّه هو الولى أي ان ارادوا اولياء بحق) فاللّه هو الولى الذى يجب ان يتولى وحده ويعتقد انه المولى والسيد. وقيل لا شك ان قوله ام اتخذوا انكار توبيخ بمعنى انه لا ينبغى ان يتخذ من دونه اولياء وحينئذ يترتب عليه قوله تعالى " فاللّه هو الولى " من غير تقدير شرط كما يقال لا ينبغى ان يعبد غير اللّه فاللّه هو المستحق للعبادة. وفيه نظر إذ ليس كل ما فيه معنى الشئ حكمه حكم ذلك الشئ والطبع المستقيم شاهد صدق على صحة قولنا لا تضرب زيدا فهو اخوك بالفاء بخلاف اتضرب زيدا فهو اخوك استفهام انكار فانه لا يصح الا بالواو الحالية. (منها) أي من انواع الطلب (النداء) وهو طلب الاقبال بحرف نائب مناب ادعو لفظا أو تقديرا. (وقد تستعمل صيغته) أي صيغة النداء (في غير معناه) وهو طلب الاقبال (كالاغراء في قولك لمن اقبل يتظلم يا مظلوم) قصدا إلى اغرائه وحثه على زيادة التظلم وبث الشكوى لان القبال حاصل (والاختصاص في قولهم انا افعل كذا ايها الرجل) فقولنا ايها الرجل اصله تخصيص المنادى بطلب اقباله عليك ثم جعل مجردا عن طلب الاقبال ونقل إلى تخصيص مدلوله من بين امثاله بما نسب إليه إذ ليس المراد باى ووصفه المخاطب بمنادي بل ما دل عليه ضمير المتكلم فايها مضموم والرجل مرفوع والمجموع في محل النصب على انه حال. ولهذا قال (متخصصا) أي مختصا (من بين الرجال) وقد يستعمل صيغة النداء في الاستغاثة نحو " يا للّه " والتعجب نحو " يا للماء " والتحسر والتوجع كما في نداء الاطلال والمنازل والمطايا وما اشبه ذلك. (ثم الخبر قد يقع موقع الانشاء اما للتفاؤل) بلفظ الماضي دلالة على انه كأنه وقع نحو وفقك للّه للتقوى (أو لاظهار الحرص في وقوعه) كما مر في بحث الشرط من ان الطالب إذا عظمت رغبته في شى ء يكثر تصوره اياه فربما يخيل إليه حاصلا نحو رزقني اللّه لقاءك (والدعاء بصيغة الماضي من البليغ) كقوله رحمه اللّه (يحتملهما) أي التفاؤل واظهار الحرص. واما غير البليغ فهو ذاهل عن هذه الاعتبارات (أو للاحتراز عن صورة الامر) كقول العبد للمولى ينظر المولى إلى ساعة دون انظر لانه في صورة الامر وان قصد به الدعاء أو الشفاعة (أو لحمل المخاطب على المطلوب بان يكون) المخاطب (ممن لا يحب ان يكذب الطالب) أي ينسب إليه الكذب كقولك لصاحبك الذى لا يحب تكذيبك تأتيني غدا مقام اءتينى تحمله بالطف وجه على الاتيان لانه ان لم يأتك غدا صرت كاذبا من حيث الظاهر لكون كلامك في صورة الخبر. (تنبيه) الانشاء كالخبر في كثير مما ذكر في الابواب الخمسة السابقة) يعنى احوال الاسناد والمسند إليه والمسند ومتعلقات الفعل والقصر (فليعتبره) أي ذلك الكثير الذى يشارك فيه الانشاء والخبر. (الناظر) بنور البصيرة في لطائف الكلام مثلا الكلام الانشائى ايضا اما مؤكد أو غير مؤكد والمسند إليه فيه اما محذوف أو مذكور إلى غير ذلك. ٦٦ ١-٧الفصل والوصلالباب السابع الفصل والوصل بدأ بذكر الفصل لانه الاصل والوصل طار أي عارض عليه حاصل بزيادة حرف من حروف العطف، لكن لما كان الوصل بمنزلة الملكة والفصل بمنزلة العدم والاعدام انما تعرف بملكاتها بدأ في التعريف بذكر الوصل. فقال (الوصل عطف بعض الجمل على بعض والفصل تركه) أي ترك عطفه عليه (فإذا أتت جملة بعد جملة فالاولى اما ان يكون لها محل من الاعراب أو لاوعلى الاول) أي على تقدير ان يكون للاولى محل من الاعراب (ان قصد تشريك الثانية لها) أي للاولى (في حكمه) أي في حكم الاعراب الذى كان لها مثل كونها خبر مبتدأ أو حالا أو صفة أو نحو ذلك. (عطفت) الثانية (عليها) أي على الاول ليدل العطف على التشريك المذكور (كالمفرد) فانه إذا قصد تشريكه لمفرد قبله في حكم اعرابه من كونه فاعلا أو مفعولا أو نحو ذلك وجب عطفه عليه (فشرط كونه) أي كون عطف الثانية على الاولى (مقبولا بالواو ونحوه ان يكون بينهما) أي بين الجملتين (جهة جامعة نحو زيد يكتب ويشعر) لما بين الكتابة والشعر من التناسب الظاهر (أو يعطى ويمنع) لما بين الاعطاء والمنع من التضاد، بخلاف نحو زيد يكتب ويمنع أو يعطى ويشعر وذلك لئلا يكون الجمع بينهما كالجمع بين الضب والنون. وقوله ونحوه اراد به ما يدل على التشريك كالفاء وثم وحتى وذكره حشو مفسد لان هذا الحكم مختص بالواو لان لكل من الفاء، وثم، ؟ ؟، معنى محصلا غير التشريك والجميعة فان تحقق هذا المعنى حسن العطف وان لم توجد جهة جامعة بخلاف الواو. (ولهذا) أي ولانه لابد في الواو من جهة جامعة (عيب على ابى تمام، قوله لا والذى هو عالم ان النوى، صبر وان ابا الحسين كريم) إذ لا مناسبة بين كرم ابى الحسين ومرارة النوى. فهذا العطف غير مقبول سواء جعل عطف مفرد على مفرد كما هو الظاهر أو عطف جملة على جملة باعتبار وقوعه موقع مفعولي عالم لان وجود الجامع شرط في الصورتين. وقوله " لا " نفى لما ادعته الحبيبة عليه من اندراس هواه بدلالة البيت السابق (والا) أي وان لم يقصد تشريك الثانية للاولى في حكم اعرابها (فصلت) الثانية (عنها) لئلا يلزم من العطف التشريك الذى ليس بمقصود (نحو وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزؤن، اللّه يستهزئ بهم لم يعطف اللّه يستهزئ بهم على انا معكم لانه ليس من مقولهم) فلو عطف عليه لزم تشريكه له في كونه مفعول قالوا فيلزم ان يكون مقول قول المنافقين وليس كذلك. وانما قال على " انا معكم " دون انما نحن مستهزؤن لان قوله " انما نحن مستهزؤن " بيان لقوله " انا معكم " فحكمه حكمه. وايضا العطف على المتبوع هو الاصل (وعلى الثاني) أي على تقدير ان لا يكون للاولى محل من الاعرب ٦٧ (ان قصد ربطها بها) أي ربط الثانية بالاولى (على معنى عاطف سوى الواو عطفت) الثانية على الاولى (به) أي بذلك العاطف من غير اشتراط امر آخر (نحو دخل زيد فخرج عمرو أو ثم خرج عمرو وإذا قصد التعقيب أو المهملة) وذلك لان ما سوى الواو من حروف العطف يفيد مع الاشتراك معاني محصلة مفصلة في علم النحو، فإذا عطفت الثانية على الاولى بذلك العاطف ظهرت الفائدة اعني حصول معاني هذه الحروف. بخلاف الواو فانه لا يفيد الا مجرد الاشتراك. وهذا انما يظهر فيما له حكم اعرابي. واما في غيره ففيه خفاء واشكال وهو السبب في صعوبة باب الفصل والوصل حتى حصر بعضهم البلاغة في معرفة الفصل والوصل. (والا) أي وان لم يقصد ربط الثانية بالاولى على معنى عاطف سوى الواو (فان كان للاولى حكم لم يقصد اعطاؤه للثانية فالفصل) واجب لئلا يلزم من الوصل التشريك في ذلك الحكم (نحو " وإذا خلوا " الاية لم يعطف " اللّه يستهزئ بهم " على قالوا لئلا يشاركه في الاختصاص بالظرف لما مر) من ان تقديم المفعول ونحوه من الظرف وغيره يفيد الاختصاص فيلزم ان يكون استهزاء اللّه بهم مختصا بحال خلوهم إلى شياطينهم وليس كذلك. فان قيل إذا شرطية لا ظرفية. قلنا إذا الشرطية هي الظرفية استعملت استعمال الشرط ولو سلم فلا ينافى ما ذكرناه لانه اسم معناه الوقت لابد له من عامل وهو " قالوا انا معكم " بدلالة المعنى. وإذا قدم متعلق الفعل وعطف فعل آخر عليه يفهم اختصاص الفعلين به كقولنا يوم الجمعة سرت وضربت زيدا بدلالة الفحوى والذوق (والا) عطف على قوله فان كان للاولى حكم أي وان لم يكن للاولى حكم لم يقصد اعطاؤه للثانية. وذلك بان لا يكون لها حكم زائد على مفهوم الجملة أو يكون ولكن قصد اعطاؤه للثانية ايضا (فان كان بينهما) أي بين الجملتين (كمال الانقطاع بلا ايهام) أي بدون ان يكون في الفصل ايهام خلاف المقصود (أو كمال الاتصال أو شبه احدهما) أي احد الكمالين (فكذلك) أي يتعين الفصل لان الوصل يقتضى مغايرة ومناسبة (والا) أي وان لم يكن بينهما كمال الانقطاع بلا ايهام ولا كمال الاتصال ولا شبه احدهما (فالوصل) متعين لوجود الداعي وعدم المانع. والحاصل ان للجملتين اللتين لا محل لهما من الاعراب ولم يكن للاولى حكم لم يقصد اعطاؤه للثانية ستة احوال. الاول كمال الانقطاع بلا ايهام. الثاني كمال الاتصال، الثالث شبه كمال الانقطاع، الرابع شبه كمال الاتصال، الخامس كمال الانقطاع مع الايهام، السادس التوسط بين الكمالين. فحكم الاخيرين الوصل وحكم الاربعة السابقة الفصل فاخط المصنف في تحقيق الاحوال الستة فقال (اما كمال الانقطاع) بين الجملتين (فلا ختلافهما خبر أو انشاء لفظا ومعنى) بان يكون احديهما خبرا لفظا ومعنى والاخرى انشاء لفظا ومعنى ٦٨ (نحو وقال رائدهم) هو الذى يتقدم القوم لطلب الماء والكلاء (ارسوا) أي اقيموا من ارسيت السفينة حبستها بالمرساة (نزاولها) أي نحاول تلك الحرب ونعالجها، فكل حتف امرئ يجرى بمقدار. أي اقيموا نقاتل فان موت كل نفس يجرى بقدر اللّه تعالى لا الجبن ينجيه ولا الاقدام يرديه. لم يعطف نزاو لها على ارسوا لانه خبر لفظا ومعنى وارسوا انشاء لفظا ومعنى. وهذا مثال لكمال الانقطاع بين الجملتين باختلافهما خبرا وانشاء لفظا ومعنى مع قطع النظر عن كون الجملتين مما ليس له محل من الاعراب والا فالجملتان في محل النصب على انه مفعول قال (أو) لاختلافهما خبرا وانشاء (معنى) فقط بان يكون احديهما خبرا معنى والاخرى انشاء معنى وان كانتا خبريتين أو انشاءيتين لفظا (نحو مات فلان رحمه اللّه) لم يعطف رحمه اللّه على مات لانه انشاء معنى ومات خبر معنى وان كانتا جميعا خبريتين لفظا (أو لانه) عطف على لاختلافهما والضمير للشان (لا جامع بينهما كما سيأتي). بيان الجامع فلا يصح العطف في مثل زيد طويل وعمرو نائم. (واما كمال الاتصال) بين الجملتين (فلكون الثانية مؤكدة للاولى) تأكيدا معنويا (لدفع توهم تجوز أو غلط نحو لا ريب فيه) بالنسبة إلى ذلك الكتاب إذا جعلت " آلم " طائفة من الحروف أو جملة مستقلة و " ذلك الكتاب " جملة ثانية و " لا ريب فيه " ثالثة (فانه لما بولغ في وصفه أي وصف الكتاب (ببلوغه) متعلق بوصفه أي في ان وصف بانه بلغ (الدرجة القصوى في الكمال) وبقوله بولغ تتعلق الباء في قوله (بجعل المبتدأ ذلك) الدال على كمال العناية بتمييزه والتوسل ببعده إلى التعظيم وعلو الدرجة (وتعريف الخبر باللام) الدال على الانحصار مثل حاتم الجواد. فمعنى ذلك الكتاب انه الكتاب الكامل الذى يستأهل ان يسمى كتابا كأن ما عداه من الكتب في مقابلته ناقص بل ليس بكتاب (جاز) جواب لما أي جاز بسبب هذه المبالغة المذكورة (ان يتوهم السامع قبل التأمل انه) اعني قوله ذلك الكتاب (مما يرمى به جزافا) من غير صدور عن روية وبصيرة (فاتبعه) على لفظ المبنى للمفعول والمرفوع المستتر عائد إلى " لا ريب فيه " والمنصوب البارز إلى " ذلك الكتاب " أي جعل لا ريب فيه تابعا لذلك الكتاب (نفيا لذلك) التوهم (فوزانه) أي وزان لا ريب فيه مع ذلك الكتاب (وزان نفسه) مع زيد (في جاءني زيد نفسه). فظهر ان لفظ وزان في قوله وزان نفسه ليس بزائد كما توهم أو تأكيدا لفظيا كما اشار إليه بقوله (ونحو هدى) أي هو هدى (للمتقين) أي الضالين الصائرين إلى التقوى. (فان معناه انه) أي الكتاب (في الهداية بالغ درجة لا يدركها كنهها) أي غايتها لما في تنكير هدى من الابهام والتفخيم (حتى كأنه هداية محضة) حيث قيل هدى ولم يقل هاد ٦٩ (وهذا معنى ذلك الكتاب لان معناه كما مر الكتاب الكامل. والمراد بكماله كماله في الهداية لان الكتب السماوية بحسبها) أي بقدر الهداية واعتبارها (تتفاوت في درجات الكمال) لا بحسب غيرها لانها المقصود الاصلى من الانزال (فوزانه) أي وزان هدى للمتقين (وزان زيد الثاني في جاءني زيد زيد) لكونه مقررا لذلك الكتاب مع اتفاقهما في المعنى بخلاف لاريب فيه فانه يخالفه معنى (أو) لكون الجملة الثانية (بدلا منها) أي من الاولى (لانها) أي الاولى (غير وافية بتمام المراد أو كغير الوافية) حيث يكون في الوفاء قصور ما أو خفاء ما (بخلاف الثانية) فانها وافية كمال الوفاء (والمقام يقتضى اعتناء بشانه) أي بشان المراد (لنكتة ككونه) أي المراد (مطلوبا في نفسه أو فظيعا أو عجيبا أو لطيفا) فتنزل الثانية من الاولى منزلة بدل البعض أو الاشتمال فالاول (نحو امدكم بما تعلمون، امدكم بانعام وبنين، وجنات وعيون، فان المراد التنبيه على نعم اللّه تعالى) والمقام يقتضى اعتناء بشانه لكونه مطلوبا في نفسه وذريعة إلى غيره. (والثانى) اعني قوله امدكم بانعام إلى آخره (أو في بتأديته) أي تأدية المراد الذى هو التنبيه (لدلالته) أي الثانية (عليها) أي على نعم اللّه تعالى (بالتفصيل من غير احالة على علم المخاطبين المعاندين فوزانه وزان وجهه في اعجبني زيد وجهه لدخول الثاني في الاول) لان ما تعلمون يشتمل الانعام وغيرها. (والثانى) اعني المنزل منزلة بدل الاشتمال (نحو اقول له ارحل لا تقيمن عندنا، والا فكن في السر والجهر مسلما فان المراد به) أي بقوله ارحل (كمال اظهار الكراهة لاقامته) أي المخاطب (وقوله لا تقيمن عندنا ٧٠ أو في بتأديته لدلالته) أي لدلالة لا تقيمن عندنا (عليه) أي كمال اظهار الكراهة (بالمطابقة مع التأكيد) الحاصل من النون وكونها مطابقة باعتبار الوضع العرفي حيث يقال لا تقم عندي ولا يقصد كفه عن الاقامة بل مجرد اظهار كراهة حضوره (فوزانه) أي وزان لا تقيمن عندنا (وزان حسنها في اعجبني الدار حسنها لان عدم الاقامة مغاير للارتحال) فلا يكون تأكيدا (وغيره داخل فيه) فلا يكون بدل بعض ولم يعتد ببدل الكل لانه انما يتميز عن التأكيد بمغايرة اللفظين وكون المقصود هو الثاني وهذا لا يتحقق في الجمل لا سيما التى لا محل لها من الاعراب (مع ما بينهما) أي بين عدم الاقامة والارتحال (من الملابسة) اللزومية فيكون بدل اشتمال. والكلام في ان الجملة الاولى اعني ارحل ذات محل من الاعراب مثل ما مر في ارسوا نزاولها. وانما قال في المثالين ان الثانية أو في لان الاولى وافية مع ضرب من القصور باعتبار الاجمال وعدم مطابقة الدلالة فصارت كغير الوافية (أو) لكون الثانية (بيانا لها) أي للاولى (لخفائها) أي الاولى (نحو " فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل ادلك على شجرة الخلد وملك لايبلى " فان وزانه) اي وزان قال يا آدم (وزان عمر في قوله اقسم باللّه أبو حفص عمر) ما مسها من نقب ولا دبر حيث جعل الثاني بيانا وتوضيحا للاول. فظهر ان ليس لفظ قال بيانا وتفسيرا للفظ وسوس حتى يكون هذا من باب بيان الفعل دون الجملة بل المبين هو مجموع الجملة (واما كونها) أي الجملة الثانية كالمنقطعة عنها أي عن الاولى (فلكون عطفها عليها) أي عطف الثانية على الاولى (موهما لعطفها على غيرها) مما ليس بمقصود وشبه هذا بكمال الانقطاع باعتبار اشتماله على مانع من العطف الا انه لما كان خارجيا يمكن دفعه بنصب قرينة لم يجعل هذا من كمال الانقطاع. (ويسمى الفصل لذلك قطعا مثاله وتظن سلمى اننى ابغى بها بدلا، اراها في الضلال تهيم) فبين الجملتين مناسبة ظاهرة لاتحاد المسندين لان معنى اراها اظنها وكون المسند إليه في الاولى محبوبا وفى الثانية محبا لكن ترك العاطف لئلا يتوهم انه عطف على ابغى فيكون من مظنونات سلمى. (ويحتمل الاستيناف) كأنه قيل كيف تراها في هذا الظن فقال اراها تتحير في ادوية الضلال. ٧١ (واما كونها) أي الثانية (كالمتصلة بها) اي بالاولى (فلكونها) اي الثانية (جوابا لسؤال اقتضته الاولى فتنزل) الاولى (منزلته) أي السؤال لكونها مشتملة عليه ومقتضية له (فتفصل) أي الثانية (عنها) أي عن الاولى (كما يفصل الجواب عن السؤال) لما بينهما من الاتصال. (وقال السكاكى فينزل ذلك) أي السؤال الذى تقتضيه الاولى وتدل عليه بالفحوى (منزلة السؤال الواقع) ويطلب بالكلام الثاني وقوعه جوابا له فيقطع عن الكلام الاول لذلك وتنزيله منزلة الواقع انما يكون (لنكتة كاغناء السامع عن ان يسأل أو) مثل (ان لا يسمع منه) أي من السامع (شئ) تحقيرا له وكراهة لكلامه أو مثل ان لا ينقطع كلامك بكلامه أو مثل القصد إلى تكثير المعنى بتقليل اللفظ وهو تقدير السؤال وترك العاطف أو غير ذلك وليس في كلام السكاكى دلالة على ان الاولى تنزل منزلة السؤال فكان المصنف نظر إلى قطع الثانية عن الاولى مثل قطع الجواب عن السؤال انما يكون على تقدير تنزيل الاولى منزلة السؤال وتشبيهها به والاظهر انه لا حاجة إلى ذلك بل مجرد كون الاولى منشأ للسؤال كاف في ذلك اشير إليه في الكشاف. (ويسمى الفصل لذلك) أي لكونه جوابا لسؤال اقتضته الاولى (استينافا وكذا) الجملة (الثانية) نفسها ايضا تسمى استينافا ومستأنفة. (وهو) أي الاستيناف (ثلاثة اضرب لان السؤال) الذى تضمنته الاولى (اما عن سبب الحكم مطلقا نحو قال: لى كيف انت قلت عليل * سهر دائم وحزن طويل أي ما بالك عليلا أو ما سبب علتك) بقرينة العرف والعادة. لانه إذا قيل فلان مريض فانما يسأل عن مرضه وسببه لا ان يقال هل سبب علته كذا وكذا لا سيما السهر والحزن حتى يكون السؤال عن السبب الخاص (واما عن سبب خاص) لهذا الحكم (نحو وما ابرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء كأنه قيل هل النفس امارة بالسوء). فقيل ان النفس لامارة بالسوء بقرينة التأكيد فالتأكيد دليل على ان السؤال عن السبب الخاص فان الجواب عن مطلق السبب لا يؤكد (وهذا الضرب يقتضى تأكيد الحكم) الذى هو في الجملة الثانية اعني الجواب لان السائل متردد في هذا السبب الخاص هل هو سبب الحكم ام لا (كما مر) في احوال الاسناد الخبرى من ان المخاطب إذا كان طالبا مترددا حسن تقوية الحكم بمؤكد. ولا يخفى ان المراد الاقتضاء استحسانا لا وجوبا والمستحسن في باب البلاغة بمنزلة الواجب ٧٢ (واما عن غيرهما) أي غير السبب المطلق والسب الخاص (نحو قالوا سلاما قال سلام) أي فماذا قال ابراهيم في جواب سلامهم فقيل قال سلام أي حياهم بتحية احسن لكونها بالجملة الاسمية الدالة على الدوام والثبوت. (وقوله زعم العواذل) جمع عاذلة بمعنى جماعة عاذلة (اننى في غمرة) وشدة (صدقوا) أي الجماعات العواذل في زعمهم اننى في غمرة (ولكن غمرتي لا تنجلي) ولا تنكشف بخلاف اكثر الغمرات والشدائد كأنه قيل اصدقوا ام كذبوا فقيل صدقوا (وايضا منه) أي من الاستيناف. وهذا اشارة إلى تقسيم آخر له (ما يأتي باعادة اسم ما استؤنف عنه) أي وقع عنه الاستيناف واصل الكلام ما استؤنف عنه الحديث فحذف المفعول ونزل الفعل منزلة اللازم (نحو احسنت) انت (إلى زيد زيد حقيق بالاحسان) باعادة اسم زيد (ومنه ما يبنى على صفته) أي صفة ما استؤنف عنه دون اسمه. والمراد بالصفة صفة تصلح لترتب الحديث عليه (نحو) احسنت إلى زيد (صديقك القديم اهل لذلك) والسؤال المقدر فيهما لماذا احسن إليه وهل هو حقيق بالاحسان (وهذا) أي الاستيناف المبنى على الصفة (ابلغ) لاشتماله على بيان السبب الموجب للحكم كالصداقة القديمة في المثال المذكور لما يسبق إلى الفهم من ترتب الحكم على الوصف الصالح للعلية انه علة له وههنا بحث وهو ان السؤال ان كان عن السبب. فالجواب يشتمل على بيانه لا محالة والا فلا وجه لاشتماله عليه كما في قوله تعالى قالوا سلاما قال سلام، وقوله زعم العواذل، ووجه التفصى عن ذلك مذكور في الشرح (وقد يحذف صدر الاستيناف) فعلا كان أو اسما (نحو يسبح له فيها بالغدو والاصال، رجال) فيمن قرأها مفتوحة الباء كانه قيل من يسبحه فقيل رجال أي يسبحه رجال (وعليه نعم الرجل زيد) أو نعم رجلا زيد (على قول) أي على قول من يجعل المخصوص خبر مبتدأ محذوف أي هو زيد. ويجعل الجملة استينافا جوابا للسؤال عن تفسير الفاعل المبهم. (وقد يحذف) الاستيناف (كله اما مع قيام شئ مقامه نحو) قول الحماسي (" زعمتم ان اخوتكم قريش، لهم الف) أي ايلاف في الرحلتين المعروفتين لهم في التجارة رحلة في الشتاء إلى اليمن ورحلة في صيف إلى الشام (وليس لكم آلاف ") أي مؤالفة في الرحلتين المعرفتين كأنه قيل اصدقنا في هذا الزعم ام كذبنا فقيل كذبتم فحذف هذا الاستيناف كله واقيم قوله لهم آلاف وليس لكم الالف مقامه لدلالته عليه (أو بدون ذلك) أي قيام شئ مقامه اكتفاء بمجرد القرينة (نحو فنعم الماهدون) أي نحن (على قول) أي على قول من يجعل المخصوص خبر المبتدأ أي هم نحن. ولما فرغ من بيان الاحوال الاربعة المقتضية للفصل شرع في بيان الحالتين المقتضيتين للوصل. فقال (واما الوصل لدفع الايهام فكقولهم لا وايدك اللّه) فقولهم لارد لكلام سابق كما إذا قيل هل الامر كذلك فيقال لا أي ليس الامر كذلك فهذه جملة اخبارية وايدك اللّه جملة انشائية دعائية فبينهما كمال الانقطاع لكن عطفت عليها لان ترك العطف يوهم انه دعاء على المخاطب بعدم التأييد مع ان المقصود الدعاء له بالتأييد فاينما وقع هذا الكلام فالمعطوف عليه هو مضمون قولهم لا وبعضهم لما لم يقف على المعطوف عليه في هذا الكلام. نقل عن الثعالبي حكاية مشتملة على قوله قلت لا وايدك اللّه وزعم ان قوله وايدك اللّه عطف على قوله قلت ولم يعرف انه لو كان كذلك لم يدخل الدعاء تحت القول وانه لو لم يحك الحكاية فحين ما قال للمخاطب لا وايدك اللّه فلابد له من معطوف عليه (واما للتوسط) عطف على قوله اما الوصل لدفع الايهام أي اما الوصل لتوسط الجملتين بين كمال الانقطاع والاتصال. وقد صحفه بعضهم اما بكسر الهمزة بفتح الهمزة فركب متن عمياء وخبط خبط عشواء (فإذا اتفقتا) أي الجملتان (خبرا أو انشاء لفظا ومعنى أو معنى فقط بجامع) أي بان يكون بينهما جامع بدلالة ما سبق من انه إذا لم يكن بينهما جامع فبينهما كمال الانقطاع ثم الجملتان المتفقتان خبرا أو انشاء لفظا ومعنى قسمان لانهما اما انشائيتان أو خبريتان والمتفقتان معنى فقط ستة اقسام لانهما ان كانتا انشائيتين معنى. فاللفظان اما خبران أو الاولى خبر والثانية انشاء أو بالعكس وان كانتا خبريتين معنى فاللفظان اما انشا آن أو الاولى انشاء والثانية خبر أو بالعكس فالمجموع ثمانية اقسام. والمصنف اورد للقسمين الاولين مثاليهما (كقوله تعالى " يخادعون اللّه وهو خادعهم " وقوله " ان الابرار لفى نعيم وان الفجار لفى جحيم ") في الخبريتين لفظا ومعنى الا انهما في المثال الثاني متناسبان في الاسمية بخلاف الاول (وقوله تعالى " كلوا واشربوا ولا تسرفوا ") في الانشائيتين لفظا ومعنى واورد للاتفاق معنى فقط مثالا واحدا واشارة إلى انه يمكن تطبيقه على قسمين من اقسامه الستة واعاد فيه لفظة الكاف تنبيها على انه مثال للاتفاق معنى فقط فقال (وكقوله تعالى واذ اخذنا ميثاق بنى اسرائيل لا تعبدون الا اللّه وبالوالدين احسانا وذى القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا،) فعطف قولوا على لا تعبدون مع اختلافهما لفظا لكونهما انشائيتين معنى لان قوله لا تعبدون اخبار في معنى الانشاء (أي لا تعبدوا). وقوله " وبالوالدين احسانا " لابد له من فعل فاما ان يقدر خبر في معنى الطلب أي (وتحسنون بمعنى احسنوا) فتكون الجملتان خبرا ولفظا وانشاء معنى وفائدة تقدير الخبر. ثم جعله بمعنى الانشاء اما لفظا فالملايمة مع قوله لا تعبدون واما معنى فالمبالغة باعتبار ان المخاطب كأنه سارع إلى الامتثال فهو يخبر عنه كما تقول تذهب إلى فلان وتقول له كذا تريد الامر (أو) يقدر من اول الامر صريح الطلب على ما هو الظاهر أي (واحسنوا) بالوالدين احسانا فتكونان انشائيتين معنى مع ان لفظة الاولى اخبار ولفظة الثانية انشاء (والجامع بينهما) أي بين الجملتين (يجب ان يكون باعتبار المسند اليهما والمسندين جميعا) أي باعتبار المسند إليه في الجملة الاولى والمسند إليه في الجملة الثانية وكذا باعتبار المسند في الجملة الاولى والمسند في الجملة الثانية (نحو " يشعر زيد ويكتب ") للمناسبة الظاهرة بين الشعر والكتابة وتقارنهما في خيال اصحابهما (ويعطى) زيد (ويمنع) لتضاد الاعطاء والمنع. هذا عند اتحاد المسند اليهما، واما عند تغاير هما فلابد من تناسبهما ايضا كما اشار إليه بقوله (زيد شاعر وعمرو كاتب وزيد طويل وعمرو قصير لمناسبة بينهما). أي بين زيد وعمرو كالاخوة أو الصداقة أو العداوة أو نحو ذلك وبالجملة يجب ان يكون احدهما مناسبا للاخر وملابسا له ملابسة لها نوع اختصاس بهما (بخلاف زيد كاتب وعمرو شاعر بدونها) أي بدون المناسبة بين زيد وعمرو فانه لا يصح وان اتحد المسندان ولهذا حكموا بامتناع نحو خفى ضيق وخاتمي ضيق (وبخلاف زيد شاعر وعمرو طويل مطلقا) أي سواء كان بين زيد وعمرو ومناسبة أو لم تكن لعدم تناسب الشعر وطول القامة (السكاكى) ذكر انه يجب ان يكون بين الجملتين ما يجمعهما عند القوة المفكرة جمعا من جهة العقل وهو الجامع العقلي أو من جهة الوهم وهو الجامع الوهمي أو من جهة الخيال وهو الجامع الخيالي. والمراد بالعقلى القوة العاقلة المدركة للكليات وبالوهمى القوة المدركة للمعانى الجزئية الموجودة في المحسوسات من غير ان تتأدى إليها من طرق الحواس كادراك الشاة معنى في الذئب وبالخيال القوة التى تجتمع فيها صور المحسوسات وتبقى فيها بعد غيبوبتها عن الحس المشترك وهى القوة التى تتأدى إليها صور المحسوسات من طرق الحواس الظاهرة وبالمفكرة القوة التى من شانها التفصيل والتركيب بين الصور المأخوذة عن الحس المشترك والمعاني المدركة بالوهم بعضها مع بعض ونعنى بالصور ما يمكن ادراكها باحدى الحواس الظاهرة وبالمعانى ما لا يمكن ادراكها. فقال السكاكى الجامع بين الجملتين اما عقلي وهو ان يكون بين الجملتين اتحاد في تصور ما مثل الاتحاد في المخبر عنه أو في المخبر به أو في قيد من قيودهما وهذا ظاهر في ان المراد بالتصور الامر المتصور. ولما كان مقررا عندهم انه لا يكفى في عطف الجملتين وجود الجامع بين فردين من مفرداتهما باعتراف السكاكى ايضا غير المصنف عبارة السكاكى. فقال (الجامع بين الشيئين اما عقلي) وهو امر بسببه يقتضى العقل اجتماعهما في المفكرة وذلك (بان يكون بينهما اتحاد في التصور أو تماثل فان العقل بتجريده المثلين عنن التشخص في الخارج يرفع التعدد) بينهما فيصيران متحدين وذلك لان العقل يجرد الجزئي الحقيقي عن عوارضه المشخصة الخارجية وينتزع منه المعنى الكلى فيدركه على ما تقرر في موضعه وانما قال في الخارج لانه لا يجرده عن المشخصات العقلية لان كل ما هو موجود في العقل فلابد له من تشخص عقلي به يمتاز عن سائر المعقولات. وههنا بحث وهو ان التماثل هو الاتحاد في النوع مثل اتحاد زيد وعمرو مثلا في الانسانية وإذا كان التماثل جامعا لم تتوقف صحة قولنا زيد كاتب وعمرو وشاعر على اخوة زيد وعمرو أو صداقتهما أو نحو ذلك لانهما متماثلان لكونهما من افراد الانسان. والجواب ان المراد بالتماثل ههنا هو اشتراكهما في وصف له نوع اختصاص بهما على ما سيتضح في باب التشبيه (أو تضايف) وهو كون الشيئين بحيث لا يمكن تعقل كل منهما الا بالقياس إلى تعقل الاخر (كما بين العلة والمعلول) فان كل امر يصدر عنه امر آخر بالاستقلال أو بواسطة انضمام الغير إليه فهو علة والاخر معلول (أو الاقل والاكثر) فان كل عدد يصير عند العد فانيا قبل عدد آخر فهو اقل من الاخر والاخر اكثر منه (أو وهمى) وهو امر بسببه يحتال الوهم في اجتماعهما عند المفكرة بخلاف العقل فانه إذا خلى ونفسه لم يحكم بذلك وذلك (بان يكون بين تصوريهما شبه تماثل كلوني بياض وصفرة فان الوهم يبرزهما في معرض المثلين) من جهة انه يسبق إلى الوهم انهما نوع واحد زيد في احدهما عارض بخلاف العقل فانه يعرف انهما نوعان متباينان داخلان تحت جنس هو اللون (ولذلك) أي ولان الوهم يبر زهما في معرض المثلين (حسن الجمع بين الثلاثة التى في قوله: ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها * شمس الضحى وابو اسحق والقمر ") فان الوهم يتوهم ان الثلاثة من نوع واحد وانما اختلفت بالعوارض والعقل يعرف انها امور متباينة (أو) يكون بين تصوريهما (تضاد) وهو التقابل بين امرين وجوديين يتعاقبان على محل واحد (كالسواد والبياض) في المحسوسات (الايمان والكفر) في المعقولات والحق ان بينهما تقابل العدم والملكة لان الايمان هو تصديق النبي عليه الصلاة والسلام في جميع ما علم مجيئه به بالضرورة اعني قبول النفس لذلك والاذعان له على ما هو تفسير التصديق في المنطق عند المحققين مع الاقرار به باللسان والكفر عدم الايمان عما من شانه الايمان. وقد يقال الكفر انكار شئ من ذلك فيكون وجوديا فيكونان متضادين (وما يتصف بها) أي بالمذكورات كالاسود والابيض والمؤمن والكافر وامثال ذلك فانه قد يعد من المتضادين باعتبار الاشتمال على الوصفين المتضادين (أو شبه تضاد كالسماء والارض) في المحسوسات فانهما وجوديان احدهما في غاية الارتفاع والاخر في غاية الانحطاط، ٧٥ وهذا معنى شبه التضاد وليسا متضادين لعدم تواردهما على المحل لكونهما من الاجسام دون الاعراض ولا من قبيل الاسود والابيض لان الوصفين المتضادين ههنا ليسا بداخلين في مفهومي السماء والارض (والاول والثانى) فيما يعم المحسوسات والمعقولات فان الاول هو اللذى يكون سابقا على الغير ولا يكون مسبوقا بالغير والثانى هو الذى يكون مسبوقا بواحد فقط فاشبها المتضادين باعتبار اشتمالهما على وصفين لا يمكن اجتماعهما ولم يجعلا متضادين كالاسود والابيض لانه قد يشترط في المتضادين ان يكون بينهما غاية الخلاف. ولا يخفى ان مخالفة الثالث والرابع وغيرهما للاول اكثر من مخالفة الثاني له مع ان العدم معتبر في مفهوم الاول فلا يكون وجوديا (فانه) أي انما يجعل التضاد وشبهه جامعا وهميا لان الوهم (ينزلهما منزلة التضائف) في انه لا يحضره احد المتضادين أو الشبيهين بهما الا ويحضره الآخر (ولذلك تجد الضد اقرب خطورا بالبال مع الضد) من المغايرات الغير المتضادة يعنى ان ذلك مبنى على حكم الوهم والا فالعقل يتعقل كلا منهما ذاهلا عن الآخر (أو خيالي) وهو امر بسببه يقتضى الخيال اجتماعهما في المفكرة وذلك (بان يكون بين تصوريهما تقارن في الخيال سابق) على العطف لاسباب مؤدية إلى ذلك (واسبابه) أي واسباب التقارن في الخيال (مختلفة ولذلك اختلفت الصور الثابتة في الخيالات ترتيبا وضوحا) فكم من صور لا انفكاك بينها في خيال وهى في خيال آخر مما لا تجتمع اصلا وكم من صور لا تغيب عن خيال وهى في خيال آخر مما لا تقع قط. (ولصاحب علم المعاني فضل احتياج إلى معرفة الجامع) لان معظم ابوابه الفصل والوصل وهو مبنى على الجامع (لاسيما) الجامع (الخيالي فان جمعه على مجرى الالف والعادة) بحسب انعقاد الاسباب في اثبات الصور في خزانة الخيال وبيان الاسباب مما يفوته الحصر. فظهر ان ليس المراد بالجامع العقلي ما يدرك بالعقل وبالوهمى ما يدرك بالوهم وبالخيالي ما يدرك بالخيال لان التضاد وشبهه ليسا من المعاني التى يدركها الوهم وكذا التقارن في الخيال ليس من الصور التى تجتمع في الخيال بل جميع ذلك معان معقولة وقد خفى هذا على كثير من الناس فاعترضوا بان السواد والبياض مثلا من المحسوسات دون الوهميات. واجابوا بان الجامع كون كل منهما متضادا للآخر وهذا معنى جزئي لا يدركه الا الوهم. وفيه نظر لانه ممنوع وان ارادوا ان تضاد هذا السواد لهذا البياض معنى جزئي فتماثل هذا مع ذلك وتضائفه معه ايضا معنى جزئي فلا تفاوت بين التماثل والتضائف وشبههما في انهما ان اضيفت إلى الكليات كانت كليات وان اضيفت إلى الجزئيات كانت جزئيات فكيف يصح جعل بعضها علي الاطلاق عقليا وبعضها وهميا. ثم ان الجامع الخيالي هو تقارن الصور في الخيال وظاهر انه ليس بصورة ترتسم في الخيال بل هو من المعاني. فان قلت كلام المفتاح مشعر بانه يكفى لصحة العطف وجود الجامع بين الجملتين باعتبار مفرد من مفرداتهما وهو نفسه معترف بفساد ذلك حيث منع صحة نحو خفى ضيق وخاتمي ضيق ونحو الشمس مرارة الارنب والف باذنجانة محدثة. قلت كلامه ههنا ليس الا في بيان الجامع بين الجملتين واما ان أي قدر من الجامع يجب لصحة العطف فمفوض إلى موضع آخر. وصرح فيه باشتراط المناسبة بين المسندين والمسند اليهما جميعا والمصنف لما اعتقد ان كلامه في بيان الجامع سهو منه واراد اصلاحه غيره إلى ما ترى فذكر مكان الجملتين الشيئين ومكان قوله اتحاد في تصور ما اتحاد في التصور فوقع الخلل في قوله الوهمي ان يكون بين تصوريهما شبه تماثل أو تضاد أو شبه تضاد والخيالى ان يكون بين تصوريهما تقارن في الخيال لان التضاد مثلا انما هو بين نفس السواد والبياض لابين تصوريهما اعني العلم بهما وكذا التقارن في الخيال انما هو بين نفس الصور. فلابد من تأويل كلام المصنف وحمله على ما ذكره السكاكى بان يراد بالشيئين الجملتان وبالتصور مفرد من مفردات الجملة مع ان ظاهر عبارته يأبى ذلك ولبحث الجامع زيادة تفصيل وتحقيق اوردناها في الشرح وانه من المباحث التى ما وجدنا احدا حام حول تحقيقها. (ومن محسنات الوصل) بعد وجود المصحح (تناسب الجملتين في الاسمية والفعلية و) تناسب (الفعليتين في المضى والمضارعة). فإذا اردت مجرد الاخبار من غير تعرض للتجدد في احديهما والثبوت في الاخرى قلت قام زيد وقعد عمرو وكذلك زيد قائم وعمرو قاعد (الا لمانع) مثل ان يراد في احديهما التجدد وفى الاخرى الثبوت فيقال قام زيد وعمرو قاعد أو يراد في احديهما المضى وفى الاخرى المضارعة فيقال زيد قام وعمرو يعقد أو يراد في احديهما الاطلاق وفى الاخرى التقييد بالشرط كقوله تعالى وقالوا لولا انزل عليه ملك ولو انزلنا ملكا لقضى الامر، ومنه قوله تعالى فإذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون فعندي ان قوله ولا يستقدمون عطف على الشرطية قبلها لا على الجزاء اعني قوله لا يستأخرون إذ لا معنى لقولنا إذا جاء اجلهم لا يستقدمون. تذنيب هو جعل الشئ ذنابة للشئ شبه به ذكر بحث الجملة الحالية وكونها بالواو تارة وبدونها اخرى عقيب بحث الفصل والوصل لمكان التناسب (اصل الحال المنتقلة) أي الكثير الراجح فيها كما يقال الاصل في الكلام الحقيقة (ان تكون بغير واو) واحترز بالمنتقلة عن المؤكدة المقررة لمضمون الجملة فانها يجب ان تكون بغير واو البتة لشدة ارتباطها بمقابلها. وانما كان الاصل في المنتقلة الخلو عن الواو (لانها في المعنى حكم على صاحبها كالخبر) بالنسبة إلى المبتدأ فان قولك جاءني زيد راكبا اثبات الركوب لزيد كما في زيد راكب الا انه في الحال على سبيل التبعية وانما المقصود اثبات المجئ وجئت بالحال لتزيد في الاخبار عن المجئ هذا المعنى (ووصف له) أي ولانها في المعنى وصف لصاحبها (كالنعت) بالنسبة إلى المنعوت الا ان المقصود في الحال كون صاحبها على هذا الوصف حال مباشرة الفعل فهى قيد للفعل وبيان لكيفية وقوعه بخلاف النعت فانه لا يقصد به ذلك بل مجرد اتصاف المنعوت به وإذا كانت الحال مثل الخبر والنعت فكما انهما يكونان بدون الواو فكذلك الحال. واما ما اورده بعض النحويين من الاخبار والنعوت المصدرة بالواو كالخبر في باب كان والجملة الوصفية المصدرة بالواو التى تسمى واو تأكيد للصوق الصفة بالموصوف فعلى سبيل التشبيه والالحاق بالحال (لكن خولف) هذا الاصل (إذا كانت) الحال (جملة فانها) أي الجملة الواقعة حالا (من حيث هي جملة مستقلة بالافادة) من غير ان تتوقف على التعليق بما قبلها. وانما قال من حيث هي جملة لانها من حيث هي حال غير مستقلة بل متوقفة على التعليق بكلام سابق قصد تقييده بها (فتحتاج) الجلمة الواقعة حالا (إلى ما يربطها بصاحبها) الذى جعلت حالا عنه (وكل من الضمير والواو صالح للربط والاصل) الذى لا يعدل عنه ما لم تمس حاجة إلى زيادة ارتباط (هو الضمير بدليل) الاقتصار عليه في الحال (المفردة والخبر والنعت فالجملة) التى تقع حالا (ان خلت عن ضمير صاحبها) الذى تقع هي حالا عنه (وجب فيها الواو) ليحصل الارتباط فلا يجوز خرجت زيد قائم. ولما ذكر ان كل جملة خلت عن الضمير وجبت فيها الواو اراد ان يبين ان أي جملة يجوز ذلك فيها واى جملة لا يجوز ذلك فقال (وكل جملة خالية عن ضمير ما) أي الاسم الذى (يجوز ان ينتصب عنه حال) وذلك بان يكون فاعلا أو مفعولا معرفا أو منكرا مخصوصا لا نكرة محضة أو مبتدأ أو خبرا فانه لا يجوز ان ينتصب عنه حال على الاصل. وانما لم يقل عن ضمير صاحب الحال لان قوله كل جملة مبتدأ وخبره قوله (يصح ان تقع) تلك الجملة (حالا عنه) أي عما يجوز ان ينتصب عنه حالا (بالواو) وما لم يثبت له هذا الحكم اعني وقوع الحال عنه لم يصح اطلاق اسم صاحب الحال عليه الا مجازا. وانما قال ينتصب عنه حال ولم يقل يجوز ان تقع تلك الجملة حالا عنه لتدخل فيه الجملة الخالية عن الضمير المصدرة بالمضارع المثبت لان ذلك الاسم مما لا يجوز ان تقع تلك الجملة حالا عنه لكنه مما يجوز ان ينتصب عنه حال في الجملة وحينئذ يكون قوله كل جملة خالية عن ضمير ما يجوز ان ينتصب عنه حالا متنا ولا للمصدرة بالمضارع الخالية عن الضمير المذكور فيصح استثناؤها بقوله (الا المصدرة بالمضارع المثبت نحو جاء زيد ويتكلم عمرو) فانه لا يجوز ان يجعل ويتكلم عمرو حالا عن زيد (لما سيأتي) من ان ربط مثلها يجب ان يكون بالضمير فقط. ولا يخفى ان المراد بقوله كل جملة الجملة الصالحة للحالية في الجملة بخلاف الانشائيات فانها لا تقع حالا البتة لا مع الواو ولا بدونها ٧٦ (والا) عطف على قوله ان خلت أي وان لم تخل الجملة الحالية عن ضمير صاحبها (فان كانت فعلية والفعل مضارع مثبت امتنع دخولها) أي الواو (نحو ولا تمنن تستكثر) أي ولا تعط حال كونك تعد ما تعطيه كثيرا (لان الاصل) في الحال هي الحال (المفردة) لعراقة المفرد في الاعراب وتطفل الجملة عليه لوقوعها موقعه (وهى) أي المفردة (تدل على حصول صفة) أي معنى قائم بالغير لانها لبيان الهيئة التى عليها الفاعل أو المفعول والهيئة معنى قائم بالغير (غير ثابتة) لان الكلام في الحال المستقلة (مقارن) ذلك الحصول (لما جعلت) الحال (قيدا له) يعنى العامل لان الغرض من الحال تخصيص وقوع مضمون عاملها بوقت حصول مضمون الحال وهذا معنى المقارنة. (وهو) أي المضارع المثبت (كذلك) أي دال على حصول صفة غير ثابتة مقارن لما جعلت قيدا له جعلت قيدا له كالمفردة فتمتنع الواو فيه كما في المفردة (اما الحصول) أي اما دلالة المضارع المثبت على حصول صفة غير ثابتة (فلكونه فعلا) فيدل على التجدد وعدم الثبوت (مثبتا) فيدل على الحصول (واما المقارنة فلكونه مضارعا) فيصلح للحال كما يصلح للاستقبال. وفيه نظر لان الحال التى يدل عليها المضارع هو زمان التكلم وحقيقته اجزاء متعاقبة من اواخر الماضي واوائل المستقبل والحال التى نحن بصددها يجب ان يكون مقارنة لزمان مضمون الفعل المقيد بالحال ماضيا كان أو حالا أو استقبالا فلا دخل للمضارعة في المقارنة فالاولى ان يعلل امتناع الواو في المضارع المثبت بانه على وزن اسم الفاعل لفظا وبتقديره معنى (واما ما جاء من نحو) قول بعض العرب (قمت واصك وجهه وقوله فلما خشيت اظافيرهم) أي اسلحتهم (نجوت وارهنهم مالكا فقيل) انما جاء الواو في المضارع المثبت الواقع حالا (على) اعتبار (حذف المبتدأ) لتكون الجملة اسمية (أي وانا اصك وانا ارهنهم) كما في قوله تعالى لم تؤذونني وقد تعلمون انى رسول اللّه اليكم أي وانتم قد تعلمون. (وقيل الاول) أي قمت واصك وجهه (شاذ والثانى) أي نجوت وارهنهم (ضرورة وقال عبد القاهر هي) الواو (فيهما للعطف) لا للحال إذ ليس المعنى قمت صاكا وجهه ونجوت راهنا مالكا بل المضارع بمعنى الماضي (والاصل) قمت (وصككت) ونجوت ورهنت (عدل) عن لفظ الماضي (إلى) لفظ (المضارع حكاية للحال) الماضية ومعناها ان يفرض ما كان في الزمان الماضي واقعا في هذا الزمان فيعبر عنه بلفظ المضارع (وان كان الفعل) مضارعا (منفيا فالامر ان جايزان) الواو وتركه (كقرائة ابن ذكوان فاستقيما ولا تتبعان، بالتخفيف) أي بتخفيف النون ولا تتبعان فيكون لا للنفي دون النهى لثبوت النون التى هي علامة الرفع فلا يصح عطفه على الامر الذى قبله فيكون الواو للحال بخلاف قرائة العامة ولا تتبعان بالتشديد فانه نهى مؤكد معطوف على الامر قبله (ونحو قوله تعالى ٧٧ ومالنا) أي أي شئ ثبت لنا (لا نؤمن باللّه) أي حالكوننا غير مؤمنين فالفعل المنفى حال بدون الواو. وانما جاز فيه الامران (لدلالته على المقارنة لكونه مضارعا دون الحصول لكونه منفيا) والمنفى انما يدل مطابقة على عدم الحصول (وكذا) يجوز الواو وتركه (ان كان) الفعل (ماضيا لفظا أو معنى كقوله تعالى) اخبارا عن زكريا عليه السلام (انى يكون لى غلام وقد بلغني الكبر) بالواو (وقوله أو جاؤكم حصرت صدورهم) بدون الواو هذا في الماضي لفظا. واما الماضي معنى فالمراد به المضارع المنفى بلم أو لما فانهما تقلبان معنى المضارع إلى الماضي فاورد للمنفى بلم مثالين احدهما مع الواو والاخر بدونه واقتصر في المنفى بلما على ما هو بالواو وكانه لم يطلع على مثال ترك الواو وفيه الا انه مقتضى القياس اشار إلى امثلة ذلك فقال. (وقوله انى يكون لى غلام ولم يمسسني بشر، وقوله فانقلبوا بنعمة من اللّه وفضل لم يمسسهم سوء، وقوله ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذى خلوا من قبلكم، اما المثبت) أي اما جواز الامرين في الماضي المثبت (فلدلالته على الحصول) يعنى حصول صفة غير ثابتة (لكونه فعلا مثبتا دون المقارنة لكونه ماضيا) فلا يقارن الحال. (ولهذا) أي ولعدم دلالته على المقارنة (شرط ان يكون مع قد ظاهرة) كما في قوله تعالى وقد بلغني الكبر (أو مقدرة) كما في قوله تعالى حصرت صدورهم لان قد تقرب الماضي من الحال والاشكال المذكور وارد ههنا وهو ان الحال التى نحن بصددها غير الحال التى تقابل الماضي وتقرب قد الماضي منها فتجوز المقارنة إذا كان الحال والعامل ماضيين ولفظ قد انما تقرب الماضي من الحال التى هي زمان التكلم. وربما تبعده عن الحال التى نحن بصددها كما في قولنا جاءني زيد في السنة الماضية وقد ركب فرسه، والاعتذار عن ذلك مذكور في الشرح. ٧٨ (واما المنفى) أي اما جواز الامرين في الماضي المنفى (فلدلالته على المقارنة دون الحصول اما الاول) أي دلالته على المقارنة (فلان لما للاستغراق) أي لامتداد النفى ؟ ؟ حين الانتفاء إلى زمان التكلم (وغيرها) أي غير لما مثل لما وما (لانتفاء متقدم) على زمان التكلم (ان الاصل استمراره) أي استمرار ذلك الانتفاء لما سيجئ حتى تظهر قرينة على الانقطاع كما في قولنا لم يضرب زيد امس لكنه ضرب اليوم (فيحصل به) أي باستمرار النفى أو بان الاصل فيه الاستمرار (الدلالة عليها) أي على المقارنة (عند الاطلاق) وترك التقييد بما يدل على انقطاع ذلك الانتفاء (بخلاف المثبت فان وضع الفعل على افادة التجدد) من غير ان يكون الاصل استمراره. فإذا قلت ضرب مثلا كفى في صدقه وقوع الضرب في جزء من اجزاء الزمان الماضي. وإذا قلت ما ضرب افاد استغراق النفى لجميع اجزاء الزمان الماضي لكن لا قطعيا بخلاف لما وذلك لانهم قصدوا ان يكون الاثبات والنفى في طرفي النقيض. ولا يخفى ان الاثبات في الجملة انما ينافيه النفى دائما. (وتحقيقه) أي تحقيق هذا الكلام (ان استمرار العدم لا يفتقر إلى سبب بخلاف استمرار الوجود) يعنى ان بقاء الحادث وهو استمرار وجوده يحتاج إلى سبب موجود لانه وجود عقيب وجود ولابد للوجود الحادث من السبب بخلاف استمرار العدم فانه عدم فلا يحتاج إلى وجود سبب بل يكفيه مجرد انتفاء سبب الوجود والاصل في الحوادث العدم حتى توجد عللّها. وبالجملة لما كان الاصل في المنفى الاستمرار حصلت من الاطلاق الدلالة على المقارنة. (واما الثاني) أي عدم دلالته على الحصول (فلكونه منفيا) هذا إذا كانت الجملة فعلية (وان كانت اسمية فالمشهور جواز تركها) أي الواو (لعكس ما مر في الماضي المثبت) أي لدلالة الاسمية على المقارنة لكونها مستمرة لا على حصول صفة غير ثابتة لدلالتها على الدوام والثبات (نحو كلمته فوه إلى في) بمعنى مشافها. (و) ايضا المشهور (ان دخولها) أي الواو (اولى) من تركها (لعدم دلالتها) أي الجملة الاسمية (على عدم الثبوت مع ظهور الاستيناف فيها فحسن زيادة رابطة نحو فلا تجعلوا للّه اندادا وانتم تعلمون،) أي وانتم من اهل العلم والمعرفة وانتم تعلمون ما بينهما من التفاوت (وقال عبد القاهر ان كان المبتدأ) في الجملة الاسمية الحالية (ضمير ذى الحال وجبت) أي الواو سواء كان خبره فعلا (نحو جاء زيد وهو يسرع أو) اسما نحو جاء زيد (وهو مسرع). وذلك لان الجملة لا تترك فيها الواو حتى تدخل في صلة العامل وتنضم إليه في الاثبات وتقدر تقدير المفرد في ان لا يستأنف لها الاثبات وهذا مما يمتنع في نحو جاء زيد وهو يسرع أو وهو مسرع لانك إذا اعدت ذكر زيد وجئت بضميره المنفصل المرفوع كان بمنزلة اعادة اسمه صريحا في انك لا تجد سبيلا إلى ان تدخل يسرع في صلة المجئ وتضمه إليه في الاثبات لان اعادة ذكره لا تكون حتى تقصد استيناف الخبر عنه بانه يسرع والا لكنت تركت المبتدأ بمضيعة وجعلته لغوا في البين وجرى مجرى ان تقول جاءني زيد وعمرو يسرع امامه ثم تزعم انك لم تستأنف كلاما ولم تبتدأ للسرعه اثباتا. وعلى هذا فالاصل والقياس ان لا تجئ الجملة الاسمية الا مع الواو وما جاء بدونه فسبيله سبيل الشئ الخارج عن قياسه واصله بضرب من التأويل ونوع من التشبيه. هذا كلامه في دلائل الاعجاز وهو مشعر بوجوب الواو في نحو جاءني زيد وزيد يسرع أو مسرع امامه وجاء زيد وعمرو يسرع أو مسرع امامه بالطريق الاولى ثم قال الشيخ (وان جعل نحو على كتفه سيف حالا كثر فيها) أي في تلك الحال (تركها) أي ترك الواو (نحو) قول بشار: إذا انكرتني بلدة أو نكرتها ٧٩ (خرجت مع البازى على سواد) أي بقية من الليل يعنى إذا لم يعرف قدري اهل بلدة أو لم اعرفهم خرجت منهم مصاحبا للبازى الذى هو ابكر الطيور مشتملا على شئ من ظلمة الليل غير منتظر لاسفار الصبح فقوله على سواد حال ترك فيها الواو. ثم قال الشيخ الوجه ان يكون الاسم في مثل هذا فاعلا بالظرف لاعتماده على ذى الحال لا مبتدأ وينبغى ان يقدر ههنا خصوصا ان الظرف في تقدير اسم الفاعل دون الفعل اللّهم ان لا يقدر فعل ماض هذا كلامه وفيه بحث والظاهر ان مثل على كتفه سيف يحتمل ان يكون في تقدير المفرد وان يكون جملة اسمية قدم خبرها وان يكون فعلية مقدرة بالماضي أو المضارع فعل التقديرين يمتنع الواو وعلى التقديرين لا تجب الواو فمن اجل هذا كثر تركها، وقال الشيخ ايضا (ويحسن الترك) أي ترك الواو في الجملة الاسمية (تارة لدخول حرف على المبتدأ) يحصل بذلك الحرف نوع من الارتباط (كقوله: فقلت عسى ان تبصريني كأنما * بنى حوالى الاسود الحوارد ") من حرد إذا غضب فقوله بنى الاسود جملة اسمية وقعت حالا من مفعول تبصريني ولو لا دخول كانما عليها لم يحسن الكلام الا بالواو وقوله حوالى أي في اكنافي وجوانبي حال من بنى لما في حرف التشبيه من معنى الفعل (و) يحسن الترك تارة اخرى (لوقوع الجملة الاسمية) الواقعة حالا (بعقب مفرد) حال (كقوله: " اللّه يبقيك لنا سالما * بر داك تبجيل وتعظيم ") فقوله برداك تبجيل حال ولو لم يتقدمها قوله سالما لم يحسن فيها ترك الواو. ١-٨الايجاز والاطناب والمساواةالباب الثامن الايجاز والاطناب والمساواة (قال السكاكى اما الايجاز والاطناب فلكونهما نسبيين) أي من الامور النسبية التي يكون تعلقها بالقياس إلى تعقل شي آخر فان الموجز انما يكون موجزا بالنسبة إلى كلام ازيد منه وكذا المطنب انما يكون مطنبا بالنسبة إلى ما هو انقض منه (لا يتسير الكلام فيها الا بترك التحقيق والتعيين) أي لا يمكن التنصيص على ان هذا المقدار من الكلام ايجاز وذلك اطناب اذرب كلام موجز يكون مطنبا بالنسبة إلى كلام آخر وبالعكس. (والبناء على امر عرفى) أي والا بالبناء على امر يعرفه اهل العرف (وهو متعارف الاوساط) الذين ليسوا في مرتبة البلاغة ولا في غاية الفهاهة (أي كلامهم في مجرى عرفهم في تأديه المعاني) عند المعاملات والمحاورات (وهو) أي هذا الكلام (لا يحمد) من الاوساط (في باب البلاغة) لعدم رعاية مقتضيات الاحوال (ولا يذم) ايضا منهم لان غرضهم تأديه اصل المعنى بدلالات وضعية والفاظ كيف كانت ومجرد تأليف يخرجها عن حكم النعيق. (فالايجاز اداء المقصود باقل من عبارة المتعارف ٨٠ والاطناب اداؤه باكثر منها ثم قال) أي السكاكى (الاختصار لكونه نسبيا يرجع فيه تارة إلى ما سبق) أي إلى كون عبارة المتعارف اكثر منه (و) يرجع تارة (اخرى إلى كون المقام خليقا بابسط مما ذكر) أي من الكلام الذى ذكره المتكلم. وتوهم بعضهم ان المراد بما ذكر متعارف الاوساط وهو غلط لا يخفى على من له قلب أو القى السمع وهو شهيد يعنى كما ان الكلام يوصف بالايجاز لكونه اقل من المتعارف كذلك يوصف به لكونه اقل مما يقتضيه المقام بحسب الظاهر، وانما قلنا بحسب الظاهر لانه لو كان اقل مما يقتضيه المقام ظاهرا وتحقيقا لم يكن في شئ من البلاغة مثاله قوله تعالى رب انى وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا، من الاية فانه اطناب بالنسبة إلى المتعارف اعني قولنا يا رب شخت وايجاز بالنسبة إلى مقتضى المقام ظاهرا لانه مقام بيان انقراض الشباب والمام المشيب فينبغي ان يبسط فيه الكلام غاية البسط فالايجاز معنيان بينهما عموم من وجه. (وفيه نظر لان كون الشئ امرا نسبيا لا يقتضى تعسر تحقيق معناه) إذ كثيرا ما تحقق معاني الامور النسبية وتعرف بتعريفات تليق بها كالابوة والاخوة وغيرهما. والجواب انه لم يرد تعسر بيان معناهما لان ما ذكر بيان لمعناها بل اراد تعسر التحقيق والتعيين في ان هذا القدر ايجاز وذلك اطناب (ثم البناء على المتعارف والبسط الموصوف) بان يقال الايجاز هو الاداء باقل من المتعارف أو مما يليق بالمقام من كلام ابسط من الكلام المذكور (رد إلى الجهالة) إذ لا تعرف كمية متعارف الاوساط وكيفيتها لاختلاف طبقاتهم ولا يعرف ان كل مقام أي مقدار يقتضى من البسط حتى يقاس عليه ويرجع إليه. والجواب ان الالفاظ قوالب المعاني والاوساط الذين لا يقدرون في تأديه المعاني على اختلاف العبارات والتصرف في لطائف الاعتبارات لهم حد معلوم من الكلام يجرى فيما بينهم في المحاورات و ؟ ؟ وهذا معلوم للبلغاء وغيرهم فالبناء على المتعارف واضح بالنسبة اليهما جميعا. واما البناء على البسط الموصوف فانما هو معلوم للبلغاء العارفين لمقتضيات الاحوال بقدر ما يمكن لهم البسط فلا يجهل عندهم ما يقتضيه كل مقام من مقدار البسط. (والا قرب) إلى الصواب (ان يقال المقبول من طرق التعبير عن المراد تأدية اصله بلفظ مساوله) أي لاصل المراد (أو) بلفظ (ناقص عنه واف أو بلفظ زائد عليه لفائدة) فالمساواة ان يكون اللفظ بمقدار اصل المراد والايجاز ان يكون ناقصا عنه وافيا به والاطناب ان يكون زائدا عليه لفائدة. (واحترز بواف عن الاخلال) وهو ان يكون اللفظ ناقصا عن اصل المراد غير واف به (كقوله والعيش خير في ظلال النوك) أي الحمق والجهالة (ممن عاش كدا) أي خير ممن عاش مكدودا متعوبا (أي الناعم في ظلال العقل) يعنى ان اصل المراد ان العيش الناعم في ظلال النوك خير من العيش الشاق في ظلال العقل ولفظه غير واف بذلك فيكون مخلا فلا يكون مقبولا (و) احترز (بفائدة عن التطويل) وهو ان يزيد اللفظ على الاصل المراد لا لفائدة ولا يكون اللفظ الزائد متعينا (نحو) قوله وقددت الاديم لراهشيه (والفى) أي وجد (قولها كذبا ومينا) والكذب والمين واحد لا فائدة في الجمع بينهما. قوله قددت أي قطعت والراهشان عرقان في باطن الذراعين والضمير في راهشيه وفى الفى لجذيمة الابرش وفى قددت وفى قولها للزباء والبيت في قصة قتل الزباء لجذيمة وهى معروفة (و) احترز ايضا بفائدة (عن الحشو) وهو زيادة معينة لا لفائدة (المفسد) للمعنى (كالندى في قوله ولا فضل فيها) أي في الدنيا. (للشجاعة والندى.. * وصبر الفتى لو لا لقاء شعوب ") هي علم للمنية صرفها للضرورة وعدم الفضيلة على تقدير عدم الموت انما يظهر في الشجاعة والصبر لتيقن الشجاع بعدم الهلاك وتيقن الصابر بزوال المكروه بخلاف الباذل ماله إذا تيقن بالخلود وعرف احتياجه إلى المال دائما فان بذله حينئذ افضل مما إذا تيقن بالموت وتخليف المال وغاية اعتذاره ما ذكره الامام ابن جنى وهو ان في الخلود وتنقل الاحوال فيه من عسر إلى يسر ومن شدة إلى رخاء ما يسكن النفوس ويسهل البؤس فلا يظهر لبذل المال كثير فضل ٨١ (و) عن الحشو (غير المفسد) للمعنى. (كقوله واعلم علم اليوم والامس قبله)، ولكننى عن علم ما في غد عمى، فلفظ قبله حشو غير مفسد وهذا بخلاف ما يقال ابصرته بعينى وسمعته باذنى وكتبته بيدى في مقام يفتقر إلى التأكيد. (المساواة) قدمها لانها الاصل المقيس عليه (نحو ولا يحيق المكر السيئى الا باهله، وقوله: فانك كالليل الذى هو مدركى * وان خلت ان المنتأى عنك واسع ") أي موضع البعد عنك ذو سعة شبهه في حال سخطه وهو له بالليل، قيل في الاية حذف المستثنى منه وفى البيت حذف جواب الشرط فيكون في كل منهما ايجازا لا مساواة. وفيه نظر لان اعتبار هذا الحذف رعاية لامر لفظي لا يفتقر إليه في تأدية اصل المراد حتى لو صرح به لكان اطنابا بل تطويلا. وبالجملة لا نسلم ان لفظ الاية والبيت ناقص عن اصل المراد. والايجاز (ضربان) (ايجاز القصر وهو ما ليس بحذف نحو قوله تعالى ولكم في القصاص حيوة، فان معناه كثير ولفظه يسير) وذلك لان معناه ان الانسان إذا علم انه متى قتل قتل كان ذلك داعيا له إلى الا يقدم على القتل فارتفع بالقتل الذى هو القصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض وكان بارتفاع القتل حياة لهم. (ولا حذف فيه) أي ليس فيه حذف شئ مما يؤدى به اصل المراد واعتبار الفعل الذى يتعلق به الظرف رعاية لامر لفظي حتى لو ذكر لكان تطويلا (وفضله) أي رجحان قوله ولكم في القصاص حيوة (على ما كان عندهم أو جز كلام في هذا المعنى وهو) قولهم (القتل انفي للقتل بقلة حروف ما يناظره) أي اللفظ الذى يناظر قولهم القتل انفي للقتل (منه) أي من قوله تعالى ولكم في القصاص حيوة وما يناظره منه هو قوله في القصاص حيوة لان قوله ولكم زائد على معنى قولهم القتل انفي للقتل. فحروف في القصاص حياة مع التنوين احد عشر وحروف القتل انفي للقتل اربعة عشرة اعني الحروف الملفوظة إذ بالعبارة يتعلق الايجاز لا بالكتابة ٨٢ (والنص) أي وبالنص (على المطلوب) يعنى الحياة (وما يفيده تنكير حيوة من التعظيم لمنعه) أي منع القصاص اياهم (عما كانوا عليه من قتل جماعة بواحد) فحصل لهم في هذا الجنس من الحكم اعني القصاص حيوة عظيمة (أو) من النوعية أي لكم في القصاص نوع من الحياة وهى الحياة (الحاصلة للمقتول) أي الذى يقصد قتله (والقاتل) أي الذى يقصد القتل (بالارتداع) عن القتل لمكان العلم بالاقتصاص (واطراده) أي ويكون قوله ولكم في القصاص حيوة مطردا إذا الاقتصاص مطلقا سبب للحياة بخلاف القتل فانه قد يكون انفي للقتل كالذى على وجه القصاص وقد يكون ادعى له كالقتل ظلما (وخلوه عن التكرار) بخلاف قولهم فانه يشتمل على تكرار القتل. ولا يخفى ان الخالى عن التكرار افضل من المشتمل عليه وان لم يكن مخلا بالفصاحة (واستغنائه عن تقدير محذوف) بخلاف قولهم فان تقديره القتل انفي للقتل من تركه (والمطابقة) أي وباشتماله على صنعة المطابقة وهي الجمع بين معنيين متقابلين في الجملة كالقصاص والحياة (وايجاز الحذف) عطف على قوله ايجاز القصر. (والمحذوف اما جزء جملة) عمدة كان أو فضلة (مضاف) بدل من جزء جملة (نحو واسأل القرية) اي اهل القرية (أو موصوف نحو انا ابن جلا) وطلاع الثنايا، متى اضع العمامة تعرفوني، الثنية العقبة وفلان طلاع الثنايا أي ركاب لصعاب الامور وقوله جلا جملة وقعت صفة لمحذوف (أي) انا ابن (رجل جلا) أي انكشف امره أو كشف الامور. وقيل جلا ههنا علم وحذف التنوين باعتبار انه منقول عن الجملة اعني الفعل مع الضمير لا عن الفعل وحده (أو صفة نحو وكان وراء هم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) أي كل سفينة (صحيحة أو نحوها) كسليمة أو غير معيبة (بدليل ما قبله) وهو قوله فاردت ان اعيبها لدلالته على ان الملك كان لا يأخذ المعيبة (أو شرط كما مر) في اخر باب الانشاء (أو جواب شرط) وحذفه يكون ٨٣ (اما لمجرد الاختصار نحو قوله تعالى وإذا قيل لهم اتقوا ما بين ايديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون) فهذا شرط حذف جوابه (أي اعرضوا بدليل ما بعده) وهو قوله تعالى وما تأتيهم من آية من آيات ربهم الا كانوا عنها معرضين (أو للدلالة على انه) اي جواب الشرط (شئ لا يحيط به الوصف أو لتذهب نفس السامع كل مذهب ممكن مثالهما ولو ترى إذ وقفوا على النار) فحذف جواب الشرط للدلالة على انه لا يحيط به الوصف أو لتذهب نفس السامع كل مذهب ممكن (أو غير ذلك) المذكور كالمسند إليه والمسند والمفعول كما مر في الابواب السابقة وكالمعطوف مع حرف العطف (نحو لا يستوى منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل أي ومن انفق من بعده وقاتل بدليل ما بعده) يعنى قوله تعالى اولئك اعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا (واما جملة) عطف على اما جزء جملة. فان قلت ماذا اراد بالجملة ههنا حيث لم يعد الشرط والجزاء جملة. قلت اراد الكلام المستقل الذى لا يكون جزء من كلام آخر (مسببة عن) سبب (مذكور نحو ليحق الحق ويبطل الباطل) فهذا سبب مذكور حذف مسببه (أي فعل ما فعل أو سبب لمذكور نحو) قوله تعالى فقلنا اضرب بعصاك الحجر (فانفجرت ان قدر فضربه بها) فيكون قوله فضر به بها جملة محذوفة هي سبب لقوله فانفجرت ٨٤ (ويجوز ان يقدر فان ضربت بها فقد انفجرت) فيكون المحذوف جزء جملة هو الشرط ومثل هذه الفاء يسمى فاء فصيحة قيل على التقدير الاول وقيل على التقدير الثاني. وقيل على التقديرين (أو غيرهما) أي غير المسبب والسبب (نحو فنعم الماهدون على ما مر) في بحث الاستيناف من انه على حذف المبتدأ والخبر على قول من يجعل المخصوص خبر مبتدأ محذوف (واما اكثر) عطف على اما جملة أي اكثر (من جملة) واحدة (نحو انا انبئكم بتأويله فارسلون يوسف، أي) فارسلوني (إلى يوسف لاستعبره الرؤيا ففعلوا فأتاه فقال له يا يوسف والحذف على وجهين ان لا يقام شى ء مقام المحذوف) بل يكتفى بالقرينة (كما مر) في الامثلة السابقة (وان يقام نحو وان يكذبوك قوله فقد كذبت رسل من قبلك) فقد كذبت ليس جزاء الشرط لان تكذيب الرسل متقدم على تكذيبه بل هو سبب لمضمون الجواب المحذوف اقيم مقامه (أي فلا تحزن واصبر) ثم الحذف لابد له من دليل (وادلته كثيرة منها ان يدل العقل عليه) أي على الحذف (والمقصود الاظهر على تعيين المحذوف نحو حرمت عليكم الميتة والدم). فالعقل دل على ان هنا حذفا إذ الاحكام الشرعية انما تتعلق بالافعال دون الاعيان والمقصود الاظهر من هذه الاشياء المذكورة في الاية تناولها الشامل للاكل وشرب الالبان فدل على تعيين المحذوف وفى قوله منها ان يدل ادنى تسامح فكأنه على حذف مضاف. ٨٥ (ومنها ان يدل العقل عليهما) أي على الحذف وتعيين المحذوف (نحو وجاء ربك) فالعقل يدل على امتناع مجئ الرب تعالى وتقدس ويدل على تعيين المراد ايضا. (اي امره أو عذابه) فالامر المعين الذي دل عليه العقل هو احد الامرين لا احدهما على التعيين. (ومنها ان يدل العقل عليه والعادة على التعيين نحو فذلكن الذى لمتننى فيه) فان العقل دل على ان فيه حذفا إذ لا معنى للوم الانسان على ذات الشخص واما تعيين المحذوف (فانه يحتمل) ان يقدر (وفى حبه لقوله تعالى قد شغفها حبا وفى مراودته لقوله تعالى تراود فتاها عن نفسه وفى شانه حتى يشملهما) أي الحب والمراودة (والعادة دلت على الثاني) أي مراودته (لان الحب المفرط لايلام صاحبه عليه في العادة لقهره) أي الحب المفرط (اياه) أي صاحبه فلا يجوز ان يقدر في حبه ولا في شانه لكونه شاملا له فيتعين ان يقدر في مراودته نظرا إلى العادة. (ومنها الشروع في الفعل) يعنى من ادلة تعيين المحذوف لا من ادلة الحذف لان دليل الحذف ههنا هو ان الجار والمجرور لابد من ان يتعلق بشئ والشروع في الفعل على انه ذلك الفعل الذى شرع فيه (نحو بسم اللّه فيقدر ما جعلت التسمية مبتدأ له) ففى القرائة يقدر بسم اللّه اقرأ وعلى هذا القياس. (ومنها) أي من ادلة تعيين المحذوف (الاقتران كقولهم للمعرس بالرفاء والبنين) فان مقارنة هذا الكلام لاعراس المخاطب دل على تعيين المحذوف (أي اعرست) أو مقارنة المخاطب بالاعراس وتلبسه به دل على ذلك، والرفاء هو الالتيام والاتفاق والباء للملابسة. والاطناب (اما بالايضاح بعد الابهام ليرى المعنى في صورتين مختلفتين) احديهما مبهمة والاخرى موضحة وعلمان خير من علم واحد (أو ليتمكن في النفس فضل تمكن) لما جبل اللّه النفوس عليه من ان الشئ إذا ذكر مبهما ثم بين كان اوقع عندها (أو لتكمل لذة العلم به) أي بالمعنى لما لا يخفى من ان نيل الشئ بعد الشوق والطلب الذ (نحو رب اشرح لى صدري ٨٦ فان اشرح لى يفيد طلب شرح لشئ ماله) أي للطالب (وصدري يفيد تفسيره) أي تفسير ذلك الشئ. (ومنه) أي ومن الايضاح بعد الابهام (باب نعم على احد القولين) أي قول من يجعل المخصوص خبر مبتدأ محذوف (إذ لو اريد الاختصار) أي تلك الاطناب (كفى نعم زيد) وفى هذا اشعار بان الاختصار قد يطلق على ما يشتمل المساواة ايضا (ووجه حسنه) أي حسن باب نعم (سوى ما ذكر) من الايضاح بعد الابهام (ابراز الكلام في معرض الاعتدال) من جهة الاطناب بالايضاح بعد الابهام والايجاز بحذف المبتدأ (وايهام الجمع بين المتنافيين) أي الايجاز والاطناب. وقيل الاجمال والتفصيل، ولا شك ان ايهام الجمع بين المتنافيين من الامور المستغربة التى تستلذ بها النفس وانما قال ايهام الجمع لان حقيقة جمع المتنافيين ان يصدق على ذات واحدة وصفان يمتنع اجتماعهما على شئ واحد في زمان واحد من جهة واحدة وهو محال. (ومنه) أي من الايضاح بعد الابهام (التوشيع وهو) في اللغة لف القطن المندوف وفى الاصطلاح (ان يؤتى في عجز الكلام بمثنى مفسر باسمين ثانيهما معطوف على الاول نحو يشيب ابن آدم ويشب فيه خصلتان الحرص وطول الامل واما بذكر الخاص بعد العام) عطف على قوله اما بالايضاح بعد الابهام. والمراد الذكر على سبيل العطف (للتنبيه على فضله) أي مزية الخاص (حتى كأنه ليس من جنسه) أي العام (تنزيلا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات) يعنى انه لما امتاز عن سائر افراد العام بماله من الاوصاف الشريفة جعل كأنه شئ آخر مغاير للعام لا يشمله العام ولا يعرف حكمه منه (نحو حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى) أي الوسطى من الصلوات أو الفضلى من قولهم للافضل الاوسط وهى صلاة العصر عند الاكثر ٨٧ (واما بالتكرير لنكتة) ليكون اطنابا لا تطويلا وتلك النكتة (كتأكيد الانذار في كلا سوف تعلمون، ثم كلا سوف تعلمون). فقوله كلاردع عن الانهماك في الدنيا وتنبيه على انه لا ينبغى للناظر لنفسه ان تكون الدنيا جميع همه وان لا يهتم بدينه وسوف تعلمون انذار وتخويف أي سوف تعلمون الخطاء فيما انتم عليه إذا عاينتم ما قدامكم من هول المحشر وفى تكريره تأكيد للردع والانذار (وفى ثم) دلالة (على ان الانذار الثاني ابلغ) من الاول تنزيلا لبعد المرتبة منزلة بعد الزمان واستعمالا للفظ ثم في مجرد التدريج في درج الارتقاء (واما بالايغال) من اوغل في البلاد إذا ابعد فيها واختلف في تفسيره. (فقيل هو ختم البيت بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها كزيادة المبالغة في قولها) أي في قول الخنساء في مرثية اخيها صخر (وان صخر التأتم) أي يقتدى (الهداة به، كأنه علم) أي جبل مرتفع (في رأسه نار) فقولها كأنه علم واف بالمقصود اعني التشبيه بما يهتدى به الا ان في قولها في رأسه نار زيادة مبالغة. (وتحقيق) أي وكتحقيق التشبيه في قول امرء القيس (كان عيون الوحش حول خبائنا) أي خيامنا) وارحلنا الجزع الذى لم يثقب) الجزع بالفتح الحرز اليماني الذى فيه سواد وبياض شبه به عيون الوحش واتى بقوله لم يثقب تحقيقا للتشبيه لانه إذا كان غير مثقوب كان اشبه بالعين قال الاصمعي الظبى والبقرة إذا كانا حيين فعيونهما كلها سواد فإذا ما تا بدا بياضها وانما شبها بالجزع وفيه سواد وبياض بعد ما ماتت والمراد كثرة الصيد يعنى مما اكلنا كثرت العيون عندنا كذا في شرح ديوان امرء القيس، فعلى هذا التفسير يختص الايغال بالشعر. (وقيل لا يختص بالشعر) بل هو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها (ومثل لذلك) في غير الشعر (بقوله تعالى " قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم اجرا وهم مهتدون) فقوله وهم مهتدون مما يتم المعنى بدونه لان الرسول مهتد لا محالة الا ان فيه زيادة حث على الاتباع وترغيب في الرسل. (واما بالتذييل وهو تعقيب الجملة بجملة اخرى يشتمل على معناها) أي معنى الجملة الاولى (للتأكيد) فهو اعم من الايغال من جهة انه يكون في ختم الكلام وغيره واخص من جهة ان الايغال قد يكون بغير الجملة ولغير التأكيد (وهو) أي التذييل (ضربان ٨٨ ضرب لم يخرج مخرج المثل بان لم يستقل بافادة المراد) بل يتوقف على ما قبله (نحو ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازى الا الكفور على وجه) وهو ان يراد وهل نجازى ذلك الجزاء المخصوص الا الكفور فيتعلق بما قبله واما على الوجه الآخر وهو ان يراد وهل نعاقب الا الكفور بناء على ان المجازاة هي المكافاة ان خيرا فخيرا وان شرا فشرا فهو من الضرب الثاني (وضرب اخرج مخرج المثل) بان يقصد بالجملة الثانية حكم كلى منفصل عما قبله جار مجرى الامثال في الاستقلال وفشوا الاستعمال (نحو وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا وهو ايضا) أي التذييل ينقسم قسمة اخرى واتى بلفظة ايضا تنبيها على ان هذا التقسيم للتذييل مطلقا لا للضرب الثاني منه (اما) ان يكون (لتأكيد منطوق كهذه الآية) فان زهوق الباطل منطوق في قوله وزهق الباطل. (واما لتأكيد مفهوم كقوله ولست) على لفظ الخطاب (بمستبق اخا لا تلمه) حال من اخا لعمومه أو من ضمير المخاطب في لست (على شعث) أي تفرق حال وذميم خصال فهذا الكلام دل بمفهومه على نفى الكامل من الرجال وقد اكده بقوله (أي الرجال المهذب) استفهام بمعنى الانكار أي ليس في الرجال منقح الفعال مرضى الخصال. (واما بالتكميل ويسمى الاختراس ايضا) لان فيه التوقى والاحتراز عن توهم خلاف المقصود (وهو ان يؤتى في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفعه) أي يدفع ايهام خلاف المقصود وذلك الدافع قد يكون في آخر الكلام فالاول (كقوله فسقى ديارك غير مفسدها) نصب على الحال من فاعل سقى وهو (صوب الربيع) أي سقى نزول المطر ووقوعه في الربيع (وديمة تهمى) أي تسيل فلما كان نزول المطر قد يؤل إلى خراب الديار وفسادها اتى بقوله غير مفسدها دفعا لذلك. (و) الثاني (نحو اذلة على المؤمنين) فانه لما كان مما يوهم ان يكون ذلك لضعفهم دفعه بقوله (اعزة على الكافرين) تنبيها على ان ذلك تواضع منهم للمؤمنين ولهذا عدى الذل بعلى لتضمنه معنى العطف ويجوز ان يقصد بالتعدية بعلى الدلالة على انهم مع شرفهم وعلو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خافضون لهم اجنحتهم. ٨٩ (واما بالتتميم وهو ان يؤتى في كلام لا يوهم خلاف المقصود بفضلة) مثل مفعول أو حال أو نحو ذلك مما ليس بجملة مستقلة ولا ركن كلام. ومن زعم انه اراد بالفضلة ما يتم اصل المعنى بدونه فقد كذبه كلام المصنف في الايضاح وانه لا تخصيص لذلك بالتتميم (لنكتة كالمبالغة نحو ويطعمون الطعام على حبه، في وجه) وهو ان يكون الضمير في حبه للطعام (أي) ويطعمون (مع حبه) والاحتياج إليه وان جعل الضمير للّه تعالى أي يطعمونه على حب اللّه فهو لتأدية اصل المراد (واما بالاعتراض وهو ان يؤتى في اثناء الكلام أو بين كلامين متصلين معنى بجملة أو اكثر لامحل لها من الاعراب لنكتة سوى دفع الايهام) لم يرد بالكلام مجموع المسند إليه والمسند فقط بل مع جميع ما يتعلق بهما من الفضلات والتوابع. والمراد باتصال الكلامين ان يكون الثاني بيانا للاول أو تأكيدا أو بدلا منه (كالتنزيه في قوله تعالى ويجعلون للّه البنات سبحانه ولهم ما يشتهون) فقوله سبحانه جمله لانه مصدر بتقدير الفعل وقعت في اثناء الكلام لان قوله ولهم ما يشتهون عطف على قوله للّه البنات (والدعاء في قوله. " ان الشمانين وبلغتها، قد احوجت سمعي إلى ترجمان ") أي مفسر ومكرر فقوله بلغتها اعتراض في اثناء الكلام لقصد الدعاء والواو في مثله تسمى واو اعتراضية ليست بعاطفة ولا حالية. (والتنبيه في قوله واعلم فعلم المرء ينفعه) هذا اعتراض بين اعلم ومفعوله وهو (ان سوف يأتي كل ما قدرا) ان هي المخففة من المثقلة وضمير الشان محذوف يعنى ان المقدورات البتة تأتى وان وقع فيه تأخير ما. وفى هذا تسلية وتسهيل للامر فالاعتراض يباين التتميم لانه انما يكون بفضلة والفضلة لابد لها من اعراب ويباين التكميل لانه انما يقع لدفع ابهام خلاف المقصود ويباين الايغال لانه لا يكون الا في آخر الكلام لكنه يشمل بعض صور التذييل وهو ما يكون بجملة لا محل لها من الاعراب وقعت بين جملتين متصلتين معنى لانه كما لم يشترط في التذييل ان يكون بين كلامين لم يشترط فيه ان لا يكون بين كلامين فتأمل حتى يظهر لك فساد ما قيل انه يباين التذييل بناء على انه لم يشترط فيه ان يكون بين كلامين متصلين معنى. (ومما جاء) أي ومن الاعتراض الذى وقع (بين كلامين) متصلين (وهو اكثر من جملة ايضا) أي كما ان الواقع بينهما هو اكثر من جملة (نحو قوله تعالى فأتوهن من حيث امركم اللّه ان اللّه يحب التوابين ويحب المتطهرين) فهذا اعتراض اكثر من جملة لانه كلام يشتمل على جملتين وقع بين كلامين اولهما قوله فأتوهن من حيث امركم اللّه وثانيهما قوله (نساؤكم حرث لكم) والكلامان متصلان معنى. (فان قوله نساؤكم حرث لكم بيان لقوله فأتوهن من حيث امركم اللّه) وهو مكان الحرث فان الغرض الاصلى من الاتيان طلب النسل لا قضاء الشهوة والنكتة في هذا الاعتراض الترغيب فيما امروا به والتنفير عما نهوا عنه ٩٠ (وقال قوم قد تكون النكتة فيه) أي في الاعتراض (غير ما ذكر) مما سوى دفع الايهام حتى انه قد يكون لدفع ايهام خلاف المقصود (ثم) القائلون بان النكتة فيه قد تكون لدفع الايهام افترقوا فرقتين (جوز بعضهم وقوعه) أي الاعتراض (في آخر جملة لا تليها جملة متصلة بها) وذلك بان لا تلى الجملة جملة اخرى اصلا فيكون الاعتراض في آخر الكلام أو تليها جملة اخرى غير متصلة بها معنى. وهذا الاصطلاح مذكور في مواضع من الكشاف فالاعتراض عند هؤلاء ان يؤتى في اثناء الكلام أو في آخره أو بين كلامين متصلين أو غير متصلين بجملة أو اكثر لامحل لها من الاعراب لنكتة سواء كانت دفع الايهام أو غيره (فيشمل) أي الاعتراض بهذا التفسير (التذييل) مطلقا لانه يجب ان يكون بجملة لا محل لها من الاعراب وان لم يذكره المصنف (وبعض صور التكميل) وهو ما يكون بجملة لا محل لها من الاعراب فان التكميل قد يكون بجملة وقد يكون بغيرها والجملة التكميلية قد تكون ذات اعراب وقد لا تكون لكنها تباين التتميم لان الفضلة لابد لها من اعراب. وقيل لانه لا يشترط في التتميم ان يكون جملة كما اشترط في الاعتراض وهو غلط كما يقال ان الانسان يباين الحيوان لانه لم يشترط في الحيوان النطق فافهم (وبعضهم) أي وجوز بعض القائلين بان نكتة الاعتراض قد تكون لدفع الايهام (كونه) أي الاعتراض (غير جملة) فالاعتراض عندهم ان يؤتى في اثناء الكلام أو بين كلامين متصلين معنى بجملة أو غيرها لنكتة ما (فيشمل) الاعتراض بهذا التفسير (بعض صور التتميم و) بعض صور (التكميل وهو) ما يكون واقعا في اثناء الكلام أو بين الكلامين المتصلين (واما بغير ذلك) عطف على قوله اما بالايضاح بعد الابهام واما بكذا وكذا (كقوله تعالى الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به، فانه لو اختصر) اي ترك الاطناب فان الاختصار قد يطلق على ما يعم الايجاز والمساواة كما مر (لم يذكر ويؤمنون به لان ايمانهم لا ينكره) أي لا يجهله (من يثبتهم) فلا حاجة إلى الاخبار به لكونه معلوما (وحسن ذكره) أي ذكر قوله ويؤمنون به (اظهارا لشرف الايمان وترغيبا فيه) وكون هذا الاطناب بغير ما ذكر من الوجوه السابقة ظاهر بالتأمل فيهم. (واعلم انه قد يوصف الكلام بالايجاز والاطناب باعتبار كثرة حروفه وقلتها بالنسبة إلى كلام آخر مساوله) أي لذلك الكلام (في اصل المعنى) فيقال للاكثر حروفا انه مطنب وللاقل انه موجز (كقوله يصد) أي يعرض (عن الدنيا إذا عن) أي ظهر (سؤدد) أي سيادة ولو برزت في زى عذراء ناهدى الزى الهيئة والعذراء البكر والنهود ارتفاع الثدى. (وقوله ولست) بالضم على انه فعل المتكلم بدليل ما قبله وهو قوله " وانى لصبار على ما ينوبني، وحسبك ان اللّه اثنى على الصبر (بنظار إلى جانب الغنى، إذا كانت العلياء في جانب الفقر) يصفه بالميل إلى المعالى يعنى ان السيادة مع التعب احب إليه من الراحة مع الخمول. فهذا البيت اطناب بالنسبة إلى المصراع السابق ٩١ (ويقرب منه) أي من هذا القبيل (قوله تعالى لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون وقول الحماسي " وننكر ان شئنا على الناس قولهم، ولا ينكرون القول حين نقول) يصف رياستهم ونفاذ حكمهم أي نحن نغير ما نريد من قول غيرنا واحد لا يجسر على الاعتراض علينا فالآية ايجاز بالنسبة إلى البيت. وانما قال يقرب لان ما في الآية يشمل كل فعل والبيت مختص بالقول فالكلامان لا يتساويان في اصل المعنى بل كلام اللّه سبحانه وتعالى اجل واعلى وكيف لا واللّه اعلم، تم الفن الاول بعون اللّه وتوفيقه واياه اسأل في اتمام الفنين الآخرين هداية طريقه. ٩٢ |