مختصر المعاني
سعد الدين التفتازاني أبي سعيد الغازي التفتازاني إماما من أئمة التحقيق والتدقيق
الفقيه
المتكلم النظار الأصولي النحوي البلاغي المنطقي ****** شرح المختصر لسعد الدين التفتازانى على تلخيص المفتاح في المعانى و البيان و البديع للخطيب القزوينى جلال الدين القزوينى ابوالمعالى محمد بن عبدالرحمن بن عمر الصعيدى الشافعي (ت ٧٣٩ هـ ١٣٣٩ م) ***** مفتاح العلوم لسراج الدين يوسف السكاكي أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي السَّكَّاكي الخوارزمي الحنفي (ت ٦٢٦ هـ ١٢٢٩ م) بسم اللّه الرحمن الرحيم نحمدك يا من شرح صدورنا لتلخيص البيان في ايضاح المعاني، ونور قلوبنا بلوامع التبيان من مطالع المثاني، ونصلي على نبيك محمد المؤيد دلائل اعجازه باسرار البلاغة، وعلى آله واصحابه المحرزين قصبات السبق في مضمار الفصاحة والبراعة. (وبعد) فيقول الفقير إلى اللّه الغني، مسعود بن عمر المدعو بسعد التفتازاني، هداه اللّه سواء الطريق، وأذاقه حلاوة التحقيق ، اني قد شرحت فيما مضى تلخيص المفتاح، واغنيته بالإصباح عن المصباح، وأودعته غرائب نكت سمحت بها الأنظار، ووشحته بلطائف فقر سبكتها يد الأفكار، ثم رأيت الجمع الكثير من الفضلاء، والجم الغفير من الاذكياء، يسألونني صرف الهمة نحو اختصاره، والاقتصار على بيان معانيه وكشف استاره، لما شاهدوا من أن المحصلين قد تقاصرت هممهم عن استطلاع طوالع أنواره، وتقاعدت عزائمهم عن استكشاف خبيئات اسراره، وان المنتحلين قد قلبوا احداق الاخذ والانتهاب، ومدوا اعناق المسخ على ذلك الكتاب. وكنت اضرب عن هذا الخطب صفحا، واطوى دون مرامهم كشحا، علما مني بان مستحسن الطبايع باسرها، ومقبول الاسماع عن آخرها، امر لا يسعه مقدرة البشر، وانما هو شأن خالق القوى والقدر، وان هذا الفن قد نضب اليوم ماؤه فصار جد الابلا اثر، وذهب رواؤه فعاد خلافا بلا ثمر، حتى طارت بقية آثار السلف ادراج الرياح، وسالت باعناق مطايا تلك الاحاديث البطاح، واما الاخذ والانتهاب فامر يرتاح له اللبيب، وللارض من كأس الكرام نصيب، وكيف ينهر عن الانهار السائلون، ولمثل هذا فليعمل العاملون. ثم ما زادتهم مدافعتي الا شغفا وغراما، وظمأ في هواجر الطلب واو اما، فانتصبت لشرح الكتاب على وفق مقترحهم ثانيا، ولعنان العناية نحو اختصار الاول ثانيا، مع جمود القريحة بصر البليات، وخمود الفطنة بصر بصر النكبات، وترامى البلدان بي والاقطار، ونبو الاوطان عني والاوطار. حتى طفقت اجوب كل اغبر قاتم الارجاء، واحرر كل سطر منه في شطر من الغبراء، يوما بالجزوى ويوما بالعقيق ويوما بالعذيب ويوما بالخليصاء، ولما وفقت بعون اللّه تعالى للاتمام، وقوضت عنه خيامه بالاختتام، بعد ما كشفت عن وجوه خرائده اللثام، ووضعت كنوز فرائده على طرف الثمام، سعد الزمان وساعد الاقبال، ودنا المنى واجابت الآمال، وتبسم في وجه رجائي المطالب، بان توجهت تلقاء مدين المآرب حضرة من انام الانام في ظل الامان، وافاض عليهم سجال العدل والاحسان، ورد بسياسته القرار إلى الاجفان، وسد بهيبته دون يأجوج الفتنة طرق العدوان، واعاد رميم الفضائل والكمالات منشورا، ووقع الخطيات على صحائف الصفائح لنصرة الاسلام منشورا. وهو السلطان الاعظم، مالك رقاب الامم، ملاذ سلاطين العرب والعجم، ملجا صناديد ملوك العالم، ظل اللّه على بريته، وخليفته في خليقته، حافظ البلاد، ناصر العباد، ما حي ظلم الظلم والعناد، رافع منار الشريعة النبوية، ناصب رايات العلوم الدينية، خافض جناح الرحمة لاهل الحق واليقين، ماد سرادق الامن بالنصر العزيز والفتح المبين كهف الانام ملاذ الخلائق قاطبة ظل الاله جلال الحق والدين، أبو المظفر السلطان محمود جاني بك خان، خلد اللّه سرادق عظمته وجلاله وادام رواء نعيم الامال من سجال افضاله، فحاولت بهذا الكتاب التشبث باذيال الاقبال، والاستظلال بظلال الرأفة والافضال، فجعلته خدمة لسدته التي هي ملتثم شفاه الاقيال ومعول رجاء الآمال ومثوى العظمة والجلال، لا زالت محط رجال الافاضل، وملاذ ارباب الفضائل، وعون الاسلام وغوث الانام، بالنبي وآله عليه وعليهم السلام، فجاء بحمد اللّه كما يروق النواظر، ويجلو صداء الاذهان، ويرهق البصائر، ويضئ لباب ارباب البيان، ومن اللّه التوفيق والهداية، وعليه التوكل في البداية والنهاية، وهو حسبي ونعم الوكيل. [ بسم اللّه الرحمن الرحيم ] [ الحمد ] هو الثناء باللسان على قصد التعظيم سواء تعلق بالنعمة أو بغيرها، والشكر فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لكونه منعما سواء كان باللسان أو بالجنان أو بالاركان، فمورد الحمد لا يكون الا اللسان ومتعلقه يكون النعمة وغيرها ومتعلق الشكر لا يكون الا النعمة ومورده يكون اللسان وغيره فالحمد اعم من الشكر باعتبار المتعلق واخص منه باعتبار المورد والشكر بالعكس. [ للّه ] هو اسم للذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد، والعدول إلى الجملة الاسمية للدلالة على الدوام والثبات، وتقديم الحمد باعتبار انه اهم نظر إلى كون المقام مقام الحمد كما ذهب إليه صاحب الكشاف في تقديم الفعل في قوله تعالى [ اقرأ باسم ربك ] على ما سيجئ بيانه، وان كان ذكر اللّه اهم نظرا إلى ذاته. (على ما انعم) أي على انعامه، ولم يتعرض للمنعم به ايهاما لقصور العبارة عن الاحاطة به ولئلا يتوهم اختصاصه بشئ دون شئ. [ وعلم ] من عطف الخاص على العام رعاية لبراعة الاستهلال وتنبيها على فضيلة نعمة البيان (من البيان) بيان لقوله [ ما لم نعلم ] قدم رعاية للسجع، والبيان هو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير والصلاة على سيدنا محمد خير من نطق بالصواب وافضل من اوتى الحكمة هي علم الشرائع وكل كلام وافق الحق، وترك فاعل الايتاء لان هذا الفعل لا يصلح الا للّه تعالى وفصل الخطاب اي الخطاب المفصول البين الذى يتبينه من يخاطب به ولا يلتبس عليه أو الخطاب الفاصل بين الحق والباطل وعلى آله اصله اهل بدليل اهيل، خص استعماله في الاشراف واولى الخطر (الاطهار) جمع طاهر كصاحب واصحاب وصحابته الاخيار جمع خير بالتشديد. (اما بعد) هو من الظروف المبنية المنقطعة عن الاضافة اي بعد الحمد والصلاة، والعامل فيه اما لنيابتها عن الفعل، والاصل مهما يكن من شئ بعد الحمد والصلاة، ومهما ههنا مبتدأ والاسمية لازمة للمبتدأ ويكن شرط والفاء لازمة له غالبا فحين تضمنت اما معنى الابتداء والشرط لزمتها الفاء ولصوق الاسم اقامة للازم مقام الملزوم وابقاء لاثره في الجملة. (فلما) هو ظرف بمعنى إذا يستعمل استعمال الشرط ويليه فعل ماض لفظا أو معنى (كان علم البلاغة) هو المعاني والبيان (و) علم (توابعها) هو البديع (من اجل العلوم قدرا وادقها سرا اذبه) اي بعلم البلاغة وتوابعها لا بغيره من العلوم كاللغة والصرف والنحو (تعرف دقايق العربية واسرارها) فيكون من ادق العلوم سرا. (ويكشف عن وجوه الاعجاز في نظم القرآن استارها) أي: به يعرف ان القرآن معجز لكونه في اعلى مراتب البلاغة لاشتماله على الدقائق والاسرار والخواص الخارجة عن طوق البشر وهذا وسيلة إلى تصديق النبي عليه السلام، وهو وسيلة إلى الفوز بجميع السعادات فيكون من اجل العلوم لكون معلومه وغايته من اجل المعلومات والغايات. وتشبيه وجوه الاعجاز بالاشياء المحتجبة تحت الاستار استعارة بالكناية واثبات الاستار لها استعارة تخييلية وذكر الوجوه ايهام أو تشبيه الاعجاز بالصور الحسنة استعارة بالكناية واثبات الوجوه استعارة تخييلية، وذكر الاستار ترشيح ونظم القرآن تأليف كلماته، مترتبة المعاني، متناسقة الدلالات على حسب ما يقتضيه العقل لاتواليها في النطق وضم بعضها إلى بعض كيف ما اتفق. (وكان القسم الثالث من مفتاح العلوم الذي صنفه الفاضل العلامة أبو يعقوب يوسف السكاكي اعظم ما صنف فيه) أي في علم البلاغة وتوابعها (من الكتب المشهورة) بيان لما صنف. (نفعا) تميز من اعظم (لكونه) أي القسم الثالث (احسنها) أي احسن الكتب المشهورة (ترتيبا) هو وضع كل شئ في مرتبته (و) لكونه (آتمها تحريرا) هو تهذيب الكلام (واكثرها) أي اكثر الكتب (للاصول) هو متعلق بمحذوف يفسره قوله (جمعا) لان معمول المصدر لا يتقدم عليه والحق جواز ذلك في الظروف لانها مما يكفيه رائحة من الفعل. (ولكن كان) أي القسم الثالث (غير مصون) أي غير محفوظ (عن الحشو) وهو الزائد المستغنى عنه (والتطويل) وهو الزيادة على اصل المراد بلا فائدة وستعرف الفرق بينهما في باب الاطناب (والتعقيد) وهو كون الكلام مغلقا لا يظهر معناه بسهولة (قابلا) خبر بعد خبر أي كان قابلا (للاختصار) لما فيه من التطويل (مفتقرا) أي محتاجا (إلى الايضاح) لما فيه من التعقيد (و) إلى (التجريد) عما فيه من الحشو. (الفت) جواب لما: (مختصرا يتضمن ما فيه) أي في القسم الثالث (من القواعد) جمع قاعدة وهى " حكم كلى ينطبق على جميع جزئياته ليعرف احكامها منه كقولنا كل حكم منكر يجب توكيده. (ويشتمل على ما يحتاج إليه من الامثلة) وهى الجزئيات المذكورة لايضاح القواعد (والشواهد) وهى الجزئيات المذكورة لاثبات القواعد فهى اخص من الامثلة. (ولم آل) من الالو وهو التقصير (جهدا) أي اجتهادا وقد استعمل الا لو في قولهم لا آلوك جهدا متعديا إلى مفعولين وحذف ههنا المفعول الاول والمعنى لم امنعك جهدا (في تحقيقه) أي في المختصر يعنى في تحقيق ما ذكر فيه من الابحاث (وتهذيبه) أي تنقيحه. (ورتبته) أي المختصر (ترتيبا اقرب تناولا) أي اخذا (من ترتيبه) أي من ترتيب السكاكى أو القسم الثالث اضافة للمصدر إلى الفاعل أو المفعول (ولم ابالغ في اختصار لفظه تقريبا) مفعول له تضمنه معنى لم ابالغ أي تركت المبالغة في الاختصار تقريبا (لتعاطيه) أي تناوفه (وطلبا لتسهيل فهمه على طالبيه) والضمائر للمختصر وفى وصف مؤلفه بانه مختصر منقح سهل المأخذ تعريض بانه لا تطويل فيه ولا حشو ولا تعقيد كما في القسم الثالث. (واضفت إلى ذلك) المذكور من القواعد وغيرها (فوائد عثرت) أي اطلعت (في بعض كتب القوم عليها) أي على تلك الفوائد (وزوائد لم اظفر) أي لم افز (في كلام احد بالتصريح بها) أي بتلك الزوائد (ولا الاشارة إليها) بان يكون كلامهم على وجه يمكن تحصيلها منه بالتبعية وان لم يقصدوها. (وسميته تلخيص المفتاح) ليطابق اسمه معناه (وانا اسأل اللّه تعالى) قدم المسند إليه قصدا إلى جعل الواو للحال (من فضله) حال من (ان ينفع به) أي بهذا المختصر (كما نفع باصله) وهو المفتاح والقسم الثالث منه. (انه) أي اللّه (ولي ذلك) النفع (وهو حسبي) أي محسبي وكافى (ونعم الوكيل) اما عطف على جملة هو حسبى والمخصوص محذوف واما على حسبى أي وهو نعم الوكيل فالمخصوص هو الضمير المتقدم على ما صرح به صاحب المفتاح وغيره في نحو زيد نعم الرجل وعلى كلا التقديرين يلزم عطف الانشاء على الاخبار. ١ المقدمة(المقدمة) رتب المختصر على مقدمة وثلاث فنون، لان المذكور فيه اما ان يكون من قبيل المقاصد في هذا الفن، اولا. الثاني المقدمة والاول ان كان الغرض منه الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد فهو الفن الاول وإلا فان كان الغرض منه الاحتراز عن التعقيد المعنوي فهو الفن الثاني والا فهو الفن الثالث. وجعل الخاتمة خارجة عن الفن الثالث وهم كما سنبين ان شاء اللّه تعالى. ولما انجر كلامه في آخر هذه المقدمة إلى انحصار المقصود في الفنون الثلاثة ناسب ذكرها بطريق التعريف العهدي بخلاف المقدمة، فانها لا مقتضى لايرادها بلفظ المعرفة في هذا المقام والخلاف في ان تنوينها للتعظيم أو للتقليل مما لا ينبغي ان يقع بين المحصلين. والمقدمة مأخوذة من مقدمة الجيش للجماعة المتقدمة منها من قدم بمعنى تقدم يقال: مقدمة العلم لما يتوقف عليه الشروع في مسائله ومقدمة الكتاب لطائفة من كلامه قدمت امام المقصود لارتباط له بها وانتفاع بها فيه. وهى هيهنا لبيان معنى الفصاحة والبلاغة وانحصار علم البلاغة في علمي المعاني والبيان وما يلائم ذلك ولا يخفى ؟ ؟ ارتباط المقاصد بذلك. والفرق بين مقدمة العلم ومقدمة الكتاب مما خفى على كثير من الناس. (الفصاحة) وهي في الاصل تنبئ عن الظهور والابانة (يوصف بها المفرد) مثل كلمة فصيحة (والكلام) مثل كلام فصيح وقصيدة فصيحة. قيل: المراد بالكلام ما ليس بكلمة ليعم المركب الاسنادي وغيره فانه قد يكون بيت من القصيدة غير مشتمل على اسناد يصح السكوت عليه مع انه يتصف بالفصاحة. وفيه نظر لانه انما يصح ذلك لو اطلقوا على مثل هذا المركب أنه كلام فصيح ولم ينقل عنهم ذلك واتصافه بالفصاحة يجوز ان يكون باعتبار فصاحة المفردات على ان الحق انه داخل في المفرد لانه يقال على ما يقابل المركب وعلى ما يقابل المثنى والمجموع وعلى ما يقابل الكلام ومقابلته بالكلام ههنا قرينة دالة على انه اريد به المعنى الاخير اعني ما ليس بكلام (و) يوصف بها (المتكلم) ايضا يقال كاتب فصيح وشاعر فصيح. (والبلاغة) وهي تنبئ عن الوصول والانتهاء (يوصف بها الاخيران فقط) أي الكلام والمتكلم دون المفرد إذ لم يسمع كلمة بليغة والتعليق بان البلاغة انما هي باعتبار المطابقة لمقتضى الحال وهي لا تتحقق في المفرد وهم لان ذلك انما هو في بلاغة الكلام والمتكلم. وانما قسم كلا من الصاحة والبلاغة اولا لتعذر جمع المعاني المختلفة الغير المشتركة في امر يعمها في تعريف واحد وهذا كما قسم ابن الحاجب المستثنى إلى متصل ومنقطع ثم عرف كلا منهما على حدة. (فالفصاحة في المفرد) قدم الفصاحة على البلاغة لتوقف معرفة البلاغة على معرفة الفصاحة لكونها مأخوذة في تعريفها ثم قدم فصاحة المفرد على فصاحة الكلام والمتكلم لتوقفهما عليها (خلوصه) أي خلوص المفرد (من تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس) اللغوى أي المستنبط من استقراء اللغة. وتفسير الفصاحة بالخلوص لا يخلو عن تسامح لان الفصاحة تحصل عند الخلوص. (فالتنافر) وصف في الكلمة يوجب ثقلها على اللسان وعسر النطق بها (نحو) مستشزرات في قول امرئ القيس (غدائره) أي ذوائبه جمع غديرة والضمير عائد إلى الفرع في البيت السابق (مستشزرات) أي مرتفعات أو مرفوعات يقال واستشزر أي ارتفع (إلى العلى) تضل العقاص في مثنى ومرسل تضل: أي تغيب. العقاص: جمع عقيصة وهى الخصلة المجموعة من الشعر والمثنى المفتول يعنى ان ذوائبه مشدودة على الرأس بخيوط وان شعره ينقسم إلى عقاص ومثنى ومرسل والاول يغيب في الاخيرين والغرض بيان كثرة الشعر والضابط ههنا ان كل ما يعده الذوق الصحيح ثقيلا متعسر النطق به، فهو متنافر سواء كان من قرب المخارج أو بعدها أو غير ذلك على ما صرح به ابن الاثير في المثل السائر. وزعم بعضهم، ان منشأ الثقل في مستشزر هو توسط الشين المعجمة التى هي من المهموسة الرخوة بين التاء التى هي من المهموسة الشديدة وبين الزاء المعجمة التى هي من المجهورة ولو قال مستشرف لزال ذلك الثقل. وفيه نظر، لان الراء المهملة ايضا من المجهورة. وقيل: ان قرب المخارج سبب للثقل المخل بالفصاحة. وان في قوله تعالى [ الم اعهد اليكم ] ثقلا قريبا من المتناهي فيخل بفصاحة الكلمة، لكن الكلام الطويل المشتمل على كلمة غير فصيحة لا يخرج عن الفصاحة، كما لا يخرج الكلام الطويل المشتمل على كلمة غير عربية عن ان يكون عربيا،. وفيه نظر، لان فصاحة الكلمات مأخوذة في تعريف فصاحة الكلام من غير تفرقة بين طويل وقصير، على ان هذا القائل فسر الكلام بما ليس بكلمة، والقياس على الكلام العربي ظاهر الفساد ولم سلم عدم خروج السورة عن الفصاحة، فمجرد اشتمال القرآن على كلام غير فصيح بل على كلمة غير فصيحة مما يقود إلى نسبة الجهل أو العجز إلى اللّه تعالى عن ذلك علوا كبيرا. (والغرابة) كون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى ولا مأنوسة الاستعمال (نحو) مسرج في قول العجاج ومقلة وحاجبا مزججا اي مدققا مطولا (وفاحما) أي شعرا اسود كالفحم (ومرسنا) أي انفا (مسرجا أي كالسيف السريجى في الدقة والاستواء) وسريج اسم قين تنسب إليه السيوف (أو كالسراج في البريق) واللمعان. فان قلت: لم لم يجعلوه اسم مفعول من سرج اللّه وجهه اي بهجه وحسنه. قلت: هو ايضا من هذا القبيل أو مأخوذ من السراج على ما صرح به الامام المرزوقي رحمه اللّه تعالى حيث قال السريجى منسوب إلى السراج، ويجوز ان يكون وصفه بذلك لكثرة مائه وورنقه، حتى كان فيه سراجا. ومنه ما قيل: سرج اللّه امرك إلى أي حسنه ونوره. (والمخالفة) ان تكون الكلمة على خلاف قانون مفردات الالفاظ الموضوعة، اعني على خلاف ما ثبت عن الواضع (نحو) الاجلل بفك الادغام في قوله (الحمد للّه العلي الاجلل) والقياس الاجل بالادغام، فنحو آل وماء وابى يأبى وعور يعور فصيح لانه ثبت عن الواضع كذلك. (قيل): فصاحة المفرد خلوصه مما ذكر (ومن الكراهة في السمع) بان يكون اللفظة بحيث يمجها المسع ويتبرأ عن سماعها ٢ (نحو) الجرشي في قول ابي الطيب مبارك الاسم اغر اللقب (كريم الجرشي) أي النفس (شريف النسب) والاغر من الخيل الابيض الجبهة ثم استعير لكل واضح معروف. (وفيه نظر) لان الكراهة في السمع انما هي من جهة الغرابة المفسرة بالوحشية، مثل تكأكأتم وافرنقعوا ونحو ذلك. وقيل: لان الكراهة في السمع وعدمها يرجعان إلى طيب النغم وعدم الطيب لا إلى نفس اللفظ. وفيه نظر للقطع باستكراه الجرشي دون النفس مع قطع النظر عن النغم. (و) الفصاحة (في الكلام خلوصه من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد مع فصاحتها) هو حال من الضمير في خلوصه واحترز به عن مثل زيدا جلل وشعره مستشزر وانفه مسرج. وقيل: هو حال من الكلمات ولو ذكره بجنبها لسلم من الفصل بين الحال وذيها بالا جنبي. وفيه نظر لانه حينئذ يكون قيدا للتنافر لا للخلوص ويلزم ان يكون الكلام المشتمل على تنافر الكلمات الغير الفصيحة فصيحا، لانه يصدق عليه انه خالص عن تنافر الكلمات حال كونها فصيحة فافهم. (فالضعف) ان يكون تأليف الكلام على خلاف القانون النحوي المشهور بين الجمهور كالاضمار قبل الذكر لفظا ومعنى وحكما (نحو ضرب غلامه زيدا). (والتنافر) ان تكون الكلمات ثقيلة على اللسان وان كان كل منها فصيحة (كقوله وليس قرب قبر حرب) وهو اسم رجل (قبر) وصدر البيت " وقبر حرب بمكان قفر " اي خال عن الماء والكلاء، ذكر في عجائب المخلوقات ان من الجن نوعا يقال له الهاتف فصاح واحد منهم على حرب بن امية فمات فقال ذلك الجنى هذا البيت (وكقوله " كريم متى امدحه امدحه والورى معى إذا ما لمته لمته وحدي ") والواو في الورى للحال، وهو مبتدأ وخبره قوله معي. وانما مثل بمثالين لان الاول متناه في الثقل والثانى دونه، أو لان منشأ الثقل في الاول نفس اجتماع الكلمات وفى الثاني حروف منها، وهو في تكرير امدحه، دون مجرد الجمع بين الحاء والهاء، لوقوعه في التنزيل، مثل فسبحه، فلا يصح القول بان مثل هذا الثقل مخل بالفصاحة. وذكر الصاحب اسماعيل بن عباد انه انشد هذه القصيدة بحضرة الاستاذ ابن العميد، فلما بلغ هذا البيت قال له الاستاذ هل تعرف فيه شيئا من الهجنة ؟ قال: نعم مقابلة المدح باللوم، وانما يقابل بالذم أو الهجاء، فقال: الاستاذ غير هذا اريد، فقال: لا ادري غير ذلك. فقال الاستاذ: هذا التكرير في امدحه امدحه مع الجمع بين الحاء والهاء، وهما من حروف الحق خارج عن حد الاعتدال نافر كل التنافر فاثنى عليه الصاحب. (والتعقيد) أي كون الكلام معقدا (ان لا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المراد لخلل) واقع (اما في النظم) بسبب تقديم أو تأخير أو حذف أو غير ذلك، مما يوجب صعوبة فهم المراد (كقول الفرزدق في خال هشام) بن عبد الملك، وهو ابن ابراهيم بن هشام بن اسمعيل المخزومى ٣ (وما مثله في الناس الا مملكا أبو امه حتى ابوه يقاربه) أي ليس مثله في الناس (حي يقاربه) أي احد يشبهه في الفضائل (الا مملك) أي رجل اعطى الملك والمال يعنى هشاما (أبو امه) أي ابوام ذلك الملك (ابوه) أي أبو ابراهيم الممدوح أي لا يماثله احد الا ابن اخته وهو هشام. ففيه فصل بين المبتدأ والخبر اعني أبو امه ابوه بالاجنبي الذى هو حى، وبين الموصوف والصفة، اعني حى يقاربه بالأجنبي الذى هو ابوه، وتقديم المستثنى اعني مملكا على المستثنى منه اعني حى وفصل كثير بين البدل وهو حى والمبدل منه وهو مثله، فقوله مثله اسم ما وفى الناس خبره والا مملكا منصوب لتقدمه على المستثنى منه. قيل ذكر ضعف التأليف يغنى عن ذكر التعقيد اللفظى. وفيه نظر، لجواز ان يحصل التعقيد باجتماع عدة امور موجبة لصعوبة فهم المراد، وان كان كل واحد منها جاريا على قانون النحوي. وبهذا يظهر فساد ما قيل: انه لا حاجة في بيان التعقيد في البيت إلى ذكر تقديم المستثنى على المستثنى منه، بل لا وجه له، لان ذلك جائز باتفاق النحاة، إذ لا يخفى انه يوجب زيادة التعقيد وهو مما يقبل الشدة والضعف. (واما في الانتقال) عطف على قوله: (اما في النظم) أي لا يكون الكلام ظاهرة الدلالة على المراد، لخلل واقع في انتقال الذهن من المعنى الاول المفهوم بحسب اللغة إلى الثاني المقصود، وذلك بسبب ايراد اللوازم البعيدة المفتقرة إلى الوسائط الكثيرة مع خفاء القرائن الدالة على المقصود (كقول الاخر) وهو عباس بن الاحنف ولم يقل كقوله لئلا يتوهم عود الضمير إلى الفرزدق. (سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا وتسكب) بالرفع، وهو الصحيح وبالنصب وهم (عيناى الدموع لتجمدا) جعل سكب الدموع كناية عما يلزمه فراق الاحبة من الكثابة والحزن واصاب، لكنه اخطأ في جعل جمود العين كناية عما يوجبه دوام التلاقي من الفرح والسرور (فان الانتقال من جمود العين إلى بخلها بالدموع) حال ارادة البكاء، وهى حالة الحزن (لا إلى ما قصده من السرور) الحاصل بالملاقاة. ومعنى البيت: انى اليوم اطيب نفسا بالبعد والفراق واوطنها على مقاساة الاحزان والاشواق، واتجرع غصصها واتحمل لاجلها حزنا يفيض الدموع من عينى لا تسبب بذلك إلى وصل يدوم ومسرة لا تزول، فان الصبر مفتاح الفرج ولكل بداية نهاية، ومع كل عسر يسرا والى هذا اشار الشيخ عبد القاهر في دلائل الاعجاز. وللقوم ههنا كلام فاسد اوردناه في الشرح. (قيل): فصاحة الكلام خلوصه مما ذكر (ومن كثرة التكرار وتتابع الاضافاة كقوله) وتسعدني في غمرة بعد غمرة (سبوح): أي فرس حسن الجرى لا تتعب راكبها كأنها تجرى في الماء (لها) صفة سبوح. (منها) حال من شواهد (عليها) متعلق بشواهد (شواهد) فاعل الظرف اعني لها يعنى ان لها من نفسها علامات دالة على نجابتها. قيل التكرار ذكر الشئ مرة بعد اخرى ولا يخفى انه لا يحصل كثرة بذكره ثالثا. وفيه نظر، لان المراد بالكثرة ههنا ما يقابل الوحدة ولا يخفى حصوله بذكره ثالثا. (و) تتابع الاضافات مثل (قوله " حمامة جرعى حومة الجندل اسجعى)، فانت بمرأى من سعاد ومسمع ". ففيه اضافة حمامة إلى جرعى وجرعي إلى حومة وحومة إلى الجندل. والجرعى تأنيث الاجرع قصرها للضرورة، وهي: ارض ذات رمل لا تنبت شيئا، والحومة معظم الشئ، والجندل ارض ذات حجارة، والسجع هدير الحمامة ونحوه. وقوله: فانت بمرأى أي بحيث تراك سعاد وتسمع صوتك. يقال: " فلان بمرأى منى ومسمع أي بحيث اراه واسمع قوله " كذا في الصحاح. فظهر فساد ما قيل ان معناه انت بموضع ترين منه سعاد وتسمعين كلامها وفساد ذلك مما يشهد به العقل والنقل. (وفيه نظر) لان كلا من كثرة التكرار وتتابع الاضافات ان ثقل اللفظ بسببه على اللسان فقد حصل الاحتراز عنه بالتنافر والا فلا يخل بالفصاحة، كيف وقع في التنزيل مثل دأب قوم نوح، كذلك ذكر رحمة ربك عبده زكريا، ونفس وما سواها، فالهما فجورها وتقواها. (و) الفصاحة (في المتكلم ملكة) وهي كيفية راسخة في النفس والكيفية عرض لا يتوقف تعلقه على تعقل الغير، ولا يقتضى القسمة واللاقسمة في محله اقتضاء اوليا. فخرج بالقيد الاول الاعراض النسبية مثل الاضافة أو الفعل والانفعال ونحو ذلك، وبقولنا، لا يقتضى القسمة الكميات، وبقولنا واللاقسمة النقطة والوحدة، وقولنا اوليا ليدخل فيه مثل العلم بالمعلومات المقتضية للقسمة واللاقسمة. فقوله: ملكة اشعار بانه لو عبر عن المقصود بلفظ فصيح لا يسمى فصيحا في الاصطلاح ما لم يكن ذلك راسخا فيه. وقوله: (يقتدر بها على التعبير عن المقصود) دون ان يقول يعبر، اشعار بانه يسمى فصيحا إذا وجد فيه تلك الملكة، سواء وجد التعبير أو لم يوجد. وقوله: (بلفظ فصيح) ليعم المفرد والمركب، اما المركب فظاهر. واما المفرد فكما تقول عند التعداد دار غلام جارية ثوب بساط إلى غير ذلك. (والبلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته): أي فصاحة الكلام، والحال هو الامر الداعي للمتكلم إلى ان يعتبر مع الكلام الذى يؤدى به اصل المراد خصوصية ما، وهو مقتضى الحال، مثلا كون المخاطب منكرا للحكم حال يقتضى تأكيد الحكم، والتأكيد مقتضى الحال، وقولك له ان زيدا في الدار مؤكدا بان كلام مطابق لمقتضى الحال. وتحقيق ذلك انه جزئي من جزئيات ذلك الكلام، الذى يقتضيه الحال، فان الانكار مثلا يقتضى كلاما مؤكدا، وهذا مطابق له، بمعنى انه صادق عليه على عكس ما يقال: ان الكلي مطابق للجزئيات. وان اردت تحقيق هذا الكلام فارجع إلى ما ذكرناه في الشرح في تعريف علم المعاني (وهو): أي مقتضى الحال (مختلف فان مقامات الكلام متفاوتة) لان الاعتبار اللائق بهذا المقام يغاير الاعتبار اللائق بذاك، وهذا عين تفاوت مقتضيات الاحوال، لان التغاير بين الحال والمقام انما هو بحسب الاعتبار، وهو انه يتوهم في الحال، كونه زمانا لورود الكلام فيه وفي المقام كونه محلا له. وفي هذا الكلام اشارة اجمالية إلى ضبط مقتضيات الاحوال وتحقيق لمقتضى الحال. (فمقام كل من التنكير والاطلاق والتقديم والذكر يباين مقام خلافه): أي مقام خلاف كل منها يعنى ان المقام الذي يناسبه تنكير المسند إليه أو المسند، يباين المقام الذى يناسبه التعريف، ومقام اطلاق الحكم أو التعليق أو المسند إليه أو المسند أو متعلقه يباين مقام تقييده بمؤكد، أو اداة قصر أو تابع أو شرط أو مفعول أو ما يشبه ذلك، ومقام تقديم المسند إليه أو المسند أو متعلقاته، يباين مقام تأخيره، وكذا مقام ذكره يباين مقام حذفه، فقوله خلافه شامل لما ذكرناه. وانما فصل قوله (ومقام الفصل يباين مقام الوصل) تنبيها على عظم شان هذا الباب، وانما لم يقل مقام خلافه لانه احصر واظهر، لان خلاف الفصل انما هو الوصل، وللتنبيه على عظم شان الفصل قوله ٤ (ومقام الايجاز يباين مقام خلافه) أي الاطناب والمساواة (وكذا خطاب الذكى مع خطاب الغبى) فان مقام الاول يباين مقام الثاني فان الذكى يناسبه من الاعتبارات اللطيفة والمعاني الدقيقة الخفية ما لا يناسب الغبى. (ولكل كلمة مع صاحبتها) أي مع كل كلمة اخرى مصاحبة لها (مقام) ليس لتلك الكلمة مع ما يشارك تلك المصاحبة في اصل المعنى، مثلا الفعل الذى قصد اقترانه بالشرط، فله مع ان مقام ليس له مع إذا وكذا الكل من ادوات الشرط مع الماضي مقام ليس له مع المضارع وعلى هذا القياس (وارتفاع شأن الكلام في الحسن والقبول بمطابقته للاعتبار المناسب وانحطاطه) أي انحطاط شانه (بعدمها) أي بعدم مطابقته للاعتبار المناسب. (والمراد بالاعتبار المناسب الامر الذى اعتبره المتكلم مناسبا بحسب السليقة أو بحسب تتبع تراكيب البلغاء، يقال اعتبرت الشئ، إذا نظرت إليه وراعيت حاله) واراد بالكلام، الكلام الفصيح وبالحسن، الحسن الذاتي الداخل في البلاغة دون العرضى الخارج لحصوله بالمحسنات البديعية (فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب) للحال والمقام، يعنى إذا علم ان ليس ارتفاع شأن الكلام الفصيح في الحسن الذاتي الا بمطابقته للاعتبار المناسب على ما يفيده اضافة المصدر. ومعلوم انه انما يرتفع بالبلاغة التى هي عبارة عن مطابقة الكلام الفصيح لمقتضى الحال، فقد علم ان المراد بالاعتبار المناسب ومقتضى الحال واحد، والا لما صدق انه لا يرتفع الا بالمطابقة للاعتبار المناسب، ولا يرتفع الا بالمطابقة لمقتضى الحال فليتأمل. (فالبلاغة) صفة (راجعة إلى اللفظ) يعنى انه يقال: كلام بليغ لكن لا من حيث انه لفظ وصوت، بل (باعتبار افادته المعنى) أي الغرض المصوغ له الكلام (بالتركيب) متعلق بافادته، وذلك لان البلاغة كما مر عبارة عن مطالبقة الكلام الفصيح لمقتضى الحال، فظاهر ان اعتبار المطابقة وعدمها انما يكون باعتبار المعاني والاغراض التى يصاغ لها الكلام، لا باعتبار الالفاظ المفردة والكلم المجردة. (وكثيرا ما) نصب على الظرف لانه من صفة الاحيان وما لتأكيد معنى الكثرة والعامل فيه. قوله: (يسمى ذلك) الوصف المذكور (فصاحة ايضا) كما يسمى بلاغة، فحيث يقال: أن اعجاز القرآن من جهة كونه في اعلى طبقات الفصاحة يراد بها هذا المعنى. (ولها) أي لبلاغة الكلام (طرفان: اعلى وهو حد الاعجاز) وهو ان يرتقى الكلام في بلاغته إلى ان يخرج عن طوق البشر، ويعجزهم عن معارضته. (وما يقرب منه) عطف على قوله وهو والضمير في منه عائد إلى اعلى، يعنى ان الاعلى مع ما يقرب منه كلاهما من حد الاعجاز، هذا هو الموافق لما في المفتاح. وزعم بعضهم انه عطف على حد الاعجاز والضمير في منه عائد إليه، يعنى ان الطرف الاعلى هو حد الاعجاز، وما يقرب من حد الاعجاز. وفيه نظر لان القريب من حد الاعجاز لا يكون من الطرف الاعلى الذى هو حد الاعجاز وقد اوضحنا ذلك في الشرح. (واسفل وهو ما إذا غير) الكلام (عنه إلى ما دونه) أي إلى مرتبة اخرى هي ادنى منه وانزل (التحق) الكلام وان كان صحيح الاعراب (عند البلغاء باصوات الحيوانات) تصدر عن محالها بحسب ما يتفق، من غير اعتبارات اللطائف والخواص الزائدة على اصل المراد (وبينهما) أي بين الطرفين (مراتب كثيرة) متفاوتة بعضها اعلى من بعض بحسب تفاوت المقامات ورعاية الاعتبارات، والبعد من اسباب الاخلال بالصاحة (وتتبعها) أي بلاغة الكلام (وجوه اخر) سوى المطابقة. والفصاحة (تورث الكلام حسنا) وفي قوله (تتعبها) اشارة إلى ان تحسين هذه الوجوه للكلام عرضى خارج عن حد البلاغة، والى ان هذه الوجوه انما تعد محسنة بعد رعاية المطابقة، والفصاحة وجعلها تابعة لبلاغة الكلام دون المتكلم لانها ليست مما تجعل المتكلم متصفا بصفة. (و) البلاغة (في المتكلم ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ فعلم) مما تقدم (ان كل بليغ) كلا ما كان أو متكلما على سبيل استعمال المشترك في معنييه، أو على تأويل كل ما يطلق عليه لفظ البليغ (فصيح) لان الفصاحة مأخوذة في تعريف البلاغة مطلقا (ولا عكس) بالمعنى اللغوى: أي ليس كل فصيح بليغا، لجواز ان يكون كلام فصيح غير مطابق لمقتضى الحال، وكذا يجوز ان يكون لاحد ملكة يقتدر بها التعبير عن المقصود بلفظ فصحيح من غير مطابقة لمقتضى الحال. (و) علم ايضا (ان البلاغة) في الكلام (مرجعها) أي ما يجب ان يحصل حتى يمكن حصولها، كما يقال مرجع الجود إلى الغنى (إلى الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد) والا لربما ادى المعنى المراد بلفظ فصيح، غير مطابق لمقتضى الحال فلا يكون بليغا (والى تمييز) الكلام (الفصيح من غيره) والا لربما اورد الكلام المطابق لمقتضى الحال بلفظ غير فصيح، فلا يكون ايضا بليغا لوجوب وجود الفصاحة في البلاغة، ويدخل في تمييز الكلام الفصيح من غيره تمييز الكلمات الفصيحة من غيرها لتوقفه عليها. (والثاني) أي تمييز الفصيح من غيره (منه) أي بعضه (ما يبين) أي يوضح (في علم متن اللغة) كالغرابة. وانما قال في علم متن اللغة أي معرفة اوضاع المفردات لان اللغة اعم من ذلك لانه يطلق على سائر اقسام العربية، يعنى به يعرف تمييز السالم من الغرابة عن تمييز غيره، بمعنى ان من تتبع الكتب المتداولة واحاط بمعاني المفردات المأنوسة علم ان ما عداها مما يفتقر إلى تنقير أو تخريج، فهو غير سالم من الغرابة. وبهذا تبين فساد ما قيل انه ليس في علم متن اللغة ان بعض الالفاظ مما يحتاج في معرفته إلى ان يبحث عنه في الكتب المبسوطة في اللغة (أو) في علم (التصريف) كمخالفة القياس إذ به يعرف ان الاجلل مخالف (للقياس) دون الاجل (أو في علم النحو) كضعف التأليف والتعقيد اللفظى (أو يدرك بالحس) كالتنافر، إذ به يعرف ان مستشزرا متنافر دون مرتفع. وكذا تنافر الكلمات (وهو) أي ما يبين في العلوم المذكورة أو ما يدرك بالحس، فالضمير عائد إلى ما، ومن زعم انه عائد إلى ما يدرك بالحس فقدسها سهوا ظاهرا. (ما عد التعقيد المعنوي) إذ لا يعرف بتلك العلوم ولا بالحس تمييز السالم من التعقيد المعنوي من غيره فعلم ان مرجع البلاغة بعضه مبين في العلوم المذكورة وبعضها مدرك بالحس وبقى الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد والاحتراز عن التعقيد المعنوي. فمست الحاجة إلى وضع علمين مفيدين لذلك، فوضعوا علم المعاني للاول وعلم البيان للثاني. واليه اشار بقوله (وما يحترز به عن الاول) أي الخطاء في تأدية المعنى المراد (علم المعاني وما يحترز به عن التعقيد المعنوي علم البيان). وسموا هذين العلمين علم البلاغة لمكان مزيد اختصاص لهما بالبلاغة، وان كان البلاغة تتوقف على غيرهما من العلوم. ثم احتاجوا لمعرفة توابع البلاغة إلى علم آخر، فوضعوا لذلك علم البديع واليه اشار بقوله (وما يعرف به وجوه التحسين علم البديع). ولما كان هذا المختصر في علم البلاغة وتوابعها انحصر مقصوده في ثلاثة فنون (وكثير) من الناس (يسمى الجميع علم البيان وبعضهم يسمى الاول علم المعاني و) يسمى (الاخيرين) يعنى البيان والبديع (علم البيان والثلاثة علم البديع) ولا يخفى وجوه المناسبة واللّه اعلم. |