٥٣- باب الشَّفاعَة اعلم أنه تُستحبّ الشفاعة إلى ولاة الأمر وغيرهم من أصحاب الحقوق والمستوفين لها ما لم تكن شفاعةً في حدٍّ أو شفاعةً في أمر لا يجوز تركهُ؛ كالشفاعة إلى ناظرٍ على طفل أو مجنون أو وقف، أو نحو ذلك في ترك بعض الحقوق التي في ولايته، فهذه كلُّها شفاعة محرّمة تحرم على الشافع، ويحرم على المشفوع إليه قبولها، ويحرم على غيرهما السعي فيها إذا علمها؛ ودلائلُ جميع ما ذكرته ظاهرة في الكتاب والسنّة وأقوال علماء الأمة، قال اللّه تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها، وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها، وكانَ اللّه على كُلّ شَيْءٍ مُقِيتاً} [النساء: ٨٥] المقيت: المقتدر والمقدّر، هذا قول أهل اللغة، وهو محكيٌّ عن ابن عباس وآخرين من المفسرين. وقال آخرون منهم المقيت: الحفيظ، وقيل المقيت: الذي عليه قوت كل دابة ورزقها. وقال الكلبي: المقيت المجازي بالحسنة والسيئة، وقيل المقيت الشهيد، وهو راجع إلى معنى الحفيظ. وأما الكِفْل فهو الحظ والنصيب، وأما الشفاعة المذكورة في الآية: فالجمهور على أنها هذه الشفاعة المعروفة، وهي شفاعة الناس بعضهم في بعض؛ وقيل الشفاعة الحسنة أن يشفع إيمانه بأنه يقاتل الكفار، واللّه أعلم. ٨٦٨- وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه قال: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال قال: ”اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللّه على لسانِ نَبِيِّهِ ما أحَبَّ" وفي رواية "ما شاءَ" وفي رواية أبي داود "اشْفَعُوا إِليَّ لِتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللّه على لِسانِ نَبِيِّهِ ما شاءَ" وهذه الرواية توضّح معنى رواية الصحيحين. (٤٣) ٨٦٩- وروينا في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قصة بريرة وزوجها، قال: قال لها النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: ”لَوْ رَاجعتِيهِ؟ قالت: يا رسول اللّه تأمرني؟ قال: إنما أشْفَعُ، قالتْ: لا حاجةَ لي فيه". (٤٤) ٨٧٠- وروينا في صحيح البخاري، عن ابن عباس، قال: لما قَدِمَ عيينةُ بن حصن بن حذيفة بن بدر نزلَ على ابن أخيه الحرّ بن قيس، وكانَ من النفر الذين يُدنيهم عمرُ رضي اللّه عنه، فقال عيينة: يا بن أخي! لك وجهٌ عند هذا الأمير فاستأذنْ لي عليه، فاستأذنَ له عمرَ، فلما دخل قال: هي يا بن الخطاب! فو اللّه ما تُعطينا الجزلَ ولا تحكمُ بيننا بالعدل، فغضبَ عمر حتى همّ أن يُوقع به، فقال الحرّ: يا أميرَ المؤمنين! إن اللّه عزّ وجلّ قال لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: {خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بالعُرْفِ، وأعْرِضْ عَنِ الجاهِلين} [الأعراف: ١٩٩] وإن هذا من الجاهلين، فو اللّه ما جاوزها عمرُ حين تلاها عليه، وكان وقَّافاً عند كتاب اللّه تعالى. (٤٥) |