٣٤- باب وَعظِ الإِنسانِ مَنْ هُو أجلّ منه فيه حديثُ ابن عباس في قصة عمر رضي اللّه عنه في الباب قبلَه. اعلم أن هذا البابَ مما تتأكدُ العنايةُ به، فيجبُ على الإِنسان النصيحةُ والوعظُ والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر لكل صغير وكبير إذا لم يغلبْ على ظنه ترتُّبُ مفسدةٍ على وعظه، قال اللّه تعالى: {ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، وَجادِلْهُمْ بالَّتِي هِيَ أحْسَنُ} [النحل: ١٢٥] وأما الأحاديثُ بنحو ما ذكرنا فأكثرُ من أن تُحصر. وأما ما يفعله كثيرٌ من الناس من إهمال ذلك في حقّ كبار المراتب وتوهمهم أنَّ ذلك حياء، فخطأٌ صريحٌ وجهلٌ قبيحٌ، فإن ذلك ليس بحياء، وإنما هو خَوَرٌ ومهانةٌ وضعفٌ وعجزٌ، فإن الحياءَ خيرٌ كلُّه، والحياءُ لا يأتي إلا بخير، وهذا يأتي بشرٌ، فليس بحياء، وإنما الحياءُ عند العلماء الربانيين والأئمة المحققين: خُلُق يبعثُ على ترك القبيح، ويمنعُ من التقصير في حقّ ذي الحقّ، وهذا معنى ما رويناه عن الجُنيد رضي اللّه عنه في رسالة القشيري قال: الحياءُ رؤيةُ الآلاء، ورؤيةُ التقصير، فيتولد بينهما حالة تُسمَّى حياء. وقد أوضحتُ هذا مبسوطاً في أوّل شرح صحيح مسلم، وللّه الحمد، واللّه أعلم. |