Geri

   

 

 

İleri

 

الركن الثالث

قوله الركن الثالث في الإجماع هو في اللغة العزم يقال أجمع فلان على كذا أي عزم والاتفاق يقال أجمع القوم على كذا أي اتفقوا وفي الاصطلاح اتفاق المجتهدين من أمة محمد عليه الصلاة والسلام في عصر على حكم شرعي والمراد بالاتفاق الاشتراك في الاعتقاد أو القول أو الفعل وقيد بالمجتهدين إذ لا عبرة باتفاق العوام وعرف فاللام الاستغراق احترازا عن اتفاق بعض مجتهدي عصر واحترز بقوله من أمة محمد عليه الصلاة والسلام عن اتفاق مجتهدي الشرائع

(٢/٨٩)

السالفة وقوله في عصر حال من المجتهدين معناه زمان ما قل أو كثر

وفائدته الاحتراز عما يرد على من ترك هذا القيد من لزوم عدم انعقاد الإجماع إلى آخر الزمان إذ لا يتحقق اتفاق جميع المجتهدين إلا حينئذ ولا يخفى أن من تركه إنما تركه لوضوحه لكن التصريح به أنسب بالتعريفات وأطلق ابن الحاجب وغيره الأمر ليعم الشرعي وغيره حتى يجب اتباع إجماع آراء المجتهدين في أمر الحروب ونحوها ويرد عليه أن تارك الاتباع إن أثم فهو أمر شرعي وإلا فلا معنى للوجوب والمصنف رحمه اللّه تعالى خصه بالشرع زعما منه أنه لا فائدة للإجماع في الأمور الدنيوية والدينية الغير الشرعية وفيما ذكره من البيان نظر لأن العقلي قد يكون ظنيا فبالإجماع يصير قطعيا كما في تفضيل الصحابة رضي اللّه عنهم وكثير من الاعتقاديات وأيضا الحسي الاستقبالي قد يكون مما لم يصرح به المخبر الصادق بل استنبطه المجتهدون من نصوصه فيفيد الإجماع قطعيته

قوله فالبحث هنا في أمور ركنه وأهله وشرطه وحكمه وسببه أعني السند والناقل وعلى هذا كان المناسب أن يقول الأول ركنه إلا أنه أراد بالبحث المعنى الجنسي فكأنه قال والأبحاث هاهنا في أمور فبهذا الاعتبار صح

قوله الأول في ركنه

قوله ضرب امرأة لجناية روي أن امرأة غاب عنها زوجها فبلغ عمر أنها تجالس الرجال وتحدثهم فأشخص إليها ليمنعها من ذلك فأملصت من هيبته أي أزلفت الجنين وأسقطته

قوله وقد يكون أي سكوت المجتهد للتأمل وغيره كاعتقاد حقيقة اجتهاد كل مجتهد أو كون القائل أكبر سنا منه أو أعظم قدرا أو أوفر علما أو استقرار الخلاف حتى لو حضر مجتهد

(٢/٩٠)

والحنفية والشافعية رحمهم اللّه تعالى لو تكلم أحدهم بما يوافق مذهبه وسكت الآخرون لم يكن إجماعا ولا يحصل سكوتهم على الرضا لتقرر الخلاف ثم لا يخفى أن اشتراط مضي مدة التأمل إنما يدفع احتمال كون السكوت للتأمل

ولا يدفع احتمال كونه لتصويب المجتهدين أو استقرار الخلاف أو نحو ذلك أو علم أن مثل هذا الإجماع يسمى الإجماع السكوتي لا يكون جاحده كافرا وإن كان هو من الأدلة القطعية بمنزلة العام من النصوص

قوله بالعيوب الخمسة هي الجذام والبرص والجنون في أحد الزوجين والجب والعنة في الزوج والرتق والقرن في الزوجة

قوله فشمول العدم هو في حكم الغسل أن لا يجب غسل المخرج ولا غسل أعضاء الوضوء وشمول الوجود أن يجب غسلهما جميعا وفي حكم النقض شمول الوجود أن تنتقض الطهارة بكل من خروج الخارج من غير السبيلين وبمس المرأة وشمول العدم أن لا ينتقض بشيء منهما

(٢/٩١)

(٢/٩٢)

قوله وقال بعض المتأخرين ذكر الآمدي في الأحكام أن المختار في هذه المسألة إنما هو التفصيل وهو أن القول الثالث إن كان يرفع ما اتفق عليه القولان فهو ممتنع لما فيه من مخالفة الإجماع وإلا فلا إذ ليس فيه خرق الإجماع حيث وافق كلا من القولين من وجه وإن خالفه من وجه وبين كثيرا من أمثلة القسمين ثم قال

فإن قيل كل من القولين غير قائل بالتفصيل فهو قول لم يقل به قائل فيكون باطلا

قلنا عدم القول به لا يوجب بطلان القول به وإلا لما جاز الحكم في واقعة

(٢/٩٣)

متجددة لم يسبق فيها قول لأحد

فإن قيل قد اتفق القولان على نفي التفصيل فالقول بالتفصيل خرق للإجماع

قلنا ممنوع فإن عدم القول بالتفصيل أعم من القول بعدم التفصيل والأعم لا يستلزم الأخص نعم لو صرح القولان بنفي التفصيل لما جاز القول به

فإن قيل ففي التفصيل تخطئة كل من الفريقين في بعض ما ذهب إليه هي تخطئة للأمة فيمتنع

قلنا الممتنع تخطئة الأمة فيما اتفقوا عليه لا تخطئة كل بعض فيما لا اتفاق عليه فعلم أن عدم القول بالفصل وإن اشتهر في المناظرات لكنه ليس مما وقع الاتفاق على قبوله

وإنما يقبل حيث يصلح إلزاما للخصم بأن يلزم من التفصيل بطلان مذهبه ثم التفصيل الذي اختاره صاحب الأحكام ومن تبعه أصل كلي يفيد معرفة أحكام الجزئيات إذ لا يخفى على الناظر المتأمل أن القول الثالث هل يشتمل على رفع ما اتفق عليه القولان السابقان أم لا ليس على الأصولي التعرض لتفاصيل الجزئيات

وما ادعاه الخصم من أن القول الثالث مستلزم لبطلان الإجماع في جميع الصور غير معتد به لأنه ادعاء باطل لأنا لا نسلم ثبوت أحد الشمولين بالإجماع في مسألة الزوج أو الزوجة مع الأبوين كيف وقد يصدق أنه لا شيء من الشمولين بمجمع عليه لما فيه من مخالفة البعض ولهذا أحدث التابعون قولا ثالثا فقال ابن سيرين بثلث الكل في زوج وأبوين دون زوجة وأبوين

وقال تابعي آخر بالعكس وكذا في العيوب الخمسة ليس شمول الوجود ولا شمول العدم بمجمع عليه وكذا في البواقي مثلا لا إجماع على وجوب غسل المخرج

(٢/٩٤)

لمخالفة أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى ولا على وجوب غسل أعضاء الوضوء لمخالفة الشافعي

رحمه اللّه تعالى وإذا صدق أنه لا شيء ولا واحد من الطهارتين مما يجب إجماعا فكيف يصدق أن إحداهما واجبة إجماعا غاية ما في الأمر أنه ركبت مغلظة بحسب التعبير عن الأمرين بمفهوم يشملها على سبيل البدل ويكون تعلق الحكم به في كل من القولين باعتبار فرد آخر وظاهر أنه لا يلزم منه الإجماع على الحكم في شيء من الإفراد بخلاف مسألة العدة والجد مع الإخوة لاتفاق الفريقين على عدم جواز الاكتفاء بالأشهر قبل الوضع وعلى عدم جواز حرمان الجد

وأما مسألة علة الربا فلا يخفى أن القول الثالث إن كان قولا بعدم اعتبار الجنس في العلية كان مخالفا للإجماع وإلا فلا إذ لم يقع اتفاق الأقوال الثلاثة إلا على اعتبار الجنس في العلية

قوله

أما عند ابن مسعود رحمه اللّه تعالى داخل في حيز

قوله لم يقل به أحد يعني لا قائل بأن المجموع المركب من كون عدة الحامل بوضع الحمل ومن انتفاء حجب المحروم منتف بإجماع ابن مسعود رحمه اللّه تعالى وغيره

أما عنده فلأن الجزء الثاني أعني انتفاء الحجب منتف لأن الحجب ثابت

وأما عند غيره فلأن الجزء الأول أعني كون العدة بوضع الحمل منتف لكونها بعد الأجلين والمركب ينتفي بانتفاء أحد جزأيه

قوله في الضمار هو المال الغائب الذي لا يرجى فإن رجي فليس بضمار وقيل هو ما لا ينتفع به من الأموال

قوله فلا بد من ضابط تقرير كلامه أن القولين السابقين إن اشتركا في أمر واحد هو حكم شرعي فإحداث القول الثالث يكون إبطالا للإجماع وإن لم يشتركا في ذلك بأن لا يكون المشترك فيه واحدا بالحقيقة أو كان واحدا لكن لا يكون حكما شرعيا فإحداث القول الثالث لا يكون إبطالا للإجماع وعند تقرير هذا الضابط لا بد من النظر في أن أي موضع يشترك فيه القولان في حكم واحد شرعي وأي موضع لا يشتركان فيه في ذلك فنقول المختلف فيه بين القولين الأولين قد يكون حكما شرعيا متعلقا بمحل واحد وقد يكون حكما متعلقا بأكثر من محل واحد

أما الأول وهو أن يكون حكما متعلقا بمحل واحد فالقولان فيه قد يظهر اشتراكهما في حكم واحد شرعي فيبطل الثالث كما في مسألة العدة والجد مع الإخوة وقد يظهر عدم اشتراكهما في ذلك كما في مسألة الربا فلا

(٢/٩٥)

يبطل الثالث وقد يكونان بحيث يمكن أن يخرج منهما اشتراك في حكم واحد شرعي وافتراق بين أمرين وحينئذ إن كان الافتراق مما حكم به الشرع كما في مسألة ذات الزوجين فإن القولين يشتركان في إثبات نسب الولد من أحدهما

وفي أن الثبوت من أحدهما ينافي الثبوت من الآخر بحكم الشرع فإحداث القول الثالث باطل سواء كان قولا بشمول الوجود أعني ثبوت النسب منهما جميعا أو بشمول العدم أعني عدم ثبوته من واحد منهما أصلا وإن لم يكن الافتراق مما حكم به الشرع كما في مسألة الخارج من غير السبيلين حيث اتفق القولان على وجوب التطهير أعني الوضوء أو غسل المخرج وعلى الافتراق أعني كون الواجب أحدهما فقط لكن لم يحكم الشرع بأن وجوب أحدهما ينافي وجوب الآخر فالقول الثالث إن كان قولا بشمول العدم أعني عدم وجوب شيء منهما كان باطلا ومبطلا للإجماع السابق

وإن كان قولا بشمول الوجود أعني وجوبهما جميعا لم يكن باطلا لعدم استلزامه إبطال الإجماع ولزم من هذا أن الحكم بأنه إذا اشترك القولان في حكم واحد شرعي كان القول الثالث مستلزما لإبطال الإجماع ليس على إطلاقه

وأما الثاني وهو أن يكون الحكم المختلف فيه حكما متعلقا بأكثر من محل واحد فاختلاف القولين إنما يتصور بثلاثة أوجه الأول أن يكون أحدهما قائلا بثبوت الحكم في صورة معينة وعدم ثبوته في الصورة الأخرى والآخر قائلا بالعكس كقول أبي حنيفة رحمه اللّه بالانتقاض بالخروج من غير السبيلين لا بمس المرأة وقول الشافعي رحمه اللّه تعالى بالانتقاض بالمس دون الخروج فالقول بالانتقاض بكل منهما أو بعدم الانتقاض بشيء منهما لا يكون إبطالا لحكم شرعي مجمع عليه

الثاني أن يكون أحدهما قائلا بالثبوت في الصورتين وهو معنى شمول الوجود والآخر بالعدم فيهما وهو معنى شمول العدم فإن اتفق الشمولان على حكم واحد شرعي كتسوية الأب والجد في الولاية كان القول بالافتراق مبطلا للإجماع وإلا فلا كالقول بجواز الفسخ ببعض العيوب دون البعض

الثالث أن يكون أحدهما قائلا بالثبوت في إحدى الصورتين بعينها والعدم في الأخرى والآخر قائلا بالثبوت في كلتا الصورتين فيكون اتفاقا على الثبوت في صورة بعينها أو بالعدم فيهما فيكون اتفاقا على العدم فلا صورة بعينها فيكون القول الثالث إبطالا للمجمع عليه كمسألة الصلاة

(٢/٩٦)

في الكعبة نفلا وفرضا ويجعل هذه المسألة ومسألة مساواة الأب والجد من القسم الثاني يتبين أن ليس المراد بالأول أن يشترك القولان في حكم واحد شرعي وبالثاني أن لا يشتركا فيه

وأما مسألة بيع الملاقيح والبيع بالشرط فلا يخفى عليك أنها خارجة عن المبحث فإن بطلان بيع الملاقيح مسألة مجمع عليها والبيع بالشرط مسألة مختلف فيها لا تعلق لإحداهما بالأخرى

والمبحث هو أنه إذا سبق في مسألة اختلاف على قولين فإحداث قول ثالث هل يكون إبطالا للإجماع أم لا

قوله

وأما مسألة الربا أحد القولين فيها علية القدر مع الجنس والآخر الطعم مع الجنس أو الادخار مع الجنس وهما لا يشتركان في واحد حقيقي هو حكم شرعي فإن مفهوم أحد الأمرين واحد بحسب الاعتبار بل بحسب العبارة دون الحقيقة ومع ذلك فليست العلية حكما شرعيا لا يدرك لولا خطاب الشارع بل قد يستنبط نعم يمكن أن يقال إن القولين اتفقا على أنه لا ربا في غير الجنس وهذا حكم شرعي فالقول بعدم دخول الجنس في العلية رفع لذلك

(٢/٩٧)

قوله فالتطهير واجب بالإجماع قد عرفت أنه يصدق لا شيء من التطهيرين بمجمع على وجوبه

أما غسل المخرج فلمخالفة أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى

وأما غسل الأعضاء فلمخالفة الشافعي رحمه اللّه تعالى فلا يصدق أن أحدهما واجب بالإجماع

قوله ولو جعل الحكمان يعني لو اعتبر التركيب بين الحكمين في كل من القولين ليصير حكما واحدا بأن يقال الانتقاض بالخروج مع عدم الانتقاض بالمس حكم واحد لأبي حنيفة رحمه اللّه تعالى والانتقاض بالمس مع عدم الانتقاض بالخروج حكم واحد للشافعي رحمه اللّه تعالى فهذان لا يشتركان في أمر واحد وقع الاتفاق عليه حتى تكون مخالفته إبطالا للإجماع

فإن قيل قد اتفقا على أحد الافتراقين أعني انتقاض الخروج دون المس أو بالعكس

فالجواب ما مر من أنه مع كونه واحدا اعتباريا ليس بحكم شرعي

فإن قيل ينبغي أن يكون القول بشمول العدم مبطلا للإجماع على حكم شرعي هو بطلان صلاة من احتجم ومس

فالجواب أن بطلانها ليس بمجمع عليه وإنما قال فالذي يخطر ببالي لأن الظاهر أنه لا خلاف في بطلان الصلاة وإنما الخلاف في جهة البطلان فالحكمان متحدان لا تغاير بينهما أصلا وإنما التغاير في العلة

قوله

وأما الإجماع المركب فأعم من هذا أي مما يسمى عدم القائل بالفصل لأنه يشمل ما إذا كان أحدهما قائلا بالثبوت في إحدى الصورتين فقط والآخر بالثبوت فيهما أو بالعدم فيهما

(٢/٩٨)

قوله وليس هو أي صاحب البدعة الذي يدعو الناس إليها ليس من الأمة على الإطلاق لأنه وإن كان من أهل القبلة فهو من أمة الدعوة دون المتابعة كالكفار ومطلق الاسم لأمة المتابعة المشهود لها بالعصمة

قال شمس الأئمة صاحب البدعة إن لم يكن يدعو إليها ولكنه مشهور بها فقيل لا يعتد بقوله فيما يضل فيه

وأما فيما سواه فيعتد به والأصح أنه إن كان مظهرا لها فلا يعتد بقوله أصلا وإلا فالحكم كما ذكر

قوله بالتعصب هو عدم قبول الحق عند ظهور الدليل بناء على ميل إلى جانب

(٢/٩٩)

قوله لا يكفر بالمخالفة يعني في صورة عدم تمام الإجماع بناء على بقاء مخالف واحد

قوله انقراض العصر عبارة عن موت جميع من هو من أهل الاجتهاد في وقت نزول الحادثة بعد اتفاقهم على حكم فيها وفائدة ذلك جواز الرجوع قبل الانقراض لا دخول من سيحدث وقيل جواز الرجوع ودخول من أدرك عصرهم من المجتهدين في إجماعهم أيضا وعند القائلين بالاشتراط ينعقد الإجماع لكن لا يبقى حجة بعد الرجوع وقيل لا ينعقد مع احتمال الرجوع

قوله فجعلوا الخلاف المتقدم مانعا يعني إذا لم يكن على طريق البحث عن المأخذ كما هو دأب المناظرة بل على أن يعتقد كل حقية ما ذهب إليه وعليه عامة أهل الحديث والشافعية وقد صح عن محمد رحمه اللّه تعالى أنه لا يكون مانعا ونقل عن أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى ما يشعر بالمنع وذلك كبيع أمهات الأولاد كان مختلفا بين الصحابة فأجمع التابعون على أنه لا يجوز فلو قضى به قاض لا ينفذ عند محمد رحمه اللّه تعالى وروى الكرخي عن أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى أنه لا ينقض فقيل هذا مبني على أن الإجماع لم ينعقد وقيل على أن فيه شبهة حيث ذهب كثير من العلماء إلى أنه ليس بإجماع

(٢/١٠٠)

قوله لكنه لم يبق أي لم يبق دليلا يعتد به ويعمل به وعبارة فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى أنه نسخ واعترض عليه بأنه لا نسخ بعد انقطاع الوحي وأجيب بجوازه فيما يثبت بالاجتهاد على معنى أنه لما انتهى ذلك الحكم بانتهاء المصلحة وفق اللّه تعالى أئمة المجتهدين رحمهم اللّه تعالى للاتفاق على القول الآخر ورفع الخلاف وإن لم يعرفوا مدة الحكم وتبدل المصلحة

(٢/١٠١)

قوله وهو أن يثبت الحكم أي الحكم الشرعي إذ الحكم الدنيوي لا يثبت يقينا لأن الإجماع لا يكون فوق صريح قول الرسول عليه الصلاة والسلام وهو ليس بحجة في مصالح الدنيا لقوله عليه الصلاة والسلام في قصة التلقيح أنتم أعلم بأمور دنياكم وربما كان يترك رأيه في الحروب بمراجعة الصحابة وقيل يثبت الحكم مطلقا لكن في الدنيوي تجوز مخالفته بعد تبدل المصلحة

وأما الحكم الشرعي المجمع عليه فإن كان إجماعه ظنيا لا يكفر جاحده وإن كان قطعيا فقيل يكفر وقيل لا يكفر والحق أن نحو العبادات الخمس مما علم بالضرورة كونه من الدين يكفر جاحده اتفاقا

وإنما الخلاف في غيره وسيأتي فيه تفصيل واستدل على إفادة الإجماع بثبوت الحكم يقينا بوجوه من الكتاب والسنة منها

قوله تعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وجه الاستدلال أنه تعالى أوعد باتباع غير سبيل المؤمنين بضمه إلى مشاقة الرسول التي هي كفر فيحرم إذ لا يضم مباح إلى حرام في الوعيد وإذا حرم اتباع غير سبيلهم يلزم اتباع سبيلهم إذ لا مخرج عنهما لأن ترك الاتباع غير سبيلهم فيدخل في اتباع غير سبيلهم والإجماع سبيلهم فيلزم اتباعه

فإن قيل لفظ الغير مفرد لا يفيد العموم فلا يلزم حرمة اتباع كل ما يغاير سبيل المؤمنين بل يجوز أن يكون غير سبيل المؤمنين هو الكفر والتكذيب

قلنا بل هو عام بالإضافة إلى الجنس بدليل صحة الاستثناء قطعا ولو سلم فيكفي الإطلاق

فإن قيل السبيل حقيقة في الطريق الذي يمشي فيه وهو غير مراد اتفاقا وليس حمله على الطريق الذي اتفق عليه الأمة من قول أو فعل أو اعتقاد أولى من حمله على الدليل الذي اتبعوه

قلنا اتباع غير الدليل إن كان هو القياس داخل في مشاقة الرسول أي مخالفة حكمه إذ القياس أيضا مستند إلى نص وحينئذ يلزم التكرار

فإن قيل لو عم لزم اتباع المباحات وإسناد الحكم إلى الدليل الذي أسند المؤمنون إجماعهم إليه

قلنا خص ذلك للقطع بأنه لا يلزم المتابعة في المباح

وأن الاتباع هو الإتيان بمثل فعل الغير

(٢/١٠٢)

لكونه فعل الغير لا لكونه مما ساق إليه الدليل مثلا إيمان المؤمنين باللّه تعالى ونبوة موسى عليه الصلاة والسلام لا يعد اتباعا لليهود وذلك كما خص المؤمنون بالمجتهدين الموجودين في عصر

فإن قيل يجوز أن يراد سبيل المؤمنين في متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام أو مناصرته والاقتداء به أو فيما صاروا به مؤمنين وهو الإيمان به كيف وقد نزلت الآية في طعمة بن تصحاب حين سرق درعا وارتد ولحق بالمشركين

أجيب بأن العبرة للعمومات والإطلاقات دون خصوصيات الأسباب والاحتمالات والثابت بالنصوص ما دلت عليه ظواهرها ولم يصرف عنه قرينة وقد يقال إن التمسك بالظواهر ووجوب العمل بها إنما ثبت بالإجماع ولولاه لوجب العمل بالدلائل المانعة عن اتباع الظن واعترض المصنف رحمه اللّه تعالى بأنه يجوز أن يكون سبيل المؤمنين ما أتى به الرسول عليه الصلاة والسلام ويكفي في صحة العطف تغاير المفهومين وجوابه أنا لا نمنع ذلك من جهة أنه لا يصح العطف بل من جهة أن سبيل المؤمنين عام لا مخصص له بما ثبت إتيان الرسول عليه الصلاة والسلام مع أن حمل الكلام على الفائدة الجديدة أولى من حمله على التكرار وتغاير المفهومين لا يدفع التكرار كما في قولنا اتبعوا القرآن وكتاب اللّه تعالى والتنزيل ونحو ذلك

قوله ولا يمكن أيضا أن يكون سبيل المؤمنين أحكاما لا يدخل فيها ما أتى به النبي عليه الصلاة والسلام هذا مما لا حاجة إليه في الاستدلال إذ على تقدير كونه غير ما أتى به النبي عليه الصلاة والسلام لا يدخل اتباع ما أتى به النبي عليه الصلاة والسلام في الوعيد لأن عطف اتباع غير سبيل المؤمنين على مخالفة الرسول عليه الصلاة والسلام وإلحاق الوعيد بهما قرينة ظاهرة على أن اتباع ما أتى به وامتثال أوامره لا يدخل في الوعيد وإن كان غير سبيل المؤمنين وعلى هذا لا حاجة إلى ما التزمه من أن جزء الشيء ليس غيره مع أنه أمر اتفق على بطلانه جمهور المتمسكين بهذه الآية على حجية الإجماع

(٢/١٠٣)

قوله وقوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا أثبت لمجموع الأمة العدالة وهي تقتضي الثبات على الحق والطريق المستقيم لأن العدالة الحقيقة الثابتة بتعديل اللّه تعالى تنافي الكذب والميل إلى جانب الباطل ولا خفاء في أنها ليست ثابتة لكل واحد من الأمة فتعين المجموع وأيضا الشاهد حقيقة هو المخبر بالصدق واللفظ مطلق يتناول الشهادة في الدنيا والآخرة فيجب أن يكون قول الأمة حقا وصدقا ليختارهم الحكيم الخبير للشهادة على الناس

قوله وكل الفضائل منحصرة في التوسط تقدير هذا الكلام أن الخالق تعالى وتقدس قد ركب في الإنسان ثلاث قوى

إحداها مبدأ إدراك الحقائق والسوق إلى النظر في العواقب والتمييز بين المصالح والمفاسد ويعبر عنها بالقوة النطقية والعقلية والنفس المطمئنة والملكية

والثانية مبدأ جذب المنافع وطلب الملاذ من المآكل والمشارب وغير ذلك وتسمى القوة الشهوانية والبهيمية والنفس الأمارة

والثالثة مبدأ الإقدام على الأهوال والشوق إلى التسلط والترفع وهي القوة الغضبية والسبعية والنفس اللوامة وتحدث من اعتدال الحركة للأولى الحكمة وللثانية العفة وللثالثة الشجاعة فأمهات الفضائل هي هذه الثلاثة وما سوى ذلك إنما هو من تفريعاتها وتركيباتها وكل منها محتوش بطرفي إفراط وتفريط هما رذيلتان

أما الحكمة فهي معرفة الحقائق على ما هي عليه بقدر الاستطاعة وهي العلم النافع المعبر عنه بمعرفة النفس ما لها وما عليها المشار إليه بقوله تعالى ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وإفراطها الجربزة وهي استعمال الفكر

(٢/١٠٤)

فيما لا ينبغي كالمتشابهات وعلى وجه لا ينبغي كمخالفة الشرائع نعوذ باللّه تعالى من علم لا ينفع وتفريطها الغباوة التي هي تعطيل القوة الفكرية بالإرادة والوقوف عن اكتساب العلوم النافعة

وأما الشجاعة فهي انقياد السبعية للناطقية في الأمور ليكون إقدامها على حسب الروية من غير اضطراب في الأمور الهائلة حتى يكون فعلها جميلا وصبرها محمودا وإفراطها التهور أي الإقدام على ما لا ينبغي وتفريطها الجبن أي الحذر عما لا ينبغي الحذر عنه

وأما العفة فهي انقياد البهيمية للناطقية ليكون تصرفاتها بحسب اقتضاء الناطقية ليسلم عن استعباد الهوى إياها واستخدام اللذات

وإفراطها الخلاعة والفجور أي الوقوع في ازدياد اللذات على ما يجب وتفريطها الخمود أي السكوت عن طلب اللذات بقدر ما رخص فيه العقل والشرع إيثارا لا خلقة فالأوساط فضائل والأطراف رذائل وإذا امتزجت الفضائل الثلاثة حصلت من امتزاجها حالة متشابهة هي العدالة فبهذا الاعتبار عبر عن العدالة بالوساطة وإليه أشير بقوله عليه الصلاة والسلام خير الأمور أوسطها والحكمة في النفس البهيمية بقاء البدن الذي هو مركب النفس الناطقة لتصل بذلك إلى كمالها اللائق بها ومقصودها المتوجهة إليه

وفي السبعية كسر البهيمية وقهرها ودفع الفساد المتوقع من استيلائها واشترط التوسط في أفعالهما لئلا تستبعد الناطقة في هواهما وتصرفاتهما عن كمالها ومقصدها وقد مثل ذلك بفارس استردف سبعا وبهيمة للاصطياد فإن انقاد السبع والبهيمة للفارس واستعملهما على ما ينبغي حصل مقصود الكل بوصول الفارس إلى الصيد والسبع إلى الطعمة والبهيمة إلى العلف وإلا هلك الكل فقوله النفس الحيوانية أراد بها ما هو أعم من البهيمية والسبعية

وأما الكلام في أن هذه الثلاثة نفوس متعددة أم نفس واحدة مختلفة بالاعتبارات أم قوى وكيفيات للنفس الإنسانية فموضعه علم آخر

قوله

وأما غيره من الآيات فدلالته على أن اتفاق مجتهدي عصر واحد حجة قطعية ليست بقوية

أما

قوله تعالى كنتم خير أمة الآية فلأن الظاهر أن الخطاب

(٢/١٠٥)

للصحابة على ما يشعر به

قوله تعالى لن يضروكم إلا أذى وأن الضلال في بعض الأحكام بناء على الخطأ في الاجتهاد بعد بذل الوسع لا ينافي كون المؤمنين العاملين بالشرائع الممتثلين للأوامر خير الأمم ولأن المعروف والمنكر ليسا على العموم إذ رب منكر لم ينهوا عنه لعدم الاطلاع عليه ولأن المعروف والمنكر بحسب الرأي والاجتهاد لا يلزم أن يكونا كذلك في الواقع وبعد تسليم جميع ذلك لا دلالة له قطعا على قطعية إجماع المجتهدين من عصر

وأما

قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا الآية فلأن العدالة لا تنافي الخطأ في الاجتهاد إذ لا فسق فيه بل هو مأجور ولأن المراد كونهم وسطا بالنسبة إلى سائر الأمم ولأنه لا معنى لعدالة المجموع بعد القطع بعدم عدالة كل من الأحاد وبعد التسليم لا دلالة على قطعية إجماع المجتهدين في عصر

قوله وما ذكر من الأخبار قد يستدل على حجية الإجماع بأن الأخبار في عصمة الأمة عن الخطأ مع اختلاف العبارات وكون كل منها خبرا واحدا قد تظاهرت حتى صارت متواترة المعنى بمنزلة شجاعة علي رضي اللّه عنه وجود حاتم فأجاب بأن بلوغ مجموعها حد التواتر غير معلوم ولا يخفى أن مثل هذا يرد على كل ما ادعي تواتر معناه

(٢/١٠٦)

قوله فأنا أذكر قد ذكر المصنف رحمه اللّه مما سنح له قطعية الإجماع ستة أوجه

حاصل الأول أن اللّه تعالى حكم بإكماله دين الإسلام فيجب أن لا يكون شيء من أحكامه مهملا ولا شك أن كثيرا من الحوادث مما لم يبين بصريح الوحي فيجب أن يكون مندرجا تحت الوحي بحيث لا يصل إليه كل أحد وحينئذ

إما أن لا يمكن للأمة استنباطه وهو باطل إذ لا فائدة في الإدراج أو يمكن لغير المجتهدين منهم خاصة وهو باطل بالضرورة فتعين استنباطه للمجتهدين وحينئذ

إما أن يستنبطه قطعا ويقينا كل مجتهد وهو أيضا باطل لما بينهم من الاختلاف أو جميع المجتهدين إلى يوم القيامة وهو أيضا باطل لعدم الفائدة فتعين استنباط جمع من جميع المجتهدين ولا دلالة على تعيين عدد معين من الأعصار فيجب أن يعتبر عصر واحد وحينئذ لا ترجيح للبعض على البعض فتعين اعتبار جميع المجتهدين في عصر واحد فيكون اتفاقهم بيانا للحكم وبينة عليه فيجب اتباعه للآيات الدالة على وجوب اتباع البينة هذا غاية تقرير هذا الكلام

ولقائل أن يقول وجوب الاتباع لا يستلزم القطع وأيضا ما ذكر لا يدل على حجية إجماع مجتهدي كل عصر لجواز أن يكون الحكم المندرج في الوحي مما يطلع عليه واحد أو جماعة من المجتهدين في عصر آخر قبله أو بعده وأيضا إكمال الدين هو التنصيص على قواعد العقائد والتوقيف على أصول الشرائع وقوانين الاجتهاد لإدراج حكم كل حادثة في القرآن والمصنف رحمه اللّه تعالى جعل القضايا المتفق عليها نوعين أحدهما ما اتفق عليه جميع الناس

والثاني ما اتفق عليه المجتهدون من أمة محمد عليه الصلاة والسلام في عصر وظاهر أنها لا تنحصر في ذلك لأن ما لم يتفق عليها جميع الناس بل بعضهم أقسام كثيرة لا يدخل تحت الحصر ثم ذكر في النوع الأول تطويلا وتفصيلا لا دخل له في المقصود إلا بيان أن ما اتفق عليه المجتهدون في عصر يجب على ذلك العصر قبوله كما أن المتفق عليها بين الجميع يجب قبولها وثبوتها في نفس الأمر بمنزلة المتواترات والمجربات

(٢/١٠٧)

قوله وأيضا

قوله تعالى فلولا نفر الآية لقائل أن يقول هذا لا يفيد إلا كون ما اتفق عليه طوائف الفقهاء حجة على غير الفقهاء والكلام في كونه حجة على المجتهدين حتى لا يسعهم مخالفته وأيضا وجوب العمل لا يستلزم القطع وكذا الكلام في

قوله تعالى أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم على أنه لو صح ما ذكره لزم أن يكون قول مجتهد واحد في عصر لا مجتهد فيه غيره حجة قطعية لكونه بينة على الحكم في ذلك العصر

قوله وأيضا

قوله تعالى وما كان اللّه ليضل قوما الآية لقائل أن يقول المراد عدم الإضلال بالإلجاء إلى الكفر بعد الهداية إلى الإيمان إذ كثيرا ما يقع الخطأ لجماعات العلماء وأيضا هذا لا ينفي وقوع الضلال والذهاب إلى غير الحق من النفس أو من الشيطان وإنما ينفي وقوع الإضلال من اللّه تعالى وأيضا لو أجري على ظاهره لزم أن لا يخطأ جماعة من العلماء قط ولا دلالة على تعيين جميع المجتهدين في عصر

قوله وأيضا

قوله تعالى ونفس وما سواها الآية الواو للقسم ومعنى تنكير نفس التكثير وقيل المراد نفس آدم عليه السلام ومعنى إلهام الفجور والتقوى إفهامها وتعريف حالها والتمكين من الإتيان بهما ومعنى تزكيتها إنماؤها بالعلم والعمل ومعنى تدسيتها نقضها وإخفاؤها بالجهالة والفسوق وليس معنى إلهام الفجور والتقوى أن يعلم كل خير وشر ولا اختصاص لذلك بالنفس المزكاة فكيف بجميع المجتهدين من أمة محمد عليه الصلاة والسلام في عصر

والعجب من المصنف رحمه اللّه تعالى كيف رد استدلالات القوم بأنها ليست قطعية الدلالة على كون الإجماع حجة قطعية وأورد مما سنح له ما لا دلالة فيه على المطلوب بوجه من الوجوه وإلحاق هذه الوجوه بالكتاب مما اتفق له في آخر عهده ولا يوجد في النسخ القديمة وقد يقال إن مراده الاستدلال بمجموع الآيات المذكورة لا بكل واحد وذلك مع أنه خلاف ظاهر كلامه ليس بمستقيم إذ لا دلالة للمجموع أيضا قطعا

قوله وأيضا العلماء استدلال جيد إلا أن حاصله راجع إلى ما سبق من أن الأحاديث الدالة

(٢/١٠٨)

على حجية الإجماع متواترة المعنى والمصنف رحمه اللّه تعالى قد منع ذلك ثم لما كان هذا مظنة أن يقال إن العلماء لم يتفقوا على ذلك بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب لأن منهم من خالف وزعم أن الحجة إنما هو إجماع أهل المدينة أو إجماع العترة أجاب بأن ما ندعي كونه حجة أخص الإجماعات لأنه إجماع جميع المجتهدين في عصر فيدخل فيهم المجتهدون من أهل المدينة والعترة بخلاف إجماع أهل المدينة أو العترة فإنه لا يستلزم إجماع الكل وفيه نظر لأنه قد لا يوجد في العصر مجتهد من العترة أو لا يطلع عليه كما في القرن الثالث وما بعده فلا يكون أخص ولا تدل أدلتهم على مطلوبنا لأن دليلهم هو اشتمال إجماع العترة على قول الإمام المعصوم بل الجواب أن المراد اتفاق علماء السنة والجماعة وإلا فقد خالف كثير من أهل الهوى والبدع

قوله ثم الإجماع على مراتب فالأولى بمنزلة الآية والخبر المتواتر يكفر جاحده

والثانية بمنزلة الخبر المشهور يضلل جاحده

والثالثة لا يضلل جاحده لما فيه من الاختلاف

(٢/١٠٩)

قوله وفي مثل هذا الإجماع يجوز التبديل ذهب فخر الإسلام رحمه اللّه تعالى إلى أنه يجوز نسخ الإجماع بالإجماع وإن كان قطعيا حتى لو أجمع الصحابة على حكم ثم أجمعوا على خلافه جاز والمختار عند الجمهور هو التفصيل على ما أشار إليه المصنف رحمه اللّه تعالى وهو أن الإجماع القطعي المتفق عليه لا يجوز تبديله وهو المراد بما سبق من أن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به والمختلف فيه يجوز تبديله كما إذا أجمع القرن الثاني على حكم يروى فيه خلاف من الصحابة ثم أجمعوا بأنفسهم أو أجمع من بعدهم على خلافه فإنه يجوز لجواز أن تنتهي مدة الحكم الثابت بالإجماع فيوفق اللّه تعالى أهل الإجماع للإجماع على خلافه

وما يقال إن انقطاع الوحي يوجب امتناع النسخ فمختص بما يتوقف على الوحي والإجماع ليس كذلك والمصنف رحمه اللّه تعالى قد تحاشى عن إطلاق لفظ النسخ إلى لفظ التبديل محافظة على ظاهر كلام القوم على أن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به

قوله

وأما الخامس ففي السند والناقل جمعهما في بحث واحد لأنهما سبب

فالأول سبب ثبوت الإجماع

والثاني سبب ظهوره والجمهور على أنه لا يجوز الإجماع إلا عن سند من دليل أو أمارة لأن عدم السند يستلزم الخطأ إذ الحكم في الدين بلا دليل خطأ ويمتنع إجماع الأمة على الخطأ وأيضا اتفاق الكل من غير داع يستحيل عادة كالإجماع على أكل طعام واحد

وفائدة الإجماع بعد وجود السند سقوط البحث وحرمة المخالفة وصيرورة الحكم قطعيا ثم اختلفوا في السند فذهب الجمهور إلى أنه يجوز أن يكون قياسا وأنه وقع كالإجماع على خلافة أبي بكر قياسا على إمامته في الصلاة حتى قيل رضيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأمر ديننا أفلا نرضاه لأمر دنيانا

وذهب الشيعة وداود الظاهري ومحمد بن جرير الطبري إلى المنع من ذلك

وأما جواز كونه خبر واحد

(٢/١١٠)

فمتفق عليه كذا في عامة الكتب وقد وقع في الميزان وأصول شمس الأئمة أن المذكورين خالفوا في الظني قياسا كان أو خبر واحد ولم يجوزوا الإجماع إلا على قطعي لأنه قطعي فلا يبتنى إلا على قطعي لأن الظن لا يفيد القطع

وجوابه أن كون الإجماع حجة ليس مبنيا على دليل أي سنده بل هو حجة لذاته كرامة لهذه الأمة واستدامة لأحكام الشرع والدليل على بطلان مذهبهم أنه لو اشترط كون السند قطعيا لوقع الإجماع لغوا ضرورة ثبوت الحكم قطعا بالدليل القطعي

فإن قيل هذا يقتضي أن لا يجوز الإجماع عن قطعي أصلا لوقوعه لغوا

قلنا المراد أنه لو اشترط كون السند قطعيا لكان الإجماع الذي هو أحد الأدلة لغوا بمعنى أنه لا يثبت حكما ولا يوجب أمرا مقصودا في شيء من الصور إذ التأكيد ليس بمقصود أصلي بخلاف ما إذا لم يشترط فإن السند إذا كان ظنيا فهو يفيد إثبات الحكم بطريق القطع وإذا كان قطعيا فهو يفيد التأكيد كما في النصوص المتعاضدة على حكم واحد فلا يكون لغوا بين الأدلة وعلم أنه لا معنى للنزاع في جواز كون السند قطعيا لأنه إن أريد أنه لا يقع اتفاق مجتهدي عصر على حكم ثابت بدليل قطعي فظاهر البطلان وكذا إن أريد أنه لا يسمى إجماعا لأن الحد صادق عليه وإن أريد أنه لا يثبت الحكم فلا يتصور فيه نزاع لأن إثبات الثابت محال

قوله

وأما الناقل نقل الإجماع إلينا قد يكون بالتواتر فيفيد القطع وقد يكون بالشهرة فيقرب منه وقد يكون بخبر الواحد فيفيد الظن ويوجب العمل لوجوب اتباع الظن بالدلائل المذكورة

قال الإمام الغزالي وجوب العمل بخبر الواحد ثبت إجماعا وذلك فيما نقل عن النبي عليه الصلاة والسلام

وأما فيما نقل عن الأمة من الإجماع فلم يدل على وجوب العمل به نص ولا إجماع ولم يثبت صحة القياس في إثبات أصول الشريعة هذا هو الأظهر ولسنا نقطع ببطلان من يتمسك به في حق العمل واستدل بأن نقل الظني مع تخلل الواسطة بين الناقل والنبي عليه الصلاة والسلام يوجب العمل فنقل القطع أولى وأجيب بأن خبر الواحد إنما يكون ظنيا بواسطة شبهة في الناقل وإلا فهو في الأصل قطعي كالإجماع بل أولى إذ لا شبهة لأحد في أن الخبر المسموع عن النبي عليه الصلاة والسلام حجة قطعا

(٢/١١١)