فصل السكر وهو القسم الثانييعني من أقسام العوارض المكتسبة قيل هو سرور يغلب على العقل بمباشرة بعض الأسباب الموجبة له فيمنع الإنسان عن العمل بموجب عقله من غير أن يزيله ولهذا بقي السكران أهلا للخطاب فعلى هذا القول لا يكون ما حصل من شرب الدواء مثل الأفيون من أقسام السكر لأنه ليس بسرور وقيل هو غفلة تلحق الإنسان مع فتور في الأعضاء بمباشرة بعض الأسباب الموجبة لها من غير مرض وعلة وقيل هو معنى يزول به العقل عند مباشرة بعض الأسباب المزيلة فعلى هذا القول بقاؤه مخاطبا بعد زوال العقل يكون أمرا حكميا ثابتا بطريق الزجر عليه لمباشرته المحرم لا أن يكون العقل باقيا حقيقة لأنه يعرف بأثره ولم يبق للسكران من آثار العقل شيء فلا يحكم ببقائه قال الشيخ الحكيم محمد بن علي الترمذي رحمه اللّه في نوادره العقل في الرأس وشعاعه في الصدر والقلب فالقلب يهتدي بنوره لتدبير الأمور وتمييز الحسن من القبيح فإذا شرب الخمر خلص أثرها إلى الصدر فحال بينه وبين نور العقل فبقي الصدر مظلما فلم ينتفع القلب بنور العقل فسمي ذلك سكرا لأنه سكر حاجز بينه وبين نور العقل فمن أجاز طلاق السكران يفرق بينه وبين الصبي فيقول إن السكر سد والعقل وراء السد قائم والصبي لم يعط عقل الحجة وهو تمام العقل الذي تقوم به حجة اللّه تعالى على عباده قوله مثل البنج ذكر القاضي الإمام فخر الدين المعروف بخان رحمه اللّه في فتاويه وشرحه للجامع الصغير ناقلا عن أبي حنيفة وسفيان الثوري أن الرجل إن كان عالما بفعل البنج وتأثيره في العقل ثم أقدم على أكله فإنه يصح طلاقه وعتاقه وذكر في (٤/٤٨٨) المبسوط لا بأس أن يتداوى الإنسان بالبنج فإذا أراد أن يذهب عقله منه به فلا ينبغي له أن يفعل ذلك لأن الشرب على قصد السكر حرام قوله حتى لم يحد على قوله في ظاهر الجواب ذكر الشيخ رحمه اللّه في شرح الجامع الصغير أن ما يتخذ من الحنطة والشعير والذرة والعسل حلال في قول أبي حنيفة رحمه اللّه حتى إن الحد لا يجب وإن سكر في قوله وروي عن محمد رحمه اللّه أن ذلك حرام يجب الحد بالسكر منه وكذلك السكران منه إذا طلق امرأته لم يقع عند أبي حنيفة رحمه اللّه بمنزلة الطلاق من النائم والمغمى عليه وعند محمد رحمه اللّه يقع بمنزلة السكران من الأشربة المحرمة ولم يذكر تفصيلا بين المطبوخ وغيره وذكر القاضي الإمام فخر الدين رحمه اللّه في شرح الجامع الصغير أن المتخذ من الحبوب والفواكه والعسل إذا غلى واشتد إن كان مطبوخا أدنى طبخة يحل في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما اللّه بمنزلة نقيع الزبيب إذا طبخ أدنى طبخة واختلف المشايخ على قول محمد رحمه اللّه قال بعضهم يحل شربه إلا القدح المسكر وروى القاضي أبو جعفر رواية عن محمد أنه يكره وإن لم يطبخ حتى غلى واشتد فعن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما اللّه روايتان في رواية لا يحل شربه كنقيع الزبيب إذا لم يكن مطبوخا وفي رواية يحل شربه لأن هذه الأشربة لم تتخذ من أصل الخمر فلا يشترط فيه الطبخ بخلاف نقيع الزبيب وهذا إذا لم يستكثر فإن استكثر حتى سكر فالسكر حرام بالإجماع واختلف في وجوب الحد وفي نفاذ تصرفاته فمن أوجب الحد ألحقه بنبيذ التمر ومن لم يوجب قال هو متخذ مما ليس من أصل الخمر فكان بمنزلة لبن الرماك وذكر شمس الأئمة في المبسوط بعد ذكر الأشربة المحرمة ولا بأس بالشرب من سائر الأنبذة من العسل والذرة والحنطة والشعير معتقا كان أو غير معتق مطبوخا أو غير مطبوخ في ظاهر الرواية وروي في النوادر هشام عن محمد رحمهما اللّه إن شرب النيء منه بعدما اشتد لا يحل وذكر الدلائل من الجانبين ثم قال ولا حد على من شرب مما يتخذ من العسل والحنطة والشعير والذرة والفانيذ والكمثرى وما أشبه ذلك سكر أو لم يسكر لأن النص ورد بالحد في الخمر وهذا ليس في معناه فلو أوجبنا فيه الحد كان بطريق القياس ولم يذكر فيه خلافا لأن ذلك أي ما ذكرنا من الأشربة ليس من جنس ما يتلهى به أو السكر الحاصل بها ليس من جنس اللّهو وبعض هذه الجملة (٤/٤٨٩) وهو البنج ولبن الرماك والأفيون مذكور في النوادر فأما المتخذ من الشعير والحنطة والعسل فمذكور في الجامع الصغير والمبسوط قوله وكذا السكر من النبيذ المثلث عصير العنب إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه بالنار وبقي ثلثه ثم رقق بالماء وترك حتى اشتد يسمى مثلثا ويحل شربه عند أبي حنيفة وأبي يوسف لاستمراء الطعام والتداوي والتقوي دون التلهي واللعب وقال محمد رحمه اللّه لا يحل شربه ويروى عنه أنه مكروه واتفق أصحابنا أنه لو سكر منه يجب الحد وإن طلاق السكران منه وبيعه وإقراره جائز ونبيذ الزبيب ونقيعه هو الماء الذي ألقي فيه الزبيب ليخرج حلاوته إليه ثم هو إن لم يطبخ حتى اشتد وغلى وقذف بالزبد فهو حرام للآثار الواردة فيه وإن اشتد بعد ما طبخ أدنى طبخة يحل شرب القليل منه عندهما في ظاهر الرواية وروى هشام في النوادر عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما اللّه أنه ما لم يذهب ثلثاه بالطبخ لا يحل كالعصير فقوله من النبيذ المثلث يحتمل أن يكون المراد منه المثلث الذي بينا لأنه في معنى النبيذ من حيث إنه يخلط بالماء للترقيق ويجوز أن يراد منه نبيذ الزبيب المثلث على رواية هشام ومن الثاني المطبوخ أدنى طبخة والشرب إلى السكر من جميع هذه الأشربة حرام بالاتفاق لقوله عليه السلام حرمت الخمر لعينها والسكر من كل شراب والمعتق المشتد وتعتيق الخمر تركها لتصير عتيقة أي قديمة شديدة لأن ذلك أي المثلث أو نبيذ الزبيب من جنس ما يتلهى به لأنه متخذ من العنب كالخمر والفساق يستعملونه استعمال الخمر للتلهي والفسق فيكون السكر منه محظورا ألا يرى أنه يوجب الحد لأنه مشروع للزجر عن ارتكاب سببه ودعا الطبع إلى الشراب المتخذ من العنب والزبيب حاصل فيحتاج إلى الزاجر بخلاف المتخذ من الحبوب قوله وهذا السكر أي السكر المحظور لا ينافي الخطاب بالإجماع لأنه تعالى قال يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون (٤/٤٩٠) النساء ٤٣ فإن كان هذا خطابا في حال سكره بلا شبهة فيه أي في أنه لا ينافي الخطاب وإن كان في حال الصحو فكذلك أي يدل على أنه لا ينافي الخطاب أيضا إذ لو كان منافيا له لصار كأنه قيل لهم إذا سكرتم وخرجتم عن أهلية الخطاب فلا تصلوا لأن الواو للحال والأحوال شروط وحينئذ يصير كقولك للعاقل إذا جننت فلا تفعل كذا وفساده ظاهر لأنه إضافة الخطاب إلى حالة منافية له ولما صح هاهنا عرفنا أنه أهل للخطاب في حالة السكر فإن قيل السكر يعجزه عن استعمال العقل وفهم الخطاب كالنوم والإغماء فينبغي أن يسقط الخطاب عنه أو يتأخر كالنائم والمغمى عليه وإن لا يصح منه ما تبتنى على صحة العبارة قلنا الخطاب إنما يتوجه على العبد باعتدال الحال وأقيم السبب الظاهر وهو البلوغ عن عقل مقامه تيسيرا لعذر للوقوف على حقيقته وبالسكر لا يفوت هذا المعنى ثم قدرته على فهم الخطاب إن فاتت بآفة سماوية يصلح عذرا في سقوط الخطاب أو تأخره عنه لئلا يؤدي إلى تكليف ما ليس في الوسع وإلى الحرج فأما إذا فاتت من جهة العبد بسبب هو معصية عدت قائمة زجرا عليه فبقي الخطاب متوجها عليه وذلك لأنه لما كان في وسعه دفع السكر عن نفسه بالامتناع عن الشرب كان هو بالإقدام على الشرب مضيعا للقدرة فيبقى التكليف متوجها عليه في حق الإثم وإن لم تبق في حق الأداء وبهذا الطريق بقي التكليف بالعبادات في حقه وإن كان لا يقدر على الأداء ولا يصح منه الأداء كذا في شرح التأويلات وإذا ثبت أن السكران مخاطب ثبت أن السكر لا يبطل شيئا من الأهلية لأنها بالعقل والبلوغ والسكر لا يؤثر في العقل بالإعدام فيلزمه أحكام الشرع كلها من الصلاة والصوم وغيرهما وتصح عباراته كلها بالطلاق والعتاق وهو أحد قولي الشافعي رحمه اللّه وفي قوله الآخر لا يصح وهو قول مالك أو اختيار أبي الحسن الكرخي وأبي جعفر الطحاوي من أصحابنا ونقل ذلك عن عثمان رضي اللّه عنه أيضا لأن غفلته فوق غفلة النائم فإن النائم ينتبه إذا نبه والسكران لا ينتبه ثم طلاق النائم وعتاقه لا يقع فطلاق السكران وعتاقه أولى وقد مر الجواب عنه ويصح بيعه وشراؤه وإقراره وتزويجه الولد الصغير وتزوجه وإقراضه واستقراضه وسائر تصرفاته قولا وفعلا عندنا لأنه مخاطب كالصاحي وبالسكر لا ينعدم عقله إنما يغلب عليه السرور فيمنعه من استعمال عقله وذلك لا يؤثر في تصرفه سواء شرب مكرها أو طائعا كذا في أشربة المبسوط وذكر في شرح الجامع الصغير لقاضي خان رحمه اللّه وإن شرب المسكر مكرها ثم طلق أو أعتق اختلفوا (٤/٤٩١) به والصحيح أنه كما لا يجب عليه الحد لا ينفذ تصرفه وإنما ينعدم بالسكر القصد أي القصد الصحيح وهو العزم على الشيء لأن ذلك ينشأ عن نور العقل وقد احتجب ذلك عنه بالسكر دون العبارة لأنها توجد حسا وصحتها تبتنى على أهل العقل حتى إن السكران إذا تكلم بكلمة الكفر لم تبن منه امرأته استحسانا وفي القياس وهو قول أبي يوسف على ما ذكر في شرح التأويلات تبين منه امرأته لأنه مخاطب كالصاحي في اعتبار أقواله وأفعاله وجه الاستحسان أن الردة تبتنى على القصد والاعتقاد ونحن نعلم أن السكران غير معتقد لما يقول بدليل أنه لا يذكره بعد الصحو وما كان عن عقد القلب لا ينسى خصوصا المذاهب فإنها تختار عن فكر ورؤية وعما هو الأحق من الأمور عنده وإذا كان كذلك كان هذا عمل اللسان دون القلب فلا يكون اللسان معبرا عما في الضمير فجعل كأنه لم ينطق به حكما كما لو جرى على لسان الصاحي كلمة الكفر خطأ كيف ولا ينجو سكران من التكلم بكلمة الكفر عادة وهذا بخلاف ما إذا تكلم بالكفر هازلا لأنه بنفسه استخفاف بالدين وهو كفر وقد صدر عن قصد صحيح فيعتبر وتمسك بعضهم بما روي أن واحدا من كبار الصحابة سكر حين كان الشراب حلالا فقال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هل أنتم إلا عبيدي وعبيد آبائي ولم يجعل ذلك منه كفرا وقرأ سكران سورة قل يا أيها الكافرون في صلاة المغرب وترك اللاءات فنزل قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة ولم يحكم النبي صلى اللّه عليه وسلم بكفره ولا بالتفريق بينه وبين امرأته ولا بتجديد الإيمان فدل أن بالتكلم بكلمة الكفر في حال السكر لا يحكم بالردة كما لا يحكم بها في حالة الخطأ والجنون فلا تبين منه امرأته ولقائل أن يقول هذا التمسك غير مستقيم هاهنا أن كلامنا في السكر المحظور وكان ذلك السكر مباحا لأن الشرب كان حلالا فصيرورته عذرا في عدم اعتبار الردة لا يدل على صيرورته المحظور عذرا فيه وإذا أسلم الكافر في حال السكر يجب أن يصح إسلامه بوجود أحد الركنين ترجيحا لجانب الإسلام كما في المكره ولا يقال ينبغي أن لا يصح إيمانه أن دليل الرجوع وهو السكر يقارنه فيمنعه من الثبوت لأنا نقول إنه لا يقبل الرجوع لأن الرجوع ردة فلا يؤثر فيه دليل الرجوع ولو أثبتنا الردة فالسكر مانع من صحتها فلا (٤/٤٩٢) يمكن إثباتها بما يمنع عن ثبوتها لأن السكر دليل الرجوع إذ السكران لا يكاد يستقر على أمر ويثبت على كلام وذلك أي الإقرار بالقصاص والقذف ومباشرة سببهما لا يبطل بصريح الرجوع لأن مباشرة السبب أمر معاين لا يقبل الرجوع وكذا الإقرار بالقصاص والقذف لأنهما من حقوق العباد فبدليل الرجوع وهو السكر أولى أن لا يبطل وفي المبسوط وإذا قذف السكران رجلا حبس حتى يصحو ثم يحد للقذف ثم يحبس حتى يجف عليه الضرب ثم يحد للسكر لأن حد القذف فيه معنى حق العباد فيقدم على حد السكر ولا يوالي بينهما في الإقامة لئلا يؤدي إلى التلف وسكره لا يمنع وجوب الحد عليه بالقذف لأنه مع سكره مخاطب ألا ترى أن بعض الصحابة رضي اللّه عنهم أخذوا حد الشرب من حد القذف على ما روي عن علي رضي اللّه عنه أنه قال إذا شرب هذى وإذا هذى افترى وحد المفترين في كتاب اللّه تعالى ثمانون جلدة وإذا زنى في سكره حد إذا صحا يعني إذا ثبت ذلك بالبينة لأنه أمر مشاهد لأمر دله والسكر لا يصلح شبهة دارئة لأنه حصل بسبب هو معصية فلا يصلح سببا للتخفيف لكن الحد يؤخر إلى الصحو لأن المقصود وهو الانزجار لا يحصل بالإقامة في حالة السكر وإذا أقر أنه سكر من الخمر طائعا لم يحد حتى يصحو فيقر ثانيا أو تقوم عليه البينة أنه سكر طائعا لما قلنا إن السكر أن لا يثبت على كلام ولكنه يتكلم بالشيء وضده والإصرار على الإقرار بالسبب لا بد منه لإيجاب حد الخمر وإذا أقر بشيء من الحدود لم يؤخذ به إلا بحد القذف لأن الرجوع عن الإقرار بالحدود يصح فيما سوى حد القذف وقد قارنه هاهنا دليل الرجوع وهو السكر فمنعه عن الثبوت لأن المنع أسهل من الرفع ثم أشار الشيخ رحمه اللّه إلى دلائل ما ذكر بقوله من الأحكام وإنما لم يوضع عن السكران إلى آخره فإن كان سببه أي سبب السكر معصية بأن شرب الخمر أو الباذق أو نحوهما من الأشربة المحرمة لم يعد السكر عذرا في سقوط الخطاب لأن المعصية لا تصلح سببا للتخفيف وكذلك أي وكذا الحكم إن كان سببه مباحا مقيدا بشرط الاحتراز عن السكر وذلك السبب مما يتلهى به في أصل وضعه كالمثلث ونبيذ الزبيب المطبوخ المعتق ونحوهما وقوله وهو مما يتلهى به بيان التقييد (٤/٤٩٣) بالاحتراز عن السكر فيما يتلهى به لا في غيره وإذا كان سببه مباحا يعني على الإطلاق غير مقيد بالاحتراز عن السكر كالأشربة المتخذة من الحبوب ونحوها جعل عذرا لأن هذه الأشياء لم تكن للتلهي في الأصل بل هي للتغذي ولا أثر لتغيرها في الحرمة لأن تغير الطعام لا يؤثر في الحرمة وكذا نفس الشدة لا توجب الحرمة لأنها توجد في بعض الأدوية كالبنج وفي بعض الأشربة كاللبن كذا في المبسوط قوله لأن السكر جعل عذرا إشارة إلى الجواب عما يقال قد جعل السكر المحظور عذرا في الردة حتى منع صحتها فيجوز أن يجعل عذرا في غيرها أيضا فقال عدم صحة الردة لفوات ركنها وهو تبدل الاعتقاد لا لأن السكر جعل عذرا فيها بخلاف ما يبتنى على العبارة من الأحكام مثل الطلاق والعتاق والعقود لأن ركن التصرف قد تحقق فيها من الأهل مضافا إلى المحل فوجب القول بصحتها إلا أن أي لكن استدراك من قوله أما الحدود فإنها تقام عليه يعني السكر غير مانع من صحة الإقرار بسببه لأن من عادة السكران اختلاط الكلام وعدم الثبات على كلام هو أصله أي اختلاط الكلام أصل في السكر ألا ترى أن أصحابنا اتفقوا أن السكر لا يثبت بدون هذا الحد أي بدون اختلاط الكلام فعرفنا أنه هو الأصل فيه وزاد عليه أي على اشتراط اختلاط الكلام لثبوت السكر أبو حنيفة رحمه اللّه شرطا آخر في حق وجوب الحد عليه فقال السكر الذي يتعلق به الحد أن لا يعرف الأرض من السماء ولا الأنثى من الذكر اعتبارا للنهاية في السبب الموجب للحد كما في الزنا والسرقة لأنه إذا كان يميز بين الأشياء كان مستعملا لعقله من وجه فلا يكون ذلك نهاية السكر وفي اليقظان شبهة العدم والحد يندرئ بالشبهات فيحتمل أن يكون حده أي حد السكر على قوله في حق غير وجوب الحد من الأحكام هو اختلاط الكلام وغلبة الهذيان كما هو مذهبهما حتى لا يصح إقراره بالحدود ولا ارتداده في هذه الحالة بالاتفاق لأن من اختلط كلامه بالشرب يعد سكران في الناس عرفا ويؤيده قوله تعالى لا (٤/٤٩٤) تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون قال شمس الأئمة رحمه اللّه وقد وافقهما يعني أبا حنيفة رحمه اللّه في أن المعتبر في السكر الذي يحرم عنده الشرب هو اختلاط الكلام لأن اعتبار النهاية فيما يندرئ بالشبهة فأما الحل والحرمة فيؤخذ فيهما بالاحتياط قال وأكثر مشايخنا على قولهما وإذا كان كذلك أي كان السكران مختلط الكلام أو كان اختلاط الكلام أصلا في السكر أقيم السكر مقام الرجوع إلى آخره واللّه أعلم (٤/٤٩٥) |