باب أهلية الأداءقوله وأما أهلية الأداء عطف على قوله أما أهلية الوجوب في أول الباب المتقدم فإنه قسم الأهلية هناك إلى نوعين ثم فصل كل نوع فقال أما أهلية الوجوب فكذا وأما أهلية الأداء فكذا فكلمة أما هذه للتفصيل قاصر كامل أي نوع قاصر ونوع كامل أما القاصر أي النوع القاصر فيثبت بكذا لا خلاف أن الأداء يتعلق بقدرتين قدرة فهم الخطاب وذلك بالعقل وقدرة العمل به وهي بالبدن والإنسان في أول أحواله عديم القدرتين لكن فيه استعداد وصلاحية لأن يوجد فيه كل واحدة من القدرتين شيئا فشيئا بخلق اللّه تعالى إلى أن يبلغ كل واحدة منهما درجات الكمال فقبل بلوغ درجة الكمال كانت كل واحدة منهما قاصرة كما يكون للصبي المميز قبل البلوغ وقد تكون إحداهما قاصرة كما في المعتوه بعد البلوغ فإنه قاصر العقل مثل الصبي وإن كان قوي البدن ولهذا ألحق بالصبي في الأحكام فالأهلية الكاملة عبارة عن بلوغ القدرتين أولى درجات الكمال وهو المراد بالاعتدال في لسان الشرع والقاصرة عبارة عن القدرتين قبل بلوغهما أو بلوغ أحديهما درجة الكمال ثم الشرع بنى على الأهلية القاصرة صحة الأداء وعلى الكاملة وجوب الأداء وتوجه الخطاب لأنه لا يجوز إلزام الأداء على العبد في أول أحواله إذ لا قدرة له أصلا وإلزام ما لا قدرة له عليه منتف شرعا وعقلا وبعد وجود أصل العقل وأصل قدرة البدن قبل الكمال في إلزام الأداء حرج لأنه يحرج للفهم بأدنى عقله ويثقل عليه الأداء بأدنى قدرة البدن والحرج منفي أيضا لقوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج الحج ٧٨ (٤/٣٥٠) فلم يخاطب شرعا لأول أمره حكمة ولأول ما يعقل ويقدر رحمة إلى أن يعتدل عقله وقدرة بدنه فيتيسر عليه الفهم والعمل به ثم وقت الاعتدال يتفاوت في جنس البشر على وجه يتعذر الوقوف عليه ولا يمكن إدراكه إلا بعد تجربة وتكلف عظيم فأقام الشرع البلوغ الذي يعتدل لديه العقول في الأغلب مقام اعتدال العقل حقيقة تيسيرا على العباد وصار توهم وصف الكمال قبل هذا الحد وتوهم بقاء النقصان بعد هذا الحد ساقطي الاعتبار لأن السبب الظاهر متى أقيم مقام المعنى الباطن دار الحكم معه وجودا وعدما وأيد هذا كله قوله عليه السلام رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم والمجنون حتى يفيق والنائم حتى يستيقظ والمراد بالقلم الحساب والحساب إنما يكون بعد لزوم الأداء فدل أن ذلك لا يثبت إلا بالأهلية الكاملة وهي اعتدال الحال بالبلوغ عن عقل قوله والأحكام في هذا الباب أي باب أهلية الأداء ويعني به الأهلية القاصرة منقسمة على ما مر أي في أهلية الوجوب بأنها منقسمة في أهلية الوجوب على حقوق اللّه تعالى وحقوق العباد فكذا في أهلية الأداء فأما حقوق اللّه تعالى فثلاثة أقسام منها وفي بعض النسخ فمنه أي من المذكور ما هو حسن لا يحتمل غيره أي لا يحتمل أن يكون قبيحا غير مشروع بوجه ولا عهدة أي لا تبعة ولا ضرر فيه بوجه وإنما قاله ردا لمذهب الخصم كما سيأتي بيانه وهو الإيمان فوجب القول بصحته من الصبي وقال الشافعي رحمه اللّه لا يصح إيمانه في أحكام الدنيا حتى يرث أباه الكافر بعد الإسلام ولا تبين منه امرأته المشركة لأنه مولى عليه في الإسلام حيث يصير مسلما بإسلام أبيه وأمه فلا يصلح وليا فيه بنفسه كالصبي الذي لا يعقل والمجنون وذلك لأن الشخص إنما يصير موليا عليه من جهة غيره حال عجزه عن التصرف لنفسه بنفسه ومتى كان قادرا لا يجعل موليا عليه فدل ثبوت الولاية عليه على أنه عاجز وكذا الشيء إنما يجعل تبعا لغيره في حكم إذا لم يكن أصلا بنفسه في ذلك الحكم فلو صح إسلامه بنفسه يكون تبعا ومتبوعا في حكم واحد وهذا لا يجوز ولا معنى لقول من يقول إن الإسلام منفعة محضة فيصح من الصبي لأنه فيما يرجع إلى أحكام الدنيا عقد التزام أحكام الشرع وهو دائر بين الضرر والنفع حيث يحرم به الإرث من مورثه الكافر وتبين منه امرأته المشركة وإن كان يرث من المسلمين وتحل له المسلمة فكان نظير البيع والشراء فلا يصح منه فأما في أحكام الآخرة فهو نفع محض فيحكم بصحته في حق (٤/٣٥١) أحكام الآخرة لتحقق الاعتقاد عن معرفة وليس من ضرورة ثبوت الإسلام في أحكام الآخرة ثبوته في أحكام الدنيا لأن أحدهما ينفصل عن الآخر فإن من اعتقل لسانه في مرض موته فأسلم في تلك الحالة قبل أن يعاين الأهوال صح إسلامه في أحكام الآخرة ولا يصح في أحكام الدنيا حتى يجري عليه أحكام الكفار فلا يصلى عليه ويدفن في مقابر المشركين ومن أسلم بلسانه دون قلبه فهو كافر في أحكام الآخرة مؤمن في أحكام الدنيا ولهذا كان يجرى أحكام المسلمين على المنافقين في زمن النبي صلى اللّه عليه وسلم ولنا أن الإيمان بحقيقته قد وجد من أهله بعد تحقق سببه فوجب القول بصحته كما لو تحقق من البالغ وذلك لأن سببه الآيات الدالة على حدوث العالم وأنه متحقق في حق الجميع والإيمان إقرار وتصديق وقد سمع منه الإقرار وعرف منه التصديق لأن التصديق إنما يعرف بالإقرار ممن هو عاقل مميز وكلامنا في صبي عاقل يناظر في وحدانية اللّه تعالى وصحة رسالة الرسول عليه السلام ويلزم الخصم بالحجج على وجه لا يبقى في معرفته شبهة فكان هو والبالغ سواء وأهلية الإيمان ثابتة حقيقة لأن الكلام في الصبي العاقل كما بينا وكذا حكما لأنه اهتداء بالهدى وإجابة للداعي وقد ثبت بالنص أن الصبي من أهل أن يكون هاديا داعيا لغيره إلى الهدى قال اللّه تعالى وآتيناه الحكم صبيا والمراد النبوة واللّه أعلم فيتبين به أنه من أهل أن يكون مهتديا مجيبا للداعي بالطريق الأولى وبعد وجود السبب ووجود الركن من الأهل لو امتنع إنما يمتنع بحجر شرعي كما في الطلاق والبيع ولا يستقيم القول به هاهنا لأن الحجر عن الإيمان كفر إذ الإيمان حسن لعينه لا يحتمل أن يكون قبيحا في حال ولهذا لم يحتمل النسخ والتبديل ولم يخل عن وجوبه وشرعيته زمان فلا يمكن أن يحجر الصبي عنه ويجعل الإسلام غير مشروع في حقه بخلاف الطلاق والبيع وقوله ولا عهدة إشارة إلى الجواب عما قال الخصم الإسلام عقد متردد بين النفع والضرر فكان كالبيع لاستلزامه العهدة فقال لا عهدة أي لا ضرر ولا تبعة في الإيمان إلا في لزوم أدائه وذلك أي لزوم الأداء يحتمل الوضع أي الإسقاط لأنه يسقط بعد البلوغ بعذر الإكراه والنوم والإغماء فوضع عنه أي أسقط لزوم الأداء عن الصبي بعذر الصبا أيضا فأما الأداء أي نفس الأداء من غير لزوم فخال عن العهدة أي الضرر بل هو نفع (٤/٣٥٢) محض كما بينا فوجب القول بصحته من الصبي ولما كان للخصم أن يقول أنا أسلم أنه نفع محض في حق أحكام الآخرة ولكني لا أسلم أنه نفع محض في أحكام الدنيا لتضمنه فساد النكاح وحرمان الإرث أشار في الجواب إلى رد ذلك بقوله لأن حرمان الإرث إلى آخره يعني ما ترتب على الإيمان من حرمان الإرث عن قريبه الكافر مضاف إلى كفر الباقي على الكفر يعني الذي مات على الكفر لا إلى إسلام من أسلم لأن الحرمان بسبب انقطاع الولاية بينهما والسبب القاطع كفر الكافر منهما لا إسلام المسلم وكذلك أي وكالحرمان الفرقة الواقعة بينهما في إضافتها إلى كفر الباقي على الكفر لا إلى إسلام من أسلم لما مر بيانه في باب الترجيح وإذا كان كذلك كان الإسلام نفعا محضا فيكون مشروعا في حقه ولئن سلمنا أن ما ترتب عليه من الأحكام المذكورة مضاف إليه فلا نسلم أنه من الأحكام الأصلية المقصودة بالإيمان لأن الإيمان يصح من غير قريب يرثه ولا امرأة يفسد نكاحها بل هو يثبت بناء على صحة الإسلام وتحققه لا أن يكون مختصا به ومثل هذا لا يمنع صحة الإيمان لأن تعرف صحة الشيء يستفاد من حكمه الأصلي وهو سعادة الآخرة فيما نحن فيه لا مما هو من ثمراته ألا ترى أن الصبي لو ورث قريبه أو وهب له قريبه فقبله يعتق عليه مع أن العتق ضرر محض ولا يمتنع شرعية الإرث والهبة في حقه بهذا السبب لأن الحكم الأصلي للإرث والهبة ثبوت الملك بلا عوض وهو نفع محض فيكون مشروعا في حقه وإنما يثبت العتق بناء على ثبوت الملك لا مقصودا بالإرث والهبة ولهذا يتحقق الإرث والهبة من غير عتق فلا يمتنع الإرث بهذه الواسطة وكذا الوكيل بشراء عبد مطلق يملك شراء أب الآمر ويعتق عليه لأنه في أصل الشراء مؤتمر بأمره والعتق يثبت بناء عليه فكذا فيما نحن فيه والدليل عليه أن هذه الأحكام التي هي من ثمرات الإسلام تلزم الصبي إذا ثبت له حكم الإيمان تبعا لغيره بأن أسلم أحد أبويه حتى لو مات له مورث كافر أو مات مورثه المسلم وورث قريبه الذي يعتق عليه منه أو كانت له امرأة مشركة يثبت حرمان الإرث ويقع العتق والفرقة ولم يعد لزوم هذه الأحكام عهدة أي ضررا في حقه لما قلنا أن المنظور إليه الحكم الأصلي دون ما هو من الثمرات فكذا إذا أسلم بنفسه على أن ما ذكر من لزوم الضرر معارض بلزوم النفع فإنه بالإسلام يصير مستحقا للإرث من أقاربه المسلمين ويقرر ملك نكاحه إذا كانت امرأته أسلمت قبله وإذا تعارض النفع والضرر تساقطا وبقي الإسلام في نفسه نفعا محضا لا (٤/٣٥٣) يشوبه معنى الضرر فيصح وأما قوله أنه مولى عليه في الإسلام فليس بصحيح لأن تفسير الولاية أن يقدر الرجل على مباشرة التصرف على غيره والأب لا يملك أن يعقد عقد الإسلام على ولده بل يعقده لنفسه ثم يثبت حكمه في ولده والدليل عليه أنه لا يصير مسلما بإسلام الجد حال عدم الأب ويصير مسلما بإسلام الأم مع وجود الأب ولا ولاية للأم مع الأب فعلم أن ثبوته ليس بطريق الولاية ولكن يثبت فيه حكم الإسلام تبعا على أن الصبي عندنا يجوز أن يكون موليا عليه ووليا على نفسه إذا كان التصرف نفعا محضا كقبول الهبة فإن الأب يقبل عليه ويقبل هو بنفسه عندنا لأن الولاية أثبتت للولي عليه نظرا له فلا توجب حجرا عما هو نظر له محض بل يثبت الأمران جميعا لينتفع بطريقين وأما قوله إنه لا يصلح تبعا ومتبوعا في حالة واحدة فكذلك ولكن الحالة الواحدة ليست بموجودة لأنه في حال كونه أصلا بنفسه ليس بتبع لغيره وفي حال كونه تبعا لغيره ليس بأصل بنفسه وقد يجوز أن يجتمع في الشيء دليلان يقتضي أحدهما كونه أصلا والآخر كونه تبعا كالجنين يتبع الأم في العتق والوصية ويصلح أصلا بنفسه وكالشجر يتبع الأرض في البيع ويصلح أصلا بنفسه فيه أيضا ولكن لا يصير أصلا وتبعا في حالة واحدة فكذلك الصبي لنقصان عقله يبقى تبعا للغير ولوجود أصل العقل فيه يصلح أصلا بنفسه واللّه أعلم قوله ومنه أي من هذا القسم أو من المذكور وهو حقوق اللّه تعالى ما هو قبيح لا يحتمل غيره أي غير كونه قبيحا على مقابلة القسم الأول وهو الجهل بالصانع والمراد من كونه حق اللّه تعالى أن حرمة حقه كحرمة الزنا وشرب الخمر وحاصله أن ردة الصبي العاقل صحيحة عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما اللّه في أحكام الدنيا والآخرة استحسانا حتى لو كان أبواه مسلمين فارتد عن الإسلام بنفسه والعياذ باللّه لا يجعل ذلك عفوا بعذر الصبا فتبين منه امرأته المسلمة ويحرم هو الميراث من المسلمين وعند أبي يوسف والشافعي رحمهما اللّه لا يحكم بصحتها في أحكام الدنيا وهو القياس فأما في أحكام الآخرة فهي صحيحة على ما يشير إليه عبارة شمس الأئمة رحمه اللّه في أصول الفقه وإن كان إطلاق لفظ المبسوط والأسرار يدل على عدم صحتها في أحكام الآخرة أيضا والأول هو الصحيح لأن دخول الجنة مع اعتقاد الشرك حقيقة والعفو عن الكفر من غير توبة خلاف العقل والنص وجه القياس أن الارتداد ضرر محض لا يشوبه منفعة وذلك لا يصح من الصبي كإعتاق عبده وطلاق امرأته وهبة ماله ألا يرى أنه لا يصح عنه ما هو ضرر يشوبه منفعة كالبيع فما يتمحض ضررا ويحجر عنه على وجه لا يتصور عنه زواله أولى أن لا يصح منه والدليل عليه أنه لو ارتد في الصبا وبلغ كذلك لا يقتل ولو صحت ردته لوجب (٤/٣٥٤) قتله بعد البلوغ وجه الاستحسان أن الصبي في حق الردة بمنزلة البالغ لأن البالغ إنما يحكم بردته لتحققها منه وكونها محظورة لا لكونها مشروعة لأنها لا تحتمل أن تكون مشروعة بحال وأنها تتحقق من الصبي العاقل كالإيمان ويثبت الحظر في حقه لأنها لا تحتمل أن لا تكون محظورة في وقت من الأوقات ولا في حق شخص من الأشخاص وإذا كان كذلك وجب الحكم بصحتها منه ولم يمتنع ثبوتها بعد الوجود حقيقة للحجر شرعا فإن البالغ محجور عن الردة كالصبي ولم يسقط حكمها بعذر الصبا لأنه لا يسقط بعد البلوغ بعذر من الأعذار فكذا بعذر الصبا قال الشيخ أبو الفضل الكرماني إنما حكمنا بردته ضرورة الحكم بصحة إسلامه لأن الإسلام مما يوجده العبد عن اختيار منه وذلك متصور الترك منه ومتى قلنا لا يتصور الترك منه لم يكن الوجود إسلاما وترك الإسلام بعد وجوده هو الردة وقوله ألا يرى إلى آخره متعلق بما سبق وبمحذوف والتقدير ومنه ما هو قبيح لا يحتمل غيره فوجب القول بصحته من الصبي أيضا كالقسم الأول ألا ترى أنه لا يرد علمه بوالديه بسبب ضرر يلحقه من جانبهما وهو ضرر التأديب ولا يجعل ذلك منه جهلا بل يجعل علما حقيقة فكيف يرد علمه باللّه الذي خلقه ورزقه بسبب أحكام تلزمه بناء عليه مع أن آداب الشرع أنفع له من آداب الأبوين وكذلك أي وكما لا يرد علمه بالوالدين ولا يعد جهلا الجهل بغير اللّه تعالى لا يعد منه علما حتى لا يجعل عارفا لشيء جهله فكيف الجهل باللّه تعالى يعد علما مع أنه أقبح من الجهل بغيره وإذا كان كذلك أي كان الأمر كما بينا أن الجهل باللّه تعالى لا يعد علما به لم يصلح أن يجعل ارتداده عفوا إذ لو عفى لصار الجهل به علما إذ لا واسطة بين العلم باللّه تعالى والجهل به بل كان صحيحا في أحكام الآخرة بلا خلاف لأن سعادة الآخرة لا يتصور حصولها بلا إيمان وقد زال بالارتداد حقيقة لأنه اعتقد الكفر فلم يبق اعتقاد الإسلام ضرورة كما لو تكلم في صلاته أو جامع في حجه أو اعتكافه أو أكل في صومه متعمدا لم تبق هذه العبادات وإن كان في فسادها له ضرر لأنه باشر ما ينافيها وكذا في أحكام الدنيا لأن ما يلزم الصبي من أحكام الدنيا كحرمان الميراث ووقوع الفرقة إنما يلزمه حكما لصحته أي لصحة ارتداده لا قصدا إليه الضمير راجع إلى ما يعني لزوم هذه الأحكام من ضرورة الحكم بصحة الارتداد لأنها من لوازمه لا أن يكون الحكم بصحة الارتداد لأجل هذه الأحكام قصدا إليها (٤/٣٥٥) فلم يصلح العفو عن مثله الضمير للارتداد أي لا يصح العفو عن مثل هذا الأمر العظيم الذي لا يحتمل العفو بوجه بواسطة لزوم هذه الأحكام كما إذا ثبت الارتداد تبعا لأبويه بأن ارتدا ولحقا بدار الحرب ولزمه هذه الأحكام لا يمتنع ثبوته بواسطة لزومها وأما عدم جواز قتله بعد الارتداد فسنبينه عن قريب قوله ومن ذلك أي ومما ذكرنا من حقوق اللّه تعالى ما هو متردد بين هذين القسمين أي بين ما هو حسن لا يحتمل غيره وبين ما هو قبيح لا يحتمل غيره بل يحتمل أن يكون حسنا مشروعا في بعض الأوقات دون البعض كالصلاة والصوم والحج ونحوها فإن الصلاة ليست بمشروعة في الأوقات المكروهة وفي حالة الحيض والصوم ليس بمشروع في الليل والحج ليس بمشروع في غير وقته فقلنا فيها أي في هذه الحقوق الموصوفة بهذه الصفة بصحة الأداء من الصبي العاقل باعتبار الأهلية القاصرة من غير عهدة لزوم مضي وضمان حتى قلنا بسقوط الوجوب أي نفس الوجوب ووجوب الأداء عن الصبي في الكل ماليا كان أو بدنيا لأن اللزوم لا يخلو عن إلزام عهدة وقد شرعت هذه الحقوق بدون هذا الوصف وهو اللزوم كما في المظنون وقلنا بصحتها أي بصحة أداء ما كان بدنيا منه بطريق التطوع لأن ذلك نفع محض لأنه يعتاد أداءها فلا يشق ذلك عليه بعد البلوغ ولهذا صح منه التنفل بجنس هذه العبادات بعد أداء ما هو مشروع بصفة الفرضية في حق البالغين بلا لزوم مضي أي إذا شرع فيها ولا وجوب قضاء أي إذا تركها أو أفسدها لأن هذه الحقوق قد شرعت في الجملة في حق البالغ كذلك أي كما شرعت في حق الصبي بلا لزوم مضي ووجوب قضاء ألا ترى أن البالغ إذا شرع فيها أي في هذه الحقوق أو العبادات على ظن أنها عليه ثم تبين أنها ليست عليه يصح منه الإتمام مع فوات صفة اللزوم حتى إذا أفسد لا يجب عليه القضاء فكذا الصبي في هذا المعنى فأما ما كان ماليا منها فلا يصح منه أداؤه لأن فيه إضرارا به في العاجل باعتبار ماله فيبتني ذلك على الأهلية الكاملة لا على القاصرة وكذلك أي وكالشروع في هذه الحقوق يعني به الشروع في الصلاة والصوم إذا شرع البالغ في الإحرام على هذا الوجه أي على ظن أنه عليه وقد تبين بعد أنه ليس عليه يصح الإتمام من غير صفة اللزوم حتى إذا أحصر فتحلل لا يجب عليه القضاء فكذلك الصبي إذا أحرم صح منه باعتبار الأهلية القاصرة حتى لو مضى عليه يقع عبادة نافلة ولكن (٤/٣٥٦) بلا لزوم عهدة حتى إذا ارتكب محظور إحرامه لم يلزمه جزاؤه لأن في إلزامه إيجاب ضرر وعهدة وذلك يبتنى على الأهلية الكاملة قوله وقلنا في الصبي إلى آخره جواب سؤال يرد على أبي حنيفة ومحمد رحمهما اللّه في مسألة ردة الصبي فإنهما حكما بصحة ارتداده في حق حرمان الميراث ووقوع الفرقة ثم لم يحكما بصحته في وجوب القتل فقال إنما لا يقتل وإن صحت ردته عندهما لأن القتل ليس من حكم عين الردة ومن لوازمها بل هو يجب بالمحاربة ولهذا لا يثبت في حق النساء وكذا في حق أصحاب الأعذار كالزمنى والعميان في رواية والصبي ليس من أهل المحاربة فلا يجب عليه جزاؤها كما لا يجب على المرأة لأنها ليست من أهلها ولأن ما وجب جزاء وعقوبة في الدنيا يبتنى على الأهلية الكاملة لا على القاصرة ولا يلزم عليه جواز ضربه عند إساءة الأدب مع أنه نوع جزاء ولا جواز استرقاقه مع أن الاسترقاق عقوبة وجزاء على الكفر على ما عرف لأن الضرب عند إساءة الأدب تأديب للرياضة في المستقبل بمنزلة ضرب الدواب لا جزاء على الفعل الماضي وكذا استرقاقه ليس بطريق الجزاء ولكن باعتبار أن ما هو مباح غير معصوم محل للتملك كالصيود وذراري أهل الحرب بهذه الصفة ولا يقال زوال العصمة التي هي كرامة تكون بطريق الجزاء فينبغي أن لا يزول عن الصبي لأنا نقول زوالها بمنزلة زوال الصحة بالمرض والحياة بالموت والغنى بالفقر ولا أحد يقول إن ذلك جزاء بطريق العقوبة إليه أشار شمس الأئمة رحمه اللّه وكان ينبغي أن يقتل إذا بلغ مرتدا كما هو جواب القياس بوجود الارتداد بعد الإسلام وزوال العذر وهو الصبا وتحقق معنى المحاربة بعد البلوغ إلا أن في الاستحسان لا يقتل ويجبر على الإسلام لأن اختلاف العلماء في صحة إسلامه في الصغر صار شبهة في إسقاط القتل ولكن لو قتله إنسان قبل البلوغ أو بعده لا يغرم شيئا لأن من ضرورة صحة ردته إهدار دمه وليس من ضرورتها استحقاق قتله كالمرأة إذا ارتدت لا تقتل ولو قتلها إنسان لا يلزمه شيء كذا في المبسوط قوله أما النفع المحض فيصح من الصبي مباشرته لأن تصحيحه ممكن بناء على (٤/٣٥٧) وجود الأهلية القاصرة وفي تصحيحه نظر له ونحن أمرنا بالنظر في حقهم لما قلنا يعني صحة النوافل باعتبار ما ذكرنا أن الأهلية القاصرة كافية لأداء ما هو نفع محض والنوافل نفع محض وفي ذلك أي في جواز أداء النوافل منه واضربوهم عليها أي على ترك الصلاة والامتناع عن أدائها وقوله وإنما هذا إلى الضرب المذكور في الحديث كذا جواب عما يقال كيف يصح ضرب الصبي والأمر به على الامتناع من أداء الصلاة وهو عقوبة وقد ذكرت أن ما هو عقوبة ساقط عنه فقال هذا أي الضرب المذكور في الحديث ضرب تأديب وتعزير ليتخلق بأخلاق المسلمين ويعتاد أداء الصلاة في المستقبل لا عقوبة على ترك الصلاة في الماضي والضرب للتأديب من أنفع المنافع في حق الصبي كما قيل أدب بنيك إذا ما استوجبوا أدبا فالضرب أنفع أحيانا من الندم فكذلك أي فكأداء النوافل في الصحة ما هو نفع محض من التصرفات مثل قبول الهبة والصدقة وقبضهما والاصطياد والاحتطاب ونحوها وذلك أي قبول الهبة والصدقة أو مباشرة ما هو نفع محض من الصبي مثل قبول بدل الخلع من العبد المحجور بأن خالع امرأته على مال وقبضه منها بغير إذن مولاه فإنه يصح لأنه حجره عما فيه ضرر أو توهم ضرر له وهذا نفع محض في حقه فلا يتوقف على إذنه ولا يظهر الحجر فيه قوله وكذلك أي ومثل قبول بدل الخلع من العبد المحجور إذا آجر الصبي إلى آخره لا يجوز للصبي المحجور ولا للعبد المحجور أن يؤاجر نفسه لأن الإجارة عقد معاوضة كالبيع فلا يملكه المحجور عليه وإنما ذلك إلى المولى أو الولي ولهذا لا يستحق تسليم النفس بهذا العقد لما فيه معنى الضرر فإن عمل الصبي أو العبد ففي القياس لا أجر له لأن العقد لم يصح ووجوب الأجرة باعتباره فإذا فصد لم يجب الأجر وفي الاستحسان وجب الأجر لكل واحد منهما لأن هذا العقد يتمحض منفعة بعد إقامة العمل (٤/٣٥٨) فإنا لو اعتبرنا العقد استوجب الأجر ولو لم نعتبره لم يجب له الأجر والصبي أو العبد لا يكون محجورا عما يتمحض منفعة كقبول الهبة والصدقة لأن الحجر لدفع الضرر ففيما لا ضرر فيه بوجه لا حجر فإن عطب العبد في العمل كان المستأجر ضامنا لقيمته لأنه غاصب له حين استعمله بغير إذن مولاه ولا أجر عليه لأنه ملكه بالضمان من حين وجب عليه الضمان وإنما أوجبنا الأجر عليه لنفع المولى ووجوب الضمان أنفع له من لزوم الأجر بخلاف الصبي الحر فإنه وإن هلك في العمل فله الأجر بقدر ما قام من العمل لأن الحر لا يملك بالضمان فلم يكن بد من إيجاب الأجر فهذا معنى قوله ووجب أي الأجر للعبد أي لمولاه بشرط السلامة ولا يشترط السلامة في الحر قوله وكذلك أي وكالصبي أو العبد إذا أجر نفسه العبد إذا قاتل بغير إذن مولاه أو الصبي إذا قاتل بغير إذن وليه لا شيء له في القياس لأنه ليس من أهل القتال وإنما يصير أهلا له عند إذن المولى أو الولي فيكون حاله كحال الحرفي المستأمن إن قاتل بإذن الإمام استحق الرضخ وإلا فلا وفي الاستحسان يرضخ له لأنه غير محجور عن الاكتساب وعما يتمحض منفعة واستحقاق الرضخ بعد الفراغ من القتال بهذه الصفة فيكون هو كالمأذون فيه من جهة المولى أو الولي دلالة قوله ويحتمل أن يكون هذا أي استحقاق الرضخ استحسانا قول محمد خاصة لأن عنده أمان الصبي المحجور والعبد المحجور أي أمانهما صحيح وذلك لا يصح إلا ممن له ولاية وإذا كان لهما ولاية القتال كان كل واحد منهما مستحقا للرضخ عند الفراغ من القتال والدليل عليه أن محمدا رحمه اللّه لم يذكر هذه المسألة إلا في السير الكبير وأكثر تفريعاته مبني على أصله كتفريعات الزيادات فأما عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما اللّه فلا يستحق واحد منهما شيئا لأن أمان العبد المحجور والصبي المحجور ليس بصحيح عندهما فلم يكن لهما ولاية القتال ولهذا لا يحل لهما شهود القتال بدون الإذن بالإجماع فلا يستحقان شيئا بالقتال كالحربي إذا قاتل والأصح أن هذا جواب الكل لما ذكرنا أن الحجر عن القتال لدفع الضرر وقد انقلبت نفعا بعد الفراغ فلا معنى للمنع من (٤/٣٥٩) الاستحقاق قال اللّه تعالى علمه البيان من عليه بتعليم البيان لأن الإنسان يتميز عن سائر الحيوان بالبيان وهو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير وفي الحديث المرء بأصغريه بقلبه ولسانه وقال الشاعر لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم تبق إلا صورة اللحم والدم فكان القول بصحته أي بصحة كلامه إذا لم يتضمن ضررا من أعظم المنافع الخالصة أي عن الضرر وفي ذلك أي في القول بصحة عبارته إذا توكل بهذه التصرفات توصل إلى درك المنافع من الأرباح والمضار من الغبن والخسران واهتداء في التجارة بالتجربة من غير أن يلحقه ضرر ونقصان وإليه أشير في قوله تعالى وابتلوا اليتامى أي اختبروا عقولهم وتعرفوا أحوالهم ومعرفتهم بالتصرف قبل البلوغ حتى إذا تبينتم منهم رشدا أي هداية دفعتم إليهم أموالهم من غير تأخير عن حد البلوغ فعلم أن اهتداءه في التجارة أمر مطلوب ونفع محض فوجب القول بصحة ما يحصل به الاهتداء ولكن لا يلزمه بهذه التصرفات عهدة إذا لم يكن مأذونا لما سنبينه ولا يلزم على ما ذكرنا عدم صحة أداء شهادته مع أن في ذلك تصحيح عبارته لأن صحة أداء الشهادة مبنية على الأهلية الكاملة لأن الشهادة إثبات الولاية على الغير في الإلزام بغير رضاء وبدون الأهلية الكاملة لا نثبت هذه الولاية قوله فأما ما كان ضررا محضا فليس بمشروع في حقه لأن الصبي مظنة المرحمة والإشفاق لا مظنة الإضرار به واللّه تعالى أرحم الراحمين فلم يشرع في حقه المضار وذلك أي ما هو ضرر محض مثل الطلاق والعتاق ونحوهما فإنها ضرر محض في العاجل بإزالة ملك النكاح والرقبة والعين من غير نفع يعود إليه فلذلك لم يملك مباشرة هذه التصرفات بنفسه ولم يملك ذلك أي ما هو ضرر محض عليه غيره مثل الولي والوصي والقاضي لأن ولاية هؤلاء نظرية وليس من النظر إثبات الولاية فيما هو ضرر محض في حقه وكان المراد من عدم شرعية الطلاق والعتاق في حقه عدمها عند عدم الضرورة والحاجة فأما عند تحقق الحاجة إليه فهو مشروع فإن الإمام شمس الأئمة رحمه اللّه قال في أصول الفقه زعم بعض مشايخنا رحمهم اللّه أن هذا الحكم غير مشروع أصلا في حق الصبي (٤/٣٦٠) حتى إن امرأته لا يكون محلا للطلاق قال وهذا وهم عندي فإن الطلاق يملك بملك النكاح إذ لا ضرر في إثبات أصل الملك وإنما الضرر في الإيقاع حتى إذا تحققت الحاجة إلى صحة إيقاع الطلاق من جهته لدفع الضرر كان صحيحا قال وبهذا يتبين فساد قول من يقول إنا لو أثبتنا ملك الطلاق في حقه كان خاليا عن حكمة وهو ولاية الإيقاع والسبب الخالي عن حكمة غير معتبر شرعا كبيع الحر وطلاق البهيمة لأنا لا نسلم خلوه عن حكمة إذ الحكم ثابت في حقه عند الحاجة حتى إذا أسلمت امرأته وعرض عليه الإسلام فأبى فرق بينهما وكان ذلك طلاقا في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما اللّه وإذا ارتد وقعت الفرقة بينه وبين امرأته وكان طلاقا في قول محمد رحمه اللّه وإذا وجدته امرأته مجبوبا فخاصمته في ذلك فرق بينهما وكان طلاقا عند بعض المشايخ وإذا كاتب الأب أو الوصي نصيب الصغير من عبد مشترك بينه وبين غيره واستوفى بدل الكتابة صار الصبي معتقا نصيبه حتى يضمن قيمة نصيب شريكه إن كان موسرا وهذا الضمان لا يجب إلا بالإعتاق فيكتفى بالأهلية القاصرة في جعله معتقا للحاجة إلى دفع الضرر عن الشريك فعرفنا أن الحكم ثابت في حقه عند الحاجة فأما بدون الحاجة فلا يجعل ثابتا لأن الاكتفاء بالأهلية القاصرة لتوفير المنفعة على الصبي وهذا المعنى لا يتحقق فيما ضرر محض قوله ما خلا القرض أي الإقراض فإن القاضي يملكه على الصبي ويندب إلى ذلك لأن صيانة الحقوق لما كانت مفوضة إلى القضاة انقلب القرض بحال القضاء نفعا محضا وذلك لأن القرض قطع الملك عن العين ببدل في ذمة المفلس إذ الاستقراض في العادات ممن هو فقير غير ملي ولهذا حل محل الصدقة وزاد عليها في الثواب لزيادة الحاجة فأشبه التبرع بمنزلة العتق على مال فلا يملكه من لا يملك التبرع والعتق ولهذا لا يملكه الوصي إلا أن ذلك صح من القاضي وصار هو مندوبا إليه لأن الدين الذي على المستقرض بواسطة ولاية القاضي يعدل العين وزيادة لأن القاضي يمكنه أن يطلب مليئا على خلاف العادة ويقرضه مال اليتيم كما يقتضيه النظر والبدل مأمون عن التوى باعتبار الملاء وباعتبار علم القاضي وإمكان تحصيله المال منه من غير حاجة إلى دعوى وبينة فكان مصونا عن التلف فوق صيانة العين فإن العين يعرض التلف بأسباب غير محصورة فصار القرض (٤/٣٦١) ملحقا بهذا الشرط وهو أن يكون المقرض قادرا على تحصيله بالمنافع الخالصة فلذلك كان القرض نظرا من القاضي فيملكه على الصبي وضررا من الوصي لترجح جهة التبرع في حقه فلا يملكه والأب في رواية يملكه لأنه يملك التصرف في المال والنفس فكان بمنزلة القاضي وفي رواية لا يملكه لأنه لا يتمكن من تحصيل المال من المستقرض بنفسه فكان بمنزلة الوصي فأما الاستقراض فقد ذكر في شرح قضاء الجامع الصغير لقاضي خان رحمه اللّه أن الأب لو أخذ مال الصغير قرضا جاز لأنه لا يهلك عليه والوصي لو أخذ مال اليتيم قرضا لا يجوز في قول أبي حنيفة وقال محمد رحمه اللّه لا بأس به إذا كان مليئا قادرا على الوفاء وذكر في أحكام الصغار نقلا عن المنتقى أنه ليس للقاضي أن يستقرض مال اليتيم والغائب بنفسه قوله وأما ما يتردد بين النفع والضرر يعني يحتمل أن يقع نفعا ويحتمل أن يكون ضررا مثل البيع فإنه إذا كان رابحا كان نفعا وإن كان خاسرا كان ضررا وكذا الإجارة والنكاح فإن كل واحد منهما إن كان بأقل من أجر المثل أو مهر المثل يكون نفعا في حق المستأجر والمتزوج وإن كان بأكثر من أجر المثل أو مهر المثل كان ضررا وما أشبه ذلك مثل الشركة والأخذ بالشفعة والإقرار بالغصب والاستهلاك والرهن فإنه أي الصبي لا يملكه أي ما ذكرنا من التصرفات أو ما هو متردد بين النفع والضرر بنفسه لما فيه أي في كل واحد منها أو فيما هو متردد من احتمال الضرر فيملكه برأي الولي أي بإجازته وإذنه لأن الصبي أهل لحكمه بمباشرة الولي حتى يثبت له حكم التصرف من ملك المبيع والثمن والأجرة والمهر لا للولي وقد صار الصبي أهلا لمباشرة هذه التصرفات بوجود أصل العقل حتى صح منه هذه التصرفات لغيره وإذا صار أهلا للحكم كان أهلا لسببه لا محالة لأن الأسباب إنما يعتبر لأحكامها لا لذواتها وامتناع الصحة كان لمعنى الضرر فإذا اندفع توهم الضرر برأي الولي لتحقق هذا القسم بما يتمحض نفعا فيكون للصبي فيه عبارة صحيحة وفي القول بصحة مباشرة الصبي برأي الولي إصابة مثل ما يصاب بمباشرة الولي من النفع مع فضل نفع البيان لأن في تصحيح عبارته نوع نفع لا يحصل له ذلك النفع (٤/٣٦٢) بمباشرة الولي وتوسع طريق الإصابة أي اتسع له طريق توفير المنفعة لأن منفعة التصرف تحصل له بمباشرته وبمباشرة وليه وذلك أنفع له من أن يسد عليه أحد الباقين ويجعل لتحصيل هذه المنفعة له طريق واحد وذلك أي جواز هذه التصرفات منه عند انضمام رأي الولي إلى رأيه بطريقين أحدهما وهو مختار أبي حنيفة رحمه اللّه أن قصور رأيه لما اندفع برأي الولي التحق الصبي بالبالغ أو صار بمنزلة ما إذا اندفع ذلك بكمال رأيه بالبلوغ فنفذ بيعه من الأجانب بغبن فاحش كما ينفذ من غيره من البالغين أو كما ينفذ منه بعد البلوغ وإن كان لا ينفذ ذلك من الولي والثاني وهو مختار أبي يوسف ومحمد رحمه اللّه نفوذ تصرفه لما كان باعتبار رأي الولي فإن انضمام رأيه إلى رأي الصبي شرط جوز تصرفه يعتبر رأيه العام برأيه الخاص وهو ما إذا باشر التصرف من الولي بالغبن الفاحش لا ينفذ بمباشرة الصبي بعد إذن الولي له ومعنى عموم رأي الولي وخصوصه أنه إذا باشر بنفسه كان رأيه مختصا به لتصرفه برأي نفسه وإذا تصرف الصبي برأيه كان رأيه عاما لتعديه عنه إلى غيره وانضمام رأي الصبي إلى رأيه كذا قيل ويحتمل أن يكون المراد من عموم رأيه أنه لما أذن للصبي في التجارة إذنا عاما دخل كل تصرف صدر منه تحت عموم رأيه ووجد رأيه العام فيه وإذا باشر بنفسه كان رأيه خاصا والفقه فيه أن الغبن الفاحش بمنزلة الهبة فإن من لا يملك الهبة كالأب والوصي في مال الصغير لا يملك التصرف بالغبن الفاحش ولو حصل من المريض يعتبر من الثلث كالهبة ثم الصبي لا يملك الهبة بالإذن فلا يملك التصرف بالغبن الفاحش لأنه إتلاف كالهبة يوضحه أن هذا التصرف لا ينفذ من الولي لدفع الضرر عن الصبي وإذنه لتوفير المنفعة لا للإضرار به فحاله فيما يلحق الضرر به من التصرفات بعد الإذن كحاله قبله وأبو حنيفة رحمه اللّه يقول التصرف بالغبن الفاحش تجارة ومبادلة مال بمال ولهذا يجب به الشفعة للشفيع في الكل فيدخل تحت الإذن بخلاف الهبة فإنها ليست بتجارة بخلاف الولي لأنه لم يثبت له ولاية التجارة في مال الصغير مطلقة بل مقيدة بشرط الأحسن والأصلح لا يبدو أن لا يصح التصرف من الولي ويصح ذلك من الصبي كالإقرار بالدين أو بالعين والعقد بالغبن الفاحش (٤/٣٦٣) من صنيع التجار فإنهم يقصدون بذلك استجلاب قلوب المجاهزين لتحصيل مقصودهم من الربح في تصرفات أخر بعد ذلك فكان هذا والغبن اليسير سواء وبأن كان يعتبر في حق المريض من الثلث لعدم الرضاء من غرمائه وورثته لا يدل على أنه لا ينفذ من المأذون كالغبن اليسير وعن أبي حنيفة رحمه اللّه في تصرف الصبي المأذون مع الولي بغبن فاحش روايتان في رواية أجازه لما قلنا أنه صار كالبالغ بانضمام رأي وليه إلى رأيه فلم يكن فرق بين أن يكون معاملته مع أجنبي أو مع وليه وهذا لأنه عامل لنفسه في خالص ملكه لا أن يكون نائبا عن وليه وفي رواية أخرى رده أي التصرف بغبن فاحش مع الولي لشبهة النيابة وذلك أي بيان الشبهة أن الصبي في الملك أصيل لأنه مالك حقيقة وأصل العقل والرأي ثابت له فيشبه تصرفه تصرف الملاك من هذا الوجه ويشبه تصرف الوكلاء من حيث إن في رأيه خللا ويجبر ذلك برأي الولي فتثبت شبهة النيابة في هذا التصرف نظرا إلى الوصف فاعتبرت شبهة النيابة في موضع التهمة وهو التصرف مع الولي إذ يتمكن فيه تهمة أن الولي إنما أذن له ليحصل مقصوده ولم يقصد بالإذن النظر للصبي فكما لا يبيع الولي ماله من نفسه بغبن فاحش لا يبيعه الصبي منه بغبن فاحش وسقطت هذه الشبهة في غير موضع التهمة وهو التصرف مع الأجنبي ومع الولي بمثل القيمة أو بما يتغابن الناس في مثله نظرا إلى الأصل قال الشيخ رحمه اللّه في بعض تصانيفه لما تحقق في تصرف الصبي شبهة الوكالة اعتبرناها في حق الولي لأن الوكالة عقد خاص فيعتبر في محل التخصيص واعتبرنا جهة الملك في حق سائر الناس لأن مبنى الملك على العموم فاعتبرناه في محل العموم قوله وعلى هذا الأصل وهو أن ما فيه احتمال ضرر لا يتملكه الصبي بنفسه ويتملكه بإذن الولي قلنا في المحجور أي الصبي المحجور إذا توكل أي قبل الوكالة أو تولى الوكالة لغيره لم تلزمه العهدة أي الأحكام التي تتعلق بالوكالة من تسليم المبيع والثمن والخصومة في العيب ونحوها لأن في إلزامها معنى الضرر ولا يثبت ذلك بالأهلية القاصرة وبإذن الولي تلزمه لأن قصور رأيه اندفع بإذن الولي فصار أهلا للزوم العهدة وفي بعض النسخ وبإذن المولى تلزمه فكان المراد من المحجور على هذه النسخة العبد (٤/٣٦٤) المحجور وحكمه وإن كان حكم الصبي فيما ذكرنا حتى صح توكله بدون إذن المولى باعتبار كمال عقله ولم تلزمه العهدة دفعا للضرر عن المولى وبإذن المولى تلزمه لالتزام المولى الضرر بالإذن لكن بناء هذه المسألة على الأصل المذكور لا يصح إلا بأن يفسر الأصل بمعنى آخر يستقيم تخريجها عليه ولا يخلو عن تمحل فتكون النسخة الأولى أظهر قوله من وصايا البر ليس بقيد فإن وصيته باطلة عندنا سواء كانت في البر أو لم تكن لكن لما كان الخلاف في وصايا في البر دون غيرها عين هذه الصورة ليمكنه الإشارة إلى الخلاف بقوله عندنا واختلف العلماء في وصية الصبي فأهل المدينة يجوزون من وصاياه ما وافق الحق وبه أخذ الشافعي رحمه اللّه لأن هذه الوصية نفع محض لأنه يحصل له الثواب بها في الآخرة بعدما استغنى عن المال نفسه بالموت لأن أوان نفوذ الوصية بعد الموت ولا يحصل له ذلك بغيره فكان وليا فيها بنفسه باعتبار كونها نفعا محضا والدليل عليه أن الوصية أخت الميراث والصبي في الإرث عنه بعد الموت يساوي البالغ فكذا في الوصية بخلاف تبرعه بالهبة والصدقة في حال الحياة لأنه يتضرر بزوال ملكه عنه في حال حاجته وبخلاف إيمانه بنفسه حيث لا يصح في أحكام الدنيا لأنه يحصل له بغيره وهو الولي فلا يكون فيه وليا بنفسه كيف وقد أجاز عمر رضي اللّه عنه وصية غلام نافع وهو الذي قارب البلوغ ولم يبلغ وسئل شريح عن وصية غلام لم يبلغ فقال إن أصاب الوصية فهي جائزة وهكذا نقل عن الشعبي وعندنا وصيته باطلة سواء مات قبل البلوغ أو بعده لأنها إزالة الملك بطريق التبرع مضافة إلى ما بعد الموت فيكون ضررا محضا في الأصل فتعتبر بإزالته بطريق التبرع في حال الحياة فلا تصح وما فيها من النفع حصل باتفاق الحال وهو أنها حالة الموت فيزول عنه الملك لو لم يوص وما ينقلب نفعا باتفاق الحال لا يعتبر كما لو باع شاة أشرفت على الهلاك لم يصح البيع مع أنه نفع محض في هذه الحالة إذ لو لم يصح البيع يزول ملكه بغير بدل ولكن النفع في أصله لما تضمن ضررا لم يصح وكما لو باع شيئا من ماله بأضعاف قيمته لم يجز وإن انقلب نفعا باتفاق الحال وكما لو طلق امرأته المعسرة الشوهاء ليتزوج أختها المعسرة الحسناء لم يجز وإن انقلب الطلاق نفعا محضا في هذه الحالة لأن أصل (٤/٣٦٥) التصريف من المضار وذلك لأن في اعتبار الأحوال حرجا فيعتبر في كل باب أصله تيسيرا للأمر على الناس ولئن سلمنا أن في إيصائه نفعا من حيث الظاهر وهو حصول الثواب ففي القول بصحته ترك نفع أعلى منه لأن الإرث شرع نفعا للمورث فإن نقل ملكه إلى أقاربه عند استغنائه عنه يكون أولى عنده من النقل إلى الأجانب وهو أفضل شرعا لأنه إيصال النفع إلى القريب وصلة للرحم وإليه أشار النبي عليه السلام بقوله لسعد رضي اللّه عنه لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس أي خير لك من أن تتركهم فقراء يسألون الناس أكفهم وإنه بالانتقال إلى الإيصاء ترك هذا الأفضل وهو ضرر لا محالة فلا يكون مشروعا في حقه إلا أنه أي الإيصاء كذا جواب عما يقال لو كان الإيصاء ضررا ينبغي أن لا يكون مشروعا في حق البالغ فقال إنما شرع في حقه لأن أهليته كاملة فيجوز أن يشرع في حقه المضار ألا ترى أنه شرع في حق البالغ الطلاق ولم يشرع في حق الصغير لقصور أهليته فكذلك هذا أي فكالطلاق الإيصاء يكون مشروعا في حق البالغ دون الصبي وتأويل حديث عمر رضي اللّه عنه أن الغلام ما كان بالغا ولكنه كان قريب العهد بالبلوغ ومثله يسمى يافعا بطريق المجاز كذا في المبسوط وقول شريح والشعبي ليس بحجة لأنهما من التابعين دون الصحابة قوله ولذلك أي ولأن ما يتردد بين النفع والضرر لا يملكه الصبي بنفسه قلنا كذا إذا وقعت الفرقة بين الزوجين وبينهما ولد فعند الشافعي رحمه اللّه حق الحضانة للأم إلى سبع سنين ثم يخير الولد بين الأبوين فأيهما اختاره يكون عنده سواء كان الولد ذكرا أو أنثى لما روي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم خير غلاما بين الأبوين وعن عمارة الجرمي قال خيرني علي رضي اللّه عنه بين عمي وأمي وكنت ابن سبع سنين أو ثماني سنين ولأن المقام مع الذي اختاره الصبي نفع محض له لأن أحدهما يكون أشفق عليه وأرفق به وأنه يختار المقام معه فيكون منفعة محضة في حقه وهو ليس بمولى عليه في هذا الباب فيكون وليا بنفسه وعندنا إن كان الولد ذكرا فحق الحضانة للأم إلى أن يستغني عنها بأن يأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده ويستنجي وحده ثم يدفع إلى الأب وإن كان أنثى فالأم أحق بها إلى أن تحيض ثم تدفع إلى الأب ولا يخير بوجه ولا تعتبر (٤/٣٦٦) عبارته فيه شرعا لأنه من جنس ما يتردد بين النفع والضرر بل جانب الضرر فيه متعين لأن الغالب من حاله الميل إلى الهوى والشهوة فيختار من يدعه يلعب ولا يؤاخذه بالآداب ويتركه خليع العذار لقلة نظره في عواقب الأمور وأنه يتضرر بذلك ولا يقال إنما يتحقق الضرر بفعل ذلك الغير لا باختياره لأنا نقول اختياره علة العلة فتصير الأخيرة مضافة مع حكمها إلى الأولى كما في شراء القريب والولي في موضع النزاع ليس بولي جواب عما يقال قد يندفع الضرر بإذن الولي فينبغي أن يصح اختياره إذا رضي الولي بذلك كما في البيع فقال لا يعتبر اختياره في هذا الموضع لأن هذا موضع نزاعه الأم وأنه في هذا الاختيار عامل لنفسه فلا يصلح عاملا للصبي وناظرا له فلا يكون وليا في هذه الحالة وقد يجوز أن لا يعتبر قول الصبي في ذلك ولا قول أبيه كما إذا كان في رهن المشركين عند المسلمين صبيان فأسلموا ثم رضوا بردهم على المشركين لاسترداد رهن المسلمين منهم لا تعتبر رضاهم في ذلك ولا رضاء آبائهم ولا يردون بخلاف الرجال البالغين فهذا نوع اختيار منه ثم لا تعتبر عبارته فيه ولا عبارة وليه لأنه يبتنى على الأهلية الكاملة بمنزلة التصرف الذي يتمحض ضررا فإن قيل إذا أقر الصبي العاقل على نفسه بالرق وهو مجهول الحال يصح إقراره وفيه اعتبار عبارته فيما يتمحض ضررا في حقه وهو إبطال الحرية وتبدل صفة المالكية بالمملوكية قلنا ثبوت الرق ها هنا ليس بعبارته ولكن بدعوى ذي اليد أنه عبدي لأن عند معارضته إياه بدعوى الحرية لا يتقرر يده عليه وعند عدم هذه المعارضة يتقرر يده عليه فيكون القول قوله في رقه بمنزلة الصبي الذي لا يعقل إذا كان في يده فقال هو عبدي أو لأن الحرية إنما تثبت له إذا ادعى الحرية ولا يمكن أن يجعل بإقراره بالرق مدعيا للحرية بوجه فكان هذا نظير ما قلنا في صحة ردته من حيث إنه مع جهله باللّه تعالى لا يمكن أن يجعل عالما به حتى يكون محكوما بإسلامه كذا ذكر الإمام شمس الأئمة رحمه اللّه والجواب عما روي من الخبر أن النبي صلى اللّه عليه وسلم دعا لذلك الغلام فقال اللّهم سدده فببركة دعائه عليه السلام اختار ما هو الأنفع له ولا يوجد مثله في حق غيره كذا في المبسوط قوله وقد خالفنا الشافعي في هذه الجملة أي جملة ما ذكرنا من الأحكام خلافا متناقضا ثم بين التناقض بقوله لأنه قد قال بصحة كثير من عباراته في اختيار أحد الأبوين (٤/٣٦٧) وفي الإيصاء كما بينا وفي العبادات حيث قال بصحة صلاة الصبي وصحتها متوقفة على صحة العبارة فإن التحريمة تنعقد بالعبارة والقراءة والأذكار في الصلاة عبارات أيضا وهي صحيحة من الصبي كما تصح من البالغ وقال بلزوم الإحرام من غير نفع يعني إذا أحرم الصبي يلزمه المضي عنده وليس في القول باللزوم له نفع وكذا لو ارتكب محظور إحرامه يلزمه الجزاء عنده وليس له في ذلك نفع بل هو ضرر محض وأبطل الإيمان أي أبطل عبارته في الإيمان حتى لو سمع منه الإقرار عن معرفة وطوع لا يحكم بإسلامه عنده مع أنه نفع محض كما مر بيانه وهذا تناقض حيث صحح عبارته في تلك المسائل لمعنى النفع ولم يصححها في الإيمان الذي هو أظهر نفعا في الدنيا والآخرة من الوصية واختيار أحد الأبوين وليس له فقه أي أنه لم ينظر في كل مسألة إلى المعنى الفقهي المودع فيها وإنما له حرف واحد وضعه بنفسه يطرده في المسائل وهو أن ما يمكن حصوله له من المنافع بمباشرة وليه لا يعتبر عبارته فيه وما لا يمكن حصوله له بمباشرة وليه يعتبر عبارته فيه لأن من كان موليا عليه في شيء لم يصلح وليا فيه لأن أحدهما وهو كونه موليا عليه سمة العجز أي علامته والثاني وهو كونه وليا بنفسه آية القدرة وهما أي كونه عاجزا وكونه قادرا في شيء واحد متضادان فلا يجتمعان فلما جعله الشرع موليا عليه في شيء دل على سقوط ولايته فيه إذ لو بقيت لما ثبت للغير ولاية فيه كما بعد البلوغ فلذلك فسدت عبارته فيما صار موليا عليه وإن كان فيه نفع وكذا فيما لم يصر موليا عليه إذا كان فيه ضرر فقال يصح اختياره أحد الأبوين لأن منفعة هذا الاختيار لا تحصل له بمباشرة الولي فتعتبر عبارته فيه وإذا اعتبرت عبارته فيه لا تعتبر عبارة الولي عليه في ذلك فلا يعتبر اختياره وكذلك أي وكاختيار أحد الأبوين قبول الهبة في قول يصح منه إذا بلغ سبع سنين لأنه نفع محض فيملك مباشرته وإذا ملكه بنفسه لا يملكه الولي عليه وفي قول لا يصح منه ويصح من الولي كالبيع ولا فقه فيه أي فيما ذكرنا من الجواب في هذه المسائل لأنه أي الشافعي رحمه اللّه لم يبن الأمر على دليل الصحة والعدم من الصبي أي على دليل تبين صحته من الصبي أو عدم صحته منه بل بنى الأمر على شيء خارج عن الفقه وعندنا لما كان الصبي قاصر الأهلية صلح موليا عليه باعتبار قصور العقل ولما كان (٤/٣٦٨) صاحب أصل الأهلية بوجود أصل العقل صلح وليا بنفسه ولا منافاة في الجمع بينهما لأنا متى جعلناه وليا في تصرف لم نجعله فيه أي فيما جعلناه وليا موليا عليه وإذا جعلناه موليا عليه في تصرف لم نجعله وليا فيه فإنا متى جعلناه مسلما بإسلام نفسه لم نجعله مسلما تبعا لأحد وإذا جعلناه مسلما تبعا لأحد أبويه لم نجعله مسلما بإسلام نفسه وهو كالعبد يكون تبعا لمولاه في السفر والإقامة في حالة ويكون أصلا بنفسه في حالة وهي ما إذا خلى بينه وبين ذلك وإنما هذا أي الجمع بين كونه وليا وموليا عليه عبارة عن الاحتمال أي المراد منه أنه يحتمل أن يوجد هذا التصرف بمباشرته فيكون وليا فيه ويحتمل أن يوجد بمباشرة الولي عليه فيكون موليا عليه لا أن يوجد التصرف بالطريقين جميعا فيكون وليا وموليا عليه فيه بل لا يوجد إلا بطريق واحد ولا يستحيل الجمع بينهما بهذا الوجه كما في إرسال الطلاق وتعليقه فإنهما يتنافيان وجودا على معنى أنه لو وقع بالإرسال لا يقع بالتعليق وكذا عكسه فأما ما قبل الوجود فيحتمل الوقوع بكل واحد من الطريقين وهو راجع أي الجمع بين كونه وليا وموليا عليه في تصرف راجع إلى توسع طريق النيل أي نيل الحكم والنفع الذي في ذلك التصرف فإنه متى صح قبوله الهبة بنفسه وصح قبول وليه له أيضا كان حصول نفع الهبة له بطريقين ولو لم يجمع بينهما كان طريقه واحدا ولا شك أن حصوله بطريقين أنفع له من حصوله بطريق واحد وذلك أي توسع طريق الإصابة أو نيل نفع التصرف هو المقصود من جعله وليا بنفسه وموليا عليه لأن المقصود من الأسباب أحكامها لا ذواتها فكان المقصود من الجمع بين الأمرين حكمه وهو حصول النفع فوجب احتمال هذا التردد في السبب أي وجب تحمل التردد الذي في السبب فإنه يحتمل أن يكون بمباشرة نفسه ويحتمل أن يثبت بمباشرة وليه من غير تعين أحدهما لسلامة الحكم على الكمال أي ليحصل النفع له على كلا التقديرين من غير تردد وإنما الأمور بعواقبها أي المعتبر عواقب الأمور لا ابتداؤها وعاقبة ما ذهبنا إليه تحصيل المنافع للصبي من غير تردد بتوسيع طريقه وإن كان في ابتدائه تردد فيجب اعتباره واللّه أعلم (٤/٣٦٩) |