باب وجوه دفع العلل الطرديةالأوصاف الطردية نوعان نوع منها أوصاف فاسدة في ذواتها لخلوها عن التأثير والملاءمة ونوع منها أوصاف صحيحة في أنفسها لكونها ملائمة ومؤثرة إلا أن أهل الطرد تمسكوا باطرادها لا بتأثيرها ومناسبتها إذ المنظور عندهم نفس الاطراد لا غير فهذا الباب لبيان وجوه الاعتراض على هذا النوع من الأوصاف الطردية وهو القسم الثاني من هذا الباب أي هذا الباب هو القسم الثاني من باب دفع العلل فإنه قد ذكر في أول ذلك الباب أن العلل نوعان مؤثرة وطردية وعلى كل قسم ضروب من الدفع وقد فرغ من بيان وجوه دفع العلل المؤثرة وما يتعلق بها فشرع في بيان القسم الثاني من ذلك الباب لأنه يرفع الخلاف أي عما أوجبه علة المستدل لا عن الحكم المقصود فهو أحق بالتقديم يعني لما كان هذا النوع من الاعتراض رافعا للخلاف كان أولى بالتقديم لأن المصير إلى النزاع مع إمكان الوفاق وحصول المقصود به اشتغال بما لا يفيد ونوع من السفه ثم الحجة على الخصم بما يكون مناقضا لدعواه فإذا وافقه الخصم فيما قال لم يكن مناقضا لدعواه فلا يكون حجة قوله وأما القول بموجب العلة فالتزام ما يلزمه المعلل بتعليله أي أنه قبول السائل ما يوجب المعلل عليه بتعليله يعني مع بقاء الخلاف في الحكم المقصود ويدل عليه عبارة عامة الأصوليين هو تسليم ما اتخذه المستدل حكما لدليله على وجه لا يلزم منه تسليم الحكم المتنازع فيه وهذا النوع من الاعتراض إنما يستقيم فيما إذا ثبت المعلل بعلته ما يتوهم أنه محل النزاع ولا يكون كذلك فيمكن للسائل دفعه بالتزام موجبه مع بقاء مقصوده في الحكم أو أثبت المعلل بدليله إبطال ما يتوهم أنه مأخذ الخصم فبالتزام السائل (٤/١٤٨) موجب دليله مع بقاء نزاعه في الحكم يتبين أن ذلك ليس مأخذه فمسألة التثليث ومسألة التعيين من أمثلة القسم الأول والمسائل الباقية إلى آخر الفصل من أمثلة القسم الثاني وأكثر القول بالموجب يتحقق في هذا القسم لخفاء مأخذ الأحكام لكثرتها وتشعبها وعدم الوقوف على ما هو معتمد الخصم من جملتها بخلاف محل النزاع وهو الأحكام المختلف فيها فإنه قل ما يتفق الذهول عنها ولهذا يشترك في معرفة الأحكام المنقولة عن الأئمة الخواص والعوام دون معرفة المدارك وأنه أي القول بموجب العلة يلجئ أي يضطر أصحاب الطرد إلى القول بالمعاني الفقهية المؤثرة يعني لما رأوا أن الاشتغال بالطرد لم يغن عنهم شيئا أعرضوا عنه وذكروا بعد في المناظرة أوصافا مؤثرة ومعاني فقهية لا يمكن ردها بهذا النوع من الاعتراض أو معناه أنهم لما تمسكوا باطراد وصف ورد عليهم بهذا النوع من الاعتراض اضطروا إلى بيان التأثير لذلك الوصف ليصير حجة على الخصم والوجه الأول أظهر لأن هذا الاعتراض لما توجه على المستدل صار منقطعا عند عامة الأصوليين لتبين أن ما يصيبه من الدليل لم يكن متعلقا بمحل النزاع وإذا كان كذلك لم ينفعه بيان التأثير للوصف بعدما صار منقطعا فكان الوجه الأول أولى وذلك أي القول بالموجب يتحقق في هذا الفصل فما تجاوزه أي تجاوز المقدار المفروض إلى استيعاب الرأس الذي هو سنة بالإجماع تثليث وزيادة ولكن في غير المحل الذي أدى فيه الفرض وذلك ليس بمانع عن التثليث إذ ليس مقتضى التثليث اتحاد المحل لما ذكر وإذا كان أي الأمر كذلك أي كما ذكرنا أن اتحاد المحل ليس مقتضى التثليث فقد ضم الماسح إلى الفرض أمثاله فكان هذا الضم تثليثا وزيادة إذ التثليث ضم المثلين إلى الأول وهذا ضم ثلاثة أمثال أو أكثر فإن غير أي المستدل العبارة بطريق العناية فقال وجب أن يسن تكراره أي أردت بالتثليث التكرار الذي هو مقتضى لاتحاد المحل لا محالة أو بطريق الانتقال من حكم إلى حكم فإنه صحيح يعني هذا الوصف كما اقتضى التثليث اقتضى التكرار أيضا فيثبت به هذا الحكم لم نسلم ذلك أي سنية التكرار في الأصل وهو الغسل فيقول لا نسلم أن (٤/١٤٩) التكرار في الأصل مسنون قصدا بل المسنون تكميله إذ هو الأصل في الأركان وتكميله أي تكميل الأصل أو تكميل الركن أو الفرض بإطالته في محله بمنزلة إطالة القيام والركوع والسجود لا بتكراره لأن النص الذي يوجبه لا يقتضي التكرار ولكنه يقتضي الكمال فيكون في الإطالة امتثال به لكن الفرض لما استغرق في الغسل محله لم يمكن التكميل بالإطالة لأنه يقع إكمالا في غير محل الفرض اضطررنا إلى المصير إلى التكرار ليحصل التكميل بالزيادة من جنسه في محله خلفا عن الأصل وهو التكميل بالإطالة والأصل هاهنا مقدور عليه في مسح الرأس لاتساع محله فبطل الخلف وهو التكميل بالتكرار وقوله في مسح الرأس بدل من هاهنا قال القاضي الإمام رحمه اللّه التكميل إنما يحصل بزيادة من جنس الأصل في محل الأصل لأنه في غير محله لا يكون إكمالا وهاهنا التكميل بهذا الطريق يمكن من غير ماء جديد لأنه يحصل بالاستيعاب تكميل الطهارة المطلوبة بالمسح فرضا بماء طهور يستعمله في محل الفرض لأن الرأس كله محل المسح والبلل طهور ما لم يستوعب العضو كالماء في الغسل يبقى طهورا في آخر العضو على حكم الابتداء فيزداد بالأمداد طهارة قدر الفرض الذي لو اقتصر عليه أجزأه بطهارة مثلها بماء مثل ماء الأصل في محل مثل محل الأصل فيلحق بالغسل إذا ثلث فيكره الزيادة عليه بماء طهور كما كره في الغسل بعد الثلاث ويظهر بهذا أي بما ذكرنا من القول بالموجب والممانعة فقه المسألة فإن المعلل يضطر إلى الرجوع إلى طلب التأثير لوصف الركنية في التكرار وإلى التأمل في وصف المسح الذي هو معتمد خصمه فتبين حينئذ أن لا أثر للركنية في التكرار أصلا فإن في أركان الصلاة لم يشرع التكرار فرضا ولا سنة مع قيام وصف الركنية ولا أثر لها أي للركنية في التكميل لا محالة يعني ليس التكميل مختصا بالركنية مع كونها مؤثرة فيه بل هو ثابت فيما هو رخصة وفيما هو سنة أيضا فلا يكون هذا الوصف منعكسا ألا ترى أن مسح الرأس شاركه مسح الخف في الاستيعاب سنة يعني يسن الاستيعاب في مسح الخلف بالمد إلي الساق التي هي منتهى بها محل الغسل كما يسن في مسح الرأس وهو أي مسح الخف رخصة وليس بركن بدليل أنه لو نزع خفيه وغسل رجليه جاز وكان أفضل ولو كان ركنا لا يتأدى الوضوء بدونه كمسح الرأس وكذلك أي وكمسح الخف المضمضة في أنها (٤/١٥٠) ليست بركن وقد شرع التكميل فيها أيضا بالتكرار كغسل الوجه فثبت أن وظائف الوضوء أركانها ورخصها وسننها سواء في معنى التكميل لا اختصاص للركنية به فأما المسح فقد ظهر تأثيره في التخفيف وثبت اختصاص التخفيف به وهو معنى قوله لا محالة فكان منعكسا لأنه لا يؤدي لطهر معقول يعني إنما كان مؤثرا في التخفيف لأن المسح لا يعقل فيه معنى التطهير بدليل أن الطهارة لا تحصل بالمسح أو تحققت نجاسة في المحل فلما كان كذلك أي كان المسح كما بينا أنه يؤدي لطهر غير معقول يعني لما كان المطلوب منه طهارة حكمية لا حقيقية كانت الإطالة فيه سنة ليزداد بها طهر حكمي مثل الأول مع رعاية صفة التخفيف لا التكميل بالتكرار لأن التكميل به شرع فيما عقل معنى التطهير فيه وهو التطهير بتسييل الماء ليكون أقرب إلى طمأنينة القلب كما في غسل النجاسة العينية من البدن والثوب وهذا كله أي ما ذكرنا أن الاستيعاب تثليث وزيادة وأن إكمال المسح بطريق السنة يحصل بالإطالة دون التكرار بناء على كذا يتأدى ببعض الرأس لا محالة أي بكل حال سواء استوعب أو اقتصر على مقدار الفرض وذلك أي التأدي بالبعض بكل حال وذلك أي تأدي الفرض بالكل والحط إلى الأدنى بطريق الرخصة مثل القراة عندكم فإنها وإن طالت كانت فرضا مع أن فرضها يتأدى بآية واحدة وكذا الركوع والسجود والجواب عنه أي عما ذكروا أن الفرض يتأدى بالكل والحط إلى الأدنى رخصة فصار البعض هو المراد ابتدأ بالنص بخلاف النص الموجب للقراءة فإنه لا يقتضي تبعيضا بل هو دال على وجوب مطلق القراءة فيتأدى الفرض بمطلق ما يسمى قراءة والقليل والكثير داخلان تحت المطلق فلذلك يتأدى الفرض بالكثير كما يتأدى بالقليل والفضل على نصاب التكميل بدعة كالفضل على الثلاث في الغسل والفضل على الاستيعاب في مسح الخف (٤/١٥١) قوله ومن ذلك أي ومما يمكن أن يقال فيه بموجب العلة لأن هذا الوصف وهو الفرضية يوجب التعيين لأن تحصيل الوصف واجب كتحصيل الأصل فلم يكن بد من نية الفرض لتميزه عن غيره بالتعيين لكنه وإن أوجب التعيين لا يمنع وجود ما يعينه وقد وجد المعين وهو انفراده بالشرعية وعدم المزاحم فإن اللّه تعالى لم يشرع في شهر رمضان صوما سوى صوم الفرض فيكون متعينا بتعيين الشارع فإذا أطلق صار كأنه نوى الصوم المشروع فيه وثمة يجوز بدون التعيين فكذا هاهنا ينصرف مطلق الاسم إليه فيكون إطلاقه تعيينا أي إصابة للمشروع المعين ولأنه أي صوم رمضان لا يجوز عندنا إلا بتعيين النية من العبد ابتداء كما قلتم ولكن التعيين قد وجد من العبد لأن إطلاق النية منه تعيين في هذه الصورة لا أن التعيين ساقط عنه والفرق بين النكتتين أن النكتة الأولى تشير إلى أن التعيين ساقط عن العبد لحصول التعيين بتعيين الشارع والنكتة الثانية تشير إلى أن التعيين لم يسقط عنه ولكن إطلاق النية منه تعيين فكان التعيين مضافا إلى العبد ففي هاتين المسألتين إنما أمكن للسائل القول بموجب العلة لأن الحكم المذكور فيهما وهو التثليث في المسألة الأولى والتعيين في المسألة الثانية ليس محل النزاع وإنما النزاع في أن الاستيعاب تثليث وأن الإطلاق تعيين قوله ومن ذلك أي ومما يتأتى فيه القول بموجب العلة قول أصحاب الشافعي في أن الشروع في صلاة التطوع أو صوم النفل غير ملزم باشر نفل قربة إلى آخره حتى إنه أي القضاء يجب إذا فسد لا باختياره بأن شرع في صلاة النفل بالتيمم ناسيا الماء في رحله ثم وجده أي تذكره في خلال الصلاة أو شرع في صوم النفل فصب الماء في حلقه في النوم وجب عليه القضاء عندنا وإن لم يوجد منه الإفساد ولما وجب القضاء بالفساد كما (٤/١٥٢) وجب بالإفساد علم أنه مضاف إلى معنى آخر شامل لهما وهو الشروع الذي يصير الأداء به مضمونا عليه وفوات المضمون موجب للمثل فإن قيل أي غير المعلل العبارة فقال باشر نفل قربة لا يمضي في فاسدها فوجب أن لا يلزمه القضاء بالشروع ولا بالإفساد كالوضوء قلنا كذا يعني نلتزم هذا الموجب أيضا ونقول لا تضمن القربة بالشروع المضاف إلى عبادة لا يمضي في فاسدها وإنما تضمن بالشروع في عبادة تلتزم بالنذور ولا بد من إضافة الحكم إلى هذا الوصف لأن الوصف إنما يذكر علة للحكم وما ذكر لا يصلح علة للوجوب فلا بد من إضافته إلى وصف يصلح علة للوجوب وهو أنه مما يلتزم بالنذر وعدم اللزوم باعتبار الوصف الذي ذكره لا يمتنع اللزوم باعتبار الوصف الذي ذكرنا وإذا آل الكلام إلى ما قلنا يضطر المعلل إلى إقامة الدليل على أن الشروع غير ملزم وأنه ليس نظير النذر في كونه ملزما فيظهر به فقه المسألة وذلك أي قولهم في هذه المسألة إنه باشر نفل قربة لا يمضي في فاسدها فلا يلزمه القضاء مثل قولهم في العبد إلى آخره وصورة المسألة ما إذا قتل العبد خطأ يجب على القاتل قيمته ولا تزاد عن دية الحر وتنقص منها عشرة دراهم وعندهم تجب قيمته بالغة ما بلغت قالوا العبد مال فلا يتقدر بدله بالقتل كالدابة وغيرها وقلنا لا يتقدر بدله بهذا الوصف وهو المالية ولكنه لا يمنع وجود وصف آخر يتقدر بدله به وهو وصف الآدمية لأن العبد بهذا الوصف ليس بمال بل هو مبقي على أصل الحرية على ما عرف فيقدر بدله بهذا الوصف كدية الحر لا بوصف المالية وأما تنقيص ديته من دية الحر بعشرة فسيأتيك بيانه إن شاء اللّه تعالى في باب العوارض وهذا كلام حسن أي التزام السائل ما ذكره المعلل من الحكم بناء على الوصف الذي ذكره وإثبات مقصوده بوصف آخر طريق حسن فإن الموجود قد يكون ببعض صفاته حسنا وببعض صفاته رديا أي قبيحا مع أن الحسن والقبح متضادان وله أمثلة في المحسوسات والمشروعات فإن الإنسان قد يوصف بالحسن باعتبار حسن وجهه وبالقبح باعتبار قصر قامته وقتل الجاني حسن باعتبار جنايته قبيح باعتبار تخريب بنيان الرب وكذا الصوم المنهي عنه والصلاة المنهي عنها وكذا العبد بين اثنين إذا أمره أحدهما (٤/١٥٣) بفعل ونهاه الآخر عن عين ذلك الفعل كان إقدامه عليه وانتهاؤه عنه حسنا من وجه قبيحا من وجه وإذا كان كذلك جاز أن يكون القربة مضمونة بوصف خاص وهو أنه تلتزم بالنذر غير مضمونة بسائر الأوصاف وهي كونها قربة وكونها مما لا يمضي في فاسدها وكونها غير واجبة بالأمر ونحوها قوله ومن ذلك أي ومما قيل فيه بموجب العلة قولهم فيما إذا أسلم مذروعا في جنسه بأن أسلم هرويا في هروي فإنه لا يجوز عندنا ويجوز عندهم أنه أسلم مذروعا في مذروع فيجوز كما إذا أسلم هرويا في هروي ونحن نقول بموجبه فإن بهذا الوصف وهو أن هذا إسلام مذروع في مذروع لا يفسد العقد عندنا ولكن ذلك الوصف لا يمنع وجود الفساد بمعنى آخر موجب للفساد ألا ترى أنه لو لم يقبض رأس المال في المجلس أو قرن بهذا العقد شرط فاسد بأن أسلم بذراع رجل عينه كان فاسدا بالاتفاق مع وجود هذا الوصف فيجوز أن يفسد بمعنى الجنسية أيضا فإنها أحد وصفي علة الربا فتصلح محرمة للنسيئة كالوصف الآخر وهو الكيل فإنه لو أسلم حنطة في شعير لا يجوز لما قلنا من وجود أحد وصفي علة الربا كذا هاهنا فحينئذ يضطر المعلل إلى بيان أن الجنسية لا تصلح علة لفساد هذا العقد بها إن أمكنه وكذلك أي ومثل قولهم في هذه المسألة قولهم في المختلعة إلى آخره ونحن نقول بموجبه أي بموجب هذا التعليل فإن عندنا لا يلحقها الطلاق بوصف أنها منقطعة النكاح ولكن بوصف أنها معتدة عن نكاح صحيح فإن العدة أثر من آثار النكاح وببقائها يبقى ملك للزوج عليها حتى كان له ولاية منعها عن الخروج فتكون المرأة بهذا الوصف محلا للطلاق واحترز بقوله نكاح صحيح عن المعتدة عن نكاح فاسد فإنها ليست بمحل للطلاق لأنها في حال عدم المتاركة ليست بمحل للطلاق ففي حال المتاركة التي هي حالة العدة أولى ومن ذلك قولهم في اشتراط الإيمان في رقبة كفارة الظهار والصوم تحرير في تكفير ونحن نقول هذا الوصف وهو كونه تحريرا في تكفير يوجب اشتراط إيمان المحرر كما قلتم لكن قيام الموجب لاشتراط الإيمان لا يمنع معارضة ما (٤/١٥٤) يسقط اشتراطه وهو إطلاق صاحب الشرع الذي هو صاحب الحق بقوله فتحرير رقبة كالدين يسقط يعني قيام الدين في الذمة يوجب الأداء ولكنه لا يمنع وجود ما يسقطه كما إذا أبرأ صاحب الحق من عليه الدين عن حقه وإذا كان كذلك حصل الامتثال بالأمر بإعتاق الكافرة كما حصل بإعتاق المؤمنة فيخرج به عن العهدة فيضطر المعلل عند ذلك إلى الرجوع إلى فقه المسألة وهو أن الامتثال لا يحصل بتحرير الكافرة كما لا يحصل به في كفارة القتل لأن المطلق محمول على المقيد وكذلك وكقولهم في مسألة الكفارة قولهم في السرقة يغني في أن القطع في السرقة لا يوجب سقوط ضمان المسروق عن السارق أنهما أخذ مال الغير بلا تدين أي بلا اعتقاد إباحة وتأويل في الأخذ فيوجب الضمان كالغصب بخلاف أخذ الحربي مال المسلم وأخذ الباغي مال العادل فإنه لا يوجب الضمان لأنه أخذ بطريق التدين إذ الحربي يعتقد إباحته والباغي يأخذ بتأويل فيعتبر في إسقاط الضمان عند وجود المتعة وإنا نقول به أي نسلم أن ما ذكروا من الوصف وهو أنه أخذ مال الغير موجب للضمان ولكنه لا يمنع اعتراض ما يسقطه كالإبراء أي كإبراء صاحب الحق وهو المسروق منه السارق عن الضمان فكذلك أي فكالإبراء استيفاء الحد عندنا في إسقاط الضمان فيئول الكلام حينئذ إلى أن استيفاء الحد هل يوجب الضمان أم لا فيظهر فقه المسألة ففي هذه المسائل قصد المعلل بالتعليل إبطال مذهب خصمه فيما ذهب إليه من الحكم فالسائل بالقول بالموجب بين أن ما ذكرت ليس بمأخذ الحكم عندي وإن هذا التعليل لا يقدح فيما ذهبت إليه من الحكم ثم اختلف في أنه هل يجب على السائل بعدما رد المأخذ الذي ذكره المعلل بيان مأخذه فقيل يجب لاحتمال أن يكون هذا هو المأخذ عنده ولعلمه بعدم التكليف يقول به عنادا قصدا لاتفاق كلام خصمه ولا كذلك إذا وجب عليه فكأن الوجوب أفضى إلى صيانة الكلام عن الخبط والعناد فكان أولى وقيل لا يجب إذ لا وجه لتكليفه بذلك بعد الوفاء بشرط الموجب وهو استبقاء محل النزاع لأنه عاقل متدين وهو أعرف بمأخذ نفسه أو بمأخذ إمامه فكان الظاهر من حاله الصدق فيما ادعاه فوجب تصديقه كيف ولو لم يصدق وأوجب عليه بيان المأخذ فإن أمكن للمستدل الاعتراض عليه انقلب المستدل معترضا ولا يخفى ما فيه من الخبط وإن لم يكن فلا فائدة في إبداء المأخذ لإمكان ادعائه (٤/١٥٥) ما لا يصلح للتعليل ترويجا لكلامه ثقة منه بامتناع ورود الاعتراض عليه فإن قيل القول بالموجب في هذا القسم وهو ما إذا كان التعليل لإبطال مأخذ الخصم يؤدي إلى القول بتخصيص العلة لأن السائل لما سلم أن علة المعلل توجب ما رتب عليها من الحكم كان يخلف الحكم عنها لمانع ثبت عنده فيكون تخصيصا فيستقيم القول به ممن جوز تخصيص العلة ولا يستقيم ممن أنكره والشيخ المصنف رحمه اللّه من هذه الفرقة فينبغي أن لا يصح منه تصحيح القول بالموجب في هذا القسم قلنا لا نسلم أنه تخصيص من حيث المعنى وإن كان يتراءى أنه تخصيص صورة لأن المقصود من التخصيص دفع النقض عن العلة التي رام المعلل تصحيحها ببيان مانع المخصص وليس فيما نحن فيه مقصود السائل من القول بالموجب تصحيح علة المعلل بل المقصود منه إفحامه وإيقاف كلامه لا غير فلم يكن تخصيصا بل كان إبطالا لكلامه معنى فلذلك صح من الكل (٤/١٥٦) |