Geri

   

 

 

İleri

 

الفصل الثاني

وهو الممانعة

قوله والرابع في نسبة الحكم إلى الوصف لأن أصحاب الطرد يشترطون صلاح الوصف وتعلق الحكم به وجودا وعدما فإذا انقطعت نسبة الحكم عنه كان فاسدا وقيل

في الفرق بين هذا القسم والقسم الأول إن الممانعة في الوصف هي عدم تسليم وجود الوصف المذكور في محل النزاع والممانعة في نسبة الحكم إلى الوصف هي عدم تسليم كون الحكم منسوبا إلى الوصف المذكور مع تسليم وجود ذلك الوصف المذكور في محل النزاع وقيل الممانعة في نفس الوصف هي منع تعلق الحكم بالوصف المذكور في الفرع مع تسليم تعلقه به في الأصل والممانعة في نسبة الحكم إلى الوصف هي منع تعلق الحكم بالوصف المذكور في الأصل

أما الأول وهو الممانعة في نفس الوصف فمثل قول أصحاب الشافعي في كفارة الإفطار في رمضان إنها عقوبة متعلقة بالجماع فلا تجب بغيره من الأكل والشرب كحد الزنا وهذا الوصف وهو كونها متعلقة بالجماع غير مسلم عندنا بل هي متعلقة بالإفطار إذا كمل جناية لا بالجماع بدليل أنه لو جامع ناسيا لصومه لا يفسد صومه لعدم الفطر وإن كان الوطء زنا يوجب الحد ولو جامع ذاكرا لصومه يفسد لوجود الفطر وإن كان الوطء حلالا في نفسه

وهذا لأن الجماع آلة الفطر والحكم لا يتعلق بالآلة وإنما يتعلق بالحاصل بالآلة كما في الجرح فإن من جرح إنسانا ومات المجروح به يجب القصاص ولا يتعلق وجوبه بالآلة وإنما يتعلق بالجرح الحاصل بالآلة فعرفنا أنها متعلقة بالإفطار على وجه الجناية وهذا الوصف عام يتناول الجماع والأكل والشرب على السواء فيثبت الحكم بكل واحد وعند

(٤/١٥٧)

إلحاق هذا المنع يضطر إلى بيان حرف المسألة وهو أن الفطر بالجماع فوق الفطر بالأكل والشرب في الجناية فلا يمكن إلحاق الأكل والشرب به قياسا ولا دلالة ثم قيل إيراد هذا المثال هاهنا غير ملائم لأنه من أمثلة القسم الرابع فإن السائل منع فيه نسبة الحكم إلى الجماع وأضافه إلى وصف آخر وهو الفطر وأجيب بأنه وإن كان كذلك فهو ممانعة في الوصف أيضا من حيث إن المعلل جعل كون الكفارة متعلقة بالجماع علة للمنع من الوجوب في الأكل والسائل منع كونه متعلقا بالجماع فيكون مانعا لنفس الوصف عن كونه علة فيصح إيراده هاهنا من هذا الوجه

قوله ومن ذلك أي ومما يتحقق فيه ممانعة نفس الوصف قولهم في بيع التفاحة بالتفاحة أنه بيع مطعوم بمطعوم من جنسه مجازفة فيبطل كبيع الصبرة من الحنطة بصبرة منها لأنا نقول تريدون بالمجازفة مجازفة ذات أو وصف أي تريدون مجازفة ترجع إلى نفس البدلين أو إلى وصفهما من الرداءة والجودة فلا بد من القول بالذات لأن التفاوت والتساوي في الوصف ساقطا الاعتبار في الأحوال الربوية بالإجماع ثم نقول مجازفة في الذات أي تريدون مجازفة في الذات أو تقولون هي مجازفة في الذات باعتبار صورتها التي بها عرفت تفاحة أم هي مجازفة بالنظر إلى المعيار الذي وضع لمعرفة القدر من الأشياء والضمير في صورته راجع إلى المبيع أو إلى الذات على تأويل المذكور

فلا بد من القول بالمعيار أي بالمجازفة من حيث المعيار لأن المجازفة من حيث الصورة لا تمنع جواز البيع بالاتفاق فإن بيع قفيز من حنطة بقفيز منها جائز مع وجود المجازفة في الذات صورة فربما يكون

أحدهما أكبر من الآخر في عدد الحبات والأجزاء فإن قيل أي إن ذكر المعلل أنه لا حاجة لي إلى هذا التفصيل بل أريد بها مطلق المجازفة لم نسلم له المجازفة مطلقة أي لا نسلم له أن مطلق المجازفة مانع من صحة هذا البيع لما بينا أن من المجازفة ما لا يمنع بيع

المطعوم بالمطعوم بالإجماع فإذا لا يجد المعلل بدا من أن يفسر المجازفة بالمجازفة في المعيار وهو الكيل وإذا فسرها بها لم نسلم في وجودها بيع التفاحة بالتفاحة لأن التفاحة لا تدخل تحت كيل المعيار والمجازفة فيما لا يدخل تحت الكيل لا تتصور فقد أدى الاستفسار إلى الممانعة في الوصف فيضطر المعلل بعد الاستفسار والممانعة إلى

(٤/١٥٨)

الرجوع إلى حرف المسألة وهو أن الأصل هو الحرمة في بيع المطعوم بالمطعوم لأن الطعم عنده علة لتحريم البيع في المطعومات والجنسية شرط والمساواة كيلا مخلص عن الحرمة ففي بيع التفاحة بالتفاحة قد وجدت العلة والشرط ولم يوجد المخلص لعدم تصور المساواة فيهما كيلا فثبتت الحرمة كما لو فاتت المساواة بالفصل على أحد الكيلين وعندنا الأصل في هذه الأموال جواز العقد كما في سائر الأموال والفساد باعتبار فضل هو حرام وهو الفضل على المعيار ولا يتحقق ذلك إلا فيما يتحقق فيه المساواة في المعيار إذ الفضل يكون بعد تلك المساواة ولا تتحقق هذه المساواة فيما لا يدخل تحت المعيار أصلا فيجوز بيع التفاحة بالتفاحة عملا بالأصل

وقوله مع أن الكيل متصل بقوله لا نسلم له المجازفة مطلقة يعني لا نسلم أن مطلق المجازفة مانع من صحة البيع لأن الجواز متعلق بالمساواة كيلا بالإجماع وبها يقع المخلص عن فضل هو ربا ولا يزول بالمساواة كيلا إلا فضل على الكيل فثبت أن الحرمة متعلقة بالمجازفة كيلا لا بمطلق المجازفة

أو هو متصل بقوله الطعم علة لتحريم البيع يعني أنه يجعل الطعم علة لتحريم البيع عند المقابلة بالجنس وهو يقتضي تحريم البيع في القليل والكثير عند فوات التساوي كيلا مع أن الكيل أي التساوي في الكيل الذي يظهر به الجواز لا يعدم إلا الفضل على المعيار أي لا يقتضي إلا الاحتراز عن الفضل على المعيار فكان إثبات العلة على وجه يوجب الحرمة مطلقة في القليل والكثير على خلاف مقتضى النص

قوله ومن ذلك أي ومما يمكن فيه ممانعة الوصف قولهم كذا الولي يملك تزويج الثيب الصغيرة عندنا كما يملك تزويج البكر الصغيرة وعند الشافعي رحمه اللّه لا يملك أحد من الأولياء تزويجها أصلا حتى تبلغ لأن ولايته عليها زالت بالثيابة فإذا بلغت فحينئذ يزوجها بمشورتها وإن كانت الثيب مجنونة يجوز للأب والجد تزويجها صغيرة كانت أو كبيرة ولا يجوز لغير الأب والجد تزويجها إن كانت صغيرة

فإن بلغت زوجها السلطان بمشورة الأولياء أو يأذن لهم في تزويجها كذا في التهذيب قالوا هذه ثيب يرجى مشورتها واحترزوا به عن المجنونة فإن مشورتها لا ترجى في الغالب فلا تنكح إلا برأيها كالثيب البالغة النائمة والمغمى عليها والغائبة لأنا نقول اللام متعلقة بقوله من ذلك برأي حاضر أم برأي مستحدث أي تريدون بقولكم لا تنكح إلا برأيها رأيا قائما في

(٤/١٥٩)

الحال أو رأيا سيحدث فإن أردتم الأول فلا نسلم وجوده في الفروع وهو الصغيرة إذ ليس لها رأي قائم في الحل لا في المنع ولا في الإطلاق فإن من لم يجوز تزويجها لم يفصل في ذلك بين أن يكون العقد برأيها وبدون رأيها ومن جوز العقد فكذلك لم يفصل فعرفنا أنه ليس لها رأي قائم

وإن عنيتم الثاني فلا نسلم وجوده في الأصل وهو الثيب البالغة لأن لها رأيا قائما لا مستحدثا ولهذا كان للولي تزويجها بمشورتها في الحال بالاتفاق وكان لها أن تتزوج بنفسها أيضا عندنا فكان هذا ممانعة لنفس

الوصف في الفرع أو الأصل فإن قال المعلل لا حاجة لي إلى التفصيل بل اشترط رأيها على الإطلاق قلنا له نحن نقول بموجب ما ذكرت فإن عندنا لا تنكح إلا برأيها أيضا لأن رأي الولي قائم مقام رأيها كما في عامة التصرفات فإن قال بأيهما كان يعني لا أريد بإطلاق الرأي رأي الغير بل أريد رأي نفسها قائما كان أو مستحدثا انتقض بالثيب المجنونة البالغة فإنها تزوج وإن كان رأيها مرجوا بالإفاقة إذ الجنون محتمل للزوال لا محالة كالصبي لكنهم يفرقون بين الصغيرة والمجنونة بأن الصغيرة بالبلوغ تصير من أهل الإذن ولبلوغها أوان منتظر وليس لإفاقة المجنونة أوان منتظر إليه أشير في التهذيب

فيظهر به أي بما قلنا من الممانعة فقه المسألة وهو أن ولاية الولي ثابتة فلا يقطعها إلا رأي قائم وهو رأي البالغة فأما المعدوم قبل الوجود وهو الرأي الذي سيحدث للصغيرة فلا يحتمل أن يكون شرطا مانعا لولاية الولي من الثبوت أو دليلا قاطعا لولايته عنها بعد الثبوت لأن ما سيحدث من مانع أو علة لا يصلح أن يكون مؤثرا في الحكم قبل ثبوته في المنع ولا في الإثبات إذ الحكم لا يسبق علته فكيف يصلح الرأي المعدوم مانعا أو قاطعا

ولو كان الرأي المعدوم الذي سيحدث قاطعا للولاية لما ثبت الولاية على صبي وصبية ورأيت بخط شيخي رحمه اللّه أن الشافعي رحمه اللّه جعل الرأي المستحدث غالبا دليلا على قطع استبداد ولاية الولي وفي نكتة جعل ذلك مانعا من النفاذ فصار محجوزا بسبب رأيها فالشيخ بقوله شرطا مانعا أو دليلا قاطعا أشار إلى المعنيين والمذكور في بعض الشروح أن معناه أن المعدوم وهو الرأي المستحدث لا يحتمل أن يكون مانعا من ثبوت

(٤/١٦٠)

الولاية للجد فيما إذا مات أبو الثيب الصغيرة وانتقلت الولاية إلى الجد أو دليلا قاطعا لولاية الولي فيما إذا ثابت والولي باق وهذا الذي قلنا أي ما ذكرنا من ممانعة الوصف في هذه المسائل أمثلة ممانعة الوصف في الفرع فإن في المسألة الأولى كون الحكم متعلقا بالجماع في الأصل وهو الجد مسلم ولكنه في الفرع وهو كفارة الصوم ممنوع

وفي المسألة الثانية المجازفة في بيع الصبرة بالصبرة مسلم ولكنها في التفاحة بالتفاحة ممنوعة وفي المسألة الثالثة منع رجاء المشورة عن صحة النكاح مسلم في الأصل وهو البالغة دون الفرع وهو الصغيرة وفيه أي في هذا الوجه وهو ممانعة الوصف في الأصل فإن في مسألة التثليث الوصف وهو

قوله طهارة مسح مسلم في الفرع غير مسلم في الأصل وهو الاستنجاء بل هو طهارة عن النجاسة الحقيقية ولهذا كان الغسل فيه أفضل ولو أحدث ولم يحصل التلويث بأن خرج منه ريح لا يلزمه المسح ولا يسن أيضا فعلم أنه إزالة نجاسة حقيقية

فيضطر المعلل إلى الرجوع إلى فقه المسألة وهو بيان ما يتعلق به التكرار إلى آخره يعني فقه المسألة يدور على معرفة معنى الغسل الذي تعلق به التكرار وعلى معرفة معنى المسح الذي تعلق به التخفيف وهما أي المسح والغسل في اقتضاء التكرار في طرفي نقيض يعني لا يمكن الجمع بينهما لأنهما متناقضان في اقتضاء التكرار فإن التكرار في

أحدهما وهو الغسل يحقق غرضه وهو التنظيف والتطهير الذي وضع الغسل له فيصلح التكرار مكملا له وفي الثاني وهو المسح يفسده أي يفسد التكرار حقيقته ويلحقه بالمحظور وهو الغسل لما مر أن الغسل في موضع المسح مكروه وإذا كان كذلك لا يمكن اعتبار

أحدهما بالآخر في شرعية التكرار عبارة شمس الأئمة فيضطر المعلل عند هذا المنع إلى الرجوع إلى حرف المسألة وهو إثبات التسوية بين الممسوح والمغسول بوصف صالح لتعلق حكم التكرار به أو التفرقة بينهما بوصف المسح والغسل فإن

أحدهما يدل على الاستيعاب والآخر يدل على التخفيف

قوله

وأما الممانعة في الحكم وهو الوجه الثالث من وجوه الممانعة فنقول كذا يعني لا نسلم أن المسنون في غسل الوجه التثليث بل المسنون فيه التكميل بعد

(٤/١٦١)

تمام فرضه بالزيادة على القدر المفروض في محله من جنسه كما في أركان الصلاة فإن إكمال ركن القراءة بالزيادة على القدر المفروض في محله من جنسه وهو تلاوة القرآن وكذلك الركوع والسجود وقد حصل التكميل هاهنا أي في المسح بالاستيعاب الذي هو سنة فيه لأنه زيادة على القدر المفروض في محله من جنسه ولكن التكرار الاستدراك متعلق بقوله لا يسن تثليثه بل يسن تكميله يعني التكرار في الغسل ليس بأمر مقصود بل المقصود هو التكميل إلا أن الفرض لما استغرق محله في الغسل لا يمكن تكميله بزيادة من جنسه في محله إلا بالتكرار فكان شرعية التكرار سنة ضرورة فرضية الاستيعاب لا لغير التكرار قصدا وهذا المعنى وهو استيعاب الفرض محله معدوم في المسح لأن الاستيعاب فيه سنة وليس بركن فلا يحتاج إلى التكرار لإقامة سنة التكميل فيه لحصول المقصود باستيعاب جميع الرأس مرة واحدة

قال شمس الأئمة رحمه اللّه التكرار مشروع لغيره وهو تحصيل الإكمال به لا لعينه وما كان مشروعا لغيره قائما يشرع باعتبار ذلك الغير في موضع يتحقق الحاجة إليه فإما إذا كان ما شرع لأجله يحصل بدونه لا يفيد اعتباره ألا ترى أنه لو كرر المسح في ربع الرأس أو أدنى ما يتناوله الاسم لا يحصل به كمال السنة ما لم يستوعب جميع الرأس بالمسح فبهذا يتبين أن التكميل هاهنا بالاستيعاب وأنه هو الأصل فيجب المصير إليه إلا في موضع يتحقق العجز عنه بأن يكون الاستيعاب ركنا في المغسولات فحينئذ يصار إلى الإكمال بالتكرار

ولا يلزم على ما ذكرنا مسح الأذنين فإنه شرع لإكمال المسح بالرأس وإن لم يكن في محل الفرض حتى لم يتأد فرض المسح به بحال لأن ذلك المسح لإكمال السنة في المسح بالرأس ولهذا لا يأخذ لأذنيه ماء جديدا عندنا ولكن يمسح مقدمهما ومؤخرهما مع الرأس والمسح فيهما أفضل من الغسل إلا أن كون الأذنين من الرأس لما كان ثابتا بالسنة دون نص الكتاب يثبت اتحاد المحل فيما يرجع إلى إكمال السنة به ولا يثبت المحلية فيما يتأدى به الفرض الثابت بالنص فقلنا لا ينوب مسح الأذنين عن المسح بالرأس لهذا ولأن المشروع في الأصل وهو الغسل إطالته الفرق بين النكتتين أن الأولى لبيان مشروعية نفس التكميل في الأصل أي التكميل سنة فيه دون التثليث والثانية لبيان مشروعية سبب التكميل فيه فإن بالإطالة يحصل التكميل كما في أركان الصلاة لما قلنا من استغراق الغرض محله

(٤/١٦٢)

قوله

ومثل قولهم في صوم رمضان أي في منع جوازه بمطلق النية إنه صوم فرض فلا يصح أداؤه إلا بتعيين النية كصوم القضاء والكفارة يقال له أي للمعلل بعد التعين أو قبله أي أتريد بوجوب التعين وجوبه بعد تعين الصوم أو قبله فإن قال بعده لم نجده أي هذا الحكم وهو وجوب التعيين بعد التعيين في الأصل وهو صوم القضاء والكفارة لأن التعيين بعد التعين ليس بشرط فيه فيكون هذا ممانعة الحكم في الأصل وإن قال قبله أي قال أريد بوجوب التعيين وجوبه قبل تعين الصوم

لم يجده أي لم يمكنه إيجابه قبل التعين في الفرع وهو صوم رمضان لأن التعين حاصل فيه بأصل الشرع في هذا الزمان إذ المشروع في هذا الزمان ليس إلا صوم الوقت فصحت الممانعة أيضا أي صحت ممانعة هذا الحكم وهو وجوب التعيين في الفرع كما صحت في الأصل فإن قال لا حاجة لي إلى هذا أي إلى بيان أن التعيين وجب قبل التعيين أو بعده بل التعيين واجب مطلقا من غير نظر إلى أنه قبل التعين أو بعده قلنا له كذا نعني بدفعه حينئذ بالقول بالموجب فنقول لا يصح عندنا إلا بالتعيين أيضا غير أن إطلاقه أي إطلاق النية على تأويل العزم تعيين للصوم أو إطلاق الصائم النية تعيين فيضطر إلى الرجوع إلى حرف المسألة وهو أن نية التعيين هل يسقط اشتراطه بكون المشروع متعينا في ذلك الزمان أم لا يسقط اعتباره ومثل قولهم في بيع التفاحة بالتفاحة أنه أي هذا البيع كذا يقال له أي للمستدل حرمة مطلقة أي يثبت بهذا البيع حرمة مطلقة أو موقتة أي مغياة إلى غاية وجود التساوي

فإن قال موقتة أي يثبت به حرمة موقتة لم نجدها في الفرع وهو بيع التفاحة بالتفاحة لعدم المخلص إذ ليس للتفاحة حالة مساواة يجوز البيع فيها عند الخصم لعدم دخولها تحت الكيل فيكون هذا ممانعة الحكم في الفرع وإن قال يثبت به حرمة مطلقة لم نجدها في الأصل وهو بيع الصبرة بالصبرة فيكون ممانعة الحكم في الأصل وذلك لأن الحرمة متناهية موقتة إلى غاية وهي المساواة في القدر فإن البدلين إذا كيلا ولم يظهر فضل في

أحدهما يعود العقد إلى الجواز عندنا لزوال المعنى المفسد كذا في بعض الشروح

(٤/١٦٣)

فصحت الممانعة أي ممانعة الحكم على التقديرين

فإن قال لا حاجة إلى بيان أنها مطلقة أو موقتة لا نسلم له ذلك لأن الحرمة الموقتة إلى غاية غير الحرمة المطلقة والحكم الذي يقع التعليل له لا بد من أن يكون معلوما متحدا في الأصل والفرع فيظهر حينئذ حرف المسألة وهو أن الحكم حرمة نزول بالمساواة كيلا لا حرمة مطلقة فلا يثبت إلا في محل قابل للمفاضلة الحرمة والمساواة فلا تنكح كرها يعني قياسا على الثيب البالغة يقال له ما معنى الكره أي ما تعني بقولك لا تنكح كرها فلا بد من أن يقول أريد أنها لا تنكح بدون رأيها إذ ليس هناك إكراه تخويف

فيقال في الأصل وهو البالغة عدم رأيها غير مانع عن صحة التزويج ونفوذ ولاية الغير عليها فيكون هذا ممانعة الحكم في الأصل لكن الرأي القائم المعتبر مانع ولم يوجد في الفرع رأي معتبر فيكون هذا ممانعة الحكم في الفرع

وتبين به حرف المسألة وهو أن المعتبر في ثبوت الولاية هو الصغر عندنا دون البكارة وعنده على العكس وحقيقة المعنى فيه أن النكاح من المضار وضعا في جانب المرأة على أصل الشافعي لأن حكمه إثبات الملك عليها وسلب موجب الحرية وهو إرقاق من وجه ولهذا صينت الأم عن نكاح الابن والمسلمة عن نكاح الكافر وإنما تحمل ذلك لمصلحة حاجتها إلى اقتضاء الشهوة كما يتحمل قطع اليد عند وقوع الأكلة ولا حاجة إلا بعد البلوغ فينبغي أن لا يثبت الجواز قبله إلا أنه جوز في حق البكر قبل البلوغ لدليل قام لنا على أن إجبارها على النكاح جائز فلا معنى للتوقيف على حال البلوغ إذا لم يعتبر إذنها بعده وفي حق الثيب التوقف مفيد فيؤخر إلى حال البلوغ لئلا يؤدي إلى تفويت الإذن عليها وعندنا النكاح من المصالح وضعا في جانبها لأنه لتحصيل السكن والازدواج والولد واقتضاء الشهوة وكلها من المصالح وما أثبت من الملك فلما كان الحجر عليها لتحقيق المصلحة فلا يجوز أن يجعل ذلك أصلا فيخرج به عن عداد المصالح إلى ما هو من المضار بل نجعل الملك تابعا لإقامة المصلحة ومتى كان النكاح مصلحة كان الأصل فيه التحصيل وهي عاجزة عن التحصيل لصغرها فأقيم الولي مقامها كما في البكر

قوله ومثله قولهم أي مثل قولهم فيما مضى من المسائل قولهم في تجويز السلم في الحيوان ما يثبت دينا مهرا في الذمة يثبت دينا سلما كالمقدر المذروع والمكيل والموزون سوى الذهب والفضة

فيقال له أثبت دينا في الذمة معلوم بوصفه الباء للسببية

(٤/١٦٤)

أي سبب وصفه أو بسبب قيمته أو هي صلة معلوما أو زائدة أي يثبت دينا في الذمة معلوم الوصف أو معلوم القيمة فإن قال يثبت في الذمة معلوما بوصفه لم يسلم له ذلك في الفرع وهو السلم وفي الأصل وهو المهر يعني لا نسلم أن الحيوان يصير معلوما بالوصف في السلم ولا في المهر بل يبقى مجهولا إلا أن مثل هذه الجهالة متحملة في المهر دون السلم لأن مبنى النكاح على المساهلة دون المضايقة فلا يؤدي مثل هذه الجهالة فيه إلى المنازعة ومبنى البيع على المضايقة والمماكسة فيحترز فيه عن مثل هذه الجهالة لإفضائها فيه إلى المنازعة المانعة عن التسليم والتسلم المقصودين في البيع وفي تسمية المهر أصلا نوع تسامح فإن الشيخ جعل ثبوت الحيوان دينا مهرا وصف القياس والمقدر أصلا له وكان ينبغي أن يجعل النكاح أصل القياس ليستقيم له هذا الكلام كما جعله القاضي الإمام في الأسرار فقال البيع عقد معاوضة فيستحق به الحيوان دينا قياسا على النكاح والخلع إلا أن حكم السلم لما كان مستفادا من المهر عند الخصم إذ الحكم يثبت بالوصف سماه أصلا من هذا الوجه

وإن قال بقيمته أي يصير معلوما بقيمته لم يسلم في الفرع فإن الحيوان بعد ذكر الأوصاف يتفاوت في المالية تفاوتا فاحشا فلا يصير قيمته معلومة بذكر الوصف وإنما خص الفرع لأن في الأصل وهو المهر يصير الحيوان معلوما بالقيمة فإنه لو تزوج امرأة على عبد أو فرس يجب الوسط ويعرف ذلك بالقيمة ولهذا لو أتاها بالقيمة تجبر على القبول كما لو أتاها بالمسمى فثبت أنه يصير معلوما فيه بالقيمة فأما السلم فلا يصير معلوما بالقيمة لما ذكرنا أن الحيوان لا يصير معلوم المالية بالوصف ولا اعتبار للقيمة في باب السلم أصلا ولهذا يجب تسليم الحيوان عنده في السلم ولا يجوز أداء القيمة

ورأيت في نسخة أظنها للشيخ بهذه العبارة فيقال له يثبت الحيوان دينا في الذمة معلوم الوصف والقيمة أم معلوم الوصف مجهول القيمة أم مجهول الوصف معلوم القيمة فإن قال معلوم الوصف فلا يوجد في الأصل فإن الحيوان لا يثبت دينا في الذمة معلوم الوصف وإن قال معلوم القيمة فلا يوجد في الفرع فإن إعلام القيمة ليس بشرط لجواز عقد السلم وإن قال لا حاجة لي إلى هذا أي إلى تعيين أنه يصير دينا بالوصف أو بالقيمة قلنا بل إليه أي إلى التعيين حاجة لأجل بيان استواء الأصل والفرع في طريق الثبوت يعني لا بد من التسوية بين الأصل والفرع في طريق الثبوت ليصح القياس وقد اعتبرت أحد الدينين

(٤/١٦٥)

بالآخر ولا يصح ما لم يثبت أنهما يظهران ولا طريق لثبوت ذلك إلا الاتحاد في الطريق الذي يثبت به كل واحد من الدينين في الذمة وهما مختلفان أي لم يوجد الاتحاد هاهنا بل الأصل والفرع مختلفان في الثبوت

أحدهما وهو المهر يحتمل جهالة الوصف في الثبوت لأنه يثبت دينا في الذمة بمجرد ذكر اسم الجنس كالعبد والشاة والفرس من غير ذكر وصف

والثاني وهو السلم لا يحتمله أي لا يحتمل المذكور وهو جهالة الوصف فإن إعلام المسلم فيه عند العقد على وجه لا يبقى فيه تفاوت فاحش فيما هو المقصود وهو المالية على وجه يلتحق بذوات الأمثال في صفة المالية شرط لجواز عقد السلم ولا يتحقق ذلك في الحيوان وإذا كان كذلك لا يجوز اعتبار

أحدهما بالآخر

وقوله عندنا متعلق بالمجموع أي الاختلاف بين المهر والسلم في أن المهر يحتمل جهالة الوصف والسلم لا يحتملها مذهبنا وعند الشافعي رحمه اللّه هما متماثلان إذ المهر لا يحتمل جهالة الوصف أيضا كالسلم حتى لو تزوجها على عبد أو فرس غير موصوف يجب مهر المثل عنده دون المسمى كما لو تزوجها على دابة فيصح اعتبار

أحدهما بالآخر على أصله لتماثلهما إلا أن هذا استدلال بفضل مختلف فيه فلا يصلح ملزما على الخصم وبعد هذه الممانعة لا يجد المعلل بدا من الرجوع إلى فقه المسألة وهو إثبات أن الحيوان يصير معلوما بيان الجنس والنوع والصفة فإنه متى ذكر التعين امتاز عن سائر أجناس الحيوانات ومتى ذكر أنه بختي امتاز عن سائر أنواعه وإذا قال حقة وسمين من نسل إبل فلأن امتاز عن سائر أسنانه وأوصافه فلا يبقى بعد ذلك إلا جهالة لا يمكن العبارة عنها فسقط اعتبارها كما في الثياب فإن الثوب وإن استقصى في وصفه يبقى بين الأمثال الداخلة تحت الوصف ضرب جهالة حتى لو استهلك أحد تلك الأمثال على آخر يضمن قيمته لا المثل للآخر ثوبا مثله في السلم فكذا فيما نحن فيه من الحيوان

ونحن نقول إنما يثبت جواز السلم عند ذكر الجنس والنوع والصفة إذا ارتفعت الجهالة عن المسلم فيه والتحق ببيان هذه الأشياء بما ليس فيه تفاوت فمتى بقي بعد ذكر هذه الأشياء تفاوت فاحش لم يكن ذكرها مغنيا لبقاء الجهالة المفضية إلى المنازعة والحيوان بهذه المثابة فإنا نرى بعيرين متساويين في الهيئة والسن والسمن واللون وبينهما تفاوت عظيم في المالية وكذا العبيد والأفراس فتبقى الجهالة فيه بعد ذكر هذه الأشياء فتمنع جواز السلم كما في اللآلي والخلفات بخلاف الثياب إذا وصفت لأن التفاوت فيها ليس بفاحش لأنها مصنوعة العبد وهو يصنع بآلة ومتى

(٤/١٦٦)

اتحدت الآلة والصانع يتحد المصنوع في الوصف فأما ما يحدث بإحداث اللّه تعالى فبقدرته من غير آلة ومثال إليه أشير في الأسرار ومثل قولهم في بيع الطعام بالطعام إن القبض شرط في المجلس لما قلنا في باب الترجيح إنهما مالان لو قوبل كل واحد منهما بالآخر يحرم ربا الفضل فكان القبض شرطا فيه كما لو باع ثمنا بثمن لأن عندنا اللام متعلقة بمحذوف أي هذا الحكم وهو اشتراط القبض ممنوع في بيع الثمن بالثمن لأن عندنا الشرط في الأثمان التعيين لإزالة صفة الدينية لا القبض إلا أن التعيين لا يحصل في الأثمان ما لم تقبض فشرط القبض فيها لحصول التعيين لا لذاته وهاهنا التعيين حصل بالإشارة من غير قبض فلا يشترط فيه القبض

فيرجع المعلل إذا بالضرورة إلى معنى المسألة وهو بيان أن اشتراط القبض في الصرف ليس لإزالة صفة الدينية بل للصيانة عن معنى الربا بمنزلة المساواة في القدر ومثله قولهم فيمن اشترى أباه إذا اشترى أباه ناويا عن كفارة يجب فيها الإعتاق يجوز ويخرج به عن العهدة عندنا وعند زفر والشافعي رحمهما اللّه عتق الأب ولا يخرج به عن عهدة التكفير وكذا حكم سائر المحارم عندنا إلا أن الشيخ رحمه اللّه وضع المسألة في الأب ليترتب عليه خلاف الشافعي قالوا العتيق أب فصار كالميراث أي العتيق موصوف بصفة الأبوة فكان شراؤه كميراثه في أنه لا ينوب عن الكفارة إذا نوى فيقال لهم ما حكم العلة وهي قولهم العتيق أب فإن قال أي المعلل وجب أن لا يجزئ شراؤه عن الكفارة لأن العتق وقع بالأبوة لا لأجل الكفارة كالمحلوف بعتقه قيل له ماذا لا يجزئ أي أي شيء لا يجزئ عن الكفارة ولم يسبق إلا ذكر العتيق والأب فإن عنيت أن العتيق لا يجزئ أو الأب لا يجزئ أو كليهما لا يجزئ فنحن نقول بذلك أيضا فإن قال وجب أن لا يجزئ عتقه عن الكفارة قلنا به أي بأن عتقه لا يجزئ عنها لأن عندنا لا يتأدى الكفارة بالعتق إذ هي إنما تتأدى بفعل منسوب إلى المكفر والعتق وصف ثابت المحل شرعا بل تتأدى بالإعتاق وإن قال وجب أن لا يجزئ إعتاقه له أي إعتاق المكفر للأب عن الكفارة لم نجده أي الإعتاق في الأصل وهو الميراث لأنه لا صنع للوارث في الإرث حتى يصير به معتقا فكان هذا ممانعة الحكم في الأصلي

ولم يقل به أي لم يقل المعلل بالإعتاق في الفرع فكان هذا

(٤/١٦٧)

ممانعة الحكم في الفرع أيضا فيظهر به أي بما ذكرنا من السؤال والممانعة فقه المسألة وهو أن الشراء عند الخصم ليس بإعتاق حقيقة لأنه لإثبات الملك والإعتاق لإزالته فيستحيل أن يكون ما هو مثبت للحكم مزيلا له وإنما المؤثر في العتق هو القرابة الموجبة للصلة والملك شرط إذ لا تأثير له في إيجاب العتق بحال ثم العتق لما لم يحصل إلا عند الملك سمي المشتري معتقا مجازا لأنه صاحب شرط كحافر البئر يسمى قاتلا لأنه باشر الشرط وإذا لم يكن الشراء إعتاقا وكان العتق مستحق الثبوت بالقرابة عند الدخول في الملك لا يتأدى به الكفارة إذ لا بد لها من الإعتاق

كما لو قال الغير إن اشتريتك فأنت حر ثم اشتراه ينوي به الكفارة وعندنا شراء القريب إعتاق بطريق أنه متمم علة العتق إذ العتق عندنا مضاف إلى القرابة والملك جميعا لأن العتق صلة وللقرابة تأثير في إيجاب الصلات بلا خلاف وكذا لملك مؤثر في إيجاب الصلة حتى وجب الزكاة باعتبار الملك صلة للفقراء واستحقاق العبد على مالكه النفقة صلة للملك ومتى تعلق الحكم بعلة ذات وصفين يضاف إلى

أحدهما وجودا لما عرف وهو الملك هاهنا والشراء هو الموجب للملك فكان العتق المضاف إليه مضافا إلى الشراء بواسطته فينقلب الشراء إعتاقا بواسطة الملك وقد اقترنت نية التكفير بالإعتاق فيصح بخلاف المحلوف بعتقه لأن الملك هناك شرط لا أثر له في استحقاق ذلك العتق فيكون معتقا بيمينه ولم تقترن نية الكفارة بها حتى لو اقترنت جاز أيضا كذا في المبسوط

قوله أما صلاح الوصف فما سبق ذكره يعني في باب القياس أن الوصف بمجرده غير صالح لإثبات الحكم وليس بحجة بنفسه وإنما يصير حجة بواسطة التأثير فكل وصف لم يظهر تأثيره منعناه من أن يكون دليلا وحجة وهذا كالجرح لما كان سببا لوجوب القصاص بوصف السراية فقبل ثبوت هذا الوصف لا يجب القصاص حتى لو أقيمت بينة على رجل بالجرح دون السراية لم يقض القاضي بالقصاص ما لم يشهدوا أن الجراحة سرت كذا هنا وهذا هو القسم الثاني

من أقسام الممانعة فإن قال عندي الأثر ليس بشرط بل الطرد عندي حجة بدون التأثير فلا حاجة لي إلى بيان التأثير نقول إنك تحتاج إلى إثبات الحكم على الخصم ولما لم يكن الوصف بدون التأثير حجة عند الخصم لا يصح الاحتجاج به عليه كمثل كافر الكاف زائدة مثلها في قوله تعالى ليس كمثله شيء أي على مثال كافر أقام بينة كفار على مسلم أن عليه كذا لم

(٤/١٦٨)

تقبل ولم يكن للمدعي أن يقول إنه أثبت حقي بما هو حجة عندي لما قلنا إن الاحتجاج على الخصم بما ليس بحجة عنده غير مقبول

قال الشيخ رحمه اللّه في شرح تقويم وهذا لأن الوصف كلام المتكلم وكلامه لا يصلح لإثبات حكم شرعي إلا إذا كان له أثر في إيجاب الحكم ولا يجوز لأحد أن يدعي أن كلامه موجب للحكم على الغير من غير معنى يعقل فإنه درجة الأنبياء عليهم السلام فتبين بما أشار إليه الشيخ أن المراد من صلاح الوصف هاهنا صلاحه للإلزام على الخصم وذلك بالتأثير والمراد من صلاحه فيما تقدم صلاحه للعمل به وذلك بموافقته العلل المنقولة عن السلف ومناسبته للحكم وأهل الطرد يوافقوننا في اشتراط الصلاح بهذا المعنى دون الأول فكانت هذه الممانعة ممانعة في التأثير في الحقيقة على ما اختاره الشيخ

وقيل مثال هذه الممانعة قولنا في تعليلهم إثبات ولاية الأب بوصف البكارة باعتبار أنها جاهلة بأمر النكاح لعدم الممارسة لا نسلم أن وصف البكارة صالح لهذا الحكم وهو إثبات ولاية لأنه لم يظهر له تأثير في موضع آخر سوى محل النزاع وإن فسر الصلاح بالمعنى الثاني فمثال الممانعة فيه قولنا في تعليلهم في الأشياء الستة بالطعم والثمنية لإثبات شرط المماثلة والتقابض فيها باعتبار أن كل واحد من الوصفين لشدة الحاجة إليه ينبئ عن الخطر والعزة فيختص جواز البيع في هذه الأشياء بزيادة شرط إظهارا للخطر كالنكاح أنا لا نسلم أن هذا الوصف صالح لما رتب عليه من الحكم لأن السبيل فيما تشد الحاجة إليه الإطلاق بأبلغ الوجوه دون التضييق بزيادة الشرط

ومثال آخر قولنا في تعليلهم في مسح الرأس بأن هذه طهارة مسح فيسن فيها التثليث كالاستنجاء بالأحجار لا نسلم أن وصف المسح الذي يدل على التخفيف صالح لتعليق حكم التثليث الذي ينبئ عن التغليظ به إليه أشار شمس الأئمة رحمه اللّه وهذا وإن كان ردا للمختلف إلى المختلف لكن المقصود إيراد المثال وبيانه لا تصحيح القياس ولو قيل طهارة مسح فيشرع فيه التكرار كالاستنجاء يكون ردا للمختلف إلى المتفق فيصح ثم ممانعة صلاح الوصف بهذا المعنى وإن كان يئول إلى فساد الوضع في بعض الصور ولهذا أشار الشيخ إلى المعنى الأول دون الثاني إلا أنها غير فساد الوضع لأن الوصف ربما يكون صالحا في نفسه ولكن لم يتبين للسائل صلاحه فكان له أن يطالب المعلل ببيان الصلاح كما في العلل المؤثرة كان للسائل مطالبة بيان التأثير فإذا بين صلاحه قبله السائل ويجاوز إلى سؤال آخر ولما صحت هذه الممانعة بدون فساد الوضع كانت قسما آخر غير فساد الوضع واللّه أعلم

(٤/١٦٩)

قوله

وأما نسبة الحكم أي صحة ممانعة نسبة الحكم إلى الوصف الذي ذكره المعلل فلأن نفس الوجود لا يكفي بالإجماع يعني أن أصحاب الطرد يضيفون الحكم إلى الوصف من غير دليل يوجب إضافته إليه سوى أنه يوجد عند وجوده وينعدم عند عدمه ونفس الوجود عند الوجود غير كاف في صحة إضافة الحكم لجواز أن يكون ذلك بطريق الاتفاق فإن في المنصوص عليه قد يكون أوصاف يوجد الحكم بوجودها ولا تكون مناط الحكم بالإجماع وكذا العدم لا يصلح لإضافة الحكم إليه على ما مر بيانه فلا بد من دليل يوجب نسبة الحكم إلى الوصف فمتى أضافه المعلل إلى وصف من غير دليل صحة ممانعة السائل نسبة الحكم إليه كما صح القول بموجب العلة فإنه في التحقيق منع إضافة الحكم إلى الوصف المذكور وهذه الممانعة مختصة بالأصل فإن قال لا أعرف في الأصل معنى آخر سوى ما ذكرته قلنا له هذا جهل منك فلا يصلح حجة على غيرك

على أنا إن سلمنا أنه ليس في الأصل معنى آخر لا نسلم أن الحكم ثابت به لجواز ثبوته بالإجماع أو بالنص وذكر الغزالي رحمه اللّه في هذا المقام أن المستدل إن كان مجتهدا يجب عليه العمل بما ظهر عنده متى عجز عن إبراز غيره وإن كان مناظرا يكفيه أن يقول هذا منتهى قدرتي في استخراج الوصف فإن شاركتني في الجهل بغير ملزمك ما لزمني وإن طلعت على غيره لزمك التنبيه حتى أنظر فيه فإن قال لا يلزمني ذلك ولا أظهره وإن كنت أعرفه فهذا عناد محرم وصاحبه إما كاذب أو فاسق بكتمان حكم مست الحاجة إلى إظهاره ومثل هذا الجدل حرام وليس من الدين

قوله وذلك أي منع مع نسبة الحكم إلى الوصف يتحقق في قولهم في الأخ أنه يعتق على أخيه عند الدخول في ملكه لعدم البعضية كابن العم لأن حكم الأصل وهو عدم العتق في ابن العم لم يثبت لعدم البعضية لأن العدم لا يجوز أن يكون موجبا حكما بل لمعنى آخر وهو بعد القرابة وكذلك لا يثبت النكاح أي ومثل قولهم في الأخ كذا قولهم لا يثبت النكاح لم يثبت بها أي بشهادة النساء مع الرجال لا لأنه ليس بمال لأن كونه ليس بمال لا يصلح علة لامتناع ثبوته بشهادة النساء مع الرجال بل لأن في هذه الشهادة شبهة زائدة والحدود تدرأ بالشبهات فكيف يثبت بما فيه شبهة وكذلك أي ومثل ما ذكرنا من المثالين كل نفي وعدم ترادف أو النفي تعرض لجانب المعلل والعدم تعرض

(٤/١٧٠)

لجانب الوصف مثل قولهم المبتوتة لا يلحقها الطلاق لأنها ليست بمنكوحة لأن العدم لا يصلح وصفا موجبا للحكم لأنه ليس بشيء

ونفس الوجود لا يصلح حجة متعلق بأول الكلام أي نفس وجود الحكم عند وجود الوصف لا يصلح دليلا على كون الوصف حجة بالإجماع لأنهم يعني أصحاب الطرد يسلمون أن صلاح الوصف شرط ليكون حجة مع أن الوجود يتحقق بدونه فثبت أن نفس الوجود ليس بحجة بالإجماع وأنه لا بد من إقامة دليل على نسبة الحكم إلى الوصف ومثاله تعليق كفارة الصوم بوصف الجماع باعتبار أنها توجد عند وجوده لتعدي الحكم به إلى جماع الميتة والبهيمة أو لتمنع عن تعدية الحكم إلى الأكل والشرب لا يكون حجة لأنا لا نسلم أن الحكم منسوب إليه بل إلى الفطر الكامل على ما مر بيانه

قوله والنوع الثالث يعني من أقسام أول الباب هو فساد الوضع وقد مر تفسيره في باب بيان دفع العلل وهذا ينقض القاعدة أصلا أي القاعدة التي بنى عليها المجيب كلامه وهو فوق المناقضة في الدفع لأن المناقضة خجل مجلس يمكن الاحتراز عنه في مجلس آخر بالتقصي عن عهدة النقض بالجواب أو بزيادة قيد يندفع به النقض فأما فساد الوضع فيفسد القاعدة أصلا

لأن بعد ظهوره لا يمكن الاحتراز عنه في هذا المجلس ولا في مجلس آخر ولا وجه سوى الانتقال إلى علة أخرى والتحقيق فيه أن المناقضة بيان أن المجيب بنى الكلام في محله لكن غير محكم حتى قبل النقض وفساد الوضع بيان أنه وضع الكلام في غير موضعه فكان أقوى في الدفع قال شمس الأئمة رحمه اللّه فساد الوضع في العلل بمنزلة فساد الأداء في الشهادة وأنه مقدم على النقض لأن الاطراد إنما يطلب بعد صحة العلة كما أن الشاهد إنما يستقل لتعديله بعد صحة أداء الشهادة منه فأما مع فساد في الأداء فلا يصار إلى التعديل لكونه غير مفيد ورأيت في بعض نسخ أصول الفقه أن حاصل القول في فساد الوضع يحصره نوعان

أحدهما أن يبين المعترض أن القياس موضوع على خلاف ما يقتضيه ترتيب الأدلة

ومثال ذلك أن يقول إن التعليل على خلاف الكتاب أو على خلاف السنة أو يقول إنه بالقياس حاول الجمع بين شيئين فرق الشرع بينهما أو حاول التفريق بين شيئين جمع الشرع بينهما وملخص هذا النوع أن يكون القياس يخالف وضعه موجب متمسك في الشرع هو مقدم على القياس فإذا كان كذلك كان القياس فاسد

(٤/١٧١)

الوضع مردودا

والثاني أن يكون الوصف مشعرا بخلاف الحكم الذي ربط به وهذا زائد في الفساد على فساد الطرد لأن الطرد مردود من جهة أنه لا يناسب الحكم ولا يشعر به فالذي لا يشعر به ويخيل خلافه يكون أولى بالرد ومثاله ذكر وصف يشعر بالغليظ في روم تخفيف أو على العكس من ذلك فإذا اعتبر القايس الحد على المهر في طلب الثوب أو المهر على الحد في محاولة السقوط يكون فاسدا في الوضع لأن العقوبات تدرأ بالشبهات والأموال تثبت مع الشبهات فاعتبار

أحدهما بالآخر في الثبوت أو السقوط يكون فاسدا في الوضع ودفع هذا السؤال بإظهار الملاءمة والتأثير في القياس وبيان الجمع بين الفرع والأصل فإن تيسر وإلا صار منقطعا

مثاله أي مثال فساد الوضع تعليل أصحاب الشافعي لإيجاب الفرقة بإسلام أحد الزوجين أي بسبب إسلام

أحدهما أو الباء صلة التعليل أي جعلوا نفس الإسلام علة لإيجاب الفرقة في غير المدخول بها حيث قالوا إسلام

أحدهما يوجب اختلاف الدين فوجب الفرقة من غير توقف على قضاء القاضي وعلى انقضاء العدة في غير المدخول بها كردة

أحدهما ولإبقاء النكاح أي وتعليلهم لإبقاء النكاح مع ارتداد

أحدهما إلى انقضاء العدة في المدخول بها حيث قالوا هذه فرقة وجبت بسبب طارئ على النكاح غير مناف إياه فوجب أن يتأجل إلى انقضاء العدة في المدخول بها كالطلاق

فأوجبوا الفرقة بنفس الإسلام في المسألة الأولى وحكموا ببقاء النكاح مع الردة في المسألة الثانية أنه فاسد أي تعليلهم في هاتين المسألتين فاسد في وضعه لأن الاختلاف حصل في المسألة الأولى بإسلام

أحدهما وبقاء الآخر على الكفر وفي المسألة الثانية حصل بردة

أحدهما وبقاء الآخر على الإسلام والحكم يضاف إلى الحادث أبدا أو إلى آخر الأوصاف وجودا والحادث في المسألة الأولى هو الإسلام وكذا آخر الوصفين وجودا هو الإسلام لا غير فلو أثبتنا الفرقة لوجبت إضافتها إلى الإسلام الذي حدث الاختلاف به وذلك لا يجوز لأن الإسلام شرع عاصما للحقوق والأملاك لا قاطعا لها وفي المسألة الثانية الحادث هو الارتداد وهو آخر الوصفين وجودا فوجب إضافة الفرقة إليه

وهو مناف للنكاح لأنه يبطل عصمة النفس والمال جميعا والنكاح مبني على العصمة وإذا كان كذلك كان التعليل لإبقاء النكاح إلى انقضاء العدة بعد تحقق الارتداد فاسدا في وضعه لأنه تعليل لإبقاء الشيء مع ما ينافيه وهو المراد من

قوله والردة لا يصلح عفوا يعني لو بقينا النكاح مع الردة التي هي منافية له لزم أن يجعل الردة عفوا أي في حكم المعدوم ليمكن الحكم ببقاء النكاح كما جعل الأكل كذلك في مسألة الناسي وهو لا يصلح أن تكون معفوة لكونها في نهاية القبح

(٤/١٧٢)

قوله ومثله قولهم في الضرورة الضرورة وهو الذي لم يحج حجة الإسلام إذا حج عن نفل أو نذر أو عن الغير فإنه يقع عما نوى عندنا وعند الشافعي رحمه اللّه يقع عن الفرض كذا في الأسرار لأن الحج يتأدى بإطلاق النية فكذا يتأدى بنية النفل لأن مطلق النية للعبادة التي تتنوع إلى نفل وفرض يكون نية النقل كما في الصلاة والصوم في غير رمضان فإذا استحق المطلق للفرض دل على استحقاق نية النفل للفرض

ألا ترى أن الزكاة لما تأدت بتصدق النصاب على الفقير بمطلق النية تأدت بنية النفل أيضا وهذا فاسد أي اعتبارهم نية النفل بمطلق النية فاسد في الوضع لأن العلماء إنما اختلفوا في حمل المطلق على المقيد واعتبار المطلق بالمقيد فعند الشافعي يحمل المطلق على المقيد في حادثتين أو في حكمين وعندنا في حادثة واحدة في حكم واحد كما في كفارة اليمين حملنا مطلق الكتاب على المقيد بالتتابع في قراءة ابن مسعود رضي اللّه عنه واحد لم يقل بأن المقيد يحمل على المطلق لأن في ذلك إلغاء صفة زائدة منصوصة فكان نسخا وما ذهبوا إليه من هذا القبيل فكان فاسدا في وضعه لمخالفته وضع الشرع يوضح ما ذكرنا أن مطلق النقد ينصرف إلى نقد البلد المعروف لدلالة العرف فأما المقيد بنقد آخر فإنه لا يحمل على المطلق لينصرف إلى نقد البلد

ومثله أي مثل التعليل المتقدم التعليل بالطعم لتحريم الربا فإنهم قالوا إن الطعم في المطعومات بمعنى له خطر لتعلق بقاء النفس وقوامها به فيوجب ذلك حرمة التصرف في المحل عند المقابلة بجنسه إلا بشرط زائد وهو المساواة في المعيار إظهار الخطر كالنكاح لما تعلق به بقاء الجنس شرط فيه من الشروط ما لم يشترط في غيره من العقود من الشهود والولي وغيرهما إظهار الخطر المحل وهذا فاسد في الوضع لأن الطعم لما تعلق به قوام النفس كان من أعظم أسباب الحاجة ولمساس الحاجة أثر في الإطلاق والتوسعة دون التحريم والتضييق كما في إباحة الميتة عند الحاجة واعتبر هذا بالهواء والماء والطعام والدواء فإن تيسر الوصول إلى كل واحد من هذه الأشياء بقدر الحاجة إليه ولهذا حل لكل واحد من الغانمين تناول مقدار الحاجة من الطعام الذي يكون في الغنيمة في دار الحرب قبل القسمة فكانت العلة فاسدة وضعا مع أنه لا تأثير لها في إثبات المماثلة بين العوضين التي هي شرط جواز العقد بخلاف النكاح فإنه يرد على

(٤/١٧٣)

الحرة والحرية تنبئ عن الخلوص يقال طين حر أي خالص وفي التنزيل رب إني نذرت لك ما في بطني محررا أي مخلصا من أعمال الدنيا والخلوص يمنع ورود الملك عليها فيصلح أن يكون الأصل فيه التحريم فيثبت الحل بعارض الحاجة إلى بقاء الجنس وما ثبت بالعارض يجوز أن يتوقف على أشياء لما فيه من مخالفة الأصل والطعم بالفتح والضم مصدر طعم الشيء أكله

وذاته إلا أن الجاري على ألسنتهم في علة الربا الفتح ومرادهم كون الشيء مطعوما أو مما يطعم كذا في المغرب

قوله ومثله قولهم في الجنون الجنون ينافي وجوب الأداء بالاتفاق قل أو كثر حتى لا يأثم بترك الأداء في حالة الجنون وينافي وجوب القضاء أيضا بالاتفاق إذا كثر بأن زاد على يوم وليلة في حق الصلاة أو استغرق الشهر في حق الصوم وإن كان أقل من يوم وليلة في الصلاة أو ما دون الشهر في الصوم يلزمه القضاء عندنا إذا أفاق وعند الشافعي رحمه اللّه لا يلزمه لأن الجنون ينافي تكليف الأداء لأنه يثبت بالخطاب ساقط عن المجنون أصلا فينافي وجوب القضاء أيضا لأنه يبتني على وجوب الأداء وهو أي اعتبارهم انتفاء القضاء بانتفاء الأداء فاسد في الوضع لأن الوجوب أي نفس الوجوب في كل الشرائع أي المشروعات ثابت بطريق الخبر من غير توقف على قدرة العبد واختياره والأداء بطريق الاختيار يعني وجوب الأداء إنما يثبت في حال يمكن للعبد اختيار الفعل وتركه وهي حالة القدرة فإن وجوب الأداء وإن كان بطريق الخبر أيضا لكنه متوقف على القدرة بخلاف نفس الوجوب كما قيل في النائم والمغمى عليه فإن أصل الوجوب ثابت في حقهما وإن كان وجوب الأداء متراخيا عنهما إلى حالتي الانتباه والإفاقة

والقضاء الذي هو بدل الأداء يعتمد انعقاد السبب للأداء على الاحتمال أي على احتمال الأداء يعني ليس من شرط وجوب القضاء أن يثبت وجود الأداء حقيقة ثم يترتب عليه القضاء عند فواته بل الشرط فيه أن ينعقد السبب موجبا للأداء على وجه يحتمل أن يفضي إلى الأداء كما في

قوله واللّه لأمسن السماء تنعقد موجبة للبر بطريق الاحتمال فيكفي ذلك وجوب الخلف وهو الكفارة وإن لم يكن الأصل ثابتا بطريق الحقيقة وفيما نحن فيه أصل الوجوب ثابت لأنه يعتمد تحقق السبب وقيام الأهلية وبالجنون لا تزول الأهلية لأن أهلية العبادة تبتني على كونه أهلا لثوابها وأهلية الثواب بكونه مؤمنا وبالجنون لا يبطل الإيمان ولهذا يرث قريبه

(٤/١٧٤)

المسلم ولا يفرق بين المجنونة وزوجها المسلم ولا يبطل صومه به حتى لو جن بعد الشروع في الصوم بقي صائما فثبت أن الوجوب ثابت في حق المجنون وإن كان الخطاب بالأداء ساقطا عنه لعجزه عن فهم الخطاب كما في حق النائم والمغمى عليه واحتمال الأداء قائم في حقه أيضا بزوال الجنون ساعة فساعة كما في النوم والإغماء فيكفي ذلك وجوب القضاء فعلم أنه لا يلزم من منافاة الجنون وجوب الأداء منافاته وجوب القضاء عند الإفاقة فصار هذا التعليل مخالفا للأصول وهي أن الوجوب بطريق الخبر أصل وأن الجنون لا ينافي أصل الوجوب وأن القضاء يعتمد انعقاد السبب للوجوب على احتمال الأداء لا حقيقة وجوب الأداء فكان فاسدا في الوضع

وأشار القاضي الإمام رحمه اللّه إلى أن أثر الجنون في تأخير لزوم الفعل حتى لا يأثم دون أصل الإيجاب كالنوم فجعل ما يسقط الخطاب بالفعل علة لإسقاط أصل الإيجاب حكم بخلاف النص والإجماع فيكون فاسدا وأراد بالنص

قوله عليه السلام من نام عن صلاة أو نسيها الحديث وبالإجماع اتفاق العلماء على وجوب القضاء على النائم كما هو موجب الحديث

قوله وكذلك أي ومثل قولهم المذكور في هذه المسألة قولهم فيها أيضا ما يمنع القضاء إلى آخره يعني لو عللوا في هذه المسألة

بأن ما يمنع القضاء إذا استغرق شهر رمضان منعه بقدر ما يوجد كما في الصباء والكفر لشمول العلة وهي عدم العقل والفهم كان فاسدا في الوضع أيضا مثل التعليل الأول لأن الفصل بين اليسر والحرج أي بين ما تيسر أداؤه من حقوق صاحب الشرع وبين ما يؤدي إلى الحرج أصل مستمر أي جار مطرد في قواعد الشرع حتى سقط ما أدى إلى الحرج ولم يسقط ما لم يؤد إليه كالحيض أسقط الصلاة دون الصوم لأنها تبتلى بالحيض في كل شهر في الغالب والصلاة تلزم في كل يوم وليلة خمس مرات فلو أوجبنا القضاء لأدى إلى الحرج بتضاعف الواجب عليها في زمان الطهر ولم يسقط بالحيض قضاء الصوم لأن فرضية الصوم في السنة في شهر واحد وأكثر الحيض في ذلك الشهر عشرة أيام فإيجاب قضاء عشرة أيام أو دونها في أحد عشر شهرا لا يكون فيه كثير حرج ولا يؤدي إلى تضاعف الواجب في وقته والسفر أثر في الظهر دون الفجر لأن في أداء الأربع حالة السير من حرج الانقطاع عن الرفقة ما ليس في أداء الركعتين

(٤/١٧٥)

وكالحيض إذا تخلل أداء يملك في صوم كفارة القتل الواجب بصفة التتابع لم يوجب الاستقبال لأنها لا تجد شهرين خاليين عن الحيض في العادة الغالبة فلو ألزمناها الاستقبال رعاية للتتابع لوقعت في الحرج بخلاف كفارات اليمين عندنا وبخلاف ما إذا أنذرت أن تصوم عشرة أيام متتابعة لأنها تجد ثلاثة أيام أو عشرة أيام خالية عن الحيض فلا تخرج في الاستقبال وإنما قال عندنا لأن التتابع في كفارة اليمين ليس بشرط عند الشافعي رحمه اللّه ولهذا ضم إليها مسألة البذر بعشرة أيام متتابعة لأنها متفق عليها

قوله لما ذكرنا دليل المجموع أي هذه الأحكام ثابتة لما ذكرنا أن الفصل بين اليسر والحرج ثابت فكذلك هاهنا في الاستغراق حرج أي في إيجاب القضاء فيما إذا استغرق الجنون الشهر حرج بتضاعف العبادة المشروعة في وقتها فإن وظيفة السنة صوم شهر واحد فلو أوجبنا عليه القضاء صار فرض السنة شهرين ولا شك أن في التضاعف حرجا فيسقط بعذر الحرج وليس في القضاء أي في إيجاب القضاء في الجنون القليل وهو ما إذا لم يكن مستوعبا حرج مثل الحرج الثابت في الاستغراق فلم يسقط فثبت أن سقوط القضاء في الكثير للحرج لا للجنون فلا يدل على سقوطه فيما ليس فيه حرج

ولا كلام في الحدود الفاصلة يعني لا نزاع في أن الفصل بين اليسر والحرج ثابت على حدود اعتبرها الشرع إنما النزاع في أن القليل من الجنون ليس مثل الكثير في سقوط القضاء لأن الكثير مستلزم للحرج دون القليل فكان اعتبار

أحدهما بالآخر فاسدا في الوضع

وقوله ولا حرج في استغراق الإغماء جواب عما يقال سقوط القضاء المستغرق للحرج غير مسلم إذ لو كان للحرج لسقط في استغراق الإغماء أيضا لاستلزامه تضاعف الواجب كالجنون وحيث لم يسقط فيه دل على أن السقوط للجنون لا للحرج فيلزم منه السقوط في القليل أيضا فقال لا نسلم أن استغراق الإغماء للشهر موجب للحرج لأن الحرج إنما يتحقق فيما هو غالب الوجود وامتداد الإغماء شهرا قلما يقع إذ الإنسان لا يعيش في الغالب شهرا مغمى عليه بدون أكل وشرب ولو وقع كان في غاية الندرة فيلحق بالعدم بخلاف الجنون لأنه قد يمتد شهرا أو سنة وسنين وإلى آخر العمر فيصلح عذرا مسقطا وفي الصلوات استوى الإغماء والجنون في الفتوى أي في الحكم حتى كان الإغماء الزائد على يوم وليلة مسقطا

لقضائها

(٤/١٧٦)

كالجنون الزائد على يوم وليلة لأن الإغماء يوجد غالبا في هذا المقدار من الزمان كالجنون وإن اختلفا في الأصل فإن الجنون مما يمتد غالبا كالصبي والإغماء مما لا يمتد ولكنهما مستويان في حق الصلاة في غلبة الوجود أو معناه أنهما مستويان في حكم الصلاة وإن اختلفا في ذاتيهما فإن بالجنون يزول العقل وبالإغماء لا يزول بل هو فترة ومرض يعتري الإنسان ويمنعه عن استعمال القدرة ولهذا ابتلي الأنبياء عليهم السلام بالإغماء دون الجنون

فكان القياس في الإغماء في الصلاة أن لا يسقط وإن كثر لوجود أصل العقل فيه كما في النوم واستحسنا في الكثير وهو يوم وليلة فجعلناه مسقطا للحرج وكان القياس في الجنون أن يسقط الواجب قل الجنون أو كثر لزوال العقل فيه واستحسنا في القليل فلم نجعله مسقطا لعدم الحرج وألحقناه بالعدم فحصل من هذا استواء الإغماء والجنون في حق الصلاة حتى كان قليل الجنون فيها كقليل الإغماء وكثير الإغماء فيها ككثير الجنون

وقوله لأنهما سواء متعلق بقوله استوى الإغماء والجنون في الفتوى أي هما مستويان في الامتداد في الصلاة بخلاف الصوم لأن الجنون فيه ممتد دون الإغماء

وقوله والصبا ممتد أيضا إلى آخره جواب عن اعتبارهم الجنون بالصبا والكفر حيث قالوا الصبي إذا بلغ في خلال الشهر أو أسلم الكافر لم يلزمهما قضاء ما مضى فكذا المجنون إذا أفاق فقال الصبي ليس بمتنوع إلى ممتد وغير ممتد بل هو ممتد في نفسه كالجنون في حق الصوم والصلاة والإغماء في حق الصلاة وإليه أشار بقوله أيضا فلا يمكن إلحاقه بالعدم بوجه ويتحقق فيه معنى الحرج في إيجاب القضاء فكان استغراقه للشهر وعدم استغراقه بمنزلة وبخلاف الكفر عطف على

قوله والصبا ممتد من حيث المعنى إذ معناه بخلاف الصبي فإنه ممتد ليس إلا وبخلاف الكفر حيث لا يجب فيه القضاء وإن كان قليلا لأنه ينافي الأهلية لما بينا أن أهلية العبادة بأهلية ثوابها والكفر ينافي استحقاق ثواب الآخرة فينتفي عنه أصل الوجوب لعدم الأهلية فلا يمكن إيجاب القضاء عليه بخلاف الجنون لأنه لا ينافي أهلية العبادة لعدم منافاته استحقاق الثواب ولهذا بقيت عباداته التي أداها في حال الإفاقة ولا يجب عليه إعادة حجة الإسلام بعد الإفاقة

قوله وكذلك أي وكالتعليل في المسألة المتقدمة التعليل لكذا ولكذا

جمع الشيخ رحمه اللّه بين المسألتين لابتنائهما على أصل واحد وهو التفرقة بين الثمن والمبيع

(٤/١٧٧)

كما أشار إليه ونحن نبين كل مسألة على حدة

أما بيان الأولى فهو أن الدراهم والدنانير تتعينان في عقود المعاوضات بالتعيين عند الشافعي رحمه اللّه لأن هذا تعيين مقيد صدر من أهله مضافا إلى محله فيصح كما في المكيل والموزون وسائر السلع وكما في عقد الوصية والهبة والشركة والوكالة والمضاربة أما الأهلية فظاهرة ولهذا لو عين عرضا يتعين

وأما المحلية فلأنها أعيان موجودة بذواتها قابلة للتعيين حتى تعينت في العقود التي ذكرناها وهو مفيد لأنه يتعين الملك في العين وملك العين أكمل من ملك الدين ونحن نقول هذا التعليل فاسد في الوضع لأنه اعتبار الثمن بالثمن وتسوية بينهما في الحكم والشرع فرق بينهما فجعل حكم العقد في جانب المبيع ثبوت الملك واستحقاق اليد لا غير وهذا بلا خلاف فكان وجوده شرطا لجواز العقد إلا في موضع سقط ضرورة وهو المسلم فيه بحكم النص وجعل حكم العقد في جانب الثمن وجوده ووجوبه فإنه إذا اشترى شيئا يجب الثمن في الذمة وذلك لم يكن موجودا قبل العقد وإنما صار موجودا بالعقد ومملوكا به وهذا حكم أصلي في جانب الثمن لا يتغير إلا لضرورة كما في السلم بدليل جواز الشراء بدراهم في الذمة مع القدرة على التعين وبدليل جواز الاستبدال فيه قبل القبض كما في سائر الديون ولو كان الحكم الأصلي في جانب الثمن ثبوت الملك في موجود وكان ثبوته دينا بطريق الضرورة لبقي ملحقا بالأعيان فيما وراء تلك الضرورة وهو حكم الاستبدال كما في السلم ولما ثبتت التفرقة بينهما في وضع الشرع كان التعليل للتسوية بينهما في الحكم فاسدا في الوضع لأن فيه تغيير حكم الشرع بجعل ما هو حكم العقد وهو صيرورة الثمن موجودا به شرط له

وهو معنى

قوله لما عرف أي في هذا الكتاب في باب شروط القياس أو في موضع آخر من التفرقة بين المبيع والثمن هذا إذا اعتبروا النقود بالسلع فإن اعتبروها بالتبرعات مشروعة للإيثار بالعين لا لإيجاب شيء منها في الذمة فلا يكون التعيين فيها تغييرا لحكم العقد والمعاوضات لإيجاب بدل بها في الذمة ابتداء لأن المتعارف بين الناس في المعاوضات عقدها بلا إشارة إلى الأثمان بل تسمية مطلقة وأنها توجب في الذمة ابتداء فكان اعتبار ما هو مشروع لنقل الملك واليد في العين من شخص إلى شخص في صحة التعيين فاسدا وضعا لعدم مصادفة التعيين محله وما كان تعيين النقد في المعاوضة إلا نظير الإيجاب في الذمة ابتداء بعقد الهبة فكما أن ذلك ينافي صحة العقد لأن موجبه نقل الملك واليد في العين فبدون موجبه لا يكون صحيحا

(٤/١٧٨)

كذا التعيين هاهنا ينافي صحة العقد لأنه يفوت به ما هو موجب هذا العقد في الثمن وهو الإلزام في الذمة ابتداء

وأما بيان المسألة الثانية فهو أن المشتري إذا أفلس قبل نقد الثمن لم يثبت للبائع حق بقبض البيع واسترداد السلعة عندنا وعندنا الشافعي رحمه اللّه عليه يثبت له ذلك لأن الثمن أحد عوضي العقد فالعجز عن تسليمه يوجب حق الفسخ للبائع دفعا للضرر عن نفسه كالعوض الآخر وهو المبيع إذا كان عينا فعجز البائع عن تسليمه بالإباق ونحوه أو كان دينا كالسلم فعجز المسلم إليه عن تسليمه بانقطاعه عن أيدي الناس

ونحن نقول هذا التعليل فاسد وضعا لأن القدرة على تسليم المبيع شرط لجواز البيع لأن موجب العقد في المبيع استحقاق ملك العين واليد على البائع ولا يتحقق ذلك إذا لم يكن ذلك ثابتا له عند العقد وكذا في المبيع الدين بشرط القدرة على التسليم حكما باشتراط الأجل الذي هو مؤثر في قدرته على التسليم باكتسابه أو إدراك غلاته وباشتراط عدم انقطاعه عن أيدي الناس أما القدرة على تسليم الثمن فليس بشرط لما قلنا إن الثمن يصير موجودا بالعقد فلا يقدر على تسليمه قبل العقد لأن المعدوم لا يتصور تسليمه

ولا يجوز أن يجعل القدرة على الثمن بعد العقد شرطا لجواز العقد لأن الشرط أبدا يكون سابقا على الأصل كالطهارة للصلاة ولأن الثمن وصف والأوصاف لا تقبل التسليم فتبين بهذا أن بالعجز عن تسليم المبيع يتمكن خلل فيما هو موجب العقد فيه وبسبب العجز عن تسليم الثمن لا يتمكن خلل فيما هو موجب العقد فيه ولهذا جاز إسقاط حق قبض الثمن قبل القبض بالإبراء ولم يجز ذلك في المبيع المعين قبل القبض حتى إذا وهبه من البائع وقبله كان فسخا للبيع بينهما فإثبات حق الفسخ من غير تمكن خلل في موجب العقد اعتبارا بثبوته عند تمكن الخلل في موجب العقد يكون فاسدا ولا يلزم عليه تمكن المولى من الفسخ عند عجز المكاتب عن أداء البدل مع أن ذلك عجز عن أداء ثمنه لأن موجب عقد الكتابة لزوم البدل على أن يصير ملكا للمولى بعد حلول الأجل بالأداء فإن المولى لا يستوجب على عبده دينا ولهذا لا تجب الزكاة في بدل الكتابة ولا تصح الكفالة به فعرفنا أن الملك هناك لا يسبق الأداء فإذا عجز عن الأداء فقد تمكن الخلل في الملك الذي هو موجب العقد فيه

فأما موجب العقد فيما نحن فيه فملك الثمن دينا في الذمة ابتداء

وذلك قد تم بنفس العقد وبسبب الإفلاس لا يتمكن الخلل فيما هو موجب العقد فلا يثبت للمشتري به حق الفسخ كذا ذكر شمس الأئمة رحمه اللّه فثبت بما ذكرنا أن

قوله لما عرف من التفرقة بين المبيع والثمن في الأصل وضع الشرع متعلق بالمسألتين وأن

قوله والبياعات إلى آخره متعلق بالمسألة الأولى ووجه إيراد الآية أن اللّه

(٤/١٧٩)

تعالى سمى التبايع مداينة فلا بد من أن يكون فيه معنى الدينية ليصح تسميته بها وليس معنى الدينية في جانب المبيع إذ الشرط فيه أن يكون عينا فثبت أنه في جانب الثمن فكان في الآية إشارة إلى أن الأصل في الثمن الدينية وأن المبايعة لالتزام الدين في الذمة والمراد بالآية هو بيع العين بالدين في أكثر الأقاويل واللّه أعلم فيطلب وجوه المقاييس في ذلك أي فيما ذكرنا من تعيين النقود فإنهم اعتبروا النقود بالسلع في البيع وبالتبرعات وبالغصب والقياس على الكل فاسد الوضع أو أريد بوجوه المقاييس القياس الظاهر والاستحسان والقياس الطردي فإنه لما كان فاسدا في وضعه لا يتأتى فيه هذه الأقيسة لأنها تفتقر إلى صلاح الوصف ومع فساد الوصف لا يكون الوصف صالحا كذا في بعض الشروح والأظهر أنه أراد به أنواع المقاييس فيما ذكر من أمثلة فساد الوضع جملة كما صرح القاضي الإمام رحمه اللّه به في التقويم فقال هذه الجملة أحسن عللّهم وأظهرها للقلوب صحة وأبينها فقها فيعرف بهذه الجملة أن أكثر عللّهم لا يخلو عن فساد الوضع وتبين بهذا أنه لا بد من القول بالتأثير الذي كان عليه السلف بلا خلاف وهكذا ذكر شمس الأئمة أيضا

والمقاييس جمع مقياس وهو من أوزان الآلة فكان المعنى أن المعاني التي هي آلات الأقيسة في هذه المسائل باطلة أو المراد بالمقاييس نفس الأقيسة والضمير في شرحه راجع إلى البطلان الذي دل عليه فبطلت وفي موضعه إلى الشرع وموضع الشرح الكتب الطوال مثل المبسوط والأسرار وغيرهما

قوله

وأما النوع الرابع من أقسام أول الباب وهو المناقضة وقد مر تفسيرها فيلجئ أصحاب الطرد إلى القول بالأثر أيضا مثل الأقسام المتقدمة لأن الطرد الذي تمسك به المجيب لما انتقض بما أورده السائل من النقض لا يجد المجيب بدا من المخلص عنه ببيان الفرق وعدم وروده بقضاء ولا يتحقق ذلك إلا بالعدول عن ظاهر الطرد إلى بيان المعنى

وهذا إن لم يجعل ذلك انقطاعا لو سامحه السائل ولم يناقشه في الشروع في بيان الفرق والتأثير فأما إذا جعل انقطاعا كما هو مذهب البعض ولم يسامحه السائل في ذلك بأن يقول احتججت علي باطراد هذا الوصف وقد انتقض ذلك بما أوردته فلم يبق حجة فلا ينفعه بيان التأثير والشروع في الفرق في هذا المجلس لأن ذلك انتفال عن حجة وهي الطرد إلى حجة أخرى وهي التأثير لإثبات المطلوب الأول فلا يسمع منه فيضطر إلى التمسك بالتأثير والرجوع عن الطرد فيما بعد من المجالس مثل قول الشافعي في اشتراط النية في

(٤/١٨٠)

الوضوء أنهما طهارتا صلاة فكيف افترقتا

هو استفهام بمعنى الإنكار أي فلا تفترقان وهذه نكتة منقولة عن الشافعي رحمه اللّه لأنه إن قال وجب أن يستويا يعني أنه أنكر التفرقة بينهما على الإطلاق ولم يبين الحكم فإن فسر ذلك بأن قال وجب أن يستويا على الإطلاق كان باطلا بلا شبهة لأن التيمم والوضوء قد افترقا في عدد الأعضاء فإن

أحدهما يؤدى في الأعضاء الأربعة والأخرى يؤدى في عضوين

وفي قدر الوظيفة حتى سن التكرار إلى الثلاث في الوضوء وكره ذلك في التيمم بالإجماع أو المراد أن وظيفة الوضوء الاستيعاب بالماء والاستيعاب بالتراب ليس بشرط في التيمم بالإجماع إنما الخلاف في الاستيعاب بمسح ففي رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما اللّه لا يشترط أيضا بل مسح الأكثر كاف وفي ظاهر الرواية يشترط أو هو من قبيل الإلزام على مذهب الخصم فإن عند الشافعي رحمه اللّه التيمم إلى الرسغ في

قوله التقويم كذا في الأسرار وهو مذهب الأوزاعي وأبي بكر الأعمش وفي نفس الفعل يعني الفعل واجب في

أحدهما مسح وهو الإصابة وفي الآخر غسل وهو الإسالة وهما مفترقان أو معناه أن الفعل في

أحدهما تلويث حقيقة وفي الآخر تطهير وتنظيف حقيقة وحكما أو المراد أن نفس الفعل في التيمم شرط دون الوضوء حتى لو قام في مهب الريح أو موضع هدم حائط فأصاب الغبار وجهه وذراعيه أو ذر رجل على وجهه وذراعيه ترابا لم يجزه عن التيمم حتى يمسح وينوي التيمم ولو وقع في ماء وأصابه مطر وسال على أعضاء وضوئه يصير متوضئا من غير فعل

وإن قال وجب أن يستويا في النية أي قيد الاستواء بالنية وهو الغرض من هذا التعليل انتفض ذلك بغسل الثوب أو البدن عن النجاسة الحقيقية فإنه طهارة ولا يشترط فيه النية فيضطر المجيب عند ذلك إلى بيان التأثير الذي يندفع به النقض ويقع به الفرق وهو أن الوضوء تطهير حكمي أي تعبدي غير معقول المعنى لأنه لا يعقل في العين أي محل وجوب الغسل نجاسة تزول بهذه الطهارة لأنه طاهر حقيقة وحكما بدليل أنه لو صلى وهو حامل محدث جازت صلاته والمحل الذي قام به النجاسة وهو المخرج لم يجب غسله فإذا ثبت أنه تعبدي كان مثل التيمم إلا أن معنى التعبد في التيمم في الآلة وفي الوضوء في المحل فيشترط فيه النية كما في التيمم

(٤/١٨١)

تحقيقا لمعنى التعبد إذ العبادة لا تتأدى بدون النية

بخلاف غسل النجس لأنه معقول المعنى إذ المقصود فيه إزالة عين النجاسة عن المحل لا معنى التعبد فلا يتوقف على النية

وذكر القاضي الإمام أبو زيد رحمه اللّه أن التيمم بدل فلو لم يكن النية شرطا في الأصل لما كانت شرطا في البدل لأن النية لتحصيل معنى العبادة ومتى لم يكن معنى العبادة ثابتا في الأصل لا يثبت في البدل كما في إبدال الغصوب وعكسه إبدال الكفارات

ونحن نقول إن الماء في هذا الباب أي في الغسل عامل أي في التطهير بطبعه كما أنه مزيل ومر بطبعه لأنه خلق طهورا في الأصل قال اللّه تعالى وأنزلنا من السماء ماء طهورا والطهور هو الطاهر بنفسه المطهر لغيره كذا فسره ثعلب من أئمة اللغة أو هو مبالغة في صفة الطهارة وذلك بأن يكون مؤثرا في غيره وإذا كان كذلك يعمل في التطهير من غير قصد كما يعمل في الرأي من غير قصد وكما تعمل النار في الإحراق من غير قصد ثم أشار إلى الجواب عن

قوله هو تطهير حكمي لأنه لا يعقل بالغين نجاسة فقال وكان القياس غسل كل البدن اعتبارا بما لو تنجس بدنه حقيقة وذلك لأن بخروج النجاسة يثبت صفة الحدث بلا شبهة ومعلوم أن مخرج النجاسة غير موصوف بالحدث وحده فإنه لا يقال دبر محدث ولا فرج حائض وإنما البدن كله موصوف به أي بالحدث شرعا وعرفا وحقيقة

أما شرعا فلأنه يمنعه من أداء الصلاة وإن غسل المخرج

وأما عرفا فلأنه يقال رجل محدث وامرأة حائض كما يقال رجل عالم ومؤمن وإن كان العلم والإيمان قائمين بالقلب

وأما حقيقة فلأن نفيه لا يصح لا يقال إنه ليس بمحدث وإنه ليس بعالم وإنما المحدث فرجه والعالم قلبه بل يكذب نافيه كذا قيل فثبت أن البدن كله موصوف بالحدث دون موضع الخروج ألا ترى أن غسله ليس بشرط ولو كان هو الموصوف بالحدث لكان هو أولى بوجوب الغسل

وإذا ثبت ذلك ينبغي أن يجب غسل كل البدن إلا أن الشرع اقتصر إلى آخره يعني لكن الشرع اقتصر على بعض الأعضاء تيسيرا ودفعا للحرج في الحدث الذي يكثر وقوعه وعين هذه الأعضاء لأنها حدود البدن فإن

(٤/١٨٢)

بالرأس والرجل ينتهي طرفا الطول وباليدين ينتهي طرفا العرض وهي أمهات البدن أي أصول في معنى الغسل لأنها مواقع النظر إليها ومحال إصابة الغبار وغيره لظهورها وكذا إقامة الغسل فيها أيسر من إقامته في غيرها فكانت أولى بالتنظيف والتطهير فلم يكن التعدي أي تعدي وجوب الغسل عن موضع الحدث وهو المخرج إلى الأعضاء الأربعة بل إلى جميع البدن إلا موافقا للقياس لاتصاف جميع البدن بالحدث على سبيل الحقيقة كما بينا إلا أن الاقتصار على الأعضاء الأربعة مع المقتضي لغسل جميع البدن بخلاف القياس وذلك لا يجعل الغسل في هذه الأعضاء بخلاف القياس بل عدم غسل غيرها بخلاف القياس وإنما يعني بالنص الذي لا يعقل كذا يعني إنما المراد من قولنا النص الموجب للوضوء وهو قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة الآية غير معقول المعنى أن الثابت به وهو وصف محل الغسل بالخبث غير معقول

وفي بعض النسخ وإنما تغير بالنص الذي لا يعقل يعني الثابت بهذا النص تغير وصف محل الغسل من الطهارة إلى الخبث غير معقول المعنى لأن حكم الحدث وإن ثبت في أعضاء الوضوء عرفا وشرعا لكنه غير ثابت حسا وإنما يثبت ضرورة الأمر بالتطهير إذ لا بد له من ثبوت خبث في المحل ليكون الغسل فيه إزالة الخبث فكان إثباته في المحل أمرا حكميا غير معقول لطهارة الأعضاء حقيقة وشرعا فإن المحدث لو غمس يده في الماء القليل لا يتنجس

وهذه النسخة أصح فإن الشيخ قد ذكر في شرح التقويم أن الثابت بالنص تغير محل الطهارة من صفة إلى صفة حتى أعطى له حكم النجاسة نصا غير معقول فلم يكن تغييرا لصفة المطهر وهو الماء فبقي الماء مطهرا بطبعه معقولا على ما كان وإنما ذكر الشيخ

قوله وإنما تغير بالنص كذا دفعا لسؤال يرد عليه وهو أن تطهير هذه الأعضاء لما كان معقول المعنى ينبغي أن يثبت بسائر المائعات الطاهرة على أصلكم كإزالة النجاسة الحقيقية فقال النجاسة في الأعضاء ثبت بالنص غير معقول المعنى والشرع أثبت النجاسة في حق الماء فبقيت النجاسة عدما في حق سائر المائعات فأما الماء فعامل بطبعه أي مطهر ومزيل للخبث بطبعه لا يتوقف عمله على قصد وإرادة

والنية للفعل القائم بالماء وهو التطهير يعني لو شرطت النية إنما تشترط ليصير الماء مطهرا إلا لأن يثبت خبث في المحل فإنه ثابت في المحل قبل النية ولهذا كان الشرط عند الخصم نية رفع الحدث لا إثباته وقد بينا

(٤/١٨٣)

أن الفعل القائم بالماء غير متوقف على النية بل هو عامل بطبعه سواء كان الخبث في المحل معقولا أو غير معقول فكان أي غسل هذا المحل الذي ثبت فيه الحدث غير معقول المعنى مثل غسل النجس في عدم افتقاره إلى النية

بخلاف التراب فإنه ملوث بطبعه فكان إثبات التطهير به غير معقول المعنى فيحتاج فيه إلى النية ليظهر فعله على خلاف طبعه ويصير مطهرا أو بعدما صار مطهرا بالنية وصار بمنزلة الماء استغنى عن النية كما استغنى الماء عنها وتحصل الطهارة باستعماله بغير نية كما في استعمال الماء فثبت أنها بمنزلة واحدة إنما المفارقة في صفة الطهورية للآلة وأنه لا متمسك للخصم في مسألة التيمم بل هو دليل لنا

قوله ومسح الرأس ملحق بالغسل جواب عما يقال إن المسح شرع في الوضوء مطهرا أو هو غير معقول المعنى في التطهير لأن أثره في تكثير النجاسة لا في إزالتها فكان مثل التراب في أنه ملوث لا مطهر فينبغي أن يشرط فيه النية كما في التيمم فقال هو ملحق بالغسل لقيامه مقام الغسل في ذلك المحل فإن الأصل فيه الغسل لسراية الحدث إليه كسرايته إلى سائر الأعضاء إلا أن الحكم انتقل من الغسل إلى المسح بسبب ضرب من الحرج فإن في غسل الرأس في كل يوم خمس مرات خصوصا في أيام الشتاء لمن كان له شعر كثير حرجا عظيما وفيه إفساد الثياب والعمائم والقلانس فشرع فيه المسح ابتداء تخفيفا وتيسيرا ولما قام المسح في هذا المحل مقام الغسل أخذ حكمه فاستغنى عن النية كالغسل ولأن الطهارة غسل فيعتبر الجزء فيه بالكل

وذكر القاضي الإمام في الأسرار في جواب هذا السؤال أن الماء مطهر بنفسه لا بفعلنا إلا أنه إذا قال حتى لم يكن سيالا ضعف عن التطهير للنجاسة الحقيقية لأن تطهيرها بإزالة عينها وفيما نحن فيه النجاسة ضعيفة لأنها حكمية دون العين فاستغني عن الإزالة لإفادة الطهر فصار البلل كالسائل الذي يقدر على الإزالة في إفادة الطهر

قوله ولا يجوز أن تشترط أي النية ليصير الوضوء قربة جواب عن طريقة أخرى سلكها الشافعي رحمه اللّه في هذه المسألة وهي أن الوضوء عبادة لأنه اسم لفعل يؤتى به تعظيما للّه تعالى بأمره وحكمه الثواب وكل ذلك موجود في الوضوء وقال النبي

(٤/١٨٤)

الطهارة على الطهارة نور على نور يوم القيامة وإذا ثبت كونه عبادة لا يتأدى بدون النية لأن اللّه تعالى أمرنا أن نعبده بشرط الإخلاص والإخلاص عمل القلب بالنية بجهة الأمر إلا أن هذه الطهارة تتأدى بالتراب فتبين به أن الطهارة الحقيقية غير مطلوبة في هذا الاستعمال بل المطلوب معنى العبادة وذلك لا يحصل بدون النية فقال إنا نسلم أن النية ليصير الوضوء قربة شرط وإن معنى العبادة فيه لا يحصل بدون النية

لكنا لا نسلم أنه أي الوضوء لم يشرع إلا قربة بل الوضوء المشروع نوعان نوع شرع بطريق القربة وهو لا يحصل بدون النية ونوع شرع تطهيرا مجردا وهو حاصل بدون النية كغسل الثوب يعني إذا نوى غسل الثوب للصلاة وقع عبادة موجبة للثواب وإذا لم ينو ذلك وقع معتبرا أيضا وإن لم يقع عبادة حتى جاز أداء الصلاة فيه لأن المقصود هو الطهارة دون القربة والصلاة في ذلك أي في كون الوضوء من شرط صحتها يستغني عن وصف القربة في الوضوء لأن النصوص التي أوجبت اشتراط الوضوء للصلاة لا تدل على تعلق جواز الصلاة بوصف القربة ولأنها لا نهاية في العبادات فلا تحتاج إلى قربة أخرى ليصير عبادة كذا في شرح التقويم وإنما يحتاج فيه أي في كون الوضوء من شرطها إلى وصف التطهير ليصير العبد به أهلا للقيام في مقام المناجاة وإليه الإشارة في قوله تعالى ولكن يريد ليطهركم

وقوله عليه السلام مفتاح الصلاة الطهور وكذا في تسميته وضوءا وطهارة دليل عليه وهذا الوصف يحصل بدون النية حتى إن من توضأ لكذا صلى به غيره لبقاء صفة الطهارة إذ لو احتاجت الصلاة إلى وصف القربة لم تجز الصلاة في هاتين الصورتين لأن حكم القربة قد انتهى بفراغه عن الصلاة التي قصدها في حالة الوضوء وإنما النافي وصف الطهارة لا غير ولما جازت بالإجماع عرفنا أنها متعلقة بوصف التطهير لا بوصف القربة

وذكر القاضي الإمام في الأسرار أن كثيرا من مشايخنا يظنون أن المأمور به من الوضوء يتأدى بغير نية وذلك غلط فإن المأمور به عبادة والوضوء بغير نية ليس بعبادة ولكن العبادة متى لم تكن مقصودة سقطت لحصول المقصود بدون العبادة كالسعي إلى الجمعة والجهاد ونحوهما وذلك لأن هذه عبادة غير مقصودة بل المقصود منها التمكن من إقامة الصلاة بالطهارة فإذا طهرت الأعضاء بأي سبب كأن سقط الأمر كالسعي إلى الجمعة يسقط بسعي لا للجمعة لأن المقصود هو التمكن من الجمعة بالحصول في المسجد فعلى أي وجه حصل سقط الأمر

قوله ومثله أي مثل

قوله في المسألة المتقدمة

قوله في النكاح أنه ليس بمال فلا

(٤/١٨٥)

يثبت بشهادة النساء اعتبارا بالحدود

وهو أي هذا التعليل بعد كونه تعليلا بالعدم الذي هو احتجاج بلا دليل باطل أي منتقض بالبكارة وكل ما لا يطلع عليه الرجال من الولادة والعيوب التي في مواضع العورة فإن شهادتهن فيها مقبولة مع أنها ليست بمال فيضطر ورود هذا النقض المعلل الطارد إلى الفقه أي إلى الرجوع إلى المعنى الفقهي الذي بنى الشافعي هذا الحكم عليه وهو شهادة النساء منفردة أو منضمة إلى شهادة الرجال حجة ضرورية عند الخصم وأن الأصل فيها عدم القبول لأن اللّه تعالى نقل الأمر إلى النساء مع الرجال بشرط عدم الرجال بقوله تعالى فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان كما نقل أمر الطهارة إلى التيمم عند عدم الماء فدل ذلك أنها ليست بحجة أصلية وإنما صير إليها للضرورة وكذا نقصان عقلهن كما وردت به السنة وقلة ضبطهن كما ورد به الكتاب واختلال ولايتهن في الإمارات وغير ذلك مخلة بما هو الركن في الشهادة فكان الأصل فيها عدم القبول فكانت حجة بانفرادها في موضع الضرورة مثل البكارة وما لا يطلع عليه الرجال ومنضمة إلى شهادة الرجال فيما يبتذل في العادة وهو أموال لأنها للبذلة والتجارة دائمة بين الناس وأكثر ما يقع في بابها وكذا المبايعات تقع بغتة وربما يتعذر إحضار الذكور فلو لم يقبل شهادتهن في ذلك الباب لضاق الأمر فقبلت توسعة ودفعا للضرورة ولكن لما كان السبب المؤدي إليه كون المتنازع فيه مالا أقيم هذا السبب مقام الحاجة الداعية إلى قبول شهادتهن عند العدم فقبلت وإن فقدت الحاجة بوجود الرجال توسعة كما أقيم السفر مقام المشقة

بخلاف النكاح لأنه عقد على الأبضاع ولم يجز الابتذال والإباحة فيها فكانت أعظم خطرا من الأموال ولهذا اختص النكاح بشرط الشهادة والولي ولا يوجد فيه الضرورة أيضا لأنه لا يقع بغتة وفي كل وقت وإنما يقع بعد تدبر وتشاور في بعض الأوقات فاعتبار شهادتهن فيما فيه ضرورة ويبتذل عادة لا يدل على اعتبارها فيما لا ضرورة فيه وله خطر ليس لغيره فيظهر به أي بسبب بيانه أن شهادة النساء حجة ضرورية إلى آخره فقه المسألة لأصحابنا أيضا لأنا لا نسلم كذا يعني أنه لما بين أنها حجة ضرورية احتجنا إلى المنع وإلى بيان مستنده ولا يتحقق ذلك إلا ببيان المعنى فيظهر الفقه من جانب أصحابنا أيضا وهو أن شهادتهن أصلية كشهادة الرجال لأن الإنسان إنما يصير شاهدا بالولاية وهي مبنية على الحرية والعقل والنساء فيهما مثل الرجال وما ذكر من نقصان العقل ساقط العبرة لأن عقلهن اعتبر كاملا في التكاليف

(٤/١٨٦)

بالإجماع والقبول يبتنى على العدالة وانتفاء التهمة ولهن عدالة مثل الرجال ولهذا قبلت منهن رواية الأخبار والضلال المنصوص عليه في الكتاب مجبور بضم امرأة أخرى إليها فلئن نفي نوع شبهة بعد الخبر وهي شبهة ظاهر البدلية لا حقيقة البدلية فإن شهادتهن حجة مع وجود الرجال بالإجماع تعتبر فيما يسقط بالشبهات كالحدود وغيرها فأما فيما يثبت مع الشبهات فلا وعلى هذا كان ينبغي أن تكون شهادة النساء وحدهن حجة إلا أن الشرع لم يقبل شهادتهن منفردة على خلاف القياس

فعند الخصم قبول شهادتهن حكم مخصوص ثابت بخلاف القياس والأصل عدم القبول فيتبين حقيقة ذلك بالتحاكم إلى الأصول فمتى ثبت للخصم ظهور الخلل فيما هو ركن الشهادة تبين أن القبول على خلاف القياس ولم يثبت ذلك ومتى قام الدليل لنا أن ما هو الركن كامل تبين أن القبول أصل وعدم القبول على خلاف القياس وقد قام كما بينا

قوله وهي مع ذلك أي مع تمكن الشبهة فيها أصلية غير ضرورية لأن عامة حقوق البشر أي حجج عامة حقوقهم يعني الحجج التي يثبت بها أكثر الحقوق نظير هذه الحجة في احتمال الشبهة فإنها تثبت بشهادة رجلين وهي لا تخلو عن احتمال كذب وسهو وغلط وإن ترجح فيها جانب الصدق ثم إنها لم تخرج باحتمال الشبهة عن كونه أصلية ولم تصر ضرورية فكذا هذه والنكاح من جنس ما يثبت بالشبهات أي يثبت مع الشبهات المقارنة إياه فإنه يثبت مع الهزل والكره والشروط الفاسدة ولا يسقط بالشبهات الطارئة فإن رجلا لو تزوج امرأة الغير ودخل بها ويثبت له شبهة النكاح حتى سقط به الحد وجبت العدة لا يبطل النكاح الثابت بهذه الشبهة الطارئة فكان أي النكاح في الثبوت فوق ما لا يسقط بالشبهات ولا يثبت معها أيضا وهو المال فبطل القياس به أي بما يسقط بالشبهات فلا يستقيم قياسه به بوجه وعلى هذا التقدير لا يكون الضمير راجعا إلى المذكور لأن المقيس عليه في قياس الشافعي غير مذكور في هذا الكتاب ولكنه معلوم فيجوز عود الضمير إليه من غير ذكر وفي بعض النسخ فكان فوق ما يسقط بالشبهات أي النكاح الذي يثبت بالشبهات فوق الحد الذي يسقط بها في الثيوب فبطل قياس النكاح بالحد في اشتراط الذكورة لثبوته ألا ترى توضيحا لقوله النكاح من جنس ما يثبت بالشبهات واللّه أعلم

(٤/١٨٧)