باب الركنقوله ركن القياس ما جعل علما على حكم النص ركن الشيء جانبه الأقوى لغة وفي عرف الفقهاء ركن الشيء ما لا وجود لذلك الشيء إلا به كالقيام والركوع والسجود للصلاة ولما لم يكن للقياس وجود إلا بالمعنى الذي هو مناط الحكم كان ذلك المعنى ركنا فيه وإنما سماه علما لأن الموجب في الحقيقة هو اللّه تعالى والعلل أمارات على الأحكام في الحقيقة لا موجبات فكان ذلك المعنى معرفا لحكم الشرع في المحل وهو معنى العلم ثم الحكم في المنصوص عليه إن كان مضافا إلى النص وفي الفرع إلى العلة كما هو مذهب مشايخ العراق والقاضي الإمام والشيخين ومتابعيهم بكون ذلك المعنى علما على وجود حكم النص في الفرع وإن كان الحكم مضافا إلى العلة في الأصل والفرع جميعا كما هو مذهب مشايخ سمرقند من أصحابنا وجمهور الأصوليين يكون ذلك المعنى علما على ثبوت حكم النص في الأصل والفرع معا وذكر بعض الأصوليين أن العلة في الأصل بمعنى الباعث وهي أن يكون مشتملة على حكمة صالحة لأن تكون مقصودة للشارع من شرع الحكم لا بمعنى الأمارة المجردة لأنها إذا كانت مجرد أمارة وهي مستنبطة من حكم الأصل لزم الدور لأنها من حيث كونها مستنبطة من حكم الأصل تكون متفرعة عنه ومن حيث إنها أمارة مجردة ولا فائدة للأمارة سوى تعريف الحكم كان الحكم متفرعا عنها وهو دور قال ومن كون الأمارة المجردة لا فائدة لها سوى تعريف الحكم يعلم بطلان التعليل بها لأن الحكم في الأصل معرف بالنص أو بالإجماع مما اشتمل عليه النص يعني يشترط أن يكون ذلك المعنى الذي جعل علما على حكم النص من الأوصاف التي اشتمل عليها النص إما بصيغته كاشتمال نص الربا على الكيل والجنس أو بغير صيغته كاشتمال نص النهي عن بيع الآبق على العجز عن التسليم لأن ذلك المعنى لما كان مستنبطا من النص لا بد من أن يكون ثابتا به صيغة أو ضرورة وجعل الفرع نظيرا له في (٣/٥٠١) حكمه بوجود الضمير في له وحكمه راجع إلى النص وفي بوجوده راجع إلى ما والباء للسببية يعني وجعل الفرع مماثلا للنص أي المنصوص عليه في حكمه من الجواز والغسل والحل والحرمة بسبب وجود ذلك المعنى في الفرع وقيل هو احتراز عن العلة القاصرة وذكر بعض الأصوليين أن أركان القياس أربعة الأصل والفرع وحكم الأصل والوصف الجامع أما حكم الفرع فثمرة القياس لتوقفه عليه ولو كان ركنا فيه لتوقف على نفسه وهو محال وهذا حسن لأن انعقاد القياس كما توقف على المعنى الذي هو العلة توقف على الثلاثة الباقية وذكر في الميزان أن ركن القياس هو الوصف الصالح المؤثر في ثبوت الحكم في الأصل متى وجد مثاله في الفرع يثبت مثل ذلك الحكم فيه قياسا عليه لأن القياس لما كان رد الفرع إلى أصل لإثبات حكم الأصل فيه ولا يمكن إثبات حكم الأصل في الفرع بالنص لأنه لا يتناول الفرع لم يكن بد من أن يكون في الأصل وصف يجب به الحكم شرعا حتى يثبت مثله في الفرع بمثل ذلك الوصف إذ لو لم تكن لا يمكن إثبات الحكم في الفرع فدل أن الركن ما قلنا وإن كان لإثبات الحكم بالقياس سوى الوصف الذي ذكرنا شرائطه لكن الحكم يضاف إلى الركن عند وجود الشرائط لا إليها كالنكاح ينعقد بالإيجاب والقبول عند وجود الشرائط من الأهلية والشهادة ونحوهما وثبوت الحكم يضاف إلى الإيجاب والقبول دون الشرائط فكذا هذا قال صاحب الميزان هذا هو الصحيح وهو قول مشايخ سمرقند رحمهم اللّه قوله وهو جائز أن يكون وصفا لازما أي المعنى الذي جعل علما على حكم النص يجوز أن يكون وصفا لازما للمنصوص عليه مثل الثمنية جعلناها علة للزكاة في الحكم فقلنا يجب فيها الزكاة سواء صيغت صياغة تحل أو تحرم كما تجب في غير المصوغ من الذهب والفضة لأنها إنما تجب في غير المصوغ لوصف أنه ثمن بأصل الخلقة وهذه الصفة لا تبطل بصيرورته حليا فإن الذهب والفضة خلق جوهري الأثمان لا يعارضهما هذا الوصف بحال ألا ترى أن الربا لما تعلق عنده هذا الوصف بقي الحكم بعدما صار حليا لبقاء الوصف فإن قيل الزكاة لا تتعلق بكونه ثمنا فإن الدراهم إذا استعملت حليا لم يجب فيها شيء عندي بل بمعنى تحت الثمن وهو أنه للتجارة به وهذا وصف عارض يتصل به من قبلنا فإذا جعل حليا سقط هذا الوصف فتسقط الزكاة المتعلقة به كما لو جعلت السائمة علوفة (٣/٥٠٢) قلنا لا فرق بين قولنا ثمن وبين قولنا إنه مال التجارة فالتجارة تكون بالأثمان وبالثمنية يصير نصابا لا باستعمالنا فثبت أن الثمنية التي بها صار الذهب والفضة نصابا صفة لازمة بمنزلة صفة ذاته لا تزول بحال كذا في الأسرار والطعم جعله الشافعي علة للربا باعتبار أن الطعم ينبئ عن خطر المحل لتعلق بقاء العلم به فلا بد من إظهار الشرف في العقد بشرط زائد وهو المماثلة كما قيد تملك الأبضاع بشروط ثم الطعم وصف لازم للمطعوم كالثمنية للجوهرين فثبت أن التعليل بمثل هذا الوصف جائز ووصفا عارضا واسما يعني كما يجوز أن يكون ذلك المعنى وصفا لازما يجوز أن يكون وصفا عارضا ويجوز أن يكون اسما فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم علل لانتقاض الطهارة في حق المستحاضة بقوله لفاطمة بنت حبيش توضئي وصلي فإنما هو أي دم الاستحاضة دم عرق انفجر وهو أي الدم اسم علم أي اسم موضوع لم يسبق عن معنى انفجر صفة عارضة إذ الدم موجود في العرق وليس بمنفجر فالتعليل بالاسم يدل على اعتبار صفة النجاسة وبالانفجار يدل على اعتبار صفة الخروج فيتعلق الانتقاض بهذين الوصفين فإن قيل لا نسلم أن تعليل النبي صلى اللّه عليه وسلم كان لانتقاض الطهارة بل لنفي وجوب الاغتسال أو لنفي سقوط الصلاة فإن الإشكال كان واقعا فيهما لا في وجوب الوضوء فإنه يجب بالبول الذي هو أدنى منه فكان التعليل لبيان نفي وجوب الاغتسال عنها أو لسقوط الصلاة فإن كل واحد متعلق بدم الرحم لا بدم العرق قلنا قد أشكل وجوب الوضوء على إمام مجتهد من أئمة المسلمين وهو مالك بن أنس حيث لم يقل بأن دم الاستحاضة حديث فكيف لا يشكل على امرأة حديث عهدها بالإسلام على أنا نجعل هذا التعليل لكل ما يصلح علة له من المنظوم والمفهوم جميعا فيكون بالنص دليلا على وجوب الوضوء عن كل دم عرق ينفجر أي بسيل وبالحال دليلا على أن الاغتسال وسقوط الصلاة لا يتعلقان بدم العرق بل بدم الرحم كذا في الأسرار ولا يذهبن بك الوهم في قوله وصفا عارضا واسما إلى أنه لا بد من اجتماع الأمرين لصحة التعليل بالوصف العارض فإن التعليل بكل واحد منهما منفردا صحيح ولهذا ذكر بعده وصف الكيل منفردا بدون ذكر الاسم وقد صرح شمس الأئمة بذكر أو مكان الواو فقال وقد يكون وصفا عارضا أو اسما وهكذا ذكر في التقويم أيضا فقيل وأنه يجوز أن يكون وصفا لازما أو عارضا أو اسما أو (٣/٥٠٣) حكما إلا أن الشيخ رحمه اللّه ذكر الواو ولأن في المثال المذكور لا بد لانتقاض الطهارة من الأمرين وذكر صاحب القواطع تفصيلا واختلافا في هذا الفصل فقال إن الاسم إذا جعل علة فإن كان مشتقا من فعل كالضارب والقاتل يجوز أن يجعل علة لأن الأفعال يجوز أن تجعل عللا في الأحكام وإن لم يكن مشتقا بأن كان علما كزيد وعمرو ولا يجوز التعليل به لعدم لزومه وجواز انتقاله وإنما يوضع موضع الإشارة وليست الإشارة بعلة فكذا الاسم القائم مقامها وإن كان اسم جنس كالرجل والمرأة والبعير والفرس فمن الأصحاب من جوز التعليل به للزومه ومنهم من لم يجوز وهو الصحيح عندي لأن التعليل بالأسامي يشبه التعليل بالطرد وهو فاسد بخلاف الأسامي المشتقة فإن التعليل فيها لموضع الاشتقاق لا بنفس الاسم فإن قيل ما الفرق بين التعليل باسم الدم وبين التعليل باسم الخمر حيث لم يجز على ما مر بيانه قلنا الفرق أن التعليل هناك لتعدية اسم الخمر إلى النبيذ ثم ترتيب الحرمة على الاسم فيكون قياسا في اللغة فلا يجوز والتعليل هاهنا بمعنى الاسم لتعدية الحكم به إلى الفرع لا بمجرد الاسم فيكون تعليلا بالوصف حقيقة فيصح وقد ذكر صاحب الميزان فيه أن ركن القياس قد يكون اسما عند بعضهم كحرمة الخمر تثبت باسم الخمر هو علتها حتى لا تتعدى إلى الثلث وتثبت في قليل الخمر لوجود الاسم وإن لم يسكر وكذا الحدود يتعلق باسم الزنا والقذف والسرقة ونحوها قال ولكنا نقول إن عني به أنه تعلق بعين الاسم لا يصح لأن الاسم يثبت بوضع أرباب اللغة ولهم أن يسموا الخمر باسم آخر وإن عني به المعنى القائم بالذات الذي استحق به الاسم وهو كون المائع من ماء العنب بعدما غلى أو اشتد فهذا مسلم ولكن حينئذ يكون هذا تعليق الحكم بالمعنى لا بالاسم وعللنا يعني نص الربا بوصف الكيل وهو غير لازم لأن ذلك وصف عارض يختلف باختلاف عادات الناس في الأماكن والأوقات ويكون جليا أي يكون ذلك المعنى ظاهرا لا يحتاج فيه إلى زيادة تأمل مثل الطوف جعل علة لسقوط النجاسة في الهرة وسواكن البيوت وخفيا مثل القدر والجنس في الأشياء الستة أو المراد من الجلي المعنى القياسي ومن الخفي المعنى الاستحساني وذكر بعضهم أن التعليل بالأوصاف الخفية الباطنة مثل تعليل ثبوت حكم البيع برضاء المتعاقدين لا يجوز لأن الوصف المعلل به معرف للحكم الشرعي الذي هو خفي فلا بد من أن يكون جليا لأن الخفي لا يعرف بالخفي والجواب أن الوصف وإن كان خفيا لكنه بدلالة الصيغ الظاهرة عليه كدلالة الإيجاب والقبول على الرضا أو بدلالة التأثير صار من الأوصاف الظاهرة فيجوز التعليل به (٣/٥٠٤) قوله ويجوز أن يكون حكما أي يجوز أن يكون ما جعل علما على حكم النص حكما من أحكام الشرع فإنه صلى اللّه عليه وسلم علل بقضاء دين العباد في حديث الخثعمية وهو حكم وقال بعض الأصوليين لا يجوز تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي لأن الحكم الذي فرض علة إن كان متقدما على الحكم الذي جعل معلولا لزم انتقاض العلة لتخلف حكمها عنها فلا يصح علة وكذا إن تأخر عنه لأن المتأخر لا يكون علة للمتقدم وكذا إن قارنه إذ ليس جعل أحدهما علة للآخر أولى من العكس لاحتمال أن يكون هو علة وأن يكون غيره فهو إذن على تقديرات ثلاث لا يكون علة وعلى تقدير واحد يكون علة والعبرة في الشرع للغالب لا للنادر فوجب الحكم بأنه ليس بعلة ولأن شرط العلة التقدم على المعلول وتقدم أحد الحكمين على الآخر غير معلوم فكان شرط العلية مجهولا فلا يجوز الحكم بالعلية وذهب الجمهور منهم إلى أن التعليل بالحكم يجوز لما ذكرنا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم علل به في حديث الخثعمية حيث قال أرأيت لو كان على أبيك دين والدين عبارة عن ثابت في الذمة وذلك بالوجوب وأنه حكم وقال في حديث القبلة للصائم أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته أكان يضرك وفي حرمة الصدقة على بني هاشم أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته أكنت شاربه وفي إتيان الرجل أهله أرأيت لو وضعه في حرام أكان يأثم فهذا كله تعليل بالحكم ولأن العلة إن جعلت بمعنى الأمارة المعرفة فلا امتناع في أن يجعل الشارع حكما علما لحكم آخر بأن يقول إذا حرمت كذا فاعلموا أني حرمت كذا أو إذا أوجبت كذا فاعلموا أني حكمت بكذا وإن جعلت بمعنى الباعث فلا امتناع أيضا في أن يكون ترتيب أحد الحكمين على الآخر مستلزما حصول مصلحة لا تحصل من أحدهما بانفراد فثبت أن التعليل بالحكم جائز وخرج بما ذكرنا الجواب عن كلامهم لأنا لا نسلم انتقاض العلة على تقدير التقديم لأن الحكم لم يكن علة بذاته بل بجعل الشارع إياه علة بقران الحكم الآخر به ولا نسلم أيضا عدم صلاحيته للعلية على تقدير التأخير لأن العلة بمعنى المعرف والمتأخر يصلح معرفا للمتقدم ولا على تقدير المقارنة لأن الكلام مفروض فيما إذا كان أحد الحكمين مناسبا للحكم الآخر من غير عكس ولا نسلم أيضا أن التقدم شرط العلية على ما يأتي بيانه في موضعه إن شاء اللّه عز وجل وقولنا في المدبر إنه مملوك تعلق عتقه بمطلق موت المولى فلا يجوز بيعه كأم الولد من قبيل التعليل بالحكم لأن التعلق حكم ثابت بالتعليق وقوله (٣/٥٠٥) بمطلق موت المولى احتراز عن المدبر المقيد فإن بيعه جائز بالاتفاق قبل وجود الشرط مثل أن يقول إن شفى اللّه مريضي أو قدم غائبي فأنت حر بعد موتي أو قال إن مت من مرضي هذا أو من المرض الفلاني فأنت حر بعد موتي قوله ويجوز أن يكون أي ما جعل علما على حكم النص فردا أي وصفا فردا وهو بلا خلاف ويجوز أن يكون عددا من الأوصاف ومعناه أنه لا بد لثبوت الحكم من اجتماع تلك الأوصاف حتى لو كان كل وصف يعمل في الحكم بانفراده كاجتماع البول والغائط والمذي والرعاف فإن كل واحد مستقل في إثبات حكم الحدث وكاجتماع القتل العمد والردة في شخص واحد فإن كل واحد مستبد في إيجاب القتل لا يكون ذلك مما نحن بصدده وفيه خلاف معروف بين أهل الأصول على ما عرف في موضعه ثم التعليل بعدد من الأوصاف جائز عند الجمهور لأن ما ثبت به علية الوصف الواحد ثبت به علية الأوصاف المتعددة إذ لا يمتنع أن تكون الهيئة الاجتماعية من الأوصاف المتعددة علة بما يقوم الدليل على ظن التعليل بها من تأثير أو مناسبة أو إخالة أو غيرها من مسالك العلة وذهب بعض الأصوليين منهم أبو الحسن الأشعري وبعض المعتزلة إلى أن التعليل لا يجوز إلا بوصف واحد لا تركيب فيه لأن تركيب العلة لو صح لكانت العلية صفة زائدة على مجموع الأوصاف لأنا نعقل مجموع الأوصاف ونجهل كونها علة والمجهول غير المعلوم بعدما ثبت أنها زائدة فأما أن يقال حصلت تلك الصفة بتمامها لكل واحد من تلك الأوصاف وحينئذ يلزم أن يكون كل وصف علة لا أن يكون المجموع علة وهو خلاف الفرض وأما أن يقال حصلت تلك الصفة للمجموع وحينئذ يلزم إن ثبت لكل واحد من الأوصاف جزء من تلك الصفة وهو فاسد لأن انقسام الصفة العقلية بحيث يكون لها نصف وثلث وربع محال والجواب عنه أنه لا امتناع في حصول الصفة للمجموع من حيث هو مجموع من غير نظر إلى الأفراد لأنه من حيث هو مجموع شيء واحد على أن ما ذكرتم ينتقض بالحكم على المتعدد من الألفاظ والحروف بأنه خبر واستخبار أو غير ذلك من أقسام الكلام لأن كونه خبرا زائد عليه ثم إما أن يقوم كونه خبرا بكل حرف أو بمجموع الحروف ويلزم منه انقسام المعنى إلى آخر ما ذكرتم والتحقيق فيه أن معنى كون مجموع الأوصاف علة هو أن الشارع قضى بالحكم عنده رعاية لما اشتملت عليه الأوصاف من الحكمة وليس ذلك صفة لها فضلا عن كونه صفة زائدة ليلزم ما ذكروه وقوله كما في الربا يجوز أن يكون متعلقا بقوله عددا فإن حرمة الربا متعلقة بوصفين وهما القدر والجنس ويجوز أن يكون متعلقا بالجميع فإن حرمة ربا النسيئة (٣/٥٠٦) متعلقة بوصف واحد وهو الجنس أو القدر عندنا وحرمة ربا الفضل متعلقة بوصفين كما قلنا فيكون الربا مثالا للفرد والعدد جميعا والتعليل بالأوصاف مثل تعليلنا في نجاسة سؤر السباع بأن السباع حيوان محرم الأكل لا لكرامته ولا بلوى في سؤره فيكون سؤره نجسا كسؤر الخنزير والكلب وكتعليل وجوب القصاص بالقتل بالمحدد من الخشب بأنه قتل عمد عدوان محض فيكون موجبا للقصاص كالقتل بالسيف ثم من جوز التعليل بالأوصاف لم يقتصر على عدد إلا ما نقل عن أبي إسحاق الشيرازي أنه قال لا يجوز أن يزيد الأوصاف على سبعة وجهه أن أقصى ما يتوقف عليه الحكم محله ومعنى يقتضيه إما مطلقا أو مشروطا بوجود شرط أو عدم مانع وقد يتعلق المعنى المقتضي بالفاعل فيعتبر أهليته وأقصاها العقل والبلوغ ثم قد لا يشتغل به الشخص الواحد بصيغ المعارضات فيحتاج إلى غيره فيكون مجموع ما يتوقف عليه الحكم إيجابا وقبولا صدورا من العاقل البالغ في المحل مع قران الشرط وانتفاء المانع وهي سبعة وكل ما زاد على ذلك فهو تفصيل هذه الجملة فيمكن رده إليها ولما لم يخل هذا عن تكلف كما نرى أعرض عنه العامة ولم يقتصروا على عدد قوله ويجوز في النص يعني يجوز أن يكون ذلك المعنى مذكورا في النص لو يجوز أن يكون ذلك المعنى ثابتا في المنصوص عليه كالتعليل بالطواف في الهرة فإنه مذكور في النص وهو قوله صلى اللّه عليه وسلم إنها من الطوافين والطوافات عليكم أو هو ثابت في المنصوص عليه وهو الهرة وكذا التعليل بالقدر في الأشياء الستة فإنه مذكور في النص وهو قوله صلى اللّه عليه وسلم كيلا بكيل وزنا بوزن أو ثابت في المنصوص عليه وهو الأشياء الستة وهذا لا يشكل أي جواز التعليل بوصف في النص غير مشكل لأن النص هو الذي يعلل فالتعليل بوصف فيه يكون صحيحا لا محالة ويجوز في غيره إذا كان ثابتا به معنى ويجوز أن لا يكون ذلك المعنى ثابتا بصريح النص أو لا يكون ثابتا في المحل المنصوص عليه بل يكون في غيره ولكنه من ضروراته مثل تعليل جواز السلم بإعدام العاقد أي بفقره واحتياجه وليس ذلك في النص لأن الإعدام معنى في العاقد لا في السلم لكنه ثابت به أي بالنص باعتبار أن وجود السلم المنصوص عليه يقتضي عاقدا والإعدام صفته فكان ثابتا باقتضائه فيكون بمنزلة الثابت بعين النص وعلل الشافعي عدم جواز نكاح الأمة على الحرة الثابت بقوله صلى اللّه عليه وسلم لا تنكح الأمة على الحرة بأنه أي نكاح (٣/٥٠٧) الأمة إرقاق جزء منه وهو الولد مع الغنية عنه فلا يجوز وعداه إلى نكاح الأمة مع طول الحرة وليس في النص فإن قوله صلى اللّه عليه وسلم لا تنكح الأمة على الحرة لا يدل على هذا المعنى بصريحه ولكنه ثابت به فإن ذكر النكاح يقتضي ناكحا كما أن ذكر السلم يقتضي عاقدا والإرقاق صفته فكان ثابتا بمقتضى النص وذكر في الميزان أنهم اختلفوا في اشتراط كون الوصف قائما بمحل الحكم فعند مشايخ العراق هو شرط استدلالا بالعلل العقلية كالحركة علة لصيرورة الذات متحركا ويستحيل أن يكون الحركة في محل علة لصيرورة ذات آخر متحركا فكذا في العلل الشرعية ومشايخنا قالوا إنه ليس بشرط بل يجوز أن يكون ذلك الوصف في غير محل الحكم فإن البيع والنكاح والطلاق ونحوها علل لثبوت الأحكام في المحال بهذه العبارات قائمة بالعاقدين وكذا كون الشخص معدما محتاجا علة جواز السلم والإجارة وهذا الوصف قائم بالعاقد لا بمحل الحكم قال ويجب أن لا يكون وجوده شرطا في محل الحكم لأن علل الشرع أمارات ودلالات على الأحكام وقيام الدليل بالمدلول ليس بشرط لصحة الدليل كالعالم دليل وجود الصانع ولهذا قلنا إن السحر علة لتغير المسحور وكذا العين علة لتغير الشيء الذي أصابته العين وإن لم يوجد الاتصال وإنما يختص العلة بهذا الشرط عند المعتزلة ولهذا أنكروا السحر والعين لعدم الاتصال بمحل الحكم واللّه أعلم قوله وإنما استوت هذه الوجوه يعني الوجوه التي ذكرها من قوله وهو جائز أن يكون وصفا لازما إلى قوله ويجوز في غيره إذا كان ثابتا به في صحة التعليل بها لأن التعليل الذي ثبت به كون الوصف حجة ويعرف به كونه علة هو الأثر على ما نبين وذلك أي الأثر لا يوجب الفصل بين هذه الوجوه لجواز ظهور التأثير لكل واحد منها فمتى ظهر لشيء منها التأثير فقد قام الدليل على كونه حجة فوجب إضافة الحكم إليه واتفقوا أن كل أوصاف النص بجملتها لا يجوز أن يكون علة لأنه لا تأثير لكثير من الأوصاف في الحكم فإن من المعلوم أنه لا مدخل بوصف الأعرابي المذكور في قوله صلى اللّه عليه وسلم للمجامع في نهار رمضان أعتق رقبة في الحكم فإن التركي والهندي فيه سواء ولا لمعنى الحرية فإن الكفارة تجب على العبد ولا لوقاع الأهل فإنها تجب بالزنا وبوطء الأمة ولا لليوم المعين من الشهر المعين الذي وقع فيه فإن سائر الأيام من ذلك الشهر وسائر شهور رمضان في وجوب الكفارة سواء وكذا الحكم في سائر الحوادث فإنها (٣/٥٠٨) تشتمل على مكان كذا وزمان كذا ولا دخل لمثل هذه الأوصاف في الحكم بالاتفاق فعرفنا أن التعليل بجميع الأوصاف غير مستقيم ولأن التعليل بجميع الأوصاف تعليل بما لا يتعدى لأن جميع الأوصاف لا يوجد إلا في المنصوص عليه وذلك فاسد على ما مر بيانه وكما اتفقوا على عدم جواز التعليل بالجمع اتفقوا على عدم جواز التعليل بكل وصف لما بينا أنه لا تأثير لجميع الأوصاف في الحكم ألا ترى أن الحنطة يشتمل على أنها مكيلة مطعومة مقتاتة مدخرة جب جثم شيء ولم يقل أحد إن كل وصف من هذه الأوصاف علة لحكم الربا فيها بل العلة بعض هذه الأوصاف واتفقوا أيضا على أنه لا يجوز للمعلل أن يعلل بأي وصف شاء من غير دليل لأن ادعاه وصفا من الأوصاف أنه علة بمنزلة دعواه الحكم فكما لا يسمع منه دعوى الحكم بلا دليل لا يسمع دعوى كون الوصف علة بلا دليل وذكر بعض الجدليين أنه لا حاجة إلى إقامة الدليل على صحة العلة ولكن للمعترض أن يبطل معنى الذي ذكره المعلل إن كان عنده مبطل فإن عجز عنه لزمه الانقياد وهذا فاسد لما قلنا إن المعلل مدع فلا يكون له بد من إقامة البرهان على دعواه لئلا يكون متحكما على شرع فإن قيل عجز السائل عن الاعتراض أو انتفاء المفسد هو الدليل على صحة العلة قلنا ومن أين ثبت أن العجز عن الاعتراض يدل على صحة العلة والسائل مسترشد يطلب دليل العلة لينقاد لقضيتها فكان على المعلل إقامة الدليل وكيف يمكن جعل انتفاء المفسد دليل الصحة مع إمكان قلبه للسائل بأن يقول لا بل عدم المصحح دليل فساده يوضحه أن المدعي لو قال للمدعى عليه عجزك عن الاعتراض على دعواي وعن نقضها دليل على صحتها فلا حاجة لي إلى إقامة البينة أو قال المدعى عليه للمدعي عجزك عن إقامة البينة دليل على أني محق كان ذلك باطلا ولا يسقط بهذا إقامة البينة عن المدعي ولا اليمين عن المدعى عليه فكذا هاهنا وإذا ثبت أنه لا بد من إقامة البينة على صحة العلة فاعلم أن القياس يحتاج إلى إقامة الدليل على وجوب العلة في الأصل والفرع جميعا لأن القياس كما يتوقف على وجود العلة في الأصل يتوقف على وجودها في الفرع إلا أن وجودها في الفرع يجوز أن يثبت بسائر أنواع الأدلة من الحس ودليل العقل والعرف والشرع ووجودها في الأصل لا يثبت إلا بالأدلة الشرعية لأن كون الوصف علة وضع شرعي كما أن الحكم كذلك فلم يمكن إثباته إلا بالدليل الشرعي والأدلة الشرعية النصوص (٣/٥٠٩) والإجماع والاستنباط ولا خلاف أن النص يصلح دليلا على العلة سواء دل عليها بطريق التصريح بأن يذكر الشارع لفظا من ألفاظ التعليل بأن يقول لكذا أو لعلة كذا أو لأجل كذا أو ما يجري مجراها مثل قوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وقوله صلى اللّه عليه وسلم كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي لأجل الرأفة على القافلة أو بطريق التنبيه والإشارة مثل قوله صلى اللّه عليه وسلم أرأيت لو تمضمضت بماء أرأيت لو كان على أبيك دين أينقص الرطب إذا جف تمرة طيبة وماء طهور من بدل دينه فاقتلوه وكقول الراوي وسها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسجد زنى ماعز فرجم وكذا الإجماع يصلح دليلا عليها بالإجماع مثل وصف الصغر فإنه علة لثبوت الولاية على المال بالإجماع فأثبتنا به ولاية الإنكاح في الثيب الصغير ومثل تقديم الأخ لأب وأم على الأخ لأب في الميراث فإن امتزاج الأخوة علة التقديم فيه بالإجماع فيقاس عليه النكاح وبعدم الأخ لأب وأم فيه أيضا بهذه العلة وعند عدم النص والإجماع اختلف القايسون فيما يصلح دليلا على العلة كما قرره الشيخ بقوله واختلفوا في دلالة كونه علة أي فيما يدل كون الوصف علة على قولين فقال جماعة منهم الاطراد وهو وجود الحكم عند وجود الوصف من غير أن يعقل فيه معنى من تأثير أو إخالة يصلح دليلا على العلة ويصير الوصف به حجة على الغير وهم المسمون بأهل الطرد وسيأتي بيان أقوالهم واختلافهم فيما بينهم في الباب الذي يلي هذا الباب وقال عامتهم لا يصير الوصف حجة بمجرد الاطراد ولا بد لصيرورته علة من معنى يعقل وهذا قول جمهور الفقهاء من السلف والخلف رضي اللّه عنهم ويسمون أهل الفقه وهذا أي المعنى المعقول الذي لا بد لصيرورة الوصف حجة منه وهو أن يكون صالحا للحكم ثم يكون معدلا وذلك أي الوصف في اعتبار الصلاح والعدالة بمنزلة الشاهد فإنه لا بد من اعتبار صلاحه للشهادة أولا بوجود العقل والبلوغ والحرية والإسلام إن كان شاهدا على المسلم فيه ثم اعتبار عدالته ثانيا بأن يكون مجتنبا عن محظورات دينه ليصح منه الأداء ثم لا يصح الأداء إلا بلفظ خاص ينبئ عن الوكادة والتحقيق وهو لفظ أشهد أو ما يساويه في المعنى من سائر اللغات فكذا هاهنا لا بد لجعل الوصف علة من صلاحه للحكم بوجود الملاءمة ومن عدالته بوجود التأثير ومن اختصاصه من بين سائر الأوصاف كاختصاص الشهادة بلفظ أشهد فإن التعليل بجميع الأوصاف أو بكل وصف لا يصح على ما قلنا (٣/٥١٠) ثم الشيخ رحمه اللّه جعل الوصف هاهنا بمنزلة الشاهد وجعله في أول باب القياس بمنزلة الشهادة والأصل بمنزلة الشاهد وهكذا ذكر في مختصر التقويم في بيان اشتراط الملاءمة فقال الملاءمة شرط لأن الأصل شاهد والوصف المستنبط شهادة والشهادة مختصة بلفظ وهو أشهد فمتى أتى به يجب القبول وإذا أتى بغيره ينظر إن كان في معناه يجب القبول وإلا فلا فكذا القايس إذا أتى بلفظ منقول عن السلف يقبل وإذا أتى بغيره ينظر إن كان في معناه يجب القبول والعمل به وإلا فلا ويوافقه ما ذكر في التقويم وهو أن التعليل لم يقبل ما لم يقم الدليل على أن الوصف ملائم وإذا صار ملائما لم يجب العمل به إلا بالعدالة وذلك بكونه مؤثرا في الحكم وإن عمل به قبل التأثير صح فأما قبل الملاءمة فلا يصح العمل به كالشاهد إذا شهد لم يقبل حتى يأتي بلفظ أشهد أو بما يماثله بلغة أخرى ولا يصح العمل به قبل ذلك وإذا جاء بلفظ أشهد لم يجب العمل به حتى يعدل وإن عمل به صح ونفذ إذا كان مستورا بلا خلاف فعلى ما ذكر هاهنا لو لم يذكر قوله ثم لا يصح الأداء إلا بلفظ خاص لتم التمثيل وعلى ما ذكر في التقويم ومختصره لا بد من ذكره لتمام التمثيل قوله واتفقوا أي الشارطون لصلاح الوصف وعدالته على أن المراد بصلاح الوصف ملاءمته أي موافقته ومناسبته للحكم بأن يصح إضافة الحكم إليه ولا يكون نابيا عنه كإضافة ثبوت الفرقة في إسلام أحد الزوجين إلى إباء الآخر عن الإسلام لأنه يناسبه لا إلى وصف الإسلام لأنه ناب عنه لأن الإسلام عرف عاصما للحقوق لا قاطعا لها وكذا المحظور يصلح سببا للعقوبة والمباح سببا للعبادة ولا يجوز عكسه لعدم الملاءمة وهو المراد من قوله ذلك أي الملاءمة أن يكون الوصف على موافقة ما جاء عن السلف من العلل المنقولة فإنهم كانوا يعللون بأوصاف ملائمة للأحكام غير نابية عنها فما كان موافقا لها يصلح أن يكون علة وما لا فلا قال الغزالي رحمه اللّه المراد بالمناسب ما هو على منهاج المصالح بحيث إذا أضيف إليه الحكم انتظم كقولنا حرمت الخمر لأنها تزيل العقل الذي هو ملاك التكليف وهو مناسب لا كقولنا حرمت لأنها تقذف بالزبد وتحفظ في الدن فإن ذلك لا يناسب ونقل بعض أصحاب الشافعي في مصنفه عن القاضي الإمام أبي زيد رحمه اللّه أن المناسب ما لو عرض على العقول تلقته بالقبول ثم اعترض عليه بأن هذا التفسير وإن كان موافقا للوضع اللغوي حيث يقال هذا الشيء مناسب لهذا (٣/٥١١) الشيء أي ملائم له غير أنه لا طريق للمناظر إلى إثبات المناسب بهذا التفسير على خصمه في مقام الاستدلال لاحتمال أن يقول السائل هذا مما لا يتلقاه عقلي بالقبول وليس الاحتجاج على بما يتلقاه عقل غيري بالقبول أولى من الاحتجاج على ذلك الغير بعدم تلقي عقلي له بالقبول ثم قال فكان الأولى أن يقال المناسب وصف ظاهر منضبط يحصل عقلا من ترتب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصودا من حصول مصلحة أو دفع مفسدة ويمكن أن يجاب عنه بأنا لا نعتبر الملاءمة للإلزام على الخصم بل لصحة العمل في حق نفسه والذي يناظر نفسه لا يكابر نفسه فيما يقتضي عقله والملاءمة بالهمز الموافقة ومنه قولهم هذا طعام لا يلائمني أي لا يوافقني ولا يقال ملاومة بالواو فإنها من اللوم وقوله ولكن لا يجب العمل به أي بالوصف إلا بالعدالة استدراك من مفهوم الكلام الأول وتقديره ولا يصح العمل بالوصف قبل الملاءمة ويصح بعدها ولكن لا يجب إلا بعد العدالة قال أبو اليسر إذا كان الوصف ملائما يصلح أن يكون علة ويجوز العمل به ولكن لا يجب ما لم يكن مؤثرا عندنا وعند أصحاب الشافعي ما لم يكن مخيلا فإذا ظهر أثر إخالته فحينئذ يجب العمل به فالملاءمة شرط لجواز العمل بالعلل والتأثير والإخالة شرط لوجوب العمل بها قال ومعنى قولنا يجوز العمل بالعلة قبل ظهور التأثير أنه لو عمل بها عامل نفذ العمل ولم يقبح كما لو قضى القاضي بشهادة شهود غير ظاهر العدالة قوله والعدالة عندنا هي الأثر يعني ليس الخلاف في تفسير صلاح الوصف إنما الخلاف في تفسير العدالة فعندنا عدالة الوصف تثبت بالتأثير ثم فسر الوصف المؤثر فقال وإنما نعني بالأثر أي بالوصف المؤثر ما جعل له أثر في الشرع ولعله إنما فسره بما ذكر ردا لما فسره البعض بالدوران وجودا وعدما فإن صاحب القواطع روى عن أبي الطيب أن التأثير عنده أن يوجد الحكم بوجود العلة ويعدم بعدمها كالشدة في الخمر يثبت التحريم بوجودها ويزول بزوالها وكالرق في نقصان الحد يوجد النقصان بوجوده ويزول بزواله وفسر الشيخ في بعض مصنفاته بهذه العبارة ونعني بالتأثير أن يكون لجنس ذلك الوصف تأثير في إثبات جنس ذلك الحكم في مورد الشرع إما مدلولا عليه بالكتاب أو بالسنة أو بالإجماع أي يثبت أثر هذا الوصف بهذه الحجج وذكر بعض الأصوليين أن أعلى أنواع القياس المؤثر وهو باعتبار النظر إلى عين العلة وجنسها وعين الحكم وجنسه أربعة أقسام فالأول هو أن يظهر تأثير عين الوصف في عين ذلك الحكم وهو المقطوع الذي ربما يقر به منكر القياس إذ لا يبقى بين الفرع والأصل مباينة إلا تعدد المحل فإنه إن (٣/٥١٢) ثبت أن علة الربا في التمر الكيل فالجص ملحق به بلا شبهة وإن ثبت أن علته الطعم فالزبيب ملحق به قطعا إذ لا يبقى إلا اختلاف عدد الأشخاص التي هي مجاري المعنى ويكون ذلك كظهور أثر الوقاع في إيجاب الكفارة على الأعرابي إذ يكون التركي والهندي في معناه والثاني أن يظهر أثر عينه في جنس ذلك الحكم أي جنسه القريب كتأثير الأخوة لأب وأم في التقديم في الميراث فيقاس عليه ولاية الإنكاح فإن الولاية ليست هي عين الميراث لكن بينهما مجانسة في الحقيقة فإن هذا حق وذلك حق وهذا دون الأول لأن المفارقة بين جنس وجنس غير بعيدة بخلاف المفارقة بين محل ومحل فإنهما لا يفترقان أصلا فيما يتوهم أن له مدخلا في التأثير والثالث أن يؤثر جنسه القريب في عين ذلك الحكم كإسقاط قضاء الصلوات المتكثر بعذر الإغماء فإن تأثير جنسه وهو عذر الجنون والحيض ظهر في عينه أيضا باعتبار لزوم المشقة والحرج والرابع ما ظهر أثر جنسه في جنس ذلك الحكم كإسقاط الصلوات عن الحائض بالمشقة فإنه قد ظهر تأثير جنسه وهو مشقة السفر فإن مشقة السفر ليست عين مشقة الحائض في جنس هذا الحكم وهو إسقاط الركعتين الزائدتين فإنه ليس عين الإسقاط عن الحائض فإن هذا إسقاط أصل الصلاة وذلك إسقاط البعض ولكنه من جنسه القريب باعتبار أنه تخفيف في الصلاة وكتعليل القتل بالمثقل في إيجاب القصاص بجناية القتل العمد العدوان فإن جنس الجناية العمد معتبر في جنس القصاص كالأطراف مع أنه ظهر تأثير عين القتل العمد العدوان في عين الخصم وهو وجوب القصاص في المحدد ثم قال ولا خلاف بين القائسين في الأقسام الثلاثة الأولى أنها حجة والقسم الأخير مختلف فيه بينهم والمختار أنه حجة لكونه مغلبا على الظن قوله وقال بعض أصحاب الشافعي عدالته بكونه مخيلا أي موقعا في القلب خيال القبول والصحة فيثبت صحته بشهادة القلب وذكر في بعض كتبهم أن الإخالة من أخالت السماء إذا كانت ترجي المطر لأن المناسبة ترجي العلية لإشعارها بها ثم العرض على الأصول احتياطا أي بعد ثبوت الإخالة يعرض الوصف على الأصول بطريق الاحتياط لا بطريق الوجوب ليتحقق سلامته عن المناقضة والمعارضة والفرق بينهما أن مناقضة الوصف إبطال نفسه بأثر أو نص أو إجماع يرد على خلافه أو إيراد صورة تخلف الحكم فيها (٣/٥١٣) عن الوصف ومعارضة الوصف إيراد وصف آخر يوجب خلاف ما أوجبه ذلك له بوصف من غير تعرض لنفس الوصف ثم معنى عرض الوصف على الأصول أن يقابل بقوانين الشرع فإن طابقها وسلم عن المبطلات والعوارض فقد شهدت الأصول بصحته وصار حجة وقال صاحب القواطع ناقلا عن القاضي أبي الطيب مثال شهادة الأصول قولنا لا تجب الزكاة في إناث الخيل لأنها لا تجب في ذكورها فالأصول شاهدة لهذه العلة لأنها مبنية على التسوية بين الذكور والإناث في وجوب الزكاة وسقوطها قال وهذا طريق يقضي إلى غلبة الظن لأن الإنسان إذا علم أن فلانا إذا أعطى بناته شيئا يعطي بنيه مثله فإذا سمع أنه أعطى البنات شيئا غلب على ظنه إعطاء البنين مثله فثبت أن شهادة الأصول دليل الصحة من هذا الوجه قال ومن نظيره قول المعلل من صح طلاقه صح ظهاره وقوله من لزمه العشر لزمه ربع العشر حتى يجب الزكاة على الصبي وقوله ما حرم فيه النساء حرم فيه التفرق قبل التقابض قال وأمثال هذا تكثر فالأصول تشهد بصحة هذا التعليل وإنما تعرض على أصلين فصاعدا قال شمس الأئمة رحمه اللّه وأدنى ما يكفي لذلك أي للعرض أصلان بمنزلة عدالة الشاهد فإن معرفتها بعرض حالهم على المزكين وأدنى ما يكفي لذلك عنده اثنان يصح العمل به أي بالوصف المخيل لأنه أي لأن الوصف بالعرض يصير حجة وإنما النقض جرح أي النقض يجرح الوصف بعد صحته فيخرجه عن كونه حجة كجرح الشاهد بالرق يخرج كلامه من أن يكون شهادة بعدما صح ظاهرا والمعارضة دفع أي أنها لا تمنع الوصف عن العلية ولكن تدفع الحكم كإقامة الشهود على الإلغاء أو الإبراء من المدعى عليه لا يمنع شهادة شهود المدعي ولكن تدفع حكمها وهو الإلزام وإذا كان كذلك لا يتوقف صيرورة الوصف حجة على انقطاع احتمالهما كما لا يتوقف شهادة الشاهد على انقطاع احتمال الجرح والدفع احتج أهل المقالة الأولى وهم الذين أثبتوا العدالة بالإخالة ولم يشترطوا التأثير بأن الأثر معنى من الوصف لا يحس ليعلم بالحس ولكنه مما يعقل أي يدرك بالعقل فكان طريق الوقوف عليه تحكيم القلب لأنه هو المعتبر عند انقطاع الأدلة المحسوسة فإذا وقع في القلب خيال القبول وأثر الحجة صار حجة للعمل به كذا ذكر في أصول شمس الأئمة (٣/٥١٤) والتقويم وغيرهما وذكر الشيخ في الكتاب أن الأثر معنى لا يعقل وأراد به أن الأثر من الوصف ليس بمعنى يوجبه العقل ويقتضيه لأن ثبوت الوصف علة بالشرع لا بالعقل إذ العقل لا يهتدي إليه ولم يرد به أن أثره إذا ثبت شرعا لا يدرك بالعقل أنه أثره وإذا ثبت أنه غير محسوس ولا معقول وجب النقل عنه إلى شهادة القلب التي هي المعتبرة عند انقطاع الأدلة وهو كالتحري أي جعل الوصف حجة شهادة القلب مثل جعل التحري حجة في باب القبلة بشهادة القلب عند تعذر العمل بسائر الأدلة المحسوسة ويؤيده قول النبي صلى اللّه عليه وسلم لوابصة بن معبد ضع يدك على صدرك واستفت قلبك فما حاك في صدرك فدعه وإن أفتاك الناس به فثبت أن العدالة تحصل بالإخالة ثم العرض أي عرض الوصف على الأصول بعد ثبوت إخالته للاحتياط لا للوجوب بمنزلة ما لو كان الشاهد معلوم العدالة عند القاضي فإن العمل بشهادته جائز له والعرض على المزكين بعد ذلك نوع احتياط لجواز أن يظهر له بالعرض عليهم ما لم يكن معلوما له بخلاف الشاهد المستور الحال حيث يجب العرض على المزكين لتعرف حاله وإن كان الأصل هو العدالة لأنه أي الشاهد يتوهم أن يعترض فيه بعد وجود أصل الأهلية من الحرية والعقل والبلوغ والإسلام ما يبطل شهادته من فسق أو غيره من ردة وحدوث زوجية وإقامة حد في قذف فإذا لم يكن حاله معلوما للقاضي لا يثبت عدالته عنده مع احتمال هذه العوارض ما لم يعرض على المزكين فأما الوصف الذي هو علة بعدما ثبت صفة الصلاحية فيه فلا يحتمل مثله أي مثل ما احتمل الشاهد من اعتراض ما يخرجه عن كونه علة بعدما ثبتت صلاحيته بالملاءمة وعدالته بالإحالة فكان العرض على الأصول هاهنا احتياطا فإن سلم عما يناقضه ويعارضه بكونه مطردا في الأصول فحكم وجوب العمل به يزداد وكادة وإن ورد عليه نقص فذلك يكون جرحا بمنزلة الشاهد الذي هو معلوم العدالة إذ ظهر فيه طعن من بعض المزكين فإن ذلك يكون جرحا في عدالته لا أن يتبين به أنه لم يكن عدلا وإن ظهر له معارض فإن ذلك يكون دفعا بمنزلة شاهد آخر يشهد بخلاف ما شهد به الأول كذا ذكر شمس الأئمة رحمه اللّه ووجه القول الآخر وهو إثبات عدالة الوصف بالعرض على الأصول أنه أي (٣/٥١٥) الوصف إذا كان صالحا على مثال العلل الشرعية غير ناب عن الحكم كان صالحا لإضافة الحكم إليه كالشاهد إذا كان حرا عاقلا بالغا مسلما وقد أتى بلفظ أشهد وما هو في معناه كان صالحا لأن يعمل بشهادته ثم قد يحتمل أي الوصف أن يكون مجروحا بأن يكون منتقضا كالشاهد يحتمل أن يكون مجروحا بالفسق فلا بد من العرض أي عرض الوصف على المزكين وهو الأصول هاهنا دفعا للاحتمال كما لا بد من عرض الشاهد على المزكين هناك لذلك فإذا سلم عن النقض والمعارضات ثبت عدالته وذلك لأن الأصول شهداء اللّه تعالى على أحكامه كما كان الرسول صلى اللّه عليه وسلم في حال حياته فيكون العرض على الأصول وامتناع الأصول من رده بمنزلة العرض على الرسول صلى اللّه عليه وسلم في حياته وسكوته عن الرد وأدنى ذلك أصلان وذهب بعض من أوجب العرض إلى أنه لا بد من العرض على كل الأصول لأن احتمال النقض والمعارضة لا ينقطع إلا بالعرض على جميع فرد ذلك وقال أدنى ذلك أي أقل ما يجب العرض عليه أصلان ولا يعتبر وراء ذلك أي وراء الأصلين في وجوب العرض لأن التزكية بالاحتمال لا ترد يعني العرض بمنزلة التزكية والتزكية وإن كانت أمرا محتملا لكونها إخبارا عن عدم العلم بما يوجب الجرح لا عن العلم بعدم ما يوجبه وربما وقف غير المزكي على بعض أسباب الجرح وربما يكون المزكي كاذبا في التعديل فكان ينبغي أن يجب العرض على جميع المزكين قطعا للاحتمال بقدر الإمكان إلا أنها لا ترد بالاحتمال لأن في الوجوب إلى جميع المزكين لقطع الاحتمال جرحا بينا وقد أسقط الشرع ذلك عنا بقوله وما جعل عليكم في الدين من حرج فكذلك هاهنا العرض على كل الأصول متعذر لكونه غير محصور فسقط اعتباره ووجب الاقتصار على الأولى وهو أصلان قال شمس الأئمة رحمه اللّه ومن شرط العرض على كل الأصول لم يجد بدا من العمل بلا دليل لأنه وإن استقصى في العرض فالخصم يقول وراء هذا أصل آخر هو معارض أو ناقض لما تدعيه فلا يجد بدا من أن يقول لم يقم عندي دليل النقض والمعارضة ومثل هذا لا يصلح حجة لإلزام الخصم قوله وجد قولنا وهو أن عدالة الوصف تثبت بالتأثير إذ حاجتنا إلى إثبات كون الوصف الذي لا يحس ولا يعاين حجة وترجيح احتمال الصواب على احتمال الغلط وما لا (٣/٥١٦) يوقف عليه من طريق الحس فطريق معرفته الاستدلال بأثره الذي ظهر في موضع من المواضع ألا ترى أنا تعرفنا أي طلبنا معرفة صدق الشاهد باحترازه عن محظور دينه فإن أثر دينه لما ظهر في منعه عن ارتكاب سائر محظورات دينه يستدل به على منعه عن الكذب الذي هو محظور دينه أيضا لأن كل المحظورات من حيث يميل الطبع إليها سواء وذلك أي صدق الشاهد مما يعرف وجوده بأثره أي أثر دينه كما بينا لا بالحس فثبت أن طريق معرفة ما لا يحس الاستدلال بالأثر أو معناه أن صدق الشاهد مما يعرف وجوده بظهور أثر نفس الصدق في غير هذا الموضع بأن احترز عن الكذب في سائر المواضع فيستدل به على احتراز عنه في الشهادة أيضا كما يعرف بالاحتراز عن سائر المحظورات فكان الاستدلال بالاحتراز عن سائر المحظورات استدلالا بظهور أثر على أثر آخر والمؤثر هو الدين والاستدلال بالاحتراز عن الكذب في غير هذا الموضع قريبا من الاستدلال هو الصدق وكذلك أي وكما نعرف صدق الشاهد بما ذكرنا نعرف الصانع جل جلاله بالاستدلال بآثار صنعه كما أشار إليه تعالى في آيات كثيرة مثل قوله تعالى إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار وإلى قوله لآيات لقوم يعقلون وقوله عز اسمه ومن آياته أن خلقكم من تراب إلى قوله ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره وقوله جل ذكره إن في السماوات والأرض إلى آخر الآيات وقال علي رضي اللّه عنه البعرة تدل على البعير وآثار المشي تدل على المسير وهذا الهيكل العلوي والمركز السفلي أما تدلان على الصانع العليم الخبير واستدلالا يجوز أن يكون منتصبا على الحال إذ المصدر يقع حالا يعرف الصانع مستدلين بإثار صنعه وذلك أي معرفة الصانع إنما يعرف بالوصف والبيان يعني أنا إنما نعرف حصول المعرفة للمستدل إذا قدر على الوصف والبيان بوجه مجمع عليه بأن يقول الأشياء المحكمة المتقنة موجودة على وجه تقتضيه الحكمة فعرفنا أن لها موجدا ولا بد من أن يكون واحدا حيا قديما عالما قادرا حكيما وبين سائر الأوصاف الذي يجب الإيمان به لا أن يقول عرفت بالاستدلال أنه متمكن أو ذو جهة أو ذو صورة لأنا لا نرى في الشاهد موجودا إلا متحيزا أو ذا جهة أو ذا صورة فإن ذلك ليس باستدلال بل هو ضلال فهذا معنى قوله بوجه مجمع عليه على هذا الوجه على ما نبين يعني في باب العقل والأظهر أنه إشارة إلى الجواب عن قولهم (٣/٥١٧) الأثر ليس بمحسوس فوجب النقل إلى تحكيم القلب وإن ذلك إشارة إلى الأثر يعني أثر الوصف إن لم يكن محسوسا فهو مما يعرف بالبيان والوصف بوجه مجمع عليه أي بأن تبين ظهور أثره في محل مجمع عليه فإنه لو بينه في محل مختلف فيه لم يصلح للإلزام على الخصم على ما نبين أي في هذا الباب وإذا كان الأثر مما يعلم بالوصف والبيان وجب المصير إليه لمعرفة صحة الوصف كما يجب المصير إلى الأثر المحسوس الدال على غير المحسوس مثل البناء الدال على الباني والسماوات والأرض الدالة على وجود الصانع عز وجل ويؤيده ما ذكر الشيخ في مختصر التقويم أما قولهم الأثر غير محسوس فمسلم لكنه معقول وليس كل معلوم يكون معلوما بالحس بل يكون معلوما بالعقل أيضا وما كان معقولا فوق الذي كان محسوسا ألا ترى أن الشاهد يتعرف صدقه بمجانبته عن محظورات دينه وفي الحقيقة الاجتناب عن المعاصي ترك وذلك غير محسوس ولما فرغ عن إقامة الدليل على مدعاه شرع في الجواب عن كلمات الخصوم فقال وأما الخيال الذي اعتبره الفريق الأول فأمر باطل لأنه عبارة عن مجرد الظن لأن الخيال والظن واحد والظن لا يغني من الحق شيئا ولا يقال الظن معتبر في الشرع في وجوب العمل به كخبر الواحد والقياس لأنا نقول المعتبر هو الظن الذي قام دليل قطعي على اعتباره في وجوب العمل لا مطلق الظن ولم يقم هاهنا دليل على اعتباره شرعا فوجب إهداره ولأنه أي الخيال أمر باطن أي لا يمكن الوقوف عليه لغيره فلا يصح دليلا ملزما على الغير لأن الحجة على الغير ما يقر الغير به ألا ترى أن التحري لما كان أمرا باطنا لا يوقف عليه لم يكن حجة على الغير حتى أن كل أحد يعمل بتحريه دون صاحبه وكلامنا فيما يصلح حجة على الغير ولا دليلا شرعيا يعني أنه إذا لم يصلح دليلا على الخصم لا يصلح أن يكون دليلا شرعيا لأن ما جعل دليلا في الشرع يصلح للإلزام لأنه حجة على الجميع أو معناه أنه كما لا يصلح للإلزام على الغير لا يصلح دليلا شرعيا يصح العمل به لأن غايته أن يجعل من باب الإلهام والإلهام ليس بحجة أصلا أو أنه كما لا يصلح للإلزام لا يصلح أن يكون دليلا شرعيا في نفسه لأن مبنى أدلة الشرع على الظهور يقف عليها كل واحد وهذا مما لا يقف عليه غير صاحبه ولأنه دعوى لا تنفك عن المعارضة فإنه إذا قال وقع في قلبي خيال أن هذا حق يتمكن الخصم من أن يقول وقع في قلبي خيال أنه فاسد أو وقع في قلبي خيال أن علتي صحيحة فيصير به معارضا وهذه معارضة لازمة لأنها لا تندفع بوجه (٣/٥١٨) والحجة إذا لم تنفك عن المعارضة لم تكن حجة لأن حجج الشرع لا تحتمل لزوم المعارضة كما لا تحتمل لزوم المناقضة لأنهما من أمارات العجز والجهل والسفه وصاحب الشرع منزه عنها وأما العرض على الأصول فلا يقع به التعديل لأن الأصول شهود لا مزكون على ما زعموا فإن كل أصل شاهد مثل الأصل المعلل وأقصى ما في الباب أن يكون النصوص موافقة للوصف فيحصل به كثرة النظائر وبكثرة النظير لا يحدث قوة في الوصف كالشاهد إذ الخصم إليه أمثاله لا يظهر به عدالته هذا إن جعل الوصف بمنزلة الشاهد وإن جعل بمنزلة الشهادة فكذلك أيضا لأن بكثرة الشهود لا تطهر صحة الشهادة وقولهم فائدة العرض معرفة عدم ما ينقض الوصف أو يعارضه غير مسلم لأنها إنما يحصل إذا كانت الأصول محصورة وليست كذلك فأما فرقهم أي فرق الفريق الأول من أصحاب الشافعي بين الشاهد والوصف بأن الشاهد مبتلى بالطاعة منهي عن المعصية فبعد صلاحه للشهادة يتوهم منه ما يوجب سقوط شهادته لبقاء اختباره فيجب عرض حاله على المزكين بخلاف الوصف فإنه بعد ملاءمته لا يحتمل أن يحدث فيه ما يبطل صلاحيته فيكون العرض فيه احتياطا لا حتما فليس بصحيح لأن الوصف بعد وجود الملاءمة فيه يحتمل أن لا يكون علة كالأكل ناسيا مع صلاحه علة للإفطار لم يجعل علة له لأن الوصف ليس بعلة لذاته بل بجعل الشرع إياه علة فتمكن في أصله بعد ثبوت الملاءمة احتمال أنه علة أم لا فإن ورد عليه معارض أو مناقض ظهر أن الشرع ما جعله علة لأن المعارضة والمناقضة اللازمتين لا تكونان في حجج الشرع وإن لم يظهر بقي محتملا فكان الاحتمال في أصله أي فكان اعتبار الاحتمال المتمكن في أصل الوصف أولى من اعتبار الاحتمال المتمكن في المعترض على الأصل وهو الفسق المعترض على العدالة فإن الأصل في الشاهد هو العدالة وفي كلامه الصدق نظرا إلى العقل والدين الزاجرين عن القبيح ثم لو ثبت المحتمل في الوصف الملائم وهو عدم اعتبار الشرع إياه لم يبق علة أصلا مع ملاءمته ولو ثبت المحتمل في الشاهد وهو الفسق بقي أهلية الشهادة فيه لبقاء الحرية والعقل والإسلام فكان الاحتمال (٣/٥١٩) في الوصف أقوى من الاحتمال في الشاهد فلما منع الاحتمال في العارض عن العمل بشهادة المستور فلأن يمنع الاحتمال في الأصل عن العمل بالوصف كان أولى وأحرى ألا ترى توضيح لقوله لكان الاحتمال في أصله والجواب عن كلامه أي كلام الخصم وهو أن الأثر معنى لا يحس أو لا يعقل أن الأثر معقول أي معلوم من كل محسوس لغة أي بطريق اللغة فإن أهل اللغة يقولون سقاه فأرواه وضربه فأوجعه وكسره فانكسر وهدمه فانهدم فهذه وأمثالها لغات وضعت لآثار أفعال مؤثرة وعيانا أي بطريق المعاينة فإن أثر الدواء المسهل في الإسهال وأثر المشي في الطريق وأثر فعل الباني في البناء يعرف بالحس والمشاهدة ومن كل مشروع معقول أي مفهوم دلالة أي بطريق الاستدلال على ما بيناه من تعرف صدق الشاهد بالاحتراز عن محظور دينه قوله وإنما يظهر ذلك أي كون الأثر معقولا في المشروعات أي معلوما بأمثلة نذكرها وذلك أي ظهور الأثر بالأمثلة على تأويل المذكور تعليل خبر مبتدأ محذوف أي هذا تعليل للطهارة أي طهارة الهرة فإنها لما لم تكن نجسة كانت طاهرة بما ظهر أثره وهو الضرورة كلا الضميرين راجع إلى ما فصح التعليل به أي بالطوف لما يتصل به من الضرورة أي لاتصال الضرورة بالطوف بالتعليل به لدفع نجاسة سؤر الهرة أو لإثبات حكم التخفيف في سؤره يكون استدلالا بعلة مؤثرة ألا ترى أن من أصابته مخمصة فيتناول الميتة أو الدم فإنه سقط اعتبار النجاسة حتى لا يجب عليه غسل الفم ولا غسل اليد لمكان الضرورة كذا رأيت في بعض نسخ أصول الفقه وذكر الشيخ في مختصر التقويم أن قوله صلى اللّه عليه وسلم إنما هي من الطوافين والطوافات عليكم إشارة إلى وصف مؤثر لأن الهرة لما كانت من الطوافين علينا لا يمكن الاحتراز عن سؤرها إلا بحرج عظيم واللّه تعالى ما جعل في الدين من حرج فسقط اعتبار النجاسة دفعا للضرر والحرج وهذا وصف ظهر تأثيره شرعا فإن النجاسة يسقط حكما لمكان العجز والضرورة فإن الميتة (٣/٥٢٠) نجسة بالإجماع خبيثة ثم سقط اعتبار النجاسة حتى حلت عند الضرورة وكذا طهارة البدن شرط لصحة الصلاة لأنها قيام إلى اللّه تعالى فيشترط أن يكون طاهرا ثم إذا كان نجسا وليس معه ما يغسلها يصلي مع النجاسة وإنما سقطت النجاسة لمكان الضرورة وكذا الحدث يسقط العبادة عند عدم الماء فثبت أنه أشار إلى وصف مؤثر شرعا وعقلا أوجب أي النبي صلى اللّه عليه وسلم بهذا النص وهو حديث المستحاضة الطهارة بالدم أي بسببه باعتبار معنى النجاسة الذي له أثر في إيجاب التطهير لا باعتبار معان أخرى من كونه جسما ومائعا ونحوهما أو لم يوجد لها أثر في إيجاب الطهارة وعقله أي إيجاب الطهارة بالانفجار الذي له أثر في الخروج لأنه أي لأن انفجار دم العرق غير معتاد فيجوز أن ينفي معه وجوب الصلاة والتوضؤ بخلاف دم الحيض والنفاس لأن كل واحد منهما معتاده مستدام فيجوز أن يسقط به وجوب الصلاة والتوضؤ للحرج ثم أشار الشيخ إلى أن في هذا الحديث إشارة إلى التعليل لحكم آخر بوصف مؤثر فقال والانفجار آفة ومرض لازم ليس في وسعها رده وإمساكه ولهذا ترد المبيعة به فكان له أي للانفجار اللازم أثر في التخفيف وذلك التخفيف قيام الطهارة مع وجوده في وقت الحاجة وهو وقت الصلاة للضرورة قال الشيخ رحمه اللّه في بعض مصنفاته أن قوله صلى اللّه عليه وسلم لفاطمة بنت حبيش حين سألت عن دم الاستحاضة إنها دم عرق انفجر توضئي وصلي لوقت كل صلاة إشارة إلى أحكام ثلاثة وتعليل لها بأوصاف مؤثرة أحدها وجوب الصلاة والثاني وجوب التوضؤ والثالث الاكتفاء بطهارة واحدة لوقت الصلاة أما الأول فلأن دم الحيض إنما أوجب سقوط الصلاة لأنها عادة راتبة في بنات آدم فإن اللّه تعالى خلقه في أرحامهن لا يمكنهن الاحتراز عنه فلو أوجبنا الصلاة عليهن لأدى إلى الحرج وما في الدين من حرج فسقطت الصلاة عنهن بتلك الدم فأما دم الاستحاضة فدم عرق يوجد بعارض علة لا يكون عادة راتبة فيهن فإيجاب الصلاة معه لا يؤدي إلى الحرج فلم يصر عذرا في سقوط الصلاة والثاني أنه صلى اللّه عليه وسلم علل لوجوب التوضؤ بانفجار الدم وهو تعليل بمعنى مؤثر لأن انفجار الدم مؤثر في إثبات النجاسة إذ الدم بالانفجار يصل إلى موضع يجب تطهير ذلك الموضع منه وللنجاسة أثر في إيجاب الطهارة إذ العبد يقوم بين يدي اللّه تعالى ولا يكون أهلا لذلك إلا بأن يكون طاهرا والثالث قال توضئي لوقت كل صلاة وأشار إلى وصف مؤثر فقال إنها دم عرق انفجر والانفجار عبارة عن السيلان الدائم ومع السيلان (٣/٥٢١) لو وجبت عليها الطهارة لكل حدث لبقيت مشغولة بالطهارة أبدا لا تجد فراغا عنها فلا يمكنها إذا الصلاة فأوجب التوضؤ في وقت الصلاة مرة واحدة ليمكنها أداء الصلاة وأسقط اعتبار الحدث بعده لمكان الضرورة للعجز تأثير في إسقاط النجاسة لما قلنا قوله ومثل قوله أي قول النبي صلى اللّه عليه وسلم لعمر عطف على قوله وذلك مثل قول النبي صلى اللّه عليه وسلم في الهرة وكلمة فقال وقعت زائدة لا حاجة إليها وقوله تعليل خبر مبتدأ محذوف أي هذا تعليل بمعنى مؤثر لأن الفطر نقيض الصوم أي ضده ويجوز أن يكون بمعنى الناقض أي الفطر هو الناقض للصوم لأنه ينافي ركنه وهو الكف عن اقتضاء الشهوتين وليس في القبلة قضاء شهوة الفرج لا صورة لعدم إيلاج فرج في فرج ولا معنى لعدم الإنزال مثل المضمضة فإنه ليس فيها قضاء شهوة البطن لا صورة لعدم وصول شيء إلى الباطن ولا معنى لعدم حصول صلاح البدن بل كل واحد منهما مقدمة لقضاء شهوة فكما أن المضمضة لا تفسد الصوم لعدم معنى الفطر فيها فكذلك القبلة فعلل بمعنى مؤثر وهو أن الصدقة مطهرة للأوزار بقوله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم والوزر الحمل الثقيل والمراد الإثم هاهنا فكانت وسخا كالماء المستعمل وكما أن الامتناع من شرب الماء المستعمل أخذ بمعالي الأمور وكذلك حرمة الصدقة على بني هاشم تعظيم وإكرام لهم ليكون لهم خصوصية بما هو من معالي الأمور فهذا بيان تعليل النبي صلى اللّه عليه وسلم بأوصاف مؤثرة ثم شرع في بيان تعليل الصحابة بها فقال واختلف أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورضي عنهم في الجد يعني مع الإخوة في الميراث فذهب أبو بكر وابن عباس وجماعة رضي اللّه عنهم إلى تفضيل الجد على الإخوة وذهب علي وزيد بن ثابت وجماعة أخرى رضي اللّه عنهم إلى توريث الإخوة مع الجد فضربوا فيه أي في الجد أو فيما اختلفوا فيه بأمثال فقال علي رضي اللّه عنه إنما مثل الجد مع الإخوة مثل شجر أنبت غصنا ثم تفرع من الغصن فرعان فالقرب بين الغصنين أقوى من القرب بين الفرعين والأصل لأن الغصن بين الفرعين والأصل واسطة ولا واسطة بين الفرعين فهذا يقتضي رجحان الأخ على الجد إلا أن بين (٣/٥٢٢) الفرعين والأصل جزئية وبعضية ليست بين الفرعين نفسهما فكان لكل واحد منهما ترجيح فاستويا وقال زيد بن ثابت رضي اللّه عنه مثل الجد مع الحافد كمثل نهرين ينشعبان من واد ثم ينشعب من هذا النهر جدول ومثل الأخوين كمثل نهرين ينشعبان من واد فالقرب بين النهرين المنشعبين من الوادي أكثر من القرب بين الوادي والجدول بواسطة النهر والشعوب جمع شعب وهو ما تشعب من قبائل العرب والعجم وكأنه مستعار هاهنا لما تشعب من الوادي والجدول النهر الصغير واحتج ابن عباس رضي اللّه عنهما فيه أي في ترجيح الجد بقرب أحد طرفي القرابة فقال ألا يتقي اللّه زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابنا ولا يجعل أبا الأب أبا اعتبر أحد طرفي القرابة وهو طرف الأصالة بالطرف الآخر وهو الجزئية في القرب وهذه أمور معقولة بآثارها أي ما ذكروا من التمثيل والاحتجاج بأحد طرفي القرابة على الآخر تعليلات بأوصاف مؤثرة فإن استحقاق الميراث بالقرابة والتمثيل بفروع الشجر وشعوب الوادي لبيان تفاوت القرب بطريق محسوس إلا أن العباس رجح الجد لأن قربه منشعب عن الجزئية كقرب الحافد إذ الحافد متصل بالبنت بواسطة أبيه اتصال جزئية والجد متصل به بواسطة ابنه اتصال جزئية أيضا ثم الحافد وإن سفل باعتبار الجزئية مقدم على الأخ فكذا الجد وهذا لأن القرب باعتبار الجزئية معنى يرجع إلى ذات القرابة والقرب باعتبار المجاورة معنى يرجع إلى حال القرابة والترجيح بالذات أولى من الترجيح بالحال قوله وقد قال عمر لعبادة عن محمد بن الزبير قال استشار الناس عمر رضي اللّه عنه في شراب يرزقه فقال رجل من النصارى إنا نصنع شرابا في صومنا فقال عمر ائتني بشيء منه فأتاه بشيء منه قال ما أشبه هذا بطلاء الإبل كيف تصنعونه قال نطبخ العصير حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه فصب عمر رضي اللّه عنه عليه ماء وشرب منه ثم ناوله عبادة بن الصامت وهو عن يمينه فقال عبادة ما أرى النار تحل شيئا فقال له عمر يا أحمق أليس يكون خمرا ثم يصير خلا ثم تأكله وفي هذا دليل إباحة شرب المثلث وإن كان مشتدا فإن عمر رضي اللّه عنه إنما استشارهم في المشتد دون الحلو وهو ما يكون ممرئا لطعام مقويا على الطاعة في ليالي الصيام وقد أشكل على عبادة فقال ما أرى النار تحل شيئا يعني أن المشتد من هذا الشراب قبل أن يطبخ بالنار حرام فبعد الطبخ كذلك إذ النار لا تحل الحرام فقال له عمر يا أحمق أي يا قليل النظر والتأمل أليس يكون خمرا ثم (٣/٥٢٣) يكون خلا فتأكله يعني أن صفة الخمرية بالتخلل تزول فكذلك صفة الخمرية بالطبخ إلى أن ذهب منه الثلثان تزول ومعنى هذا الكلام أن النار لا تحل ولكن بالطبخ تنعدم صفة الخمرية كالذبح في الشاة عينه لا يكون محللا ولكنه منهر للدم والمحرم هو الدم المسفوح يكون محللا لانعدام ما لأجله كان محرما كذا في المبسوط وهو قوله فعلل بمعنى مؤثر وهو تغير الطباع يعني الطبخ بغير طبعه وللتغير أثر في تبدل الحكم كالمني إذا صار حيوانا صار طاهرا وكذا الحمار إذا وقع في المملحة وصار ملحا والسرقين إذا صار رمادا قوله وقال أبو حنيفة في اثنين اشتريا عبدا إذا ملك الرجل مع آخر قريبه بشراء أو هبة أو صدقة أو وصية عتق نصيبه منه عند أبي حنيفة رحمه اللّه ويسعى العبد لشريكه في نصيبه ولا ضمان على الذي عتق من قبله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما اللّه يضمن لشريكه قيمة نصيبه إن كان موسرا ويسعى العبد لشريكه إن كان معسرا لأن القريب بالشراء صار معتقا لنصيبه فإن شراء القريب إعتاق ولهذا تؤدى به الكفارة والمعتق ضامن لنصيب شريكه إذا كان موسرا كما لو كان العبد بين شريكين فاشترى قريب العبد نصيب أحدهما منه يضمن نصيب الآخر إن كان موسرا ولأبي حنيفة رحمه اللّه أنه أعتقه برضاه أي برضا الشريك فلا يضمن له شيئا لأن للرضاء أثرا في سقوط ضمان العدوان وهذا لأن ضمان العتق يجب بالإفساد أو الإتلاف لملك الشريك فيكون واجبا بطريق الجبران ورضاه بالسبب يغني عن الحاجة إلى الجبران لأن الحاجة إلى ذلك لدفع الضرر عنه وقد اندفع ذلك حكما حين رضي به كما لو أذن له نصا أن يعتقه وكما لو أتلف مال الغير بإذنه وإثبات الرضاء بوجهين أحدهما أنه لما ساعد شريكه على القبول مع علمه أن قبول شريكه موجب للعتق صار راضيا بعتقه على شريكه فهو كما لو استأذن أحد الشريكين صاحبه في أن يعتق نصيبه فأذن له في ذلك والثاني أن المشتريين صارا كشخص واحد لاتحاد الإيجاب من البائع ولهذا لو قيل أحدهما دون الآخر لم يصح قبوله ولم يملك نصيبه به ولا شك أن كل واحد منهما راض بالتملك في نصيبه فيكون راضيا بالتملك في نصيب صاحبه أيضا لما ساعده على القبول بل يصير مشاركا له في السبب بهذا الطريق والمشاركة في السبب فوق الرضاء به إلا أن بهذا السبب يتم علة العتق في حق القريب وهو الملك ولا يتم به علة العتق في حق الأجنبي فكان القريب معتقا دون الأجنبي ولكن (٣/٥٢٤) بمعاونته فيسقط حقه في تضمينه لما عاونه على السبب وهذا الكلام يتضح لأبي حنيفة رحمه اللّه في الشراء ولهذا عين في الكتاب الشراء فقال في اثنين اشتريا عبدا فأما في الهبة والصدقة والوصية فكلامهما أوضح لأنه قبول أحدهما في نصيبه صحيح بدون قبول الآخر إلا أن أبا حنيفة رحمه اللّه يقول هما كشخص واحد أيضا لكن في الهبة والصدقة والوصية قبول الشخص في النصف دون النصف صحيح ثم لا فصل في ظاهر الرواية بين أن يكون الشريك عالما بأن المشتري معه قريب العبد أو لا يكون عالما به وهكذا روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما اللّه لأن سبب الرضاء يتحقق وإن لم يكن عالما به فهو كمن قال لغيره كل هذا الطعام وهو لا يعلم أنه طعامه فأكله المخاطب فليس للآذن أن يضمنه شيئا وكذلك لو قال لشريكه أعتق هذا العبد وهو لا يعلم أنه مشترك بينهما وقد روى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما اللّه أن رضاه إنما يتحقق إذا كان عالما به فأما إذا كان لا يعلم بذلك فله أن يضمن شريكه وروى بشر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهم اللّه أنه إذا لم يكن عالما فله أن يرد نصيبه بالعيب لأنه لا يتم رضاه وقبوله حين لم يكن عالما بأن شريكه معتق وبدون تمام القبول لا يعتق نصيب الشريك فكان هذا بمنزلة العيب في نصيبه فإن لم يكن عالما به كان له أن يرده ولو كان عالما به لم يكن له أن يرده كذا في المبسوط وقال محمد في إيداع الصبي أي في مسألة إيداع الصبي لأنه أي المودع سلطه أي الصبي على استهلاكه أي استهلاك الشيء المودع وهذا إشارة منه إلى المعنى المؤثر لأنه لما مكنه من المال قد سلطه على إتلافه حسا والتسليط يخرج فعل المسلط من أن يكون جناية في حق المسلط بل يكون رضا بالاستهلاك والرضاء بالاستهلاك يسقط الضمان على المسلط للمسلط ثم إنه بقوله احفظ يريد أن يجعل التسليط مقصورا على الحفظ بطريق العقد وهذا في حق البالغ صحيح وفي حق الصبي لا يصح أصلا وفي حق العبد المحجور لا يصح في حالة الرق وخص محمدا بالذكر وإن كان قول أبي حنيفة رحمهما اللّه مثل قوله باعتبار التصنيف وقال الشافعي رحمه اللّه في الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة لأنه أمر رجمت عليه أي هو أمر يفضي إلى أشد العقوبات وأقبحها وهو الرجم والنكاح أمر حمدت عليه لما ورد فيه من الفضائل فأنى يتشابهان وهذا استدلال منه في الفرق بوصف مؤثر فإن ثبوت حرمة المصاهرة بطريق النعمة والكرامة فيجوز أن يكون (٣/٥٢٥) سببها ما يحمد المرء عليه ولا يجوز أن يكون سببها ما يعاقب المرء عليه وهو الزنا الموجب للرجم وأشار أيضا إلى أن الزنا لما كان أمرا يرجم عليه كان واجب الإعدام بأحكامه ولذلك وجب درؤه بالشبهات لينعدم ولا يظهر فثبت أن السبيل فيه الإعدام بآثاره في إثبات حرمة المصاهرة تقريره وإبقاؤه وما يجب إعدامه لا يجوز أن يتعلق به ما يترتب عليه بقاؤه وهذه أي الأوصاف التي ذكرها السلف في هذه المسائل أوصاف ظاهرة الآثار كما بينا وقال الشافعي رحمه اللّه في النكاح إنه لا يثبت بشهادة النساء مع الرجال لأنه أي النكاح ليس بمال ولذلك أي وللمعنى الذي ذكره وهو أنه ليس بمال أثر في هذا الحكم وهو عدم اعتبار شهادتهن في النكاح لأن المال هو المبتذل أي المستهان تجري المساهلة فيه وكثير المعاملة به بين الناس فاحتيج فيه إلى الحجة الضرورية وهي شهادة النساء مع الرجال التي فيها شبهة دفعا للحرج فإن الأصل أن لا يكون لهن شهادة لبناء أمرهن على التستر وعلى الغفلة والضلالة كما قال تعالى أن تضل إحداهما فأما ما ليس بمال مثل النكاح والطلاق ونحوهما فغير مبتذل ولا يكثر فيه البلوى والمعاملة ويكون في محافل الرجال فيجب إثباته بالحجة الأصلية وهي شهادة الرجال وحدهم لعدم تأديته إلى الحرج قوله وليزداد خطره عطف على ما قبله من حيث المعنى وتقديره وأما ما ليس بمال فيجب إثباته بالحجة الأصلية لعدم ابتذاله ولازدياد خطره على ما هو مبتذل فإن احتاج النكاح إلى المقدمات مثل الخطبة والمشاورة في العادات والاستشفاع بالعظماء وإحضار الشهود والولي دل على خطره فلا يثبت إلا بحجة أصلية خالية عن الشبهة فثبت بما قلنا أن طريق تعليل السلف رحمهم اللّه هو التعليل بالوصف المؤثر قوله وعلى هذا الأصل وهو أن اعتبار الملاءمة والتأثير واجب اتباعا للسلف جرينا في الفروع التي اختلفنا فيها مع الفقهاء فقلنا في مسح الرأس يعني في أنه لا يشترط فيه التكرار لإكمال السنة أنه مسح فلا يسن تثليثه كمسح الخف وهو مؤثر لأن معنى المسح مؤثر في التخفيف فإن المسح أيسر من الغسل وتأدي الفرض به دليل التخفيف وقد (٣/٥٢٦) ظهر أثر التخفيف في فرضه حتى لم يشترط استيعاب المحل بالمسح بخلاف المغسولات فلأن يظهر في سنته بأن لم يبق التكرار سنة فيه كان أولى لأن السنة تبع الفرض وأضعف منه فكانت أولى بظهور أثر التخفيف فيها من الفرض فأما قول الخصم إنه ركن في وضوء فغير مؤثر في إبطال التخفيف أي لا ينفي ما ذكرنا من معنى التخفيف لأن مسح الخف ركن ولا يسن تثليثه وكذا المسح في التيمم فعرفنا أنه لا أثر للركنية في إبطال التخفيف وإثبات التكرار وعللنا في ولاية المناكح أي في إثبات ولاية الإنكاح بالصغر وفي انتفائها بالبلوغ حتى كان للأب أن يزوج الثيب الصغيرة كالبكر الصغيرة وليس له أن يزوج البكر البالغة إلا برضاها كالثيب البالغة عندنا والمناكح جمع منكح اسم المكان أو الزمان من النكاح أي ولاية تثبت وقت النكاح أو في مكان النكاح أو جمع منكح بمعنى المصدر من الإنكاح ومجيء المصدر على وزن المفعول قياس في المزيد وهو أي الصغر وصف مؤثر لأنها أي ولاية الإنكاح ما شرعت إلا على وجه النظر للمولى عليه باعتبار عجزه عن مباشرة النكاح بنفسه مع حاجته إلى مقصوده كالنفقة تجب على الولي حقا للعاجز عنها والمؤثر في ذلك الصغر والبلوغ دون الثيابة والبكارة بدليل ثبوت الولاية وانتفائها في المال بالصغر والبلوغ وكذا الولاية على الذكر وانتفاؤها بالصغر والبلوغ فصح التعليل بالعجز وهو الصغر والقدرة وهو البلوغ للوجود والعدم أي لوجود الولاية وعدمها ولم يكن للبكارة والثيابة في ذلك أي في إثبات الولاية وإعدامها أثر وقلنا في صوم رمضان إنه صوم عين فيتأدى بمطلق النية وهذا أي وصف العينية مؤثر في إسقاط وجوب التعيين لأن إيجاب النية في أصل وضعها للتميز بين المحتملين فإيجاب أصل النية في العبادات للتمييز بين العادة والعبادة وإيجاب تعيين الجهة للتمييز بين تلك الجهة وغيرها وذلك أي التمييز إنما يحتاج إلى ذكرها أي ذكر التمييز على تأويل النية عند مزاحمة الغير كما في الصلاة فأما إذا كان المشروع عينا ليس معه غيره فقد ارتفعت الحاجة إلى تمييز الجهة فلا يشترط التعيين وعلل أي الشافعي في اشتراط التعيين بأنه صوم فرض فلا بد من تعيين جهة الفرض كصوم القضاء وكالصلاة ولا أثر للفرضية إلا في إصابة المأمور أي في الإتيان بالمأمور به يعني لا أثر لهذا الوصف في إيجاب التعيين (٣/٥٢٧) وإسقاطه إنما أثره فيما ذكر لا غير فثبت أنا سلكنا طريق السلف في اعتبار الوصف المؤثر في القياس وهذا أي اعتبارنا الوصف المؤثر في الفروع المختلف فيها أكثر من أن يحصى قوله فإن قيل التعليل بالأثر إلى آخره قال الإمام شمس الأئمة رحمه اللّه في تقرير هذا السؤال كيف يستقيم هذا أي التعليل بالمؤثر والقياس لا يكون إلا لفرع وأصل فإن المقايسة تقدير الشيء بالشيء وبمجرد ذكر الوصف بدون الرد إلى أصل لا يكون قياسا ثم أجاب فقال قد قال بعض مشايخنا هذا النوع من التعليل عند ذكر الأصل يكون مقايسة وبدون ذكر الأصل يكون استدلالا بعلة مستنبطة بالرأي بمنزلة ما قاله الخصم إن تعليل النص بعلة تتعدى إلى الفرع يكون مقايسة وبعلة لا تتعدى لا يكون مقايسة لكن يكون بيان علة شرعية للحكم ثم قال والأصح عندي أن يقال هو قياس على كل حال فإن مثل هذا الوصف يكون له أصل في الشرع لا محالة ولكن يستغنى عن ذكره لوضوحه وربما لا يقع الاستغناء عنه فذكر مما يقع الاستغناء عن ذكره ما قلنا في إيداع الصبي لأنه سلطه على ذلك فإنه لهذا الوصف يكون مقيسا على أصل واضح وهو أن من أباح الصبي طعاما فتناوله لم يضمن لأنه بالإباحة سلطه على تناوله وتركنا ذكر هذا الأصل لوضوحه ومما يذكر فيه الأصل ما قال علماؤنا رحمهم اللّه في طول الحرة إنه لا يمنع نكاح الأمة أن كل نكاح يصح من العبد بإذن المولى فهو صحيح من الحر كنكاح حرة وهذا إشارة إلى معنى مؤثر وهو أن الرق ينصف الحل الذي يبتني عليه عقد النكاح شرعا ولا يبدله بحل آخر فيكون الرقيق في النصف الباقي بمنزلة الحر في الكل لأنه ذلك الحال بعينه ولكن في هذا المعنى نوع غموض فيقع الحاجة إلى ذكر الأصل فيثبت أن جميع ما ذكرنا استدلال بالقياس في الحقيقة وأنه موافق لطريق السلف في تعليل الأحكام الشرعية يسمى ما لا أصل له علة شرعية أي ثابتة بالشرع جعلها الشرع علة فيكون بمنزلة نص لا يحتاج إلى أصل آخر مثل قوله عليه السلام إنها من الطوافين والطوافات عليكم على ما قلنا يعني في أول هذا الكلام أن الأثر لا يكون إلا بأصل مجمع عليه لكنه أي الأصل مسكوت عنه لوضوحه أي لظهوره واللّه أعلم (٣/٥٢٨) |