باب الصريح والكنايةإنما أعاد ذكر نظائر الصريح بعدما ذكر بعضها في أول الكتاب ليبني عليه بيان الحكم إذ هو مقصود الباب وحكمه أي حكم الصريح تعلق الحكم الشرعي تعين الكلام أي بنفسه وقيامه أي قيام الكلام الذي هو الصريح مقام معناه الذي دل عليه سواء كان حقيقة أو مجازا من غير نظر إلى أن المتكلم أراد ذلك المعنى أو لم يرد وهو معنى قوله حتى استغنى أي الصريح في إثبات الحكم عن العزيمة فإذا أضاف الطلاق أو العتاق مثلا إلى المحل فبأي وجه أضافهما يثبت الحكم حتى لو قال يا حر أو يا طالق أو أنت حر أو أنت طالق أو حررتك أو طلقتك يكون إيقاعا نوى أو لم ينو لأن عينه أقيم مقام معناه في إيجاب الحكم لكونه صريحا فيه وكذلك لو أراد أن يقول سبحان اللّه فجرى على لسانه أنت حر أو أنت طالق ثبت العتاق والطلاق لما ذكرنا أما لو أراد أن يصرف الكلام بالنية عن موجبه إلى محتمله فله ذلك فيما بينه وبين اللّه تعالى فإذا نوى في قوله أنت طالق رفع حقيقة القيد يصدق ديانة لا قضاء وفصل الطلاق والعتاق عن النظائر المذكورة بقوله وكذلك الطلاق والعتاق لأنهما من الإسقاطات وتلك النظائر من العقود قوله وحكم الكناية أن لا يجب العمل به أي بهذا اللفظ إلا بالنية أو ما يقوم مقامها من دلالة الحال لأنه أي لفظ الكناية مستتر المراد فكان في ثبوت المراد تردد فلا يوجب الحكم ما لم يزل ذلك الاستتار والتردد وذلك مثل المجاز قبل أن يصير متعارفا أي من نظائر الكناية المجاز الذي لم يتعارف بين الناس لأن المتكلم باستعماله في غير موضوعه ستر المراد عن السامع فصار المراد في حقه في حيز التردد فكان كناية (٢/٣٠٥) فأما إذا صار متعارفا فقد صار صريحا مثل قوله لا يضع قدمه في دار فلان فإنه عبارة عن الدخول مجازا وشاع استعماله فيه فصار صريحا ولذلك أي ولاستتار المراد سمى أسماء الضمير كناية وقد بيناه في أول الكتاب قوله وسمى الفقهاء يعني أنهم سموا الألفاظ التي لم يتعارف إيقاع الطلاق بها كنايات بطريق المجاز لا بطريق الحقيقة لأن الكناية الحقيقية هي مستترة المراد والمعنى وهذه الألفاظ معلومة المعاني غير مستترة على السامع لأن كل أحد من أهل اللسان يعلم معنى البائن والحرام وألبتة ونحوها فلا يكون كنايات حقيقة ثم بين وجه تسميتها كنايات بطريق المجاز بقوله لكن الإبهام فيما يتصل هذه الألفاظ به وتعمل فيه لأن البائن مثلا يدل على البينونة ولا بد لها من محل تحله وتظهر أثرها فيه ومحلها الوصلة وهي مختلفة متنوعة قد تكون بالنكاح وقد تكون بغيره فإذا كان كذلك استتر المراد لوقوع الشك في المحل الذي يظهر أثرها فيه لأنا لا ندري أي محل أراده فلذلك أي لهذا الإبهام الذي ذكرنا شابهت هذه الألفاظ الكنايات الحقيقية فسميت هذه الألفاظ بذلك أي باسم الكناية مجازا ولهذا الإبهام الذي ذكرنا احتيج فيها إلى النية ليتعين البينونة عن وصلة النكاح عن غيرها فإذا وجدت النية أي نوى وصلة النكاح وزال الإبهام ظهر أثر البينونة فيها وكان اللفظ عاملا بنفسه وهو معنى قوله وجب العمل بموجباتها أي بمقتضيات هذه الألفاظ نفسها من غير أن يجعل عبارة عن صريح الطلاق وكناية عنه كما قال الشافعي رحمه اللّه فإن قيل لا نسلم إنما سميت كنايات مجازا بل هي كنايات على الحقيقة لأن الكناية ما هو مستتر المراد على ما ذكر الشيخ في أول الكتاب وإذا قال أنت علي حرام فالمراد مستتر على السامع بدون القرينة الدالة عليه فكان داخلا في حد الكناية بل الاستتار فيه أقوى منه في قوله طويل النجاد لأنه يمكن أن يتوصل إلى مراد المتكلم وهو طول القامة بالتأمل في قرائن الكلام ولا يمكن أن يتوصل إلى المراد في قوله أنت علي حرام إلا ببيان من جهة المتكلم بمنزلة المجمل وقوله هذه الكلمات معلومة المعاني لا يجد به نفعا لأنها مع كونها معلومة المعاني مستترة المراد وكل كناية بهذه المثابة فإن قوله طويل النجاد كثير الرماد معلوم المعنى لغة ولكنه مستتر المراد قلنا قد ذكرنا في أول الكتاب أن مبنى الكناية على الانتقال من اللازم إلى الملزوم (٢/٣٠٦) فإنك في قولك طويل النجاد تتنقل من طول النجاد مع أنك تريده إلى طول القامة ومن كثرة الرماد إلى ملزومه وهو الجود هذا هو الأصل في الكنايات وفي هذه الألفاظ لا انتقال من معانيها إلى شيء آخر فإنك في قولك أنت بائن أو أنت حرام لا تتنقل من البينونة والحرمة إلى شيء آخر بل تقتصر عليهما إذ لم يكن شيء آخر هو المراد سواهما فلما لم يوجد فيها ما هو الأصل فيها وهو الانتقال إلى شيء آخر لا تكون كنايات على الحقيقة ولا نسلم على ما بينا أن ما هو المراد منها مستتر على السامع فإن المراد منها البينونة والحرمة والقطع ونحوها وهو معلوم للسامع إلا أن محل عملها مستتر عليه كما ذكرنا فلا يكون ما هو المراد مستترا مطلقا بخلاف قوله طويل النجاد فإن طوله ليس بمقصود أصلي بل المقصود الكلي طول القامة وذلك مستتر وتبين بما ذكرنا أنه أراد بقوله هذه كلمات معلومة المعاني غير مستتر المعاني التي هي المراد للمتكلم يعني أنها معلومة المراد والاستتار في محل عملها فتخرج به عن حد الكناية الذي ذكره قوله ولذلك أي ولأن هذه الألفاظ عاملة بنفسها جعلناها بوائن لأن معناها يدل على البينونة والقطع والحرمة على ما عرف وقوله وانقطعت بها الرجعة تفسير لكونها بوائن والمسألة مختلفة بين الصحابة رضي اللّه عنهم فذهب علي وزيد بن ثابت رضي اللّه عنهما إلى أن الواقع بهذه الألفاظ بوائن وبه أخذ علماؤنا وذهب عمر وعبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنهما إلى أن الواقع بها رواجع وبه أخذ الشافعي ولقلب المسألة الكنايات بوائن أم لا وهذا اللقب على أصله مستقيم لأن عنده هذه الألفاظ كنايات عن لفظ الطلاق حقيقة مثل كنايات العتاق وكنايات النكاح على أصلنا كالهبة والبيع والتمليك وعندنا هذا اللقب مجاز كما بينا والاختلاف في الحقيقة راجع إلى أن ما يملك الزوج إيقاعه نوع واحد عنده وهو الطلاق فأما إيقاع البينونة فليس في ولايته وإنما تقع حكما لسقوط العدة أو لثبوت الحرمة الغليظة ولوجوب العوض وعندنا الطلاق نوعان رجعي وبائن فكما يملك الزوج إيقاع الرجعي يملك إيقاع البائن وإذا ثبت هذا كانت هذه الألفاظ كنايات عن الطلاق حقيقة عنده لأنه لا يمكن أن تجعل عاملة بنفسها إذ ليس في ولايته إيقاع البائن وعندنا لما كان في ولايته ذلك جعلناها عاملة بنفسها وحقيقتها إذ لا ضرورة في العدول عن الحقيقة إلى غيرها حجة الشافعي قوله تعالى الطلاق مرتان الآية ذكر الطلاق (٢/٣٠٧) بغير بدل وشرع بعده الرجعة وذكر الطلاق ببدل ولم يذكر الرجعة وذكر الثلاث وبين أنها لا تحل له فمن قال إن الطلاق القاطع للرجعة بغير بدل مشروع فقد خالف النص ولأنه لما تبين أن السبب القاطع للرجعة في الشرع لم يجعل قاطعا إلا بالعوض أو بمعنى العدة أو بإثبات الحرمة لم يملك الزوج تغيير ذلك بالتنصيص على القطع كالهبة لما شرعت موجبة للملك مع القرينة وهي القبض لا يكون له أن يجعلها موجبة بنفسها بالتنصيص بأن قال وهبت لك هبة توجب الملك بنفسها قبل القبض لأن العبد لا يملك تغيير حكم الشرع ولا معنى لقولكم إن الطلاق وقع في ضمن قوله بائن فلا يجوز أن يلغو صريحه لأنا لا نوقع الطلاق في ضمنه بل نجعل قوله بائن عبارة عن الطلاق مجازا ومتى صار مجازا في غيره سقط حقيقة في نفسه وكان الرجل في هذه بمنزلة امرأة قال لها زوجها طلقي نفسك فقالت أبنت نفسي أو أنا بائن فإنها تطلق تطليقة رجعية بلا خلاف لأنها لم تملك إلا طلاقا وبائن إنما يعمل على سبيل العبارة عنه لا على حقيقته فكذلك الزوج لأن اللّه تعالى ما ملكه إلا بأنه على حقيقتها وما شرعها له والدليل عليه أنه لو طلق امرأته بعد الدخول ثبت له خيار الرجعة ولو قال أسقطت الخيار أو قال طلقت على أن لا رجعة لي عليك لم يسقط لأنه لم يجعل إليه إسقاطه فكذلك إذا قال أبنت أو أنت طالق بائن لا يثبت البينونة لأنه لا يستفيد به إلا إسقاط خيار الرجعة وحجتنا الإبانة تصرف من الزوج في ملكه فيصح كإيقاع أصل الطلاق وبيانه أن الطلاق بالنكاح مملوك للزوج وما صار مملوكا إلا للحاجة إلى التقصي عن عهدة الملك وذلك بإزالة الملك والإبانة وكذلك قبل الدخول الإبانة مملوكة للزوج بملك النكاح وبالدخول يتأكد ملكه فلا يبطل ما كان ثابتا له من ولاية الإزالة وكذلك يملك الاعتياض عن إزالة الملك وإنما يملك الاعتياض عما هو مملوك له فثبت أن الإبانة مملوكة له فكان إيقاع البينونة تصرفا منه في ملك نفسه فيجب إعماله ما أمكن وكان ينبغي على هذا الأصل أن يزول الملك بنفس الطلاق إلا أن حكم الرجعة بعد صريح الطلاق ثبت شرعا بخلاف القياس وما ثبت بخلاف القياس لا يلحق به ما ليس في معناه والبائن ليس في معناه لأنه لا يجامع النكاح بخلاف الطلاق فإنه يجامعه فإن من تزوج المطلقة صارت منكوحة ولم يرتفع الطلاق الأول ولا انقطع أصل حكمه حتى لو طلقت ثنتين حرمت حرمة غليظة فكانت مطلقة منكوحة فكذلك مع خيار الرجعة بقيت مطلقة منكوحة ومع صفة الإبانة والتحريم لا يتصور قيام النكاح لا يقال حرام حلال مبادلة عن زوجها منكوحة فإذا لم يكن في معنى المنصوص يؤخذ فيه بأصل القياس وكان قوله أنت طالق محتملا للطلاق المبين (٢/٣٠٨) وغير المبين فكان قوله بائن تعيينا لأحد المحتملين كما إذا قال بعت يحتمل البيع بخيار والبيع البات فإذا قال بيعا باتا يزول هذا الاحتمال وهذا بخلاف الهبة فإنها لا توجب الملك لضعفها في نفسها حتى يتأيد بما يقويها وهو القبض وبشرطه لا يتقوى وههنا قوله أنت طالق لا يزيل الملك بنفسه لا لضعفه فإنه قوي لازم بل لأنه غير مناف للنكاح فإذا قال تطليقة بائنة فقد زال ذلك المعنى حين صرح بما هو مناف للنكاح وما استدل به الخصم راجع إلى أن لا دليل على كون الإبانة مشروعة والاحتجاج بلا دليل ساقط وقد أقمنا الدلالة على ذلك فتبين أن الخصم إن لم يقس فقد احتج بلا دليل وإن قاس قاس على المعدول عن القياس وإن الاستدلال الصحيح معنا كذا في الأسرار والمبسوط قوله إلا في قول الرجل اعتدي استثناء من قوله سميت كنايات مجازا أو من قوله وجب العمل بموجباتها من غير أن تجعل عبارة عن الصريح أي إلا في قوله اعتدي فإنه يجعل عبارة عن الصريح وكناية عنه حقيقة لأنه لما تعذر إعمال اللفظ بحقيقته يجعل كناية عن الطلاق لأن الاعتداد من لوازمه على ما هو الأصل فيكون اعتدي ذكر اللازم وإرادة الملزوم كما قال الشافعي في سائر الألفاظ ولهذا يقع الطلاق به في غير المدخول بها بمنزلة قوله أنت واحدة ويجوز أن يكون استثناء من قوله ولهذا جعلناها بوائن وهو الأظهر يعني الواقع بهذا اللفظ عند النية تطليقة رجعية لا بائنة لأن وقوع البينونة باعتبار دلالة اللفظ عليها بحقيقته هذا اللفظ للحساب يقال اعتدد مالك أي احتسب عدد مالك ولا أثر للحساب في قطع النكاح وإزالة الملك فلا يمكن أن يجعل عاملا بنفسه إلا أن قوله اعتدي محتمل في نفسه يجوز أن يكون المراد اعتدي نعم اللّه عليك أو اعتدي نعمي عليك أو اعتدي الدراهم أو اعتدي من النكاح أي احسبي الأقراء فإذا نوى الأقراء وجب أي ثبت بهذه النية أو بهذه النية بعد النية الطلاق بعد الدخول بطريق الاقتضاء لأنه لما أمرها بالاعتداد أو لم تكن واجبا عليها قبل لا بد من تقديم ما يوجبه ليصح الأمر به فقدم الطلاق عليه ضرورة صحة الأمر والضرورة يرتفع بإثبات أصل الطلاق فلا حاجة إلى إثبات وصف زائد وهو البينونة فلذلك أي لكونه ثابتا بطريق الاقتضاء كان رجعيا ولا تقع أكثر من واحدة وإن نوى قوله وقبل الدخول جعل مستعارا محضا عن الطلاق لأنه لا يمكن إثباته بطريق الاقتضاء إذ لا بد للمقتضي من ثبوت المقتضى ولا وجود للمقتضي ههنا وهو الاعتداد (٢/٣٠٩) لأنه غير ثابت قبل الدخول بالنص والإجماع فجعل مستعارا محضا عن الطلاق أي للطلاق لأن الطلاق سبب لوجود الاعتداد فجاز أن يستعار الحكم لسببه وفي قوله محضا إشارة إلى أن في إثبات الطلاق بعد الدخول بطريق الاقتضاء جهة من المجاز من حيث إنه ليس بمذكور حقيقة وإن كان فيه جهة الحقيقة أيضا من حيث إنه بمنزلة المنطوق فأما إثباته قبل الدخول فمجاز محض ليس فيه جهة الحقيقة لأنه ليس بمنطوق تحقيقا ولا تقديرا فإن قيل كيف صحت استعارة المسبب للسبب وقد تقدم في باب أحكام الحقيقة والمجاز أنها لا يجوز قلنا قد بينا في ذلك الباب أن المسبب إذا كان مختصا بالسبب جازت الاستعارة من الطرفين يؤيده ما ذكره الشيخ في بعض مصنفاته في أصول الفقه أن الطلاق يوجب العدة على ما عليه الأصل لا ينفك العدة عن الطلاق ولا الطلاق عن العدة على ما هو الأصل في النكاح إذ النكاح للدخول لا لعدم الدخول فكان الدخول فيه أصلا لا عارضا والسبب إذا كان متصلا بالمسبب كاتصال المسبب بالسبب يجوز أن يصير أحدهما كناية من الآخر كما في قوله تعالى إخبارا إني أراني أعصر خمرا وكما في العلة مع المعلول ولا يقال العدة لا تختص به فإنها تجب على أم الولد من غير طلاق لأنا نقول لما صارت هي فراشا أخذت حكم المنكوحة وأخذ زوال هذا الفراش شبها بالطلاق فأوجب العدة لأنها تثبت بالشبهة أو نقول المراد من السبب العلة كما يقال النكاح سبب الحل والبيع سبب الملك والمراد العلة وهذا لأنهم يطلقون اسم السبب على ما وضعه الشرع علة لحكم واسم العلة على ما يستنبط بالرأي وكون الطلاق علة لوجوب العدة من أوضاع الشرع فسمي سببا وهو في الحقيقة علة وفي كلام الشيخ إشارة إليه حيث قال فاستعير الحكم لسببه ولم يقل فاستعير المسبب لسببه إذ الحكم يذكر في مقابلة العلة والمسبب في مقابلة السبب ولا يلزم عليه تخلف الحكم عنه في غير المدخول بها لأن ذلك لفوات الشرط وهو الدخول وقبل الطلاق وإن كان سببا في حق هذا الحكم على التحقيق لأنه لم يوضع له لكنه في حق ما يبتنى عليه جواز الاستعارة وهو الاتصال بمنزلة العلة فإن الطلاق لا يعمل عمله إلا بشرط انقضاء العدة والمشروط متصل بالشرط لا محالة وفيه ضعف لأن كلامنا في غير المدخول بها وليس انقضاء العدة شرطا فيها وفي الجملة القول بعدم جواز استعارة المسبب للسبب مشكل لأنه خلاف مختار أهل اللغة وعامة الأصوليين وذكر في بعض الشروح أنه لا يصح أن يجعل اعتدي مستعارا (٢/٣١٠) للطلاق لأنه إما أن يجعل عبارة عن قوله أنت طالق أو مطلقة أو طلقتك أو طلقي نفسك لا يجوز الثلاثة الأولى للاختلاف في الصيغة لأن اعتدي أمر والأول والثاني ليسا بفعلين فضلا عن الأمر والثالث إنشاء أو إخبار وليس بأمر ولا بد للاستعارة من التوافق في الصيغة ألا ترى أن قوله وهبت ابنتي منك وقوله زوجت ابنتي منك متوافقان صيغة وكذا الرابع لأنه لو قال لها طلقي لا يقع الطلاق بهذا اللفظ وإن نوى وأجيب بأنا نجعله مستعارا وعبارة عن قوله كوني طالقا وقد صرح في الخلاصة بأنه لو قال لها تو طلاق باش أو طلاق شو تطلق من غير نية والأظهر أن تقدير الكلام اعتدي لأني طلقتك فاكتفى بذكر الحكم عن ذكر السبب فكان من باب الإضمار وأنه من أنواع المجاز يؤيده ما ذكره شمس الأئمة في المبسوط والإمام البرغري في طريقته أن وقوع الطلاق بطريق الإضمار في كلامه فكأنه قال طلقتك فاعتدي ولهذا قلنا إنه وإن تكلم بهذا اللفظ قبل الدخول يعمل نيته في الطلاق ولا عدة عليها قبل الدخول فعرفنا أن اللفظ غير عامل فيه ولكن الطلاق مضمر فيه عند نيته قوله وكذلك أي وكقوله اعتدي قوله استبرئي رحمك لأنه بمنزلة التفسير لقوله اعتدي إذ هو تصريح بما هو المقصود من العدة إلا أن طلب الاستبراء يحتمل أن يكون للوطء وطلب الولد ويحتمل أن يكون للتزوج بزوج آخر فاحتاج إلى النية فإذا وجدت النية يثبت الطلاق بعد الدخول اقتضاء وقبله استعارة كما بينا وقد جاءت السنة يعني ما ذكرنا مؤيد بالسنة ومستفاد منها فإنه عليه السلام قال لسودة بنت زمعة بفتحتين اعتدي ثم راجعها وذلك حين دخل النبي عليه السلام عليها وهي تبكي على من قتل من أقاربها يوم بدر وترثيهم بإشعار أهل مكة فكره النبي عليه السلام ذلك منها فقال لها اعتدي فندمت على ذلك واستشفعت إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ووهبت نوبتها لعائشة رضي اللّه عنها وقالت إني أكتفي بأن أبعث من أزواجك يوم القيامة فراجعها النبي صلى اللّه عليه وسلم قوله وكذا أنت واحدة يعني وكقوله اعتدي قوله أنت واحدة في أنه يقع به طلاق رجعي عند النية وقال الشافعي رحمه اللّه لا يقع بهذا اللفظ شيء وإن نوى لأن واحدة صفة لها وهي لا يحتمل طلاقا فلغت النية كما إذا قال لها أنت قاعدة ونوى طلاقا إلا أنا نقول يجوز أن يكون قوله واحدة نعتا لها أي واحدة عند قومك أو منفردة عندي ليس لي معك غيرك أو واحدة نساء البلد في الحسن والجمال ويحتمل أن يكون نعتا لتطليقة بطريق حذف الموصوف وإقامة الوصف مقامه كقولك أعطيته جزيلا أي عطاء (٢/٣١١) جزيلا فلا يقع الطلاق بدون النية فإذا نوى صار كأنه قال أنت تطليقة واحدة ولو قال هكذا ونوى طلاقا صح فإنها بنفسها لا يكون تطليقة ولكن يكون طالقا تطليقة فيصير تطليقة قائمة مقام طالق فتنعت نعته كذا في الأسرار والمبسوط ورأيت في التهذيب لمحبي السنة من أصحاب الشافعي ولو قال لها أنت واحدة ونوى الطلاق ثنتين أو ثلاثا فيه وجهان أحدهما لا يقع إلا واحدة لأن منويه خلاف ملفوظه والطلاق يقع باللفظ ومراعاة اللفظ أولى والثاني وهو الأصح يقع ما نوى ومعنى واحدة أي تتوحدين مني بهذا العدد فكان ما ذكره أصحابنا غير مأخوذ عندهم وعن بعض مشايخنا رحمهم اللّه أنه إذا رفع الواحدة لا تطلق وإن نوى لأنها ولا تصلح نعتا للطلقة فيصير خبر المبتدأ وإن نصبها تطلق من غير نية لأنها حينئذ لا يصلح نعتا إلا للطلقة وإن أسكن الهاء فحينئذ يحتاج إلى النية والمختار أن حكم الكل واحد في الاحتياج إلى النية لأن العوام لا يميزون بين وجوه الإعراب كان دلالة يعني إذا نوى به الطلاق كان هذا اللفظ دالا على صريح الطلاق بالطريق الذي ذكرنا فكان معقبا للرجعة لا عاملا بموجبه إذ موجبه التوحيد ولا أثر لذلك في البينونة وقطع النكاح بخلاف البائن ونحوه فإنه مؤثر بموجبه على ما بينا قوله والأصل في الكلام هو الصريح لأن الكلام موضوع للإفهام والصريح هو التام في هذا المقصود وصار جنس الكناية بمنزلة الضرورات يعني لما كان المقصود هو الإفهام من الكلام وذلك يحصل بالصريح لا يلتفت إلى غيره لقصوره في هذا المعنى إلا عند الضرورة وهي عدم الصريح ولهذا أي ولأن في الكناية قصورا عن البيان قلنا إن حد القذف لا يجب إلا بتصريح النسبة إلى الزنا بأن قال زنيت أو أنت زان وكذا في الإقرار على نفسه ببعض الأسباب الموجبة للحد لا يستوجب العقوبة ما لم يذكر اللفظ الصريح فإذا قال جامعت فلانة أو واقعتها أو وطئتها لا يحد ما لم يقل نكتها وكذا لو قال لامرأة جامعك فلان جماعا حراما أو قال لرجل فجرت لفلانة أو جامعتها لا يجب عليه حد القذف لأنه ما صرح بالقذف بالزنا لم يحد المصدق عندنا وقال زفر رحمه اللّه يحد لأن معنى قوله صدقت أنه زان فيكون قاذفا له كما إذا قال له هو كما قلت ولكنا نقول إنه ما صرح بنسبته إلى الزنا فلا يحد وذلك لأنه إنما يلفظ بما هو شبيه بالكناية عن القذف لاحتمال التصديق وجوها مختلفة أي كنت صادقا فيما مضى فكيف تكلمت بهذه الكلمة القبيحة أو صدقت في إنجاز وعدك بنسبته إلى الزنا ويحتمل السخرية والاستهزاء أيضا وإن كان باعتبار الظاهر يفهم منه تصديقه في نسبته إلى الزنا ولكن الظاهر لا يكفي (٢/٣١٢) لإيجاب الحد بخلاف قوله هو كما قلت لأنه بمنزلة الصريح في النسبة إلى الزنا لأنه لا يحتمل وجها آخر ولأن أكثر ما في الباب أن يجعل قوله صدقت كصريح القذف بالزنا إلا أنه لم يتصل بالمقذوف لأنه خطاب للرامي لا للمقذوف وإذا لم يتصل به لم يكن قذفا له وإنما يتصل به اقتضاء صدق الأول فيما رماه والحد يسقط بالشبهة فلا يثبت بالمقتضى لأنه ضروري بخلاف قوله هو كما قلت لأنه اتصل به لأن هو إخبار عنه على سبيل المغايبة كقولك أنت في المخاطبة كذا في الأسرار والتعويض نوع من الكناية يكون مسوقا لموصوف غير مذكور كما نقول في عرض من يؤذي المؤمنين المؤمن هو الذي يصلي ويزكي ولا يؤذي أخاه المسلم ويتوصل بذلك إلى نفي الإيمان عن المؤذي كذا في المفتاح وفي الكشاف الفرق بين الكناية والتعريض هو أن الكناية أن تذكر الشيء بغير لفظه الموضوع والتعريض أن تذكر شيئا يدل به على شيء لم تذكره كما يقول المحتاج للمحتاج إليه جئتك لأسلم عليك ولأنظر إلى وجهك الكريم فكأن إمالة الكلام إلى عرض يدل على الغرض ويسمى التلويح لأنه يلوح منه ما تريده فإذا عرض بالزنا قال أما أنا فلست بزان فلا حد عليه عندنا وقال مالك رحمه اللّه يحد والاختلاف بين الصحابة فعمر رضي اللّه عنه كان لا يوجب الحد في مثل هذا ويقول المقصود بهذا اللفظ في حالة المخاصمة مع الغير نسبة صاحبه إلى شين وتزكية نفسه لا أن يكون قذفا للغير وأخذنا بقوله لا لأنه إن تصور معنى القذف بهذا اللفظ فهو بطريق المفهوم والمفهوم ليس بحجة قوله فكان بمنزلة الصريح لما عرف قال شمس الأئمة في قوله هو كما قلت أن كاف التشبيه يوجب العموم عندنا في المحل الذي يحتمله ولهذا قلنا في قول علي رضي اللّه عنه إنما أعطيناهم الذمة وبذلوا الجزية ليكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا أنه مجرى على العموم فيما يندرئ بالشبهات كالحدود وما يثبت بالشبهات كالأموال فهذا الكاف أيضا موجبه العموم لأنه حصل في محل يحتمله فيكون نسبة له إلى الزنا قطعا بمنزلة كلام الأول على ما هو موجب العام عندنا وإنما لم يعتق العبد في قوله أنت كالحر لأن العمل بحقيقة الأخبار ممكن في حرمة الدم ووجوب العبادات وغير ذلك فلا نصير إلى المجاز وهو الإنشاء ولو قلنا بالعموم يلزم منه الجمع بين الحقيقة والمجاز واللّه أعلم (٢/٣١٣) |