باب حروف الجرسميت حروف الجر لأنها تجر فعلا إلى اسم نحو مررت بزيد أو اسما إلى اسم نحو المال لزيد وسميت حروف الإضافة لأن وضعها على أن تفضي بمعاني الأفعال إلى الأسماء الباء للإلصاق هو معناها بدلالة استعمال العرب وهو أقوى دليل في اللغة كالنص في أحكام الشرع وليكون عطف على الدليل الأول معنى أي للاستعمال ولأجل أن يكون للباء معنى يختص الباء بذلك المعنى نفيا للاشتراك هو له حقيقة أي يكون ذلك المعنى للباء معنى حقيقيا ثم الإلصاق يقتضي طرفين ملصقا وملصقا به فما دخل عليه الباء فهو الملصق به والطرف الآخر هو الملصق ففي قولك كتبت بالقلم الكتابة ملصق والقلم ملصق به ومعناه ألصقت الكتابة بالقلم ولما كان المقصود في الإلصاق إيصال الفعل بالاسم دون عكسه إذ المقصود من قولك كتبت بالقلم ونحرت بالقدوم وقطعت بالسكين وضربت بالسيف ونحوها إلصاق هذه الأفعال بهذه الأشياء دون العكس كان الملصق أصلا والملصق به تبعا بمنزلة الآلة للشيء ولهذا صحبت الباء الأثمان أي لما ذكرنا أنها للإلصاق وأن الإلصاق يقتضي طرفين ملصقا وملصقا به والملصق هو الأصل والملصق به هو التبع صحبت الباء الأثمان لأن الثمن ليس بمقصود في البيع بل هو تبع بمنزلة الآلة ألا ترى أن الغرض الأصلي في البيع الانتفاع بالمملوك وذلك يحصل بما هو مبيع لا بما هو ثمن لأنه في الغالب من النقود وهي ليست بمنتفع بها في ذواتها وإنما هي وسيلة إلى حصول المقاصد كالآلة (٢/٢٥٠) للشيء ولهذا يجوز البيع وإن لم يملك الثمن ولا يجوز بيع ما ليس عنده إذا أدخل الباء في الكر الموصوف صار ثمنا بدلالة الباء وينعقد البيع مساومة ووجب الكر في الذمة حالا كما إذا سمي دراهم أو دنانير لأن المكيل والموزون مما يجب في الذمة ويصح التصرف فيهما قبل القبض بالاستبدال كما في سائر الأثمان وإن أدخل الباء في العبد المشار وأضاف العقد إلى الكر الموصوف انعقد سلما ويصير العبد رأس مال السلم بدلالة الباء لأن رأس المال هو الثمن في السلم ويصير الكر مبيعا لإضافة العقد إليه فيعتبر شرائط السلم من التأجيل وقبض رأس المال في المجلس وعدم صحة الاستبدال به قبل القبض وبيان مكان الإيفاء عند أبي حنيفة رحمه اللّه قوله إن أخبرتني بقدوم فلان إلى آخره قال الشيخ رحمه اللّه في شرح الجامع الإخبار يقتضي مفعولين أحدهما الذي يبلغه والثاني الكلام الذي يصلح دليلا على المعرفة فإذا قال إن أخبرتني بقدوم فلان كان القدوم مشغولا بالخافض فلم يصلح مفعول الخبر لا حقيقة ولا مجازا لأن المشغول لا يشغل فاحتيج إلى مفعول آخر هو كلام كأنه قال إن أخبرتني خبرا ملصقا بقدومه فبقي القدوم واقعا على حقيقته فعلا وإلصاق الخبر بالقدوم لا يتصور قبل وجوده والباء للإلصاق فلذلك اقتضى وجوده فأما إذا قال إن أخبرتني أن فلانا قدم فالمخبر به هو القدوم وهو المفعول والقدوم بحقيقته لا يصلح مفعول الخبر فصار عبارة عن التكلم به فصار التكلم به شرطا للحنث كأنه قال إن تكلمت بهذا فعبدي حر ولا يلزم عليه قوله إن كنت تحبيني بقلبك فكذا فقالت كاذبة أحبك حيث تطلق خلافا لمحمد مع أن محبته لم تلتصق بقلبها لأن اللسان جعل خلفا عن القلب لعدم إمكان الاطلاع على ما في القلب فلم يلتفت إليه فأما القدوم فأمر محسوس فاعتبر الإلصاق به وهذا أيضا بخلاف قوله إن أعلمتني أن فلانا قدم فعبدي حر فأعلمه حيث لم يحنث إلا أن يكون حقا كما لو قال إن أعلمتني بقدومه لأن الإعلام ما يفيد (٢/٢٥١) العلم والباطل لا يسمى علما وإنما العلم اسم للحق فلم يكن الإخبار بالباطل إعلاما فإن قيل الإخبار الإعلام والخبر العلم قال تعالى إخبارا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا أي علما ألا ترى أن الخبير من أسماء اللّه تعالى كالعليم بل أبلغ منه لأنه اسم للعليم بالأسرار الخفية ولهذا سمي الأكار خبيرا لعلمه بخبايا الأرض ومنه سمي الامتحان اختبارا فكان الإخبار والإعلام سواء فينبغي أن يقع على الحق في الصورتين كما في الإعلام قلنا الحقيقة ما ذكرت لكن الخبر قد استعمل في العرف لما يصلح دليلا على المعرفة فصار ينطلق على الحق والكذب ألا ترى أنه يقال هذا خبر باطل وزور وكذب ولا يقال مثل ذلك في العلم فلهذا افترقا قوله لأن ما صحبه الباء لا يصلح مفعول الخبر أي الإخبار لكونه معمول الباء فلا يصلح معمولا لشيء آخر ولقائل أن يقول قد سلمنا أنه لا يصح معمولا لعامل آخر في الظاهر ولكن لا نسلم أنه لا يصح معمولا لشيء آخر من حيث المعنى والمحل فيكون مجرورا بالباء ومنصوب المحل بالفعل ألا ترى أن في قوله أخبرني بهذا الخبر زيد كان الطرف وهو الجار والمجرور المفعول الثاني من غير إضمار بشيء آخر إذ لا يستقيم فيه أخبرني خبرا ملصقا بهذا الخبر زيد فكذا هذا ويمكن أن يجاب عنه بأن الباء للإلصاق حقيقة وقد يجيء للتعدية بمعنى الهمزة كقولك ذهب به وخرج به أي أذهبه وأخرجه والإخبار مما يتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه وبالباء ففيما أمكن جعله متعديا بنفسه وجب القول به لتبقى الباء على حقيقتها وإن لم يمكن ذلك جعل متعديا بالباء فمسألة الكتاب من القسم الأول وما ذكرت من القبيل الثاني فلذلك افترقا وأن مع ما بعدها مصدر أي في تأويل المصدر كما في قولك أعجبني أن زيدا قام أو قائم وبلغني أن عمرا منطلق معناه أعجبني قيام زيد وبلغني انطلاق عمرو وإذا كان في معنى المصدر صار في تأويل المفرد فصلح مفعولا ومفعول الخبر أي الإخبار كلام وهو أن يقول قدم فلان لا حقيقة فعل القدوم لأن الإخبار قول والقدوم فعل والفعل لا يصلح مفعول القول يوضحه أن في قولك ضربت زيدا لا يكون مسمى زيد مفعولا لضربت لأن الشخص (٢/٢٥٢) لا يتأثر بالقول حقيقة بل مفعوله لفظ زيد فكذلك حقيقة القدوم لا تصلح مفعول أخبرتني لأنه قول والقدوم فعل إلا أن مسمى زيد يصلح أن يكون متأثرا بمدلول ضربت وهو حقيقة الضرب وفعل القدوم هاهنا لا يصلح أن يكون متأثرا بمدلول أخبرتني وهو حقيقة الإخبار لأن حقيقته التكلم بالخبر وذلك لا يعدو إلى القدوم بوجه فلذلك لا يصلح مفعولا له وإذا ثبت هذا كان معنى قوله إن أخبرتني أن فلانا قدم إن تكلمت بخبر قدوم فلان والخبر ما يصلح دليلا على وجود المخبر به لا ما يوجب وجوده لا محالة فصار شرط الحنث كلاما يصلح دليلا على القدوم وقد وجد ذلك في الإخبار كاذبا فيحنث قوله ولهذا أي ولأن الباء للإلصاق قالوا يعني أصحابنا في قول الرجل أنت طالق بمشيئة اللّه وبإرادته أنها لا تطلق أصلا لأن الإلصاق يؤدي معنى الشرط أي يفضي إليه وذلك لأنه لما جعل الطلاق ملصقا بالمشيئة لا يقع قبل المشيئة إذ لا يتحقق الإلصاق بدون الملصق به وهذا هو معنى الشرط إذ لا وجود للمشروط بدون الشرط غير أن التعليق بمشيئة اللّه إبطال للإيجاب لما عرف فلهذا لا يقع شيء كما لو قال إن شاء اللّه ولو أضاف المشيئة إلى العبد بأن قال بمشيئة فلان كان تعليقا وتمليكا بمنزلة قوله إن شاء فلان فيقتصر على مجلس العلم وكذلك أخواتها أي أمثال المشيئة كالرضا والمحبة على ما ذكر في الزيادات المذكور فيها عشرة ألفاظ المشيئة والإرادة والرضاء والمحبة والأمر والحكم والإذن والقضاء والقدرة والعلم وأنها قد تضاف إلى اللّه تعالى وتضاف إلى العبد أيضا ففي الأربعة الأول إن أضيفت إلى اللّه تعالى لا يقع شيء وإن أضيفت إلى العبد كان تمليكا فيقتصر على مجلس العلم وفي الستة الباقية يقع الطلاق في الحال سواء أضيفت إلى اللّه عز وجل أو إلى العبد وذلك لأن معنى قوله بأمر فلان أو بحكمه أو بإذنه أو بعلمه بأمر فلان إياي أو بحكم فلان علي بذلك أو يأذن فلان لي بذلك أو يعلم فلان مني ذلك فيكون هذا كله تحقيقا للإيقاع ولا يمكن أن يجعل ذلك بمعنى الشرط لأنه لو قال لفلان احكم وأمر واعلم وأذن لا يكون شيء منه تخييرا بل يكون قوله احكم إلزاما له ذلك وفيما تقدم لو قال شاء كان تخييرا فكذلك قوله بمشيئة فلان يكون تخييرا منه لفلان كذا في زيادات شمس الأئمة (٢/٢٥٣) فإن قيل هلا حملت الباء في مسألة المشيئة و أخواتها على السببية لأنها قد تستعمل بمعنى السبب قال تعالى جزاء بما كسبا ذلك بما عصوا جزيناهم ببغيهم وإذا حملت على السبب تطلق في الحال كما لو قال أنت طالق لمشيئة اللّه أو لمشيئة فلان لأن التعليل يدل على تحقيق الإيقاع لا على انتفائه قلنا الحمل على ما ذكرنا من الشرط أولى لأنه أقرب إلى الإلصاق لأن في الإلصاق معنى الترتب لأنه يقتضي ملصقا به متقدما على الملصق زمانا ليمكن الإلصاق به والترتب الزماني في الشرط والمشروط موجود بخلاف العلة مع المعلول لأن العلة مقارن للمعلول زمانا قوله وقال الشافعي إلى آخره ذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أن الباء في قوله تعالى وامسحوا برءوسكم للتبعيض لأن الباء إذا دخلت في المحل أفادت التبعيض لغة يقال مسحت الرأس إذا استوعبته ومسح بالرأس أي ببعضه هذا هو المفهوم منه في عرف الاستعمال ولأن الاستيعاب ليس بشرط باتفاق بيننا وبينكم فثبت أن المراد بعض الرأس وإذا ثبت البعض مرادا يتأدى الواجب بأدنى ما ينطلق عليه الاسم كما لو قال امسحوا بعض رءوسكم فيكون تقدير الواجب بثلاثة أصابع أو بربع الرأس زيادة على النص بالرأي أو بخبر الواحد فيكون مردودا ولا معنى لقول من يقول مطلق مسح البعض ليس بمراد لأن ذلك يحصل بغسل الوجه ولا يتأدى به الفرض بالاتفاق فعرفنا أن المراد بعض مقدر وذلك مجمل لعدم أولوية بعض على بعض فكان فعل النبي وهو ما روي أنه صلى اللّه عليه وسلم مسح بناصيته بيانا له لأنه يقول عدم الجواز لفوات الترتيب الواجب عندي إلا لعدم حصول مسح البعض فإنه لو استوعب رأسه بالمسح بعد غسل الوجه قبل غسل اليدين لا يعتد به عندي لفوات الترتيب فكذا هاهنا وقال مالك رحمه اللّه الباء صلة أي مزيدة زيدت للتأكيد كما في قوله تعالى (٢/٢٥٤) تنبت بالدهن وقوله عز اسمه ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة أي لا تلقوا أيديكم كذا قاله عبد القاهر وإذا كانت مزيدة وجب مسح الكل كما لو قيل وامسحوا رءوسكم قال وما قلناه وإن كان فيه عمل بالمجاز لكنه أحوط لأن فيه الخروج عن العهدة بيقين فكان الأخذ به أولى على أنا إن عملنا بحقيقتها فذلك يوجب الاستيعاب أيضا لأن الباء للإلصاق حقيقة وقد ألصق المسح بالرأس وهو اسم لكله لا لبعضه فيقتضي مسح جميع الرأس قوله وقلنا نحن أما القول بالتبعيض فلا أصل له أي القول بالتبعيض كلام عن تشه لا دليل عليه إذ لم يثبت عن أحد من نقلة اللغة أنها للتبعيض إنما الموضوع للتبعيض كلمة من فلو أفادت الباء التبعيض لوجب التكرار أي الترادف لدلالة اللفظين على معنى واحد والاشتراك أيضا لأن الباء للإلصاق بالاتفاق فلو أفادت التبعيض لكان لفظ واحد دالا على معنيين مختلفين وكل منهما خلاف الأصل لما مر غير مرة هذا رد لكلام القائلين بالتبعيض وقوله ولا يصار إلى إلغاء الحقيقة رد لقول مالك أي إذا أمكن العمل بالحقيقة لا يصار إلى إلغائها من غير ضرورة ولا ضرورة هاهنا فوجب العمل بالحقيقة وبأن جاز ترك الحقيقة في موضع لقيام الدليل لا يلزم منه تركه في موضع لا دليل عليه فكانت الباء على حقيقتها في هذه الآية كما هو أصلها وبيان هذا أي بيان أنها للإلصاق في الآية وأن التبعيض ثبت بطريق آخر لا بالباء أن المسح لا بد له من آلة ومحل فإذا دخلت الباء في الآلة كان الفعل متعديا إلى المحل ويصير المحل مفعول فعله فيتناول جميع المحل كقولك مسحت الحائط بيدي أو مسحت بيدي الحائط وإذا دخلت في المحل كان الفعل متعديا إلى الآلة ولهذا ظهر عمله فيها حتى انتصبت بذلك الفعل بالمفعولية فهذا لا يقتضي الاستيعاب وإنما يقتضي إلصاق الفعل بالمحل كله أو بعضه لكن بهذه الآلة وإذا تقرر هذا صار تقدير الآية وامسحوا أيديكم برءوسكم فلا يقتضي هذا الكلام استيعاب الرأس بالمسح كما ظنه مالك لأنه أي المسح غير مضاف إلى الرأس بل أضيف إلى اليد (٢/٢٥٥) والواو في قوله وهو غير مضاف للحال والجملة في معنى التعليل لكنه أي لكن هذا الكلام يقتضي وضع آلة المسح على الرأس وإلصاقها به وذلك أي وضع الآلة لا يستوعب الرأس في العادات أيضا لأن اليد لا تستوعب الرأس عادة إلا أن على هذا التفسير لا يصلح قوله فصار المراد به أكثر اليد نتيجة له فيجعل الضمير المنصوب في لا يستوعبه عائدا إلى الآلة على تأويل المذكور أي الوضع لا يستوعب الآلة في العادات يعني هذا التقدير وإن اقتضى أن يكون المسح متناولا لكل الآلة لكن في العادة لا توضع الآلة بجميع أجزائها على الرأس فإن ما بين الأصابع وظهر الكف لا يستعملان في المسح عادة فيكتفى فيه بالأكثر الذي يحكى حكاية الكل وهو ثلاثة أصابع فصار التبعيض مرادا بهذا الشرط أي صار التبعيض مرادا بشرط أن يكون ذلك البعض مقدرا بآلة المسح أو بأكثرها لا أن يكون مطلق التبعيض مرادا عملا بالباء كما قال الشافعي رحمه اللّه وعبارة شمس الأئمة أوضح فإنه قال وإذا قرنت الباء بمحل المسح يتعدى الفعل إلى الآلة فلا يقتضي الاستيعاب وإنما يقتضي إلصاق الآلة بالمحل وذلك لا يستوعب الكل عادة ثم أكثر الآلة ينزل منزلة الكل فيتأدى المسح بإلصاق ثلاثة أصابع بمحل المسح ومعنى التبعيض إنما يثبت بهذا الطريق لا بحرف الباء وذكر في بعض نسخ أصول الفقه لمشايخنا بهذه العبارة قوله تعالى وامسحوا برءوسكم أدخل حرف الباء في المحل فيتعدى الفعل إلى الآلة وهي اليد كأنه قيل وامسحوا برءوسكم أيديكم والأصل أن الجمع متى قوبل بالجمع ينقسم آحاد هذا على آحاد ذلك فيصير كأنه سبحانه قال وليمسح كل واحد منكم برأسه يده فإذا وضع اليد على الرأس جاز لأنه وجد المسح ولو مسح بثلاثة أصابع جاز لأنها أكثر الآلة فيقوم مقام الكل فيجوز التبعيض بإقامة الأكثر لا بحرف الباء وذكر الشيخ رحمه اللّه في بعض مصنفاته في أصول الفقه أن الباء للإلصاق هاهنا كما في قوله كتبت بالقلم إلا أن كلمة الباء متى دخلت محل الفعل كان المراد إلصاق الفعل بالمحل لا إلصاق المحل بالفعل لأن الفعل معدوم لا يتصور إلصاق المحل به قبل الوجود وبعد الوجود لا يتصور الإلصاق به لأنه ينعدم كما وجد وإنما يتصور إلصاقه بالمحل فكان المقصود إلصاق الفعل بالمحل فيكون المراد منه إثبات وصف في الفعل هو الإلصاق فيصير الفعل هو المقصود لإثبات صفة الإلصاق فيه والمحل إنما يراعى لتصور (٢/٢٥٦) هذا المقصود لا أن يكون مقصودا بنفسه وما يراعى لتحصيل المقصود إنما يراعى بقدر ما يحصل به المقصود وهو إلصاق الفعل بالرأس وذلك يتحقق ببعض الرأس فيكون المراد منه البعض بهذا الطريق لا أن يكون المراد منه البعض لغة واعلم أن لمشايخنا رحمهم اللّه في تقدير فرض المسح طريقين أحدهما ما ذكره الشيخ في الكتاب والثاني أن مطلق البعض لما لم يكن مرادا لأن المفروض في عامة الأعضاء بعض مقدر فينبغي أن يكون كذلك هاهنا ولهذا لو زاد على المقدار الذي قدر به لا يكون الزائد فرضا بالإجماع ولو كان الداخل تحت الأمر بعضا مطلقا لوقع الزائد فرضا كالزائد على الآيات الثلاث في فرض القراءة صار البعض مجملا فيتعرف بالسنة وهي توجب أن يقدر بالربع على ما عرف إلا أن في إثبات الإجمال بهذا الطريق نوع ضعف فإن الخصوم لم يسلموا الإجمال في الآية وقالوا بل مطلق المسح هو الثابت بالنص وهو معلوم فلذلك اختار الشيخ هاهنا الطريق الذي بينا لأنه أسلم قوله وأما الاستيعاب إلى آخره جواب عما يقال قد دخلت الباء في قوله تعالى فامسحوا بوجوهكم وأيديكم في المحل وقد شرط فيه الاستيعاب كما في الوضوء فقال لم يثبت الاستيعاب بدخول الباء في المحل ولكنه ثبت بالسنة المشهورة وهي قوله عليه السلام لعمار يكفيك ضربتان ضربة للوجه وضربة للذراعين وبمثلها يزاد على الكتاب فجعلت الباء صلة أي زائدة بهذه الدلالة مثلها في قوله تعالى تنبت بالدهن فصار كأنه قيل فامسحوا وجوهكم وأيديكم فيجب الاستيعاب وبدلالة الكتاب أي الكتاب دل على اشتراط الاستيعاب أيضا لأن التيمم شرع خلفا عن الأصل الوضوء بأن أقيم المسح بالصعيد في العضوين مقام الغسل والمسح بالماء في الأعضاء الأربعة فنصف الحلف تخفيفا وكل تنصيف يدل على بقاء الباقي على ما كان كصلاة المسافر وعدة الإماء وحدود العبيد وكمن له على آخر عشرة دراهم فصالحه على خمسة أو أبرأه عن خمسة يجب الباقي بصفة الأصل في الجودة والرداءة ثم الاستيعاب في غسل في هذين العضوين واجب بالنص فكذا فيما قام مقامهما على أن في رواية الحسن عن أبي حنيفة لا يشترط الاستيعاب بل الأكثر يقوم مقام الكل لأن في الممسوحات الاستيعاب ليس بشرط كما في مسح الخف والرأس (٢/٢٥٧) قوله وعلى هذا أي يبتنى على أن الباء للإلصاق قول الرجل لامرأته إن خرجت من هذه الدار إلا بإذني فكذا أنه يشترط تكرار الإذن حتى لو خرجت بإذنه ثم خرجت بغير إذنه حنث لأن قوله إن خرجت يتناول المصدر لغة وهو نكرة في موضع النفي لأن معناه لا تخرجي خروجا فصار عاما واستثنى منه خروجا موصوفا بصفة الإذن فبقي سائر أنواع الخروج داخلا في الحظر فإذا فعلت وجب الجزاء كما لو قال إن خرجت إلا بقناع أو بملاءة فأنت طالق فمتى خرجت بقناع أو بملاءة لم تطلق ولم يسقط الخطر حتى لو خرجت بغير قناع أو ملاءة طلقت فكذا هذا قوله فاقتضى ملصقا به أي شيئا يلتصق بالإذن إذ لا بد للجار والمجرور من متعلق وهو أي الشيء الملصق بالإذن هو الخروج لدلالة الكلام عليه فصار عاما أي صار الخروج الموصوف المستثنى عاما حتى تناول كل خرجة وصفت بالإذن وإن كان الخروج المستثنى نكرة في الإثبات لعموم صفته كما مر تقريره في قوله لا أتزوج إلا امرأة كوفية وذلك أي جعله مستثنى بنفسه غير مستقيم لأنه أي المستثنى وهو الإذن خلاف جنسه أي جنس المستثنى منه وهو الخروج ألا ترى أنه لا يستقيم إظهار الخروج هاهنا بخلاف قوله إلا بإذني فإنه يستقيم أن يقول إلا خروجا بإذني ولو قال إلا خروجا أن آذن لك كان كلاما مختلا قال الشيخ رحمه اللّه في شرح الجامع ولو قال إلا أن آذن فهو بمنزلة حتى عندنا حتى لو أذن في الخروج ثم نهى عنه ثم خرجت بغير إذنه لم يحنث وقال الفراء بل يحنث وهو بمنزلة قوله إلا بإذني واحتج بقول اللّه تعالى لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم وقد كان تكرار الإذن شرطا ولأن كلمة أن مع الفعل مصدر ولا اتصال له بما تقدم إلا بصلة فوجب تقدير الصلة فيه وهي الباء فيصير بمنزلة قوله إلا بإذني قال وفيما قلنا تحقيق الاستثناء والعمل به واجب ما أمكن لأنه حقيقة والغاية مجاز واحتج أصحابنا بقول اللّه تعالى إلا أن تغمضوا فيه و إلا أن يحاط بكم ومعناه الغاية ولأن الكلام إذا بطلت حقيقته تعين مجازه وحقيقة الاستثناء متعذرة هاهنا لأن أن مع الفعل مصدر فيصير مستثنيا للإذن من الخروج وذلك باطل فعمل بمجازه وهو أن يجعل غاية لأن كل استثناء يناسب الغاية من حيث أن حكم ما وراء الغاية على خلاف المغيا كما أن حكم ما وراء الاستثناء على خلاف المستثنى منه فإن من قال لفلان علي ألف درهم إلا مائة كان الحكم فيما وراء (٢/٢٥٨) تسعمائة على خلاف الحكم الثابت في تسعمائة فيجعل غاية بمنزلة حتى وليس كذلك قوله إلا بإذني لأن حرف الإلصاق يقتضي ملصقا في كلام العرب وحذفه سائغ لقيام الدلالة عليه وهو حرف الإلصاق كما في بسم اللّه أي بدأت أو أبدأ به فكذلك هاهنا صح الحذف لقيام الباء وذلك المحذوف هو الخروج الذي به تحقيق الاستثناء فكأنه قال إلا خروجا بإذني فصح الاستثناء فأما هاهنا فليس في الكلام ذكر الباء فلم يصح حذف الخروج من غير دليل فلذلك تعذرت حقيقته فتعين مجازه ولا يلزم على ما ذكرنا قوله تعالى إلا أن يؤذن لكم لأن التكرار ثمة ما جاء من لفظ إلا أن لأنه لو ذكر بحرف حتى كان الحكم هكذا أيضا كما في قوله تعالى حتى تستأنسوا بل التكرار عرف بقوله تعالى إن ذلكم كان يؤذي النبي فإن نوى بقوله إلا أن آذن إلا بإذني صحت نيته قضاء وديانة لأنه نوى محتمل كلامه لأن حذف حرف الالتصاق سائغ وفيه تشديد عليه فيصدق وإن نوى في قوله إلا بإذني الإذن مرة صحت أيضا لأن الاستثناء يفيد ما يفيد الغاية وهو إخراج بعض ما تناوله اللفظ لولا الاستثناء فكان بينهما مشابهة في المعنى فيصدق ديانة لا قضاء لأن فيه تخفيفا عليه كذا في الجامع البرهاني وغيره قوله وأما على إلى آخره كلمة على وضعت للاستعلاء ومنه يقال فلان علينا أمير لأن للأمير علوا وارتفاعا على غيره ولهذا يخاطب بالمجلس العالي والرفيع ويقال زيد على السطح لتعليه عليه ومنه قولهم على فلان دين لأن الدين يستعلي من يلزمه ولذا يقال ركبه دين وهو معنى قوله فصار موضوعا للإيجاب والإلزام في قوله لفلان علي ألف درهم يعني لما كانت هذه الكلمة موضوعة للاستعلاء والاستعلاء في لفلان علي كذا في الإيجاب دون غيره كانت في مثل هذا الموضع للإيجاب باعتبار أصل الوضع أنه دين أي الثابت به دين لا غير لأن الاستعلاء فيه إلا أن يصل به الوديعة فيقول لفلان علي ألف وديعة فحينئذ لا يثبت الدين لأن على يحتمل معنى الوديعة من حيث إن في الوديعة وجوب الحفظ فيحمل عليه بهذه الدلالة وقوله إنه دين كلام مستأنف ولو قيل بالواو لكان أحسن وعبارة شمس الأئمة أوضح فإنه قال وأما على فللإلزام باعتبار أصل الوضع لأن معنى حقيقة الكلمة من علو الشيء على الشيء وارتفاعه فوقه وذلك قضية الوجوب واللزوم ولهذا لو قال لفلان علي ألف درهم أن مطلقه محمول على الدين إلا أن (٢/٢٥٩) يصل بكلامه وديعة لأن حقيقة اللزوم في الدين ثم أنها قد تستعار للباء لأن اللزوم يناسب الإلصاق فإن الشيء إذا لزم الشيء كان ملتصقا به لا محالة ولأن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض لأن كل واحد منها يوصل الفعل إلى الاسم قال الإمام عبد القاهر على في قولك مررت على زيد أوصل الفعل الذي هو مررت إلى الاسم الذي هو زيد كما يفعل الباء كذلك في قولك مررت بزيد فكان بينهما مناسبة من هذا الوجه وتستعمل بمعنى الشرط باعتبار أن الجزاء يتعلق بالشرط فيكون لازما عند وجوده فكان استعمالها في الشرط بمنزلة الحقيقة فإذا استعملت في المفاوضات المحضة وهي التي تخلو عن معنى الإسقاط كالبيع فإنه معاوضة مال بمال والإجارة فإنها معاوضة مال بمنفعة والنكاح فإنه معاوضة مال بما ليس بمال كانت بمعنى الباء التي تصحب الأعواض لأن العمل لما تعذر بحقيقتها تحمل على ما يليق بالمعاوضات وهو الباء لما بين العوض والمعوض من اللزوم والاتصال في الوجوب ولا تحمل على الشرط لأن المعاوضات المحضة لا تحتمل التعليق بالخطر لما فيه من معنى القمار فتحمل على ما تحتمله تصحيحا للكلام وإذا استعملت في الطلاق كانت بمعنى الشرط عند أبي حنيفة رحمه اللّه واعلم أن ما ثبت بطريق المقابلة يثبت مع مقابله بطريق المقارنة كالأخ مع الأخ والجار مع الجار إذ يستحيل أن يكون الشيء مقابلا لشيء قبل مقابلة ذلك الشيء إياه وثبوت العوض مع المعوض من هذا الباب وما ثبت بطريق المعاقبة يكون متأخرا عن صاحبه وصاحبه مقدما عليه كالمشروط مع الشرط لأن المشروط متوقف على الشرط فلا بد أن يثبت أولا ثم يتعقبه المشروط ثم إن أجزاء العوض يتوزع على أجزاء المعوض بالاتفاق لأن ثبوتهما بطريق المقابلة فيقابل كل جزء من العوض جزءا من المعوض وأجزاء الشرط لا يتوزع على أجزاء المشروط بالاتفاق أيضا لأن ثبوت المشروط والشرط بطريق المعاقبة فلو ثبت الانقسام لزم تقدم جزء من المشروط على الشرط فإنه إذا قال لامرأته إن دخلت هذه الدار وهذه الدار فأنت طالق ثنتين تعلقت الطلقتان بدخول الدارين فلو ثبت الانقسام تقع تطليقة بدخول إحدى الدارين ودخول الدارين شرط واحد فيكون بعض (٢/٢٦٠) المشروط متقدما على الشرط وأنه فاسد إذا عرفت هذا قلنا إذا قالت لزوجها طلقني ثلاثا على ألف درهم يحتمل على الشرط عند أبي حنيفة رحمه اللّه حتى لو طلقها واحدة لا يلزمها شيء وكان الطلاق رجعيا وعندهما تحمل على الباء حتى لو طلقها واحدة يجب عليها ثلث الألف وكان الطلاق بائنا كما لو قالت طلقني ثلاثا بألف لأن الطلاق على مال معاوضة من جانب المرأة ولهذا كان لها أن ترجع قبل كلام الزوج وإنما يجب المال عليها عوضا عن الطلاق وكلمة على تحتمل معنى الباء أو قد صدرت من جانبها فتحمل على المعاوضة لاحتمال الطلاق إياها ودلالة الحال عليها وصار كقوله احمل هذا الطعام إلى منزلي على درهم فإنها تحمل على الباء وكما لو قالت طلقني وضرتي على ألف درهم فطلقها وحدها لزمها بقدر ما يخصها من الألف كما لو قالت بألف وقال أبو حنيفة رحمه اللّه كلمة على للزوم كما بينا وليس بين الواقع وهو الطلاق وبين ما لزمها وهو الألف مقابلة لينعقد معاوضة فتحمل على الباء بل بينهما معاقبة لأنه يقع الطلاق أولا ثم يجب المال أو يجب المال ثم يقع الطلاق وذلك أي التعاقب معنى الشرط والجزاء لا معنى المعاوضة فصار معنى الشرط بمنزلة حقيقة هذه الكلمة لأن هذه الكلمة للزوم وبين الشرط والجزاء ملازمة فكان الحمل عليه لكونه أقرب إلى التحقيق أولى من الحمل على الباء وقد أمكن العمل به أي بمعنى الشرط هاهنا لأن الطلاق وإن دخله المال والمال غير قابل للتعليق بالشرط يصلح تعليقه بالشروط مثل أن يقول إن قدم فلان فأنت طالق على ألف صح ولم يمنع معنى المعاوضة عن صحة التعليق لأنه تابع والفاء في قوله فيصلح زائدة وقعت غير موقعها لأنها لا تدخل في خبران حتى إن جانب الزوج يمين يعني لو ابتدأ الزوج فقال طلقتك ثلاثا على ألف كان بمنزلة اليمين حتى لا يمكنه الرجوع قبل كلام المرأة ولا يقتصر على مجلس الزوج ولا يكون يمينا إلا بأن قدر معنى التعليق فيه كأنه قال إن التزمت ألفا فأنت طالق ثلاثا فعرفنا أن دخول المال في الطلاق لا يمنع معنى التعليق وإذا كان كذلك يجعل قولها طلقني ثلاثا على ألف تعليقا لوجوب المال بإيقاع الثلاث كأنها قالت إن طلقتني ثلاثا فلك ألف وطلبا من الزوج إيجاد هذا الشرط وهو الثلاث فإذا خالف أي الزوج أمرها لم يجب المال كله لعدم الشرط وهو الثلاث ولا بعضه (٢/٢٦١) لعدم صحة انقسام المشروط على أجزاء الشرط هذا تقرير ما في الكتاب على وجه التقريب وفي لفظ الشيخ نوع اشتباه فإنه قال فيصير هذا أي قولها طلقني ثلاثا على ألف منها طلبا لتعليق المال بشرط الثلاث وليس كذلك بل هو تعليق الالتزام بالطلقات الثلاث منها من حيث المعنى والغرض فإن مقصودها تحصيل الثلاث بالمال فصار كأنها قالت إن طلقتني ثلاثا فلك ألف فينبغي أن يقال فيصير هذا تعليقا للزوم المال بالثلاث ولا مطابقة أيضا بينه وبين قوله لأن الطلاق وإن دخله المال يصح تعليقه بالشروط وفي التحقيق لا حاجة إلى ذكر هذا الكلام لأن ما نحن فيه ليس تعليق الطلاق الداخل فيه المال بشرط بوجه بل هو تعليق التزام المال بالثلاث وطلب إيجاد الشرط من الزوج فكان المناسب أن يقال وقد أمكن العمل به لأن تعليق التزام المال من المرأة بشرط الطلاق يصح لتأديته إلى معنى المعاوضة في الآخرة فيصير هذا منها تعليقا للمال بشرط الثلاث في ضمن الطلب فإذا خالف لم يجب وذكر الشيخ في شرح الجامع الصغير ولأبي حنيفة رحمه اللّه أن على بمعنى الشرط لأن أصلها اللزوم فاستعيرت للشرط لأنه يلازم الجزاء فصارت طالبة للثلاث بألف بكلمة هي للشرط وصار بحكم الاتحاد دخولها على المال مثل دخولها على الطلاق بأن قالت لك علي ألف على أن تطلقني ثلاثا وهناك لا يجب شيء إلا بإيقاع الثلاث فكذلك هاهنا وذكر في الأسرار أن حقيقة كلمة على لإثبات الجزاء إذا خرج مخرج الجواب لا لإثبات العوض كقولك أكرمني على أن أكرمك معناه إن أكرمتني أكرمك فإذا دخلت على الإيجابات أو العدات لا تقتضي مقابلة فلا يجب المال به وجوب الأعواض بل يجب به وجوب الأجزئة مع الشروط لأن الكلمة للشرط بمنزلة الحقيقة وإذا كان كذلك اقتضى تعلق وجوب المال بالطلاق على سبيل المعاقبة كما لو قالت إن طلقتني فلك ألف لا على سبيل المقابلة فلذلك لم يتوزع بخلاف الباء فإنها للمقابلة فإن لم يثبت المقابلة بينهما باعتبار أن المبدل وهو الطلاق ليس بصالح لكن يثبت التوزيع كي لا يبطل العمل به أصلا وإنما حملناها على المقابلة في مسألة طلاق الضرة معها على ألف لأنا إن حملناها على الجزاء والمعاقبة كان البدل كله عليها كما لو قالت إن طلقتنا فلك ألف وإن حملناها على المقابلة وجب بعض البدل عليها إذا قبلت ولا يكون عليها إلا النصف فدل الظاهر من حالها على إرادة المقابلة لتستفيد بهذا الطلب نقصان البدل إذ لا فائدة لها في طلاق الضرة بعد طلاقها فأما هاهنا فالفائدة لها أكثر في أن يجعل الألف جزاء حتى لا يلزمها شيء ببعض الطلاق ومما يؤيد مذهب أبي حنيفة رحمه اللّه ما ذكر في السير الكبير ولو أن مسلما وادع أهل الحرب سنة على ألف دينار جازت الموادعة فإن رأى الإمام المصلحة في إبطالها رد المال إليهم ثم نبذ إليهم (٢/٢٦٢) وقاتلهم وإن كان مضى نصف السنة ففي القياس يرد نصف المال ويمسك النصف للمسلمين اعتبارا بالإجارة بعوض معلوم وفي الاستحسان يرد الكل لأنهم التزموا المال بشرط أن يسلم لهم الموادعة في جميع المدة والجزاء إنما يثبت باعتبار الشرط جملة ولا يتوزع على أجزائه وكلمة على للشرط في الحقيقة والموادعة في الأصل ليست من عقود المعاوضات فجعلنا هذه الكلمة عاملة فيها بحقيقتها فإذا لم يسلم لهم الموادعة سنة كاملة وجب رد المال كله عليهم وإن كان وادعهم ثلاث سنين كل سنة بألف دينار وقبض المال كله ثم أراد الإمام نقض الموادعة بعد مضي سنة فإنه يرد عليهم الألفين لأن الموادعة كانت هاهنا بحرف الباء وهي تصحب الأعواض فينقسم العوض على المعوض باعتبار الأجزاء وفي المعاوضات المحضة يستحيل معنى الشرط لما فيه من تعليق التمليك بالخطر وهو فاسد بخلاف تعليق المال بالطلاق لأن المال وجب في ضمن ما يصح فيه التعليق وما ثبت في ضمن شيء لا يعطي لها حكم نفسه وإنما يعطي له حكم المتضمن كذا قيل فوجب العمل بمجازه وهو أن يجعل بمعنى الباء قوله قال اللّه تعالى متصل بقوله فصار هذا بمنزلة حقيقة هذه الكلمة حقيق على أن لا أقول على اللّه إلا الحق أي أني جدير بأمر الرسالة بشرط أن لا أقول على اللّه إلا الحق وقال تعالى يبايعنك على أن لا يشركن باللّه شيئا أي بشرط عدم الإشراك باللّه هذا هو المذكور في كتب الفقه فأما أئمة التفسير فلم يذكروا معنى الشرط فيه فقالوا معناه جدير بأن لا أقول على اللّه إلا الحق أو ضمن حقيق معنى حريص فاستقام على صلة له أو هو مبالغة من موسى عليه السلام في وصف نفسه بالصدق في ذلك المقام فإنه روي أن فرعون قال له لما قال إني رسول من رب العالمين كذبت فيقول أنا حقيق على قول الحق أي واجب علي قول الحق أن أكون قائله والقائم به ولا يرضى إلا بمثلي ناطقا به وكذا قالوا في قوله تعالى يبايعنك على أن لا يشركن باللّه شيئا أن على صلة المبايعة يقال بايعه على كذا إلا أنه لما أدى إلى معنى الشرط إذ المبايعة توكيد كالشرط توسع الفقهاء في ذلك وقالوا إنه بمعنى الشرط قوله فأما من فللتبعيض ذكر النحاة أنها لابتداء الغاية يقال سرت من الكوفة إلى البصرة وهذا الكتاب من فلان إلى فلان وقد تكون للتبعيض كقولهم أخذت من الدراهم وزيد من القوم وللتبيين كقوله تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثان وكقولهم خاتم من فضة وباب من ساج وقد تكون مزيدة كقولك ما جاءني من (٢/٢٦٣) أحد وقال المحققون منهم الكل راجع إلى معنى ابتداء الغاية فإن قولك أخذت من الدراهم دال على أن الدراهم موضع أخذك وابتداء غايته كما أن قولك سرت من البصرة يدل على أن البصرة منشأ سيرك غير أنها في الدراهم أفادت التبعيض لأنه ممكن فيها ولم تفده في قولك سرت من البصرة لأنك إذا فارقتها فقد فارقت جميع نواحيها إذ لا يصح أن يكون خارجا منها وغير خارج وكذا في قوله تعالى فاجتنبوا الرجس إذ الرجس من الأوثان وغيرها فلما قال من الأوثان بين ما هو المقصود وجعل مبدأ الاجتناب الأوثان وكذا قولك ما جاءني من أحد معناه من واحد هذا الجنس إلى إقصاء فيكون معنى ابتداء الغاية مستفادا من الجميع كما ترى ولهذا قال أبو العباس معناها ابتداء الغاية فقط وذكر الشيخ في جامعه أيضا أن كلمة من ليست عينها بمعنى التبعيض وللانتزاع وابتداء الغاية فصارت للتبعيض وهذا هو المختار إلا أن بعض الفقهاء لما وجدها أكثر استعمالا في التبعيض جعلوها فيه أصيلا وفيما سواه دخيلا وإليه مال الشيخ هاهنا فقال هو أصلها ومعناه الذي وضعت له لما قلنا إن الاشتراك خلاف الأصل فجعلناها للتبعيض ليكون له معنى يخصه ورأيت في بعض نسخ أصول الفقه أنها للتبعيض وابتداء الغاية جميعا عند الفقهاء وكل واحد من موضعه حقيقة ومسائله كثيرة منها ما ذكر في الجامع رجل قال إن كان ما في يدي من الدراهم إلا ثلاثة أو غير ثلاثة أو سوى ثلاثة فجميع ما في يدي صدقة في المساكين فإذا في يده أربعة دراهم أو خمسة دراهم لزمه أن يتصدق بذلك كله ولو قال إن كان في يدي دراهم إلا ثلاثة والمسألة بحالها لا شيء عليه لأنه جعل شرط حنثه في المسألة الأولى أن يكون في يده غير الثلاثة ما يكون من الدراهم والدرهم والدرهمان من الدراهم وجعل شرط حنثه في المسألة الثانية أن يكون في يده غير الثلاثة مما ينطلق عليه اسم الدراهم ولم يوجد لأن اسم الدراهم لا ينطلق على الدرهم والدرهمين قوله وأما إلى فلانتهاء الغاية هذه الكلمة لانتهاء الغاية على مقابلة من يقال سرت من البصرة إلى الكوفة فالكوفة منقطع السير كما كانت البصرة مبتدأ ويقول الرجل إنما أنا إليك أي أنت غايتي وتقول قمت إلى فلان فتجعله منتهاك من مكانك هذا هو الحقيقة في اللغة وقد يجيء لمعنى المصاحبة كقوله تعالى ولا تأكلوا أموالهم إلى (٢/٢٦٤) أموالكم وقولهم الذود إلى الذود إبل لكنه راجع في التحقيق إلى معنى الانتهاء أيضا فإن الأكل في الآية ضمن معنى الضم إذ النهي لا يختص بالأكل فعدي بإلى أي لا تضموها إلى أموالكم في الإنفاق حتى لا تفرقوا بين أموالكم وأموالهم قلة مبالاة بما لا يحل وتسوية بينه وبين الحلال أو المعنى لا ينته أكل أموالهم إلى أموالكم فيكون إلى صلة فعل الانتهاء وكذلك معنى قولهم الذود إلى الذود إبل الذود منضما إلى الذود إبل ولذلك أي ولأنها وضعت لانتهاء الغاية استعملت في آجال الديون لأن آجال الديون غاياتها واعلم أن كلمة إلى إذا دخلت في الأزمنة قد تكون للتوقيت وهو الأصل وقد تكون للتأجيل والتأخير ومعنى التوقيت أن يكون الشيء ثابتا في الحال وينتهي بالوقت المذكور ولولا الغاية لكان ثابتا فيما ورائها أيضا كقولك واللّه لا أكلم فلانا إلى شهر كان ذكر الشهر لتوقيت اليمين إذ لولاه لكانت مؤبدة وكذلك قولك آجرتك هذه الدار إلى شهر ومعنى التأخير والتأجيل أن لا يكون الشيء ثابتا في الحال مع وجود ما يوجب ثبوته ثم يثبت بعد وجود الغاية ولولا الغاية لكان ثابتا في الحال أيضا كالبيع إلى شهر فإنه لتأخير المطالبة إلى مضي الشهر ولولاه لكانت المطالبة ثابتة في الحال وبعد الشهر أيضا ما لم يسقط الدين بالأداء أو الإبراء فإذا قال أنت طالق إلى شهر ونوى التنجيز تطلق في الحال ويلغو آخر كلامه لأنه نوى حقيقة كلامه فإنه أراد أن يقع الطلاق في الحال وينتهي بمضي الشهر والطلاق لا يقبل التوقيت لأنه مما لا يمتد فيقع الطلاق ويلغو التوقيت وإن نوى التأخير يتأخر الوقوع إلى مضي الشهر لأنه نوى محتمل كلامه إذ الطلاق يقبل الإضافة كقوله أنت طالق غدا وإلى تستعمل في التأخير كما تستعمل في التوقيت فصار تقدير كلامه أنت طالق مؤخرا إلى شهر وإن لم يكن له نية وقع للحال عند زفر وهو رواية عن أبي يوسف رحمهما اللّه لأن إلى للتأجيل أو للتوقيت وكل ذلك صفة لوجود فلا بد من الوجود للحال ثم يلغو الوصف لأنه لا يقبله ألا ترى أنه لو باع عبده بألف إلى شهر يثبت الألف للحال ويتأجل بعد الثبوت وعندنا يتأخر الوقوع إلى مضي الشهر لأن إلى كما تدخل في الشيء لتوقيته تدخل لتأجيل الثبوت أيضا فيصير كالمتعلق به والطلاق بعد وقوعه لا يقبل التأجيل والتأخير فأما الإيقاع فيقبله فانصرف الأجل إليه كي لا يكون إبطالا له وهو كالنصاب علة لوجوب الزكاة ولما أجل بحول تأجل الوجوب لا الزكاة الواجبة لأنها بعد الوجوب لا تقبل الأجل والوجوب نفسه يقبله فعمل الأجل عمله فيما يقبله بخلاف البيع بألف إلى شهر لأن الألف مما يتأجل قبضه فانصرف إليه ولم ينصرف إلى الوجوب (٢/٢٦٥) وبخلاف اليمين الموقتة إلى شهر لأن اليمين ثابتة للحال وتقبل التوقيت فتتوقت كالإجارة فأما انعقاد اليمين فلا يقبل التأجيل فلم ينصرف إليه وانعقد للحال كذا في الأسرار وبيان ما ذكر في الكتاب أن التأجيل لتأخير ما يدخل فيه كتأجيل الدين وهاهنا دخل على أصل الطلاق لأن قوله إلى شهر دخل في قوله أنت طالق كما دخل قوله بعتك بألف إلى شهر في الألف إلا أن ثبوت نفس الدين لا يقبل التأجيل فانصرف إلى المطالبة وثبوت الطلاق يقبله فانصرف التأجيل إليه فأوجب تأخيره قوله والأصل في الغاية إلى آخره لما كان بعض الغايات الثابتة بهذه الكلمة غير داخلة في حكم المغيا كالليل في الصيام وبعضها داخلة فيه كالمرفق في غسل اليد لا بد من ضابط لذلك فقال الأصل فيها أنها إذا كانت قائمة بنفسها بأن تكون موجودة قبل التكلم ولا تكون مفتقرة في وجودها إلى المغيا لم تدخل تحت الحكم الثابت له لأنها إذا كانت قائمة بنفسها لا يمكن أن يستتبعها المغيا مثل قوله بعت من هذا البستان إلى هذا البستان وقوله لفلان من هذا الحائط إلى هذا الحائط فإن الغايتين لا تدخلان في البيع والإقرار ولا يلزم على هذا قوله سبحانه سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حيث دخل المسجد الأقصى تحت الإسراء فقد ثبت أن النبي عليه السلام دخل المسجد الأقصى لأنا نقول ثبت ذلك بالأحاديث المشهورة لا بموجب هذا الكلام إلا أن يكون استثناء من قوله لم يدخل في الحكم أي لا تدخل الغاية تحت حكم المغيا إذا كانت قائمة بنفسها إلا إذا كان صدر الكلام واقعا على الجملة أي المغيا والغاية جميعا فحينئذ تدخل لأن صدر الكلام لما كان واقعا على الجملة قبل ذكر الغاية وبعد ذكرها لا يتناول إلا البعض منها كان المقصود من ذكر الغاية إسقاط ما وراءها ضرورة والاسم يتناول موضع الغاية فبقي داخلا تحت صدر الكلام لتناول الاسم إياه مثل ما قلنا في المرافق أنها داخلة تحت الغسل وهو مذهب عامة العلماء لأن المقصود من ذكر المرافق إسقاط ما ورائها إذ لولا ذكرها لاستوعبت الوظيفة كل اليد فلا تدخل تحت الإسقاط بل بقيت داخلة تحت الوجوب بمطلق اسم اليد ولهذا فهمت الصحابة من إطلاق الأيدي في التيمم الأيدي إلى الإباط كذا في بيوع المبسوط (٢/٢٦٦) فإن قيل لا بد للجار والمجرور من متعلق وهو قوله فاغسلوا في هذه الآية فكيف يمكن جعله غاية للإسقاط وأنه ليس بمذكور ولا مضمر قلنا تعلق الجار والمجرور بالغسل ظاهرا ولكن المقصود هو الإسقاط دون مد الحكم كما قال زفر رحمه اللّه فالمرفق غاية للغسل لفظا وظاهرا وغاية للإسقاط معنى ومقصودا والعبرة للمعاني دون الظواهر وذكر صاحب الكشاف فيه في تفسير هذه الآية أن كلمة إلى تفيد معنى الغاية مطلقا فأما دخولها في الحكم وخروجها منه فأمر يدور مع الدليل فما فيه دليل على الخروج قوله تعالى فنظرة إلى ميسرة لأن الإعسار علة الإنظار وبوجود الميسرة تزول العلة ولو دخلت الميسرة فيه لكان منظرا في كلتا الحالتين معسرا أو موسرا فتبطل الغاية وكذلك قوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل إذ لو دخل لوجب الوصال ومما يدل على الدخول قولك قرأت القرآن من أوله إلى آخره لأن الكلام سيق لحفظ القرآن كله فقوله إلى المرافق وإلى الكعبين لا دليل فيه على أحد الأمرين فأخذ عامة العلماء بالاحتياط فحكموا بدخولها في الغسل وأخذ زفر وداود بالمتيقن فلم يدخلاها ولهذا أي ولما ذكرنا أن الصدر إذا كان متناولا للجملة تدخل الغاية قال أبو حنيفة رحمه اللّه إذا باع بشرط الخيار إلى الغد أو إلى الليل أو إلى الظهر تدخل الغاية في مدة الخيار لأن الغاية هاهنا حد الإسقاط فإنه لو شرط الخيار مطلقا يثبت الخيار مؤبدا ولهذا فسد العقد ألا ترى أنه لو أسقط الخيار في الثلاث عنده وبعد أي مدة كانت عندهما ينقلب جائزا فعرفنا أنه منعقد بصفة الفساد وإذا كان كذلك كان ذكر الغاية لإخراج ما وراءها فتبقى داخلة تحت الجملة كالمرافق في الوضوء بخلاف الأجل في الدين لأن الغاية فيه لمد الحكم إلى موضع الغاية لأن الأجل للترفية فمطلق الاسم يتناول أدنى ما يحصل به الترفية وبخلاف الإجارة فإن الغاية فيها لا تدخل في مدة الإجارة أيضا لأنها عقد تمليك المنفعة بعوض فمطلقها لا يوجب إلا أدنى ما يتناوله الاسم وذلك مجهول ولأجل الجهالة يفسد العقد فكان ذكر الغاية لبيان مقدار المعقود عليه وذلك بمد الحكم إلى موضع الغاية وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما اللّه لا تدخل الغاية في مدة الخيار لأن الغد جعل غاية والأصل أن الغاية لا تدخل في الصدر إلا بدليل ولهذا سميت غاية لأن الحكم ينتهي إليها دل عليه الصوم إلى الليل والأكل إلى الفجر ولهذا لو آجر داره إلى رمضان أو باع بأجل إلى رمضان أو حلف لا يكلمه إلى رمضان لم يدخل رمضان تحت الجملة لأنه غاية ولا يلزم علينا (٢/٢٦٧) المرافق فإنها دخلت تحت الجملة لأن ذلك ثبت بالسنة فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم حين علم الوضوء الذي لا يقبل اللّه الصلاة إلا به غسل المرافق هكذا حكى الحاكي الوضوء كذا في المبسوط والأسرار وذكر القاضي الإمام في آخر هذه المسألة أن مذهبهما أوضح لأن قوله إلى غد قرن بالخيار فصار مدا للخيار إليه وكذلك المرفق قرن بالغسل والكلام إذا قرن به غاية أو استثناء أو شرط لا يعتبر بالمفصول عن القيد ثم التعبير بالقيد عن حال الإطلاق بل يعتبر مع القيد جملة واحدة لما عرف في مسألة تعليق الطلاق للشرط ومتى جعل كلاما واحدا للإيجاب إلى غد لا الإيجاب والإسقاط لأنهما ضدان فلا يثبتان إلا بنصين والنص مع الغاية نص واحد ولأن مسألة اليمين لازمة على طريق أبي حنيفة والاعتماد على رواية الأصل دون رواية الحسن قوله وكذلك في الآجال في الأيمان أي وكما تدخل الغاية في الجملة في مسألة الخيار عنده لما ذكرنا من المعنى تدخل الآجال المذكورة في الأيمان أيضا بأن حلف لا يكلم فلانا إلى رجب أو إلى رمضان أو إلى الغد في الجملة عنده أيضا في رواية الحسن عنه لذلك المعنى فإن مطلق كلامه يقتضي التأبيد فيكون ذكر الغاية لإخراج ما ورائها ولا تدخل في ظاهر الرواية عنه وهو قولهما لأن في حرمة الكلام ووجوب الكفارة بالكلام في موضع الغاية شكا كذا قال شمس الأئمة رحمه اللّه ولأن الكلام في أصل الوضع لا يقتضي العموم والتأبيد بل مطلقه يتناول أدنى ما ينطلق عليه الاسم كاسم الصيام يتناول أدنى الإمساك واقتضاؤه للتأبيد في قوله لا أكلم بالعارض وهو وقوعه في موضع النفي لا بأصل الوضع فكان عندنا في حكم الغاية لأن كون الغاية للمد أو للإسقاط بالنظر إلى أصل الوضع لا باعتبار العوارض فكان ذكر الغاية لمد الحكم بالنظر إلى أصل الوضع لا للإسقاط فلا تدخل الغاية تحت الجملة كما لو قال واللّه لأكلمن فلانا إلى الليل أو إلى الغد بخلاف اسم اليد فإنه يتناول جميع العضو المعلوم بأصل الوضع فيكون ذكر الغاية للإسقاط ووقع في بعض النسخ وكذلك في الآجال والأيمان وفي بعضها في الآجال وفي الأيمان وفي بعضها وفي الأثمان بالثاء المثلثة وكل ذلك سهو لأن قوله في رواية الحسن إن اتصل بالجميع يقتضي أن يكون في الآجال روايتان وإن اتصل بالأخير يقتضي أن يكون الآجال داخلة في الجملة عند رواية واحدة وكل ذلك فاسد لأن الأجل في الدين والبيع المؤجل والإجارة لا يدخل في الجملة بالاتفاق قال شمس الأئمة وفي الآجال والإجارات لا يدخل الغاية لأن المطلق لا يقتضي (٢/٢٦٨) التأبيد وفي تأخير المطالبة وتمليك المنفعة في موضع الغاية شك فثبت أن الصحيح من النسخ ما ذكرناه أولا قوله وقال أي أبو حنيفة رحمه اللّه في قوله لفلان علي من درهم إلى عشرة لم يدخل الدرهم العاشر في الوجوب فيلزمه تسعة لأن مطلق اسم الدرهم لا يتناول العاشر فيكون ذكره لمد الوجوب إليه فلا يدخل وقالا تدخل الغاية الأخيرة كالأولى لأنه أي العاشر ليس بقائم بنفسه إذ لا تحقق للعاشر إلا بوجود تسعة أخرى قبله كما لا تحقق للأول إلا بوجود ثان بعده فلا يكون كل واحد منهما غاية ما لم يكن ثابتا وذلك بالوجوب وكذلك هذا في الطلاق يعني ما ذكرنا من دخول الغاية الأولى دون الأخيرة عنده ودخول الغايتين عندهما ثابت في قوله أنت طالق من واحدة إلى ثلاث لما ذكرنا من الدليل من الجانبين وذكر الشيخ في بعض نسخة في هذه المسألة هما يقولان أنه جعل المشروع غاية فلا بد من وجوده ليصلح غاية ووجوده بوقوعه وثبوته وتحقيق ذلك أنه أوقع طلاقا موصوفا بوصف أنه بين الأولى والثالثة فلا يقع حتى يوجد إذ وجودهما بوقوعهما فإذا وقعا لم يرتفعا بعد ذلك فلهذا اقتضى دخولهما في المغيا وإنما دخلت الأولى أي الغاية الأولى عند أبي حنيفة للضرورة وهي أنه إنما أوقع ما بين الأولى والثالثة بنصه فيكون ثانية والثانية على حقيقتها لا يتصور إلا بالأولى فاقتضى ذلك دخول الأولى لتصير هي ثانية ولم يقتض دخول الثالثة لأن الثابتة ثانية بلا ثالثة فعملنا بالغاية الأولى على مجازها عملا بحقيقة الثانية لأنها هي الواقعة والحكم المطلوب بهذا الإيجاب فكان طلب حقيقته أولى من طلب حقيقة الغاية بخلاف ما إذا قال أنت طالق ثانية فإنها تقع واحدة لأن الثانية تلغو ولم يمكن إثباتها بالواحدة قبلها لأنه لم يجر لها ذكر يحتمل الثبوت والطلاق لا يثبت إلا بلفظ وقد جرى في مسألة الغاية ما يحتمل الثبوت لأن الغاية قد تدخل في الجملة إذا قام دليله ألا ترى أن رجلا لو قال لآخر كل من هذا الطعام إلى عشر لقمات كان له أن يأكل اللقمة العاشرة ولو قال اشتر لي عبدا إلى ألف درهم دخل الألف وكذلك الكفالة عن رجل إلى ألف لأن دلالة الحال دلت عليه فإن الإنسان لا يكفل إلى ألف درهم إلا وهو راض بتمامها وكذا الشراء وكذا إباحة الطعام فإنه قل ما يجري الضمن بلقمة واحدة فأما الطلاق فدلالة الحال تمنع الدخول لأن الرجل يحترز عن الثالثة أشد الاحتراز وكذا الإقرار لأنه إخبار فينتهي صحته على ثبوت المخبر عنه وثبوت تسعة لا يدل على ثبوت العاشر ليدخل تحته بدلالة الحال فبقي الأمر على ظاهره كذا في الأسرار (٢/٢٦٩) قوله وأما في فللظرف هذه الكلمة تجعل ما تدخل هي عليه ظرفا لما قبلها ووعاء له فإذا قلت الخروج في يوم الجمعة فقد أخبرت أن اليوم قد اشتمل على الخروج وصار وعاء له وكذلك قولك الركض في الميدان وزيد في الدار هذا أصل هذه الكلمة ثم قيل زيد ينظر في العلم وأنا في حاجتك مجازا على معنى أن العلم جعل وعاء لنظره وتأمله وعلى معنى أنه لما صرف العناية إلى حاجته صارت كأنها قد اشتملت عليه لغلبتها على قلبه وهمه وعلى ذلك مسائل أصحابنا أي على أنها للظرف بنيت مسائل أصحابنا فإذا قال غصبتك ثوبا في منديل أو تمرا في قوصرة يلزمه كلاهما لأنه أقر بغصب مظروف في ظرف ولا يتحقق ذلك إلا بغصبه إياهما وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما اللّه هما سواء أي قوله أنت طالق غدا وأنت طالق في غد سواء في الحكم حتى لو نوى آخر النهار في قوله في غد لا يصدق قضاء لأن حذف حرف في وإثباته في الكلام سواء إذ لا فرق بين قوله خرجت يوم الجمعة وقوله خرجت في يوم الجمعة وسكنت الدار وسكنت في الدار وقد أجمعنا أنه لو قال غدا ونوى آخر النهار يصدق ديانة لا قضاء فكذا إذا قال في غد ألا ترى أن قوله غدا معناه في غد إلا أنه حذف عنه حرف الظرف اختصارا فكان كالمصرح به في الحكم وفرق أبو حنيفة رحمه اللّه بين المسألتين فيما إذا نوى آخر النهار فقال في قوله في غد يصدق ديانة وقضاء وفي قوله غدا يصدق ديانة لا قضاء على ما ذكرنا في موضعه أي من شرح الجامع الصغير والمبسوط أن الظرف إذا اتصل به الفعل بغير واسطة اقتضى استيعابه إن أمكن لأنه حينئذ شابه المفعول به من حيث إنه صار معمولا للفعل ومنصوبا به ألا ترى أنه إذا اتسع في مثل هذا الظرف ولم يقدر فيه حرف في أخذ حكم المفعول به حتى إذا أخبرت عنه بالذي عملت به ما عملت بالمفعول به فقلت في مثل قولك متسعا سرت يوم الجمعة الذي سرته يوم الجمعة كما تقول الذي ضربته زيد ولم يقل الذي سرت فيه يوم الجمعة وإذا اتصل به الفعل بواسطة حرف الظرف اقتضى وقوعه في جزء منه إذ ليس من ضرورة الظرفية الاستيعاب وإذا ثبت ذلك قلنا إذا قال غدا ونوى آخر النهار لم يصدق قضاء لأن الطلاق اتصل بالغد بلا واسطة فاقتضى استيعاب الغد أعني كونها موصوفة بالطلاق في جميع الغد فلا بد من أن يكون واقعا في أوله ليحصل الاستيعاب فإذا نوى آخر النهار فقد غير موجب كلامه إلى ما هو تخفيف عليه فلا يصدق (٢/٢٧٠) قضاء ولكنه يصدق ديانة لأنه نوى محتمل كلامه وأما إذا قال في غد فموجب كلامه الوقوع في جزء من الغد مبهم وإليه ولاية التعيين كما لو طلق إحدى نسائه فإذا نوى آخر النهار كانت نيته تعيينا لما أبهمه لا تغييرا للحقيقة فيصدق قضاء كما يصدق ديانة وإذا لم ينو شيئا كان الجزء الأول أولى لعدم المزاحم والسبق فلذلك يقع فيه ثم استوضح ما ذكر من الفرق فقال وذلك أي الفرق الذي ذكرنا مثل الفرق بين هاتين المسألتين فإنه إذا قال إن صمت الدهر فكذا كان شرط الحنث صوم جميع العمر ولو قال إن صمت في الدهر كان شرط الحنث صوم ساعة معناه أن ينوي الصوم إلى الليل في وقته ثم يفطر بعد ذلك قوله وإذا أضيف أي قوله أنت طالق إلى المكان بأن قيل أنت طالق في الدار أو في الظل أو في الشمس طلقت في الحال حيثما كانت لأن المكان لا يصلح ظرفا للطلاق إذ الظرف للشيء بمنزلة الوصف له وما كان وصفا للشيء لا بد من أن يكون صالحا للتخصيص والمكان لا يصلح مخصصا للطلاق بحال لأنه إذا وقع في مكان كان واقعا في الأمكنة كلها وكذا المرأة إذا اتصفت به في مكان توصف به في جميع الأمكنة وإذا لم يصلح مخصصا لا يمكن أن تجعل بمعنى الشرط ألا ترى أنه لو جعل بمعنى الشرط وهو موجود كان تنجيزا أيضا لأن التعليق بأمر كائن تنجيز بخلاف إضافته إلى الزمان لأن الزمان يصلح مخصصا له إذ الطلاق يكون واقعا في زمان دون زمان فإذا أضافه إلى زمان معدوم في الحال يمكن أن يجعل بمعنى المعلق به فلا يقع في الحال ألا أن يراد به أو بقوله في الدار مثلا إضمار الفعل بأن أريد به في دخولك الدار فحينئذ لا تطلق في الحال لأنه ذكر المحل وإرادته الفعل الحال فيه أو ذكر المسبب وأراد به السبب إذ الدخول في الدار سبب كينونتها فيها وكل ذلك من أنواع المجاز فكان ما نوى محتمل كلامه فيصح إرادته وصار الدخول مضمرا في الكلام وإذا صار مضمرا كان في معنى الشرط لما سنذكره إذا قال أنت طالق في دخولك الدار لم تطلق قبل الدخول لأن الفعل لا يصلح ظرفا للطلاق على معنى أن يكون شاغلا له لأنه عرض لا يبقى فتعذر العمل بحقيقة في فيجعل مستعارا لمعنى المقارنة لأن في الظرف معنى المقارنة إذ من قضيته الاحتواء على المظروف فيقارنه بجوانبه الأربعة فصار بمعنى مع فيتعلق وجود الطلاق بوجود الدخول لأن قران الشيء بالشيء يقتضي وجوده ضرورة فكان من ضرورته تعلقه بوجود الدخول إلا أنه لا يكون شرطا (٢/٢٧١) محضا لأنه يقع الطلاق مع الدخول لا بعده فلهذا قال بمعنى الشرط وقال بعضهم يجعل مستعارا لمعنى الشرط لمناسبة بينهما من حيث إن كل واحد من الظرف والشرط ليس بمؤثر فيتعلق الجزاء به فعلى هذا يقع الطلاق متأخرا عن الدخول كما لو قال إن دخلت الدار ولكن الأول أصح فإنه لو قال لأجنبية أنت طالق في نكاحك فتزوجها لا تطلق كما لو قال مع نكاحك ولو جعل مستعارا للشرط لطلقت كما لو قال أنت طالق إن تزوجتك إليه أشار القاضي الإمام فخر الدين رحمه اللّه والضمير في قوله بمعناه راجع إلى ما يرجع إليه ضمير جعل وهو حرف في والباء للسببية أي جعل حرف في مستعارا لمعنى المقارنة باعتبار معناه أو الضمير راجع إلى المقارنة بتأويل القرآن والباء بمعنى اللام أي جعل حرف في مستعارا لمعنى المقارنة وعلى هذا أي على أن في تصير بمعنى الشرط بنيت مسائل في الزيادات قال شيخ الإسلام صاحب الهداية في شرح الزيادات إذا قال أنت طالق في مشيئة اللّه أو في إرادته أو في رضاه أو في محبته أو في أمره وفي إذنه أو في حكمه أو في قدرته لا يقع الطلاق أصلا إلا في علم اللّه فإنه يقع الطلاق فيه في الحال لأن كلمة في للظرفية حقيقة إلا إذا تعذر حملها على الظرفية بأن صحبت الأفعال فيحمل على التعليق لمناسبة بينهما من حيث الاتصال والمقارنة غير أنه إنما يصح حملها على التعليق إذا كان الفعل مما يصح وصفه بالوجود وبضده ليصير في معنى الشرط فيكون تعليقا والمشيئة والإرادة والرضاء والمحبة مما يصح وصف اللّه تعالى به وبضده فإنه يصح شاء اللّه كذا ولم يشأ كذا وأراد ولم يرد وأحب ولم يحب وكذا الأمر والرضاء والحكم والإذن فكان إضافة الطلاق إليها تعليقا والتعليق بها بحقيقة الشرط إبطال للإيجاب فكذا هذا أما العلم فلا يصح وصف اللّه تعالى بضده لأن علمه محيط بجميع الأشياء لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض فكان التعليق به تحقيقا وتنجيزا فيقع الطلاق في الحال ويشكل على ما ذكرنا القدرة فإنه لا يصح وصفه تعالى بضدها ومع ذلك لم يقع الطلاق لكن الجواب عنه أن القدرة هاهنا بمعنى التقدير وقرئ قوله تعالى فقدرنا فنعم القادرون بالتخفيف والتشديد وكذا قوله تعالى قدرناها من الغابرين النمل ٥٧ (٢/٢٧٢) والتقدير مما يصح وصف اللّه تعالى به وبضده لأنه لا يصح أن يقال قدر اللّه كذا ولا يقدر كذا فيكون بمنزلة المشيئة والإرادة فلا يقع الطلاق بإضافته إليها قوله إلا في علم اللّه استثناء من قوله لا يقع لأنه أي العلم يستعمل في المعلوم استعمالا شائعا يقال اغفر اللّهم علمك فينا أي معلومك ويقال علم أبي حنيفة ويراد معلومه ولهذا لو حلف بعلم اللّه لا يكون يمينا وإذا كان مستعملا بمعنى المعلوم يستحيل أن يجعل بمعنى الشرط لأن الشرط ما يكون على خطر الوجود ومعلوم اللّه تعالى متحقق لا محالة وإذا كان كذلك كان واقعا في الحال لأنه جعل معلوم اللّه تعالى ظرفا للطلاق وإنما يكون الطلاق في معلومه أن لو كان واقعا في الحال لأنه لو لم يكن واقعا لكان عدمه في معلومه قال شمس الأئمة في أصول الفقه فإن قيل لو قال في قدرة اللّه لم يطلق وقد يستعمل القدرة بمعنى المقدور فقد يقول من يستعظم شيئا هذا قدرة اللّه قلنا معنى هذا استعمال أنه أثر قدرة اللّه إلا أنه قد يقام المضاف إليه مقام المضاف ففهم المقدور من المضاف المحذوف لا من المضاف إليه ومثله لا يتحقق في العلم إذ القدرة من المؤثرات بخلاف العلم ألا ترى أنه يجوز أن يقال اللّه تعالى معلوم لنا ولا يجوز أن يقال اللّه مقدورنا قوله وعلى هذا أي على أن هذا الحرف يستعار للمقارنة حمل على مع في هذه المسألة عند النية فإذا قال لفلان علي عشرة دراهم في عشرة دراهم يلزمه عشرة دراهم عندنا إلا أن يعني معنى مع فيلزمه عشرون وقال زفر رحمه اللّه يلزمه عشرون بكل حال وقال الحسن يلزمه مائة لأن العشرة في العشرة في متعارف الحساب مائة فيحمل عليها إلا أنا نقول أثر الضرب في تكثير الأجزاء إلا في زيادة المال وعشرة دراهم وزنا وإن تكثر أجزاؤها لا تصير أكثر من عشرة وزفر رحمه اللّه يقول لما تعذر العمل بحقيقة هذا الحرف لأن العدد لا يكون ظرفا لمثله بلا شبهة حمل على مع أو واو العطف لما ذكرنا أن في الظرف معنى المقارنة والجمع قال اللّه تعالى فادخلي في عبادي أي معهم وإنا نقول جهة المجاز هاهنا متعددة فإن في قد يكون بمعنى على وبمعنى من كما يكون بمعنى مع قال تعالى إخبارا ولأصلبنكم في جذوع النخل أي عليها وقال (٢/٢٧٣) عز اسمه وارزقوهم فيها أي منها وليس أحد الوجوه أولى من الباقي فيعتبر أول كلامه فيلزمه عشرة ويلغو آخره إلا أن يقول عنيت هذه وهذه فحينئذ يعمل بيانه لأنه بين أنه استعمله بمعنى مع أو بمعنى الواو وفيه تشديد عليه فيصدق ولا يقال معنى على أو من لا يستقيم هاهنا إذ لا يقال علي عشرة علي عشرة ولا علي عشرة من عشرة فكان معنى المقارنة متعينا فوجب الحمل عليه من غير نية كما قال زفر لأنا نقول المال لا يجب بالشك لأن البراءة أصل وقد أمكن حمل كلامه على تكثير الأجزاء فلا وجه للمصير إلى المجاز وإيجاب الزيادة من غير قصد قوله وكذلك أي ومثل قوله لفلان علي عشرة في عشرة قوله أنت طالق واحدة في واحدة في أنه يعتبر المذكور الأول عند عدم النية فيقع واحدة سواء كانت المرأة مدخولا بها أو لم تكن ويصح إرادة مع أو الواو إلا أنه إذا أراد مع لا يفترق الحال بين المدخول بها وغير المدخول بها فتقعان جميعا وإن أراد الواو يقع ثنتان في المدخول بها وواحدة في غير المدخول بها كما لو صرح بالواو فقال أنت طالق واحدة وواحدة (٢/٢٧٤) قوله ومن ذلك أي ومن باب حروف الجر ومن باب حروف المعاني حروف القسم والقسم جملة إنشائية يؤكد بها جملة أخرى ولهذا لم يجز السكوت عليه فلا تقول أحلف باللّه وتسكت بل يجب أن تأتي بالمقسم عليه فتقول أحلف باللّه لأفعلن لأنك لم تقصد الإخبار بالحلف وإنما قصدت أن تخبر بأمر آخر نحو لأفعلن إلا أنك أكدته ونفيت عنه الشك بأن أقسمت عليه وهي الباء والواو والتاء فإنها مستعملة في القسم وإن لم توضع له في أصل الوضع ألا ترى أنها تستعمل في غيره أيضا وما وضع لذلك أي للقسم وهو ايم اللّه فإنه لم يوضع إلا للقسم ولهذا لم يستعمل في غيره وما يؤدي معنى القسم كما سنبينه وأما الباء فهي التي للإلصاق أي الباء التي في القسم ليست بحرف موضوع للقسم بل هي الباء التي للإلصاق فإنهم لما احتاجوا إلى إلصاق فعل الحلف بما يقسمون به استعملوها فيه استعمالهم إياها في قولهم كتبت بالقلم إلا أنهم حذفوا الفعل لكثرة القسم في كلامهم اكتفاء بدلالة الباء عليه كما حذفوا في بسم اللّه فقالوا باللّه لأفعلن مريدين أحلف باللّه أو أقسم به فكانت الباء دالة على فعل محذوف وكذلك في سائر الأسماء أي كما تدل الباء على فعل محذوف في باللّه لأفعلن تدل على فعل محذوف في الحلف بسائر الأسماء مثل قوله بالرحمن وبالرحيم بالقدوس لأفعلن والصفات مثل قوله بعزة اللّه وبجلاله وبعظمته وبكبريائه فلم يكن لها أي للباء اختصاص بالقسم يعني لما كان دخولها في القسم باعتبار معنى الإلصاق لا أنها موضوعة له لم تكن مختصة بالقسم لأن الإلصاق لا يختص به (٢/٢٧٥) وأما الواو فإنها أستعيرت في القسم بدلا من الباء لمناسبة بينهما صورة ومعنى كما ذكر في الكتاب وشرط إبدالها حذف الفعل ولهذا قيل إنها عوض عن الفعل ومن ثمة جاز أقسمت باللّه وامتنع أقسمت واللّه كذا في بعض شروح المفصل فتبين أن معنى قوله لا يحسن إظهار الفعل لا يجوز لأنه أي الواو استعير للباء توسعة لصلات القسم إذ الحاجة دعت إلى الاستعارة في باب القسم لكثرة دوره على الألسنة لا لمعنى الإلصاق فلو صح إظهار الفعل مع الواو لصار الواو مستعارا لمعنى الإلصاق إذ لا معنى له عند ظهور الفعل إلا الإلصاق كالباء فتصير الاستعارة عامة في بابها في باب استعارة الواو للباء لأنه يلزم صحة استعماله مكان الباء في غير القسم أيضا فيقال مررت وزيد بالجر بمعنى بزيد وبعت هذا العبد وألف درهم بمعنى بألف درهم وفساده ظاهر إذ لم يسمع ذلك من أحد ولأنه خروج عن الغرض إذ الغرض لها أي لاستعارة الواو للباء الخصوص لباب القسم إذ الداعي إليها وهو الحاجة إلى التوسعة مختص به قوله ويشبه قسمين يجوز أن يكون كلاما مستأنفا يعني لا يجوز إظهار الفعل مع الواو فلو أظهر مع ذلك كان في معنى قسمين لأن قوله أحلف بانفراده يمين وكذا قوله واللّه فإذا جمع بينهما ولم يصلح الواو رابطة صار كأنه قال أحلف باللّه ثم قال واللّه بخلاف الباء لأنها للإلصاق فيكون الكل كلاما واحدا فيكون يمينا واحدة ويجوز أن يكون معطوفا على فيصير أي لو صح إظهار الفعل صارت الاستعارة عامة وأشبه كلامه قسمين لأنه لما قال أحلف واللّه بمعنى باللّه كان بظاهره قسمان لما ذكرنا وغرضه قسم واحد فكان هذا الكلام بظاهره مخالفا لغرضه فلم يكن خاليا عن خلل فكان الاحتراز عنه أولى وكأن الشيخ رحمه اللّه إنما قال لا يحسن إظهار الفعل فلم يقل لا يجوز إشارة منه إلى أن الكلام لا يلغو عند إظهار الفعل ولكنه يشبه قسمين وذلك مخالف للغرض ولا تدخل أي واو القسم في الكناية أي في المضمر لا يقال وكلأفعلن ولما كان لفظ الكناية في اصطلاح الأصوليين متناولا للضمائر وغيرها احترز بقوله أعني الكاف عن غير الضمائر ثم استعير التاء بمعنى الواو أي أبدل التاء عنها على طريقة الإبدال في نحو تراث وتورية وتجاه وتخمة وتهمة إذ الأصل فيها وارث فعال من ورث وراثة وووراة فوعلة من وري (٢/٢٧٦) الزند يري وريا إذا أخرج ناره ووجاه من الوجه ووخمة من وخم الرجل وخامة إذا لم يهنأ الطعام له وهمة من الوهم لأنه أمر يقع في قلب الإنسان كالظن وذكر في شرح القصيدة الشاطبية أن الناس اختلفوا في التورية فذهب البصريون إلى أنها مشتقة من وري الزند وهو الضوء الذي يظهر منه عند القدح فكأنها ضياء ونور ووزنها فوعلة كدوحلة وحوقلة فأبدلت واوها تاء على حد تجاه وتخمة وقلبت ياؤها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وقال الكوفيون وزنها تفعلة كتنفل في تنفل وضعف ذلك لقلة هذا البناء وشذوذه وقال بعضهم هي تفعلة كتوصية ففتحت عينها وقلبت تاؤها ألفا وقد فعل ذلك في ناصية وجارية فقيل ناصاة وجاراة في لغة طيئ وضعف ذلك أيضا لعدم إطراده في توصية وتوقية وقال صاحب الكشاف فيه التوراة والإنجيل اسمان أعجميان وتكلف اشتقاقهما من الوري والنجل ووزنهما بفوعلة وإفعيل إنما يصح بعد كونهما عربيتين قال وقرأ الحسن والإنجيل بفتح الهمزة وهو دليل على العجمة على أفعيل بفتح الهمزة عديم أوزان العرب فتبين بهذا أن الاستشهاد في الكتاب إنما يصح على القول الأول فقط ثم الشيخ ذكر أن المعنى المجوز للمجاز كونهما من حروف الزوائد وذكر الجوهري في الصحاح وجها آخر فقال اتكلت على فلان في أمري إذا اعتمدته وأصله اوتكلت قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ثم أبدلت منها التاء فأدغمت في تاء الافتعال ثم بنيت على هذا الإدغام أسماء من المثال وإن لم يكن فيها تلك العلة توهما أن التاء أصلية لأن هذا الإدغام لا يجوز إظهاره في حال فمن تلك الأسماء التكل والتكلان والتخمة والنجاة والتراث والتقوى وإذا صغرت قلت تكيلة وتخيمى ولا تعيد الواو لأن هذه حروف ألزمت البدل فتثبت في التصغير والجمع وذكر الشيخ عبد القاهر أن الواو في اتعد قلبت تاء لأن الواو قريبة من التاء وقد وقع بعدها تاء الافتعال وهي تقلب تاء بغير سبب كثيرا نحو تخمة وتجاه وتراث فلما كان كذلك صار بمنزلة اجتماع متقاربين ينقلب أحدهما إلى صاحبه ليقع الإدغام ولا يجوز تالرحمن وتالرحيم قد حكى أبو الحسن الأخفش ترب الكعبة ولكنه شاذ لا يؤخذ به (٢/٢٧٧) قوله لكنه أي المقسم به بالنصب عند أهل البصرة حاصله أن الخفض في القسم بإضمار حرف الخفض من غير عوض جائز عند أهل الكوفة وعند أهل البصرة لا يجوز إلا بعوض نحو همزة الاستفهام وهاء التنبيه في قولهم ءاللّه ما فعلت كذا وقولهم لا ها اللّه احتج الكوفيون بما تقول العرب اللّه لتفعلن فيقول المجيب اللّه لأفعلن بهمزة واحدة مقصورة في الثانية فيخفض بتقدير حرف الخفض وإن كان محذوفا وقد جاء في كلامهم إعمال حرف الخفض مع الحذف فقد حكى يونس بن حبيب أن من العرب من يقول مررت برجل صالح إلا صالح فطالح أي إلا أكن مررت برجل صالح فقد مررت بطالح وروي عن رؤبة العجاج أنه إذا قيل له كيف أصبحت كان يقول خير عافاك اللّه أي بخير وفي الشواهد على ذلك من الأشعار كثيرة وأما البصريون فقالوا أجمعنا على أن الأصل في حروف الجر أن لا تعمل مع الحذف وإنما تعمل مع الحذف في بعض الماضي إذا كان عنها عوض فبقيت فيما عداه على الأصل ولا تمسك لهم فيما ذكروا لأن الجواز في قوله اللّه لأفعلن ثبت مخالفا للقياس لكثرة استعماله كما ثبت دخول حرف النداء عليه مع الألف واللام فلا يدل على الجواز في غيره لشذوذه وقلته وكذا ما حكى يونس وما روي عن رؤبة وما نقل من الأشعار في ذلك كلها من الشواذ التي لا يعتد بها فلا يصح التمسك بها كذا في كتاب الإنصاف للأنباري وذكر الإمام عبد القاهر في المقتصد وأما حذف حرف الجر الذي هو الباء في باللّه فعلى وجهين أحدهما أن يحذف ويوصل الفعل إلى الاسم فينصبه فيقال اللّه لأفعلن كأنه قال حلفت اللّه لأفعلن وعلى ذلك ثبت الكتاب ألا رب من قلبي له اللّه ناصح ومن قلبه لي في الظباء السوانح التقدير ألا رب من قلبي له ناصح باللّه والوجه الثاني أن تضمر ويبقى الجر فيقال اللّه لأفعلن والأكثر النصب لأن الجار لا (٢/٢٧٨) يضمر إلا قليلا وإليه مال صاحب المفصل أيضا فعلى هذا لا خلاف في المسألة إذ الخلاف في الأولوية لا في الجواز قوله وقد ذكر في الجامع ما يتصل بهذا الأصل وهو أن حذف حرف القسم جائز فقيل إذا قال واللّه اللّه لا أكلمك فكلمه فعليه كفارة واحدة لأن اسم اللّه إن لم يكن مشتقا كما ذهب إليه الجمهور كان قوله اللّه بمنزلة البدل عن الأول لأن غير المشتق لا يصلح نعتا فصار كأنه سكت واستأنف الحلف بقوله اللّه لا أفعل كذا والقسم بغير حرف صحيح وإن اختلف في إعرابه كما ذكرنا وإن كان مشتقا كما ذهب إليه البعض كان نعتا للأول فصار كأنه قال واللّه المعبود الحق المقصود لا أكلمك فلا يلزمه على التقديرين إلا كفارة واحدة لأنه يمين واحدة ولو قال واللّه الرحمن لا أكلمك فكلمه فعليه كفارة واحدة أيضا لأنه جعل الرحمن خارجا مخرج النعت للأول فصار الاستشهاد واحدا في كلام المتكلم وتسميته فلا يتعدد الهتك ولو قال واللّه والرحمن لا أكلمك فكلمه لزمته كفارتان وقال أبو يوسف وزفر رحمهما اللّه لزمته كفارة واحدة لاتحاد المقسم عليه فإن قوام اليمين فعمرك به فعمرك عليه واتحاد الأول مع تعدد الثاني يوجب كونه يمينا واحدة فكذا عكسه وقلنا إن قوله واللّه عمرك به وقوله والرحمن معطوف عليه فكان غيره في تسمية الحالف فتعدد الاستشهاد فتعدد الهتك فتعددت الكفارة لأنها جزاء الهتك وصار في حق المقسم به بمنزلة اليمينين وإن كان البر واحدا إلا أن ينوي بالواو في والرحمن واو القسم فيكون يمينا واحدة لأنه إذا نوى واو القسم انقطع الكلام وصار كأنه سكت ثم استأنف فقال والرحمن لا أكلمك ولم يحمل عليه بغير نية لأن الواو للوصل في الأصل وعلى اعتبار الوصل يصير واو القسم مدرجا كما تقول مررت بزيد وعمرو أي وبعمرو وبخلاف قوله واللّه واللّه لا أكلمك فكلمه حيث يحمل على واو القسم من غير نية حتى تلزمه كفارة واحدة في ظاهر الرواية لأن عطف الشيء على نفسه قبيح فيجعل الواو للقسم فكان رد الأول كأنه سكت عليه واستأنف الكلام فكان يمينا واحدة فلا يلزمه بالهتك إلا كفارة واحدة قوله وأما ايم اللّه إلى آخره اعلم أن قولهم في القسم أيمن اللّه لأفعلن اسم مفرد عند البصريين وليس بجمع يمين وعند الكوفيين هو جمع يمين لأن وزن أفعل مختص بالجمع ولا يكون في المفرد يدل عليه أن التقدير في قولهم أيمن اللّه علي أيمن اللّه أي أيمان اللّه أو أيمن اللّه يميني وقد جاء جمع يمين على أيمن كقوله يأتي لها من أيمن وأشمل (٢/٢٧٩) وكقول زهير فيجمع أيمن منا ومنكم بمقسمه تمور بها الدماء والأصل في همزتها أن تكون مقطوعة لأنها جمع إلا أنها وصلت لكثرة الاستعمال وبقيت فتحتها على ما كانت عليه في الأصل ولو كانت همزة وصل لكانت مكسورة واحتج البصريون بأنه لو كان جمعا لوجب قطع الهمزة فيه ولما سقطت في بيد كما في أحرف وأكلب ولما سقطت علمنا أنه ليست بجمع يؤيده أنهم قالوا في أيمن اللّه م اللّه ولو كان جمعا لما جاز حذف جميع حروفه إلا حرفا واحدا إذ لا نظير له في كلامهم ولا نسلم أن هذا الوزن مختص بالجمع فقد جاء في المفرد أيضا مثل آنك وآسد ولا معنى لقولهم أن الأصل في الهمزة القطع ولكنها وصلت لكثرة الاستعمال لأنه لو كان كذلك لما جاز كسرها وقد جاز ذلك بالإجماع فدل أن الوصل في الهمزة أصل وأنه ليس بجمع كذا في الإنصاف وذكر الإمام عبد القاهر في المقتصد أن الأصل في همزة أيمن القطع لأنها جمع يمين ولكنهم وصلوها لكثرة الاستعمال وكذا إذا قيل ايم اللّه لأن اللام محذوفة من أيمن وقد دعاهم الحرص على التخفيف بكثرة تصرف هذه الكلمة على ألسنتهم إلى أن احتجفوا بها فردوها إلى حرف واحد فقالوا م اللّه فمال إلى قول الكوفيين في هذه المسألة وذكر في الإقليد أنها أي كلمة أيمن عند سيبويه اشتقت من اليمن ساكنة الأول فاجتلبت الهمزة للابتداء كما اجتلبت في ابن وأشباهه وحاصل هذه الأقوال أن الأصل في ايم اللّه أيمن اللّه بالاتفاق إلا أن الأيمن جمع يمين عند البعض واسم مفرد مشتق من اليمن عند آخرين فتبين أن ما ذكر الشيخ أن ذلك أي ايم اللّه صلة وضعت للقسم أي كلمة بنفسها يوصل بها القسم بمنزلة الباء في باللّه لا اشتقاق لها أي لا أصل لها ترجع إليه قول آخر خارج عن هذه الأقوال ظفر الشيخ به واختاره قوله وأما العمر إذا قلت لعمرك لأفعلن فعمرك مبتدأ وخبره محذوف والتقدير لعمرك قسمي أو ما أقسم به فهذا يجري مجرى قولك أقسمت بعمرك وإذا قلت لعمر اللّه كان بمنزلة قوله واللّه الباقي وإضمار هذا الخبر لازم كإضمار خبر المبتدأ بعد لولا فلا يقال لعمر اللّه قسمي كما لا يقال لولا زيد موجود لكان كذا فإن لم تأت باللام نصبته (٢/٢٨٠) نصب المصادر وهو القسم أيضا وقلت عمرك ما فعلت كذا وعمرك اللّه ما فعلت كذا أي بتعميرك اللّه وإقرارك له بالبقاء والعمر والعمر وإن كانا متفقين في المعنى وهو البقاء لم يستعمل في اليمين إلا الفتح لأن ذلك يجري مجرى المثل وفي الاختصاص ضرب من تغيير اللفظ لتغيير المعنى وهو في الأصل مصدر عمر الرجل من حد علم أي بقي عمرا وعمرا على غير قياس لأن قياس مصدره التحريك (٢/٢٨١) قوله ومن هذا الجنس أي من قسم حروف المعاني أسماء الظروف ألحقها بحروف المعاني لمشابهتها بالحروف من حيث إنها لا تفيد معانيها إلا بإلحاقها بأسماء أخر كالحروف أما مع فللمقارنة هذا معنى أصلي له لا ينفك عنه في أصل الوضع ألا ترى أن قولك جاء زيد مع عمرو يقتضي مجيئهما معا فلذلك وقعت تطليقتان في قوله أنت طالق واحدة مع واحدة أو معها واحدة دخل بها أو لم يدخل وكذا لو قال لفلان علي عشرة مع كل درهم من هذه الدراهم العشرة درهم يلزمه عشرون درهما وذكر في الهادي للشادي أن مع إذا كانت ساكنة العين فهي حرف وإن كانت متحركة العين فهي اسم وكلاهما بمعنى المصاحبة وذكر في الصحاح قال محمد بن السدي الذي يدل على أن مع اسم حركة آخره مع تحرك ما قبله وقد يسكن وينون نقول جاءوا معا وأما كونه من الظروف فمذكور في بعض كتب النحو ويجوز أن يكون كذلك كعند لأن انتصاب العين فيه ليس للبناء بدليل أنه يقال جاء فلان من معهم بخفض العين كما يقال جاء من عندهم فدل أن انتصابه على الظرف كانتصاب عند وكذا يمكن أن يقدر فيه معنى في فإن قولك زيد مع عمرو معناه في مصاحبة عمرو كما يمكن تقديره في عند في قولك زيد عند عمرو أي في حضرته وقبل للتقديم والسبق فإذا وصف الطلاق بالقبلية المطلقة كان إيقاعا في الحال ولا يقتضي وجود ما بعده فإن صحة التكفير في قوله تعالى فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا لا يتوقف على وجود المسيس بعده وصحة الإيمان في قوله تعالى آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها لا يتوقف على وجود الطمس بعده بل يستفاد به الأمن عنه فإذا قال لامرأته أنت طالق قبل دخولك الدار أو قبل قدوم فلان طلقت للحال دخلت الدار بعد أو لم تدخل قدم فلان أو لم يقدم إذا قال لغير المدخول بها أنت طالق واحدة قبل واحدة تقع (٢/٢٨٢) واحدة ولو قال أنت طالق واحدة قبلها واحدة وقعت ثنتان ولو قال أنت طالق واحدة بعد واحدة تقع ثنتان ولو قال بعدها واحدة تقع واحدة وهو معنى قوله وحكمها أي حكم كلمة بعد في الطلاق ضد كلمة قبل يعني في الصورتين والأصل في تخريج هذه المسائل شيئان أحدهما أن الظرف إذا أدخل بين اسمين ولم يتصل به كناية كان صفة للمذكور أولا وإن اتصل به كناية كان صفة للمذكور آخرا فإذا قال جاءني زيد قبل عمرو كانت القبلية صفة لزيد وإذا قال قبله عمرو كانت القبلية صفة لعمرو والمراد بكون القبلية صفة لكذا كونها صفة من حيث المعنى أي التقدم الذي هو مدلول هذه الكلمة صفة معنوية لكذا فأما اللفظ فمنصوب على الظرف ولو كانت صفة لفظا لم يكن إلا للمذكور أولا والأصل الثاني من أقر بطلاق سابق يكون ذلك إيقاعا منه في الحال لأن من ضرورة الإسناد الوقوع في حال وهو مالك للإيقاع في الحال غير مالك للإسناد فيثبت الإيقاع في الحال تصحيحا لكلامه فإذا قال أنت طالق واحدة قبل واحدة كانت القبلية صفة للواحدة الأولى ولو لم يقيدها بهذا الوصف لكن قال وواحدة لوقعت الأولى سابقة ولغت الثانية لعدم المحل فعند التأكيد به أولى وصار معناه قبل واحدة تقع عليك وإذا قال واحدة قبلها واحدة كانت القبلية صفة للثانية وليس في وسعه تقديم الثانية وفي وسعه القران كما إذا قال معها واحدة فيثبت من قصده قدر ما كان في وسعه وصار كأنه قال قبلها واحدة وقعت عليك وكذا إذا قال بعد واحدة وقعت ثنتان لأن البعدية تصير صفة للأولى فتقتضي تأخير الأولى وليس في وسعه ذلك بعدما أوجبها وفي وسعه الجمع فيثبت من قصده ذلك وصار معنى كلامه بعد واحدة تقع عليك وإذا قال بعدها واحدة وقعت لأن البعدية صفة للثانية فلا تقع لأنه لو لم يؤكد الثانية بالبعدية لا تقع الثانية لما ذكر فعند التأكيد أولى وصار كأنه قال أنت طالق بعد الأولى التي وقعت عليك وعلى هذا الأصل لو قال له علي درهم قبل درهم يلزمه درهم واحد لأن قبلا نعت للمذكور أولا فكأنه قال درهم قبل درهم آخر يجب علي ولو قال قبله درهم فعليه درهمان لأنه نعت للمذكور آخرا أي قبله درهم قد وجب علي ولو قال درهم بعد درهم (٢/٢٨٣) أو بعده درهم يلزمه درهمان لأن معناه بعد درهم قد وجب أو بعد درهم قد وجب لا يفهم من الكلام إلا هذا وفي قوله بعده درهم الإقرار مخالف للطلاق قبل الدخول لأن الطلاق بعد الطلاق هناك لا يقع والدرهم بعد الدرهم يجب دينا كذا في المبسوط فتبين بهذا أن التقييد بالطلاق في قوله وحكمها في الطلاق ضد حكم قبل احتراز عن الإقرار وقوله لما ذكرنا إشارة إلى المذكور في شرح الجامع الصغير والمبسوط لأن الحضرة تدل على الحفظ كما إذا قال لآخر وضعت هذا الشيء عندك يفهم منه الاستحفاظ وكما لو قال لناشد الضالة لا تطلب ضالتك فإنها عندي يفهم منه الحفظ أي هي محفوظة عندي وكما لو كان رجلان في مجلس فخرج أحدهما وترك متاعه وجب على الآخر الحفظ حتى لو تركه صار ضامنا بترك الحفظ فثبت أن الحضرة تدل على الحفظ وفي المبسوط إذا قال لفلان عندي ألف درهم كان إقرارا الوديعة لأن هذه الكلمة عبارة عن القرب وهي تحتمل القرب من يده فيكون إقرارا بالأمانة ومن ذمته فيكون إقرارا بالدين فلا يثبت به إلا الأقل وهو الوديعة ولو قال عندي ألف درهم دين فهي دين لأن قوله عندي محتمل فسره بأحد المحتملين فكان تفسيره صحيحا وعلى هذا قلنا أي على أن هذه الألفاظ تدل على الظرف على تفاوت معانيها قلنا إذا قال لامرأته وقد دخل بها أنت طالق كل يوم وليس له نية لم تطلق إلا واحدة عندنا وإذا ذكر الألفاظ المذكورة تطلق ثلاثا وقال زفر رحمه اللّه تطلق ثلاثا في ثلاثة أيام في المسألة الأولى أيضا لأن قوله أنت طالق إيقاع وكلمة كل تجمع الأسماء فقد جعل نفسه موقع الطلاق عليها في كل يوم وذلك بتجدد الوقوع إلى أن تطلق ثلاثا كما لو قال أنت طالق في كل يوم ولكننا نقول صيغة كلامه وصف قد وصفها بالطلاق في كل يوم وهي بالتطليقة الواحدة يتصف به في الأيام كلها وإنما جعلنا كلامه إيقاعا لضرورة تحقيق الوصف وهذه الضرورة ترتفع بالواحدة ألا ترى أنه لو قال أنت طالق أبدا لم تطلق إلا واحدة بخلاف قوله في كل يوم لأن حرف في للظرف والزمان ظرف للطلاق من حيث الوقوع فيه فما يكون اليوم ظرفا له لا يصلح الغد ظرفا له فتجدد الإيقاع لتحقيق ما اقتضاه حرف في كذا في المبسوط وفي قوله كل يوم إن قال أردت أنها طالق كل يوم تطليقة أخرى فهو كما نوى وتطلق ثلاثا في ثلاثة أيام لأنه أضمر حرف في وكذا قوله أنت علي كظهر أمي كل يوم ينبغي أن (٢/٢٨٤) يكون على الخلاف فيتجدد في كل يوم ظهار عنده وعندنا وهو ظهار واحدة ويدخل فيه الليل والنهار كما لو قال أنت علي كظهر أمي أبدا ولو قال في كل يوم أو مع كل يوم أو عند كل يوم تجدد عند كل يوم ظهار لكن لا يدخل الليل في الظهار حتى كان له أن يقربها بالليل لأن توقيت الظهار عندنا صحيح فصار كأنه قال في كل يوم أنت علي كظهر أمي هذا اليوم فلا يدخل فيه الليل وهذا أي التفرقة التي ذكرنا بين حذف الظرف وإثباته لما قلنا في موضعه من المبسوط أنه إذا حذف لفظ الظرف كان الكل أي كل الأيام ظرفا واحدا للطلاق والظهار فلا يقع إلا تطليقة واحدة وظهار واحد فإذا أثبته أي لفظ الظرف بأن قال عند كل يوم مثلا صار كل فرد أي كل يوم بانفراده ظرفا على حدة لأن الظرف حينئذ كلمة عند مضافة إلى كل يوم فيستدعي مظروفا على حدة فيتجدد الطلاق والظهار على نحو ما قلنا في مسألة الغد من التفرقة بين حذف في وإثباته على مذهب أبي حنيفة رحمه اللّه وهذه المسألة تؤيد مذهبه في مسألة الغد فإن قيل إن أبا يوسف ومحمدا لم يفرقا في مسألة الغد بين حذف في وإثباته وهاهنا فرقا بين حذف الظرف وإثباته فما وجه الفرق لهما بين الموضعين قلنا وجهه أن الغد ظرف واحد بلا شبهة لا يتعدد بإثبات في وحذفه فاستوى فيه الحذف والإثبات فأما قوله كل يوم فيجوز أن يكون ظرفا واحدا نظرا إلى لفظ كل فإنه هو المنتصب بالظرفية وهو لفظ واحد ويجوز أن يكون ظروفا متعددة نظرا إلى ما أضيف إليه كل فإنه متعدد وإنه أبدا يأخذ حكم المضاف إليه فإذا لم يذكر حرف في أو ظرف آخر ووقع عليه الفعل جعل ظرفا واحدا كالأبد وإذا ذكر حرف في أو ظرف آخر وانتقل عمل الفعل عنه إليه ثم أضيف ذلك الظرف إلى كل جعل ظروفا متعددة عملا بالشبهين (٢/٢٨٥) قوله ومن هذا الباب أي من باب حروف المعاني حروف الاستثناء سماها حروفا لأن الأصل فيها كلمة إلا وهي حرف فيكون البواقي جارية مجرى التبع لها وهي عشرة إلا وغير وسوى وسواء ولا يكون وليس وخلا وعدا وما خلا وما عدا وحاشا وزاد أبو بكر بن السراج لا سيما وضم بعضهم إليها بيد بمعنى غير وزاد بعضهم بله بمعنى دع وإنما يدخل ليس ولا يكون في هذا الباب إذا تقدمها كلام فيه عموم كما يكون فيما قبل إلا لما فيهما من معنى النفي على اختلافهما في الأصل فإن ليس ولا دخلتا على ما هو مثبت فصيرتاه نفيا فإذا قال أعتقت عبيدي ليس سالما أو لا يكون سالما لا يعتق سالم لأن معناه إلا سالما والتقدير ليس بعضهم سالما أو لا يكون بعضهم سالما كذا ذكر في كتاب بيان حقائق الحروف وأصل ذلك إلا أي الأصل في الاستثناء والحقيقة فيه كلمة إلا لأنها لازمة للاستثناء في أصل الوضع وما عداها قد يكون استثناء وغير استثناء ولأن الموضوع لنقل الكلام من معنى إلى معنى في سائر الأبواب هو الحروف لا الأسماء والأفعال كحروف الاستفهام وحروف النفي وحروف الشرط فكذا في هذا الباب ومن ذلك أي ومما يستثنى به غير وهو من الأسماء للحوق علامات الاسم به من التنوين والألف واللام والإضافة يستعمل صفة للنكرة لأنه نكرة بحيث لا تتعرف بالإضافة وإن أضيف إلى المعارف وإنما وقع صفة للذين أنعمت عليهم في قوله عز اسمه غير المغضوب عليهم على أحد التأويلين لأن الذين أنعمت عليهم في معنى النكرة إذ هو غير مقصور على معنيين ومثله بمنزلة النكرة كقوله ولقد أمر على اللئيم يسبني ويستعمل استثناء لمشابهة بينه وبين إلا من حيث إن بعد كل واحد منهما مغاير لما قبله ولهذه المشابهة تقع إلا مقام غير أيضا قليلا وتستحق إعراب المتبوع مع امتناعها عنه فيعطي ما بعدها وعليه قوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا اللّه لفسدتا وقوله عليه السلام الناس كلهم موتى إلا العالمون وقول الشاعر وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان (٢/٢٨٦) أي غيرهما ولهذا قالوا إذا قال له علي مائة إلا درهمان بالرفع يلزمه مائة لأن إلا هاهنا بمعنى غير فصار كأنه قال علي مائة هي غير درهمين وعند من لا يعتبر الإعراب باعتبار أن العوام لا يميزون بين صحيح الإعراب وفاسده يلزمه ثمانية وتسعون كما لو قال إلا درهمين بالنصب ولما استعمل استثناء ولا بد له من إعراب لأنه اسم جعل إعرابه كإعراب الاسم الواقع بعد إلا ليعلم أنه استثناء والفرق بين كونه صفة واستثناء أنه لو قال جاءني رجل غير زيد لم يكن فيه دلالة أن زيدا جاء ولم يجئ بل كان خبرا أن غيره جاء ولو قال جاءني القوم غير زيد كان اللفظ دالا أن زيدا لم يجئ والثاني أن استعماله صفة يختص بالنكرة على ما قلنا واستعماله استثناء لا يختص بالنكرة وقد يقع بمعنى لا أيضا فينتصب على الحال كقوله تعالى غير باغ ولا عاد أي فمن اضطر جائعا لا باغيا ولا عاديا وكذا غير ناظرين إناه غير محلي الصيد لفلان علي درهم غير دانق أي درهم مغاير للدانق وقد كان في ذلك الزمان درهم على وزن دانق فأكد المقر أن الواجب علي ليس ذلك الدرهم وإنما هو درهم مطلق فيلزمه درهم تام وهو الذي وزنه وزن سبعة والدانق بالفتح والكسر قيراطان والجمع دوانق ودوانيق وما يقع من الفصل إلى آخره يعني جعل محمد استثناء الدراهم من الدنانير من الاستثناء المنقطع وهو بطريق المعارضة كاستثناء الثوب منها وجعل أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما اللّه ذلك من الاستثناء المتصل وذلك بطريق البيان وتبين الفرق بين المعارضة والبيان في ذلك الباب والحاصل أن بيان هذا الفصل يأتي في باب البيان قوله وسوى مثل غير يعني في أنه يستثنى به قال سيبويه كل موضع جاز فيه الاستثناء بإلا جاز بسوى ولذلك لا يكون استثناء إذا وقع بعد اسم مفرد نحو مررت برجل سواك لأنه لا يجوز فيه الاستثناء بإلا والفرق بين غير وسوى أن غيرا لا يكون ظرفا وأصله أن يكون صفة بمنزلة مثل لأنه نقيضه تقول مررت برجل غيرك كما تقول برجل مثلك وسوى ظرف مكان منصوبا أبدا على الظرفية ولا يكون صفة تابعة لتضمنه معنى الظرف وإن كان فيه معنى غير وبيان ظرفيته أن العرب تجري الظروف المعنوية مجرى الظروف الحقيقة فيقولون (٢/٢٨٧) جلس فلان مكان فلان ولا يعنون إلا منزلة في الذهن مقدرة فينصبونه نصب الظرف الحقيقة ويستعملون سوى أيضا في هذا الموضع فيقولون مررت برجل سواك ويعنون مكانك وعوضا منك من حيث المعنى فلزم أن ينتصب انتصاب المكان للظرفية ومما يدل على ظرفيته وقوعه صلة نحو جاءني الذي سواك بخلاف غير قال الإمام عبد القاهر ومما لا يستعمل إلا ظرفا سوى لا تقول في السعة هذا لسواك ولا على سواك وإنما تقول بمن سواك وبرجل سواك فتجريه مجرى قولك مررت برجل مكانك فيكون منصوبا في تقدير في مكانك قلت قام مقامك ونزل مكانك كما تقول أخذت هذا بدل ذلك هذا الذي ذكرنا هو مذهب سيبويه ومن تابعه من البصريين وذهب الكوفيون إلى أنه كما يستعمل ظرفا يستعمل اسما بمعنى غير فيعرب كغير متمسكين بالبيت الحماسي ولم يبق سوى العدوان دناهم كما دانوا وبقول الآخر ولا ينطق المكروه من كان منهم إذا جلسوا منا ولا من سوائنا فلو لزم ظرفية سوى وسواء لما ارتفع الأول ولما انجر الثاني والجواب أن إخراجه عن الظرفية لضرورة الشعر جائز عندنا والكلام في حالة الاختيار وأنهم لم يستعملوه في هذه الحالة إلا ظرفا فعلى قول هؤلاء يجوز أن يقع سوى صفة مثل غير قال الأخفش إذا كان سوى بمعنى غير ففيه ثلاث لغات كسر السين وضمها مع القصر وفتحها مع المد تقول مررت برجل سواك وسواك وسواءك أي غيرك كذا في الصحاح وقد ذكرنا مسائل الجامع في فصل من فلا نعيدها (٢/٢٨٨) حروف الشرط قوله ومن ذلك أي من باب حروف المعاني حروف الشرط أي كلمات الشرط أو ألفاظ الشرط وتسميتها حروفا باعتبار أن الأصل فيها كلمة إن وهو حرف فهو الأصل في هذا الباب لأنه اختص بمعنى الشرط ليس له معنى آخر سواه بخلاف سائر ألفاظ الشرط فإنها تستعمل في معان أخر سوى الشرط وضع للشرط أي هو موضوع للدلالة على كينونة ما بعده شرطا قالوا معنى كلمة إن ربط أحد الجملتين بالأخرى على أن تكون الأولى شرطا والثانية جزاء يتعلق وقوعها بوقوع الأولى كقولك إن تأتني أكرمك يتعلق الإكرام بالإتيان وإنما تدخل أي حرف إن على كل أمر أي شأن معدوم لأنه للمنع أو للحمل ومنع الموجود والحمل عليه لا يتحقق على خطر أي تردد بين أن يوجد وبين أن لا يوجد وهو احتراز عن المستحيل وعن الفعل المتحقق لا محالة كمجيء الغد بالنظر إلى العادة قال الإمام عبد القاهر ما كان متحقق الوجود لا يجوز فيه إن ولا الأسماء الجازمة لا يقال إن طلعت الشمس خرجت ومتى تطلع الشمس أخرج لأنها طالعة خرجت أو لم تخرج والجزاء بإن موضوع على أن أحد الأمرين مفتقر إلى صاحبه في وجوده وانتفاء أحدهما يوجب انتفاء الآخر وقوله ليس بكائن لا محال تأكيد قال شمس الأئمة رحمه اللّه الشرط فعل منتظر في المستقبل هو على خطر الوجود بقصد نفيه أو إثباته ولا يتعقب الكلمة اسم لأن معنى الخطر في الأسماء لا يتحقق ودخول هذا الحرف في الاسم في نحو قوله تعالى إن امرؤ هلك وإن امرأة خافت من قبيل الإضمار على شرطية التفسير أو من باب التقديم والتأخير لأن أهل اللغة مجمعون على أن الذي يتعقب حرف الشرط هو الفعل دون الاسم وأثره أي أثر حرف إن أن يمنع العلة عن الحكم أي يمنعها عن انعقادها علة للحكم حتى يبطل التعليق أي إلى أن يبطل التعليق بوجود الشرط فحينئذ يصير ما ليس بعلة علة وعند الشافعي أثره أن يمنع الحكم عن العلة ولا يمنع العلة عن الانعقاد وسيأتيك الكلام فيه مشروحا بعد إن شاء اللّه تعالى (٢/٢٨٩) وعلى هذا أي على أن إن للشرط المحض قلنا إذا قال لامرأته إن لم أطلقك فأنت طالق ثلثا لم تطلق حتى يموت أحدهما قبل أن يطلقها لأن إن للشرط وأنه جعل عدم إيقاع الطلاق عليها شرطا ولا يتيقن بوجود هذا الشرط ما بقيا حيين فهو كقوله إن لم آت البصرة فأنت طالق ثم إن مات الزوج وقع الطلاق عليها قبل موته بقليل وليس لذلك القليل حد معروف ولكن قبيل موته يتحقق عجزه عن إيقاع الطلاق عليها فيتحقق شرط الحنث فإن كان لم يدخل بها فلا ميراث لها وإن كان قد دخل بها فلها الميراث بحكم الفرار ولا يقال المعلق بالشرط كالملفوظ به لدى الشرط وقد تحقق العجز عن التكلم قبل الموت حين حكمنا بوجود الشرط فكيف يستقيم أن يجعل متكلما بالطلاق في هذه الحالة لأنا نقول هو أمر حكمي فلا يشترط فيه ما يشترط لحقيقة التطليق من القدرة وإنما يشترط ذلك عند التعليق ألا ترى العاقل إذا علق الطلاق أو العتق ثم وجد الشرط وهو مجنون فإنه ينزل الجزاء وإن لم يتصور منه حقيقة التطليق والإعتاق في هذه الحالة شرعا وإن ماتت المرأة وقع الطلاق أيضا قبل موتها وذكر في النوادر أنه لا يقع لأنها ما لم تمت ففعل التطليق فيتحقق من الزوج وإنما عجز بموتها فلو وقع الطلاق لوقع بعد الموت بخلاف جانب الزوج فإنه كما أشرف على الهلاك فقد وقع اليأس عن فعل التطليق وجه الظاهر أن الإيقاع من حكمه الوقوع وقد تحقق العجز عن الإيقاع قبيل موتها لأنه لا يعقبه الوقوع كما لو قال أنت طالق مع موتك فيقع الطلاق قبيل موتها بلا فصل ولا ميراث للزوج لأن الفرقة وقعت بينهما قبل موتها بإيقاع الطلاق عليها كذا في المبسوط واعلم أن إذا من الظروف اللازمة ظرفيتها وهو مضاف أبدا إلى جملة فعلية وفيه معنى المجازاة لأنه للاستقبال وفيه إبهام فناسب المجازاة إذ الشرط لا يكون إلا مستقبلا مجهول الشأن لتردده بين أن يكون وبين أن لا يكون ولهذا اختص إذا بالجملة الفعلية وأنه (٢/٢٩٠) قد يكون ظرفا غير متضمن للشرط كما في قوله تعالى والليل إذا يغشى وذكر الإمام عبد القاهر أن إذا لا يجازى بها إلا في ضرورة الشعر كبيت الكتاب ترفع لي خندف واللّه يرفع لي نارا إذا خمدت نيرانهم تقد قال والاختيار أن لا يجزم بها لأنهم وضعوها على ما يناسب التخصيص ويبعد من الإبهام الذي يقتضيه إن الأتراك تقول آتيك إذا احمر البسر بمنزلة قولك آتيك الوقت الذي يحمر فيه البسر ولو قلت آتيك إن احمر البسر لم يستقم لأن احمرار البسر ليس بعلة للإتيان وإذا قلت أخرج إذا خرجت كان بمنزلة قولك أخرج الوقت الذي تخرج فيه ولا تكون موضوعة على تعليق خروج هذا بخروج ذلك كما في قولك أخرج إن خرجت قال ومن جازى بها فالحمل على ظاهر الحال وهو أن خروجك لما تعلق بوقت خروج الآخر صار كأن هذا سبب له فدخله معنى الجزاء ونظير إذا في أن معنى المجازاة دخله ولا يجزم به الذي فإنك تقول الذي يفعل كذا فله درهم بمعنى أن يفعل إنسان فله درهم ثم لا تجزم به قوله فيجازي بها أي بكلمة إذا مرة ولا يجازي بها أخرى أي تستعمل مرة للشرط ويرتب عليها الجزاء وتستعمل للوقت مرة والحاصل أن كلمة إذا مشتركة بين الوقت والشرط عند الكوفيين فإذا استعملت في الشرط لم يبق فيها معنى الوقت وصارت بمعنى إن كما في سائر الألفاظ المشتركة إذا استعملت في أحد المعاني لم يبق فيها دلالة على غيره وإليه ذهب أبو حنيفة رحمه اللّه وعند البصريين هي موضوعة للوقت وتستعمل في الشرط من غير سقوط معنى الوقت كمتى وإليه ذهب أبو يوسف ومحمد رحمهما اللّه والخلاف المذكور في قوله إذا لم أطلقك فأنت طالق فيما إذا لم ينو شيئا فأما إذا نوى الشرط أو الوقت فهو على ما نوى بالاتفاق والمجازاة بها أي بكلمة متى لازمة في غير موضع الاستفهام وموضع الاستفهام مثل قولك متى القتال أو متى خرج زيد وذلك لأن الجزاء في مقابلة الشرط والاستفهام ليس بشرط لأنه طلب الفهم عن وجود شيء وحاصل (٢/٢٩١) المعنى أن استعمال إذا للشرط لا يوجب سقوط معنى الوقت عنه لأن المجازاة في متى ألزم منها في إذا لأنها في متى لازمة في غير موضع الاستفهام وفي إذا جائزة ثم لم يسقط معنى الوقت عن متى في المجازاة فأولى أن لا يسقط عن إذا فيها وإذا تدخل للوقت أي لإفادة الوقت الخالص على أمر كائن أي موجود في الحال كقوله وإذا تكون كريهة أدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب أو منتظر لا محالة كقوله تعالى إذا الشمس كورت لأن ذلك سيوجد قطعا وتستعمل للمفاجأة إذا المفاجأة هي الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصبا لها وجملة تضاف إليها وتلك الجملة مركبة من مبتدأ وخبر والعامل في إذا هذه معنى المفاجأة وهو عامل لا يظهر لاستغنائهم عن إظهاره بقوة ما فيه من الدلالة عليه والذي يدل على ذلك قولك خرجت فإذا زيد بالباب إذ لو كان العامل خرجت يلزم الفصل بين العامل ومعموله بالفاء وهو باطل وغرض الشيخ أنها استعملت للمفاجأة والمفاجأة لا يحتمل معنى الشرط بوجه قال الإمام عبد القاهر ومما يجاب به الشرط إذا في قوله وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون فهم مبتدأ ويقنطون خبره وإذا بمنزلة الفاء في تعليقه الجملة بالشرط وذلك أن إذا المفاجأة دالة على التعقيب الذي يدل عليه الفاء فإنك إذا قلت مررت به إذا هو عبد معناه مررت فبحضرتي هو عبد فإذا بمنزلة قولك فبحضرتي ومتضمن لمعنى التعقيب الذي هو (٢/٢٩٢) في الفاء وإذا كان كذلك كان قوله عز وجل إذا هم يقنطون في موضع جزم لوقوعه موقع يقنطوا إذا قيل وإن تصبهم سيئة يقنطوا وإذا كان كذلك أي وإذا كان إذا مستعملا فيما ذكرنا من المعاني كان مفسرا أي معلوما من وجه من حيث إن وجوده في المستقبل معلوم للمتكلم وإن لم يعلم وقت وجوده عينا فلا يصلح شرطا لأن الشرط ما هو متردد الوجود في المستقبل على ما مر إلا أنه أي لكنه قد يستعمل في الشرط مستعارا أي مجازا لما ذكرنا من المناسبة مع قيام معنى الوقت ولا يقال حينئذ يصير جمعا بين الحقيقة والمجاز لأنا نقول لا تنافي بينهما في هذه الصورة لأن الوقت يصلح شرطا وعدم جواز الجمع باعتبار التنافي وإذا ثبت ما ذكرنا كان الطلاق مضافا إلى زمان خال عن الإيقاع وكما سكت وجد ذلك الوقت فتطلق ثم استدل بالحكم فقال ألا ترى أن من قال لامرأته أنت طالق إذا شئت لم يتقدر بالمجلس كما لو قال متى فلو كان إذا للشرط لبطلت المشيئة إذا قامت عن المجلس كما لو قال أنت طالق إن شئت بطلت مشيئتها بالقيام عن المجلس فعلم أنه للوقت حقيقة قد يكون حرفا بمعنى الشرط لأن كونه اسما باعتبار دلالته على الوقت فإذا سقط عنه معنى الوقت عندهم بإرادة معنى الشرط كان حرفا كإن ويجوز أن يكون اللفظ الواحد اسما وحرفا كعن وعلى والكاف ونحوها واحتج الفراء وهو أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء لذلك أي لكونه للشرط المحض بقول الشاعر والشعر لواحد من الفضلاء يوصى ابنه وأوله أجميل إني كنت كارم قومه فإذا دعيت إلى المكارم فاعجل أوصيك يا ابني إنني لك ناصح طبن بريب الدهر غير مغفل (٢/٢٩٣) اللّه فاتقه وأوف بنذره وإذا حلفت مماريا فتحلل واستغن ما أغناك ربك بالغنى وإذا تصبك خصاصة فتجمل وإذا تجاسر عند عقلك مرة أمران فاعمد للأعسف الأجمل وفي بعض الروايات أبني إن أباك كارب يومه من كرب الشيء إذا دنا أوصيك إيصاء امرئ لك ناصح طبن بريب الدهر غير معقل من عقلت الإبل أي شددت عقالها والطبن الحاذق يقول إن أباك قريب يوم موته أو كريم قومه فاعمل بنصيحتي فإني بصروف الدهر عالم غير عاقل أو غير ممنوع عن العلم بها فمن نصائحي أن تعد نفسك غنيا بالغنى وتظهر ذلك ما أغناك اللّه وإذا أصابتك مسكنة وفقر فتكلف بالصبر على الفعل الجميل أي اصبر صبرا جميلا من غير جزع وشكوى أو معنى تجمل أظهر الغنى من نفسك بالتجمل والتزين كي لا يقف الناس على حالك أو معناه كل الجميل وهو الشحم المذاب تعففا إنما معناه إن تصبك خصاصة بلا شبهة لأن إصابة الخصاصة من الأمور المترددة وكلمة إذا إذا كانت بمعنى الوقت إنما تستعمل في الأمر الكائن أو المنتظر الذي لا ريب فيه عادة أو شرعا نحو مجيء الغد والقيام إلى الصلاة فلو لم تصر كلمة إذا هاهنا بمعنى الشرط وبقي معنى الوقت فيها لما جاز استعمالها في الأمر المتردد بخلاف متى لأنها لا تستعمل في الأمور الكائنة لا محالة فاستعمالها للشرط لا يدل على سقوط معنى الوقت عنها فإن قيل ينبغي أن تحمل على متى حتى يبقى الوقت فيها معتبرا أو إن جوزي بها كما في متى قلنا لو فعلنا ذلك يلزم منه ترك خاصيته وهي الدخول في الأمور الكائنة إذا كان بمعنى الوقت كما ذكرنا وذكر في بعض الحواشي أن الجزم به ودخول الفاء في جوابه دال على أنه بمعنى إن لكن للخصم أن يقول أنا أسلم أنه قد يجيء بمعنى الشرط إلا أن النزاع في سقوط معنى الوقت عنه وليس في البيت دليل على ذلك ألا ترى أنه لو قيل ومتى تصبك خصاصة فتجمل لاستقام اللفظ والمعنى أيضا من غير سقوط معنى الوقت قوله وكذلك إذا ما يعني لا يفترق الحال بين دخول ما على إذا وبين عدمه فيما ذكرنا من الأحكام إلا أن دخول ما تحقق معنى المجازاة باتفاق بين البصريين والكوفيين (٢/٢٩٤) وما هذه تسمى المسلطة ومعنى المسلطة أن تجعل الكلمة التي لا تعمل فيما بعدها عاملة فيه تقول إذا ما تأتني أكرمك فما هي التي سلطت إذا على الجزم لأنه كان اسما يضاف إلى الجمل غير عامل فجعلته ما حرفا من حروف المجازاة عاملة بمنزلة متى وعند بعضهم ما في إذا صلة كذا في كتاب بيان حقائق الحروف قوله وأما متى إلى آخره متى من الظروف أيضا وهو اسم للوقت المبهم وأنه يتضمن معنى الاستفهام والشرط وكأن المتكلم به في الاستفهام أراد أن يقول أكان ذلك يوم الجمعة أو يوم السبت أو يوم كذا وكذا إلى ما يطول ذكره فأتى بمتى للإيجاز فاشتمل على الأزمنة كلها وهو معنى قوله هو اسم للوقت المبهم ولهذا المعنى جعل نائبا عن إن في الشرط إذا كان اللازم في قولك متى تأتني أكرمك أن تقول إن تأتني يوم الجمعة أكرمك وإن تأتني يوم السبت أكرمك إلى حد يوجب الإطالة فجئت بمتى فحصل المقصود والفصل بين إذا ومتى أن إذا للأمور الواجب وجودها ومتى لم يتوقع بين أن يكون وبين أن لا يكون تقول إذا طلعت الشمس خرجت وإذا أذن للصلاة قمت ولا يصلح في مثل هذا متى وتقول متى تخرج أخرج مع من لا يتيقن بخروجه فتبين بما قلنا إن معنى قوله بلا اختصاص أنه لا يختص وقتا دون وقت فلذلك كان مشاركا لأن في الإبهام لتردد ما دخل عليه متى بين أن يوجد وبين أن لا يوجد كما في كلمة إن فلزم في باب المجازاة يعني فلهذه المشاركة لزم متى في باب المجازاة أي المجازاة به لازمة يعني في غير موضع الاستفهام مثل إن إلا أن التفاوت بينهما في قيام معنى الوقت وانتفائه وأما في موضع الاستفهام فإنما لا يستعمل استعمال الشرط لأن الاستفهام عبارة عن طلب الفهم عن وجود الفعل فلا يستقيم إضمار حرف إن فوقع الطلاق عقيب اليمين بلا فصل لوجود شرط الحنث وهو الوقت الخالي عن الإيقاع وقوله متى شئت لم يقتصر على المجلس لأنه باعتبار إبهامه يعم الأزمنة وكذلك متى ما يعني كما عرفت حكم متى في الشرط فكذلك حكم متى ما بل أولى لأنه إذا دخل ما عليه يصيره للجزاء المحض ولا يصلح للاستفهام ومن وما يدخلان في هذا الباب أي باب الشرط لإبهامهما فإن كل واحد منهما لا يتناول عينا وتحقيقه أن من وما لإبهامهما دخلا في باب العموم على ما مر فلما كان (٢/٢٩٥) العموم في الشرط مقصودا للمتكلم وتخصيص كل واحد من الأفراد بالذكر متعسر أو متعذر أو من وما يؤديان هذا المعنى مع الإيجاز وحصول المقصود نابا مناب إن فقيل من تأتني أكرمه وما تصنع أصنع والمسائل فيهما كثيرة مثل قوله من شاء من عبيدي عتقه فهو حر من دخل هذا الحصن فله رأس ومن دخل منكم الدار فهو حر وأما إذا كان للشرط فهو اسم بمعنى أي تقول ما تصنع اصنع وفي التنزيل ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ما يفتح اللّه للناس من رحمة فلا ممسك لها ولا يتعلق به من مسائل الفقه شيء ولم يستعمله الفقهاء في الفقه كذا في كتاب بيان حقائق الحروف قوله وقد روي عن أبي يوسف إلى آخره اعلم أن لو فيه معنى الشرط لأن معناه تعليق إحدى الجملتين المتباينتين بالأخرى على أن يكون الثانية جوابا للأولى كان ولهذا يتعقبه الفعل تحقيقا أو تقديرا إلا أن لو للماضي تقول جئتني لأكرمتك وهو معنى قولهم لو لامتناع الشيء لعدم غيره لأن الفعل الثاني لما تعلق وقوعه بوجود الأول وامتنع الأول لأن الفعل في الزمان الماضي إذا عدم استحال إيجاده فيه بعد كان الثاني أيضا ممتنعا ضرورة تعلقه به فعلى هذا لو قال لعبده لو دخلت الدار لعتقت ولم يدخل العبد الدار في الزمان الماضي ودخلها بعد كان ينبغي أن لا يعتق لأن معناه لو كنت دخلت الدار أمس لصرت حرا ولا تعلق لهذا الكلام بالمستقبل كما ترى إلا أن الفقهاء علقوا العتق بالدخول الذي يوجد في المستقبل لأن لو لمواخاتها كلمة إن في معنى الشرط يستعمل في الاستقبال كأن يقال لو استقبلت أمرك بالتوبة لكان خيرا لك أي إن استقبلت وقال تعالى ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أي وإن أعجبكم ولو كره الكافرون ولو كره المشركون كما أن إن استعمل بمعنى لو قال تعالى إخبارا إن كنت قلته فقد علمته وعليه يخرج ما ذكر في الكتاب أنت طالق لو دخلت الدار فإن الطلاق لا يقع حتى تدخل الدار رواه ابن سماعة في نوادره عن أبي يوسف قال ولو بمنزلة إن كذا في كتاب بيان حقائق الحروف وليس فيه ذكر محمد وكذا لم يذكره شمس الأئمة في أصول الفقه وليس في هذه المسألة نص عن أبي حنيفة رحمه اللّه وإلى أن هذه المسألة من النوادر أشار الشيخ بقوله وقد روي وقوله لأن فيها معنى الترقب أي الانتظار معناه إذا كان الفعل الذي بعده بمعنى المستقبل لأنه حينئذ يصير مترددا فيتصور فيه الترقب ثم اللام تدخل في جواب (٢/٢٩٦) لو لتأكيد ارتباط إحدى الجملتين بالأخرى قال اللّه تعالى لو كان فيهما آلهة إلا اللّه لفسدتا ويجوز حذفها كقوله تعالى لو نشاء جعلناه أجاجا ولا تدخل الفاء في جوابه لأن الفاء إنما تدخل في جملة لو كان مكانها الفعل المضارع انجزم وكلمة لولا تعمل في الجزم أصلا لأنها للماضي والجزم يختص بالمضارع على ما عرف ولهذا قال أبو الحسن الأهوازي إذا قال لامرأته لو دخلت الدار فأنت طالق يقع الطلاق في الحال كما لو قال إن دخلت الدار وأنت طالق لأن الفاء لا تدخل في جواب لو كما أن الواو لا تدخل في جواب إن قال صاحب كتاب بيان حقائق الحروف هو كما قال الأهوازي أن الفاء لا تدخل في جواب لو عند النجاة بلا خلاف فأما عند الفقهاء فليس كذلك لأني سألت القاضي الإمام أبا عاصم العامري عن هذه المسألة فقلت لو أن رجلا قال لامرأته لو دخلت الدار فأنت طالق فقال لا تطلق ما لم تدخل الدار وما سألته عن العلة والعلة فيه أن لو شرط صحيح كان وقد جاء كل واحد منهما بمعنى الآخر كما ذكرنا فيجوز أن يقع موقع أن في جواز دخول الفاء في جوابه قال ولأن الفقهاء لا يعتبرون الإعراب لأن العامة تخطئ وتصيب فيه ألا ترى أن رجلا لو قال لرجل زنيت بكسر التاء أو لامرأته زنيت بفتح التاء يجب حد القذف في الصورتين لما ذكرنا قوله وكذلك قول الرجل أنت طالق لو صحبتك لولا لامتناع الشيء لوجود غيره زيدت على لو كلمة لا لتخرجه من امتناع الشيء لامتناع غيره وتسمى لا هذه المغيرة لمعنى الحرف ولا يقع بعدها إلا الاسم المتبدأ فإذا قلت لولا زيد كان مرفوعا بالابتداء أو خبره محذوف والتقدير لولا زيد موجود لكان كذا وحذف هذا الخبر حذفا لازما لطول الكلام بالجواب الذي هو قولك لكان كذا ولأن الحال يدل عليه ويدخل في جوابها اللام للتأكيد أيضا فإذا قال أنت طالق لولا صحبتك أو لولا حسنك أو لولا حبك إياي لا يقع لما فيه من معنى الشرط وهو ربط إحدى الجملتين المتباينتين بالأخرى وامتناع الجزاء وأثر الشرط هو الربط والمنع إلا أن في الشرط الحقيقي يتوقع وقوع الجزاء بوجود الشرط وفي لولا لا توقع للجزاء أصلا لأنه لا يستعمل في المستقبل ولهذا قالوا إنه بمنزلة الاستثناء نص عليه شمس الأئمة في أصول الفقه لأن الاستثناء وهو قوله إن شاء اللّه يخرج الكلام عن الإيجاب والاعتبار حتى لا يتعلق به حكم فكذلك هذه الكلمة ألا ترى أنه لو زال حسنها (٢/٢٩٧) أو مات زيد في قوله أنت طالق لولا حسنك أو لولا زيد لا تطلق وقد روى إبراهيم بن رستم عن محمد رحمهما اللّه في قوله أنت طالق لولا أبوك أو أخوك أو لولا حسنك أنها لا تطلق وهو استثناء وكذا ذكر أبو الحسن الكرخي في مختصره عن محمد في قوله أنت طالق لولا دخولك الدار أنها لا تطلق ويجعل هذه الكلمة بمنزلة الاستثناء قوله وذكر أي محمد في السير الكبير بابا إلى آخره قال شمس الأئمة رحمه اللّه في شرح السير الكبير إذا حاصر المسلمون حصنا فأشرف عليهم رأس الحصن فقال آمنوني على عشرة من أهل هذا الحصن على أن أفتحه لكم فقالوا لك ذلك ففتح الحصن فهو آمن وعشرة معه لأنه استأمن لنفسه نصا بقول آمنوني والنون والياء يكني بهما المتكلم عن نفسه وكلمة على للشرط في قوله على عشرة وقد شرط أمان عشرة منكرة مع أمان نفسه فعرفنا أن العشرة سواه ثم الخيار في تعيين العشرة إلى رأس الحصن لأنه جعل نفسه ذا حظ من أمانهم لأن على للاستعلاء وهو ليس بذي حظ باعتبار أنه داخل في أمانهم فقد استأمن لنفسه بلفظ على حدة وليس بذي حظ باعتبار أنه مباشر لأمانهم فإن ذلك لا يصح منه فعرفنا أنه ذو حظ على أن يكون معينا لمن تناوله الأمان منهم باعتبار أن التعيين في المجهول كالإيجاب المتبدأ من وجه ولو قال أمنوني وعشرة على أن أفتح لكم فالأمان له ولو عشرة سواه لأن حرف الواو للعطف وإنما يعطف الشيء على غيره لا على نفسه ففي كلامه تنصيص على أن العشرة سواه فإن لم يكن في الحصن إلا ذلك العدد أو أقل فهم آمنون كلهم لأن الأمان بذكر العدد بمنزلة الأمان لهم بالإشارة إلى أعيانهم وإن كان أهل الحصن كثيرا فالخيار في تعيين العشرة إلى الإمام لأن المتكلم ما جعل نفسه ذا حظ في أمان العشرة وإنما عطف أمانهم على أمان نفسه فكان الإمام هو الموجب لهم للأمان فإليه التعيين وإن رأى أن يجعل العشرة من النساء والولدان فله ذلك لأنهم من أهل الحصن إلا أن يكون المتكلم اشترط ذلك من الرجال (٢/٢٩٨) ولو قال أمنوني بعشرة من أهل الحصن كان هذا وقوله وعشرة سواه لأن الباء للإلصاق فقد ألصق أمان العشرة بأمانه وإنما يتحقق ذلك إذا كانت العشرة سواه قال شمس الأئمة رحمه اللّه ولكن هذا غلط زل به قلم الكاتب والصحيح ما ذكر في بعض النسخ العتيقة أمنوني فعشرة لأن الفاء من حروف العطف وهو يقتضي الوصل والتعقيب فيستقيم عطفه على قوله أمنوني فعشرة فأما الباء فيصحب الأعواض فيكون قوله أمنوني بعشرة بمعنى عشرة أعطيكم من أهل الحصن عوضا عن أماني وهذا لا معنى له في هذا الجنس من المسائل فعرفنا أن الصحيح قوله أمنوني فعشرة ولو قال أمنوني ثم عشرة كان هذا والأول سواء والعشرة سواه لأن كلمة ثم للتعقيب مع التراخي وبهذا تبين أيضا أن الصحيح في الأول قوله فعشرة لأنه بدأ بما هو للعطف مطلقا ثم بما هو للعطف على وجه التعقيب بلا مهلة ثم بما هو للتعقيب مع التراخي ورأيت مكتوبا على حاشية شرح السير الكبير عند تقرير هذا الغلط قيل ولا يتمخض هذا غلطا لأنه من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه عند عدم الالتباس والتقدير أمنوني بأمان عشرة ولما كان لفظ الأمان مفهوما بقوله أمنوني استغنى عن ذكره ثانيا والباء حينئذ تفيد معنى الالتباس والامتزاج كقوله تعالى تنبت بالدهن وكقولهم خرج زيد بسلاحه ومثل هذا الحذف في قولهم اضرب السارق كالحداد أي كضرب الحداد ولما كان معنى الضرب مفهوما بقولهم اضربوا استغنى عن ذكره والباء غير مقصورة على معنى العوض بل هي لمعاني جمة فافهم ولكن الموجب للقول بالغلط ما ذكر أن تخلل الباء بين حروف العطف غير مناسب لأن الظاهر نسق المتجانسات أما المعنى بالنظر إلى تلك المسألة وحدها فغير فاسد على ما ذكرنا ولو قال أفتح لكم على أني آمن في عشرة من أهل الحصن أو على أن يؤمنوني في عشرة فهو آمن وتسعة معه لأن حرف في للظرف وقد جعل نفسه في جملة العشرة الذين التمس الأمان لهم فلا يتناول ذلك إلا تسعة معه لأنه لو تناول عشرة سواه كان هو آمنا في أحد عشر بخلاف الأول فهناك ما جعل نفسه في جملة العشرة فإن قيل فقد جعل العشرة هنا ظرفا لنفسه والمظروف غير الظرف قلنا هو كذلك فيما يتحقق فيه الظرف ولا يتحقق ذلك في العدد إلا بالطريق الذي قلنا وهو أن يكون هو أحدهم ويجعل كأنه قال اجعلوني أحد العشرة الذين تؤمنونهم فإن قيل فإذا لم يمكن حمله على معنى الظرف حقيقة ينبغي أن يجعل بمعنى (٢/٢٩٩) مع كقوله تعالى فادخلي في عبادي أو بمعنى كقوله عز اسمه إخبارا في جذوع النخل وباعتبار الوجهين يثبت الأمان لعشرة سواه قلنا الكلمة للظرف حقيقة فيجب حملها على ذلك بحسب الإمكان وذلك في أن يكون هو أحدهم داخلا في عددهم فلهذا لا تحملها على المجاز ثم الخيار في التسعة إلى الإمام لا إلى رأس الحصن لأنه جعل نفسه أحد العشرة فكما لا خيار لمن سواه من العشرة في التعيين لا خيار له وهذا لأنه جعل نفسه ذا حظ من أمان العشرة على أن يتناوله حكم أمانهم لا على أن يكون هو معينا لهم وقد نال ما سأل بقي الإمام موجبا الأمان لتسعة بغير أعيانهم فإليه بيانهم ولو قال آمنوا لي عشرة من أهل الحصن فله عشرة يختار أي عشرة شاء فإن اختار عشرة هو أحدهم فذلك له جائز وإن اختار عشرة سواه فالعشرة آمنون وهو فيء لأنه ما استأمن لنفسه عينا وإنما استأمن من لعشرة منكرة ولكن بقوله لي شرط لنفسه أن يكون ذا حظ ولا يمكن أن يجعل ذا حظ على وجه مباشرة الأمان لهم فإن ذلك لا يصح منه فعرفنا أنه ذو حظ على أن يكون هو المعين للعشرة ونفسه فيما وراء ذلك كنفس غيره إذا لم يتناوله الأمان نصا فإن عين نفسه في جملة العشرة صار آمنا بمنزلة التسعة الذين عينهم مع نفسه وإن عين عشرة سواه فقد تعين حكم الأمان فيهم وصار هو فيئا كغيره من أهل الحصن وكان معنى كلامه أمنوا لأجلي عشرة وأوجبوا لي حق تعيين عشرة تؤمنونهم وروي أن مثل هذا وقع في زمان معاوية وكان الذي يسعى في طلب الأمان للجماعة قد آذى المسلمين فقال معاوية اللّهم أغفله عن نفسه فطلب الأمان لقومه وأهله ولم يتذكر نفسه بشيء فأخذ وقتل وقيل صاحب القصة أبو موسى الأشعري وذلك زمن عمر رضي اللّه عنهما استأمن إليه سابور ملك السوسي لعشرة من أهل بيته ونسي نفسه فقدمه أبو موسى وضرب عنقه هذا كله من لطائف تقرير شمس الأئمة رحمه اللّه وذلك أي ذلك الباب يخرج على هذا الأصل الذي ذكرنا في بيان الحروف في هذا الباب قوله ومن ذلك أي من باب حروف المعاني كلمة كيف كيف اسم مبهم غير متمكن وحرك آخره لالتقاء الساكنين وهي على الفتح دون الكسر لمكان الياء وهو للاستفهام عن الأحوال وأنه وإن لم يكن ظرفا حقيقة لأنه لا يتضمن معنى في ولكنه جار (٢/٣٠٠) مجرى الظروف لتضمنه معنى على فإذا قلت كيف زيد كان معناه على أي حال هو أصحيح أم سقيم قاعد أم قائم إلى آخر ماله من الأوصاف وإنما قلنا إنه بما ذكرنا من التقدير جار مجرى الظرف لأنه متضمن للحال والحال جارية مجرى الظرف لأنها مفعول فيها على ما عرف قال سيبويه كان القياس أن يكون شرطا لأنه يدل على الحال والأحوال شروط إلا أنه يدل على أحوال وصفات ليست في يد العبد كالصحة والسقم والشيخوخة والكهولة فلم يستقم أن تقول فيه كيف تكن أكن لأنك بهذا اللفظ تضمن أن تكون على أحوال المخاطب وهو متعذر الوقوع منك بخلاف متى تجلس اجلس وأين تكن أكن لأنك شرطت على نفسك أن تساويه في الجلوس والحلول في المكان وهذا معنى يتصور وقوع الشرط عليه وذكر في الصحاح إذا ضمت إليه ما صح أن يجازى به كقولك كيفما تفعل أفعل وإذا ثبت أنه للسؤال عن الحال قال أبو حنيفة رحمه اللّه في قوله لامرأته أنت طالق كيف شئت أنها تطلق قبل المشيئة تطليقة ثم إن لم تكن مدخولا بها فقد بانت لا إلى عدة ولا مشيئة لها وإن كانت مدخولا بها فالتطليقة الواقعة رجعة والمشيئة إليها في المجلس بعد ذلك فإن شاءت البائنة وقد نواها الزوج كانت بائنة أو إن شاءت ثلاثا وقد نواها الزوج تطلق ثلاثا وإن شاءت واحدة بائنة وقد نوى الزوج ثلاثا فهي واحدة رجعية وإن شاءت ثلاثا وقد نوى الزوج واحدة بائنة فهي واحدة رجعية لأنها شاءت غير ما نوى ووقعت غير ما فوض إليها فلا يعتبر وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما اللّه لا يقع عليها شيء ما لم تشأ فإذا شاءت فالتفريع كما قال أبو حنيفة وعلى هذا لو قال لعبده أنت حر كيف شئت عتق عند أبي حنيفة رحمه اللّه ولا مشيئة له وهو معنى قول الشيخ وإلا بطل ولا يقع عندهما ما لم يشأ في المجلس كذا في المبسوط فلو شاء عتقا على مال أو إلى أجل أو بشرط أو شاء التدبير فذلك باطل عنده وهو حر وعلى قياس قولهما ينبغي أن يثبت ما شاء بشرط إرادة المولى ذلك وما رأيته في كتاب هما يقولان إنه جعل الطلاق مفوضا إلى مشيئتها فلا يقع بدون مشيئتها كقوله أنت طالق إن شئت أو كم شئت أو حيث شئت لا يقع شيء ما لم تشأ وهذا لأنه لما فوض وصف الطلاق إليها يكون ذلك تفويضا لنفس الطلاق إليها ضرورة أن الوصف لا ينفك عن الأصل يوضحه أن الرجعية من أوصاف الطلاق فتكون متعلقة بالمشيئة كالبينونة والعدد وإذا تعلقت بالمشيئة فمن ضرورته تعلق الطلاق لأن الطلاق بدون وصف لا يوجد وهو معنى قول الشيخ فيتعلق الأصل بتعلقه فصار الطلاق على أي وصف شاءت مفوضا إليها وأبو حنيفة رحمه اللّه يقول إنما يتأخر إلى مشيئتها ما علقه الزوج بمشيئتها دون (٢/٣٠١) ما لم يعلق وكلمة كيف لا ترجع إلى أصل الطلاق فيكون هو منجزا أصل الطلاق ومفوضا للصفة إلى مشيئتها بقوله كيف شئت إلا أن في غير المدخول بها وفي العتق لا مشيئة له في الصفة بعد إيقاع الأصل فيلغو تفويضه الصفة إلى مشيئتها بعد إيقاع الأصل وفي المدخول بها لها المشيئة في الصفة بعد وقوع الأصل عند أبي حنيفة بأن يجعله بائنا أو ثلاثا على ما عرف فيصح تفويضه إليها فإن قيل الطلاق بعد الوقوع يحتمل وصف البينونة بعد انقضاء العدة فيمكن أن يدخل في تصرف المرأة بتفويض الزوج لكنه لا يحتمل الوصف بالثلاثة لأنه يستحيل أن يصير الواحد ثلاثا فينبغي أن لا يدخل في تصرف المرأة بقوله كيف شئت قلنا يحتمل أن يصير ثلاثا بضم الثنتين إليه وإن كان الواحد لا يتبدل في نفسه حقيقة ثم بانضمام الثنتين إليه بتغير حكمه بأن لا يبقى موجبا للرجعة وصار مؤثرا في الحرمة الغليظة فصار في معنى الصفة له فيصح تفويض الزوج إليها بلفظ كيف يوضحه أن الاستخبار عن وصف الشيء وحاله لما كان من ضرورته وجود أصله يقدم وقوع أصل الطلاق في ضمن تفويضه المشيئة إليها فإن الاستخبار عن وصف الشيء قبل وجود أصله محال كما قال الشاعر يقول خليلي كيف صبرك بعدنا فقلت وهل صبر فيسأل عن كيف بخلاف قوله كم شئت لأن الكمية استخبار عن العدد فتقتضي تفويض العدد إلى مشيئتها وأصل العدد في المعدودات الواحد ألا ترى أن من قال لآخر كم معك استقام الجواب عنه بالواحد وبخلاف قوله حيث شئت أو إن شئت لأنه عبارة عن المكان والطلاق إذا وقع في مكان يكون واقعا في الأمكنة كلها فكان ذلك تعليق أصل الطلاق بمشيئتها كأنه قال أنت طالق في أي مكان شئت الطلاق فإن قيل كيف قد تضاف إلى موجود فيصير استيضافا وقد يضاف إلى معدوم فيكون لتعليق الأصل بأوصافه بالمشيئة كما في قولك افعل كيف شئت وطلقي كيف نفسك شئت فيكون كيف في قوله أنت طالق كيف شئت دالا على أن ذلك الطلاق بحيث يوجد بمشيئته كما أنه في قوله افعل كيف شئت يدل على أن الفعل يتكون منه بمشيئته قلنا إنا لا ننكر دخول كيف على معدوم سيوجد ولكن نقول إنه لا يتعرض لأصل ما دخل عليه وإنما يتعرض لوصفه فقوله افعل وطلقي لطلب الفعل والتفويض قبل دخول كيف عليه ولا يوجب وجود الفعل والطلاق في الحال فكذا بعد دخوله وقوله أنت طالق يوجب وقوع الطلاق في الحال قبل دخول كيف عليه فكذلك بعد دخوله لأنه لا يتعرض للأصل (٢/٣٠٢) فما قاله أبو حنيفة رحمه اللّه حقيقة الكلام وما قالاه معاني كلام الناس عرفا واستعمالا كذا في الأسرار والمبسوط واعلم أن معنى الاستفهام قد يسلب عن كيف فيبقى دالا على نفس الحال كما حكى قطرب عن بعض العرب انظر إلى كيف يصنع أي إلى الحال صنعته وإليه أشار الشيخ بقوله وهو اسم للحال بعد قوله وهو سؤال عن الحال أي أنه قد يكون اسما للحال من غير معنى السؤال فيه كما في مسألتنا هذه فإنه يدل على الحال من غير معنى السؤال حتى لم يصح تقدير السؤال فيه وصح التعليق بالمشيئة ولو بقي فيه معنى السؤال لوقع الطلاق في الحال من غير تعليق الوصف بمشيئتها أنه إيقاع لأنه لا وصف للحرية بعد الوقوع ليتعلق بالمشيئة ويبقى الفضل على أصل الطلاق في الوصف أي البينونة والقدر أي العدد وهو الحال أي الفضل هو الحال التي تدل عليها كيف مفوضا إلى المرأة بشرط نية الزوج يعني في حق المدخول بها لأنه لا يبقى فضل بعد الوقوع في حق غير المدخول بها ليتعلق بالمشيئة كما في الحرية ولا يقال ينبغي أن لا يحتاج إلى نية الزوج لأنه لما فوض الأمر إليها يجب أن تستقل بإثبات ما فوض إليها اعتبارا بعامة التفويضات لأنا نقول إنما فوض إليها حال الطلاق بكلمة كيف والحال مشتركة بين البينونة والعدد فيحتاج إلى النية لتعيين أحد المحتملين وعن أبي بكر الرازي أن نية الزوج ليست بشرط وذكر الطحاوي في مختصره أن لها أن يجعل الطلاق بائنا وثلاثا في قول أبي حنيفة رحمه اللّه فقد جعل الطحاوي المشيئة إليها في إثبات وصف البينونة والثلاث حتى قال بعض مشايخنا إنه إذا لم ينو الزوج شيئا وشاءت المرأة ثلاثا أو واحدة بائنة يقع ما أوقعت بالاتفاق أما على أصل أبي حنيفة فلأن الزوج أقام امرأته مقام نفسه في إثبات الوصف والزوج متى أوقع طلاقا رجعيا يملك أن يجعله بائنا وثلاثا عنده فكذا المرأة وأما على قولهما فكذلك تملك إيقاع البائن وإيقاع الثلاث لأنه فوض الطلاق إليها على أي وصف شاءت كذا في الفوائد الظهيرية وقالا ما لا يقبل الإشارة أي ما لا يكون محسوسا يشار إليه مثل التصرفات الشرعية من الطلاق والعتاق والبيع والنكاح ونحوها فحاله مثل كون الطلاق مثلا بائنا ورجعيا ووصفه مثل كونه سنيا وبدعيا وإلا ظهر أنه ترادف بمنزلة أصله لأن وجوده لما لم يكن معاينا محسوسا كان معرفة وجوده بآثاره وأوصافه كوجود النكاح يعرف بأثره وهو ثبوت الحل ووجود البيع بأثره وهو الملك وإذا كان كذلك كان معرفة وجوده مفتقرا إلى وصفه (٢/٣٠٣) كافتقار وصفه في وجوده إليه فكان وصفه بمنزلة الأصل من هذا لوجه فإذا تعلق الوصف تعلق الأصل الذي هو بمنزلة التبع من وجه يتعلقه أيضا قوله وأما كم فاسم لكذا كم اسم غير متمكن موضوع للكناية عن الأعداد وفي الصحاح كم اسم ناقص مبهم مبني على السكون وإن جعلته اسما تاما شددت آخره وصرفته فقلت أكثرت من الكم والكمية فإذا قال أنت طالق كم شئت لم تطلق قبل المشيئة ويتقيد بالمجلس وكان لها أن تطلق نفسها واحدة أو ثنتين أو ثلاثا بشرط مطابقة إرادة الزوج كذا رأيت بخط شيخي رحمه اللّه معلما بعلامة البزدوي وذلك لأن كلمة كم اسم للعدد المبهم كما ذكرنا والعدد هو الواقع في الطلاق إما مقتضى كما في قوله أنت طالق إذا التقدير أنت طالق طلقة أو تطليقة واحدة وإما مذكورا كما في قوله أنت طالق ثلاثا أو ثنتين أو واحدة وهو معنى قول الشيخ كم اسم للعدد الذي هو الواقع ولما كان كذلك وقد دخلت المشيئة على نفس الواقع الذي هو العدد تعلق أصله بالمشيئة بخلاف كيف كأنه قال أنت طالق أي عدد شئت ولما كان هذه الكلمة للعدد المبهم صارت عامة فكان لها أن تشاء الواحدة والثنتين والثلاث ولما لم يكن في كلامه دلالة على الوقت تقيدت المشيئة بالمجلس إلى ما ذكرنا أشار الشيخ في شرح الجامع الصغير قوله وأما حيث فاسم لمكان مبهم حيث اسم مبني من ظروف المكان كأين وحرك آخره لالتقاء الساكنين وبني على الضم تشبيها له بالغايات لأنها لم تجئ الإضافة إلى جملة كذا قبل ومنهم من يبنيها على الفتح استثقالا للكثرة مع الياء ومنهم من كسر لالتقاء الساكنين وحيث بالضم والفتح لغة فيه أيضا ولا يصح إضافته إلى المفرد وأما ما يقوله الناس من حيث اللغة بالكسر فخطأ وإنما الصواب هو الرفع على أن يكون مبتدأ والخبر مضمر أو هو ثابت أو نحوه فإذا قال أنت طالق حيث شئت لا تطلق قبل المشيئة ويتوقف بالمجلس لما بينا أنه من ظروف المكان ولا اتصال للطلاق بالمكان فيلغو ذكره ويبقى ذكر المشيئة في الطلاق فيقتصر على المجلس فإن قيل إذا لغا ذكر المكان بقي قوله أنت طالق إن شئت فينبغي أن يقع للحال كما في قوله أنت طالق إن دخلت الدار والمسألة في التجريد والكفاية قلنا لما تعذر العمل بالظرفية جعلناه مجازا لحرف الشرط لمشاركتهما في الإبهام فصار بمنزلة قوله إن شئت والاستعارة أولى من الإلغاء فإن قيل لم لم يجعل بمنزلة إذا ومتى حتى لا يبطل بالقيام عن المجلس وفيه رعاية معنى الظرفية قلنا جعله مجازا لحرف إن أولى إذ هو الأصل في باب الشرط وما وراءه ملحق به كذا في الفوائد الظهيرية واللّه أعلم (٢/٣٠٤) |