Geri

   

 

 

İleri

 

باب كلمة حتى

كلمة حتى من الحروف الجارة كما هي من الحروف العاطفة فأفردها الشيخ بباب على حدة وأورد الباب بين باب حروف العطف وباب حروف الجر رعاية للتناسب هذه كلمة أصلها للغاية أي هي في أصل الوضع للغاية في كلامهم هو حقيقة هذا الحرف أي معنى الغاية هو المعنى الحقيقي لهذا الحرف لا يسقط معنى الغاية عنه أي عن هذا الحرف إلا مجازا أي إلا إذا استعملت مجازا كما إذا استعملت للعطف المحض في الأفعال فإن معنى الغاية غير مراد حينئذ كسائر الحقائق إذا استعملت في غير موضوعاتها ليكون الحرف موضوعا لمعنى يخصه اللام متعلقة بقوله هو حقيقة هذا الحرف والضمير المستكن في يخصه إما أن يكون راجعا إلى الحرف والبارز إلى معنى أو على العكس أي إنما قلنا معنى الغاية حقيقة هذا الحرف ليكون الحرف موضوعا لمعنى يخص ذلك الحرف بذلك المعنى فينتفي الاشتراك أو يخص ذلك المعنى بذلك الحرف فينتفي الترادف

فإن قيل كيف ينتفي الترادف وقد وضع للغاية حرف إلى أيضا

قلنا قد ثبت الفرق المانع من الترادف بينهما وذلك أن الغاية في حتى يجب أن تكون موضوعة بأن تكون شيئا ينتهي به المذكور أو عنده كالرأس للسمكة والصباح للبارحة ولا يشترط ذلك في إلى فامتنع قولك نمت البارحة حتى نصف الليل وصح نمتها إلى نصف الليل قال اللّه تعالى وأيديكم إلى المرافق

واليد من رءوس الأصابع إلى المنكب ومن ذلك لا يدخل حتى على مضمر فلا يقال حتاه بخلاف إلى فإنه يدخل على المضمر والمظهر جميعا لأن الغاية في حتى لما وجب أن يكون آخر جزء من الشيء أو ما يلاقي آخر جزء منه والمضمر لا يمكن أن يكون جزءا من الشيء بل هو نفسه امتنع دخوله على المضمر ولما لم يشترط ذلك في إلى لم يمتنع دخوله على المضمر

وذكر في كتاب

(٢/٢٣٨)

بيان حقائق الحروف أن إلى لانتهاء له ابتداء فيما يدل عليه على نقيض من تقول خرجت من البصرة إلى الكوفة فمن لابتداء الغاية وإلى لانتهاء بها ولا يجوز أن يستعمل حتى في مقابلة من لا يقال خرجت من البصرة حتى الكوفة وذلك لأن إلى أصل في الغاية لا تخرج من معناها إلى معنى آخر وحتى ضعيف في معنى الغاية فإنها تخرج إلى غيرها من المعاني

قوله وقد وجدناها تستعمل للغاية جواب عما يقال قد سلمنا أن الأصل في الكلمة أن تكون موضوعة لمعنى خاص ولكن لا نسلم أن ذلك المعنى هو الغاية هاهنا بل يحتمل أن يكون غيره لكونها مستعملة في غيره

فقال قد وجدناها مستعملة في الغاية بحيث لا تسقط معنى الغاية عنها وإن استعملت في معان أخر كما سنبين فعرفنا أن معنى الغاية هو المعنى الأصلي لهذا الحرف وأنه موضوع لهذا المعنى

قوله فإنه بقي اعلم أن مذهب أكثر النحاة أن ما بعد حتى ليس بداخل فيما قبلها كما في إلى ففي قولهم أكلت السمكة حتى رأسها ونمت البارحة حتى الصباح لم يؤكل الرأس وما نيم الصباح وذلك لأن الأصل في الغاية أن لا تكون داخلة في المغيا لما عرف

ويؤيده قوله تعالى سلام هي حتى مطلع الفجر

فإنه إن وقف على سلام لم يدخل مطلع الفجر تحت حكم الليلة

وكذا إن لم يقف لأن سلام الملائكة ينتهي عند طلوع الفجر على ما روي في حديث ابن عباس رضي اللّه عنهما أن جبريل عليه السلام ينزل ليلة القدر في كبكبة من الملائكة ومعه لواء أخضر يركزه فوق الكعبة ثم يتفرق الملائكة في الناس حتى تسلموا على كل قائم وقاعد وذاكر وراكع وساجد إلى أن يطلع الفجر

وقد صرح في شرح الملحمة فقيل ما أكل الرأس وما نيم الصباح في مسألتي السمكة والبارحة

وذهب الإمام عبد القاهر إلى أن ما بعد حتى داخل فيما قبلها نص عليه في المقتصد فقال ويكون ما بعد حتى داخلا فيما قبله ألا ترى أنك إذا قلت أكلت السمكة حتى رأسها كان المعنى أن الأكل قد اشتمل على الرأس

وكذا قولك ضربت القوم حتى زيدا لمعنى أن زيدا قد ضربته

قال وإذا كانت عاطفة كان مجراها مجرى الجارة في تضمن معنى الغاية تقول ضربت القوم حتى زيدا ومررت بالقوم حتى زيد وجاءني القوم

(٢/٢٣٩)

حتى زيد

وقد صرح بأن في مسائل السمكة الثلاث ومسائل البارحة الثلاث قد أكل الرأس ونيم الصباح

وتابعه في ذلك جار اللّه فقال في المفصل ومن حقها أن يدخل ما بعدها فيما قبلها ففي مسألتي السمكة والبارحة قد أكل الرأس ونيم الصباح

وذلك لأن الغرض أن ينقضي الشيء الذي تعلق به الفعل شيئا فشيئا حتى يأتي الفعل على ذلك الشيء كله فلو انقطع الأكل عند الرأس لا يكون فعل الأكل آتيا على السمكة كلها ولذلك امتنع أكلت السمكة حتى نصفها لأن الغرض لما كان ما ذكرنا وهو قد فات في الغاية الجعلية خلا الكلام عن الفائدة فلم يصح

ورأيت في نسخة من شروح النحو أن كلمة حتى إذا كانت للغاية لا تدخل الغاية تحت ما ضربت له الغاية وهكذا قال ابن جني وإليه كان يميل الشيخ أبو منصور السفار والشيخ الإمام علي البزدوي ولكن لا يستقيم هذا على الإطلاق بل نقول إن كان المذكور بعد حتى بعضا للمذكور قبله يدخل تحت ما ضربت له الغاية وإن لم يكن لا يدخل على هذا نص المبرد في كتاب المقتضب وابن الوراق في الفصول والفراء في المعاني وهكذا ذكر السيرافي أيضا

مثال الأول زارني أشراف البلدة حتى الأمير وسبني الناس حتى العبيد

ومثال الثاني قرأت القرآن حتى الصباح فالصباح لا يكون داخلا لأنه ليس بعض الليل وكان حتى هاهنا بمعنى إلى

فتبين بما ذكرنا أن ما ذكر الشيخ في الكتاب هو اختيار مذهب الأكثر وعرفت به أيضا أن ما وقع عند البعض أن ما ذكره الشيخ سهو لأنه خلاف ما في الكتب المشهورة أو تصحيف فإنه من النفي لا من البقاء ومعناه أكل وهم بين وتكلف ظاهر

قوله ثم قد يستعمل أي حرف حتى للعطف أي فيه أو يضمن يستعمل معنى يستعار لما بين الغاية والعطف من المناسبة من حيث إن المعطوف يتصل بالمعطوف عليه ويتوقف عليه والغاية تتصل بالمغيا وتترتب عليه ولكن مع قيام معنى الغاية

(٢/٢٤٠)

قال الإمام عبد القاهر وإذا كانت هذه الكلمة عاطفة كانت مجراها مجرى الجارة في تضمن معنى الغاية تقول ضربت القوم حتى زيدا ومررت بالقوم حتى زيد وجاءني القوم حتى زيد بذلك على تضمنه معنى العطف إنك لو حررت كان المعنى صحيحا وإنما يتغير بالعطف الحكم وهو أنها تتبع الثاني الأول كالواو

ويكون لتعظيم نحو قولهم مات الناس حتى الأنبياء

أو تحقير مثل قولهم قدم الحاج حتى المشاة

وحتى هذه مخالفة لسائر حروف العطف في أن ما بعدها يجب أن يكون مجانسا لما قبلها فلا تقول ضربت القوم حتى حمارا وضربت الرجال حتى امرأة كما تقول ضربت القوم وحمارا وذلك لأنها للغاية والدلالة على أحد طرفي الشيء ولا يتصور أن يكون طرف الشيء من غيره فلو قلت رأيت القوم حتى حمارا كنت جعلت الحمار طرفا للقوم منقطعا لهم ولهذا كان فيها التعظيم والتحقير لأن الشيء إذا أخذ من أدناه فأعلاه غاية له وطرف فالأنبياء غاية جنس الناس إذا أخذنا من المراتب واستقويناها صاعدين

وإذا أخذ من أعلى الشيء فأدناه طرف له وذلك كالمشاة في الحاج تأخذ من الأقوياء الراكبين وتنزل فتنتهي إلى المشاة وهي منقطع الجنس كما كان الأنبياء في الوجه الأول

وعلى هذا قالوا لو قال أعتقت غلماني حتى فلانة أو أعتقت إمائي حتى سالما لم يعتق ما دخل عليه كلمة حتى لأن الغلمان والإماء جنسان مختلفان

ولو قال أعتقت سالما حتى مباركا أو حتى مبارك لا يعتق مبارك لأنه ليس بجزء لسالم

بخلاف ما لو قال إلى مكان حتى في هذه المسائل فإنهم يعتقون جميعا لإمكان حمل إلى على معنى مع كما في قوله تعالى

ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم

كذا في كتاب بيان حقائق الحروف

قولهم استنت الفصال حتى القرعى

الاستنان هو أن يرفع يديه ويطرحهما معا وذلك في حالة العدو

والقرعى جمع قريع وهو الذي به قرع وهو بثر أبيض يخرج بالفصال

هذا مثل يضرب لمن يتكلم مع من لا ينبغي له أن يتكلم بين يديه لعلو قدره

فجعل عطفا هو غاية لانتهاء الاستنان باستنانها فكانت حقيقة قاصرة من حيث إنها لم تخلص للغاية

وعلى هذا أي على أنها تستعمل للعطف مع رعاية معنى الغاية

وقد تدخل أي هذه الكلمة على جملة لا للعطف بل تستأنف بعدها كما تستأنف بعد أما وإذا تقول خرجت

(٢/٢٤١)

النساء حتى هند خارجة ولهذا جاز إدخال واو العطف عليها كما في قول امرئ القيس مطوت بهم حتى يكل غريمهم وحتى الجياد ما يقدن بأرسان

فالجياد مبتدأ وما يقدن خبره والواو داخلة عليه لأن حتى هذه ليست بعاطفة ولو كانت حرف عطف لم يجز دخول حرف آخر عليها كما لم يجز إذا كان حرف عطف قطعا في قولك ضربت القوم حتى زيدا ألا تراك لا تقول ضربت القوم وفعمرا فقوله وحتى الجياد بمنزلة

قوله

وأما الجياد في كون ما بعدهما مبتدأ

على مثال واو العطف إذا استعملت لعطف الجمل فإنها في هذا المحل للابتداء لا للعطف عند البعض ولهذا سموها واو الاستئناف والابتداء فهذه جملة هي غاية أي للضرب فإنه ينتهي بها على احتمال أن ينسب أي ذلك الخبر المثبت من جنس ما قبله

إليه أي إلى المتكلم

قوله ومواضعها أي مواضع كلمة حتى في الأفعال أن يجعل غاية بمعنى إلى من غير أن تكون جملة مبتدأة كقوله سرت حتى أدخلها

أو غاية هي جملة مبتدأة كقولك خرج النساء حتى خرجت هند وذلك لأن هذه الكلمة في الأصل للغاية فوجب العمل به ما أمكن

فإن قيل لما جعلت بمعنى إلى كيف جاز دخولها على الفعل لأنها إذ ذاك حرف جر

قلنا إنما جاز ذلك لكون أن مقدرا في ذلك الفعل وأن مع الفعل في حكم الاسم فتكون داخلة على الاسم تقديرا ويكون ما دخل عليه مجرور المحل بها

وعلامة الغاية أن يحتمل الصدر الامتداد بأن صلح فيه ضرب المدة

وأن يصلح الآخر دلالة على الانتهاء كالصياح في

قوله إن لم أضربك حتى تصيح فإن لم يوجد أحد المعنيين لا يمكن جعلها للغاية

فإذا قال عبدي حر إن لم نخبر فلانا بما صنعت حتى يضربك لا يمكن أن يجعل حتى هاهنا للغاية لأن الإخبار مما لا يمتد فيجعل بمعنى لام كي فإذا أخبره ولم يضربه بر في يمينه لأن شرط البر الإخبار لا غير وقد وجد

ولو قال عبده حر إن لم أضربك حتى تضربني أو تشتمني فضربه ولم يضربه المضروب بر أيضا لأن الضرب وإن كان فعلا ممتدا

(٢/٢٤٢)

لكن الضرب والشتم من المضروب لا يصلح دليلا على الانتهاء بل هو داع إلى زيادة الضرب فلا يمكن أن يجعل غاية فيحمل على الجزاء

قال شمس الأئمة رحمه اللّه مراده إظهار عجزه عن الضرب لا وجود فعل الضرب منه ومعناه أنا أضربك حتى تضربني إن قدرت على ذلك ولكنك لا تقدر فتبين للناس عجزك وضعفك بضربي إياك فإذا كان المقصود نفي فعل الضرب لا يمكن أن يجعل غاية

فإن لم يستقم فللمجازاة أي إن لم يستقم أن يجعل غاية لفوات المعنيين المذكورين أو

أحدهما يحمل على المجازاة بمعنى لام كي لمناسبة بين المجازاة وبين الغاية لأن الفعل الذي هو سبب ينتهي بوجود الجزاء عادة كما ينتهي بوجود الغاية

وهذا أي الحمل على المجازاة إنما يكون إذا صلح الصدر سببا ولم يصلح الآخر غاية حتى لو صلح الآخر غاية مع كون الصدر صالحا للسببية يجعل للغاية كقوله إن أضربك حتى تصبح فعبدي حر

وهذا نظير قسم العطف من الأسماء أي حتى التي للمجازاة في الأفعال نظير حتى العاطفة في الأسماء من حيث إن معنى الغاية باق فيها من وجه

فإن تعذر هذا أي جعلها للمجازاة يجعل للعطف المحض

وعلى هذا أي على المعاني الثلاثة التي ذكرناها لها في الأفعال ثبت مسائل أصحابنا في الزيادات

وحاصله ما ذكر في الذخيرة أن كلمة حتى في الأصل للغاية فيحمل عليها إذا أمكن وشرط الإمكان أن يكون الفعل المغيا ممتدا وأن يكون ما دخلت عليه مؤثرا في إنهاء المحلوف عليه

فإن تعذر حملها على الغاية تحمل على لام السبب إن أمكن وشرط الإمكان أن يكون الحلف معقودا على فعلين

أحدهما من شخص والأخر من شخص آخر لأن فعل نفسه لا يصلح جزاء لفعله عادة إذ الجزاء مكافأة الفعل وهو لا يكافئ نفسه عادة

فإن تعذر ذلك يحمل على العطف

ومن حكم الغاية أن يشترط وجودها للبر فإن أقلع قبل الغاية يحنث في يمينه

ومن حكم لام السبب أن يشترط وجود ما يصلح سببا لا وجود المسبب

ومن حكم العطف أن يشترط وجودهما للبر

قوله

قال اللّه تعالى حتى يعطوا الجزية و حتى تغتسلوا و حتى تستأنسوا

كلمة حتى في هذه الآيات بمعنى إلى لأن صدر الكلام وهو

قوله عز اسمه قاتلوا

وقوله لا تقربوا الصلاة

وقوله

لا تدخلوا

يحتمل الامتداد إذ المقاتلة تمتد يوما ويومين وأكثر

(٢/٢٤٣)

وقبول الجزية يصلح منهيا لها

وكذا المنع من أداء الصلاة جنبا ممتد والاغتسال يصلح منهيا لها

وكذا المنع من دخول بيت الغير ممتد والاستئناس وهو الاستئذان يصلح منهيا له

قوله قال اللّه تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة أي كي لا يكون فتنة أي محاربة

وإنما جعلت حتى هذه بمعنى لام كي لأن آخر الكلام لا يصلح لانتهاء الصدر إذ القتال واجب مع عدم المحاربة فإنهم وإن لم يبدؤنا بالقتال وجب علينا محاربتهم وصدر الكلام يصلح سببا لانتفاء الفتنة فوجب الحمل على لام كي

وهذا إذا فسرت الفتنة بالمحاربة فإن فسرت بالشرك يكون حتى بمعنى إلى على ما ذكر في الكشاف وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة إلى أن يوجد منهم شرك قط ويكون الدين كله ويضمحل عنهم كل دين باطل

ويبقى فيهم دين الإسلام وحده

قوله قال اللّه تعالى وزلزلوا حتى يقول الرسول أول الآية أم حسبتم أن تدخلوا الجنة أم منقطعة ومعنى الهمزة فيها للتقرير وإنكار الحسبان واستبعاده لما ذكر ما كانت عليه الأمم من الاختلاف على النبيين بعد مجيء البينات

ولما فيها معنى التوقع أي إتيان ذلك متوقع منتظر أي أحسبتم أن تدخلوا الجنة من غير بلاء ولا مكروه ولما يأتكم مثل الذين

أي حالهم التي هي مثل في الشدة

ثم بين المثل فقال مستهم البأساء الشدة والضراء المرض والجوع وزلزلوا وأزعجوا إزعاجا شديدا شبيها بالزلزلة بما أصابهم من الأهوال والأفزاع

حتى يقول الرسول قرئ بالنصب والرفع وللنصب وجهان

أحدهما أن تكون حتى بمعنى إلى أي حركوا بأنواع البلايا إلى الغاية التي قال الرسول وهو اليسع أو شعيب متى نصر اللّه أي بلغ بهم الضجر ولم يبق لهم صبر حتى قالوا ذلك

ومعناه طلب النصر وتمنيه واستطالة زمن الشدة ألا إن نصر اللّه قريب

على إرادة القول يعني فقيل لهم ذلك إجابة لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر فعلى هذا الوجه لا يكون فعلهم أي زلزلتهم وامتحانهم بالبلايا سببا لمقالة الرسول بل ينتهي فعلهم عند مقالته

ولا يقال ليس لهم فعل بل وقع الزلزال عليهم فكيف جعل ذلك فعلهم

لأنا نقول لما زلزلوا كان التزلزل موجودا منهم لأنهم إذا حركوا كان التحرك موجودا

(٢/٢٤٤)

منهم خصوصا على اصطلاح أهل النحو فإنهم هم الفاعلون بسبب أن الزلزال أسند إليهم على بناء المفعول

على ما هو موضوع الغايات أنها أعلام الانتهاء من غير أثر يعني أن الغاية علامة على انتهاء المغيا من غير أن يكون لها أثر في انتهائه كالميل للطريق والمنارة للمسجد والإحصان للرجم فإنها أعلام على هذه الأشياء من غير أن يضاف إليها وجود تلك الأشياء

أو معناه من غير أن يكون للمغيا أثر في إيجاد الغاية وإثباتها كحدود الدار أعلام على انتهائها من غير أن يكون للدار أثر في إيجادها

والوجه الثاني أن يكون بمعنى لام كي كقولك أسلمت حتى أدخل الجنة أي وزلزلوا لكي يقول الرسول ذلك القول

فعلى هذا يكون فعلهم أي زلزلتهم سببا لمقالته وهو لا يوجب الانتهاء بل يكون داعيا إليه

ووجه الرفع أن يكون الفعل بعده بمعنى الحال كقولهم شربت الإبل حتى يجيء البعير يجر بطنه إلا أنها حال ماضية محكية فعلى هذا الوجه بقي فيه معنى الغاية ويكون هذا نظير

قوله أو غاية وهي جملة مبتدأة

قوله لأن الفعل أي الفعل المحلوف عليه وهو الضرب

يحتمل الامتداد بطريق التكرار يعني لا امتداد لفعل ما حقيقة لأنه عرض لا يبقى فلا يتصور امتداده لكن بعض الأفعال قد يحتمل الامتداد بتجدد الأمثال من غير فصل كالجلوس والركوب

والضرب من هذا القبيل فكان شرط البر وهو المد إلى الغاية المضروبة له متصورا وإذا كان محتملا للامتداد بالطريق الذي قلنا كان الكف عنه أي عن الفعل المحلوف عليه بأن يقلع قبل الغاية محتمل هذا الفعل لا محالة فيكون شرط الحنث متصورا أيضا ولا بد من تصور شرط الحنث لانعقاد اليمين حتى لو قال واللّه لأقتلن فلانا

وفلان ميت وهو لا يعلم بموته لا يحنث لأن شرط الحنث غير متصور هنا كشرط البر كذا في بعض الشروح

(٢/٢٤٥)

وهذه الأمور أي الأفعال المذكورة من الصيام واشتكاء اليد أي تألمها وشفاعة فلان ودخول الليلة دلالات الإقلاع أي الإمساك والكف عن الضرب لأن الإنسان يمتنع عن الضرب بها

فوجب العمل بحقيقتها أي بحقيقة الغاية وحمل حتى عليها فإذا أقلع قبل الغاية كان حانثا

فإن قيل شرط البر متصور الوجود في الزمان الثاني فلماذا يحنث في الحال

قلنا اليمين تقع على أول الوهلة لأن الحامل على اليمين غيظ لحقه من جهته في الحال هذا هو العادة فيتقيد به اليمين

وهذا الذي ذكرنا إذا لم يغلب على الحقيقة عرف كما في الأمثلة المذكورة فإن غلب عليها عرف ظاهر وجب العمل به لأن الثابت بالعرف بمنزلة الحقيقة حتى لو قال إن لم أضربك حتى أقتلك أو حتى تموت كان هذا على الضرب الشديد لا على حقيقة القتل والموت للعرف فإنه متى كان قصده القتل لا يذكر لفظة الضرب وإنما يذكر ذلك إذا لم يكن قصده القتل وجعل القتل غاية لبيان شدة الضرب معتاد متعارف

ولو قال حتى يغشى عليك أو حتى تبكي كان على حقيقة الغاية لأن الضرب إلى هذه الغاية معتاد كذا قال شمس الأئمة رحمه اللّه

قوله حتى تغذيني لا يصلح دليلا على الانتهاء التغذية لا تصلح دليلا على انتهاء الإتيان وكذا الإتيان ليس بمستدام أيضا

ألا ترى أنه لا يصح ضرب المدة فيه ففات شرطا الغاية جميعا ولكنه يصلح سببا للتغذية لأن الإتيان على وجه التعظيم والزيارة إحسان بدني إلى المزور فيصلح سببا لإحسان مالي منه إلى الزائر وعن هذا قيل من زار حيا ولم يذق عنده شيئا فكأنما زار ميتا

والتغذية صالحة للجزاء لأنها إحسان أيضا فيصلح مكافأة للإحسان

وقوله على وجه يصلح سببا للجزاء بأن يكون على وجه التعظيم والزيارة احتراز عن الإتيان على وجه التحقير بأن أتاه ليضربه أو يشتمه أو يؤذيه فإنه لا يصلح سببا للتغذية فلا يكون شرطا للبر

وكذا الحكم في

قوله إن لم تأتني حتى أغذيك

ولو قال

(٢/٢٤٦)

عبدي حر إن لم آتك حتى أتغذى عندك أو قال إن لم تأتني حتى تغذيني فعبدي حر كان حتى للعطف المحض من غير رعاية معنى الغاية فيه

لأن هذا الفعل أي التغذي من غذاء الغير عند الإباحة إحسان قال عليه السلام لو دعيت إلى كراع لأجبت

ألا ترى أن ترك الأكل عند الإباحة إساءة ودليل على العداوة حتى أوجس الخليل صلوات اللّه عليه خيفة في نفسه من الضيف إذ لم يأكلوا من ضيافته وإذا كان كذلك لا يصلح منهيا للإتيان

أو المراد من الفعل التغذية أي التغذية التي يبتنى عليها الغذي إحسان لما ذكرنا فلا تصلح غاية للإتيان بل هي داعية إليه إذ الإنسان عبيد الإحسان فلا يمكن حمل حتى على الغاية ولا يصلح إتيانه سببا لفعله أي الفعل نفسه كما أن فعله لا يصلح جزاء لإتيانه فتعذر حمله على المجازاة أيضا فحمل على العطف بمعنى الفاء أو بمعنى ثم لأن التعقيب يناسب معنى الغاية فيتوقف البر على وجود الفعلين بوصف التعقيب كما لو قال إن لم آتك فأتغذى عندك

قوله حتى إذا أتاه فلم يتغذ إلى آخره

اعلم أن هذه المسألة على وجهين

أما إن وقت باليوم بأن قال إن لم آتك اليوم حتى أتغذى عندك

أو لم يوقت

فإن وقت فشرط البر وجود الفعلين في اليوم وشرط الحنث عدم

أحدهما فيه حتى إذ أتاه في اليوم وتغذى عنده في ذلك اليوم متصلا بالإتيان أو متراخيا عنه كان بارا لوجود شرط البر

إلا إذا عنى الفور فيشترط وجود الفعلين بصفة الاتصال

وإن لم يوقت كان شرط البر وجود الفعلين في العمر بصفة الاتصال أو التراخي إذا لم ينو الفور وشرط الحنث عدم

أحدهما في العمر هذا حاصل ما ذكر في عامة نسخ الزيادات

وهكذا ذكر الشيخ في شرح الزيادات أيضا فقال إذا قال إن لم آتك حتى أتغذى عندك اليوم أو إن لم تأتني حتى تتغذى عندك اليوم فكذا فأتاه ثم لم يتغذ عنده في ذلك اليوم حنث لأن شرط البر وجود الأمرين في اليوم ولم يوجد

وإن لم يوقت باليوم لا يحنث لأنه يرجى البر وهو التغذي في وقت آخر وهكذا ذكر شمس الأئمة في شرح الزيادات أيضا

وإذا تحققت هذا علمت أن في

قوله في الكتاب حتى إذا أتاه فلم يتغذ ثم تغذى من بعد غير متراخ فقد بر نوع اشتباه لأن لقوله فلم يتغذ مع

قوله تغذى من بعد غير متراخ نوع منافاة

وظني أن المسألة كانت موضوعة في الكتاب في اليوم مثلها في أصول شمس

(٢/٢٤٧)

الأئمة وعامة نسخ الزيادات فسقط لفظ اليوم عن قلم الكاتب

وعلى ذلك التقدير كان معنى ما ذكر في الكتاب حتى إذا أتاه أي في اليوم

فلم يتغذ عنده أي على فور الإتيان

ثم تغذى من بعد أي من بعد إن لم يتغذ على الفور

غير متراخ أي عن اليوم فقد بر

وإن لم يتغذ في اليوم أصلا حنث

فأما إذا أجريناها على إطلاقها كما هو المذكور في الكتاب فأنا لا أدري معنى

قوله غير متراخ إذ لو قدرت غير متراخ عن الإتيان لا يستقيم ذلك مع

قوله فلم يتغذ ولو قدرت غير متراخ عن العمر لا فائدة فيه إذ لا يتصور التغذي متراخيا عن العمر

وفي بعض الحواشي ثم تغذى من تغذى غير متراخ أي قبل الافتراق عن ذلك المجلس ولا أعرف صحته

قوله وهذه استعارة أي استعارة حتى لمعنى العطف المحض من غير اعتبار معنى الغاية فيه بوجه استعارة لم توجد في كلامهم فإنهم لا يقولون رأيت زيدا حتى عمرا كما يقولون رأيت زيدا فعمرا أو ثم عمرا وكان ينبغي أن لا يجوز لأنها من باب اللغة ولم يوجد في لغتهم لكن هذه استعارة اقترحها محمد أي استخرجها بقريحته على طريقة استعاراتهم مع أن

قوله مستغن عن الدليل فإن أئمة اللغة مثل أبي عبيد وغيره كانوا يحتجون بقوله فكان مستغنيا عن الدليل إذا قالت حذام فصدقوها

فإن القول ما قالت حذام

وذكر ابن السراج أن المبرد سئل عن معنى الغزالة فقال هي الشمس كذا قاله محمد بن الحسن على أن في الاستعارة لا يشترط السماع بل يشترط المعنى المناسب الصالح للاستعارة على ما مر بيانه وقد وجد لما ذكر في الكتاب

وهذا أي ما ذكرنا من

(٢/٢٤٨)

استعارة حتى للعطف المحض على مثال استعارات أصحابنا

في غير هذا الباب أي باب حتى مثل استعارتهم البيع للنكاح والعتاق للطلاق والحوالة للوكالة ونحوها

وإذا استعير أي حتى للعطف استعير بمعنى الفاء أي بمعنى حرف يوجب التعقيب مثل الفاء أو ثم دون الواو لأن التعقيب أشد مناسبة ومجانسة للغاية من مطلق الجمع لوجود الترتيب فيهما

والإمام العتابي جعله بمعنى الواو فقال وإن تعذر الحمل على الجزاء يحمل على العطف كقولك جاءني القوم حتى زيد أي وزيد ثم قال في

قوله إن لم آتك اليوم حتى أتغذى عندك تقديره إن لم آتك اليوم وأتغذى عندك واللّه أعلم

(٢/٢٤٩)