باب حروف المعانيهذا باب دقيق المسلك لطيف المأخذ كثير الفوائد جم المحاسن جمع الشيخ رحمه اللّه فيه بين لطائف النحو ودقائق الفقه واستودع فيه غرائب المعاني وبدائع المباني فاصغ لما يتلى عليك من بيان لطائف حقائقه واستمع لما يلقى إليك من كشف غوامض دقائقه بتوفيق اللّه جل جلاله تستزد به تبصرا في درك أسرار مستودعاته وتستفد به تبحرا في الوقوف على عجائب مستبدعاته إن شاء اللّه سبحانه وتعالى واعلم أن لفظ الحروف يطلق على الحروف التسعة والعشرين التي هي أصل تراكيب الكلام ويطلق على ما يوصل معاني الأفعال إلى الأسماء وعلى ما يدل بنفسه على معنى في غيره على ما فسر في علم النحو بأن الحرف ما دل على معنى في غيره ويسمى الأول حروف التهجي أي التعدد من هجى الحروف إذا عددها والثاني حروف المعاني لما ذكرنا من إيصالها معاني الأفعال إلى الأسماء أو لدلالتها على معنى فإن الباء في قولك مررت بزيد حرف معنى لدلالتها على الإلصاق بخلاف الباء في بكر وبشر فإنها لا تدل على معنى وكذا الهمزة في أزيد حرف معنى بخلافها في أحمد وكذا من في قولك أخذت من زيد حرف معنى بخلافه في منوال ثم إطلاق لفظ الحروف ههنا على المذكور في الباب بطريق التغليب لأن بعض ما ذكر في هذا الباب أسماء مثل كل ومتى ومن وإذا وغيرها لكن لما كان أكثرها حروفا سمي الجمع بهذا الاسم قوله حروف العطف العطف في اللغة الثني والرد يقال عطف العود إذا ثناه ورده إلى الآخر فالعطف في الكلام أن يرد أحد المفردين إلى الآخر فيما حكمت عليه أو إحدى الجملتين إلى الأخرى في الحصول وفائدته الاختصار وإثبات المشاركة وأصل هذا القسم الواو لأن العطف لإثبات المشاركة ودلالة الواو على مجرد (٢/١٦٠) الاشتراك وسائر حروف العطف يدل على معنى زائد على الاشتراك فإن الفاء يوجب الترتيب معه وثم يوجب التراخي معه فلما كانت في تلك الحروف زيادة على حكم العطف صارت كالمركبة معنى والواو مفرد والمفرد قبل المركب والحاصل أن العطف لما كان عبارة عن الاشتراك والواو متمخضة لإفادة هذا المعنى دون غيره صارت أصلا في العطف قوله وهي عندنا لمطلق العطف أي لمطلق الجمع من غير تعرض لمقارنة كما زعمه بعض أصحابنا على قول أبي يوسف ومحمد ولا ترتيب كما زعمه ذلك البعض على أصل أبي حنيفة وكما زعمه بعض أصحاب الشافعي يعني أنها تدل في عطف المفرد على المفرد على اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم فقط من غير أن يدل على كونهما معا بالزمان أو على تقدم أحدهما على الآخر به وفي عطف الجملة على الجملة على اشتراكهما في الثبوت هذا هو مذهب جماهير العلماء من أهل اللغة وأئمة الفتوى أي أهل الشرع والفتى الشاب القوي الحدث واشتقاق الفتوى منه لأنها جواب في حادثة أو أحداث حكم أو تقوية لبيان مشكل كذا في المغرب وقال بعض أصحاب الشافعي إنها للترتيب ونقل ذلك عن الشافعي رحمه اللّه أيضا قال شمس الأئمة وقد ذكر الشافعي ذلك في أحكام القرآن وفي القواطع نقل عن الشافعي أنه قال في الوضوء يعتبر ذكر الآية ثم قال ومن خالف الترتيب الذي ذكره اللّه لم يجز وضؤه وروي عن الفراء أنها للترتيب حيث يستحيل الجمع أما في المفرد فكقولك زيد راكع وساجد وأما في الجملة فكقوله تعالى اركعوا واسجدوا قوله واحتجوا تمسك مثبتو الترتيب بما روي أن الصحابة لما سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورضي عنهم عند السعي بين الصفا والمروة بأيهما نبدأ وقد نزل قوله عز وجل إن الصفا والمروة من شعائر اللّه قال ابدءوا بما بدأ اللّه به ففيه دليل على أنها للترتيب من وجوه أحدها أن النبي صلى اللّه عليه وسلم فهم وجوب الترتيب حتى قال ابدءوا بكذا وأنه عليه السلام كان أعلم باللسان وأفصح العرب والعجم وإليه أشير في الكتاب (٢/١٦١) والثاني أنه عليه السلام نص على الترتيب عند اشتباهها عليهم أنها للجمع أو للترتيب فيثبت بتنصيصه عليه السلام أنها للترتيب والثالث أنها لو كانت للجمع المطلق لما احتاجوا إلى السؤال لأنهم كانوا أهل لسان ولا يعارض بأنها لو كانت للترتيب لما احتاجوا إلى السؤال أيضا لأنهم يقولون يجوز أن يكون سؤالهم لتجويزهم إياها مستعملة في الجمع المطلق تجوزا بناء على الغالب قوله ووجوب الترتيب وتمسكوا أيضا بأن الركوع مقدم على السجود بلا خلاف واستفيد هذا التقدم من الواو في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا فلو لم يكن الواو للترتيب لما استفيد ذلك منها ومما تمسكوا به أن أعرابيا قال من أطاع اللّه ورسوله فقد اهتدى ومن عصاهما فقد غوى فقال النبي عليه السلام بئس خطيب القوم أنت قل ومن عصى اللّه ورسوله فقد غوى ولو كان الواو للجمع المطلق لما وقع الفرق بين العبارتين قوله وهذا حكم ابتداء دليل العامة أي موجب الواو حكم لا يعرف إلا باستقراء كلام العرب أي تتبعه من استقريت البلاد إذا تتبعتها تخرج من أرض إلى أرض ومعناه أنه ينظر في استعمالاتهم أنها استعملت في الجمع المطلق أو في الترتيب وبالتأمل في موضوع كلامهم أي في قوانينهم التي بني عليها كلامهم أنها توجب كونها للترتيب أم للجمع المطلق كالحكم الشرعي يتعرف من اتباع الكتاب والسنة بأن يطلب فيهما وبالتأمل في موارد النصوص وقوانين الشرع الموضوعة لاستخراج الأحكام إن لم يوجد فيهما وكلاهما أي الاستقراء والتأمل حجة عليه أي على من ادعى أنها للترتيب لا للجمع المطلق من غير تعرض أي تصد له وهو استعارة يعني من غير دلالة لها على المقارنة والترتيب حتى لو جاء مقارنين أو على التعاقب بصفة الوصل أو التراخي كان صادقا في هذا الإخبار وقد ثبت ذلك بالنقل عن أئمة اللغة ونقل اللغة عن أربابها حجة وقد نص عليه سيبويه في سبعة عشر موضعا من كتابه وقال الإمام عبد القاهر معنى الواو الجمع بين الشيئين في الحكم لا في الوقت ولا ترتيب فيه لأنها في الاسمين المختلفين بإزاء التثنية (٢/١٦٢) في المتفقين فإذا قلت جاءني زيد وعمرو لم يجب أن يكون المبدوء به في اللفظ سابقا بل كل منهما بمنزلة صاحبه في جواز تقديمه كما إذا قلت جاءني الزيدان إن لم يكن اللفظ مقتضيا تقدم أحدهما بل مقتضاه اجتماعهما في وجود الفعل فقط ولأن الفاء يختص بالأجزئة وذلك لأن الجزاء متعقب على ما يوجبه من شرط أو نحوه والفاء هي التي تدل على التعقيب فلذلك اختصت بها ولا يصلح فيها الواو لما ذكر فلو كان موجبها الترتيب لما افترق الحال بين الفاء والواو قوله وأصله جاءني زيد وزيد وزيد وإنما كان كذلك لأنه نظير جاءني بكر وبشر وخالد وهذا المجموع أسماء أعلام وضعت لأشخاص مختلفة من غير نظر إلى المعنى إلا أن الألفاظ إذا كانت مختلفة لا يمكن جمعها في لفظ واحد مع كمال المقصود وهو تعريف ذواتهم فلذلك يقال جاءني بكر وبشر وخالد فأما إذا كانت متفقة فيمكن اختصارها بصيغة الجمع والاكتفاء بلفظ واحد منها مع كمال المقصود فيقال زيدون احترازا عن التطويل والتكرير المستكرهين وهذا الواو لمطلق الجمع بالإجماع فيكون الواو في قوله جاءني بكر وبشر وخالد كذلك أيضا لأن هذه عين تلك كذا في بعض الشروح قوله وقالوا أي أهل اللغة لا تأكل السمك وتشرب اللبن قال الشيخ الإمام عبد القاهر اعلم أن النصب في قولك لا تأكل السمك وتشرب اللبن بإضمار أن والذي أوجب ذلك أنهم لو أدخلوا ما بعد الواو في إعراب ما قبلها لاشتمل النهي على كل واحد من الفعلين وليس الغرض ذلك وإنما المقصود النهي عن الجمع بينهما فلما لم يكن إدخال تشرب في إعراب تأكل وجب أن يضمر أن وينزل قولك لا تأكل السمك منزلة لا يكن منك أكل السمك ليكون تشرب مع تقدير أن مصدرا معطوفا على مثله نحو لا يكن منك أكل السمك وشرب اللبن فحصل بهذا الإضمار معنى النهي عن الجمع بينهما وأن (٢/١٦٣) أحدهما مباح له وما ذكر عن بعض البغداديين أنه منصوب على الظرف فالمراد أنهم لما قصدوا أن يكون الثاني غير داخل في حكم الأول فنصبوه صار العدول به عن المعنى الأول كأنه نصبه إذ كان سببا لإضمار أن فأما أن يراد أن النصب بنفس مخالفته للأول حتى كان عامله ذلك المعنى فلا قوله ولو استعمل الفاء مكانه لبطل المراد لأن الغرض ههنا الجمع بين الشيئين ولا يراد أن يجعل الأكل سببا للشرب نحو أن تقول إن أكلت السمك شربت اللبن كما يكون ذلك في قولك لا تنقطع عنا فنجفوك أي لا يكن منك انقطاع فجفاء منا وكقولك لا تدن من الأسد فيأكلك أي إنك إن دنوت منه أكلك ويصير دنوك سببا لأكله إياك وعليه قوله تعالى ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي أي لا تجاوزوا الحد في أكل الطيبات فإنكم إن فعلتم ذلك حل عليكم غضبي ويصير طغيانكم سبب حلول آثار الغضب عليكم وإذا كان المراد الجمع وجب الثبات على الواو دون الفاء لأن الواو تدل على الجمع والفاء تدل أن الثاني بعد الأول وإذا ثبت أن الفاء لا تصلح في موضع الواو كما لا تصلح الواو في موضع الفاء في قوله إن دخلت الدار وأنت طالق علم أن كل واحد منهما وضعت لمعنى على حدة وأنها ليست للترتيب قوله ومثله أي مثل قوله لا تأكل السمك وتشرب اللبن قول الشاعر لا تنه عن خلق وتأتي مثله أي لا يكن منك نهي عن خلق وإتيان بمثله أي لا تجمع بين هذين فالنهي عن خلق مباح له إذا لم يقترن بإتيان مثله وما حكي عن الأصمعي أنه كان ينشده بإسكان الياء ويقول إن سماعي كذلك فوجهه أن تكون الياء في تقدير النصب كقوله كأن أيديهن بالقاع الفرق أو يكون على الابتداء نحو لا تنه عن خلق وأنت تأتي مثله وقبله ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم فهناك تقبل إن وعظت وتقتدى بالأمر منك وينفع التعليم لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم (٢/١٦٤) ومما تمسك به العامة قوله تعالى في سورة البقرة وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة وقوله عز اسمه في سورة الأعراف وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا والقصة واحدة آمرا ومأمورا وزمانا ثبت ذلك بنقل أئمة التفسير فلو كانت الواو للترتيب لتناقضا لدلالة الأول على تقدم الدخول على القول ودلالة الثاني على عكسه وكلامه تعالى عن ذلك منزه ولأنه لو أفاد الترتيب لكان قوله رأيت زيدا وعمرا قبله متناقضا ولكان قوله رأيت زيدا وعمرا بعده تكرارا والأول باطل والثاني خلاف الأصل قال الإمام عبد القاهر ومما يدل على أن الواو لا أصل له في الترتيب أنهم وضعوها حيث لا يتصور الترتيب كقولهم اشترك زيد وعمرو واختصم بكر وخالد وذلك أن الاشتراك والاختصام مما يقتضي فاعلين فلو قلت في قولك اشترك زيد وعمرو إن زيدا قبل عمرو في الرتبة كان بمنزلة أن تقول اشترك زيد وتسكت لأن أحدهما إذا تقدم على صاحبه لم يكن مساويا له ومجتمعا معه كما أنك إذا قلت جاءني زيد قبل عمرو لم يكن لزيد اجتماع مع عمرو في المجيء فمن ادعى أن الواو دليل على الترتيب لزمه أن يقول اشترك زيد واختصم بكر ويسكت ولهذا لا يصح بالفاء وثم لأنك لو قلت اختصم زيد فعمرو أو اشترك بكر ثم خالد كان بمنزلة قولك جاءني زيد فعمرو في جعلك الاختصام والاشتراك مما يسند إلى فاعل واحد حتى كأنك قلت اختصم زيد وسكت لما ذكرنا أن الترتيب يزيل الاجتماع قوله والأصل في كل قسم كذا يعني الأصل في الكلام الخصوص اسما كان أو فعلا أو حرفا وهو أن يكون بإزاء كل لفظ معنى واحد وأن لا يكون لمعنى واحد إلا لفظ واحد لأن الكلام وضع للإفهام والاشتراك يخل به والترادف يوجب إخلاءه عن الفائدة وذلك لا يليق بالحكمة لغفلة من الواضع يعني إن كانت اللغات اصطلاحية بأن وضع الواضع اللفظ أولا بإزاء معنى واشتهر بين قوم وقد نسيه ثم وضعه بإزاء معنى آخر واشتهر بين قوم آخرين ثم اجتمعوا واشتهر الوضعان بين الكل أو عذر أي حكمة دعت إلى ذلك وهو الابتلاء إن كانت اللغات توقيفية ليتبين درجة العالم الذي يستخرج المراد من الكلام بقوة قريحته بالتأمل فيه لتكرر الدلالة أي يلزم التكرار فإن قيل لا يتكرر بل يكون لمطلق الترتيب قلنا قد وضعت كلمة بعد لمطلق الترتيب فيلزم التكرر لا محالة على أنها (٢/١٦٥) ليست لمطلق الترتيب عندكم فإن الولاء في الوضوء شرط في الجديد كما هو قول مالك ولو كان لمطلق الترتيب لم يشترط ولأنها لو كانت للترتيب لخلا الكلام عن حرف يدل على مطلق الجمع وهو معنى مقصود وذلك إخلال به ولا يتخالجن في وهمك أنها أوجبت الترتيب في قوله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات حيث رتب العمل على الإيمان ولم يعتبر بدونه لأن ذلك استفيد من قوله تعالى ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن لا من الواو لكن الواو استدراك من حيث المعنى أي ليست الواو للترتيب لكنها لما كانت أصلا في باب العطف لكونها أكثر وقوعا بدلالة الاستقراء كان ذلك أي كونها أصلا دلالة على أنها وضعت لمطلق العطف الذي هو أصل لما سواه من أقسامه للمناسبة ثم انشعبت الفروع أي الحروف التي هي فروع لها نظرا إلى قلة وقوعها بالنسبة إلى الواو كالفاء وثم إلى سائر المعاني التي هي فروع لمطلق الجمع من تقيده بصفة الترتيب وصفة القران وصفة التراخي اعتبارا للتناسب ومحافظة على قوانينهم المستمرة في سائر الألفاظ فإنهم وضعوا لكل جنس اسما ثم فرعوا عليه أنواعه كالإنسان اسم جنس ثم يتنوع إلى رجل وامرأة وكالتمر اسم جنس ثم يتنوع إلى عجوة وبرني وسنجاني وقسب ودقل وغيرها قوله غير عام كما زعم الشافعي رحمه اللّه وقد بينا ولا مجمل قد زعم بعض الناس أن اسم الرقبة مجمل لأن المراد لا يعرف منها وقوله مؤمنة مفسر لها فلذلك يتقيد الرقبة في كفارة اليمين بصفة الإيمان وهذا فاسد لأنها اسم جنس وأسماء الأجناس معلومة المعاني عند أرباب اللسان وأصحاب الشريعة فكانت من قبيل المطلق لا من قبيل المجمل ولهذا قلنا أي ولكونها للجمع المطلق من غير تعرض لمقارنة كما قاله مالك إذ القران فيه لا يتصور إلا بالولاء أو ترتيب كما قاله الشافعي والجواب عن متمسكهم أن قوله (٢/١٦٦) تعالى إن الصفا والمروة لبيان أنهما من معالم الحج وشعائر اللّه وهذا لا يحتمل الترتيب وسيأتي بيانه وكذلك قوله تعالى اركعوا واسجدوا لا يفيد الترتيب وما عرفنا وجوب الترتيب به كيف وأنه معارض بقوله عز اسمه واسجدي واركعي مع الراكعين وإنما عرفناه بقوله عليه السلام صلوا كما رأيتموني أصلي أو يكون الركوع مقدمة السجود والقيام مقدمة الركوع على ما عرف في موضعه وكذا رده عليه السلام على الأعرابي لم يكن لإفادة الواو الترتيب إذ لا ترتيب في معصيتهما لعدم انفكاك أحديهما من الأخرى بل لترك ذكر اسم اللّه تعالى على سبيل التعظيم قوله وقد ظن بعض أصحابنا أن الواو للمقارنة عند علمائنا الثلاثة استدلالا بما إذا قال لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار يتعلق الكل بالشرط وينزلن جملة ولو لم تكن للمقارنة لوقع الأول ولغا الثاني والثالث لعدم المحل وزعم بعضهم أنها للترتيب عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد رحمهم اللّه للمقارنة استدلالا بالمسألة المذكورة في الكتاب وليس كذلك أي ليس الأمر كما زعموا إذ لا يلزم من وجود المقارنة أو الترتيب في صورة من الصور التي وجدت فيها الواو أن يكون الواو موضوعة له لجواز أن يكون المقارنة أو الترتيب بناء على معنى آخر غير الواو كما سنبينه والدليل عليه عدم اطرادها في الدلالة على المقارنة أو الترتيب في عامة الصور كيف والمطلق في الخارج لا يوجد إلا مقيدا بصفة وذلك لا يدل على كون اللفظ موضوعا للمقيد ألا ترى أن الإنسان لا يوجد في الخارج إلا مقيدا بصفة وذلك لا يدل على أن لفظ الإنسان دال على تلك الصفة وموضوع لها بل الواو لمطلق العطف عند أصحابنا جميعا وإنما الاختلاف في المسألة بناء على كيفية تعلق الثاني والثالث بالشرط لا لأن الواو أوجبت المقارنة أو الترتيب ألا ترى أنهم اتفقوا على أنه لو نجز فقال أنت طالق وطالق وطالق لا يقع إلا واحدة وعلى أنه لو قدم الجزاء فقال أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار أنه يتعلق الكل بالشرط وينزلن جملة فلو كان اختلافهم في مسألة الكتاب بناء على اختلافهم في موجب الواو لثبت الاختلاف في المسألتين ولكنهما قالا موجبه الاجتماع أي موجب كلامه الاجتماع لأن موجب العطف الاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه (٢/١٦٧) والجملة الأولى تامة لوجود الشرط والجزاء وقوله وطالق جملة ناقصة لأنه بغير شرط فيصير ما يتم به الأولى وهو الشرط شرطا للثانية لتصير كاملة ولهذا تعلقت الثانية والثالثة بالشرط ولم تقعا في الحال ولما ساوت الثانية والثالثة الأولى في التعليق بالشرط وليس بين الأجزئة ما يوجب صفة الترتيب إذ الواو لا توجب ذلك وتعلقت غير موصوفة بالترتيب وقعن كذلك كما لو كرر الشرط بأن قال إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق أو قدم الجزاء كما ذكرنا إذ الجزاء يتأخر عن الشرط قدم الشرط عليه أو أخره ذكرا وكما لو قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق تطليقة ونصفا فدخلت الدار تطلق ثنتين ولا فرق بين تطليقة ونصف تطليقة إذ الطلاق لا نصف له ولا يلزم ما إذا قال لامرأته التي لم يدخل بها أنت طالق وطالق وطالق فإنها تطلق واحدة لا ثلاثا خلافا لأحمد بن حنبل وبعض أصحاب مالك والليث بن سعد وربيعة وابن أبي ليلى لأن أزمنة الوقوع متفرقة فلا تقع مجتمعة فتبين بالأول فلا يصح الثاني وفيما نحن فيه زمان الوقوع زمان وجود الشرط ولم يوجد منه تفريق بعد الشرط ألا ترى أنه لو أرسل فقال أنت طالق واحدة لا بل ثنتين لم تطلق إلا واحدة ولو علق ثم وجد الشرط طلقت ثلاثا كذا في الأسرار وذكر بعض مشايخنا في بيان قولهما إن عطف الجملة الناقصة على الكاملة يوجب إعادة ما في الكاملة لتصير الناقصة كاملة أيضا بخلاف عطف الكاملة على مثلها ألا ترى أنه لو قال لامرأتيه هذه طالق ثلاثا وهذه طلقت الأخرى ثلاثا لأن خبر الأولى يصير معادا في حقها بخلاف ما لو قال هذه طالق ثلاثا وهذه طالق حيث تطلق الأخرى واحدة لأنها مفيدة بنفسها فلا تقتضي ذكر الخبر مرة أخرى وكذلك لو قال جاءني زيد وعمرو أو قال مررت بالبصرة والكوفة يصير المجيء والمرور مذكورين مرة أخرى لا طريق له إلا ذلك فكذلك ههنا قوله وطالق ناقص لا شرط (٢/١٦٨) له فيصير الشرط كالمذكور مرة أخرى كأنه قال إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق إن دخلت الدار وطالق إن دخلت الدار فيقع ثلاث تطليقات بدخلة واحدة كما لو كرر الشرط صريحا وقد نص على هذا الوجه في الجامع الكبير فقيل في وقوله إن دخلت الدار فأنت طالق واحدة لا بل ثنتين تقديره لا بل ثنتين إن دخلت الدار وحاصل الطريقتين يرجع إلى حرف واحد وهو أن الطلقات تعلقن بالشرط بلا واسطة فلذلك ينزلن جملة عند وجود الشرط لا لأن الواو أوجبت المقارنة وقال أبو حنيفة رحمه اللّه موجبه أي موجب ذكر الطلقات متعاقبة الافتراق أي انفصال الثانية عن الأولى والثالثة عنهما في التعلق بالشرط والتعاقب في الوقوع لا الاجتماع كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثم طالق ثم طالق أو قال وطالق بعده وطالق بعده لأن قوله إن دخلت الدار فأنت طالق جملة تامة مستغنية عما بعدها فلم تتوقف عليه فتعلق هذا الطلاق بالشرط بلا واسطة وقوله وطالق جملة ناقصة فتتوقف على الأولى لا محالة لافتقارها إليها إذ الناقصة مفتقرة إلى الكاملة في إفادة المعنى فيتعلق الطلاق الثاني بعد تعلق الأول والتعليق بالشرط منفصلا عنه صحيح كما لو نص على كلمة بعد أو ثم فكان الأول متعلقا بالشرط بلا واسطة والثاني بواسطة والثالث بواسطتين وإذا تعلق بهذا الترتيب ينزلن كذلك أيضا لأن الجزاء ينزل على الوجه الذي تعلق كالجواهر إذا نظمت في سلك وعقد رأسه تنزل عند الانحلال على الترتيب الذي نظمت به فلو غير موجب هذا الكلام وبطلت الواسطة إنما يبطل قضية الواو وقد بينا أن الواو لا توجب القران كما لا توجب الترتيب بخلاف ما إذا كرر الشرط لأن الكل تعلق بالشرط بلا واسطة وبخلاف ما إذا قدم الجزاء لأن أول الكلام يتوقف على آخره إذا كان في آخره ما يغير أوله أول الكلام تنجيز لو لم يوجد الشرط آخرا فيتوقف عليه وإذا توقف تعلق الكل بلا واسطة بالشرط أيضا وبخلاف قوله إن دخلت الدار فأنت طالق تطليقة ونصفا لأنه لا يوجد في اللغة لفظ يدل عليه أو جزء منه فكان الواحد مع النصف كاسم واحد بمنزلة أحد عشر وأحد وعشرين ألا ترى أنه لو نجز لهذا اللفظ فقال أنت طالق تطليقة ونصف تطليقة تقع ثنتان كما لو قال أنت طالق إحدى وعشرين طلقة تقع الثلاث جملة ولم تقع الواحدة أولا ثم العشرون كما قال زفر فكذا ههنا فأما طالق وطالق فكلامان صيغة ولم يقم دليل يجعلهما كلاما واحدا لأنا وجدنا في اللغة ما يعبر به عن الاثنين بعبارة أو جزء منه وهي (٢/١٦٩) ثنتان أو ثلاث وبخلاف قوله لا بل ثنتين لأن هذه الكلمة لاستدراك الغلط والإضراب عما قبلها بإقامة الثاني مقام الأول فإذا اقتضت الالتحاق بالأول صرن جملة كما لو قال ومعها أخرى وأما قولهما يصير ما تم به الأولى كالمعاد مرة أخرى فسيجيء بيانه وقوله وهو في الحال تكلم بالطلاق جواب عن كلام أبي حنيفة رحمه اللّه أن الثاني تعلق بواسطة واعلم أن القاضي الإمام أبا زيد رحمه اللّه ذكر في الأسرار أن هذه مسألة مشكلة فإنا متى اعتبرنا الطلاق المتعلق بمحسوس علق بحبل واحد أوجب التعليق بشرط واحد على التعاقب صفة ترتيب للمتعلق في نفسه كما قال أبو حنيفة رحمه اللّه بمنزلة حلق متعلقة بحبل واحد على التعاقب ولكن الشبهة في المسألة من وجهين أحدهما أن الترتيب إنما ثبت تكلما به فكان التعاقب في أزمنة التعليق ونحن نسلم التعاقب في أزمنة تعلق الأجزئة بالشرط تكلما بها ولكنه لا يوجب تعاقب الوقوع حين الشرط كما لو كرر الشرط وإنما الموجب للترتيب في الوقوع لفظ يوجب تفريق أزمنة الوقوع كثم أو ترتيب الواقع إن تعلقن جملة كما لو قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا واحدة بعد واحدة والثاني وإليه أشير في الكتاب أن المتعلق ليس بطلاق للحال بل هو كلام له عرضية أن يصير طلاقا عند وجود الشرط فإذا لم يكن طلاقا للحال لا يقبل وصف الترتيب في الحال لأن الوصف لا يسبق الموصوف فكانت العبرة لحالة الوقوع فإن وجد ما يوجب تفريق أزمنة الوقوع ككلمة ثم أو ما يبقى وصفا له بعد الوقوع ككلمة بعد يثبت الترتيب ويصير بكلمة ثم أو بعد ذلك الجزاء الذي يصير طلاقا في الثاني أنه يصير طلاقا بهذا الوصف فأما الواو فلا توجب ذلك وكذا أزمنة التعليق لا تكون وصفا لما يقع زمان الشرط فيلغو اعتبار تفرقها واجتماعها في حق الواقع ذكر القاضي الإمام هاتين الشبهتين ولم يذكر الجواب ميلا إلى ترجيح قولهما فكأن الشيخ إنما أورد قولهما آخرا وذكر جوابهما عن كلام أبي حنيفة اتباعا للقاضي الإمام قال شمس الأئمة وما قاله أبو حنيفة رحمه اللّه أقرب إلى مراعاة حقيقة اللفظ لأن من المعلوم أن عند وجود الشرط ذلك الملفوظ به يصير طلاقا فإذا كان من ضرورة العطف إثبات هذه الواسطة ذكرا فعند وجود الشرط يصير كذلك طلاقا (٢/١٧٠) واقعا ومن ضرورة تفرق الوقوع أن لا يقع إلا واحدة فإنها تبين لا إلى عدة كما لو نجز فقال أنت طالق وطالق وطالق قوله وإذا كان موجب الكلام ما قلنا وهو الاجتماع والاتحاد فلا يترك المقيد أي المقتضي للاجتماع بالمطلق أي الواو وقوله وإذا تقدمت الأجزية يجوز أن يكون جوابا عن استدلال الطائفة الأولى بهذه المسألة أن الواو للمقارنة عند أصحابنا جميعا يعني ثبت المقارنة باتحاد حال التعليق الذي يقتضي الاجتماع في الوقوع لا بموجب الواو ويجوز أن يكون متصلا بكلام أبي حنيفة رحمه اللّه على سبيل الفرق يعني إذا تأخرت الأجزية فموجب كلامه الافتراق فلا يتغير بالواو إذا تقدمت فموجبه الاجتماع فلا يترك بالواو أيضا لما قلنا إنها لا تتعرض للقران ولا للترتيب ثم ذكر الشيخ ما يرد نقضا على هذا الأصل مع جوابه وهو أربع مسائل اثنتان منها تدلان على أن الواو للترتيب واثنتان على أنها للقران منها مسألة الأمتين وهي أن رجلا لو زوج أمتين لآخر برضاهما من رجل في عقدة أو عقدتين بغير إذن مولاهما وبغير إذن الزوج كان النكاح موقوفا على إجازة كل واحد منهما فإن نقض أحدهما انتقض وإن أجاز أحدهما توقف على إجازة الآخر فإن أعتقهما المولى بلفظ واحد بأن قال أعتقتهما أو قال هما حرتان لا يبطل نكاح واحدة منهما لأنه لم يتحقق الجمع بين الحرة والأمة لا في حال العقد ولا في حال الإجازة ولزم العقد من جانب المولى لسقوط حقه بالإعتاق وبقي موقوفا على إجازة الزوج إن شاء أجاز نكاحهما وإن شاء أجاز نكاح واحدة منهما بعينها ولو أعتقهما في كلمتين منفصلتين بأن قال أعتقت هذه أو قال هذه حرة ثم قال بعد زمان للأخرى مثل ذلك أو متصلتين كما ذكر الشيخ في الكتاب بطل نكاح الثانية لما ستقف عليه وبقي نكاح الأولى موقوفا على إجازة الزوج ولو وجد إذن المولى دون الزوج في المسألة توقف النكاح على إجازة (٢/١٧١) الزوج لا غير ولو أعتقتا معا لا يبطل نكاح واحدة منهما وبقي موقوفا على إجازة الزوج كما كان ولو أعتقتا على التعاقب بكلامين منفصلين أو متصلين بطل نكاح الثانية وبقي نكاح الأولى موقوفا على ما كان ولو وجد إذن الزوج دون المولى توقف على إجازة المولى ولو أعتقهما معا نفذ نكاحهما ولو أعتقهما على التعاقب بطل نكاح الثانية ونفذ نكاح الأولى ولو وجد إذنهما جميعا نفذ نكاحهما ولا يبطل بإعتاق بحال فيما ذكرنا تعرف فائدة القيدين المذكورين في المسألة فتأمل قوله في عقدتين احتراز عما إذا زوجهما في عقدة واحدة فإن ذلك لا ينفذ بحال قوله ولو سكت فيما بين ذلك بأن قال أعتق أبي هذا وسكت ثم قال للآخر أعتق هذا وسكت ثم قال وأعتق هذا عتق الأول ونصف الثاني وثلث الثالث لأنه لما أقر بعتق الأول فقد أقر بالثلث له فعتق من غير سعاية ثم لم يصح ما بعده في تغيير حقه لأن المغير إنما يصح بشرط الوصل وإذا أقر بالثاني فقد زعم أن الثلث بينه وبين الأول نصفين إلا أنه لم يصدق في إبطال حق الأول وصدق في إثبات حق الثاني ولما أقر بالثالث فقد زعم أن الثلث بينهم أثلاثا لكنه لم يصدق في إبطال حق الأولين كذا في شرح الجامع للمصنف قوله أما في المسألة الأولى إذا قال لغير المدخول بها أنت طالق وطالق وطالق يقع واحدة عند عامة العلماء وقال مالك والشافعي في قوله القديم وأحمد بن حنبل والليث بن سعد وربيعة وابن أبي ليلى إنها تطلق ثلاثا لأن الواو توجب المقارنة ولأن الجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع فصار كما لو قال لها أنت طالق ثلاثا ألا ترى أنه لو قال لها أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار طلقت ثلاثا عند وجود الشرط فكذا ههنا لكن ما قالوه غلط لما قدمنا أن للقران لفظا موضوعا وهو مع فلو حملنا الواو عليه كان تكرارا وهو خلاف ما عليه أهل اللغة أيضا والواو للعطف المطلق لا للقران ولذلك أي ولكونها للعطف المطلق لم يقع الثاني لأن الأول وقع قبل التكلم بالثاني لأن توقف الكلام الذي صدر من أهله في محله لا يكون إلا لما يوجب ذلك من تنصيص عليه بلفظ يوجبه ككلمة مع أو من مغير التحق بآخره كالشرط والاستثناء ولم يوجد ههنا تنصيص (٢/١٧٢) عليه لأن الواو ليست بنص على المقارنة بل هي من محتملات الواو ولا مغير أيضا لأن ذكر الطلاق الثاني لا يؤثر في الطلاق الأول وهو معنى قوله ولم يقف على التكلم بالثاني وإذا لم يتوقف أوله على آخره بانت بالأول ولغا الثاني والثالث لفوات محل التصرف بحصول الإبانة بالطلاق الأول لا لخلل في العبارة أي لا لفساد في التكلم والعطف فإن ذلك يقتضي وقوع الثاني والثالث ولكن من شرطه قيام المحل فإذا لم يبق لغا ضرورة ثم على قول أبي يوسف رحمه اللّه يقع الأول قبل أن يفرغ من التكلم بالثاني وعند محمد رحمه اللّه عند الفراغ من التكلم بالثاني يقع الأول لجواز أن يلحق بكلامه شرطا أو استثناء مغيرا وما قاله أبو يوسف أحق فإنه ما لم يقع الطلاق ولا يفوت المحل فلو كان وقوع الأول بعد الفراغ من المتكلم بالثاني لوقعا جميعا لوجود المحل مع صحة التكلم بالثاني كذا قال شمس الأئمة رحمه اللّه قوله وكذلك في نكاح الأمتين أي وكما أن عدم وقوع الثاني والثالث لفوات المحل لا لأن الواو توجب الترتيب فكذا في نكاح الأمتين بطلان نكاح الثانية لفوات المحل لا لاقتضاء الواو ذلك لأن عتق الأولى يبطل محلية الوقف في حق الثانية يعني بعدما عتقت الأولى لا تبقى الثانية محلا للنكاح الموقوف لأنه لا حل للأمة في مقابلة الحرة حال التوقف أراد به حل المحلية أي لا تبقى الأمة محل النكاح في مقابلة الحرة حال توقف نكاح الأمة فإنه إن تزوج أمة نكاحا موقوفا ثم تزوج حرة نكاحا نافذا أو موقوفا يبطل نكاح الأمة أصلا وذلك لأن حال التوقف حال انضمام الأمة إلى الحرة والنكاح الموقوف معتبر بابتداء النكاح لأنه غير لازم فكان في حق من يلزمه حكمه بمنزلة غير المنعقد والأمة ليست بمحل لابتداء النكاح منضمة إلى الحرة فلهذا بطل توقف نكاح الثانية بعدما عتقت الأولى قبل الفراغ عن التكلم بعتقها ثم لم يصح التدارك بعد إعتاقها لفوات المحل في حق التوقف قبله وإنما قيد بقوله في حق التوقف لأن بطلان المحلية في حقه لا غير حتى لو تزوجها بعد صح لأنها قد صارت حرة ولأن الواو لا تتعرض للمقارنة لتجعلهما (٢/١٧٣) كلاما واحدا بمنزلة قوله أعتقتهما وهذا يشير إلى أنه لو قال أعتقت هذه مع هذه كان بمنزلة قوله أعتقتهما قوله فأما نكاح الأختين ذكر بعض مشايخنا أن اختلاف الجواب في المسألتين لاختلاف الوضع فإنه في مسألة الأمتين قال هذه حرة وهذه حرة والكلام الثاني جملة تامة لأنه مبتدأ وخبر فإذا عطفت على جملة تامة لا يوجب مشاركتها الأولى فلا يتوقف أول الكلام على آخره كقوله لامرأتيه عمرة طالق ثلاثا وزينب طالق إن زينب تطلق واحدة وقال في مسألة الأختين أجزت نكاح هذه وهذه والكلام الثاني جملة ناقصة فشاركت الأولى ضرورة حتى لو قال ههنا وأجزت هذه يجب أن يبطل نكاح الثانية ولو قال في مسألة الأمتين هذه حرة وهذه لم يبطل نكاح الثانية كما لو أعتقهما بكلمة واحدة والأصح أن بينهما فرقا فيما إذا كان المعطوف جملة تامة في المسألتين والفرق ما أشار الشيخ إليه في الكتاب وهو أن آخر الكلام إذا كان يغير أوله توقف أول الكلام عليه كما وقف على الشرط والاستثناء وإذا لم يتغير به لم يتوقف عليه ففي مسألة الأختين آخر الكلام يغير أوله لأنه إذا لم يضم الثانية إلى الأولى صح نكاح الأولى وإذا ضم إليها بطل نكاحها للجمع بينهما وهو معنى قوله سلب عنه الجواز فنزل منزلة الاستثناء والشرط فتوقف الأول عليه فصار كالجمع بكلمة واحدة فبطلا وفي مسألة الأمتين إعتاق الأخيرة لا يغير الكلام الأول لأن النكاح يبقى موقوفا صحيحا كما كان وإنما أثر الثاني في صحة نفسه لا في تغيير الأول لو صح فلم يتوقف الكلام عليه وإذا لم يتوقف فسد الثاني قوله وصدر الكلام يتوقف عليه أي على الآخر الذي هو مغير بشرط الوصل هذا جواب عما إذا أجاز نكاحهما متفرقا حيث لا يؤثر إجازة نكاح الثانية في إبطال نكاح الأولى ولا يتوقف الكلام الأول على الثاني وإن كان مغيرا فقال صدر الكلام إنما يتوقف على المغير إذا كان متصلا به فأما إذا كان منفصلا عنه فلا وهذا لا يوجد أي تغير صدر الكلام بالآخر في مسألتين لا يوجد ولا يقال قد يتغير في مسألة الطلاق صدر الكلام (٢/١٧٤) بآخره لأنه يثبت به حرمة غليظة لأنا نقول ليس ذلك بتغيير بل هو تقرير حكم أوله وتأكيده لأن حكمه الحرمة الخفيفة وحكم آخره الحرمة الغليظة وكلاهما رافع للقيد وأما ما يثبت من زيادة الحرمة فباعتبار الطلقة الثالثة قوله عن الصحة إلى الفساد وعن الوجود إلى العدم المغير الذي يلتحق بآخر الكلام لا يخلو من أن يؤثر في الوصف كالشرط فإنه لا يبطل الكلام ولكن يؤخر حكمه إلى حين وجود الشرط أو في الأصل كالاستثناء فإنه إذا قال أنت حر إن شاء اللّه يبطل أصل الكلام بالاستثناء حتى لم يبق له موجب أصلا فالشيخ تعرض لهما فقال إعتاق الثانية لا يؤثر في وصف نكاح الأولى بالتغيير من الصحة إلى الفساد ولا في أصله بالإعدام قوله وكذلك في مسألة الإقرار عطف على مسألة الأختين يعني كما أن صدر الكلام في تلك المسألة يتغير بآخره فكذلك في مسألة الإقرار يتغير الصدر بآخره أيضا من أصحابنا من قال إنما يعتق من كل واحد ثلثه لأنه جمعهم بحرف الجمع وهو الواو والمجموع بحرف الجمع كالمجموع بلفظ الجمع فصار كأنه قال أعتقهم والدي ألا ترى أن قول الرجل علي ألف درهم لفلان وفلان بمنزلة قوله لهما علي ألف درهم وأن قوله بعت هذا العبد من فلان وفلان بمنزلة قوله بعته منهما فكذا هذا قال شمس الأئمة رحمه اللّه في شرح الجامع وهذا ليس بصحيح فإن الواو للعطف المطلق ليس لها عمل في القران ولا في الترتيب ولكن آخر الكلام ههنا يغير أوله لأن حكم الصدر لو سكت عليه سلامة نفس الأول له بلا سعاية لأنه يخرج من الثلث فإذا اتصل به الثاني والثالث تغير الصدر عن عتق إلى رق عند أبي حنيفة رحمه اللّه لأن السعاية وجبت عليه والمستسعى كالمكاتب عنده في الأحكام والمكاتب عندنا عبد ما بقي عليه درهم وعندهما وإن لم يتغير إلى الرق ولكن يتغير من براءة إلى شغل لأنه لما كان يخرج من الثلث عتق مجانا فإذا اتصل به الثاني والثالث لم يبق له إلا ثلث الثلث ووجبت عليه السعاية في ثلثي قيمته فلذلك توقف صدره على آخره لا للواو قوله ولهذا قلنا أي ولأن الواو لمطلق العطف قلنا إن قول محمد في الكتاب أي (٢/١٧٥) في الجامع الصغير وينوي أي في التسليمتين من عن يمينه من الرجال والنساء والحفظة لا يوجب ترتيبا كرر الشيخ لفظة أن لطول الكلام فلا يلزم منه تفضيل عامة المؤمنين على الملائكة فيظهر بهذا فساد قول من قال بتفضيلهم على الملائكة وادعى أن هذا مذهب أصحابنا استدلالا بهذه الرواية ألا يرى أنه قال في المبسوط وينوي بتسليمة الأول من كان عن يمينه من الحفظة والرجال والنساء وعن يساره مثل ذلك فعلم أنه أراد مطلق الجمع في النية لا الترتيب فيها وفي شرح الجامع الصغير لشمس الأئمة رحمه اللّه من أصحابنا من يقول ما ذكر في الصلاة قول أبي حنيفة الأول وما ذكر ههنا بناء على قوله الثاني فقد رجع إلى تفضيل بني آدم على الملائكة قال وهذه مسألة فيها كلام بين أهل الأصول ولكن لا معنى للاشتغال به ههنا فالواو لا توجب الترتيب والترتيب في النية لا يتحقق فإن من سلم على قوم لا يمكنه أن ينوي الرجال أولا ثم النساء ثم الصبيان ولكن مراده في الموضعين أن يجمعهم في نيته وفي شرح الجامع الصغير للمصنف فأما التقديم والتأخير فليس بشيء لازم لأن الواو لا توجب ترتيبا لكن للبداية أثر في الاهتمام كما في مسألة الوصية بالقرب فدل ما ذكر ههنا وهو آخر التصنيفين أن مؤمني البشر أفضل من الملائكة وهو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا للمعتزلة قال الإمام الكشاني والمختار عندنا أن خواص بني آدم وهم المرسلون أفضل من جملة الملائكة وعوام بني آدم من المسلمين الأتقياء أفضل من عوام الملائكة وليسوا بأفضل من خواصهم بل خواص الملائكة أفضل من عوام بني آدم وذكر الشيخ الإمام أبو منصور رحمه اللّه في تفسير قوله تعالى ولقد كرمنا بني آدم أما الكلام في تفضيل البشر على الملائكة والملائكة على البشر فإنا لا نتكلم فيه لأنا لا نعلم ذلك وليس لنا إلى معرفته حاجة فنكل الأمر فيه إلى اللّه عز وجل وذلك مثل الكلام بين الأنبياء والرسل وأتقياء الخلق وبين الملائكة وتفضيل هؤلاء على هؤلاء فنفوض ذلك إلى اللّه تعالى فأما أن يجمع بين شر البشر وأفسقهم وبين الملائكة الذين لم يعصوا اللّه طرفة عين فيقال هم أفضل من الملائكة فلا يجوز ذلك ولكن إن كان لا بد فإنه يجمع بين ما ذكرنا وبين الملائكة فيتكلم ح بتفضيل بعض على بعض (٢/١٧٦) قوله وكذلك جواب عن متمسك الخصم يعني كما أن قول محمد من الرجال والنساء والحفظة لا يحتمل الترتيب فقوله تعالى إن الصفا والمروة لا يحتمل الترتيب لأن الآية سيقت لبيان أنهما من الشعائر ومعالم الحج وهذا لا يحتمل الترتيب لأنه يجري في الفعل لا في العين ألا ترى أن في الزمان الذي كان الصفا فيه من المعالم كانت المروة فيه كذلك أيضا قوله وإنما ثبت السعي جواب عما يقال لما كانت الآية لبيان أنهما من الشعائر فيم ثبت وجوب السعي أو شرعيته فقال إنما ثبت ذلك بقوله تعالى فلا جناح عليه أن يطوف بهما ولهذا قال عطاء ومجاهد هو ليس بواجب وتركه لا يوجب شيئا لأنه قال فلا جناح ومثله يستعمل في المباح دون الواجب وقال عامة العلماء هو واجب بهذا النص وبقوله عليه السلام إن اللّه تعالى كتب عليكم السعي فاسعوا وأما قوله تعالى فلا جناح أي لا إثم عليه فلتحرج الناس عن الطواف بهما لمكان صنمين كانا عليهما في الجاهلية إساف ونائلة وكانوا يعبدونهما في الجاهلية فبعد الإسلام كرهوا التعبد للّه تعالى في ذلك المكان فنفى ذلك عنهم بقوله فلا جناح عليه قوله غير أن السعي لا ينفك عن ترتيب يعني أن النص الموجب للسعي لا يقتضي الترتيب لكن السعي في نفس الأمر لا ينفك عن ترتيب والبداية بالذكر في مصطلح الكلام يدل على زيادة عناية بذلك الشيء وقوة اهتمام به كما إذا فارقك من كنت مشغوفا به وقيل لك ما الذي تتمنى تقول وجه الحبيب أتمنى فتقدم وجه الحبيب لكونه نصب عينك ولزيادة التفات خاطرك إليه ولما دلت البداية على زيادة العناية ظهر بها نوع قوة صالحة للترجيح ألا ترى أن أبا بكر رضي اللّه عنه استدل في تفضيل المهاجرين أو تعيين الإمام منهم بتقديمهم في قوله عز اسمه والمهاجرين والأنصار التوبة ١٠٠ (٢/١٧٧) فذلك رجح النبي عليه السلام بالتقديم فقال نبدأ بما بدأ اللّه تعالى به أو قال ابدءوا بما بدأ اللّه به وصار الترتيب واجبا بفعله وبقوله لا بنص الآية قوله فأما قوله لفلان علي مائة ودرهم إلى آخره جواب عن سؤال وهو أن يقال العطف يفسر المعطوف عليه كما في قوله مائة ودرهم حتى كانت المائة دراهم فأنى لم يجعل مفسرا في قوله مائة وثوب أو يقال الواو لمطلق العطف فكيف جعل مبينا للمعطوف عليه في قوله مائة ودرهم وإذا جعل مبينا في هذه الصورة فلم تخلف في الصورة الأخرى فقال ليس ذلك بناء على حكم العطف ليلزم اطراده بل على أصل الآخر يقرع سمعك إن شاء اللّه تعالى قوله بخبرها الباء متعلقة بكاملة أي كما لها بخبرها فلا يجب به أي بهذا العطف وهذا فضل أي تسميتهم إياها واو الابتداء أو النظم من فضول الكلام لا حاجة إليها بل هي واو العطف كهي في الجملة الناقصة إلا أن عملها في عطف الجملة الناقصة الجمع بينهما وبين الكاملة فيما تم به الكاملة وفي عطف الكاملة الجمع بين مضموني الجملتين في الحصول لكن الشركة استدراك عن قوله وإنما هي العطف على ما هو أصلها أي هي للعطف لكنها لا توجب الشركة في الخبر لأن الشركة إنما يثبت لافتقار الكلام الثاني إياها لعدم إفادتها بدونها لا بمجرد العطف فإذا كان الكلام الثاني مفيدا بنفسه ذهب دليل الشركة وهو الافتقار قوله ولهذا قلنا أي ولأن ثبوت الشركة للافتقار والضرورة قلنا إن الجملة الناقصة تشارك الأولى فيما تم به الأولى بعينه ولا يجعل كأنه أعيد مرة أخرى لأن الإضمار خلاف الأصل إذ هو جعل غير المنطوق منطوقا وإنما يصار إليه عند الضرورة والضرورة ههنا متى ارتفعت بالأدنى وهو إثبات الشركة فيما تم به الأولى لا يصار إلى الأعلى وهو الإضمار لأن (٢/١٧٨) ما ثبت بالضرورة متقدر بقدرها إلا إذا استحال إثبات الشركة فح يصار إليه ففي المسألة المذكورة في الكتاب وهي قوله إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق الطالق الثاني متعلق بذلك الشرط بعينه ولا يقتضي أي العطف الاستبداد أي التفرد بالشرط كأنه أعاد الشرط وأفرد الثاني به بمنزلة قوله إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق لما ذكرنا أن المقصود وهو إفادة الكلام الثاني يحصل بتعلقه بذلك الشرط بعينه فلا يصار إلى الإضمار وفائدته تظهر فيما إذا قال كلما حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق كان يمينا واحدة حتى لا يقع إلا طلقة واحدة ولو كان كالمعاد لوقعت طلقتان وكذا في مسألة الكتاب لو كان كالمعاد لوقعت طلقتان وإن كانت المرأة غير مدخول بها بلا خلاف أيضا وكذا لو قال لامرأته أنت طالق إن دخلت هذه الدار وإن دخلت هذه الدار الأخرى يتعلق بدخول الدار الثانية تلك التطليقة لا تطليقة أخرى حتى لو دخلت الدارين لا تطلق إلا واحدة ولو اقتضى الإعادة لطلقت ثنتين وكذا لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق وفلانة تعلق طلاق الثانية بدخول الأولى حتى لو دخلت الدار طلقتا جميعا ولا يجعل كأنه أفردها بالشرط وقال وفلانة إن دخلت الدار إذ لو جعل كذلك لم تطلق الثانية بدخول الأولى بل تطلق بدخول نفسها وفي هذا النظير نظر ولا يلزم على ما ذكرنا قوله هذه طالق ثلاثا وهذه حيث لا تثبت الشركة في خبر الأولى ويجعل الخبر كالمعاد حتى طلقت الثانية ثلاثا ولو ثبتت الشركة لطلقت كل واحدة ثنتين لانقسام الثلاث عليهما كما لو قال لفلان علي ألف ولفلان يجعل الألف منقسما عليهما تحقيقا للشركة ولا يجعل كالمعاد حتى يكون لكل واحد منهما ألف لأنا نقول تعذر ههنا إثبات الشركة لأن في تنصيص الزوج على الثلاث إشارة إلى أن مقصوده إثبات الحرمة الغليظة وسد باب التدارك بالكلية وبالانقسام لا يحصل ذلك المقصود فيجعل الخبر كالمعاد ضرورة ولأن بالانقسام يفوت موجب الكلام أصلا إذ لا دلالة للثلاث على الأربع بوجه فأما إثبات المثل فأكثر من أن يحصى فيصار إليه عند التعذر قال الإمام البرغري اتفقوا أنه لو قال لغير المدخول بها إن دخلت الدار فأنت طالق ثم طالق ثم طالق أو قال فطالق فطالق أنه يقع عند وجود الشرط طلقة واحدة ولو كان الخبر كالمعاد لوقع ثلاث تطليقات كما لو كرر الشرط صريحا مع تخلل الأزمنة وإنما يصار إلى هذا أي إلى الاستبداد ضرورة استحالة الاشتراك كما إذا قال فلانة طالق وفلانة فإنه يقع على الثانية (٢/١٧٩) غير ما وقع على الأولى لأن الاشتراك بينهما في تطليقة لا يتحقق فصار الثاني أي استبداد الجملة الناقصة بخبر آخر ضروريا والأول وهو اشتراك الناقصة في خبر الأولى من غير استبداد أصليا قوله ومن عطف الجملة قوله تعالى وأولئك هم الفاسقون فإنه جملة تامة بخبرها فلا يوجب العطف المشاركة فيما تم به الجملتان الأوليان وهو الشرط الذي تضمنه قوله تعالى والذين يرمون المحصنات كقول الرجل إن دخلت الدار فأنت طالق وفلانة طالق لا يتعلق طلاق الثانية بالشرط وإذا كان كذلك كان الاستثناء اللاحق به مختصا به غير راجع إلى ما تقدمه فبقي المحدود في القذف غير مقبول الشهادة بعد التوبة كما كان قبلها ومن هذا القبيل قوله تعالى فإن يشأ اللّه يختم على قلبك ويمح اللّه الباطل فإن قوله ويمح اللّه الباطل جملة تامة معطوفة على ما تقدم غير داخلة تحت الشرط إذ لو دخلت كان ختم القلب ومحو الباطل معلقين بالشرط والمعلق بالشرط معدوم قبل وجوده وقد عدم ختم القلب ووجد محو الباطل فعرفنا أنه خارج عن الشرط وسقوط الواو في الخط واللفظ ليس للجزم بل سقوطه في اللفظ لالتقاء الساكنين وفي الخط إتباعا للفظ كسقوطه في قوله تعالى ويدع الإنسان وقوله سندع الزبانية ولهذا وقف يعقوب عليه بالواو نظرا إلى الأصل وإن وقف غيره بغير واو إتباعا للخط والدليل على أنه ابتداء إعادة اسم الفاعل إذ لو كان بناء لقيل ويمحو الباطل واختلف في ختم القلب فقيل هو الصبر أي إن يشأ اللّه يختم على قلبك بالصبر حتى لا تجد مشقة استهزائهم وتكذيبهم وقيل هو الإنساء أي إن يشأ اللّه ينسك ما أوحى إليك فلا تبلغه إليهم فلا يستهزئون بك ولا يكذبونك وقيل هو عدم الفهم أي إن يشأ اللّه يختم على قلبك فلا يفهم الحق من الباطل كما فعل بأولئك الكفرة تذكرة إحسانه إليه وما أكرمه بأنواع الكرامات ليشكر ربه ويرحم على أولئك بما ختم على قلوبهم وما ينزل بهم من أنواع العذاب (٢/١٨٠) ويمح أي يطهر ويظفر أهل الحق على أهل الباطل وينصرهم حتى يصير أهل الحق ظاهرين على الباطل وقيل يحق الحق بالحجج والبراهين ويمحو الباطل بالحجج والبراهين حتى يعرف كل أحد الحق من الباطل بالحجج التي أقامها إذا تأمل فيها حق التأمل بكلماته أي بحججه كذا في شرح التأويلات ومثله والراسخون أي ومن قبيل عطف الجملة الذي لا يوجب الاشتراك قوله عز اسمه والراسخون في العلم يقولون فإنه غير داخل تحت الاستثناء في قوله جل ذكره وما يعلم تأويله إلا اللّه لما بينا في أول الكتاب وهذا على تقدير الوقف على قوله إلا اللّه فأما على تقدير الوصل فهو داخل تحت الاستثناء كما مر بيانه قوله وقد يستعار الواو للحال اعلم أن الأصل في الجملة الواقعة موقع الحال أن لا يدخلها الواو لأن الإعراب لا ينظم الكلمات كقولك ضرب زيد اللص مكتوفا إلا بعد أن يكون هناك تعلق ينتظم معانيها فإذا وجدت الإعراب قد تناول شيئا بدون الواو كان ذلك دليلا على تعلق هناك معنوي فذلك يكون مغنيا عن تكلف معلق آخر إلا أن النظر إليها من حيث كونها جملة مستقلة بفائدة غير متحدة بالجملة السابقة كما في الحال المؤكدة وغير منقطعة عنها لجهة جامعة بينهما كما ترى في نحو جاء زيد وفرسه يعدو ويبسط العذر في أن يدخلها واو للجمع بينها وبين الأولى مثله في نحو قام زيد وقعد عمرو فهذا معنى استعارة الواو للحال قوله لأن الإطلاق يحتمله يعني لما كانت الواو لمطلق الجمع كان الاجتماع الذي بين الحال وذي الحال من محتملاته لأن المطلق يحتمل المقيد فيجوز استعارتها لمعنى الحال عند الاحتياج قال اللّه تعالى حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها أي وقد فتحت أبوابها قيل أبواب جهنم لا تفتح إلا عند دخول أهلها فيها وأما أبواب الجنة فمتقدم فتحها بدليل قوله جنات عدن مفتحة لهم الأبواب وذلك لأن تقديم فتح باب الضيافة على وصول الضيف إكراما له وتأخير فتح باب العذاب إلى وصول المستحق له أليق بالكرم فلذلك جيء بالواو كأنه قيل حتى إذا جاءوها وقد فتحت أبوابها قبل وجواب إذا محذوف أي إذا جاءوها وكانت هذه الأشياء التي ذكرت إلى (٢/١٨١) قوله فادخلوها خالدين دخلوها ونالوا المنى وإنما حذف لأنه في صفة ثواب أهل الجنة فدل بحذفه على أنه شيء لا يحيط به الوصف قوله واختلف مسائل أصحابنا على هذا الأصل ففي بعضها جعلوا الواو للحال من غير نية وفي بعضها جعلوها لعطف الجملة لا غير وفي بعضها جعلوها للعطف محتملا للحال وفي بعضها اختلفوا فإذا قال لعبده أد إلي ألفا وأنت حر أنه لا يعتق ما لم يؤد وكذا إذا قال لحربي انزل وأنت آمن لا يأمن ما لم ينزل جعلوا الواو في المسألتين للحال لأنه لا يحسن العطف ههنا لأن الجملة الأولى فعلية طلبية والجملة الثانية اسمية خبرية وبينهما كمال الانقطاع وذلك مانع من حسن العطف إذ لا بد لحسنه من نوع اتصال بين الجملتين على ما عرف فلذلك جعلناها للحال ولما صارت للحال والأحوال شروط لكونها مقيدة كالشرط تعلقت الجزية بالأداء والأمان بالنزول كما في قوله إن دخلت الدار راكبة فأنت طالق تعلق الطلاق بالركوب تعلقه بالدخول وصار كأنه قال إن أديت إلي ألفا فأنت حر وإن نزلت فأنت آمن هذا تقرير عامة الكتب فإن قيل ما ذكرت عكس ما يقتضيه هذا الكلام فإن الواو دخلت في قوله أنت حر وأنت آمن لا في قوله أد وانزل فيقتضي أن يكون الجزية شرطا للأداء والأمان شرطا للنزول كما في قوله أنت طالق وأنت مريضة إذا نوى التعليق كان المرض شرطا للطلاق لدخول الواو فيه لا عكسه وإذا ثبت ذلك كان الجزية والأمان سابقين على الأداء والنزول لأن الشرط مقدم على المشروط لا محالة فلا يكونان متعلقين بالأداء والنزول وإذا انتفى التعلق كان كل واحد واقعا في الحال قلنا الجواب عنه من وجوه أحدها أنه من باب القلب كقوله عرضت الناقة على الحوض أي الحوض على الناقة وهو شائع في الكلام قال اللّه تعالى وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا أي جاءها بأسنا فأهلكناها على أحد التأويلين وقال عز اسمه ثم دنا فتدلى حمل على ثم تدلى فدنا وقال رؤبة ومهمة مغبرة أرجاؤه كأن لون أرضه سماؤه أراد كأن لون سمائه من غبرتها أرضه وقال آخر يمشي فيقعس أو يكب فيعثر أراد (٢/١٨٢) أو يعثر فيكب وقال القطامي كما طينت بالفدن السياعا أي طينت بالسياع الفدن وهو القصر فيكون التقدير كن حرا وأنت مؤد ألفا وكن آمنا وأنت نازل أي أنت حر وأنت آمن في هذه الحالة وإنما يحمل على هذا لأنه لا يصح تعليق الأداء والنزول بما دخل فيه الواو لأن التعليق إنما يصح ممن يصح منه التنجيز وليس في وسع المتكلم تنجيز الأداء أو النزول فكيف يصح تعليقه ألا ترى أن وجود المشروط من لوازم الشرط إذا لم ينزل قبله ولو وجدت الجزية أو الأمان ههنا لا يلزم منه الأداء والنزول ولما لم يصح العمل بظاهره ولا يمكن العمل بالعطف أيضا جعلناه من باب القلب الذي هو شعبة من إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر وأنه يورث الكلام ملاحة والثاني أن قوله وأنت حر وقوله وأنت آمن من الأحوال المقدرة كقوله تعالى فادخلوها خالدين أي مقدرين الخلود في حالة الدخول لا من الأحوال الواقعة فإن غرض المتكلم من هذا الكلام عدم وقوع الجزية والأمان في الحال فيكون معناه أد إلي ألفا مقدرا للجزية في حالة الأداء وانزل مقدرا للأمان في حالة النزول ولما أثبت المتكلم الجزية والأمان في حالتي الأداء والنزول كانا متعلقين بهما ومعدومين في الحال والثالث أن الجملة الواقعة حالا قائمة مقام جواب الأمر بدلالة مقصود المتكلم فأخذت حكمه ويصير معنى الكلام أد إلي ألفا تصر حرا وإذا كان كذلك كانت الجزية متعلقة بالأداء والأمان متعلقا بالنزول تعلق الإكرام بالإتيان في قوله ائتني أكرمك والرابع أن قوله أنت حر يوجب الحرية للحال لولا قوله أد إلي كذا فبانضمام هذا الكلام إليه تأخر العتق كما يتأخر بانضمام إن دخلت الدار إليه فكان قوله أد إلي كذا بمنزلة إن دخلت الدار في تأخير الجزية عن وقت التكلم فكان كالشرط من هذا الوجه وذكرا في بعض الشروح أنه لما جعل الجزية حالا للأداء أي وصفا له لا يثبت سابقا عليه إذ الحال لا تسبق ذا الحال والصفة لا تسبق الموصوف قوله إنه لعطف الجملة أي الواو للعطف لإمكان العمل بالحقيقة إذ الجملتان خبريتان ههنا بخلاف ما تقدم وذكر الضمير لأن حروف التهجي تذكر وتؤنث على (٢/١٨٣) احتمال الحال لأن الطلاق يقبل الإضافة إلى حال المرض والمرض يصلح شرطا له فإذا نوى الحال صحت نيته ديانة وصار كأنه قال أنت طالق في حال مرضك أو أنت طالق في حال اشتغالك بالصلاة ولكن لا يصدقه القاضي لأنه نوى خلاف الظاهر وفيه تخفيف عليه قوله خذ هذا المال واعمل به مضاربة في البز أي خذه مضاربة واعمل به في البز كذا لفظ المبسوط وهذه الواو لعطف الجملة لأنها تصلح لذلك ههنا لكون الجملتين طلبيتين لا للحال لأنها لا تصلح للحال ههنا لأن حال العمل لا يكون وقت الأخذ وإنما يكون العمل بعد الأخذ مع أن استعارتها للحال لتصحيح الكلام والكلام صحيح ههنا باعتبار الحقيقة فلا حاجة إلى حمل حرف الواو على المجاز فيكون مشورة أشار بها عليه لا شرطا في الأمر الأول كذا في المبسوط والبز متاع البيت من الثياب خاصة عن أبي دريد وعن الليث ضرب من الثياب وعن الجوهري هو من الثياب أمتعة البزاز والبزازة حرفة وقال محمد في السير البز عند أهل الكوفة ثياب الكتان والقطن لا ثياب الصوف والخز كذا في المغرب قوله أحدهما كذا الواو تستعمل بمعنى الباء مجازا كما استعملت في القسم لمناسبة بينهما صورة ومعنى أما صورة فلأن كليهما شفوي وأما معنى فلأن الجمع موجود في الإلصاق الذي هو معنى الباء ثم المستعمل في المعاوضات الباء التي تؤدي معنى الإلصاق دون الواو لأنه لا يعطف أحد العوضين على الآخر والخلع معاوضة من جانب المرأة ولهذا صح رجوع المرأة قبل إيقاع الزوج فبدلالة المعاوضة حملناها على الباء كما في قوله احمل هذا الطعام ولك درهم حملت على الباء حتى كان هذا وقوله احمله بدرهم سواء ووجب المال إذا حمله لأنه انعقد إجارة لا استعانة أو هي محمولة على الحال (٢/١٨٤) بدلالة المعاوضة أيضا فإنها تقتضي العوض من الجانبين وذلك بأن يجعل الواو للحال ليصير وجوب الألف عليها شرطا للطلاق وبدلا عنه لأن نفسها تسلم لها بهذا المال فصار كأنها قالت طلقني في حال ما يكون لك علي ألف وقد علمت أن الأحوال شروط فكان معناه طلقني بشرط أن يكون لك علي ألف فلما قال الزوج طلقت أو فعلت كان تقديره طلقت بذلك الشرط أي طلقت إن قبلت الألف ونظيره أي نظير قوله طلقني ولك ألف وهذا أي قوله ولك ألف لا معنى للباء هنا أي لا يمكن أن يجعل الواو بمعنى الباء في مسألة المضاربة إذ لو جعلت بمعناها صار كأنه قال خذ هذا المال مضاربة بالعمل بالبز فيصير العمل بالبز عوضا عن الأخذ فيجب العمل بنفس الأخذ حينئذ والعمل ليس بواجب على المضارب بمجرد عقد المضاربة بالإجماع ولا يمكن أن يجعل للحال أيضا لأنها إنما حملت في مسألة الخلاف وهي قوله طلقني ولك ألف على الحال بدلالة المعاوضة والمضاربة ليست بمعاوضة لأن المضارب في أول الأمر أمين وبعد الأخذ في العمل وكيل وعند ظهور الربح شريك وإذا لم يوجد معنى المعاوضة لا يمكن حملها على الحال فبقيت للعطف والابتداء فكان قوله واعمل به مشورة وكذا الكلام في قوله أنت طالق وأنت مريضة أو مصلية وقال أبو حنيفة رحمه اللّه الواو للعطف حقيقة والحمل على الحقيقة واجب حتى يقوم دليل يعارضها والمعاوضة لا يصلح دليلا معارضا يترك به الحقيقة لأن ذلك أي العوض أو معنى المعاوضة أمر زائد في الطلاق والدليل عليه أن العوض إذا دخله صار يمينا من جانب الزوج بأن قال أنت طالق على ألف أو أدي إلي ألفا وأنت طالق حتى لم يصح رجوعه قبل قبولها ويحنث به في قوله إن حلف بطلاقك فكذا وذلك لأنه يصير معلقا للطلاق بقبولها المال والتعليق بالشرط يمين لما عرف واليمين لازمة لا تقبل الرجوع لقوله عليه السلام ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الحديث ولو كان معنى المعاوضة فيه أصليا صار يمينا ويصح رجوعه كما في النكاح وسائر المعاوضات وكذلك يوجد الطلاق بدون العوض وهذا هو (٢/١٨٥) الغالب وإيجاب المال فيه نادر فثبت أن العوض فيه أمر زايد فلا يصلح مغيرا لحقيقة العطف والطلاق لأن العارض لا يعارض الأصلي بخلاف الإجارة لأن معنى المعاوضة فيها أمر أصلي فجاز أن يعارض أمرا أصليا آخر قوله لأن الحال فعل أو اسم فاعل نحو قولك جاءني زيد يتكلم أو متكلما وذلك لأن الأصل في الحال المطلقة أن تكون صفة غير ثابتة والفعل واسم الفاعل أدل على هذا المعنى من غيره لدلالة الفعل على التجدد والزوال ودلالة اسم الفاعل على اتصاف الشخص بالفعل كيف وقد أخذ حكم الفعل في كثير من المواضع وقوله ولك ألف جملة اسمية أو ظرفية وليس بفعل ولا باسم فاعل فلا يكون صفة الحال بخلاف قوله وأنت حر فإن الحر اسم مشتق من الحرار يقال حر العبد يحر حرارا من باب علم فيصلح صفة الحال وحاصله أن الدلالة على الحال في قوله ولك ألف معدومة مع أن الصيغة لا تصلح للحال فلا يكون الواو للحال وفي قوله وأنت حر قد وجد المعنيان فجعلت للحال هذا تقرير كلام الشيخ وهو مشكل لأن المذكور في عامة كتب النحو أن الجمل الأربع وهي الاسمية والفعلية والشرطية والظرفية قد تقع حالا ثم الجملة إن كانت اسمية أو شرطية فالواو لازمة نحو جاءني زيد وأبوه منطلق ولقيته وإن تكرمه يكرمك وإن كانت فعلية والفعل مضارع مثبت فالترك لازم نحو جاءني زيد يسرع أو يتكلم أو يعدو فرسه وإن كان الفعل ماضيا أو مضارعا منفيا جاز الأمران وإن كانت ظرفية وليس بعد الظرف مظهر فالترك لازم نحو لقيته أمامك وأكرمته في الدار وإن كان بعده مظهر فالأمران جائزان نحو لقيته عليه جبة وشيء ولقيته وعليه جبة وشيء وقوله ولك ألف من هذا القبيل فيصلح أن يكون حالا وكيف ولا يصلح أن يكون الواو للعطف ههنا لأن الجملة الأولى طلبية مع كونها فعلية والثانية خبرية مع كونها اسمية وقد عرفت أن التناسب شرط بين المعطوف والمعطوف عليه ولما لم يستقم أن تكون الواو للعطف تجعل للحال تصحيحا لكلامه واحترازا عن الإلغاء وكذا قوله وأنت حر صيغته للحال مشكل أيضا لأن قوله حر بنفسه لم يقع حالا وإنما وقع خبرا للمبتدأ ولو جعل حالا كان منصوبا مرفوعا معا وهو باطل بل الجملة بمجموعها وقعت في حيز الحال وهي ليست بفعل ولا باسم (٢/١٨٦) فاعل وإذا جاز وقوعها حالا مع أنها جملة اسمية من كل وجه كان وقوع قوله ولك حالا أقرب إلى الجواز لاحتمال كونها فعلية كما هو مذهب البعض ويجوز أن يكون مراد الشيخ من قوله الحال فعل أو اسم فاعل أنها كذلك نظرا إلى الأصل أي الأصل فيها أن تكون فعلا أو اسم فاعل ووقوع غيرهما حالا على خلاف الأصل وإليه يشير قوله ليس بصيغة للحال أي صيغة الحال في الأصل فعل أو اسم فاعل وإن وقع غيرهما حالا أيضا وذكر في بعض الشروح أن ما يجيء من الحال التي ليست هي بفعل ولا باسم فاعل من الجملة الاسمية والظرفية كقولهم فوه إلى في ولقيته وعليه جبة وشيء مقدر باسم الفاعل وهو مشافها ومستقرة عليه جبة وشيء فعلم أن قوله في الكتاب الحال فعل أو اسم فاعل صحيح ولكن للخصم أن يقول فلتكن هذه الجملة وهي قولها ولك ألف حالا بمثل هذه التأويل أيضا أي طلقني مستقرا لك علي ألف درهم أو واجبا علي ذلك وقيل معناه أن هذا التركيب لا يصلح للحال لأن الحال إذا كانت مفردة لا يقتضي الواو ألبتة وكذا إذا كانت فعلا مضارعا مثبتا لأن فحواه فحوى المفرد إذ لا فرق بين قولك جاءني زيد مسرعا وجاءني زيد يسرع في إفادة معنى الإسراع ثم الظرف لافتقاره إلى العامل إما مقدر بالفعل كما هو مذهب البعض أو باسم الفاعل كما هو مذهب آخرين فإذا وقعت الجملة الظرفية في حيز الحال كانت مقدرة بالفعل أو باسم الفاعل فكان تقدير قوله لقيته عليه جبة وشيء لقيته تستقر عليه جبة وشيء أو مستقرة عليه جبة وشيء وعلى كلا التقديرين لا يستقيم الواو لأن الواقع حالا في التحقيق هو الفعل المقدر أو اسم الفاعل المقدر وكلاهما لا يقتضي الواو فكان هذا الترتيب مع الواو غير صالح للحال كما لو صرح بالمضمر فقيل لقيته يستقر عليه جبة وشيء أو مستقرة عليه بخلاف قوله وأنت حر فإنه جملة اسمية وقعت بمجموعها في حيز الحال ولا يصلح الجملة الاسمية لها إلا مع الواو فكانت هذه الصيغة صالحة للحال وتبين بما ذكرنا أن اللام في قوله الحال فعل أو اسم فاعل للعهد أي الحال المستترة في هذا الظرف وهو قوله أو لك فعل أي يستقر أو اسم فاعل أي مستقر قلت هذا كلام حسن لو لم يكن مخالفا لروايات كتب النحو أجمع فإن المذكور فيها أن الجملة الواقعة حالا إذا كانت ظرفية وبعد الظرف اسم مظهر جاز فيها إثبات الواو وتركها أما تركها فلما ذكر هذا القائل وأما إثباتها فلأنها أخذت شبها بالجملة الاسمية من حيث إن الظرف خبر وما بعده من المظهر مخبر عنه فجاز فيه الأمران (٢/١٨٧) قوله وصدر الكلام يعني قوله أد إلي ألفا غير مفيد شيئا إلا شرطا للجزية لأنه لا يصلح للإيجاب ابتداء إذ المولى لا يستوجب على عبده دينا ولا يصلح للضريبة أيضا لأنها لا يكون من غير عقد واصطلاح ولأنها لا يزيد في شهر على عشرين درهما أو ثلاثين أو نحوها والضريبة وظيفة يأخذها المالك فحمل عليه أي حمل صدر الكلام على كونه شرطا للتحرير بأن جعلت الواو للحال ليصير تعليقا للعتق بأداء المال بخلاف ما نحن فيه لأن أول الكلام إن صدر من الزوج بأن قال أنت طالق وعليك ألف درهم كان إيقاعا مفيدا منه بدون آخره فلا حاجة إلى الحمل على الحال وإن صدر منها فهو التماس صحيح منها فلهذا لا يحمل على الحال بل يكون معناه ولك ألف في تينك أو يكون وعدا منها إياه بالمال والمواعيد لا يتعلق بها اللزوم ولأن أدنى ما في الباب أن يكون حرف الواو محتملا لجميع ما ذكرنا والمال بالشك لا يجب كذا في المبسوط فصلح أي قوله أد إلي ألفا دلالة على الحال أي على أن الواو للحال قوله لا دلالة فيها على الحال لأن الأصل في التصرفات التنجيز والتعليق يثبت فيها بعارض الشرط وذلك لا يثبت بالاحتمال والشك ولأن الظاهر من حال المؤمن أنه لا يطلق حليلته في حال المرض لأنه حال شفقة ومرحمة ولما لم توجد دلالة على الحال حملت الواو على العطف الذي هو حقيقتها وقد صح الحمل عليه لاتفاق الجملتين ولكنها يحتمل الحال لأن المريض قد يصلح شرطا للطلاق والطلاق قد يتأخر إلى المرض ويتحقق فيه فإذا نوى التعليق يصدق ديانة لأنه محتمل كلامه لا يصلح حالا للأخذ لأن العمل يوجد بعد الأخذ فلا يصلح حالا للأخذ الموجود قبله والكلام يحتمل الحال أيضا لأن قوله آمن نعت فاعل أو لأنه جملة اسمية مع الواو وأيضا نصب على المصدر من آض يئيض إذا رجع وينوب عن الحال تقول فعلت ذاك أيضا أي أيضا عائدا إليه ويقال قد أكثرت من أيض أي أكثرت التكلم بهذه الكلمة كذا ذكر الميداني (٢/١٨٨) قوله الفاء للوصل والتعقيب يعني موجبه وجود الثاني بعد الأول بغير مهلة حتى لو قلت ضربت زيدا فعمرا كان المعنى أن ضرب عمرو وقع عقيب ضرب زيد ولم يتطاول المدة بينهما ومعنى قوله تراخى عن المعطوف بزمان وإن لطف هو أن من ضرورة التعقيب تراخي الثاني عن الأول بزمان وإن قل ذلك الزمان بحيث لا يدرك إذ لو لم يكن كذلك كان مقارنا والقران ليس بموجب له قال الإمام عبد القاهر أصل الفاء الاتباع والعطف فرع على ذلك ألا ترى أنه لا يعرى عن الاتباع بوجه لأنك إذا قلت ضربت زيدا فعمرا فقد أتبعت عمرا زيدا مع عطفك على ما قبله لفظا وقد يكون للاتباع متجردا عن العطف كما في جواب الشرط بالفاء نحو إن تأتني فأنا أكرمك فعرفت أن أعرف المعنيين هو الاتباع وذكر في شرح الموجز أن الفاء في الترتيب على ثلاثة أوجه أحدها أن يكون الثاني من موجب الأول فيكون بعده بلا فصل كقوله ضربته فبكى لأنه من موجب الضرب والثاني أن لا يكون من موجب الأول فيكون بعد الأول ولكن يجوز أن يكون بينهما مهلة يسيرة كقولك جاء زيد فعمرو إذ يجوز أن يكون بين مجيء زيد وعمرو مهلة يسيرة والثالث أن لا يكون من موجب الأول ويكون بينهما مسافة كقولك دخلت البصرة فالكوفة فإن الثاني بعده وبينهما قدر المسافة إذ لا يمكن أن يقع الثاني عقيب الأول قوله ألا ترى توضيح لما ذكر أن الفاء للوصل والتعقيب يعني لما كان الفاء للترتيب مع الوصل استعملته العرب في الآخر به لأن من حق الجزاء أن يتعقب نزوله وجود الشرط بلا فصل لأن الحكم مرتب على العلة أي بلا فصل رتبة أو زمانا على حسب ما اختلفوا (٢/١٨٩) قوله أخذت كل ثوب بعشرة فصاعدا معنى هذا أنك اشتريت عدل ثياب ووقع سعر أول ثوب بعشرة ثم غلا السعر فزاد على العشرة فتقول أخذت كل ثوب بعشرة فصاعدا فقوله فصاعدا انتصب على الحال بعامل مضمر والتقدير كان الأخذ بعشرة فازداد الثمن عقيب الأخذ صاعدا من غير تراخ أو ذهب الثمن صاعدا وليس انتصاب صاعدا على العطف لأنه لم يتقدم إلا ذكر الفاعل والمفعول والعشرة ولا يستقيم عطفه على الفاعل لفظا أو معنى وهو ظاهر وكذا على المفعول معنى إذ ليس الغرض أنك أخذت المثمن والصاعد لأن الصاعد هو الثمن وكذا على العشرة لفظا وهو ظاهر وكذا معنى لأنك لم ترد أنك أخذت المثمن بعشرة فتصاعدا وإنما أردت أنك أخذت بعضه بعشرة وبعضه بأكثر فوجب حمله على أن يكون التقدير فازداد الثمن صاعدا أي ذهب على هذه الحالة في البعض قوله وجوه العطف منقسمة على صلاته أراد بالصلاة الحروف يعني قد ذكرنا أن أنواع العطف انقسمت على حروف العطف وأن كل حرف مختص بمعنى في أصل الوضع فالواو لمطلق العطف وثم للترتيب مع التراخي فلا بد من أن يكون الفاء لمعنى اختص به في أصل الوضع وذلك هو التعقيب بصفة الوصل إذ لم يوضع له لفظ آخر والاشتراك خلاف الأصل لما مر غير مرة قوله ولذلك أي ولأن الفاء للتعقيب قال أصحابنا فيمن قال لغيره بعت هذا العبد منك بكذا وقال المشتري فهو حر إنه يعتق ويجعل الرجل قابلا للبيع ثم معتقا لأنه ذكر الحرية بحرف الفاء عقيب الإيجاب والفاء للترتيب ولا يترتب العتق على الإيجاب إلا بعد ثبوت القبول فيثبت ذلك بطريق الاقتضاء وصار كأنه قال قبلت فهو حر بخلاف قوله هو حر أو وهو حر لعدم ما يوجب التعقيب فبقي محتملا لرد الإيجاب بأن جعله إخبارا عن الحرية الباقية قبل الإيجاب ولقبول البيع بأن جعل إنشاء للحرية في الحال فلا يثبت القبول بالشك قوله فإذا هو لا يكفيه أنه يضمن وذلك لأن الفاء للوصل والتعقيب فبذكره تبين أنه شارط للكفاية في الإذن لأنه أمره بقطع مرتب على الكفاية فصار كأنه قال إن كفاني (٢/١٩٠) قميصا فاقطعه والمعلق بالشرط معدوم قبل وجود الشرط فإذا لم يكفه قميصا كان القطع حاصلا بغير إذن فكان موجبا للضمان بخلاف ما لو قال اقطعه فقطعه فإذا هو لا يكفيه لا يضمن لأن قوله اقطعه إذن مطلق فلا يكون القطع بعده موجبا للضمان لأن الغرور بمجرد الخبر إذا لم يكن في ضمن عقد ضمان لا يوجب الضمان على الغار كما لو قال هذه الطريق آمن فسلك فيه فأخذ اللصوص متاعه لا يضمن كذا في المبسوط قوله فتبين بالأول قال بعض مشايخنا هذا قول أبي حنيفة فأما عندهما فينبغي أن تطلق ثنتين وذلك لأن العمل بموجب الفاء ههنا غير ممكن لأن الأجزية لا يترتب بعضها على بعض بعد وجود الشرط فيجعل الفاء بمعنى الواو مجازا وحكمه على الخلاف كما عرفت والصحيح أنها تطلق واحدة عندهم جميعا لأن الفاء للتعقيب فيثبت به ترتيب بين الأولى والثانية في الوقوع كما لو قال بكلمة بعد فلا يمكن القول بإيقاع الثانية لأنها تبين بالأولى ومع إمكان اعتبار الحقيقة لا معنى للمصير إلى المجاز كذا قال شمس الأئمة رحمه اللّه قوله ولذلك أي ولمعنى التعقيب اختص الفاء بكذا إنما أعاد هذا الكلام ليبني عليه ذكر الحديث الذي أورده وبظاهره تمسك أصحاب الظواهر منهم داود الأصبهاني فقالوا إن الرجل إذا ملك أباه أو ابنه يلزمه أن يعتقه ولكن لا يعتق عليه قبل إعتاقه لأن قوله فيعتقه تنصيص على أنه يستحق عليه إعتاقه ولو عتق بنفس الشراء لم يكن لقوله فيعتقه معنى ولأن القرابة لا تمنع ثبوت الملك ابتداء فلا تمنع البقاء بالطريق الأولى ألا ترى أنها لما منعت بقاء ملك النكاح منعت ثبوته ابتداء وقال عامة العلماء يعتق عليه من غير إعتاق لما عرف والمراد من قوله فيشتريه فيعتقه الإعتاق بذلك الشراء لا بسبب آخر كما يقال أطعمه فأشبعه وسقاه فرواه وعلمه فهداه وضرب فأوجع وكتب فقرمط وإنما أثبتنا به الملك ابتداء لأن انتفاء العبودية وثبوت العتق لا يتحقق إلا به فإذا لم يملكه لا يعتق بخلاف ملك النكاح لأنه لا فائدة في إثبات ملك النكاح له على ابنته ثم إزالته لأنها تعود إلى ما كانت عليه (٢/١٩١) قوله وأطعمته فأشبعته أي بهذا الإطعام إذ لو كان الإشباع بغير هذا الإطعام لم يكن الإشباع متصلا بهذا الإطعام وليس ذلك بموجب الفاء وكذلك في قوله عليه السلام فيشتريه فيعتقه مقتضاه أن يكون الإعتاق متصلا بالشراء من غير تخلل زمان بينهما وذلك فيما قلنا فلو شرط إعتاق ابتدائي لا يكون ذلك عملا بالفاء لأنه وإن أعتقه متصلا بالشراء فذلك لا يكون إعتاقا حتى يتم كلامه فيتخلل بينهما زمان وذلك ليس بمقتضى الفاء كذا قيل وفيه تكلف قوله فدل ذلك أي قوله فيشتريه فيعتقه على أن كونه معتقا حكم للشراء كالإشباع في قوله أطعمه فأشبعه وقوله بواسطة الملك احتراز عما يقال لا يصح أن يكون الإعتاق حكما للشراء لأن الشراء موضوع لإثبات الملك والإعتاق إزالة له فكان منافيا له والمنافي لحكم الشيء لا يصلح أن يكون حكما لذلك الشيء فقال إنه بنفسه لا يصلح حكما له ولكنه يصلح بواسطة الملك وذلك لأنه بالشراء يصير متملكا والملك في القريب إكمال لعلة العتق فيصير العتق مضافا إلى الشراء بواسطة الملك وإذا صار مضافا إليه يصير به معتقا لأن السبب الموجب للحكم بواسطة كالموجب بغير واسطة في كون الحكم مضافا إليه وإذا كان كذلك لا يحتاج إلى إعتاق آخر كما قاله أصحاب الظواهر وإذا اشتراه ناويا عن الكفارة يخرج به عن العهدة أيضا خلافا لما قاله زفر والشافعي رحمهما اللّه وإنما حصر النبي صلى اللّه عليه وسلم مجازاة الولد الوالد على هذه الصورة لأن الوجود أعظم النعم وأعلاها وقد حصل للولد بواسطة الأب فلا يمكن للولد مجازاته لأن جميع ما يتصور من الولد من الإحسان إلى الأب لا يماثل بنعمة الوجود لأن جميع ذلك راجع إلى الأحوال وما صدر من الأب راجع إلى الذات لا إذا وجده مملوكا وأعتقه بالشراء فح يجوز أن يكون هذا منه نوع مجازاة لأن الرق أثر الكفر الذي هو موت حكما قال اللّه تعالى أومن كان ميتا فأحييناه أي كافرا فهديناه فإذا أزال عنه هذا الوصف بالشراء صار كأنه أحياه بعدما فني فيجوز أن يصير مقابلا بإحسانه ومجازاة لإنعامه وهذا على وجه التحريض والترغيب لا على طريق التحقيق فإن أحدا لا يقدر على مجازاة الأبوين ومكافأتهما بحال إذا أنصف من نفسه وتأمل في إحسانهما إليه وإشفاقهما (٢/١٩٢) عليه اللّهم اغفر لنا ما ضيعنا من حقوقهم واغفر لهم ما ضيعوا من حقك يا أكرم الأكرمين من غير تراخ أي من غير أن يشتغل بينهما بعمل آخر أو يؤخر الدخول في الثانية من غير اشتغال بعمل قوله وقد تدخل الفاء على العلل الأصل أن تدخل الفاء على الأحكام لأنها مترتبة على العلل ولا تدخل على العلل لاستحالة تأخر العلة عن المعلول إلا أنها قد تدخل على العلل على خلاف الأصل بشرط أن يكون لها دوام لأنها إذا كانت دائمة كانت في حالة الدوام متراخية عن ابتداء الحكم فيصح دخول الفاء عليها بهذا الاعتبار كما يقال لمن هو في قيد ظالم أو حبس ذي سلطان أو ضيق أو مشقة إذا ظهر آثار الفرج والخلاص له أبشر فقد أتاك الغوث وقد نجوت باعتبار أن الغوث الذي هو علة الإبشار باق بعد ابتداء الإبشار ويسمى هذه الفاء فاء التعليل لأنها بمعنى لام التعليل والإبشار لازم ومتعد يقال بشرته بمولود فأبشر أي صار فرحا مسرورا به وههنا بمعنى اللازم والمراد من الغوث المغيث قوله أنه يعتق للحال لما ذكرنا أن الفاء في مثل هذا الموضع للتعليل فيصير معناه أد إلي ألفا لأنك حر فلذلك يتنجز به العتق وقوله ولم يجعل بمعنى التعليق كأنه أضمر الشرط جواب سؤال وهو أن يقال هلا جعلت قوله أد إلي ألفا علة وقولك فأنت حر ثابتا به كما هو حقيقة الفاء والأداء صالح لإضافة الحرية إليه فيصير كأنه قال إن أديت إلي ألفا فأنت حر كما في صورة الواو فقال لأنا إن جعلناه كذلك احتجنا إلى إضمار الشرط والإضمار خلاف الأصل فإذا صح الكلام بدونه لا يصار إليه من غير ضرورة ولا يقال دخول الفاء على العلة أيضا خلاف الأصل لأن موجبه الترتيب والعلة سابقة على الحكم كما بينا لأنا نقول فيما ذهبنا إليه عمل بحقيقة الفاء من وجه لأن العلة لما كانت مستدامة يحصل الترتيب فكان أولى من الإضمار ثم رجع الشيخ إلى أصل الكلام فقال ولهذا قلنا أي ولأن الفاء للعطف بالصفة التي ذكرت قلنا إذا قال لفلان علي درهم فدرهم إنه يلزمه درهمان لأن الفاء للعطف ومن شرطه المغايرة فوجب أن يكون الثاني غير الأول عملا بحقيقة العطف لكن الترتيب من لوازم الفاء ولا يمكن رعايته ههنا لأن الترتيب الذي نحن بصدده هو التقدم والتأخر بين الشيئين زمانا وإنما يتحقق هذا فيما يتعلق بالزمان وهو الفعل دون العين ولهذا لا (٢/١٩٣) يقال هذا أول وهذا آخر وإنما يقال هذا ثبت أولا أو جلس أو قام أو نحوه والدراهم في الذمة في حكم العين فلا يتصور فيها الترتيب فيصرف الترتيب إلى الوجوب أي وجب درهم وبعده آخر كما إذا قال درهم ثم درهم يلزمه درهمان بالإجماع ويصرف التراخي والترتيب إلى الوجوب أو يجعل الفاء عبارة عن الواو مجازا لمشاركتهما في نفس العطف كأنه قال درهم ودرهم وقال الشافعي رحمه اللّه لزمه درهم لأن موجب حرف الفاء لا يتحقق في الدراهم كما ذكرنا ولا يمكن صرفه إلى الوجوب أيضا لأن وجوب الثاني بعد الأول متصلا به لا يتصور إذ لا بد له من مباشرة سبب آخر بعد وجوب الأول فينفصل لا محالة فيحمل على أنه جملة مبتدأة محذوفة المبتدأ ذكرت لتحقيق مضمون الجملة الأولى وتأكيدها كأنه قال فهو درهم كقوله تعالى وما أرسلنا من رسول أي من قبلك إلا بلسان قومه أي بلغتهم ليبين لهم أي الدين الحق والصراط المستقيم فيضل اللّه من يشاء أي يصير ذلك البيان سبب ضلال من شاء اللّه إضلاله والمذكور في التفاسير فيضل اللّه من يشاء بعد التبيين بإشارة الباطل ويهدي من يشاء لاتباع الحق وكقول الشاعر وهو رؤبة في رواية صاحب الصحاح يريد أن يعربه فيعجمه أي إعرابه إعجامه ومعنى البيت أنه لا يقدر على إنشاء الشعر والتكلم به من وضعه في غير موضعه بأن مدح من لا يستحق المدح أو ذم من لا يستحق الذم لأن حسن الكلام وفصاحته بحسن موقعه فإذا فقد ذلك فسد فهذا معنى قوله يريد أن يعربه أي يفصحه ولا يلحن في إعرابه فيعجمه أي يأتي به عجميا يعني يلحن فيه قال الفراء رفعه على المخالفة يريد أن يعربه ولا يريد أن يعجمه وقال الأخفش لوقوعه موقع المرفوع لأنه أراد أن يقول يريد أن يعربه فيقع موقع الإعجام فلما وضع قوله فيعجم موضع قوله فيقع رفعه كذا في الصحاح وذكر صاحب الكشاف في رسالته الزاخرة راويا عن الحطيئة أنه كان يقول قول جيد الشعر أشد من قضم الحجارة وقال الشعر صعب وطويل سلمه إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه زلت به إلى الحضيض قدمه يريد أن يعربه فيعجمه (٢/١٩٤) قوله إلا أن هذا أي جعله جملة مبتدأة كما قال الشافعي لا يصح إلا بإضمار فيه ترك الحقيقة وهي العطف وإلغاء الفاء من كل وجه لأنه يساوي قوله علي درهم درهم والحقيقة أحق بالاعتبار من الإلغاء ما أمكن وفيما ذهبنا إليه إن كان ترك الحقيقة من وجه ففيه اعتبارها من وجه لأنه إن فات العمل بصفة الوصل من الوجه الذي قاله فقد حصل العمل بمعنى العطف الذي هو أصل في هذا الحرف وبصفة التعقيب في الوجوب فكان أحق مما قاله الشافعي (٢/١٩٥) قوله على سبيل التراخي وهو أن يكون بين المعطوف والمعطوف عليه مهلة في الفعل المتعلق بهما فإذا قلت جاءني زيد ثم عمرو أو قلت ضربت زيدا ثم عمرا كان المعنى أنه وقع بينهما مهلة ولهذا جاز أن تقول ضربت زيدا ثم عمرا بعده بشهر ولا يصح ذلك بالفاء واختلف أصحابنا في أثر التراخي أي في ظهور أثره فقال أبو حنيفة رحمه اللّه يظهر أثره في الحكم والتكلم جميعا حتى كان بمنزلة ما لو سكت ثم استأنف قولا بكمال التراخي يعني هذه الكلمة وضعت لمطلق التراخي فيدل على كماله إذ المطلق ينصرف إلى الكامل وذلك بأن يثبت التراخي في التكلم والحكم جميعا إذ لو كان التراخي في الوجود دون التكلم كان ثابتا من وجه دون وجه ألا ترى أن هذه الكلمة دخلت على اللفظ فيجب إظهار أثر التراخي في نفس اللفظ أيضا تقديرا كما يظهر أثره في الحكم وإذا ظهر أثره في اللفظ صار كما لو فصل بالسكوت وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما اللّه التراخي راجع إلى الوجود أي يوجد ما دل اللفظ عليه متراخيا كما في كلمة بعد لا في التكلم لأنه متصل حقيقة وكيف يجعل التكلم منفصلا والعطف لا يصح مع الانفصال فيبقى الاتصال حكما مراعاة لحق العطف بيانه فيمن قال إلى آخره هذه المسألة على وجوه أربعة أما إن علق الطلاق بكلمة ثم في المدخول بها أو في غير المدخول بها وأما إن قدم الشرط أو أخره فإذا أخر الشرط في غير المدخول بها فقال أنت طالق ثم طالق ثم طالق إن دخلت الدار فعند أبي حنيفة رحمه اللّه يقع الأول في الحال ويلغو ما بعده لأنه لما صار كأنه سكت ثم استأنف لا يتوقف أول الكلام على آخره إن وجد المغير في آخره لفوات شرط التوقف وهو الاتصال فيقع الأول في الحال وتبين لا إلى عدة فيلغو ما بعده ضرورة كما إذا وجد حقيقة السكوت وإذا قدم الشرط فقال إن دخلت الدار فأنت طالق ثم طالق ثم طالق تعلق الأول (٢/١٩٦) بالشرط ووقع الثاني لبقاء المحل إذ المعلق لا يترك في المحل ولغا الثالث لأنها بانت لا إلى عدة ولا يقال ينبغي أن يلغو الثاني أيضا لأن الكلام الثاني لما انقطع عن الأول حتى ظهر أثر الانقطاع في عدم التعلق بالشرط لا يثبت له شركة فيما تم به الأول ولا يصير ذلك كالمعاد فيه أيضا لأن ذلك إنما يثبت بشرط الاتصال وهو معدوم فيبقى قوله ثم طالق بلا مبتدأ ولو استأنف به حقيقة لا يقع شيء فكذا إذا صار مستأنفا حكما لأنا نقول صحة العطف مبنية على الاتصال صورة وذلك موجود ههنا فأما التعلق بالشرط فمبني على اتصال الكلام صورة ومعنى ولهذا اختص بحرف الفاء الذي يوجب الوصل حتى لو قال إن دخلت الدار وأنت طالق لا يثبت التعليق بالشرط يوضحه أنه لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق طالق طالق لا يتعلق الثاني والثالث بالشرط لعدم ما يوجب التعليق وهو حرف الفاء ولكن يثبت الشركة فيما تم به الجملة الأولى للاتصال صورة ويمكن ذلك بدون العاطف بأن يجعل خبرا بعد خبر وإذا أخر الشرط في المدخول بها أو قدمه تعلق بالشرط ما يليه ووقع الثاني في الحال وهو ظاهر وعندهما يتعلق الكل بالشرط في الوجوه الأربعة وينزلن على الترتيب عند وجود الشرط لأن كلمة ثم للعطف بصفة التراخي فلوجود معنى العطف يتعلق الكل بالشرط ولمعنى التراخي يقع مرتبا فإذا كانت مدخولا بها تطلق ثلاثا وإن كانت غير مدخول بها تطلق واحدة ويلغو الثاني لفوات المحل بالبينونة قوله كما إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق طالق طالق يعني لغير المدخول بها تعلق الأول بالشرط ووقع الثاني ولغا الثالث ولو أخر الشرط طلقت واحدة في الحال ولغا ما سواها ولو قدم الشرط أو أخره وكانت المرأة مدخولا بها طلقت ثنتين للحال وتعلق بالشرط ما يليه وهذه الوجوه الأربعة مذكورة في المبسوط من غير ذكر خلاف فتصلح مقيسا عليها لأبي حنيفة رحمه اللّه في المسائل المذكورة قوله وقد يستعار ثم بمعنى الواو وإذا تعذر العمل بحقيقة ثم يجوز أن يجعل (٢/١٩٧) مستعارا له للواو احترازا عن الإلغاء للمجاورة أي للاتصال الذي بينهما في معنى العطف فالواو لمطلق العطف وثم لعطف مقيد والمطلق داخل في المقيد فيثبت بينهما اتصال معنوي فيجوز أن يستعمل بمعنى الواو قال اللّه تعالى ثم كان من الذين آمنوا أي وكان لتعذر العمل بحقيقة ثم إذ الإيمان هو الأصل المقدم الذي يبتنى عليه سائر الأعمال الصالحة وهو شرط صحتها فلا يكون فك الرقبة والإطعام معتبرين قبله كالصلاة قبل الطهارة فعرفنا أنه بمعنى الواو وذكر صاحب الكشاف في مثل هذا الموضع أن كلمة التراخي لبيان تباين المنزلتين كما أنها لبيان تباين الوقتين في جاءني زيد ثم عمرو وقال في هذه الآية جاء بثم لتراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة عن العتق والصدقة لا في الوقت لأن الإيمان هو السابق المقدم على غيره وذكر في التيسير أنها لترتيب الإخبار لا لترتيب الوجود أي ثم أخبركم أن هذا لمن كان مؤمنا وقال اللّه تعالى ثم اللّه شهيد على ما يفعلون قد تعذر العمل بحقيقة ثم لأنه تعالى شهيد على ما يفعلون قبل رجوعهم إليه كما هو شهيد بعد ذلك فكان بمعنى الواو كما في قول الشاعر إن من ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده قال صاحب الكشاف المراد من الشهادة مقتضاها ونتيجتها وهو العقاب كأنه تعالى قال ثم اللّه يعاقب على ما يفعلون وقال ويجوز أن يراد أن اللّه مؤد شهادته على أفعالهم يوم القيامة حين ينطق جلودهم وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم شاهدة عليهم قوله ولهذا قلنا أي ولوجوب العمل بالحقيقة عند الإمكان ووجوب المصير إلى المجاز عند التعذر قلنا كذا ولجواز استعارة ثم للواو قلنا كذا إذا عجل الكفارة بالمال قبل الحنث لا يجوز عندنا وقال الشافعي رحمه اللّه يجوز لقوله عليه السلام من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر يمينه ثم ليأت الذي هو خير شرع الكفارة قبل الحنث وما روي في رواية أخرى فليأت الذي هو خير ثم ليكفر يمينه محمول على الوجوب وهذا على الجواز ولنا ما روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال من حلف على يمين فرأى (٢/١٩٨) غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير ثم ليكفر يمينه رتب والترتيب للوجوب في الشرع فحملنا ثم على حقيقته في هذه الرواية لإمكان العمل بها وذلك لأن الأمر بالتكفير وهو قوله ثم ليكفر يبقى على حقيقته إذ الكفارة واجبة بعد الحنث بالاتفاق وهذه الرواية هي المشهور ولا تعارضها الرواية الأخرى وهو قوله فليكفر يمينه ثم ليأت بالذي هو خير لأنها غير مشهورة كذا في الأسرار ولو صحت كان ثم فيها محمولا على الواو لتعذر العمل بحقيقته إذ لو حمل على حقيقته لا يكون الأمر بالتكفير للوجوب حينئذ لأن التكفير قبل الحنث ليس بواجب بالإجماع وإنما الكلام في الجواز فإن قيل فيما ذكرتم ترك العمل بحقيقة ثم وإن كان فيه عمل بحقيقة الأمر وفيما قلنا عكسه فبم ترجح ما ذكرتم قلنا يكون وجوب الكفارة هو المقصود من سوق الكلام إذ المقصود الأصلي من اليمين البر والكفارة خلف عنه فحمل ما هو راجع إلى المقصود على الحقيقة أولى من عكسه وإليه أشار الشيخ بقوله تحقيقا لما هو المقصود وبأن فيما ذهبنا إليه ترك الحقيقة من وجه واحد وهو ترك العمل بحقيقة ثم وفيما ذهبوا إليه ترك الحقيقة من وجهين وهما حمل الأمر على الإباحة وترك العمل بالإطلاق لأن التكفير بالصوم قبل الحنث لا يجوز بالاتفاق والأمر بالتكفير ثبت مطلقا غير مقيد بالمال فكان ما قلناه أحق وفيما ذهبوا إليه ترك حقيقة الكلام من وجه آخر وهو أنه عليه السلام علق التكفير بأمرين بالحلف وبرؤية الحنث خيرا وجواز التعجيل لا يتعلق بالخيرية على أصلهم وإنما جعلناه عبارة عن الواو مجازا دون الفاء مع أن الفاء أقرب إليه لأن الفاء يوجب ترتيبا أيضا فلا يحصل الغرض إذ يبقى الأمر غير موجب كما كان ولا يقال لما صار بمعنى الواو يجب أن يجوز كيف ما كان عملا بمطلق العطف لأنا إنما حملناه على الواو ليبقى الأمر على حقيقته فلو قلنا بالجواز كيف ما كان لا يحصل هذا المقصود فجعلناه مقيدا بترتيب الكفارة على الحنث وإن صار بمعنى الواو ليبقى الأمر على حقيقته وليتوافق الروايتان قوله عليه السلام من حلف على يمين اليمين خلاف اليسار في الأصل وسمي القسم باليمين لأنهم كانوا يتماسحون بأيمانهم حالة التحالف وقد يسمى المحلوف عليه يمينا لتلبسه بها ومنه الحديث من حلف على يمين وهي مؤنثة في جميع المعاني كذا في المغرب (٢/١٩٩) قوله فالفاء به أولى أي الواو أولى من ثم لأن جواز الفاء بالواو أقرب من جواز ثم بالواو لأن الواو للجمع ومعنى الجمع في التعقيب مع الوصل أقرب منه في التعقيب مع الفصل فكان أحق بجواز الاستعارة للواو من ثم ألا ترى أن من قال لفلان علي درهم فدرهم أنه يلزمه درهمان كما لو قال درهم ودرهم ولهذا أي ولقرب جوازه بالواو قال بعض مشايخنا منهم الطحاوي إن الفاء في قوله لغير المدخول بها إن دخلت الدار فأنت طالق فطالق فطالق بمعنى الواو لتعذر حمله على الحقيقة على ما بيناه فيقع عند وجود الشرط واحدة عند أبي حنيفة وعندهما ثلاث إلا أن الحقيقة أولى يعني لا نسلم تعذر العمل بالحقيقة وإذا لم تكن متعذرة كان العمل بالحقيقة أولى فكانت المسألة على الاتفاق لا على الاختلاف فلا يقع إلا واحدة عندهم جميعا لأن في كلامه تنصيصا على أن الثانية تعقب الأولى فتبين الأولى لا إلى عدة بخلاف الواو وإذا قدم الجزاء بحرف الفاء فقال لها أنت طالق فطالق فطالق إن دخلت الدار فعلى هذا أيضا أي لا يقع إلا واحدة بالاتفاق كما إذا قدم الشرط لأن موجب الفاء لما كان هو الترتيب كان النزول على الترتيب عند وجود الشرط فلا يتفاوت الأمر بين تقديم الجزاء وتأخيره وعند أولئك البعض ينبغي أن تقع الثلاث بالاتفاق كما إذا قدم الجزاء بحرف الواو فقال أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار تطلق ثلاثا عند وجود الشرط بالاتفاق وذكر شيخ الإسلام خواهر زاده رحمه اللّه إذا قال إن دخلت الدار أنت طالق فطالق فطالق بحرف الفاء لم يذكر محمد رحمه اللّه جوابه في الكتاب وذكر الفقيه أبو الليث في المختلفات أنه يقع عند الكل ثلاث تطليقات متى وجد الشرط سواء كانت مدخولا بها أو لم تكن وذكر الكرخي والطحاوي أن المسألة على الاختلاف وإن أخر الشرط فبالإجماع يقع ثلاث تطليقات لأنه لو ذكر بكلمة الواو يقع ثلاث تطليقات وإن كان لا يوجب الوصل فإذا ذكر بكلمة الفاء وأنه يوجب الوصل أولى وفي شرح الطحاوي فإن قدم الشرط فقال إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق أو قال بحرف الفاء والمرأة غير مدخول بها فدخلت الدار بانت بتطليقة واحدة عند أبي حنيفة وقالا تقع ثلاث ولو كانت مدخولة تقع الثلاث بالإجماع عنده متتابعة (٢/٢٠٠) وعندهما جملة ولو أخر الشرط فقال أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار وذكره بالفاء فإنها تطلق ثلاثا سواء كانت مدخولا بها أو لم تكن فالطحاوي جعل كلمة الفاء مثل كلمة الواو قدم الشرط أو أخر وذكر الفقيه أبو الليث أنها مثل كلمة بعد فقال إذا قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق فطالق فطالق إن كانت مدخولا بها تقع الثلاث متتابعة وإن كانت غير مدخول بها وقعت واحدة بالإجماع قوله وأما بل اعلم أن كلمة بل موضوعة للإضراب عن الأول منفيا كان أو موجبا والإثبات للثاني على سبيل التدارك للغلط فإذا قلت جاءني زيد بل عمرو كنت قاصدا للإخبار بمجيء زيد ثم تبين لك أنك غلطت في ذلك فتضرب عنه إلى عمرو فتقول بل عمرو وإذا قلت ما جاءني زيد بل عمرو يحتمل وجهين أحدهما أن يكون التقدير ما جاءني زيد بل ما جاءني عمرو فكأنك قصدت أن تثبت نفي المجيء لزيد ثم استدركت فأثبته لعمرو والثاني أن يكون المعنى ما جاءني زيد بل جاءني عمرو فيكون نفي المجيء ثابتا لزيد ويكون إثباته لعمرو ويكون الاستدراك في الفعل وحده دون الفعل وحرف النفي معا كذا قاله الإمام عبد القاهر وقد يدخل عليه كلمة لا تأكيدا للنفي الذي تضمنته هذه الكلمة وإنما يصح الإضراب عن الكلام بهذه الكلمة إذا كان الصدر محتملا للرد والرجوع فإن كان لا يحتمل ذلك صار بمنزلة العطف المحض فيعمل في إثبات الثاني مضموما إلى الأول على سبيل الجمع دون الترتيب ألا ترى أن من قال لامرأته بعد الدخول بها أنت طالق واحدة لا بل ثنتين تطلق ثلاثا لأنه لا يملك الرجوع عما أوقع وبمثله لو قال لرجل طلق امرأتي فلانة لا بل فلانة يملك أن يطلق الثانية دون الأولى لأن الرجوع عن التوكيل منه صحيح كذا في شرح الجامع لشمس الأئمة قوله ولهذا أي ولكونه إعراضا عما قبله وإثباتا لما بعده قال زفر رحمه اللّه إذا قال لفلان علي ألف درهم بل ألفان يلزمه ثلاثة آلاف وهو القياس لأن كلمة بل لاستدراك (٢/٢٠١) الغلط بالرجوع عن الأول وإقامة الثاني مقامه ورجوعه عن الإقرار بالألف باطل وإقراره بالألفين على وجه الإقامة مقام الأول صحيح فيلزمه المالان كما لو قال علي ألف درهم بل ألف دينار أو قال لامرأته أنت طالق واحدة لا بل ثنتين وقلنا يلزمه ألفان لا غير وهو الاستحسان لأن هذه الكلمة وضعت لتدارك الغلط إلا أن المراد منه في مثل هذا الكلام في العادة تداركه بنفي انفراد ما أقر به أولا لا بنفي أصله ألا ترى أن أصله داخل في الكلام الثاني فلو صح التدارك بنفي أصله لاجتمع النفي والإثبات في شيء واحد وذلك باطل فعلم أن تدارك الغلط في هذا الكلام بإثبات الزيادة التي نفاها في الكلام الأول تقديرا فكأنه قال علي ألف ليس معه غيره ثم استدرك النفي بقوله بل ألفان أي غلطت في نفي الغير عنه بل مع ذلك الألف آخر كما يقال حججت حجة لا بل حجتين كان استدراكا لنفي الانفراد عنها وإخبارا لحجتين لا غير وكما يقال جاءني رجل بل رجلان كان استدراكا لانفراده لا لأصل مجيئه وهذا بخلاف ما إذا اختلف جنس المال لأن عند اختلاف الجنس لا يمكن أن يجعل كأنه أعاد القدر الأول وزاد عليه لأن ما أقر به أولا غير موجود في الكلام الثاني بخلاف ما إذا اتفق الجنس ألا ترى أنه لا يقال حججت حجة لا بل عمرتين وبخلاف الطلاق أيضا لأنه إنشاء أي إخراج من العدم إلى الوجود وبعدما ثبت وجود شيء لا يمكن تداركه بأن يجعل غير موجود في تلك الحالة فلا يصح استدراكه حتى لو أخرج الكلام مخرج الإخبار كان إقرارا بالثنتين استحسانا خلافا له أيضا لما قلنا إن الغلط في الإخبار قد يتمكن وعلى هذا لو قال علي ألفان بل ألف أو علي ألف دينار لا بل زيوف يلزمه أزيد المالين وأفضلهما وهما الألفان والجياد في الاستحسان لأنه قصد استدراك الغلط بالرجوع عن بعض ما أقر به أولا أو وصفه فلم يعمل وفي القياس يلزمه المالان كذا في المبسوط قوله ولهذا أي ولكونه للإعراض عما قبله وإقامة الثاني مقامه قلنا إذا قال لغير (٢/٢٠٢) المدخول بها أنت طالق واحدة بل ثنتين إنها تطلق واحدة لأنه قصد الرجوع عن الأول بإثبات الثاني مقامه ولم يقدر على الرجوع لأنه لازم ولا على إقامة الثاني مقامه وإيقاعه لأنها لم تبق محلا بوقوع الأول فلغا آخر كلامه قوله ولهذا أي ولما ذكرنا قالوا جميعا إلى آخره قال أبو اليسر إنما يقع ثلاث تطليقات عند الشرط لأنه لما قال إن دخلت الدار فأنت طالق فقد تعلق الطلاق بالشرط فإذا قال لا بل تطليقتين فقد قصد الرجوع وإقامة التطليقتين مقامه فلا يصح الرجوع لأنه تعلق بالشرط على سبيل اللزوم وتعليق الثنتين بالشرط يصح لأنه في وسعه وقد أتى به لأن اللفظ ينبئ عنه فيجعل كأن الشرط ثبت هنا مذكورا إلا أنه حذف اختصارا فيصير كأنه قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق ثم قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثنتين فدخلت مرة واحدة تقع الثلاث وهذا بخلاف قوله لامرأته قبل الدخول بها إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق حيث يقع واحدة عند أبي حنيفة رحمه اللّه لأن الواو ما وضعت للاستدراك ولكنها للعطف فالأول تعلق بالشرط بلا واسطة والثاني تعلق بذلك الشرط بواسطة فإذا وجد الشرط نزل على الوجه الذي تعلق وهذا لأن المعطوف عليه إنما يجعل مكررا إما لضرورة أو لأن اللفظ دال عليه لغة أما الضرورة فمثاله قوله جاءني زيد وعمرو ثبت مجيء كل واحد منفردا ضرورة أنه لا يتصور مجيئهما بمجيء واحد وأما ما دل عليه اللفظ لغة فحرف بل فإنه دل على وجود الشرط لغة على ما بينا قال الشيخ رحمه اللّه في بعض تصانيفه وإنما قلنا ذلك أي إنه يجعل بمنزلة يمينين لأنه لو لم يجعل الشرط مدرجا صار معطوفا وهو يقتضي المعطوف عليه لأنه بدونه لا يتصور فيثبت الواسطة ح بين الجملتين ولم يكن هذا موجب هذه الكلمة بل موجبها ما ذكرنا فصار كأنه أعاد الشرط وهذا تعليل محمد رحمه اللّه لأنه قال فصار بمنزلة قوله لا بل ثنتين إن دخلت قوله ويتصل بهذا أي بباب العطف أن العطف متى تعارض له شبهان أي جهتان (٢/٢٠٣) اعتبر أقواهما لغة وإن بعد ذلك الشبه لأن القرب لا يقابل القوة فيعتبر القوة أولا ثم القرب ثانيا نحو الكناية تنصرف إلى ما هو المقصود في الكلام أولا لأنه أقوى كقولك رأيت ابن زيد وكلمته ينصرف الكناية إلى الابن دون زيد ثم إلى المكني الأقرب ثانيا وكما في العصبات يعتبر قوة القرابة أولا ثم القرب ثانيا مثاله رجل له امرأتان فقال لأحديهما أنت طالق إن دخلت الدار لا بل هذه مشيرا إلى المرأة الأخرى لا إلى دار أخرى أنه أي قوله لا بل هذه يجعل عطفا على الجزاء دون الشرط حتى لو دخلت الأولى الدار طلقتا جميعا ولو دخلت الأخرى لم تطلق واحدة منهما ولهذا الكلام وجوه ثلاثة أحدها أن يجعل معطوفا على الجزاء وتقديره لا بل هذه إن دخلت الدار فأنت طالق والثاني أن يجعل معطوفا على الشرط وتقديره لا بل هذه إن دخلت الدار فأنت طالق والثالث أن يجعل معطوفا على المجموع وتقديره لا بل هذه طالق إن دخلت الدار فيكون طلاقها معلقا بدخولها والكلام لا يحمل على هذا الوجه بحال ويحمل على الوجه الثاني عند وجود النية فإذا عدمت حمل على الوجه الأول استدلالا بغرض المتكلم وصيغة الكلام أما الاستدلال بالغرض فهو أن كلمة بل تستعمل للتدارك والظاهر أن يقصد الإنسان تدارك أعظم الأمرين والغلط في الجزاء أهم وأعظم من الغلط في الشرط لأنه هو المقصود في مثل هذا الكلام فوجب العمل به للرجحان فيما يرجع إلى قصد المتكلم وأما الاستدلال بصيغة الكلام فهو أن العطف على الضمير المرفوع المتصل بارزا كان أو مستترا من غير أن يؤكد بضمير مرفوع منفصل قبيح وإن كان جائزا تقول العرب فعلت أنا وزيد وقلما تقول فعلت وزيد بل هو شيء لا يكاد يوجد إلا في ضرورة الشعر قال اللّه تعالى اسكن أنت وزوجك الجنة فإذا استويت أنت ومن معك فلم يعطف على الضمير حتى أكده بالمنفصل (٢/٢٠٤) وإنما وجب ذلك لأن من شرط العطف المجانسة بين المعطوف والمعطوف عليه ليفيد العطف فائدته وهو التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه في المعنى ولهذا لا يعطف الاسم على الفعل ولا على العكس ثم الضمير المرفوع المتصل بمنزلة الجزء من الكلمة ألا ترى أن إعراب الفعل يقع بعد هذا الضمير في نحو يضربان ويضربون إذ النون فيهما بدل عن الرفع في يضرب وألا ترى أنهم أسكنوا لام الفعل مع هذا الضمير فقالوا ضربت وضربنا احترازا عن توالي الحركات وإنما يحترز عنه في كلمة واحدة لا في كلمتين فعرفنا أنه بمنزلة حرف من حروف الفعل فإذا كان كذلك كان العطف عليه عطفا على الفعل في الظاهر فوجب تأكيده بالمنفصل ليكون عطفا للاسم على الاسم ولأن الفعل والفاعل بمنزلة شيء واحد لافتقار كل منهما إلى الآخر إذ الفعل لا يتصور بدون الفاعل ومن قام به الفعل لا يتصف بالفاعلية بدون الفعل فكان له في ذاته شبه بالعدم نظرا إلى افتقاره إلى الفعل إلا أنه إذا كان قائما بنفسه بأن كان مظهرا منفصلا لا يعبأ بهذا الشبه اعتبارا للحقيقة فإذا كان غير قائم بنفسه بأن كان ضميرا مستكنا أو بارزا متصلا تأكد الشبه بالعدم والعطف على المعدوم حقيقة باطل فعلى ما تأكد شبهه بالعدم كان قبيحا فوجب التأكيد بالمنفصل ليحصل العطف على الموجود من كل وجه وهذا بخلاف العطف على الضمير المنصوب المتصل حيث جاز من غير مؤكد كقولك ضربته وزيدا لأنه متصل لفظا لا تقديرا لأن المفعول فضلة في الكلام فكان منفصلا في التقدير ولذلك لا يغير له الكلمة فإنك تقول ضربك وضربنا فيكون الباء على حالها فلذلك جاز العطف عليه فأما ما نحن في بيانه فمتصل لفظا وتقديرا لما بينا أن الفاعل كالجزء من الفعل فلذلك لم يحسن العطف عليه إذا ثبت هذا فنقول إذا عطفنا قوله لا بل هذه على الشرط صار عطفا على التاء في قوله إن دخلت وهو ضمير مرفوع متصل غير مؤكد بالمنفصل ولو عطفناه على الجزاء صار عطفا على قوله فأنت وهو ضمير مرفوع منفصل فكان هذا أولى فإن قيل قد جعل الفاصل قائما مقام المؤكد في جواز العطف على الضمير المرفوع المتصل من غير قبيح كما في قوله تعالى سيصلى نارا ذات لهب وامرأته المسد ٣ ٤ (٢/٢٠٥) فقوله امرأته معطوف على الضمير في سيصلى على قراءة من قرأ حمالة بالنصب وجاز ذلك للفاصل وهو قوله نارا ذات لهب وكذا ولا آباؤنا في قوله عز اسمه سيقول الذين أشركوا لو شاء اللّه ما أشركنا ولا آباؤنا معطوف على الضمير في أشركنا للفاصل وهو كلمة لا وكذا وآباؤنا في قوله تعالى إخبارا أإذا كنا ترابا وآباؤنا معطوف على الضمير في كنا باعتبار الفاصل وهو ترابا إلى غيرها من النظائر وههنا قد وجد الفاصل وهو لفظة الدار وكلمة لا فيقتضي جواز العطف على التاء في دخلت من غير قبح كما جاز على أنت واستواء الشبهين في صحة العطف وإذا استويا ترجح العطف على الشرط بالقرب كما في قوله أنت طالق إن ضربتك لا بل هذه كان معطوفا على الضمير المنصوب في ضربتك لا على قوله أنت طالق حتى كان طلاق الأولى معلقا بضرب كل واحدة منهما ولا تطلق الثانية بحال لاستواء الجهتين وترجح الأخيرة بالقرب قلنا إنما جعل الفاصل قائما مقام المؤكد في جواز العطف على الضمير المرفوع المتصل من غير قبح إذا لم يوجد في الكلام معطوف عليه آخر أقوى منه فأما إذا وجد ذلك فالعطف عليه أولى من العطف على الضمير المتصل وفي مسألتنا قد وجد الأقوى وهو قوله أنت لعدم احتياجه في صحة العطف عليه إلى مؤكد ولا فاصل فكان أولى مما يحتاج إلى ذلك إلا إذا تعذر العطف على الأقوى فحينئذ يصار إلى ما دونه في الدرجة كما في قوله أنت طالق إن دخلت الدار لا بل فلان فيتعين العطف على الشرط وإن كان ضميرا مرفوعا متصلا لتعذر العطف على الجزاء لاستحالة كونه محلا للطلاق وقد جاء العطف على الضمير المستكن من غير فصل في قوله قلت إذ أقبلت وزهر تهادى كنعاج الملا تعسفن رملا فمع الفصل أولى ثم إنه إن نوى الوجه الثاني وهو العطف على الشرط صح لأنه نوى ما يحتمله كلامه فإن دخلت الثانية أو الأولى الدار طلقت الأولى واحدة ولو دخلتا فكذلك أيضا وذلك في القضاء وفيما بينه وبين اللّه تعالى وإن دخلت الأولى طلقت الأخيرة أيضا في الحكم لأنه لا يصدق في صرف الطلاق عن الثانية بدخول الأولى لأن ذلك ثابت بظاهر العطف فلا يصدق في إبطاله وإنما صدقناه فيما فيه تغليظ عليه دون التخفيف وإن نوى الوجه الثالث لم يصح لأن قضية العطف بهذه الكلمة القيام مقام الأول في الذي تم به الكلام الأول فإذا تعذر إبطال الأول وجب الشركة في ذلك بعينه فلو أفردناه بالشرط والجزاء لبطلت الشركة وذلك مما ينافيه العطف الناقص كذا ذكره الشيخ في شرح الجامع (٢/٢٠٦) وذكر شمس الأئمة في العطف الناقص إنما يجعل ما تقدم كالمعاد ضرورة الحاجة إلى تصحيح آخر كلامه فإن قوله لا بل هذه غير مفهوم المعنى وهذه الضرورة تندفع بصرفها إلى الطلاق أو إلى الشرط فلا يصار إلى غيره من غير ضرورة قوله وأما إذا استويا أي استوى الشبهان في صحة العطف وحسنه فمثاله ما لو قال إن لفلان علي ألف درهم إلا عشرة دراهم ودينارا كان الدينار معطوفا على العشرة لا على الألف حتى صارت قيمته مستثناة مثل العشرة فيلزمه تسعمائة وثمانون لو قدرنا قيمة الدينار عشرة أو سبعون لو قدرناها عشرين ولو جعلناه معطوفا على الألف لزمه تسعمائة وتسعون درهما ودينار وذلك لأنه تعارض في عطف الدينار شبهان إذ يحسن عطفه على المستثنى منه وهو الألف كما لو قال علي ألف درهم إلا عشرة دراهم ودينار ويحسن عطفه أيضا على المستثنى وهو عشرة لأن استثناء الدينار من الدراهم الألف صحيح استحسانا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما اللّه كاستثناء العشرة منها ألا ترى أنه لو قال علي ألف درهم إلا عشرة دراهم ودينارا كان معطوفا على العشرة لا غير وإذا صح العطف عليهما ترجح العطف على العشرة بالقرب والجوار وبأن فيه العمل بالأصل وهو براءة الذمة فيصير قيمته مستثناة مع العشرة من الألف قال العبد الضعيف أصلحه اللّه تعالى ويجب على أصل محمد وزفر رحمهما اللّه أن يكون الدينار معطوفا على الألف لأنا إن جعلناه معطوفا على العشرة يصير الدينار مستثنى من الدراهم وذلك غير جائز عندهما وهو القياس ولما بطل إحدى الجهتين تعينت الأخرى للعطف فإن قيل إذا جعلناه معطوفا على المستثنى منه يصير الدراهم العشرة مستثناة من الألف ومن الدينار وذلك عندهما غير جائز أيضا ولما لم يصح العطف على الألف وعلى العشرة عندهما يجب أن يبطل كما لو قال لفلان علي ألف درهم إلا عشرة وثوبا قلنا لا نسلم عدم صحة عطفه على الألف عندهما بناء على ما ذكرتم فإن محمدا رحمه اللّه ذكر في الأصل إذا قال له علي ألف درهم ومائة دينار إلا درهم صح الاستثناء وينصرف إلى الدراهم لأنا إن جعلناه استثناء من الدنانير نظرا إلى القرب صح باعتبار المعنى دون الصورة وإن جعلناه استثناء من الدراهم صح باعتبار الصورة والمعنى فكان جعله من الدراهم أولى ثم قال إذا كان ذلك لإنسان واحد جعلنا الاستثناء من نوعه فعرفنا أن في مثل هذا ينصرف الاستثناء إلى الجنس فصح العطف على الألف (٢/٢٠٧) قوله وأما لكن اعلم أن لكن يستدرك به ما يقدر في الجملة التي قبلها من التوهم نحو قولك ما رأيت زيدا لكن عمرا فلمتوهم أن يتوهم أن عمرا غير مرئي أيضا فأماطت كلمة لكن هذا التوهم والفرق بينه وبين بل من وجهين أحدهما أن لكن أخص من بل في الاستدراك لأنك تستدرك بل بعد الإيجاب كقولك ضربت زيدا بل عمرا وبعد النفي كقولك ما جاءني زيد بل عمرو ولا تستدرك بلكن إلا بعد النفي لا تقول ضربت زيدا لكن عمرا وإنما تقول ما ضربت زيدا لكن عمرا وهو معنى قوله وضع للاستدراك بعد النفي وهذا في عطف المفرد على المفرد فإن كان في الكلام جملتان مختلفتان جاز الاستدراك بلكن في الإيجاب أيضا كقولك جاءني زيد لكن عمرو لم يأت فقولك عمرو لم يأت جملة منفية وما قبل لكن جملة موجبة فقد حصل الاختلاف وعمرو في قولك لكن عمرو لم يأت مرفوع بالابتداء ولم يأت خبره وكذا قولك ضربت زيدا لكن لم أضرب عمرا فعمرا منصوب بلم أضرب وليس لحرف العطف فيه حظ كما يكون في قولك ما ضربت زيدا لكن عمرا كذا ذكره الإمام عبد القاهر فتبين بهذا أن قوله للاستدراك بعد النفي مختص بعطف المفرد على المفرد دون عطف الجملة على الجملة والثاني أن موجب الاستدراك بهذه الكلمة إثبات ما بعده فأما نفي الأول فليس من أحكامها بل يثبت ذلك بدليله وهو النفي الموجود فيه صريحا بخلاف كلمة بل فإن موجبها وضعا نفي الأول وإثبات الثاني يوضحه أن في قولك ما جاءني زيد لكن عمرو انتفى مجيء زيد بصريح هذا الكلام لا بكلمة لكن فإنه لو سكت عن قوله لكن عمرو كان الانتفاء ثابتا أيضا وفي قولك جاءني زيد بل عمرو انتفى مجيء زيد بكلمة بل لا بصريح الكلام فإنه لو سكت عن قوله بل عمرو لا يثبت الانتفاء بل يثبت ضده وهو الثبوت فهذا هو الفرق بينهما (٢/٢٠٨) قوله غير أن العطف استثناء منقطع بمعنى لكن من قوله وضع للاستدراك بعد النفي وتقديره لكن للعطف بطريق الاستدراك بعد النفي إلا أن العطف بهذا الطريق إنما يستقيم عند اتساق الكلام والمراد من اتساق الكلام انتظامه وذلك بطريقين أحدهما أن يكون الكلام متصلا بعضه ببعض غير منفصل ليتحقق العطف والثاني أن يكون محل الإثبات غير محل النفي ليمكن الجمع بينهما ولا يناقض آخر الكلام أوله كما في قولك ما جاءني زيد لكن عمرو فإذا فات أحد المعنيين لا يثبت الاتساق فلا يصح الاستدراك فيكون كلاما مستأنفا مثال فوات المعنى الأول رجل في يده عبد فأقر به لإنسان فقال المقر له ما كان لي قط لكنه لفلان آخر فإن وصل الكلام فهو للمقر له الثاني وهو فلان وإن فصل يدرد على المقر الأول لأن هذا الكلام وهو قوله ما كان لي قط تصريح بنفي ملكه عن العبد فيحتمل أن يكون نفيا عن نفسه أصلا من غير تحويل إلى آخر فيكون هذا ردا للإقرار وهو الظاهر لأنه خرج جوابا له والمقر له متفرد برد الإقرار فيرتد برده ويرجع العبد إلى المقر الأول ويحتمل أن يكون نفيا عن نفسه إلى المقر له الثاني فيكون تحويلا لا ردا للإقرار ويصير قابلا له مقرا به لغيره فإذا وصل أي قوله لكنه لفلان به أي بقوله ما كان لي قط كان وصله به بيانا أنه نفاه أي الملك عن نفسه إلى الثاني لا أنه نفاه مطلقا وصار كالمجاز بمنزلة قوله لفلان علي ألف درهم وديعة فيصير قوله علي مجازا للحفظ إذا وصله بالكلام فكذلك ههنا وإذا فصل في قوله لكنه لفلان عن النفي كان هذا نفيا مطلقا أي نفيا عن نفسه أصلا لا نفيا إلى أحد فكان ردا للإقرار وتكذيبا للمقر حملا للكلام على الظاهر وكان قوله لكنه لفلان بعد ذلك شهادة بالملك للمقر له الثاني على المقر الأول وبشهادة الفرد لا يثبت الملك فيبقى العبد ملكا للمقر الأول ومثال آخر رجل ادعى دارا في يد رجل أنها داره والذي هي في يده يجحد ذلك فأقام المدعي بينة أنها داره فقضى القاضي بها له ثم أقر المقضي له أنها دار فلان ولم يكن لي قط أو قال ما كانت لي قط لكنها لفلان بكلام (٢/٢٠٩) متصل فإن صدقه المقر له في الجميع ترد الدار على المقضي عليه ولا شيء للمقر له لأنهما تصادقا أن الدعوى والبينة والحكم كل ذلك كان باطلا فوجب رد الدار على المقضي عليه بخلاف المسألة الأولى لأن المقر الأول والثاني والمقر له الآخر اتفقوا على أن العبد ليس للأول لأن الثاني صدق المقر الأول في النفي وإن كذبه في الجهة والثالث صدق المقر الثاني على هذا الوجه فقد حصل الاتفاق على أن لا حق للأول في العبد فلم يستقم رده عليه مع اتفاقهم على خلافه فيرد إلى الثالث لأنه لا منازع له فيه فأما المقضي عليه في هذه المسألة فيدعيها ولم يزعم قط أنها ليست له ولكن استحقت عليه بالقضاء فإذا بطل القضاء بقول المقضي له إنها ما كانت لي قط لكن المقضي عليه من أخذها بزعمه فلهذا ترد عليه وإن كان المقر له صدقه في الإقرار وكذبه في النفي عن نفسه بأن قال كانت الدار ملكا للمقر إلا أنه وهبها لي بعد القضاء وسلمها إلي أو باعها مني فهي للمقر له ويضمن قيمتها للمقضي عليه وهذا لا يشكل إذا بدأ بالإقرار ثم بالنفي لأن إقراره صح ظاهرا وثبت الاستحقاق للمقر له بتصديقه إياه في قوله هي لفلان فإذا قال بعده ما كانت لي قط فقط أراد إبطال إقراره والرجوع عنه وكذبه المقر في ذلك فلم يبطل في حقه وأما إذا بدأ بالنفي بأن قال ما كانت لي قط لكنها لفلان بكلام موصول فكذلك عندنا وعن زفر رحمه اللّه أن الدار ترد على المقضي عليه لأن قوله ما كانت لي قط كاف في نقض القضاء لو اقتصر عليه وقوله ولكنها لفلان كلام مبتدأ مقطوع عما قبله لأنه ليس ببيان مغير ليتوقف أول الكلام عليه ويصيرا كشيء واحد فيكون إقرارا بالملك للغير بعدما انتفى ملكه وعاد إلى المقضي عليه فلا يصح هذا الإقرار وإن صدقه المقر له كما لو فصل الإقرار عن النفي ولكنا نقول إن آخر كلامه مناف لأوله لأن آخره إثبات وأوله نفي والإثبات متى ذكر معطوفا على النفي متصلا به لا يقع عنه ولا يحكم لأول الكلام بشيء قبل آخره ألا ترى أن كلمة الشهادة تكون إقرارا بالتوحيد باعتبار آخره ولا فرق فإن ذلك كلام يشتمل على النفي والإثبات كما أن هذا كلام يشتمل على النفي والإثبات فيعتبر الحاصل وهو إثبات الملك للمقر له عند اتصال آخره بأوله كما في كلمة الشهادة ويكون قوله ما كانت لي (٢/٢١٠) قط باتصال الإثبات به نفيا للملك عن نفسه بإثباته للثاني وذلك محتمل بأن يملكه بعد القضاء فيحمل عليه في حق المقر له ولهذا قالوا إنما يصح هذا الإقرار إذا غابا عن مجلس القاضي حتى يمكن للقاضي تصديق المقر له فأما إذا قال ذلك في مجلس القضاء فقد علم القاضي بكذبه لأنه علم أنه لم يجر بينهما هبة وقبض ولا بيع والكذب لا حكم له فلا يصح إقراره في هذه الصورة ولأن اتصال النفي عن نفسه بالإثبات لغيره إنما يكون لتأكيد الإثبات عرفا وما ذكر تأكيدا للشيء كان حكمه حكم ذلك الشيء ولا يكون له حكم نفسه فصار من حيث المعنى كأنه قال هذا الدار لفلان وسكت ولأن النفي لما كان لتأكيد الإقرار كان مؤخرا عن الإقرار معنى لأن التأكيد أبدا يكون بعد المؤكد ولأن المقر قصد تصحيح إقراره ولا يصح في هذه الصورة إلا بجعل الإقرار مقدما والكلام يحتمل التقديم والتأخير دون الإلغاء فوجب القول به بشرط أن يكون موصولا قوله إلا أنه أي لكنه بالإسناد أي بإسناد نفي الملك إلى ما قبل القضاء فإن قوله ما كانت لي قط يتناول الأزمنة السابقة على القضاء صار شاهدا على المقر له لأن حق المقر له قد تعلق بالعين بقوله لكنها لفلان وهو بالإسناد يبطل هذا الحق لأن قوله ما كانت لي قط يتضمن بطلان القضاء وفي بطلانه بطلان حق المقر له لأنه ثبت بناء على صحة الإقرار الذي هو مبني على صحة القضاء فصار شاهدا عليه من هذا الوجه فلم يصح شهادته عند تكذيب المقر له لأنه رجوع عما أقر به للغير ويتضح هذا بفصل تقديم الإقرار على النفي بأن قال هي لفلان ولم يكن لي قط فإن النفي فيه شهادة على المقر له وبطلان حقه الثابت بالإقرار السابق فكذلك في فصل تأخير الإقرار لأن الكلام باتصال النفي بالإثبات صار كشيء واحد فصار تقدم الإقرار وتأخره سواء ثم إنه وإن لم يصدق في حق المقر له فهو مصدق في حق نفسه وظاهر كلامه إقرار ببطلان القضاء وهو حقه فصار به مقرا بالدار للمقضي عليه فيضمن له قيمتها قال الشيخ الإمام المصنف رحمه اللّه في شرح الجامع وهذا على قول من يرى ضمان العقار بالغصب فيضمن بالقصر أيضا فأما عند أبي حنيفة وأبي يوسف فلا وذكر في شرح الجامع للفقيه أبي الليث رحمه اللّه أن هذا قولهم جميعا لأن العقار يضمن بالقول مثل سوم البيع الفاسد والرجوع عن الشهادة فكذا ههنا وذكر شمس الإسلام الأوزجندي (٢/٢١١) أنه بالإقرار لغيره صار متلفا للدار والدار يضمن بالإتلاف عند الكل كما يضمن بالشهادة الباطلة واعلم أن هذين المثالين أعني قول المقر له بالعبد ما كان لي قط لكنه لفلان وقول مدعي الدار ما كانت لي قط لكنها لفلان ليسا من نظائر هذا الباب في الحقيقة لأن لكن المشددة ليست من حروف العطف بل هي من الحروف الناصبة أو إنما العاطفة هي المخففة إلا أنهما لما اشتركتا في الاستدراك واستوتا في الحكم أورد الشيخ هذين المثالين في هذا الفصل ومثال فوات المعنى الثاني أمة تزوجت إلى آخره وهو ظاهر قوله وفي قول الرجل لك علي كذا هذه المسألة تخالف المسألة التي قبلها في أن الاستدراك فيها صرف إلى الجملة حتى صح ولم يصرف إلى أصل الإقرار وفي تلك المسألة صرف إلى أصل النكاح ولم يصرف إلى الجهة وهي نفي المائة وإثبات المائة والخمسين كما في قوله لا أجيز النكاح إلا بزيادة خمسين وذلك لأنه في تلك المسألة قد صرح برد النكاح بقوله لا أجيز النكاح فلا يمكن صرفه إلى الجهة وفي مسألة الإقرار لم يصرح برد أصل الإقرار وهو الألف بل قال لا وأنه يصلح ردا للجهة وردا للأصل فإذا وصل به قوله ولكنه غصب علم أنه نفى السبب لا أصل المال وأنه قد صدقه في الإقرار بأصل المال ولا تفاوت في الحكم بين السببين والأسباب مطلوبة للأحكام فعند عدم التفاوت يتم تصديقه له فيما أقر به فيلزمه المال وهذا بخلاف ما إذا شهد أحد الشاهدين بأن الألف عليه بسبب الغصب وشهد الآخر بأن الألف عليه بسبب القرض حيث لا تقبل وإن اتفقا في الأصل لأن المدعي يصير مكذبا أحد الشاهدين في بعض ما شهد به وذلك مبطل للشهادة فأما تكذيب المقر له للمقر في بعض ما أقر فلا يوجب بطلان الإقرار فافترقا وقوله الكلام متسق أي كلام المقر له مع كلام المقر متوافقان لا متنافيان لأنهما توافقا في أصل الواجب وإن اختلفا في السبب (٢/٢١٢) قوله وأما أو اعلم أن كلمة أو تدخل بين اسمين أو أكثر كقولك جاءني زيد أو عمرو أو بين فعلين أو أكثر كقوله تعالى استغفر لهم أو لا تستغفر لهم وقوله عز اسمه ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم وكقولك كل السمك أو اشرب اللبن فيتناول أحد المذكورين هذا موجب هذه الكلمة باعتبار أصل الوضع لأنها في مواضع استعمالها لا تخلو عن هذا المعنى فعرفنا أنها وضعت له قال اللّه تعالى فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة والواجب أحد الأشياء حتى لو كفر بالأنواع كلها كان مؤديا بأحد الأنواع لا بالجميع كما قاله البعض وكذلك في قوله تعالى ففدية من صيام أو صدقة أو نسك الواجب واحد منها وكذا الجائي في قولك جاءني زيد أو عمرو أحدهما لا كلاهما قوله ولم يوضع للشك نفي لما ذكره القاضي الإمام أبو زيد رحمه اللّه في التقويم أن كلمة أو عند عامة الناس للتخيير في الإثبات وللنفي في النفي والصحيح عندنا أن كلمة أو كلمة تشكيك فإنك إذا قلت رأيت زيدا أو عمرا لا تكون مخبرا عن رؤيتهما جميعا ولكنك تكون مخبرا عن رؤية كل واحد منهما على سبيل الشك فإنك قد رأيت أحدهما ولكنك شككت في معرفة ذلك منهما حتى احتمل كل واحد منهما أن يكون هو المرئي وأن لا يكون إلا أنها إذا استعملت في الإيجابات والأوامر والنواهي لم توجب شكا لأن الشك إنما يتحقق عند التباس العلم بشيء وذلك إنما يكون في الإخبارات فأما الإنشاءات فلا يتصور فيها شك ولا التباس لأنها لإثبات حكم ابتداء وما ذكره القاضي الإمام مذهب عامة النحاة وخالفه الشيخ وشمس الأئمة رحمهما اللّه في ذلك فقالا هذه الكلمة ليست للتشكيك لأن الشك ليس بمعنى يقصد بالكلام وضعا أي ليس بمقصود في المخاطبات (٢/٢١٣) بحيث يوضع كلمة توجب تشكيك السامع في معنى الكلام وليس معناه أن الشك ليس بمعنى يوضع له لفظ لأن لفظ الشك قد وضع لمعناه بل المعنى ما ذكرنا وذلك لأن موضوع الكلام إفهام السامع لا تشكيكه فلا يكون الشك من مقاصده فلا يكون هذه الكلمة موضوعة لذلك بل هي موضوعة لأحد المذكورين غير عين كما قلنا إلا أنها في الإخبارات يفضي إلى الشك باعتبار محل الكلام لأنه أخبر عن مجيء أحدهما في قوله جاءني زيد أو عمرو ومعلوم أن فعل المجيء وجد من أحدهما عينا لا نكرة إذ لا تصور لصدور الفعل من غير العين وبإضافة الفعل إلى أحدهما غير عين لا ينتقل الفعل من العين إلى النكرة بل يبقى مضافا إلى العين كما وجد وإنما جهله السامع فوقع الشك في الذي وجد منه فعل المجيء فتبين أن التشكيك إنما يثبت حكما واتفاقا بكون الكلام خبرا لا مقصودا بحرف أو كالهبة وضعت لإفادة ملك الرقبة للموهوب له ثم إذا أضيف إلى الدين يكون إسقاطا حكما واتفاقا لا مقصودا بالهبة ألا ترى أنها إذا استعملت في الإنشاء لا تؤدي معنى الشك أصلا مع أنها حقيقة فيه لا مجاز وقد عرفت أن الحقيقة لا تخلو عن موضوعه الأصلي فثبت أنها لم توضع للتشكيك وكذا التخيير يثبت بمحل الكلام أيضا لأنها إذا استعملت في الابتداء كقولك اضرب زيدا أو عمرا تناولت أحدهما غير عين والأمر للائتمار ولا يتصور الائتمار بإيقاع الفعل في غير العين فيثبت التخيير ضرورة التمكن من الائتمار ولهذا لو اختار أحدهما قولا لا يصح لأنه لا ضرورة في ذلك إنما هي في حق الفعل وكذا إذا استعملت في الإنشاء كقوله هذا حر أو هذا ويؤيد قول الشيخين ما ذكر في المفصل أن أو و أم وأما ثلاثتها لتعليق الحكم بأحد المذكورين إلا أن أو و أما يقعان في الخبر والأمر والاستفهام و أم لا يقع إلا في الاستفهام إذا كانت متصلة إلى آخره وما ذكر أبو علي الفارسي في الإيضاح أن أو لأحد الشيئين أو الأشياء في الخبر وغيره تقول كل السمك أو اشرب اللبن أي افعل أحدهما ولا تجمع بينهما وما ذكر عبد القاهر في التلخيص أن أو لأحد الشيئين أو الأشياء بيان ذلك أنك تقول جاءني زيد أو عمرو فيكون المعنى على أنك أثبت المجيء ل أحدهما لا بعينه فهذا أصله ثم إن كان الكلام (٢/٢١٤) خبرا كانت أو للشك كما رأيت وإن كان أمرا كانت للتخيير كقولك اضرب زيدا أو عمرا فقد أمرته بأن يضرب أحدهما ثم خيرته في ذلك فأيهما ضرب كان مطيعا وما ذكر أيضا في المقتصد أن أو له ثلاثة أوجه أحدها الشك نحو قوله ضربت زيدا أو عمرا أردت أن تخبر بضربك زيدا فاعترضك شك صورت له أن تكون ضربت عمرا فأثبت بأو وعطفت عمرا على زيد فصار كلامك مفيدا أنك ضربت واحدا من زيد وعمرو بغير عينه والوجه الثاني التخيير كقولك اضرب زيدا أو عمرا فقد أمرته بضرب أحدهما بغير عينه ولم يجز أن تضربهما معا فليس في هذا شك وإنما هو تخيير ألا ترى أن الآمر إذا قال اضرب زيدا أو عمرا لم يكن هناك شيء موجود قد شك فيه كما يكون في الخبر والوجه الثالث الإباحة نحو قولهم جالس الحسن أو ابن سيرين فهذا يشبه التخيير من وجه وهو أنه جالس أحدهما كان مطيعا ويفارقه من آخر وهو أنه إن جالسهما معا كان جائزا ولو قلت اضرب زيدا أو عمرا فضربهما جميعا لم يجز قال ولما كان لأحد الشيئين أو الأشياء في جميع ما ذكرنا قالوا زيد أو عمرو قام ولم يقولوا قاما لأن المعنى أحدهما قام فإن قيل أول هذا الكلام يؤيد المذهب الأول وكذا ما ذكرنا في المفصل ويقال في أو وأما في الخبر أنهما للشك وفي الأمر أنهما للتخيير والإباحة وما ذكر في المفتاح أن أو في الخبر للشك وفي الأمر للتخيير وهو الامتناع عن الجمع أو الإباحة وهي تجويز الجمع وفي الاستفهام لأحد ما يذكر لا على التعيين قلنا هذا منهم تسامح في العبارة وبيان لمواضع الاستعمال وتقسيم له بحسب العوارض والتحقيق ما ذكرناه ورأيت في كتاب بيان حقائق الحروف أن معنى أو إثبات أحد الشيئين أو الأشياء مبهما مع إفراده عن غيره في المعنى بلا ترتيب لأنها في حروف العطف بمنزلة الواو وفي أنها لا ترتب إلا أن الواو للجمع وأو للإفراد وهي تجيء على ستة أوجه إبهام أحد الشيئين أو الأشياء والشك والتخيير والإباحة والتفصيل ومعنى الإفراد فقط وبمعنى إلا أن والأصل في الجميع هو الأول فقط لرجوعها في الجميع إليه إذا لم يكن في الكلام ما يوجب زيادة عليه قوله وعلى هذا أي على أنها يتناول أحد المذكورين قلنا في قوله هذا حر أو هذا أو هذه طالق أو هذه إنه بمنزلة قوله أحدكما حر أو أحديكما طالق وهذا الكلام (٢/٢١٥) أي قوله هذا حر أو هذا أو قوله أحدكما حر إنشاء يحتمل الخبر أي يصلح أن يكون خبرا لأنه في وضعه الأصلي خبر كقولك للرجلين أحدكما عالم إلا أن الإخبار يقتضي تقدم المخبر عنه على ما عليه وضعه فاقتضى الإخبار عن الحرية وجود الحرية سابقا عليه ليصح الإخبار عنها فإذا لم تكن الحرية ثابتة جعلنا هذا الكلام إنشاء كأنه قال أنشئ الحرية احترازا عن الإلغاء والكذب أو جعلنا الحرية ثابتة قبيل هذا الكلام بطريق الاقتضاء تصحيحا له لأن إثباتها في ولايته فصار إنشاء شرعا وعرفا إخبارا حقيقة ولهذا إذا جمع بين حر وعبد وقال أحدكما حر يجعل إخبارا حتى لا يعتق العبد لأنه أمكن العمل بموضوعه الأصلي وهو الإخبار وإذا كان إنشاء يحتمل الخبر أوجب التخيير من حيث إنه إنشاء حتى كان له أن يختار العتق في أيهما شاء بأن يبين العتق في أحدهما كما كان للمأمور في قوله اضرب زيدا أو عمرا أن يختار الضرب في أيهما شاء ومن حيث إنه خبر يوجب البيان أي الإظهار لا التخيير كما لو أعتق أحدهما عينا ثم نسيه فأخبر أن أحدهما حر لا يكون له أن يبين العتق في أيهما شاء بل وجب عليه أن يبين العتق في الذي أوقعه فيه إذا تذكر ثم إنه إذا تبين العتق في أحدهما كان له حكم الإنشاء من حيث إن الإيجاب الأول إنشاء وهو غير نازل في العين لأنه ما أوجبه إلا في النكرة والنكرة ضد المعرفة لغة فلا يمكن إثباته في غير ما أوجبه كما إذا أوقعه في سالم لا يمكن إثباته في بزيع والعتق إنما يتحقق في العين بالبيان فكان له حكم الإنشاء من هذا الوجه ولهذا شرط له أهلية الإنشاء وصلاحية المحل للإنشاء حتى لو مات أحد العبدين فبين العتق في الميت لا يصح ومن حيث إن الإيجاب يحتمل الخبر يكون البيان إظهارا أي هذا هو الذي أخبرت بحريته أو من حيث إن الذي أوقع العتق فيه معرفة من وجه لأنه لا يعدوهما بيقين كان العتق واقعا فيه فكان البيان إظهارا ولهذا يجبر عليه ولو كان إنشاء من كل وجه لما أجبر عليه وإذا اجتمع فيه جهتا الإنشاء والإظهار عمل بهما في الأحكام فاعتبرت جهة الإنشاء في موضع التهمة وجهة الإظهار في غير موضع التهمة فإذا طلق إحدى نسائه الأربع ولم يكن دخل بهن فتزوج خامسة أو أخت إحداهن ثم بين الطلاق في أخت المتزوجة جاز له نكاح الخامسة ونكاح الأخت فاعتبر البيان إظهارا لعدم التهمة إذ يمكن له إنشاء الطلاق في التي عينها وتزوج أختها في الحال ولو كان دخل بهن لا يجوز نكاح الخامسة والأخت فاعتبر إنشاء في حق العدة لمكان التهمة ألا ترى أنه لا يتمكن من ذلك بإنشاء الطلاق في الحال ولو قال لامرأتيه أحديكما طالق فماتت أحديهما قبل البيان تعينت الباقية للطلاق لزوال (٢/٢١٦) المزاحمة بخروج الميتة عن محلية الطلاق فإن قال عنيت الميتة حين تكلمت صدق في حق بطلان ميراثه عنها ولا يصدق في إبطال طلاق لأن الطلاق تعين فيها شرعا فلا يملك صرف الطلاق عنها بقوله ولو كانت تحته حرة وأمة قد دخل بهما فقال أحديكما طالق ثنتين ثم أعتقت الأمة ثم مرض الزوج وبين الطلاق في المعتقة فإنها تحرم حرمة غليظة ويصير الزوج فارا حتى ترث هي فاعتبر إظهارا في حق الحرمة لعدم التهمة وإنشاء في حق الإرث لمكان التهمة لأن حقها تعلق بماله في مرضه فهو بالبيان فيها يريد إبطال حقها ولو قال لعبدين له قيمة أحدهما ألف وقيمة الآخر مائة أحدكما حر ثم مرض فبين العتق في كثير القيمة يصح ويعتبر من جميع المال فاعتبر جهة الإظهار لعدم التهمة لأن كل واحد من العبدين متردد بين أن يعتق وبين أن لا يعتق فكان بمنزلة المكاتب فلا يتعلق به حق الورثة بخلاف مسألة الفرار لتحقق التهمة هناك فاعتبر إنشاء وعلى هذا فقس المسائل في الزيادات قوله ولهذا أي ولأن أو يتناول أحد المذكورين قلنا إذا قال وكلت هذا أو هذا ببيع هذا العبد صح التوكيل ولم يشترط اجتماعهما على البيع بخلاف ما لو قال وهذا وإذا باع أحدهما نفذ البيع ولم يكن للآخر بعد ذلك أن يبيعه وإن عاد إلى ملك موكله وقيل البيع يباح لكل واحد منهما أن يبيعه وفي القياس لا يجوز لجهالة من وكل ببيعه وجه الاستحسان أن هذه جهالة مستدركة فتحمل فيما هو مبني على التوسع وكذلك إذا قال بع هذا أو هذا يصح التوكيل استحسانا أيضا ولم ينص محمد رحمه اللّه على القياس والاستحسان في هذه المسألة في الأصل كما نص في المسألة الأولى وفرق بعضهم فقالوا الجهالة فيما تناولته الوكالة بالبيع دون الجهالة فيمن هو وكيل بالبيع كما في الإقرار جهالة المقر به لا تمنع صحة الإقرار وجهالة المقر له تمنع من ذلك والأصح أن الفصلين قياسا واستحسانا ووجه القياس أن التوكيل بالبيع معتبر بإيجاب البيع وإيجاب البيع في أحدهما بغير عينه لا يصح للجهالة فكذلك التوكيل ووجه الاستحسان أن مبنى الوكالة على التوسع لأنه لا يتعلق اللزوم بنفسها وهذه جهالة مستدركة لا يفضي إلى المنازعة فلا يمنع صحة التوكيل يوضحه أن الموكل قد يحتاج إلى هذا لأنه لا يدري أي العبدين يروج فيوكله ببيع أحدهما توسعة للأمر عليه وتحصيلا لمقصود نفسه في الثمن (٢/٢١٧) قوله والتخيير لا يمنع الامتثال جواب عما يقال إن الموكل إن ما أمره ببيع أحد الشيئين وهو مجهول فلا يمكنه الامتثال فينبغي أن لا يصح التوكيل فقال هذا الأمر يوجب التخيير وهو غير مانع عن الامتثال لأنه يمكنه الإتيان ب أحدهما كما في قوله تعالى فكفارته إطعام عشرة مساكين قوله وقلنا معطوف على قلنا الأول أي ولأن أو لأحد الشيئين قلنا كذا وقلنا أيضا إذا دخلت أو في المبيع بأن قال بعت منك هذا الثوب أو هذا بعشرة أو في الثمن بأن قال بعت منك هذا الثوب بعشرة أو بعشرين فقال قبلت أو في المستأجر بأن قال آجرت اليوم هذا العبد أو هذا بدرهم أو في الأجرة بأن قال آجرت هذا العبد اليوم بدرهم أو بدرهمين فسد العقد في الفصول الأربعة لأن كلمة أو أوجبت التخيير ومن له الخيار منهما غير معلوم فبقي المعقود عليه أو المعقود به مجهولا جهالة مؤدية إلى المنازعة وهي مفسدة للعقد إلا أن يكون من له الخيار معلوما في اثنين أو ثلاثة بأن قال بعت هذا أو هذا على أنك بالخيار تأخذ أيهما شئت فحينئذ يصح العقد استحسانا وقال زفر والشافعي رحمهما اللّه لا يجوز وهو القياس لأن المبيع أحد الثوبين أو الأثواب وأنه مجهول متفاوت فيمنع صحة العقد كما إذا لم يكن من له الخيار معلوما وكما لو اشترى أحد الأثواب الأربعة على أن يأخذ أيها شاء وجه الاستحسان أن هذه الجهالة بعد تعين من له الخيار لا يفضي إلى المنازعة لأن من له الخيار يستبد بالتعيين فلا تمنع جواز العقد بهذا الاعتبار لكن بقي في هذا العقد معنى الحظر لتردد عاقبته إذ يحتمل كل واحد من الثوبين أن يستقر العقد فيه وأن لا يستقر والحظر مفسد كالشرط فلما احتمل الشرط في الثلاثة الأيام في المحل الواحد دفعا للحاجة يتحمل الحظر ههنا أيضا في الثلاثة اعتبارا للمحل بالزمان لأن الحاجة متحققة ههنا أيضا لأنه يحتاج إلى اختيار من يثق به أو اختيار من يشتريه لأجله ولا يمكنه من الحمل إليه إلا بالتبع فكان في معنى ما ورد به الشرع ولما لم يتحمل في الشرط أكثر من ثلاثة لاندفاع الحاجة بما دونه غالبا لم يتحمل ههنا أيضا في أكثر من ثلاثة لاندفاع الحاجة بما دونه إذ الثلاثة تشتمل على كل الأوصاف جيد ووسط ورديء فيصير الزيادة لغوا وصفا كذا في الأسرار فإن قيل في البيع بشرط الخيار المعلق هو الحكم دون العقد وههنا المعلق نفس (٢/٢١٨) العقد وهذا فوق ذلك فكيف يجوز الإلحاق به قلنا نعم ولكن الحكم ثمة غير ثابت أصلا وههنا الحكم ثبت في أحدهما نكرة ففي حق الحكم تأثير شرط الخيار أكثر وفي حق العقد تأثير الشرط ههنا أكثر فاستويا فجاز الإلحاق ولا يقال لما جاز خيار الشرط عندهما في أكثر من ثلاثة بعد أن كانت المدة معلومة ينبغي أن يجوز خيار التعيين في أكثر من ثلاثة أيضا لأنا نقول إنهما إنما جوزا خيار الشرط في أكثر من ثلاثة بالأثر غير معقول المعنى فلا يمكن الإلحاق به وقوله إلا أن يكون من له الخيار معلوما يشير بعمومه إلى ثبوت خيار التعيين لكل واحد من المتبايعين وهو اختيار الشيخ أبي الحسن الكرخي وبعض المتأخرين من مشايخنا لأنه لما ثبت في جانب المشتري اعتبارا بخيار الشرط يثبت في جانب البائع أيضا اعتبارا به وذكر في المجرد أنه لا يجوز في حق البائع لأن الجواز في حق المشتري ثبت لدفع الحاجة وهو اختيار ما هو الأرفق بحضرة من يقع الشراء له ولا حاجة إلى ذلك في جانب البائع لأن المبيع قد كان معه قبل البيع وتبين بما ذكرنا أن الاستثناء راجع إلى فصل المبيع دون الثمن حتى لو كان من له الخيار معلوما في فصل الثمن بأن قال بعت منك هذا الثوب بعشرة دراهم أو بدينار على أن آخذ منك أيهما شئت أو على أن تؤدي إلي أيهما شئت لا يصح لأن جوازه ثبت إلحاقا له بشرط الخيار وذلك إنما يثبت في المبيع دون الثمن ولأن الحاجة إليه في الثمن ليست مثل الحاجة في المبيع فيرد إلى القياس وكذا حكم الأجرة في عقد الإجارة فأما المستأجر فيه فمثل المبيع في خيار التعيين لأن خيار الشرط وخيار الرؤية وخيار العيب تجري فيه فيجري خيار التعيين أيضا وذكر في الفصل السادس من إجارات المحيط الأصل أن الإجارة إذا وقعت على أحد شيئين وسمى لكل واحد أجرا معلوما بأن قال آجرتك هذه الدار بخمسة أو هذه الأخرى بعشرة أو كان هذا القول في حانوتين أو عبدين أو مسافتين مختلفتين نحو أن يقول إلى واسط بكذا أو إلى الكوفة بكذا فذلك جائز عند علمائنا وكذا إذا خيره بين ثلاثة أشياء وإن ذكر أربعة أشياء لم يجز وكذا هذا في أنواع الصبغ والخياطة إذا ذكر ثلاثة جاز وإن زاد عليها لم يجز استدلالا بالبيع إلا أن فرق ما بين الإجارة والبيع أن الإجارة (٢/٢١٩) يصح من غير شرط الخيار حتى أن من باع أحد العبدين لا يجوز إلا بشرط الخيار وإجارة أحد الشيئين يجوز من غير شرط الخيار قوله وقال أبو يوسف ومحمد إلى آخره إذا تزوج امرأة على ألف حالة أو على ألفين إلى سنة أو على ألف درهم أو مائة دينار أو تزوجها على ألف أو ألفين أو على ألف حالة أو ألف نسيئة لا يحكم مهر المثل في هذه المسائل عندهما بحال بل يثبت الخيار للزوج إذا كان التخيير مفيدا بأن كان المالان مختلفين وصفا كما في الألف والألفين إلى سنة إذ كل واحد من المالين أنقص من الآخر من وجه وأزيد من وجه أو جنسا كما في الدراهم والدنانير فيعطي أي المهرين شاء لأن موجب هذه الكلمة التخيير وقد أمكن العمل به فوجب القول به وإن لم يكن التخيير مفيدا كما في الألف والألفين أو الألف الحالة والألف المؤجلة إذ لا فائدة في التخيير بين القليل والكثير في جنس واحد لزمه الأقل لأن تسمية المال في النكاح منفصلة عن العقد بدليل أنه لا يتوقف العقد على ذكره فكان ذلك بمنزلة التزام المال بغير عقد فيجب القدر المتيقن به وهو معنى قوله اعتبرت التسمية بالإقرار بالمال مفردا أي صار كأنه أقر لإنسان بألف أو ألفين أو أوصى لفلان بألف أو ألفين ولأن النكاح لا يحتمل الفسخ بعد تمامه والتخيير بين الألف والألفين لا يمنع صحة العقد فكان قياس الطلاق بمال والعتق بمال وهناك إذا سمى الألف والألفين يجب القدر المتيقن به فكذا ههنا ولا وجه للرجوع إلى مهر المثل لأنه موجب نكاح لا تسمية فيه وبالتخيير لا تنعدم التسمية كذا في المبسوط وقوله وصار من يستفاد من جهته رد لما قاله أبو حنيفة رحمه اللّه في مسألة الجامع إن الخيار للمرأة إذا كان مهر مثلها ألفين أو أكثر فقالا من استفيد هذا الكلام من جهته أي صدر هذا الإيجاب منه أولى ببيانه لأنه هو المجمل فكان الخيار له بكل حال قوله وقال أبو حنيفة يصار إلى مهر المثل أي يحكم مهر المثل في هذه المسائل كلها لأنه الواجب الأصلي في النكاح كالقيمة في باب البيع وأجر المثل في الإجارة وإنما يعدل عنه إذا كانت التسمية معلومة قطعا ولم يوجد فوجب المصير إليه (٢/٢٢٠) فإن قيل إن الخلاف في النكاح الصحيح ما موجبه وموجبه المسمى فوجب المصير إليه ما أمكن وقد وجد في مسألة الألف والألفين تسميتان أحديهما لا شك فيها والأخرى فيها شك فتثبت الذي لا شك فيها فلم يجب مهر المثل قلنا النكاح لما صح بمهر المثل صار هو الواجب الأصلي لأن النكاح صحيح قبل التسمية فكانت التسمية زيادة لا محالة فحل محل أجر المثل في الإجارة الفاسدة فلا يجب العدول عنه بالشك كذا في الأسرار فصار الأصل عندهما أن الموجب الأصلي في النكاح هو المسمى فلا يمكن المصير إلى مهر المثل إلا إذا فسدت التسمية من كل وجه وأبو حنيفة رحمه اللّه يقول لما كان مهر المثل واجبا بنفس العقد كان هو الأصل فالعدول إلى المسمى حين صحت التسمية ولم يثبت ثم عند أبي حنيفة رحمه اللّه في مسألة الجامع وهي مسألة الألف الحالة والألفين إلى سنة إن كان مهر مثلها ألفي درهم أو أكثر فالخيار للمرأة إن شاءت أخذت الألف الحالة وإن شاءت كان لها الألفان إلى سنة لأنها التزمت أحد وجهي الحظ إما القدر وإما الأجل والمقاصد في ذلك مختلفة فوجب التخيير وإن كان مهر مثلها أقل من ألف درهم كان الخيار للزوج يعطيها أيهما شاء لأن مهر المثل هو الحكم وقد التزم الزوج أحد وجهين من الزيادة إما الزيادة إلى ألفي درهم لكن بصفة الأجل وإما ألف درهم من غير أجل وهما مختلفان فيختار أيهما شاء كذا في شرح الجامع للمصنف رحمه اللّه قوله وعلى هذا قلنا أي على أن أو يتناول أحد المذكورين فيوجب التخيير في موضع الإنشاء قلنا في كفارة اليمين ما الواجبة بقوله تعالى فكفارته إطعام عشرة مساكين الآية وكفارة الحلق الواجبة بقوله عز اسمه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك وجزاء الصيد الثابت بقوله جل ذكره فجزاء مثل ما قتل من النعم الآية أن الواجب فيها وفي أمثالها واحد من الجملة غير عين والمكلف مخير في تعيين واحد منها فعلا لا قولا فيتعين في ضمن الفعل وهو مذهب جمهور الفقهاء ويسمى هذا واجبا مخيرا وذهبت شرذمة من الفقهاء العراقيين والمعتزلة (٢/٢٢١) إلى أن الكل واجب عليه على سبيل البدل فإذا فعل أحدها سقط وجوب باقيها ثم إنه إذا أتى بالكل كان الواجب واحدا منها عند الجمهور وهو الذي كان أعلاها قيمة ولو ترك الكل كان معاقبا على واحد منها وهو الذي كان أدناها قيمة لأن الفرض يسقط بالأدنى واختلف المخالفون في ذلك فعامتهم وافقونا فيه فكان الخلاف بيننا وبينهم لفظيا لا معنويا كما قال أبو الحسين البصري إنهم يعنون بوجوب الجميع أنه لا يجوز الإخلال بجميعها ولا يجب الإتيان به وللمكلف اختيار أي واحد كان وهو بعينه مذهب الفقهاء وقال بعضهم إنه إذا أتى بالجميع يثاب ثواب الواجب على كل واحد ولو ترك الجميع يعاقب على ترك كل واحد فعلى هذا كان الخلاف معنويا قال صاحب الميزان وهذه المسألة بيننا وبين المعتزلة فرع مسألة أخرى وهي أن التكليف يبتنى على حقيقة العلم عندهم دون السبب الموصل إليه وإيجاب واحد من الأشياء غير عين تكليف بما لا علم للمكلف به لأن الواجب مجهول حالة التكليف فيكون تكليف ما ليس في الوسع وعندنا التكليف يبتنى على سبب العلم لا على حقيقته كما يبتنى على سبب القدرة لا على حقيقتها وههنا طريق العلم قائم وهو الاختيار فلا يكون تكليف العاجز تمسكوا في ذلك بأن إيجاب أحد الأشياء إما أن يكون موجبه ثبوت الحكم في واحد منها عينا أو في واحد غير عين أو في الكل على سبيل الجمع أو على سبيل البدل لا وجه للأول والثالث لأنه خلاف النص والإجماع كيف والتخيير ينافيهما ولا للثاني لأنه تكليف بما هو غير معلوم للمكلف وقت التكليف والتكليف بإتيان المجهول تكليف ما ليس في الوسع وهو باطل فتعين القول بوجوب الكل على سبيل البدل وهو طريق مشروع موافق للأصول فإن فرض الكفاية مثل الجهاد وصلاة الجنازة يجب على الكل بطريق البدل حتى إذا قام به البعض سقط عن الباقين ولعامة العلماء أن الأمر بأحد الأشياء لما صح حتى لو ترك الكل أثم ولم يجز أن يكون أمرا بأحدها عينا ولا بالكل على سبيل الجمع لما ذكرنا ولا بالكل على سبيل البدل لأنه لو ترك الكل لا يأثم إلا إثم الواحد ولو أتى بالكل لا يثاب ثواب الواجب إلا على الواحد وذلك يخالف حد الواجب تعين أنه أمر بأحد الأشياء غير عين وهو جائز عقلا فإن السيد إذا قال لعبده أوجبت عليك خياطة هذا الثواب أو بناء هذا الحائط في هذا اليوم أيهما فعلت اكتفيت به وأثبتك به وإن تركتهما عاقبتك ولست أوجب الجميع وإنما أوجب واحدا لا بعينه أي (٢/٢٢٢) واحد أردت كان هذا كلاما معقولا ولا يفهم منه إيجاب الجميع للتصريح بنقيضه فكذا إذا ورد الشرع به وليس هذا تكليف ما ليس في الوسع لقيام سبب حصول العلم بالواجب عينا باختيار المكلف وشروعه في الفعل وذلك كاف لصحة التكليف قوله فأوجب التخيير على احتمال الإباحة التخيير الثابت بكلمة أو على وجهين أحدهما أن يثبت على وجه لا يجوز الجمع بين الكل كقولك اضرب زيدا أو عمرا كان له أن يضرب أيهما شاء ولا يجوز له الجمع لأن الأصل فيه الحظر وإنما يثبت الإباحة بعارض الأمر وأنه يتناول واحدا من الجملة فتقصر عليه والثاني أن يثبت على وجه يجوز الجمع بين الكل كقولك جالس الفقهاء أو المحدثين كان له أن يجالس أي فريق شاء وأن يجالسهم جميعا لأن إباحة مجالستهم ومجالسة غيرهم قد كانت ثابتة قبل الأمر فبالأمر اقتصرت على المذكورين وصار معنى الكلام اقتصر على مجالسة هؤلاء ولا تجالس غيرهم ثم إن كان الأمر للإباحة كما في النظير المذكور يحصل الامتثال بالجميع كما يحصل بالواحد لأن المقصود وهو الاقتصار حاصل بالجميع كما هو حاصل بالواحد وإن كان للوجوب كان الامتثال بالواحد لا غير وإن أتى بالجميع لأن الأمر لا يتناول إلا واحدا من الجملة ولكن لا يحرم عليه الإتيان بالجميع لأن الإباحة كانت ثابتة قبل الأمر فتبقى على ما كانت فمن القسم الأول قول الرجل لآخر طلق من نسائي فلانة أو فلانة أو أعتق من عبيدي فلانا أو فلانا أو بع منهم فلانا أو فلانا وقول المرأة الطالبة للنكاح من أحد الكفوين لوليها زوجني فلانا أو فلانا يثبت التخيير في هذه الصور ولا يجوز الجمع لأن هذه الأشياء كانت محظورة على المأمور قبل الأمر ومن القسم الثاني خصال الكفارة وجزاء الصيد وصدقة الفطر فيثبت التخيير فيها على وجه يجوز الجمع لأن هذه الأشياء كانت مباحة قبل الأمر فبقيت على الإباحة فاتضح بما ذكرنا معنى قوله فأوجب التخيير على احتمال الإباحة وظهر أنه احتراز عن القسم الأول قوله تعالى إنما جزاء الذين يحاربون اللّه ورسوله أي يحاربون أولياء اللّه ورسوله والمودة إذا استحكمت يضيف كل واحد من المحبين فعل صاحبه إلى نفسه وفي الخبر الإلهي من عادى لي (٢/٢٢٣) وليا فقد بارزني بالمحاربة أو ذكر اسم اللّه للتبرك وتشريف الرسول عليه السلام كما في قوله تعالى فأن للّه خمسه والمراد محاربة رسول اللّه ومحاربة المؤمنين في حكم محاربته ويسعون في الأرض فسادا أي مفسدين أو لأن سعيهم لما كان على طريق الفساد نزل منزلة ويفسدون فانتصب فسادا على المعنى ويجوز أن يكون مفعولا له أي للفساد والسعي هو المشي بسرعة واستعير في الكسب والتصرف لأنه يحصل به غالبا والمراد بالآية قطاع الطريق عند عامة أهل التفسير أن يقتلوا أو يصلبوا ذهب الحسن والنخعي وسعيد بن المسيب ومالك إلى أن الإمام بالخيار في العقوبات المذكورة في حق كل قاطع طريق كذا في الكشاف والمبسوط وأشير في شرح التأويلات إلى أنه بالخيار بين القتل والصلب والقطع في كل نوع من أنواع قطع الطريق عندهم ولكن لا يجوز له الاقتصار على النفي لأن من أثبت التخيير لم يجعل النفي جزاء على حدة بل حمل كلمة أو في قوله أو ينفوا على الواو والنفي على القتل فكان بمعناه وينفوا من الأرض بالقتل والصلب قالوا كلمة أو للتخيير بحقيقتها فيجب العمل بها إلى أن يقوم دليل المجاز لأن قطع الطريق في ذاته جناية واحدة وهذه الأجزية ذكرت بمقابلتها فيصلح كل واحد جزاء له فيثبت التخيير كما في كفارة اليمين ولكنا نقول لا يمكن القول بالتخيير ههنا لأن الجزاء على حسب الجناية يزداد بزيادتها وينتقص بنقصانها قال اللّه تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها فيبعد أن يقال عند غلظ الجناية يعاقب بأخف الأنواع وعند خفتها بأغلظ الأنواع تقريره أن الأمة أجمعت على أن القاتل أو آخذ المال لا يجازى بالنفي وحده وإن كان ظاهر الآية يقتضي التخيير بين الأجزية الأربعة في الكل فدل أنه لا يمكن العمل بظاهر التخيير كذا في شرح التأويلات ثم المحاربة أنواع كل نوع منها معلوم من تخويف أو أخذ مال أو قتل نفس أو جمع بين القتل وأخذ المال وهذه الأنواع تتفاوت في صفة الجناية والمذكور أجزية متفاوتة في معنى التشديد فوقع الاستغناء بتلك المقدمة عن بيان تقسيم الأجزية على أنواع الجناية نصا وهذا التقسيم ثابت بأصل معلوم وهو أن الجملة إذا قوبلت بالجملة (٢/٢٢٤) ينقسم البعض على البعض كما يقال لمن يسأل عن حدود الكبائر هي جلد مائة أو ثمانين أو الرجم أو القطع يفهم منه التقسيم والتفصيل لا التخيير فكذا ههنا وتبين أن معنى النص أن جزاء المحاربين لا يخلو عن هذه الأنواع إما أن يقتلوا من غير صلب إن أفردوا القتل أو يصلبوا مع القتل إن جمعوا بين الأخذ والقتل أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن أفردوا الأخذ قطع اليد لأخذ المال والرجل لإخافة السبيل أو لتغلظ الجناية بالمجاهرة أو ينفوا من الأرض بالحبس إن أفردوا الإخافة وذكر الشيخ أبو منصور رحمه اللّه في هذه الآية أن الأصل فيه أن كلمة أو متى ذكرت بين الأجزية المختلفة الأسباب يراد بها الترتيب كما في هذه الآية وإلا فهي للتخيير كما في كفارة اليمين قوله وقد ورد بيانه أي بيان الحد المذكور على هذا المثال وهو التقسيم على أحوال الجناية في حديث جبريل عليه السلام وهو ما روى محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم وادع أبا بردة وفي بعض الروايات أبا برزة هلال بن عويمر الأسلمي وهو الأصح على أن لا يعينه ولا يعين عليه فجاء أناس يريدون الإسلام فقطع عليهم أصحابه الطريق فنزل جبريل عليه السلام بالحد فيهم أن من قتل وأخذ المال صلب ومن قتل ولم يأخذ المال قتل ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ومن جاء مسلما هدم الإسلام ما كان منه في الشرك وفي رواية عطية عنه ومن أخاف الطريق ولم يأخذ المال ولم يقتل نفي ففي هذا الخبر تنصيص على أن كلمة أو ههنا للتفصيل دون التخيير فإن قيل في هذا الحديث أنهم قطعوا على أناس يريدون الإسلام وبنفس الإرادة لا يثبت الإسلام ولا يخرج الكافر عن كونه حربيا وقد ثبت بالدليل أن من قطع على حربي طريقا لا يجب عليه الحد وإن كان مستأمنا قلنا قد قيل إنهم كانوا قد أسلموا فجاءوا يريدون الهجرة لتعلم أحكام الإسلام فكان معنى قوله يريدون الإسلام يريدون تعلم أحكام الإسلام وقيل بل جاءوا على قصد أن يسلموا ومن جاء من دار الحرب على هذا القصد فوصل إلى دار الإسلام فهو بمنزلة أهل الذمة والحد يجب بقطع الطريق على أهل الذمة كما يجب بالقطع على المسلمين بخلاف المستأمنين (٢/٢٢٥) فإن قيل دل الحديث على أن من أخذ المال وقتل صلب ومن قتل ولم يأخذ المال قتل ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف فقد أوجب على كل فريق حدا على حدة بسبب قطع طريق واحد ومتى قطع الطريق جماعة فقتل البعض منهم وأخذ المال فإن الصلب يجب على الكل بلا تفصيل قلنا الحد ذكر مطلقا في الحديث إذ لم يذكر فيه أن من أخذ المال وقتل منهم صلب فينصرف كل حد إلى نوع من قطاع الطريق على حدة ولا ينصرف كله إلى أصحاب أبي بردة فكان أصحابه سببا لبيان الحكم في كل نوع لا أن كان الحكم فيهم على التفصيل وأنه غير مضاف إليهم والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب كذا ذكر شيخ الإسلام خواهر زاده رحمه اللّه قوله حتى قال أبو حنيفة يعني لما انقسمت أنواع الجزاء على أنواع الجناية قال أبو حنيفة رحمه اللّه إذا جمع بين الأخذ والقتل كان للإمام الخيار إن شاء قطعه ثم قتله أو صلبه وإن شاء قتله أو صلبه من غير قطع لأنه اجتمع فيه جهة الاتحاد وجهة التعدد أما جهة التعدد فلأن السبب الموجب للقطع قد وجد والسبب الموجب للقتل قد وجد فيلزمه حكم السببين وأما جهة الاتحاد فلأن الكل قطع المادة وهو واحد فكان له أن يقتصر على القتل أو الصلب وهذا نظير ما قال فيمن قطع يد رجل ثم قتله عمدا إن شاء الولي قطعه ثم قتله وإن شاء قتله من غير قطع لاجتماع جهتي التعدد والاتحاد كما مر بيانه في باب الأداء والقضاء وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي رحمهم اللّه يصلبه الإمام لا غير لأن ظاهر قوله من قتل وأخذ المال صلب في حديث جبريل يدل على ما قالوا ولأن هذا الحد شرع جزاء قطع الطريق الآمن بأمان اللّه تعالى لإجراء أخذ المال وقتل النفس مجاهرة إذ الحق في تلك الحالة في المال والنفس لصاحبه إلا أن قطع الطريق يتقوى إذا خوف الناس بالقتل والأخذ جميعا فيزداد الحد كما ازداد الجناية فيزداد حد الزاني المحصن على حد البكر لقوة جنايته بزيادة الحرمة باجتماع الموانع من الزنا كذا في الأسرار قال القاضي الإمام وهذا هو الأصح عندنا وذكر الإمام خواهر زاده أن الجواب لأبي حنيفة عن الحديث أن المروي في رواية أبي صالح عن ابن عباس ما ذكرنا وقد روي في رواية الحجاج بن أرطاة عن عطية العوفي عن ابن عباس أن من أخذ المال وقتل قطعت يده (٢/٢٢٦) ورجله من خلاف وصلب فقد تعارضت الروايات في حديثه فسقط الاحتجاج به ووجب التمسك بما فعله النبي عليه السلام للعرنيين فإنه لم يتعارض فيه الروايات وقد روي أن النبي عليه السلام أمر بقطع أيديهم وأرجلهم وأمر بتركهم في الحرة حتى ماتوا فقد جمع بين القطع والقتل فأخذ أبو حنيفة بهذا لما تعارضت الروايات عن ابن عباس وأشار شمس الأئمة في المبسوط في جانب الجواب لأبي حنيفة رحمه اللّه إلى أن قوله من قتل وأخذ المال صلب بيان ما يختص بهذه الحالة لا بيان ما يختص هذه الحالة به فلا يجوز الصلب إلا في هذه الحالة ولكن يجوز فيها غيره عند قيام الدليل وقد وجد سبب القطع ولم يوجد عنه مانع فيجوز قوله ولهذا قال أي ولأن أو لأحد المذكورين قال أبو يوسف ومحمد رحمهما اللّه لو جمع بين عبده ودابته فقال هذا حر أو هذا لغا كلامه لأن أو لما كان لأحد الشيئين كان محل الإيجاب أحدهما غير عين وإذا لم يكن أحد المذكورين محلا للإيجاب فغير المعين منهما لا يكون صالحا وبدون صلاحية المحل لا يصح الإيجاب أصلا كذا في أصول شمس الأئمة وهذا الكلام وسياق كلام الشيخ يشيران إلى أنه لو نوى عبده بهذا الإيجاب لا يعتق عندهما أيضا لأن اللغو والباطل لا حكم له أصلا وذكر في المبسوط ما يخالفه فقال إذا جمع بين عبده وبين ما لا يقع عليه العتق من ميت أو أسطوانة أو حمار فقال هذا حر أو هذا أو قال أحدكما حر لا يعتق عبده في قول أبي يوسف ومحمد إلا أن يعينه لأنه ردد الكلام بين عبده وغيره فلا يتعين عبده إلا بنيته كما لو جمع بين عبده وعبد غيره وقال أحدكما حر وهذا لأنه لما ضم إليه ما لا يتحقق فيه العتق صار كأنه قال لعبده أنت حر أو لا ولو قال ذلك لم يعتق إلا بالنية فكذا ههنا قوله وقال أبو حنيفة نعم هو كذلك أي سلم أبو حنيفة رحمه اللّه أن هذا الإيجاب يتناول أحدهما بغير عينه وأن غير العين ليس بمحل للعتق في مسألتنا ولكن لا يسلم أنه لا يحتمل التعين بل يقول يحتمله فإن المذكورين لو كانا عبدين له يتناول الإيجاب أحدهما على احتمال التعيين حتى وجب عليه التعيين وأجبر عليه كما في الإقرار ولو لم يكن محتمل كلامه لما أجبر عليه وكذا إذا مات أحدهما أو باع أحدهما يتعين الآخر للعتق فعلم أن التعيين يحتمله وإذا كان كذلك يحمل عليه عند تعذر العمل (٢/٢٢٧) بحقيقته كما في قوله لأكبر سنا منه هذا ابني لأن العمل بالمحتمل أولى من الإلغاء ويلغو ذكر ما ضم إليه وصار كأنه قال لعبده هذا حر وسكت كما إذا أوصى بثلث ماله لحي وميت كانت الوصية كلها للحي بمنزلة ما لو قال ثلث مالي لفلان وسكت وهذا بخلاف عبد الغير لأنه محل لإيجاب العتق ولكنه موقوف على إجازة المالك فلهذا لا يعتق عبده هناك وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما اللّه أنه إذا جمع بين عبده وأسطوانة فقال أحدكما حر عتق عبده لأن كلامه إيجاب للحرية ولو قال هذا حر وهذا لم يعتق عبده لأن هذا اللفظ ليس بإيجاب للحرية بمنزلة قوله لعبده هذا حر أو لا قوله ولهذا الأصل وهو أن أو لإيجاب أحد الشيئين قلنا إذا قال لعبيده الثلاثة هذا حر أو هذا وهذا أنه يخير في الأولين ويعتق الثالث في الحال وكذا الحكم في الطلاق إذا قال هذه طالق أو هذه وهذه وعند الفراء يخير بين الأول وبين الثاني والثالث إن شاء أوقع العتق على الأول وإن شاء على الثاني والثالث ولا يعتق أحد في الحال لأن الجمع بحرف الواو في مختلفي اللفظ كالجمع بكناية الجمع في متفقي اللفظ فصار كأنه قال هذا حر أو هذان ألا ترى أنه لو قال واللّه لا أكلم هذا أو هذا وهذا كان بمنزلة قوله لا أكلم هذا أو هذين حتى أنه إن كلم الأول حنث وإن كلم الآخرين حنث وإن كلم الثاني وحده أو الثالث وحده لم يحنث كذا في الجامع وعلى قياس ما ذكرتم يقتضي أنه لا يحنث إلا بأن يجمع في التكلم بين أحد الأولين وبين الثالث بمنزلة قوله لا أكلم أحد هذين وهذا ولكنا نقول سوق الكلام لإيجاب العتق في أحدهما والعطف لإثبات الشركة فيما سبق له الكلام فصار قوله وهذا معطوفا على المقصود وهو المعتق منهما لا على الأول بعينه ولا على الثاني إذ ليس لكل واحد منهما عينا حظ من الإيجاب فلم يصلح العطف عليه وإنما الحظ ل أحدهما غير عين فصار عطفا عليه كأنه قال أحدكما حر وهذا فأما مسألة اليمين فالقياس فيها ما ذكرنا وهو قول زفر رحمه اللّه ولكنا اخترنا الجواب الذي ذكرنا لأن الثابت بكلمة أو هنا نكرة في موضع النفي فأوجبت العموم على طريق الإفراد فكان تقدير صدر الكلام لا أكلم هذا ولا هذا فلما قال وهذا فقد عطف بواو (٢/٢٢٨) الجمع وقضيتها الجمع فصار جامعا له إلى الثاني بنفي واحد فشارك الثاني وصار كأنه قال لا أكلم هذا ولا هذين والجمع في النفي يوجب الاتحاد في الحنث والتفريق يوجب الافتراق تقول واللّه لا أكلم فلانا وفلانا فلا تحنث حتى تكلمهما وتقول واللّه لا أكلم فلانا ولا فلانا فأيهما كلمته وجب الحنث فلذلك صار الجواب ما ذكرنا كذا في شرح الجامع للمصنف وذكر شمس الأئمة أنه لا وجه لتصحيح ما قاله الفراء لأن خبر المثنى غير خبر الواحد لفظا يقال للواحد حر وللاثنين حران والمذكور في كلامه من الخبر قوله حر وهو لا تصلح خبرا للاثنين ولا وجه لإثبات خبر آخر لأن العطف للاشتراك في الخبر المذكور أو لإثبات خبر مثل الأول لفظا لإثبات خبر آخر مخالفا له لفظا بخلاف مسألة اليمين لأن الخبر المذكور يصلح للمثنى كما يصلح للواحد فإنه يقول لا أكلم هذا لا أكلم هذين فلذلك صار كأنه قال لا أكلم هذا أو هذين ولا يخلو هذا الكلام عن اشتباه والاعتماد على كلام الشيخ قوله بدلالة تقترن أي إنما يحمل على العموم بدليل يقترن بالكلام وقوله فيصير شبيها بواو العطف تفسير لذلك العموم أي يصير حرف شبيها بواو العطف من حيث إن كل واحد من المذكورين مراد من الكلام لا عينه أي عين الواو من حيث إن كل واحد على الانفراد مقصود والاجتماع ليس بحتم فيه بخلاف الواو فبقي فيه شبه الحقيقة من هذا الوجه وهو معنى قول الزجاج إن أو في النهي آكد من الواو لأنك لو قلت لا تطع زيدا وعمرا جاز للمنهي أن يطيع أحدهما ولو قلت لا تطع زيدا أو عمرا لم يجز له أن يطيع أحدهما كما لا يجوز له أن يطيعهما فمن ذلك أي من المذكور يعني من الدلالات المقترنة بها التي تدل على عمومها استعمالها في موضع النفي قال اللّه تعالى ولا تطع منهم آثما أو كفورا أي ولا كفورا فحرم على النبي عليه السلام طاعتهما جميعا ولكن بصفة الانفراد فإن قيل كانوا كلهم كفرة فما معنى القسمة في قوله آثما أو كفورا قلنا معناه ولا تطع منهم راكبا لما هو إثم داعيا لك إليه أو فاعلا لما هو كفر داعيا لك إليه لأنهم إما أن يدعوه إلى مساعدتهم إلى فعل هو إثم أو كفر أو غير إثم ولا كفر فنهي أن يساعدهم على الاثنين دون الثالث وقيل الآثم عتبة والكفور الوليد لأن (٢/٢٢٩) عتبة كان ركابا للمأثم متعاطيا لأنواع الفسوق وكان الوليد غالبا في الكفر شديد الشكيمة في العتو كذا في الكشاف وإنما يعم في النفي لأن أو لما تناول أحد المذكورين غير عين كان من ضرورة صدق الكلام إذ نفاه انتفى الجميع إن كان خبرا كما مر تحقيقه وإن كان نهيا وليس في وسع العبد الانتهاء عن أحدهما غير عين كان من ضرورة حصول الانتهاء عن المنهي عنه وجوب الانتهاء عنهما ولهذا عمت في الإباحة أيضا لأنه لما أطلق المجالسة مثلا في قوله جالس الفقهاء أو المحدثين مع أحد الفريقين ومجالسة أحدهما غير عين لا يتصور ثبت العموم ضرورة تمكنه من العمل بحكم الإطلاق قوله حتى إذا كلم أحدهما يحنث بخلاف الواو فإنه في قوله وفلانا لا يحنث ما لم يكلمهما ولو كلمهما لم يحنث إلا مرة واحدة كما في الواو وكأنه جواب سؤال وهو أن يقال لما دخل كلام كل واحد منهما في اليمين على سبيل الانفراد ينبغي أن يكون يمينين فيحنث بالكلام معهما مرتين فقال لا يكون كذلك لأن تعدد الحنث بتعدد هتك حرمة اسم اللّه تعالى ولم يوجد إلا هتك واحد وقوله ولا خيار له في ذلك بيان العموم يعني لو لم يكن للعموم بقي له الخيار كما في قوله لأكلمن اليوم فلانا أو فلانا فإن له أن يختار تكلم أحدهما للبر ولا يجب عليه التكلم مع الآخر ولو قال لا أكلم اليوم فلانا أو فلانا ليس له أن يختار الامتناع عن تكلم أحدهما مقتصرا عليه بل يجب عليه الامتناع عن تكلمهما جميعا قوله لو استعمل هذا أي الحرف أو في الإيلاء بأن قال لا أقرب هذه أو هذه أربعة أشهر يصير موليا منهما حتى لو لم يقربهما في المدة بانتا جميعا فإن قيل لما كانت كلمة أو لأحد المذكورين كان هذا بمنزلة قوله لا أقرب أحديكما كما في قوله هذه طالق أو هذه ولو قال واللّه لا أقرب أحديكما كان موليا من أحديهما لا منهما جميعا وإن كان في موضع النفي حتى لو مضت المدة ولم يقربهما بانت أحديهما والخيار إليه في التعيين والمسألة في إيمان الجامع فينبغي أن لا يتعمم ههنا أيضا (٢/٢٣٠) قلنا كان القياس في تلك المسألة أن يكون موليا منهما أيضا لأن إحدى كلمة تنبئ عن غير المعينة فكانت في معنى النكرة وقد وقعت في موضع النفي فيوجب التعميم كما لو قال واللّه لا أقرب واحدة منكما إلا أنها كلمة خاصة صيغة ومعنى لأنها لا تعم بسائر دلائل العموم فكذا بوقوعها في موضع النفي ألا ترى أنه لا تدخل عليها كلمة الإحاطة والعموم فلا يقال كل أحديكما وأنها لا توصل بكلمة التبعيض فلا يقال إحدى منكما فكانت في حكم المعارف فلا يتحقق فيها التعميم بالنفي أيضا بخلاف كلمة أو فإنها توجب العموم في موضع الإباحة فكذلك توجبه في موضع النفي وبخلاف الواحدة فإنها تعم بكلمة الإحاطة فكذلك بالنفي كذا في شرح الجامع للمصنف رحمه اللّه على ما سبق أي في باب ألفاظ العموم أن النفي من دلائل العموم في النكرة لما أن الإفراد أصلها لأنها في الأصل لتناول أحد المذكورين والعموم إنما يثبت فيه بعارض يقترن به وليس من ضرورة العموم الاجتماع بل يثبت العموم بصفة الإفراد أيضا كما في كلمة كل وكلمة من وهو أقرب إلى الحقيقة فيجب القول به رعاية للحقيقة بقدر الإمكان قوله ومن ذلك إذا استعملت في موضع الإباحة أي من القرائن التي تدل على عمومها استعمالها في موضع الإباحة لأن الإباحة دليل العموم لما ذكرنا أن الإباحة هي الإطلاق ورفع المانع وذلك في شيء غير معين يوجب العموم ضرورة التمكن من العمل به فإذا قيل جالس الفقهاء أو المحدثين يفهم منه جالس أحد الفريقين أو كليهما إن شئت ألا ترى إلى قوله تعالى وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم أن الاستثناء لما كان من التحريم حتى أوجب الإباحة تثبت الإباحة في جميع هذه الأشياء كما ثبتت في كل واحد منها وإلى قوله عز اسمه ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن الآية أن الاستثناء لما كان موجبا للإباحة جاز لهن إبداء مواضع الزينة لجميع المستثنيين كما جاز ذلك لكل واحد منهم فعرفنا أن موجبها في الإباحة العموم بمنزلة واو العطف (٢/٢٣١) قال الإمام عبد القاهر إن أو في قولك جالس الحسن أو ابن سيرين للإباحة ومعناه أبحت لك هذا النوع وهو بمنزلة الواو من وجه ومفارق له من وجه آخر أما موافقته للواو فمن حيث إن مجالستهما جميعا مما لا يكون فيه عصيان كما أنك إذا قلت جالس الحسن وابن سيرين كان كذلك وأما مفارقته للواو فهو أنه لو جالس واحدا منهما ولم يجالس الآخر كان جائزا ولو قال جالس الحسن وابن سيرين لم يجز إلا أن يجالس كل واحد منهما فأو يفيد إباحة الجمع والواو يوجبه قوله وفرق ما بين الإباحة والتخيير أي الفرق بين وقوع هذه الكلمة في موضع الإباحة وبين وقوعها في موضع التخيير أن الجمع بين الأمرين في الإباحة يجوز كما ذكرنا وفي التخيير لا يجوز ففي قولك اضرب زيدا أو عمرا لو ضربهما جميعا لم يجز ولو جمع بين خصال الكفارة كان ممتثلا بأحدها لا بالجميع لأنها لا يوجب العموم في موضع التخيير قوله وإنما يعرف الإباحة من التخيير بحال تدل عليه أي على أحد الأمرين وفي بعض النسخ عليها أي على الإباحة وعلى هذا أي على أن الإباحة عرفت بدلالة الحال قال أصحابنا أنها توجب العموم في هذه الأمثلة المذكورة لأن صدر الكلام في قوله لا أكلم أحدا وقوله لا أقربكن للحظر والاستثناء من الحظر إباحة فكانت كلمة أو في قوله إلا فلانا أو فلانا وإلا فلانة أو فلانة واقعة في موضع الإباحة فأوجبت العموم كما في قوله لا آكل طعاما إلا خبزا أو لحما كان له أن يأكلهما فكذلك ههنا قال الشيخ في شرح الجامع الاستثناء نفي في اللغة ولكنه إن كان من الإثبات كان نفيا وإن كان من النفي كان إثباتا لأن نفي النفي إثبات والنفي من دلالات العموم فيعم بهذه الدلالة أيضا وكذا في قوله قد برئ فلان من كل حق لي قبله يوجب حط الدعوى في جميع الحقوق فكان قوله إلا دراهم أو دنانير استثناء من الحظر معنى فيصلح دلالة على العموم قوله وقال محمد إلى آخره ذكر محمد رحمه اللّه في شروط الأصل إذا أراد (٢/٢٣٢) الرجل أن يشتري دارا كتب هذا ما اشترى فلان بن فلان وساق الكلام إلى أن قال اشتراها بحدودها ومرافقها وطريقها وكل قليل وكثير هو فيها أو منها وكل حق هو فيها داخل فيها وخارج منها بكذا كذا درهما قال شمس الأئمة ثم في هذا الكتاب يعني كتاب الشروط يقول بكل قليل وكثير وفي كتاب الوقف والشفعة قال بكل قليل أو كثير والذي ذكر ههنا أحسن لأن أو للشك وإنما يدخل عند ذكر حرف أو أحد المذكورين لا كلاهما فأشار الشيخ إلى أنهما سواء لأنها توجب العموم ههنا لأنها للإباحة في هذا الموضع إذ الأصل حرمة التصرف في حق الغير وهذا الكلام لإطلاق التصرف في الحقوق وإباحته فلذلك أوجبت العموم وهو معنى قوله على معنى الإباحة أي ذكر هذا اللفظ على معنى إباحة التصرف ومعناه بكل شيء منه أي من المبيع قليلا كان أو كثيرا فيوجب العموم ضرورة ألا ترى أن هذا الكلام يذكر على سبيل المبالغة في إسقاط حق البائع عن المبيع وعما هو متصل به حتى دخل فيه الثمرة والزرع وكذا يدخل فيه الأمتعة إن كان قال أو فيها ولذلك قال أبو يوسف لا يكتب هذا اللفظ يعني قوله بكل قليل أو كثير لأنه إذا كتب هذا دخل فيه الأمتعة الموضوعة فيها لأن ذلك كله مما يحتمل البيع وقال محمد أرى أن يقيد ذلك الكتاب فيقول هو فيها أو منها من حقوقها وإذا كان كذلك كان حرف أو مساويا للواو في هذا الموضع ولا يقال لو ثبت الملك للمشتري في الطريق والشرب بطريق الإباحة لأمكن للبائع الرجوع فيها لأنا نقول لا يمكن الرجوع لأنها يثبت في ضمن عقد لازم وهو البيع فأعطى لها حكم المتضمن في اللزوم قوله وكذلك داخل فيها أو خارج يعني أو للعموم في هذا الكلام كهو في الكلام الأول فكان مساويا للواو قال الطحاوي المختار عندنا أن يكتب بكل حق هو لها داخل فيها وكل حق هو لها خارج منها لأنه إذا قال وخارج منها فإنما يتناول هذا شيئا واحدا منعوتا بالنعتين جميعا وهذا لا يتصور والمشروط في العقد بنعتين لا يدخل في العقد بأحد النعتين خاصة فالأحسن أن يقول بكل حق هو لها داخل فيها وكل حق هو لها خارج منها بخلاف قوله وكل قليل وكثير لأن القليل جزء من الكثير فلا حاجة إلى أن يقول وكل قليل وكل كثير وههنا الحقوق الداخلة غير الحقوق الخارجة فلهذا يذكرهما (٢/٢٣٣) جميعا على نحو ما بينا ويمكن أن يجاب عما ذكر الطحاوي بأنه لما لم يتصور اجتماع الوصفين بشيء واحد اقتضى الكلام إضمار منعوت آخر بدلالة العطف كما في قولك جاء زيد وعمرو لما لم يتصور اشتراكهما في مجيء واحد اقتضى إعادة الفعل حتى كان التقدير جاء زيد جاء عمرو فلا يحتاج إلى التكلف المذكور قوله وإن دخلت في الابتداء أوجبت التخيير يعني كان له أن يختار أحد المذكورين تحقيقا لموجب الكلام حتى كان له في قوله واللّه لأدخلن هذه الدار اليوم أو لأدخلن هذه الدار أن يختار دخول أيهما شاء للبر ولا يشترط دخولهما لأنه التزم دخول أحديهما فلو لم يبر بدخول أحديهما لصار ملتزما دخولهما وليس ذلك موجب هذه الكلمة في الإثبات فأما في النفي بأن قال واللّه لا أدخل هذه الدار أو لا أدخل هذه الدار فلا يوجب التخيير حتى لا يكون له أن يختار عدم دخول إحدى الدارين للبر بل يوجب العموم على سبيل الإفراد حتى يشترط للبر عدم دخولهما جميعا ويحنث بدخول أيتهما وجد إذ لو لم يحنث بدخول أحديهما لصارت اليمين واقعة عليهما جميعا وذلك باطل كذا في شروح الجامع فتبين بما ذكرنا أن قوله وإن دخلت في الابتداء أوجبت التخيير مختص بحالة الإثبات وأن قوله أن له الخيار حكم المسألة الأولى دون الثانية قوله ولها أي لهذه الكلمة وجه آخر ههنا أي معنى آخر في الأفعال لا يوجد ذلك في الأسماء وهو أن يجعل بمعنى حتى أو إلا أن اعلم أن أو حرف عطف كما مر بيانه فإذا وجد الفعل بعده منصوبا من غير أن يوجد معطوف عليه منصوب كقولك لألزمنك أو تعطيني حقي فذلك بإضمار أن كأنك قلت لألزمنك أو أن تعطيني حقي وذلك أنك لو قلت لألزمنك أو تعطيني بالرفع عطفا على الأول لكنت قد أثبت الإعطاء كما أثبت اللزوم ولم تقدر أن اللزوم لأجل الإعطاء ونزول قولك منزلة قول الرجل اضرب زيدا أو عمرا فلما كان القصد أن اللزوم لأجل الإعطاء حتى كأنه قيل لألزمنك لتعطيني وجب إضمار أن ليعلم أن الثاني لم يدخل في حكم الأول وقدر ما قبل أو تقدير المصدر كأنه قيل ليكونن لزوم مني أو إعطاء منك وينزل الكلام منزلة قولك لألزمنك إلى أن تعطيني وحتى تعطيني ويكون حرف الجار أعني إلى أو حتى داخلا على الاسم في المعنى لا على الفعل وإن جعلت أو بمعنى إلا وجب إضمار أن أيضا لأن الاستثناء حينئذ من عام الظرف الزماني (٢/٢٣٤) فيلزم أن يكون المثنى ظرفا زمانيا أيضا ولا يمكن ذلك إلا إذا كان ما بعد إلا مصدرا مضافا إليه الزمان على نحو إلا وقت إعطائك فوجب إضمار أن ليكون المضارع في تقدير المصدر وكان المعنى لزومي إياك واقع في كل الأوقات إلا وقت إعطائك وموضع ذلك أي موضع أن يجعل أو بمعنى حتى أو إلا أن أن يفسد العطف لاختلاف الكلام بأن يكون أحدهما اسما والآخر فعلا أو يكون أحدهما ماضيا والآخر مستقبلا ويحتمل ضرب الغاية بأن كان محتملا للامتداد وذلك أي الموضع الذي جعل أو فيه بمعنى حتى أو إلا أن مثل قوله تعالى ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم فإن أو هنا بمعنى حتى أو إلا أن في بعض الأقاويل ومعناه على هذا القول ليس لك من الأمر في عذابهم أو استصلاحهم شيء حتى يقع توبتهم أو تعذيبهم وما عليك إلا أن تبلغ الرسالة وتجاهد حتى تظهر الدين وذلك لأن العطف لما لم يحسن لأن قوله أو يتوب إما إن كان معطوفا على شيء أو ليس على هذا القول فيلزم عطف الفعل على الاسم أو المستقبل على الماضي سقطت حقيقته أي حقيقة أو ووجب العمل بمجازه فاستعير لما يحتمله وهو الغاية لأن معنى أو يناسب معنى الغاية لأنه لما تناول أحد المذكورين كان تعيين كل واحد منهما باعتبار الخيار قاطعا لاحتمال الآخر وهذا يناسب معنى الغاية وكذا يناسب معنى الاستثناء لما قلنا فلذلك جعل بمعنى حتى أو إلا وذكر في الكشاف أن قوله تعالى أو يتوب عليهم عطف على ما قبله و ليس لك من الأمر شيء اعتراض والمعنى أن اللّه تعالى مالك أمرهم فإما أن يهلكهم أو يهزمهم أو يتوب عليهم إن أسلموا أو يعذبهم إن أصروا على الكفر وليس لك من أمرهم شيء إنما أنت عبد مبعوث لإنذارهم ومجاهدتهم وقيل أو يتوب منصوب بإضمار أن وأن يتوب في حكم اسم معطوف بأو على الأمر أو على شيء أي ليس لك من أمرهم شيء أو من التوبة عليهم أو من تعذيبهم أو ليس لك من أمرهم شيء أو التوبة عليهم أو تعذيبهم وقيل أو بمعنى إلا أن كقولك لألزمنك أو تعطيني حقي على معنى ليس لك من أمرهم شيء إلا أن يتوب اللّه عليهم فتفرح بحالهم أو تعذيبهم فيتشفى منهم (٢/٢٣٥) قوله والكلام يحتمله أي تقبل معنى الغاية لأنه للتحريم فإنه روي في سبب نزول الآية أن النبي صلى اللّه عليه وسلم استأذن أن يدعو عليهم فنهي عن ذلك وروي أنه لما شج وجهه عليه السلام يوم أحد سأله أصحابه أن يلعنهم ويدعو بهلاكهم فقال عليه السلام ما بعثني اللّه لعانا ولا طعانا ولكن بعثني داعيا ورحمة اللّهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون فنزلت الآية ونهي عن سؤال الهداية لهم فلما كان الكلام للتحريم كان محتملا للغاية وهذا كثير في كلام العرب يعني أو بمعنى حتى وإلا أن كثير في كلامهم مثل قول امرئ القيس بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنا لاحقان بقيصرا فقلت له لا تبك عينك إنما نحاول ملكا أو نموت فنعذرا ومثل قول الآخر لا أستطيع نزوعا عن مودتها أو يصنع البين بي غير الذي صنعا قوله وعلى هذا أي على أن أو يحتمل معنى الغاية قال أصحابنا إذا قال واللّه لا أدخل هذه الدار أو أدخل هذه الدار الأخرى أن أو في هذه المسألة بمعنى حتى فيحنث بدخول الأولى أولا وإن دخل الأخرى أولا بر في يمينه لأنه لما لم يكن بين النفي والإثبات ازدواج تعذر العطف والكلام يحتمل الغاية لأنه تحريم فتركت الحقيقة وحملت على الغاية مجازا فإذا دخل الأولى قبل الأخرى فقد باشر المحظور بيمينه فحنث وإذا دخل الثانية أولا فقد أصر على البر إلى وجود الغاية فصار بارا كما لو قال واللّه لا أدخلها اليوم فلم يدخل حتى غربت الشمس كذا ذكر في عامة شروح الجامع إلا أن تعذر العطف باعتبار النفي والإثبات غير مسلم عند النحاة فإن النفي يعطف على الإثبات وعلى العكس يقال جاءني زيد وما جاءني عمرو وما رأيت عمرا لكن رأيت بشرا قال اللّه تعالى الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم فالأولى أن يقال تعذر العطف باعتبار عدم تقدم فعل منصوب يعطف الثاني عليه حتى لو قال أو أدخل بالرفع ينبغي أن يصح العطف ويثبت التخيير أو يقال تعذره باعتبار أن الفعل المضارع مع أن في حكم الاسم وانتصابه ههنا لا يصح إلا بإضمار أن فيلزم منه عطف الاسم على الفعل وهو فاسد فلذلك جعل بمعنى الغاية (٢/٢٣٦) وقوله والغاية صالحة احتراز عن قوله واللّه لا أدخل هذه الدار أبدا أو لأدخلن هذه الدار الأخرى اليوم فإن أو في هذه المسألة ليس بمعنى الغاية لأنه وإن جمع بين النفي والإثبات والازدواج بينهما لكن النفي مؤبد والإثبات موقت والموقت لا يصلح غاية للمؤبد لأن المؤبد لا ينتهي إلا بالموت وإذا تعذر جعله غاية وجب العمل بالتخيير فيصير ملتزما الكفارة بإحدى اليمينين كأنه قال إن حنثت في هذه اليمين أو في هذه اليمين فعلي كفارة وشرط الحنث في اليمين الأولى الدخول في الدار الأولى وفي الثانية ترك الدخول في الدار الثانية في اليوم فإذا دخل الأولى حنث في اليمين الأولى وبطلت اليمين الثانية لأنه خير نفسه في التزام الحنث بإحدى اليمين فإذا لزمه الحنث بأحديهما بطلت الأخرى كما لو قال لامرأته أنت طالق إن دخلت هذه الدار أو لم أدخل هذه الدار اليوم فحنث في أحدهما لزمه جزاؤه وبطل الآخر ولو لم يدخل الأولى ودخل الدار الثانية اليوم بر في اليمين الثانية وبطلت الأولى لأنه اختار يمين الإثبات وإن لم يدخلهما حتى مضى اليوم حنث في الثانية لأن شرط البر فيها الدخول في الدار الثانية في اليوم وقد فات فيحنث فيها وتبطل الأولى لما قلنا كذا في شرح الجامع لشمس الإسلام الأوزجندي رحمه اللّه (٢/٢٣٧) |