باب العام إذا لحقه الخصوصاعلم أن التخصيص لغة تمييز بعض الجملة بحكم ولهذا يقال خص فلان بكذا وفي اصطلاح هذا العلم اختلفت عبارات الأصوليين فيه فقيل تخصيص العموم بيان ما لم يرد باللفظ العام وقيل هو إخراج ما تناوله الخطاب عنه وقيل هو تعريف أن المراد باللفظ الموضوع للعموم إنما هو الخصوص وقيل هو قصر العام على بعض مسمياته وفي كل هذه العبارات كلام والحد الصحيح على مذهبنا أن يقال هو قصر العام على بعض أفراده بدليل مستقل مقترن واحترزنا بقولنا مستقل عن الصفة والاستثناء ونحوهما إذ لا بد عندنا للتخصيص من معنى المعارضة وليس في الصفة ذلك ولا في الاستثناء لأنه لبيان أنه لم يدخل تحت الصدر ولهذا يجري الاستثناء حقيقة في العام والخاص ولا يجري التخصيص حقيقة إلا في العام ولهذا لا يتغير موجب العام باستثناء معلوم بالاتفاق ويتغير باستثناء مجهول بلا خلاف وبقولنا مقترن عن الناسخ فإنه إذا تراخى دليل التخصيص يكون نسخا لا تخصيصا وستقف على حقيقة الكل بعد إن شاء اللّه تعالى ثم التخصيص يجوز في جمع ألفاظ العموم أمرا كان أو نهيا أو خبرا وذهب شذوذ لا يؤبه بهم إلى امتناعه في الخبر كامتناع النسخ فيه ولأنه يوهم الكذب وهذا ضعيف لأن اللفظ لما احتمل في نفسه التخصيص كان قيام الدلالة عليه رافعا للوهم والتخصيص ليس من النسخ في شيء كيف وقد وقع التخصيص في الخبر في كتاب اللّه تعالى كما وقع في (١/٤٤٨) الأمر والنهي قال اللّه تعالى ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم وأوتيت من كل شيء وقد أتت تلك الريح على الجبال والأرض ولم تجعلهما كالرميم وتلك المرأة لم تؤت كل الأشياء وإذا عرفت هذا فاعلم أن الأصوليين اختلفوا في العام المخصوص في فصلين أحدهما أن العام بعد التخصيص هل يبقى عاما في الباقي بطريق الحقيقة أم يصير مجازا والثاني أنه هل يبقى حجة بعد التخصيص أم لا أما الأول فقد قيل الاختلاف فيه مبني على أن الشرط في العام الاستيعاب أم نفس الاجتماع فمن شرط فيه الاجتماع دون الاستغراق قال إنه يبقى حقيقة في العموم بعد التخصيص إلى أن ينتهي التخصيص إلى ما دون الثلاثة فحينئذ يصير مجازا ومن قال شرطه الاستيعاب قال يصير مجازا بعد التخصيص وإن خص منه فرد واحد لأن الكل ينتفي بانتفاء جزئه فلا يبقى عاما ضرورة فعلى قول من جعله مجازا لا يصح الاستدلال بعمومه بعد التخصيص لأنه لم يبق عاما وقيل بل هي مسألة مبتدأة سواء كان شرطا لعموم الاجتماع أو الاستيعاب لأن عامة شارطي الاستيعاب جعلوه حقيقة في الباقي بعد التخصيص وذهب بعض من شرط الاستيعاب إلى اجتماع جهة الحقيقة وجهة المجاز فيه فمن حيث إنه تناول بقية المسميات كما تناول قبل التخصيص كان حقيقة فيها ومن حيث إنه اختص بها وقصر عما عداها كان مجازا وفي أقوال هذا الفصل كثرة تعرف شرحها وبيان وجوهها في غير هذا الكتاب أما الفصل الثاني وهو الذي عقد الباب لبيانه فنقول اختلف الأصوليون في كون العام المخصوص منه حجة فذهب الشيخ أبو الحسن الكرخي وأبو عبد اللّه الجرجاني وعيسى بن أبان في رواية وأبو ثور من متكلمي أهل الحديث وغيرهم إلى أنه لا يبقى (١/٤٤٩) حجة بعد التخصيص بل يجب التوقف فيه إلى البيان سواء كان المخصوص معلوما كما يقال اقتلوا المشركين ولا تقتلوا أهل الذمة أو مجهولا كما لو قيل اقتلوا المشركين ولا تقتلوا بعضهم إلا أنه يجب به أخص الخصوص إذا كان معلوما وقال عامتهم إن كان المخصوص مجهولا يسقط حكم العموم حتى لا يبقى حجة فيما بقي ويتوقف فيه إلى البيان وإن كان معلوما بقي العام فيما وراءه على ما كان ثم من قال منهم إن موجبه قطعي قبل التخصيص يبقى عنده قطعيا حتى لا يجوز تخصيصه بالقياس وخبر الواحد ومن قال منهم إن موجبه ظني يبقى عنده ظنيا وحاصل هذا القول أن تخصيص المعلوم لا يؤثر في العام أصلا وذهب بعضهم إلى أن المخصوص إن كان معلوما يبقى العام بعد التخصيص فيما وراءه على ما كان وإن كان مجهولا يسقط دليل الخصوص ويبقى العام موجبا حكمه في الكل كما كان قبل لحوق دليل الخصوص به وإلى هذا القول مال الشيخ أبو المعين في طريقته وفيه أقوال أخر صفحنا عن ذكرها كما أعرض المصنف عنها قوله بعامة العمومات أي بأكثرها ما دون ثمن المجن خص من الآية وذلك مجهول ولهذا وقع الاختلاف فيه فقيل ربع دينار وقيل ثلاثة دراهم وقيل عشرة دراهم وخص الربا وهو مجهول لأنه مجمل وبعدما التحق خبر الأشياء الستة بيانا به لم تزل الجهالة عنه بالكلية لأنه ثبت به أن الربا يجري في الأشياء الستة ولم يثبت أنه مقتصر عليها ولهذا قال بعض الصحابة رضي اللّه عنهم خرج النبي عليه السلام من الدنيا ولم يبين لنا أبواب الربا وإذا بقيت الجهالة لا يجوز التمسك عندهم بقوله تعالى وأحل اللّه البيع وكذلك أي وكآية السرقة والبيع نصوص الحدود وهي قوله تعالى الزانية والزاني والسارق والسارقة والذين يرمون المحصنات الشيخ والشيخة إذا زنيا لأن مواضع الشبهة منها مخصوصة بقوله عليه (١/٤٥٠) السلام ادرءوا الحدود ما استطعتم ادرءوا الحدود بالشبهات وقد تلقته العلماء بالقبول فيجوز التخصيص به وفيه أي فيما خص وهو مواضع الشبهة ضرب جهالة أي لا يعرف أية شبهة تعتبر ولهذا اختلفوا فيها ولو كان معلوما ظاهرا لما وقع الاختلاف فيه وعلى القول الثالث يصح الاحتجاج بكل عام سواء خص منه شيء أو لم يخص ولم يذكره الشيخ لظهوره قوله والصحيح من مذهبنا إلى آخره والدليل على أن المذهب ما ذكر الشيخ أن أبا حنيفة رحمه اللّه استدل على فساد البيع بالشرط بنهي النبي صلى اللّه عليه وسلم عن بيع وشرط وهذا عام دخله خصوص فإن شرط الخيار قد خص منه واحتج على استحقاق الشفعة بالجوار بقوله عليه السلام الجار أحق بصقبه وهذا عام قد دخله خصوص فإن الجار عند وجود الشريك لا يكون أحق بصقبه واستدل محمد على عدم جواز بيع العقار قبل القبض بنهيه عليه السلام عن بيع ما لم يقبض وقد خص منه بيع المهر قبل القبض وبيع الميراث قبل القبض وبيع بدل الصلح وأبو حنيفة رحمه اللّه خص هذا العام بالقياس فعرفنا أنه حجة للعمل من غير أن يكون موجبا قطعا لأن القياس لا يكون موجبا قطعا فكيف يصلح معارضا لما يكون موجبا قطعا كذا ذكر شمس الأئمة رحمه اللّه وما ذكر يصلح دليلا على المذهب في المخصوص المعلوم لا في المجهول إذ ليس فيما ذكر مخصوص مجهول إلا أن القاضي الإمام أبا زيد ذكر في التقويم والذي ثبت عندي من مذهب السلف أنه يبقى على عمومه بعد التخصيص في الفصلين جميعا ولكن غير موجب للعلم قطعا فروي المذهب في الفصلين فيثبت المذهب به (١/٤٥١) قوله إجماع السلف على الاحتجاج بالعموم أي بالعام الذي خص منه فإن فاطمة احتجت على أبي بكر رضي اللّه عنهما في ميراثها من أبيها بعموم قوله تعالى يوصيكم اللّه في أولادكم الآية مع أن الكافر والقاتل وغيرهما خصوا منه ولم ينكر أحد من الصحابة احتجاجها به مع ظهوره وشهرته بل عدل أبو بكر رضي اللّه عنه في حرمانها إلى الاحتجاج بقوله عليه السلام نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة وعلي رضي اللّه عنه احتج على جواز الجمع بين الأختين بملك اليمين بقوله تعالى أو ما ملكت أيمانهم فقال أحلتهما آية مع كون الأخوات والبنات مخصوصة منه وكان ذلك مشهورا فيما بين الصحابة ولم يوجد له نكير وكذا الاحتجاج بالعمومات المخصوص منها مشهور من الصحابة ومن بعدهم بحيث يعد إنكاره من المكابرة فكان إجماعا قوله وذلك دون خبر الواحد أي العام المخصوص منه من الكتاب والسنة المتواترة دون خبر الواحد في الدرجة لأن القياس لا يصلح معارضا لخبر الواحد عندنا حتى رجحنا خبر القهقهة على القياس ورجحنا خبر الأكل ناسيا في الصوم على القياس ورجح أبو حنيفة رحمه اللّه خبر النبيذ على القياس ثم إنه يصلح معارضا للعام المخصوص منه حتى صح تخصيصه به بالإجماع والتخصيص به إنما يكون بطريق المعارضة من حيث الصيغة كما ستعرف وهو معنى قوله حتى صحت معارضته بالقياس فكان هذا العام دون خبر الواحد ضرورة قوله أما الكرخي احتج أبو الحسن الكرخي ومن وافقه بأن المخصوص إذا كان مجهولا أوجب تخصيصه جهالة في الباقي لأن أي فرد عين من الباقي لإثبات موجب الكلام فيه يحتمل أن يكون هو المخصوص منه وهذا لأن دليل الخصوص بمنزلة دليل الاستثناء في الحكم وإن فارقه في الصيغة لأنه يبين أنه لم يدخل تحت الجملة كالاستثناء يبين أن المستثنى لم يدخل تحت المستثنى منه ولهذا عد عامة الأصوليين الاستثناء من باب (١/٤٥٢) التخصيص ولهذا لا يكون دليل الخصوص إلا مقارنا كالاستثناء حتى لو كان طاريا يكون دليل النسخ لا دليل الخصوص وإذا صار كالاستثناء أوجب جهالته جهالة الباقي كاستثناء المجهول بأنه يوجب جهالة في المستثنى منه بالإجماع حتى لو قال لفلان علي ألف إلا شيئا يتوقف فيه إلى البيان وإذا صار مجهولا لم يصلح حجة بنفسه كالمجمل بل يجب التوقف فيه إلى تبين المراد وأما إذا كان المخصوص معلوما فكذلك لأنه يحتمل أن يكون معلولا لاستقلاله وإفادته بنفسه إذ هو لا يفتقر في إفادته إلى صدر الكلام وهذا هو الظاهر لأن الأصل في النصوص التعليل والدلائل التي يوجب كونها معلولة لا تفصل بين نص ونص وعلى تقدير التعليل لا يدرى أي قدر من الباقي يصير مخصوصا وهو المراد من قوله مستثنى فيوجب جهالة الباقي أيضا وصار كما لو خصص منه بعض معلوم وبعض آخر مجهول بخلاف استثناء المعلوم لأن دليل الاستثناء لا يقبل التعليل لعدم استقلاله بنفسه فلا يوجب استثناء المعلوم جهالة الباقي فيبقى على ما كان قبل الاستثناء قطعا كما لو رفع من عشرة خمسة يبقى الباقي خمسة قطعا ولأن العام بعد التخصيص يصير مجازا وجهات المجاز متعددة لأنه اشتمل على جموع كثير ويمتنع الحمل على الكل لما فيه من تكثر جهات التجوز وليس حمله على إحداها أولى من الحمل على غيرها لعدم دلالة اللفظ عليها فكان مجملا فيجب التوقف فيه أيضا قوله ووجه القول الثاني احتج الذين فرقوا بين تخصيص المعلوم والمجهول بأن تخصيص المعلوم بدليل مستقل بمنزلة الاستثناء لأنه يبين أن المراد به ما بعده وأن القدر المخصوص لم يدخل تحته كالاستثناء وقد بينا أن استثناء المجهول يوجب التوقف إلى البيان فكذا تخصيصه أما استثناء المعلوم فلا يوجب خللا في الباقي بوجه (١/٤٥٣) فكذلك تخصيصه لا يوجب خللا فيه فيبقى على ما كان قبله قطعيا عند بعضهم وظنيا عند آخرين قالوا ولا معنى لما قال الفريق الأول إنه محتمل للتعليل لأنه إذا كان بمنزلة الاستثناء لم يحتمل التعليل فإن المستثنى معدوم على معنى أنه لم يكن مرادا بالكلام أصلا والعدم لا يعلل ولا لما ادعوا أنه يصير مجازا لأن المجاز ما يكون معدولا عن موضوعه وهذه الصيغة ليست كذلك لأنها تتناول الباقي بعد التخصيص كما تتناوله قبله ولئن سلمنا أنه يصير مجازا لا نسلم أنه يصير مجملا لأنه ظهر بالدليل أنه أريد به ما وراء المخصوص كله لا بعضه وهو ما ذكرنا من احتجاج الصحابة بالعمومات المخصصة فيما وراء صورة التخصيص فيوجب الحكم فيما بقي على سبيل العموم وقولهم يحتمل أنه أريد به بعض ما وراء المخصوص قلنا هذا الاحتمال لا يستند إلى دليل فلا يعتبر كاحتمال المجاز في الخاص قوله ووجه القول الآخر احتج الفريق الثالث بأن التخصيص لا يكون إلا بدليل مستقل متصل يتناول بعض ما يتناوله العام على خلاف موجبه بحيث لو تأخر كان ناسخا فإذا كان مقارنا كان بيانا وإذا كان كذلك لم يتغير به صيغة الكلام الأول إذا كان مجهولا لأن المجهول لا يصلح دليلا فلا يصلح معارضا للدليل كما في النسخ فإنه لو طرأ المجمل على ظاهر ناسخا لم يثبت به النسخ حتى يتبين المراد وقد بينا أن العام موجب الحكم فيما تناوله قطعا بمنزلة الخاص فيما يتناوله فإذا لم تستقم المعارضة لكون المعارض مجهولا سقط دليل الخصوص وبقي حكم العام على ما كان في جميع ما تناوله وهذا بخلاف الاستثناء فإنه داخل على صيغة الكلام وصار بمنزلة وصف قائم بالأول لعدم انفصاله عنه وعدم استقلاله بنفسه ألا ترى أنه لا يستقيم بدون أصل الكلام فإن قول القائل إلا زيدا لا يفيد شيئا فإذا كان داخلا على صيغة الكلام واعتبر الاستثناء مع (١/٤٥٤) المستثنى منه كلاما واحدا أوجب الجهالة في الاستثناء جهالة في المستثنى منه فيصير الأصل مجهولا مجملا فلا يجب العمل به قبل البيان قوله ودليل ما قلنا أي ما ذكرنا من المذهب الصحيح من حيث المعقول بعدما ذكرنا من إجماع السلف لأن دليل الخصوص يشبه الاستثناء بحكمه من حيث إنه يبين أن المراد إثبات الحكم فيما وراء المخصوص لا أن يكون المراد رفع الحكم عن المخصوص بعد أن كان ثابتا ثم استوضح ذلك بقوله ألا ترى أنه لا يكون إلا مقارنا يعني شرط فيه المقارنة حتى لو كان طارئا يجعل نسخا لا خصوصا وليس اشتراط المقارنة إلا لتحقق شبهه بالاستثناء من حيث إنه بيان مغير ويشبه الناسخ بصيغته من حيث إنه كلام مستقل بنفسه مفيد للحكم وإن لم يتقدم صيغة العام وحكم الناسخ أنه لا يعمل في الأول إذا كان ما تناوله مجهولا بل يمتنع العمل به ولو كان معلوما يعمل به وحكم الاستثناء أنه إذا كان مجهولا لا يوجب جهالة المستثنى منه وإذا كان معلوما يبقى الباقي على ما كان قطعا فلم يجز إلحاقه أي إلحاق دليل الخصوص ب أحدهما بعينه أي بالاستثناء عينا من غير اعتبار معنى النسخ فيه ولا بالناسخ عينا من غير اعتبار معنى الاستثناء فيه لأن في الإلحاق ب أحدهما عينا إبطال الشبه الآخر بل وجب اعتباره أي اعتبار دليل الخصوص في كل باب أي في كل نوع من المخصوص المعلوم والمجهول بنظيره في ذلك الباب وهو الناسخ والاستثناء لأن الأصل فيما تردد بين شيئين وأخذ حظا معتبرا من كل واحد منهما أنه يعتبر بهما كالفم لما أخذ حظا من الظاهر وحظا من الباطن اعتبر بهما في مسألة القيء على ما عرف وكصدقة الفطر لما كانت مشتملة على معنى القربة والمؤنة اعتبر كل واحد منهما ولم يكتف ب أحدهما وكذا الكفارة فكذلك ههنا يعتبر دليل الخصوص في المخصوص المعلوم بالاستثناء المعلوم والناسخ والمعلوم وفي المخصوص المجهول بالاستثناء المجهول والناسخ المجهول فهو معنى قوله وجب اعتباره في كل باب بنظيره (١/٤٥٥) ولو قال بنظيريه أو قال فيعتبر في كل باب بهما لكان أحسن ويحتمل أن يكون الضمير في بنظيره راجعا إلى كل باب أي وجب اعتبار دليل الخصوص في كل نوع من المشابهة بنظير ذلك النوع فيعتبر في شبه الاستثناء بحقيقة الاستثناء معلوما كان أو مجهولا ويعتبر في شبه الناسخ بحقيقة الناسخ معلوما كان أو مجهولا وعلى هذا لو قال بنظيريه لا يصح قوله فقلنا إذا كان هذا شروع من الشيخ في بيان اعتباره بالشبهين في كل باب فقال إذا كان دليل الخصوص مجهولا أي متناولا لمجهول عند السامع أوجب جهالة في الأول وهو المخصوص منه بحكمه أي بالنظر إلى حكمه وهو بيان أنه لم يدخل هذا المجهول تحت العام إذا اعتبر بالاستثناء أي رد إليه لما بينا أن المستثنى إذا كان مجهولا أوجب جهالة المستثنى منه وسقط أي هذا الدليل في نفسه بصيغته أي باعتبار صيغته إذا اعتبر بالناسخ لما ذكرنا أن الناسخ إذا كان مجهولا أي متناولا لمجهول لا يعارض الأول بل يسقط بنفسه وحكمه أي حكم دليل الخصوص وهو بيان أن المخصوص لم يدخل تحت الجملة قائم أي ثابت بصيغته بخلاف الاستثناء فإن حكمه لا يستفاد منه بنفسه وإذا كان حكمه قائما بصيغته لا تتعدى جهالته إلى الأول لانفصاله عنه فبقي الأول على ما كان ويجوز أن يكون معناه وإذا كان حكمه قائما بصيغته وصيغته سقطت باعتبار شبهها بالنسخ فيسقط شبه الاستثناء أيضا لأن ذلك الشبه باعتبار الحكم والحكم قائم بالصيغة فيسقط الكل بسقوط الصيغة فيبقى العام على ما كان فكأنه رجح جهة سقوط دليل الخصوص على جهة ثبوته في تأثيره في العام فصار الدليل أي العام مشتبها لتردده بين البقاء والزوال فشبه الاستثناء في دليل الخصوص أوجب زواله وشبه النسخ فيه أوجب بقاءه على ما كان فلم نبطله أي العام بالشك لأن ما كان ثابتا بيقين لا يزال بالشك ولكن تمكنت فيه شبهة جهالة فأورثت زوال اليقين فيوجب العمل دون العلم ويجوز أن يكون المراد من الدليل دليل الخصوص ويكون الضمير المنصوب في فلم يبطله عائدا إليه أيضا أي فصار دليل الخصوص مشتبها في نفسه لتردده بين الثبوت وعدمه فلا يبطله بالشك وإذا لم نبطل دليل الخصوص بالشك لا يبطل العام بالشك أيضا لأن بطلانه مبني على (١/٤٥٦) ثبوت دليل الخصوص وبقاءه مبني على عدم ثبوته وفيهما تردد ويجوز أن يكون المراد منه دليل الخصوص وأن يكون الضمير عائدا إلى العام أي فصار دليل الخصوص مشتبها لما ذكرنا فلا يبطل العام بالشك بمثل هذا الدليل المتردد والأول هو الوجه والحاصل أنا لا نبطل واحدا منهما بالشك فلا يسقط دليل الخصوص لكونه مجهولا بالشك ولا تخرج صيغة العام من أن تكون حجة بالشك أيضا كالمفقود لا يورث عنه بالشك ولا يرث أيضا بالشك قوله وكذلك إذا كان المخصوص معلوما أي وكما اعتبر جهة الاستثناء وجهة النسخ في المخصوص المجهول يعتبر كلاهما أيضا في المخصوص المعلوم أو معناه وكما صار العام مشتبها في المخصوص المجهول فكذلك يصير مشتبها في المخصوص المعلوم أيضا فلا نبطله بالشك والاحتمال وسياق الكلام يدل على هذا الوجه لأنه أي لأن دليل الخصوص يحتمل أن يكون معلوما وهو الظاهر لما ذكرنا من أن الأصل في النصوص التعليل وهذا نص قائم بنفسه منفصل عن الأول فيكون قابلا للتعليل وعلى احتمال التعليل يصير مخصوصا أي يصير ما تناولته العلة التي تضمنها دليل الخصوص مخصوصا من الجملة التي دخلت تحت العام وذلك مجهول فأوجب جهالة الباقي قوله كأنه لم يدخل لا على سبيل المعارضة جواب سؤال يرد عليه وهو أن يقال القياس لا يصلح معارضا للنص ولهذا لا يثبت به التخصيص ابتداء وكذا لا يجوز تعليل الناسخ أيضا إذ فيه معارضة القياس النص فكيف جاز اعتبار احتمال التعليل ههنا في مقابلة العام وفيه معارضة القياس النص فقال إنما اعتبر التعليل ههنا لأن القياس إنما يثبت الحكم في غير المنصوص عليه على وفق ما أثبته الأصل الذي يستنبط منه ثم النص وهو دليل الخصوص ههنا عمله على وجه البيان من حيث الحكم على وجه المعارضة فكذلك يكون عمل القياس المستنبط منه فأما الناسخ فإنما يعمل بطريق المعارضة لا على وجه البيان فلو جاز تعليله يلزم منه معارضة القياس النص وهو فاسد وكذا التخصيص ابتداء (١/٤٥٧) بالقياس لا يجوز لأن الأصل الذي استند إليه القياس لا يصلح مبينا لهذا العام لعدم تناوله شيئا من أفراده فكذا القياس المستخرج منه لا يصلح مبينا وإذا لم يصلح مبينا كان معارضا له لا محالة وهو لا يصلح لمعارضة النص قوله فوجب العمل به أي بهذا الاحتمال أو بالتعليل لخلوه عن معارضة النص فيصير قدر ما تناوله النص أي العام مجهولا أو يصير قدر ما تناوله النص المخصص مجهولا لجهالة ما دخل تحت علته ويلزم منه جهالة العام أيضا كما إذا كان المخصوص مجهولا هذا على اعتبار صيغة النص أي احتمال التعليل ولزوم الجهالة باعتبار صيغة دليل الخصوص التي بها يتحقق شبه النسخ فأما على اعتبار حكمه أي بالنظر إلى الحكم فلا يعتبر احتمال التعليل لأن دليل الخصوص شبيه بالاستثناء من حيث الحكم والاستثناء لا يقبل التعليل لأنه عدم إذ بالاستثناء يتبين أن المستثنى لم يدخل تحت الكلام وأن التكلم حصل بما وراءه لا أنه دخل ثم خرج بالاستثناء والعدم لا يقبل التعليل على ما عرف فدخلت الشبهة أي في العام باعتبار المخصوص المعلوم كما دخلت باعتبار المخصوص المجهول وهو معنى قوله أيضا لأن باعتبار صيغة دليل الخصوص واحتمال التعليل فيه يخرج العام من أن يكون حجة وباعتبار حكمه يبقى موجبا للحكم قطعا على عكس ما ذكرنا في المخصوص المجهول وقد عرفت موجبا فلا يبطل بالاحتمال والشك ولكن تمكنت فيه شبهة فأوجب العمل دون العلم قوله وهذا أي المخصص المعلوم بخلاف الناسخ إذا ورد معلوما أي متناولا لمعلوم في بعض ما تناوله النص أي العام فإن الحكم فيما بقي من العام بعد ورود ناسخ معلوم في البعض لا يتغير بسبب احتمال التعليل كما يتغير فيما نحن فيه بسبب هذا الاحتمال لأنه لا يقبل التعليل إلى آخر ما ذكر في الكتاب فكان قوله لاحتمال التعليل داخلا تحت النفي وليس معناه أن احتمال التعليل ثابت ولكنه لا يؤثر في التغيير كما يدل عليه ظاهر الكلام بل معناه أن احتمال (١/٤٥٨) التعليل ليس بموجود ليتغير كما في قوله ولا ترى الضب بها ينجحر أي ليس في تلك المفازة ضب لينجحر لا أن الضب موجود ولكنه لا ينجحر وبما ذكرنا خرج الجواب عما يقال ينبغي أن لا يعلل دليل الخصوص لأنه يشبه الناسخ أو الاستثناء وكلاهما لا يعلل لأن الناسخ إنما لا يعلل احترازا عن معارضة القياس النص ورفع ما ثبت بالنص بالقياس وقد عدم ذلك في دليل الخصوص والاستثناء إنما لا يعلل لعدم استقلاله وكونه عدما وقد تحقق الاستقلال في دليل الخصوص فيثبت التعليل فصار الحاصل أن دليل الخصوص يشابه الناسخ في استقلال الصيغة ولا يشابهه من حيث إنه معارض ويشابه الاستثناء في كونه مبينا ولا يشابهه في عدم الاستقلال وعدم التعليل فيهما باعتبار هذين الوصفين اللذين يفارقهما دليل الخصوص فيهما فيقبل التعليل إلا أنه من حيث كونه عدما يشابه الاستثناء أيضا وذلك مانع من التعليل لكن كونه مستبدا يوجبه فيثبت الاحتمال وذلك كاف كما حققناه وبين الشيخ رحمه اللّه في شرح التقويم الكلام في المخصوص المجهول على ما بين ههنا وبين في المخصوص المعلوم بهذه العبارة فقال أما إذا كان دليل الخصوص معلوما فاحتمل أن يكون معلولا لأن الأصل في النصوص التعليل ما لم يتبين خلافه إلا أن النص يعلل لتعدية حكمه وأنه من حيث الحكم يشابه الاستثناء والاستثناء للمنع فكان عدما والعدم لا يعلل فثبت احتمال العلة وتعدى حكمه وهو منع الدخول تحت العام بإرادة المتكلم إلى ما بقي فصار في الحاصل أنه يثبت احتمال إرادة المتكلم التخصيص وذلك غير معلوم كما اعتبر الشافعي رحمه اللّه الإرادة في العام قبل التخصيص إلا أن بينهما فرقا وهو أن هذه الإرادة تثبت بعلة النص والنص ظاهر والعلة التي هي وصفه كانت ظاهرة أيضا فتثبت الإرادة الباطنة أيضا في الخصوص على سبيل الجهالة بدليل ظاهر فيعتبر بخلاف الابتداء لأنه ليس له دليل ظاهر ليستند إليه فكان اعتباره اعتبار ما في الباطن وذلك لا يوقف عليه فيؤدي إلى الحرج فلا يعتبر أيضا أصلا وإذا ثبت احتمال الإرادة أوجب شبهة فسقط العلم دون العمل إلا أن خبر الواحد كان فوق هذا العام لأن الخبر ثابت بأصله وإنما وقع الشك في طريقه والشبهة في الطريق لا يبطل أصله وههنا أعني في العام إذا خص منه شيء وقعت الشبهة في أصله أنه لم يتناول فصار نظير القياس فإن القياس في أصله شبهة من حيث إنه يحتمل أن لا يكون موجبا وهذا لأن النص الخاص لما كان معلولا يثبت احتمال التعدي إلى ما بقي فصار مخصوصا أيضا فلا يبقى العام عاما والاحتمال لا يسقط العمل بالأول ولكن يزيل اليقين لأنه دخل في حد التعارض فبقي العام على عمومه كما كان لعدم ظهور الدليل وما كان طريق بقائه عدم الدليل لم يكن ثابتا بيقين ولهذا يجوز تخصيص العام بالقياس ولم يجز ترك خبر الواحد به بخلاف الاستثناء (١/٤٥٩) فإنه ليس له حكم بنفسه وإنما عمله في منع التكلم بقدر المستثنى فكان عدما والعدم لا يعلل فإذا لم يعلل اقتصر على قدره وقدر ما نص عليه معلوم فيبقى ما وراءه معلوما بلا شبهة وبخلاف الناسخ لأن الحكم تقرر بالنص الأول فإذا جاء الناسخ كان إنهاء لذلك الحكم فإذا ورد الناسخ خاصا فباحتمال أن يكون معلولا لم يجز تغيير ذلك الحكم الثابت بالنص لأنه يصير العلة معارضة لما ثبت بالنص وحكم العلة لا يعارض حكم النص بخلاف دليل التخصيص فإنه لا يعمل على سبيل المعارضة حكما بل تبين لنا أن القدر المخصوص لم يكن داخلا فقلنا النص إذا عمل عمله على هذا الوجه تبين لنا أن قدر ما يتعدى إليه العلة لم يكن داخلا تحت النص لا أنه يعمل على سبيل المعارضة قوله ونظير هذه الجملة أي نظير الاستثناء المحض والنسخ المحض وما أخذ حظا منهما وهو دليل الخصوص من المسائل أما نظير الاستثناء فما إذا جمع بين حر وعبد أو بين حي وميت أو بين ميتة وذكية أو بين خمر وخل وباعهما بثمن واحد لم يجز البيع أصلا لأن أحدهما وهو الحر أو الميت أو الميتة أو الخمر لم يدخل تحت العقد لأن دخول الشيء في العقد بصفة المالية والتقوم وذلك لا يوجد في هذه الأشياء فلو جاز العقد في العبد أو الحي أو الذكية أو الخل إنما يجوز بحصته من الثمن بأن قسم الثمن على قيمته وقيمة الآخر أن لو كان مالا متقوما والبيع بالحصة لا يجوز ابتداء لمعنى الجهالة كما لو قال بعت منك هذا العبد بما يخصه من الألف إذا قسم على قيمته وقيمة هذا العبد الآخر أو قال بعت منك هذين العبدين إلا هذا بحصته من الألف فإنه لا يجوز للجهالة كذا هنا وهذا إذا لم يفصل الثمن وهو المراد من قوله بثمن واحد فإن فصله بأن قال بعتهما بألف كل واحد بخمسمائة فكذا الجواب عند أبي حنيفة رحمه اللّه وعندهما العقد جائز في العبد والذكية والخل بما سمي بمقابلته لأن الفساد يقتصر على ما وجد فيه العلة المفسدة وعند تسمية الثمن لكل واحد منهما عدمت العلة المفسدة في ما هو مال (١/٤٦٠) متقوم منهما لأن أحدهما منفصل عن الآخر في البيع ابتداء وبقاء فوجود المفسد في أحدهما لا يؤثر في العقد على الآخر لأن تأثيره في العقد على الآخر إما باعتبار التبعية و أحدهما ليس بتبع للآخر أو باعتبار أنهما كشيء واحد وليس كذلك إذ كل واحد منهما منفصل عن الآخر في العقد ألا ترى أنهما لو كانا عبدين وهلك أحدهما قبل القبض بقي العقد في الآخر وإنما يجعل قبول العقد في أحدهما شرطا لقبول العقد في الآخر إذا صح الإيجاب فيهما لئلا يكون المشتري ملحقا الضرر بالبائع في قبول العقد في أحدهما دون الآخر وذلك ينعدم إذا لم يصح الإيجاب في أحدهما وصار هذا كما إذا اشترى عبدا أو مكاتبا أو مدبرا فالعقد يفسد في المدبر ويبقى صحيحا في العبد كذا هذا وأبو حنيفة رحمه اللّه يقول لما جمع بينهما في الإيجاب فقد شرط في قبول العقد في كل واحد منهما قبول العقد في الآخر بدليل أن المشتري لا يملك قبول العقد في أحدهما دون الآخر واشتراط قبول العقد في الحر في بيع العبد شرط فاسد والبيع يبطل بالشرط الفاسد وقولهما أن هذا عند صحة الإيجاب قلنا عند صحة الإيجاب فيهما يكون هذا شرطا صحيحا ونحن إنما ندعي الشرط الفاسد وذلك عند فساد الإيجاب لأن هذا الشرط باعتبار جمع البائع بينهما في كلامه لا باعتبار وجود المحلية فيهما وقوله فهو باطل يوهم أن العقد لا ينعقد في القن أصلا حتى لا يثبت الملك فيه بالقبض كما في الحر والمذكور في الأسرار ومبسوط الإمام السرخسي ومبسوط الإمام خواهر زاده يشير إلى أنه ينعقد فاسدا لأن كل واحد من العوضين مال إلا أن أحدهما مجهول والجهالة توجب الفساد دون البطلان فكان المراد من الباطل الفاسد قوله فصارت هذه الجملة أي المسائل التي ذكرناها نظير الاستثناء من حيث إن الحر والميت والميتة والخمر لم يدخل في العقد أصلا وإن العقد ورد على العبد والذكية والخل ابتداء بالحصة كما أن المستثنى لم يدخل تحت المستثنى منه وإن الكلام صار (١/٤٦١) تكلما بالباقي بعد الثنيا وأما نظير النسخ فهو ما إذا باع عبدين فمات أحدهما قبل التسليم أو استحق أو وجد أحدهما مدبرا أو مكاتبا أو باع جاريتين فوجدت إحداهما أم ولد صح البيع في الباقي سواء سمى لكل واحد منهما ثمنا أو لم يسم عندنا خلافا لزفر رحمه اللّه فيما إذا وجد مكاتبا أو مدبرا أو أم ولد قال لأن الإيجاب فيهم فاسد لما ثبت لهم من حق العتق وقد جعل ذلك شرطا لقبول العقد في القن منهما فيفسد العقد كله كما في مسألة الحر وجه قولنا أن كل واحد منهما دخل في العقد لأن دخول الآدمي في العقد باعتبار الرق والتقوم وذلك موجود فيهما ثم استحق أحدهما نفسه فكان بمنزلة ما لو استحقه غيره بأن باع عبدين فاستحق أحدهما وهناك البيع جائز في الآخر سواء سمى لكل واحد منهما ثمنا أو لم يسم يوضحه أن البيع في المدبر ليس بفاسد على الإطلاق بدليل جواز بيع المدبر من نفسه وبدليل أن القاضي إذا قضى بجواز بيع المدبر ينفذ قضاؤه وكذا المكاتب فإن بيعه من نفسه جائز ولو باعه من غيره برضاه جاز في أصح الروايتين وكذا بيع أم الولد من نفسها جائز ولو قضى القاضي بجواز بيع أم الولد نفذ قضاؤه عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما اللّه وإذا ثبت أن المحل قابل للبيع حتى نفذ قضاء القاضي فيه وقضاء القاضي في غير محله لا ينفذ عرفنا أنهم دخلوا في العقد ثم خرجوا بعد تناول الإيجاب إياهم ضرورة عدم الحكم وهو ثبوت الملك للمشتري صيانة لحق العتق عليهم فكان هذا بمنزلة النسخ لأنهم خرجوا بعد الدخول وبقي العقد صحيحا في الآخر لأن الجهالة بأمر عارض إذ الثمن كله كان معلوما وقت البيع وجهالة الثمن بأمر عارض لا يوجب الفساد كما إذا هلك أحد العبدين قبل التسليم يبطل البيع في الهالك ويبقى في الحي بحصته من الثمن كذا ههنا فإن قيل ما الفائدة في دخولهم ثم خروجهم قلنا الفائدة تصحيح كلام العاقل مع رعاية حقهم وانعقاد العقد في حق الآخر (١/٤٦٢) قوله ونظير دليل الخصوص مسألة خيار الشرط إضافة الخيار إلى الشرط إضافة الشيء إلى سببه كزكاة المال وحج البيت أي الخيار الذي يثبت بسبب الشرط ويقال شرط الخيار أيضا وهو من قبيل إضافة الشيء إلى مسببه كمال الزكاة ووقت الصلاة أي الشرط الذي يوجب الخيار ويثبته واعلم أن شرط الخيار يمنع ثبوت الحكم ولا يمنع السبب عن الانعقاد بخلاف سائر الشروط فإنها تمنع السبب والحكم جميعا على ما يعرف من بعد إن شاء اللّه تعالى ثم إنه يشبه دليل الخصوص لاجتماع شبه الاستثناء وشبه النسخ فيه كاجتماعهما في دليل الخصوص فمن حيث إنه يمنع الحكم عن الثبوت أصلا كان شبيها بالاستثناء في الحكم ومن حيث إنه لا يمنع السبب عن الانعقاد بل يرفعه بعد الثبوت بالفسخ كان نظيرا للناسخ في حق السبب فإذا اجتمع فيه الجهتان وجب العمل بهما في المسائل كما وجب العمل بشبهي دليل الخصوص في العام قوله إذا باع عبدين هذه المسألة على أربعة أوجه أحدها أن لا يعين الذي فيه الخيار ولا يفصل الثمن بأن قال بعت هذين العبدين بألف على أني بالخيار في أحدهما ثلاثة أيام وفي هذا الوجه يفسد البيع إما لجهالة المبيع لأنه إذا شرط الخيار في أحدهما بغير عينه لزم العقد في الآخر وهو مجهول والملك لا يثبت في المجهول ابتداء وإما لجهالة الثمن لأن حكم العقد لو ثبت في الذي لا خيار فيه يثبت بحصته من الثمن ابتداء لما بينا أنه في حق الحكم بمنزلة الاستثناء وهي مجهولة وجهالة الثمن يمنع صحة العقد وصار كما لو قال هذين العبدين بألف إلا أحدهما بما يخصه من الألف إذا قسم على قيمتهما وذلك باطل كذا هذا والثاني أن يفصل الثمن ولا يعين الذي فيه الخيار بأن قال بعتهما بألف كل واحد منهما بخمسمائة على أني بالخيار في أحدهما ثلاثة أيام وهو فاسد أيضا لجهالة المبيع لأن البيع يلزم فيما لا خيار فيه وهو مجهول لا يمكن إلزام البيع فيه وصار كما لو قال بعت هذين العبدين بألف إلا أحدهما بخمسمائة والثالث أن (١/٤٦٣) يعين الذي فيه الخيار ولا يفصل الثمن بأن قال بعتهما بألف على أني بالخيار في هذا بعته ثلاثة أيام وحكمه الفساد أيضا لجهالة الثمن لما ذكرنا في الوجه الأول وصار كأنه قال بعتهما بألف إلا هذا بما يخصه من الألف فيبقى ثمن الثاني مجهولا كذا ذكر في عامة الكتب وذكر القاضي الإمام أبو زيد رحمه اللّه في هذا الوجه أنه يصح العقد في الذي ليس فيه خيار ولو فسخ في أحدهما تبقى في الآخر على الصحة لأن العقد فيهما منعقد إذ الإيجاب تناولهما جميعا وهما محلان للبيع والتسمية صحت جملة إلا أن الخيار عارض العقد في الحكم فمنع ثبوت الحكم في أحدهما فعمل الإيجاب في الآخر ووجبت حصته من الثمن بعد أن صحت تسمية جملة الثمن فكانت الجهالة عارضة فلا تمنع الجواز كما في القن والمدبر إلا أن الشيخ الإمام صاحب الكتاب أجاب عنه في شرح التقويم فقال البيع فاسد في هذا الوجه أيضا لأن الخيار وإن دخل على الحكم لكن العقد إنما ينعقد لحكمه وحكم العقد انعدم في الذي شرط فيه الخيار بنص قائم وهو الخيار وذلك النص قائم من كل وجه فأوجب إعدام الحكم من كل وجه فصار الإيجاب قاصرا عنه في حق الحكم من كل وجه لا لضرورة أوجبت ذلك فجعل الإيجاب كأن لم يكن في حق الحكم كما في بيع الحر جعل كأن لم يكن لعدم المحلية فيبقى الإيجاب في حق الآخر بحصته من الثمن وذلك لا يجوز بخلاف المدبر مع القن لأن الإيجاب تناولهما وإنما امتنع الحكم ضرورة صيانة حقه لا بنص قائم منع ثبوت الحكم فيه وما ثبت ضرورة لا يظهر حكمه في غير موضع الضرورة فبقي الإيجاب متناولا له فيما وراء هذه الضرورة وذكر في نسخة أخرى الفرق بين المدبر والقن وبين هذا الفصل بهذه العبارة وهي أن المدبر داخل في العقد والحكم جميعا لأنه قابل له بقضاء القاضي كما ذكرنا ولكنه يخرج بعدما دخل فتصير الجهالة حادثة في الزمان الثاني فلا تمنع وفي مسألتنا الجهالة في ابتداء العقد لأن الحكم لم يثبت في الذي فيه الخيار فيصير الثمن مجهولا من الابتداء فيمنع صحة وكان القياس أن لا يدخل في العقد أصلا لأن الشرط يمنع السبب إلا أن القياس ترك لما عرف فالحاصل أن المانع فيما نحن فيه مقترن بالعقد لفظا ومعنى فأثر المفسد وفي بيع القن مع المدبر المانع مقترن بالعقد معنى لا لفظا فلم يؤثر المفسد (١/٤٦٤) وإلى الأوجه الثلاثة التي بيناها أشار الشيخ بقوله فأما إذا أجمل الثمن ولم يعين الذي فيه الخيار أو عين أحدهما يعني الثمن أو المبيع ولم يعين الآخر والوجه الرابع أن يعين الذي فيه الخيار ويفصل الثمن بأن قال بعت منك هذين العبدين بألف درهم كل واحد بخمسمائة على أني بالخيار ثلاثة أيام في هذا بعينه ويصح العقد في هذا الوجه ويلزم في الذي لا خيار فيه بما سمي من الثمن لزوال الجهالة بالكلية ثم في الفصول الثلاثة عملنا بشبه الاستثناء فلم نجوز البيع عند عدم التعيين وإعلام الحصة كما ذكرنا وفي الفصل الرابع عملنا بشبه الناسخ فجوزنا البيع ولم نجعل قبول العقد في الذي جعل فيه الخيار شرطا فاسدا في الذي لزم العقد فيه كما جعلناه في بيع الحر والعبد عند تفصيل الثمن على قول أبي حنيفة رحمه اللّه لأنا إنما جعلناه هناك شرطا فاسدا لأن الحر وما شاكله من الميتة والخمر لم يدخل في العقد أصلا لعدم المحلية فلم يكن اشتراط القبول فيه من مقتضيات العقد لأنه اشتراط قبول غير المبيع للانعقاد في المبيع فكان شرطا فاسدا فأما الذي شرط فيه الخيار فداخل تحت العقد لأن الشرط لم يؤثر في السبب فلا يمنعه من الانعقاد في حقه فكان اشتراط القبول فيه اشتراطه في المبيع لا في غير المبيع فكان شرطا صحيحا لا فاسدا فلا يمنع صحة العقد فإن قيل فهلا عملتم بالشبهين جميعا في كل مسألة كما فعلتم في دليل الخصوص والعمل بشبه الناسخ يوجب جواز البيع وإن لم يكن من فيه الخيار معلوما والثمن مفصلا قلنا لأن العمل بهما لا يمكن في بعض الوجوه بخلاف دليل الخصوص أما في الوجهين الأولين فلأن العمل بهما يؤدي إلى سقوط شرط الخيار ولزوم العقد في العبدين لأن دليل النسخ إذا كان مجهولا سقط بنفسه وإذا سقط شرط الخيار ههنا لكونه مجهولا لزم العقد في العبدين كما لو لم يوجد الخيار أصلا وهذا خلاف مقصود المتعاقدين فلا (١/٤٦٥) يجوز ولأنا لو عملنا بهما فالجواب لا يختلف أيضا لأن شبه الاستثناء يوجب فساد العقد وشبه النسخ يوجب انعقاده في العبدين ولم يكن منعقدا فلا ينعقد بالشك وكذا الجواب في الوجه الثالث أيضا لأن العمل بشبه النسخ فيه يوجب لزوم العقد في الذي لا خيار فيه وكون الجهالة في الثمن طارئة غير مانعة كما اختاره القاضي الإمام رحمه اللّه وشبه الاستثناء يوجب الفساد فلا يثبت الجواز بالشك أيضا وأما الوجه الرابع فشبه الاستثناء يوجب الجواز أيضا لأنه استثناء معلوم كما أن شبه النسخ يوجب ذلك فكان في القول بالجواز فيه عمل بالشبهين أيضا ثم حاصل ما ذكر في الكتاب أنه شبه أولا خيار الشرط بدليل الخصوص ثم ذكر على سبيل الاستئناف مسألة الزيادات مع أوجهها الأربعة توضيحا ثم أقام الدليل على مجموع ما ذكر فبين وجه التشبيه بذكر تحقق الشبهين في خيار الشرط ثم بنى الأوجه الأربعة على الشبهين فقوله فقيل لا بد من كذا بيان تفرع الأوجه الثلاثة على شبه الاستثناء وقوله وإذا وجد التعين في آخر الباب بيان تفرع الوجه الرابع على شبه النسخ قوله فقيل لا بد من كذا بمنزلة الحر والعبد تقديره لا بد من إعلام الثمن والمبيع للجواز فإذا لم يوجد إعلام الثمن والمبيع أو لم يوجد واحد منهما لم يجز البيع كما لا يجوز بيع الحر والعبد الذي هو من أشباه الاستثناء عند عدم الإعلام بالاتفاق فيكون إلحاق الأوجه الثلاثة بالحر والعبد في عدم الجواز فيناسب الدليل المدلول أو تقديره فقيل لا بد من الإعلام للجواز كما لا بد منه لجواز بيع الحر والعبد عندهما فإذا لم يوجد الإعلام لم يثبت الجواز واللّه أعلم (١/٤٦٦) |