Geri

   

 

 

İleri

 

الجزء ٢

بسم اللّه الرحمن الرحيم

باب ألفاظ العموم قد مر في أول الكتاب أن العام ما ينتظم جمعا من المسميات لفظا أو معنى ولما كان الانتظام بطريقين كانت الألفاظ الدالة على العموم قسمين ضرورة قسم يدل عليه بمعناه دون صيغته وقسم يدل عليه بصيغته ومعناه والمراد أن يكون هذا اللفظ موضوعا لمطلق الجمع من غير تعرض لعدد معلوم بل يتناول الثلاثة فصاعدا وله صيغة تثنية وفرد من لفظه كرجال أو من غير لفظه كنساء ولهذا جمعهما الشيخ في إيراد النظائر

ثم الجمع على قسمين جمع قلة وهو ما يدل على العشرة فما دونها إلى الثلاثة وأمثلته أفعال وأفعل وأفعلة وفعلة كأثواب وأفلس وأجربة وغلمة وقيل جمع السلامة بالواو والنون والألف والتاء للتقليل أيضا

وقال بعض الأصوليين هو بعيد لا سيما فيما ليس فيه جمع مبني للتكثير

وجمع كثرة وهو ما سواها من الجموع

ثم عامة الأصوليين على أن جمع القلة إذا كان منكرا ليس بعام لكونه ظاهرا في العشرة فما دونها وإنما اختلفوا في جمع الكثرة إذا كان منكرا فكأن الشيخ رحمه اللّه بقوله فهو صيغة كل جمع رد قول العامة واختار أن الكل عام سواء كان جمع قلة أو كثرة إلا أنه إن ثبت في اللغة جمع القلة يكون العموم في موضعه وهو الثلاثة فصاعدا إلى العشرة وفي غيره يكون العموم من الثلاثة إلى أن يشمل الكل إذ ليس من شرط العموم عند المصنف الاستغراق على ما عرف

قوله مثل الرجال والنساء اللام في هذه النظائر لتحسين الكلام كما في قوله

(٢/٣)

ولقد أمر على اللئيم يسبني

والمراد منها الجموع المنكرة إلا المعرفة باللام والإضافة فإن الكلام في الجمع المعرف يأتي بعده ولهذا ذكرت هذه النظائر في التقويم والميزان وأصول الفقه لأبي اليسر بلفظ التنكير فقبل كقولنا رجال ونساء ومسلمون ومسلمات

قوله أما صيغته فموضوعة للجمع أي صيغة هذا العام الذي نحن بصدده فموضوعة للجمع لأن واضع اللغة وما وضع هذه الألفاظ أعني ألفاظ الجموع إلا لأعداد مجتمعة ألا ترى أنه يقال للواحد رجل وللاثنين رجلان وللثلاثة والألف رجال

وأما معناه فلا إشكال فيه لأنه يدل على أعداد مجتمعة

قال شمس الأئمة وهو عام بمعناه لأنه شامل لكل ما تناوله عند الإطلاق

قوله وذلك شامل أي العام بصيغته ومعناه شامل لجميع ما ينطلق عليه هذا الاسم عند الإطلاق إن أمكن العمل به وإلا فينطلق على الثلاثة لأن الثلاثة أقل ما ينطلق هذا اللفظ عليه فصار أولى من غيره بعد انتفاء الكل لأنه ثابت بيقين وفيما زاد عليه شك واحتمال

وحاصله أن الجمع المنكر عام عندنا أي متناول للكل عند عدم المانع وعند وجوده محمول على أخص الخصوص وعند بعض من شرط الاستغراق في العموم ليس بعام بل يحمل على أخص الخصوص وإن أمكن العمل بالعموم لأن رجالا في المجموع كرجل في الوحدان فكما أن رجلا حقيقة في كل فرد على سبيل البدل كذلك رجال حقيقة لكل جمع على البدل ولهذا يصح نعته بأي عدد شاء فيكون حقيقة في القدر المشترك بين المجموع وهو مطلق الجمعية

ولنا أن إطلاقه يصح على الكل بطريق الحقيقة وعلى ما دونه أيضا باعتبار معنى الجمعية والحمل وعلى ما دونه إدخال له في حيز الإجمال إذ ليس من أقسام الجموع ما يمكن حمله عليه لاستواء الكل في معنى الجمعية فلم يبق إلا أن يحمل على الثلاثة للتيقن أو على الكل والكلمة موضوعة للشمول والعموم فيكون حملها على الكل أقرب إلى تحقيق العموم وأعم فائدة فكان أولى

قوله ولهذا قلنا أي ولأنه ينطلق على الأقل وهو الثلاثة عند تعذر العمل بالكل

(٢/٤)

قلنا إذا قال إن اشتريت عبيدا فكذا أنه يقع على الثلاثة فصاعدا لما قلنا

ولا يقال إن

قوله لما قلنا وقع مكررا من حيث المعنى لأن

قوله ولهذا قلنا تعليل لهذا الحكم المذكور فلا يصح تعليله بعد ذلك

لأن مثل هذا في كلام المتقدمين كثير وقد ذكرنا أن اهتمامهم كان في تصحيح المقاصد وهي المعاني فلذلك لم يتعمقوا في الألفاظ

قوله والكلمة أي هذه الكلمة التي ذكرناها وهي صيغة الجمع

عامة أي شاملة لكل قسم من أقسام الجموع الذي يتناول هذه الكلمة إياه وإنما ذكر هذا ليشير به إلى أنه كما يتناول الكل والثلاثة يتناول ما بينهما أيضا بخلاف اسم الجنس فإنه يتناول الأعلى والأدنى ولا يتناول ما بينهما

والفرق أن اسم الجنس إنما يتناول باعتبار معنى الفردية لأنه اسم فرد وهو موجود في الأدنى والأعلى تحقيقا وتقديرا دون ما بينهما وهذا اللفظ إنما يتناول باعتبار معنى الجمعية وهو موجود في الأعلى والأدنى وفيما بينهما من أقسام الجموع

قال صدر الإسلام أبو اليسر إذا حلف لا يتزوج نساء فتزوج ثنتين لا يحنث في يمينه ولو تزوج ثلاثا يحنث لأن الثلاثة متيقن فينصرف اليمين إليه ولو نوى أكثر من الثلاث صحت نيته حتى لو تزوج ثلاثا لا يحنث في يمينه لأن هذه اللفظة يتناول ما زاد على الثلاث كما يتناول الثلاث إلا أن مطلقه كان ينصرف إلى ثلاث لأنه أقل فإذا نوى الأكثر فقد نوى محتمل كلامه فصحت نيته

قوله لأن لام المعرفة للعهد أي لام التعريف للمعهود مثل أن يقول الرجل رأيت رجلا ثم كلمت الرجل أي ذلك الرجل بعينه

ولا عهد أي لا معهود في أقسام الجموع ليمكن تعريفه باللام حتى لو كان معهودا يمكن صرفه إليه يصرف إليه كمن قال لآخر إنك تريد أن تتزوج هذه النسوة الأربع فقال واللّه لا أتزوج النساء ينصرف كلامه إليهن خاصة كذا ذكر صدر الإسلام

فجعل أي هذا الاسم للجنس ليمكن تعريفه باللام إذ الجنس معهود في الذهن

وفيه معنى الجمع أي في جعله الجنس رعاية معنى الجمع أيضا لأن الجنس يتضمن الجمع إما في الخارج أو في الوهم إذا هو من الكليات والكلي ما لا يمنع مفهومه عن الشركة ولذلك جعلوا الشمس جنسا والقمر كذلك وجمعوهما على

(٢/٥)

شموس وأقمار وإذا كان كذلك كان في جعله جنسا عمل بالوصفين أي بالمعنيين وهما الجمعية والتعريف

ولو حمل هذا اللفظ على حقيقة بعد دخول اللام فيه

لبطل حكم اللام وهو التعريف أصلا أي بالكلية لما ذكر

فصار الجنس أي حمله على الجنس وجعله مجازا فيه أولى من إبقائه على حقيقته

إن ذلك أي

قوله النساء والعبيد يقع على الواحد فصاعدا حتى إذا اشترى عبدا واحدا أو تزوج امرأة واحدة حنث ولا يتوقف الحنث على شراء ثلاثة من العبيد أو تزوج ثلاث من النساء كما توقف فيما إذا كان منكرا

ومعنى

قوله فصاعدا أنه يحنث بشراء عبدين وثلاثة وأربعة وألف أيضا كما يحنث في المنكر بشراء أربعة وخمسة وعشرة وألف أيضا لكنه إذا نوى شراء عبدين أو أكثر حتى لا يحنث بما دون ذلك لا يعمل نيته بخلاف المسألة الأولى فإنه يصح فيها نية ما فوق الثلاثة كما بينا

قوله واسم الجنس يقع على الواحد جواب عن سؤال وهو أن يقال لما صار عبارة عن الجنس وكان اللام لتعريفه ينبغي أن لا يحنث بالمرأة الواحدة ولا بالعبد الواحد لأنهما ليسا بجنسين تامين لأن الجنس التام كل نساء العالم وكل عبيد الدنيا

فأجاب وقال الواحد يصلح جنسا كاملا كالكل لأن أفراد الجنس لو عدمت ولم تبق إلا هذه الواحدة كانت كلا وكان الاسم لها حقيقة ألا ترى أن حواء كانت جنسا كاملا وآدم عليه السلام كان جنسا كاملا وكان اسم الإنس له حقيقة وإنما لم يبق الكمال بانضمام أمثالها إليها لا لنقصان في نفسها فثبت أن البعض من الجنس صالح في ذاته لهذا الاسم حقيقة وإنما صار بعضا بمزاحمة أمثاله لا لنقصان في نفسه وإذا كان كذلك ساوى البعض الكل في الدخول تحت الاسم فيتأدى به حكم الكل إلا بدليل يرجح حقيقة الكل على الأدنى كذلك في شرح التقويم

(٢/٦)

قوله فصار الواحد للجنس مثل الثلاثة للجمع لما ذكر من الدليل إلا أن بينهما فرقا وهو أن اسم الجمع إنما يقع على الثلاثة إذا تعذر العمل بالكل وعند عدم التعذر يقع على الكل فأما اسم الجنس فيقع على الواحد وإن لم يتعذر العمل بالكل وإنما ينصرف إلى الكل بدليل لأن اسم الجنس اسم فرد والواحد فرد حقيقة وحكما والكل فرد حكما فكان الأولى بالاعتبار واسم الجمع موضوع لمعنى الجمعية والكل في هذا المعنى أكمل من الثلاثة فكان أولى وقد بينا لام التعريف في باب موجب الأمر في معنى العموم والتكرار وسنبينه بعد أيضا إن شاء اللّه تعالى

قوله ما هو فرد وضع للجمع أي لفظه فرد من حيث إنه يثنى ويجمع فيقال رهط ورهطان وأرهط وأرهاط وقوم وقومان وأقوام ولكنه وضع للجمع مثل الأول

والرهط اسم لما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة كذا في الصحاح

والقوم اسم لجماعة الرجال خاصة لأنهم القوام على النساء قال زهير وما أدري ولست أخال أدري أقوم آل حصن أم نساء وهو في الأصل جمع قائم كصائم وصوم وزائر وزور

أو هو تسمية بالمصدر كذا في المطلع وغيره فبالنظر إلى الأصل كان من القسم الأول وبالنظر إلى الاستعمال وجمعه على أقوام كان من هذا القبيل

وجمع الشيخ بين جمع القلة وهو الرهط وبين جمع الكثرة وهو القوم كما جمع في القسم الأول

قوله مثل الطائفة والجماعة إنما أوردهما بعد ما ذكر نظائر هذا القسم دفعا لوهم من توهم أنهما عامان صيغة ومعنى إذ التاء علامة الجمع كالواو في مسلمون فبين أنهما من هذا القسم لا من الأول لأن كل واحد منهما يثنى ويجمع يقال طائفة وطائفتان وطوائف وجماعة وجماعتان وجماعات

كان اسما للثلاثة فصاعدا مثل العام صيغة ومعنى

قوله إلا الطائفة اتفقوا أن الطائفة هي النفر اليسير

ثم قال الحسن هي اسم للعشرة

وقال الزهري لثلاثة

وقال عطاء للاثنين

وقال ابن عباس

ومحمد بن كعب هي

(٢/٧)

اسم للواحد وهو قول أكثر أهل العلم لأنه لبعض الشيء يقال طائفة من الليل وطائفة من المال وطائفة من الناس وأقل الأبعاض في الأناسي واحد

ولأنها نعت من طاف يطوف وأقل من يطوف واحد إلا أنها صارت للجنس بعلامة الجماعة وهي التاء فإنها علامة التأنيث وإنما تدخل في الاسم للتأنيث أو لشبه التأنيث والمراد بشبه التأنيث أن يكون فرعا لغيره ولم تدخل التاء في الطائفة للتأنيث بلا شبهة فيكون داخلة لشبه التأنيث وهو معنى الجمعية إذ الجمع فرع على الواحد كما دخلت في نحو عصبة وزمرة وإذا صارت جنسا بعلامة الجماعة كانت بمنزلة اسم الجنس الداخل عليه لام التعريف فيتناول الواحد فصاعدا

أو يقال ولما كانت نعت فرد في أصلها وانضمت إليها علامة الجماعة يراعى فيها المعنيان كما يراعى في صيغة الجمع إذا اتصل بها دليل الفردية كما قلنا في

قوله لا أتزوج النساء

وذكر في الكشاف الطائفة الفرقة التي يمكن أن يكون حلقة وأقلها ثلاثة وأربعة وهي صفة غالبة كأنها الجماعة الحافة حول الشيء وعن ابن عباس في تفسيرها أربعة إلى أربعين رجلا

وفي الصحاح الطائفة من الشيء قطعة منه

وقوله تعالى

وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين

قال ابن عباس الواحد فما فوقه

قوله ومن ذلك أي ومن العام بمعناه دون صيغته كلمة من

وهي مختصة بأولي العقول وتستعمل في الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث حتى لو قال ومن دخل من مماليكي الدار فهو حر يتناول العبيد والإماء

ولفظها مذكر موحد ويحمل على اللفظ كثيرا وقد يحمل على المعنى أيضا وهي تستعمل في الاستفهام والشرط والخبر

وتعم في الأولين لا محالة تقول في الاستفهام من في هذه الدار أو في هذه القرية فقال زيد وبكر وخالد ويعد من فيها إلى أن يأتي على آخرهم ويقول في الشرط من زارني فله درهم فكل من زاره استحق العطاء

وأما في الخبر فقد تكون عامة وقد تكون خاصة قال اللّه تعالى ومن الشياطين من يغوصون له وتقول زارني من اشتقت إليه وزرت من أكرمني وتريد واحدا بعينه وهو معنى

قوله وهي تحتمل العموم أي في الشرط والاستفهام وبعض محال الخبر

والخصوص أي في بعض مواضع الخبر لكنها في الشرط والاستفهام تعم عموم الانفراد وفي الخبر تعم عموم الاشتمال حتى لو قال من زارني فأعطه درهما يستحق كل من زاره العطية ولو قال أعط من في هذه الدار درهما استحق الكل درهما وإنما يتعمم

(٢/٨)

عموم الانفراد في الشرط لأن الحكم في الشرط يتعلق بكل واحد من آحاد الجنس لأن بالناس حاجة إلى تعليق الحكم بكل واحد لو قال إن فعل فلان فله كذا وإن فعل فلان فله كذا حتى أحصوا الكل لطال الكلام ولوقعوا في الحرج وربما لا يمكنهم ذلك فأقيم كلمة من مقام ذلك فيتناول كل واحد منهم بانفراده

وكذلك في الاستفهام إذا قيل أزيد في الدار أم عمر وأم محمد أم أحمد يطول الأمر فأقيم كلمة من مقام ذلك فتعم عموم الانفراد

قوله قال اللّه تعالى ومنهم من يستمعون إليك نظير العموم

قوله عز اسمه

ومنهم من ينظر إليك

نظير الخصوص وهو بظاهره يصلح نظيرا للخصوص لإفراد صلته وهي ينظر إلا أن أهل التفسير قالوا المراد منه العموم أيضا كما في الأول لكن أفرد صلته في الثاني وجمع في الأول نظرا إلى اللفظ والمعنى كما في قوله تعالى

بلى من أسلم وجهه للّه وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون

وقالوا معناهما ومنهم ناس يستمعون إليك إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع ولكن لا يعون ولا يقبلون ومنهم ناس ينظرون إليك ويعاينون أدلة الصدق وأعلام النبوة ولكنهم لا يصدقون

قوله

وأصلها العموم أي تستعمل في العموم أكثر مما تستعمل في الخصوص لأن موضوعها الأصلي العموم

قوله من شئت من عبيدي إذا قال من شئت من عبيدي عتقه فأعتقه قال أبو حنيفة رحمه اللّه له أن يعتقهم إلا واحدا منهم فإن أعتقهم واحدا بعد واحد عتقوا إلا الآخر وإن أعتقهم جملة عتقوا إلا واحدا منهم والخيار فيه إلى المولى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما اللّه له أن يعتقهم جميعا

وجه قولهما أن كلمة من عامة للذي يعقل وحرف من كما يكون للتبعيض يكون للجملة قال اللّه تعالى

يغفر لكم من ذنوبكم ما اتخذ اللّه من ولد

ويكون لتمييز الجنس أي للبيان يقال سيف من حديد وخاتم من فضة وقال تعالى

فاجتنبوا الرجس من الأوثان

وههنا المراد بحرف من تمييز عبيده من غيرهم لأنه لو قال من شئت ولم

(٢/٩)

يقل من عبيدي كان كلاما مختلا فقال من عبيدي ليميز مماليكه عن مماليك غيره في إيجاب العتق فيتناولهم جميعا كما في

قوله من شاء من عبيدي عتقه فهو حر وصار كما إذا خالع امرأته على ما في يدها من الدراهم كان الخلع واقعا على جميع ما في يدها من الدراهم ولم يعمل من في التبعيض لما علمت في التمييز بين الدراهم والدنانير

وقد يكون المشيئة مضافة إلى خاص والمراد التعميم قال تعالى

فأذن لمن شئت منهم

ترجي من تشاء منهن

والمراد الجميع والرجل تقول لغيره خذ من مالي ما شئت

كل من طعامي ما شئت ويوجب إباحة الكل فهذا كذلك

وجه قول أبي حنيفة رحمه اللّه أن المتكلم جمع بين كلمة العموم والتبعيض فوجب العمل بحقيقتهما إذ الكلام محمول على حقيقته ما أمكن لكن العموم هو الأصل لأنه أضاف الفعل إليه فوجب القول بالعموم إلا بقدر ما يقع به العمل بالتبعيض وذلك أن تنقص عن الكل واحد ليصير عاما بتناوله الأكثر ويثبت العمل بالتبعيض لأن التسعة من العشرة بعضها وقد أدخلت كلمة التبعيض في العبيد دون غيره فوجب أن تعمل في التبعيض فيه لا في غيره

فصار حقيقة ذلك ما قاله أبو حنيفة رحمه اللّه وهو معنى قول الشيخ وهذا حقيقة التبعيض

وإنما حملت على التمييز والبيان في

قوله من شاء من عبيدي لأنه لما أكد العموم بإضافة المشيئة إلى عام صار ذلك دليلا على أنه لم يرد بهذه الكلمة التبعيض فحملت على التمييز وههنا أضيفت إلى خاص وهو المخاطب فلا يدل على تأكد العموم فلا يترك التبعيض

وكذلك في قوله تعالى

فاجتنبوا الرجس من الأوثان

قد قام دليل العموم وهو أن الرجس واجب الاجتناب عقلا فلا يمكن الحمل على التبعيض

وقد اقترن بقوله تعالى

فأذن لمن شئت منهم

وقوله عز اسمه

ترجي من تشاء منهن

دليل العموم أيضا وهو قوله تعالى واستغفر لهم اللّه

وقوله جل ذكره

ذلك أدنى أن تقر أعينهن

وكذلك ترك التبعيض في

قوله خذ من مالي ما شئت وكل من طعامي ما شئت بدلالة الحال لأن من جاد بطعامه أو ماله لم يظن به

(٢/١٠)

أن يضن باللقمة أو الدراهم وليس كذلك العتاق لأنه قد يسمح ببعضه ويضن ببعضه فلذلك وجب القول بالأمرين كذا في جامعي شمس الأئمة والمصنف

قوله يتناول البعض أي كلمة من في هذه المسألة يتناول البعض أيضا لدخول حرف التبعيض في العبيد كما في المتنازع إلا أن البعض الداخل تحت الشرط نكرة لأنه لا يعلم ما دخلت تحت الشرط وقد وصفت بصفة عامة وهي المشيئة لأن في الصلة معنى الصفة لأنها مع الموصول في حكم اسم موصوف ألا ترى أن معنى

قوله عليه السلام

من دخل دار أبي سفيان فهو آمن

الشخص الداخل دار أبي سفيان آمن فتعم ضرورة عموم الصفة

وسقط بها أي بسبب هذه الصفة الخصوص أي التبعيض فأما البعض في المتنازع فلم يوصف بصفة عامة إذ المشيئة فيه أسندت إلى المخاطب فيبقى معنى الخصوص معتبرا فيه مع صفة العموم فيتناول بعضا عاما

ونظيره لو قيل من سرق من الناس فأقطعه يفهم وجوب القطع للسراق كلهم ولو قيل اقطع من السراق من شئت لم يوجب اللفظ استيعاب الجميع بالقطع

ولا يقال إن المفعولية صفة كالفاعلية ولهذا يوصف بها فيقال عمرو مضروب كما يقال زيد ضارب وشيء معلوم كما يقال رجل عالم وهذه الكلمة قد صارت موصوفة بالمفعولية أي بالمشيئية كما أن الأولى صارت موصوفة بالفاعلية فلتتعمم بعموم هذه الصفة أيضا

لأنا نقول حقيقة الصفة معنى يقوم بالموصوف وذلك المعنى الذي تسميه وصفا إنما تقوم بالفاعل إلا بالمفعول إذ الضرب قائم بالضارب والعلم قائم بالعالم لا بالمضروب والمعلوم وإنما للمفعول تعلق بذلك المعنى باعتبار التأثر فلا يؤثر ذلك في العموم

قال شمس الإسلام الأوزجندي في جواب هذا السؤال أن الوصف للتعريف والتعريف إنما يحصل بالمذكور ومعنى المفعولية ليست بمذكور ولو صار مذكورا إنما يصير مذكورا بطريق الاقتضاء فلا يحصل به التعميم

على أنا لا نسلم أنها وصفت بالمفعولية بل الموصوف بها العتق في

قوله عتقه فلا يرد هذا السؤال

قوله وهذه الكلمة لما بين عموم هذه الكلمة شرع في بيان احتمال خصوصها فقال وهذه الكلمة أي كلمة من تحتمل الخصوص لأنها وضعت مبهمة في ذوات من يعقل فيقع لإبهامها على الفرد والجمع كما أن النكرة تصلح لإبهامها أن تقع على كل شخص على سبيل البدل

معنى الإبهام فيها أنها تذكر مرة للعموم وأخرى للخصوص

(٢/١١)

وليست للعموم في كل الأحوال كرجال ونساء ولا للخصوص في كل الأحوال كزيد وعمرو فصارت مبهمة كذا ذكر في الشروح وهو ضعيف

بل معنى الإبهام فيها وفي أمثالها أنها تقع على كل نفس وشيء لا على معين وأنها لا تفهم بذواتها وإنما تفهم بصلاتها الداخلة عليها فيصير مع صلتها ككلمة واحدة

وهي وضعت لذوات من يعقل لا غير عليه إجماع أهل اللغة حتى لو قيل من في الدار فجوابه زيد أبو بكر أو خالد ولو قيل فرس أو شاة كان مخطئا في الجواب

مثاله احتمال هذه الكلمة الخصوص

الأول اسم لفرد سابق لا يشاركه غيره من جنسه وهو صريح في هذا المعنى وكلمة من تحتمل الخصوص كما بينا وإن كان أصلها العموم فلما جمعها في كلامه حمل المحتمل على الصريح فسقط العموم عن هذه الكلمة لتعذر العمل به فلهذا لا يستحق النفل إلا واحد دخل سابقا على الجماعة فإذا دخله اثنان سقط النفل لفوات الوحدة وكذا إذا دخل بعده واحد لفوات السبق

قوله وقسم آخر أي من أقسام العام بمعناه دون صيغته كلمة كل

وكأنها مأخوذة من الإكليل الذي هو محيط بجوانب الرأس فلذلك يوجب الإحاطة ولكن على سبيل الإفراد كأنه ليس معه غيره فإذا قال لرجلين لكما علي ألف درهم يجب عليه الألف لهما ولو قال لكل واحد منكما علي ألف درهم يلزم عليه لكل واحد منهما ألف

وهي من الأسماء اللازمة الإضافة ولهذا لا يدخل إلا على الأسماء إذ الإضافة من خصائص الاسم فإن أضيفت إلى معرفة توجب إحاطة الأجزاء وإن أضيفت إلى نكرة توجب إحاطة الإفراد فيصح قول الرجل كل التفاح حامض أي جميع أجزائه كذلك ولا يصح كل تفاح حامض لحلاوة بعض منه

وإذا ضمنت معنى الشرط يؤتى بفعل بعد الاسم المضاف إليه كل صفة له ليصلح للشرطية إذ الاسم لا يصلح لذلك لأنه لا بد للشرط من أن يكون مترددا وذلك في الأفعال دون الأسماء

قوله وهذا معنى أي الإحاطة على سبيل الإفراد معنى ثبت بكلمة كل فيما أضيفت هذه الكلمة إليه

يعني أثر عمومه يظهر في المضاف إليه فإن أضيفت إلى معرفة

(٢/١٢)

يوجب العموم فيها بإحاطة أجزائها لا في غيرها وإن أضيفت إلى نكرة توجب العموم فيها بإحاطة إفرادها لا في غيرها فلو قال كل عبد دخل الدار فهو حر يثبت العموم في العبيد دون الإماء ولو قال لعبده أعط كل رجل من هؤلاء درهما يوجب العموم فيهم دون غيرهم وكذا لو قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق يوجب العموم في المرأة لا في التزوج حتى لو تزوج امرأة مرتين لا تطلق في المرة الثانية

ثم ثبت العموم بهذا اللفظ في المضاف إليه ولم يظهر أثر العموم في ذاته كما في قولك رجال ونساء وقوم ورهط كان مشابها للحرف من حيث إن كل واحد دل على معنى في غيره ولذلك لم تنفك هذه الكلمة عن الإضافة كما أن الحرف لا ينفك عن اسم أو فعل يصحبه فهذا معنى

قوله كأنها صلة أي حرف حيث لم تستعمل مفردة أي بدون المضاف إليه أو بدل فلا يقال كل جاءوا وإنما يقال كل القوم جاءوا أو كل جاءوا

قوله وهي تحتمل الخصوص مثل كلمة من حتى لو قيل كل من دخل منكم هذا الحصن أولا فله كذا فدخله جماعة على الولاء كان النفل للأول لا لغيره كما سيأتي بيانه

ولا تصحب الأفعال أي لا تدخل عليها إلا بصلة لأنها لازمة الإضافة وهي من خصائص الأسماء فلا تدخل على الأفعال

فإذا وصلت أي دخلتها الصلة وهي كلمة ما

أوجبت عموم الأفعال لأنها توجب عموم ما دخلت عليه

وكلمة ما هذه للجزاء ضمت إلى كل فصارت أداة لتكرار الفعل ونصب كل على الظرف والعامل فيه الجواب كذا في عين المعاني وغيره

ورأيت في كتاب بيان حقائق حروف المعاني أن ما مع الفعل الذي بعده بمنزلة الاسم الذي يقع بعد كل وكل مضاف إلى ذلك الاسم في التقدير فإذا قلت كلما تأتني أكرمك معناه كل إتيان يحصل منك لي أكرمك والمصدر في مثل هذا الموقع يراد به وقت وقوع الفعل تقول أقوم ههنا ما دام زيد جالسا أي دوام زيد جالسا وتريد بالدوام وقت الدوام

فإذا ثبت هذا قلنا إذا قال لامرأته كلما دخلت الدار فأنت طالق معناه وقت تدخلين فيها فكل مضاف إلى وقت الدخول والوقت ظرف فكان كل ظرفا أيضا لأن حكمه حكم ما أضيف إليه أبدا والعامل فيه الفعل الذي هو الجزاء وهو أكرمك في المثال المذكور وما هو في معنى الفعل مثل فأنت طالق في المثال الآخر

(٢/١٣)

قوله

وقوله تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها قال العلامة إمام الأئمة مولانا حافظ الملة والدين أسكنه اللّه بحبوحة جنانه التبديل تغيير الصفة كما يقال بدلت القميص قباء وقال تعالى

تبدل الأرض غير الأرض

أي تسوى غيطانها بآكامها فلا يلزم تعذيب غير المجرم والنضيج إذا أعيد نيا لا يكون غيره فكانت الغيرية المذكورة في الآية راجعة إلى الصفة لا إلى الذات

وعلى هذا مسائل أصحابنا أي على أن كلمة كل توجب العموم في النكرات وكلما توجبه في الأفعال بنيت مسائل أصحابنا فإذا قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق فهي تعم الأعيان دون الأفعال فإذا تزوج امرأة مرتين لا يحنث في المرة الثانية

ولو قال كلما تزوجت امرأة فكذا فتزوج امرأة مرتين يحنث في كل مرة

وكذا الحكم في

قوله كل عبد أشتريه فهو حر وكلما اشتريت عبدا فعلي كذا فاشتري عبدا وباعه ثم اشتراه يحنث في المرة الثانية في اليمين الثانية

وفي جنس هذه المسائل كثرة

قوله وبيان ما قلنا من الفرق إلى آخره ذكره في شرح السير الكبير لشمس الأئمة ولو قال كل من يدخل منكم هذا الحصن أولا فله رأس فدخل خمسة معا فلكل واحد منهم رأس لأن كلمة كل تجمع الأسماء على أن يتناول كل واحد منهم على الانفراد فعند ذكره يجعل كل واحد من الداخلين كأن اللفظ تناوله خاصة وكأنه ليس معه غيره فيكون لكل واحد منهم رأس

ولو دخلوا متواترين كان للأول النفل خاصة لأن كل الداخل أولا هو فإن من دخل بعده ليس بأول حين سبقه غيره بالدخول وفي الفصل الأول لم يسبق كل واحد منهم غيره بالدخول وعلى اعتبار إفراد كل واحد منهم كما هو موجب كلمة كل يكون كل واحد منهم أول داخل

وهذا بخلاف

قوله من دخل منكم أولا فله كذا فإن هناك إذا دخل الخمسة معا لم يكن لهم شيء لأن كلمة من توجب عموم الجنس ولا توجب إفراد كل واحد من الداخلين كأنه ليس معه غيره وعلى اعتبار معنى العموم ليس فيهم أول فأما كلمة كل فتوجب تناول كل واحد على الانفراد كأنه ليس معه غيره ثم كلمة كل قد توجب العموم أيضا ولكن لو حملناها على معنى العموم لم تبق لها فائدة لأن ذلك ثابت بقوله من دخل ولا بد من أن تكون لها زيادة فائدة وليس ذلك إلا ما

(٢/١٤)

قلنا وهو أنها توجب الإحاطة في كل داخل لم يسبقه غيره على أن يتناول كل واحد منهم على الانفراد

والحيال الحذاء يقال قعد حياله وبحياله أي بإزائه وأصله الواو فمعنى

قوله وجب لكل رجل النفل كاملا على حياله وجب النفل لكل واحد بمقابلته

وقوله فاعتبر واحد منهم على حياله أي بانفراده لأن من قعد بإزاء آخر متفرد في نفسه غير تابع له فاستعير للانفراد

قوله وهي عامة مثل كلمة كل من حيث إنها توجب الإحاطة كهي إلا أنها توجب الإحاطة على وجه الاجتماع وتلك توجبها على وجه الانفراد

فصارت بهذا المعنى وهو أنها توجب الإحاطة على سبيل الاجتماع مخالفة للقسمين الأولين يعني كلمة من وكلمة كل وذلك لأن كلمة كل توجب الإحاطة على سبيل الإفراد كما بينا وكلمة من توجب الاجتماع والعموم ولا توجب الإحاطة قصدا وكلمة الجميع تخالفهما لأنها توجب الإحاطة بصفة الاجتماع قصدا

ولذلك أي ولكونها موجبة للإحاطة مثل كلمة كل صارت مؤكدة لكلمة كل فيقال جاءني القوم كلهم أجمعون

وبيان ذلك أي أنها توجب الاجتماع ما إذا قال الإمام جميع من دخل هذا الحصن أولا فله رأس فدخله عشرة معا فالنفل الواحد بينهم بالسوية لأن ما لحق بكلمة من ههنا يدل على الاجتماع دون الإفراد فيصير باعتباره جميع الداخلين كشخص واحد في أنهم أول فلهم رأس واحد وكلمة كل تقتضي الإحاطة على سبيل الإفراد فيجعل باعتبارها كأن كل واحد من الداخلين تناوله الإيجاب خاصة كذا ذكر شمس الأئمة رحمه اللّه في شرح السير الكبير

(٢/١٥)

قوله لأن الجميع يحتمل أن يستعار بمعنى الكل من حيث إن كل واحد منهما يوجب الإحاطة والعموم فيعمل به عند تعذر العمل بالحقيقة وقد قام الدليل على أن الواحد يستحق النفل كالجميع لأن هذا التنفيل للتشجيع وإظهار الجلادة في قتال العدو وبدليل

قوله أولا فلما استحقه الجماعة بالدخول أولا فالواحد الداخل أولا أولى لأن الجرأة والجلادة فيه أقوى

ألا ترى أنه لو قال لرجل بعينه لست أطمع في أن تدخل أولا لكن إن دخلت ثانيا فلك كذا فدخل أولا يستحق النفل استحسانا لأنا نتيقن أنه صنع ما طلب الإمام منه زيادة في إظهار القوة والجلادة فإن بما تقدم من قول الإمام لست أطمع في أن تدخل أولا يتبين أنه لم يكن مراده أن شرط عليه الدخول ثانيا وإنما مراده التحريض على إظهار الجد في القتال وقد أتى به على أقوى الوجوه فكذلك ههنا فإن قيل فهلا جعلت كلمة من بمعنى كلمة كل بطريق الاستعارة فيما إذا دخله جماعة فيكون لكل واحد منهم نفل كما في كلمة كل

أو بمعنى كلمة الجميع فيكون للكل نفل واحد كما في كلمة الجميع قلنا لأنه لا يمكن وذلك لأن كلمة من لا تدل على الإحاطة ولا على الاجتماع والانفراد قصدا وإنما ثبت العموم فيها ضرورة إبهامها كعموم النكرة في موضع النفي وإذا كان كذلك لا يكون له اشتراك مع كل واحد منهما في المعنى الخاص الموضوع لكل واحد منهما وهو الإحاطة بصفة الانفراد والإحاطة بصفة الاجتماع فلا يجوز الاستعارة فإن قيل في هذه الاستعارة جمع بين الحقيقة والمجاز إذ لو دخل فيه جمع استحقوا نفلا واحدا عملا بحقيقته ولو دخل واحد يستحقه أيضا عملا بمجازه قلنا ليس المراد كليهما بل المراد

أحدهما لأن الشرط وهو الدخول أولا لا يوجد إلا في واحد أو أكثر من واحد فإن وجد في أكثر من واحد يعمل بحقيقته وإن وجد في واحد يعمل بمجازه ويتبين أنه هو المراد من الأصل وإنما يلزم الجمع بينهما إن لو تصور اجتماعهما بأن دخل جماعة أولا واستحقوا النفل ودخل واحد أولا أيضا واستحق النفل وذلك غير ممكن فلا يكون فيه جمع بينهما كذا قيل

ولقائل أن يقول عدم جواز الجمع بالنظر إلى الإرادة لا بالنظر إلى الوقوع وفي الإرادة الجمع متصور بل متحقق فلا يجوز فإن كلمة من يتناول كلمة ما عامة وهي تستعمل في ذوات ما لا يعقل وفي صفات من يعقل فإذا قيل ما في الدار يستقيم في الجواب فرس أو شاة أو ثوب ولا يستقيم في الجواب رجل وامرأة كذا ذكر عامة الأصوليين

(٢/١٦)

ورأيت في نسخة من أصول الفقه أن أهل اللغة اتفقوا على أن كلمة من مختصة بالعقلاء لكنهم اختلفوا في كلمة ما فمنهم من يقول إنها زائدة على معنى من يصلح لما يعقل ولما لا يعقل ومنهم من يقول إنها تختص بما لا يعقل كاختصاص من بمن يعقل

وذكر صاحب المفتاح فيه أن ما للسؤال عن الجنس تقول ما عندك بمعنى أي أجناس الأشياء عندك وجوابه إنسان أو فرس أو كتاب أو طعام

أو عن الوصف تقول ما زيد وما عمرو وجوابه الكريم أو الفاضل

قال ولكون ما للسؤال عن الجنس وللسؤال عن الوصف وقع بين فرعون وبين موسى ما وقع لأن فرعون لما كان جاهلا باللّه معتقدا أن لا موجود مستقلا بنفسه سوى الأجسام اعتقاد كل جاهل لا نظير له ثم سمع موسى قال إنا رسول رب العالمين سأل بما عن الجنس سؤال مثله فقال وما رب العالمين كأنه قال أي أجناس الأجسام وهو ولما كان موسى عليه السلام عالما باللّه أجاب عن الوصف تنبيها على النظر المؤدي إلى العلم بحقيقته الممتازة عن حقائق الممكنات فلما لم يتطابق السؤال والجواب عند فرعون الجاهل عجب من حوله من جماعة الجهلة فقال لهم ألا تستمعون ثم استهزأ بموسى وجنده فقال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون وحين لم يرهم موسى يفطنون لما نبههم عليه في الكرتين من فساد مسألتهم الحمقاء واستماع جوابه الحكيم عليهم غلظ في الثالثة فقال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون

قوله وكذلك كلمة الذي أي ومثل كلمة ما كلمة الذي في العموم

في مسائل أصحابنا

قال شمس الأئمة رحمه اللّه بعد ذكر من وما ونظيرها بين الكلمتين كلمة الذي فإنها مبهمة مستعملة فيما يعقل وفيما لا يعقل وفيها معنى العموم على نحو ما في الكلمتين حتى إذا قال إن كان الذي في بطنك غلاما كان بمنزلة

قوله إن كان ما في بطنك غلاما وكذا حكم الألف واللام بمعنى الذي حتى لو قال لعبيده الضارب منكم زيدا حر أو قال لنسوته الضاربة منكن زيدا طالق فالذي ضرب منهم يعتق وكذا التي ضربت تطلق لأن الألف واللام بمعنى الذي والتي معروف في كلام العرب كذا في كتاب بيان حقائق وحروف المعاني

(٢/١٧)

قوله وهذه أي كلمة ما في احتمال الخصوص مثل كلمة من لأنها وضعت مبهمة كهي فلإبهامها تقع على الواحد وعلى أكثر منه

وعلى هذا أي وعلى احتمال الخصوص عند أبي حنيفة وعلى احتمال العموم عندهما تخرج المسألة المذكورة

فعلى قولهما تجري هذه الكلمة على عمومها وتجعل كلمة من لتمييز هذا العدد من الأعداد أي أوقعي من هذا العدد ما شئت لا من الأعداد التي فوقه ويصح هذا التمييز وإن كان ما فوقه من الأعداد في الطلاق غير مشروع لأنه تصرف في اللفظ فلا تعتمد على وجوده شرعا كما في

قوله أنت طالق ألفا إلا تسعمائة وتسعة وتسعين يقع واحدة ويصح الاستثناء نظرا إلى اللفظ كذا هنا

وعلى قول أبي حنيفة رحمه اللّه يجعل حرف من للتبعيض كما في

قوله أعتق من عبيدي من شئت وكلمة ما يحتمل الخصوص وقد عارضها حرف التبعيض فتحمل على الخصوص وهو التبعيض ثم يعمل بالعموم فيه بقدر الإمكان ليحصل العمل بحقيقة الكلمتين كما في تلك المسألة

قوله ويجوز أن يستعار كلمة ما بمعنى من يعني ما بينا من معنى الكلمتين بيان الحقيقة فأما كلمة ما فقد تستعمل بمعنى كلمة من مجازا كقولهم سبحان ما سبح الرعد بحمده وسبحان ما سخركن لنا

وقوله تعالى والسماء وما بناها

أي ومن بناها في قول بعض المفسرين

وعند بعضهم أوثرت كلمة ما على من لإرادة معنى الوصفية فكأنه قيل والقادر العظيم الذي بناها

وقد استعملت كلمة من بمعنى ما أيضا كما في قوله تعالى

فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع

وقوله عز اسمه

أفمن يخلق كمن لا يخلق

إلا أن الشيخ خص لأنه في بيان كلمة ما ولأن الأول أكثر

وقد قيل اختير لفظ من في هذه المواضع لأنه تعالى لما قال

خلق كل دابة

دخل فيه العقلاء وغيرهم فحسن تغليب العقلاء على غيرهم وكذا الخلق فعل من يعقل فناسب كلمة من أو معناه ومن يخلق ليس كمن لا يخلق من أولي العلم

(٢/١٨)

فكيف بما لا علم له

أو الكلام مبني على زعم الكفار فلذلك قيل من في هذه المواضع دون ما

قوله وهذه كلمات موضوعة غير معلولة العام معنى لا صيغة قسمان قسم ثبت عمومه بالوضع وقسم ثبت عمومه بعارض يلحق به فقوله وهذه كلمات موضوعة إشارة إلى أن الألفاظ المذكورة كقوم ورهط ومن وما وكل وجميع من القسم الأول دون الثاني

ثم شرع في بيان القسم الثاني فقال وقسم آخر أي من العام معنى لا صيغة النكرة إذا اتصل بها دليل العموم لأنها تحتمل العموم كما قلنا في كلمة كل فإنها إذا دخلت على النكرة أوجبت عمومها وإن كانت النكرة في ذاتها خاصة إذ هي اسم وضع لفرد من أفراد الجملة وبيان ذلك أي بيان عمومها عند اتصال دليل العموم بها أنها في النفي تعم سواء دخل حرف النفي على نفسها كقولك لا رجل في الدار أو على الفعل الواقع عليها كقولك ما رأيت رجلا وفي الوجهين يثبت العموم فيها ضرورة واقتضاء لا لمعنى في نفس الصيغة إذ هي لا يتناول في النفي والإثبات إلا واحدا

وذلك لأنه لما نفى رؤية رجل منكر فقد نفى رؤية جميع الرجال لأنه نفى رؤية هذه الحقيقة وهي موجودة في جميع الأفراد فكان من ضرورته انتفاء رؤية جميع الأفراد لئلا يلزم الجمع بين النقيضين إذ لو كان رأى رجلا واحدا لا ينتفي رؤية تلك الحقيقة

ولهذا لو قال لعبده لا تضرب اليوم أحدا من الناس عد مخالفا عند العقلاء أجمع بضرب واحد وكذا لو قال ما أكلت اليوم شيئا فمن أراد تكذيبه قال بل أكلت شيئا ولو لم يفد الأول العموم لما صح هذا التكذيب لأن الإيجاب الجزئي لا يناقض السلب الجزئي

ويؤيد ما ذكرنا أن اليهود لما قالت ما أنزل اللّه على بشر من شيء رد اللّه تعالى قولهم بقوله عز اسمه

قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى

ولم يفد الكلام الأول العموم لما كان هذا ردا له

ولأن النصوص والإجماع تدل على كلمة أن لا إله إلا اللّه كلمة توحيد وإنما صح ذلك أن لو كان نفي النكرة موجبا للعموم فإن قيل قد يصح الإضراب عنه بإثبات التثنية والجمع مثل أن يقول ما رأيت رجلا بل رأيت رجلين أو رجالا كذا نقل عن سيبويه ولو كان موجبا للعموم لما صح كما لو قيل ما رأيت رجلا بل رأيت رجالا

(٢/١٩)

قلنا نحن لا نسلم صحة ذلك

ولئن سلمنا فنقول بقرينة الإضراب يفهم المراد نفي صفة الوحدة لا نفي نفس الحقيقة كما لو قال ما رأيت رجلا كوفيا يدل على انتفاء رؤية هذه الحقيقة الموصوفة لا مطلق الحقيقة كذا هذا

وذكر بعضهم أن النكرة تعم في موضع الشرط كما تعم في موضع النفي يقال من يأتني بمال أجازه لا يختص هذا بمال دون مال وذلك لأنها إنما عمت في النفي لأنها ليست مختصة بمعين في قولك رأيت رجلا والنفي لا اختصاص له لأنه نقيض الإثبات فإذا انضم النفي إلى التنكير اقتضى اجتماعهما العموم فكذا الشرط لا اختصاص له بل مقتضاه العموم فالنكرة الواقعة في موضعه تعم أيضا ولما كانت المعرفة خلاف النكرة كان الفرق في عمومها للأجزاء وعدمه في حالتي الإثبات والنفي على عكس ما ذكرنا في النكرة فإنه إذا قال واللّه لا أشتري هذا العبد اليوم فاشتراه إلا جزءا منه لا يحنث ولو قال واللّه لأشترين هذا العبد اليوم فاشتراه إلا جزءا منه يحنث

ثم قيل النكرة في الإثبات أنما تخص إذا كانت اسما غير مصدر فإن كانت مصدرا فهي تحتمل العموم فإنه تعالى قال

لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا

وصف الثبور بالكثرة وكذا لو قال أنت طالق طلاقا ونوى الثلاث يصح فعلم أن المصدر المنكر يحتمل العموم في الإثبات ألا ترى أنه لو قال رأيت رجلا كثيرا لا يصح لأنه اسم

قوله وضرب آخر أي من دلائل العموم لام التعريف

اعلم أن أهل الأصول قد اختلفوا في اسم الجنس إذا دخلته لام التعريف لا للعهد فقال بعضهم إن ذلك ينبئ عن أن هذا الجنس مراد ولا يدل على الاستغراق بل هو يحتاج إلى دليل وإليه ذهب بعض مشايخنا المتأخرين وهو قول أبي علي الفسوي من أئمة اللغة

قال القاضي الإمام أبو زيد اللام إذا دخلت على الفرد أو الجمع يصير للجنس إلا أن اسم الجنس يتناول الكل بطريق الحقيقة والأدنى بطريق الحقيقة أيضا لكن عند الإطلاق ينصرف إلى الأدنى وهو الواحد وهو مذهب المصنف أيضا قالوا هذا اللفظ يتناول بحقيقة الأدنى كما يتناول الكل وكل فرد يصلح أن يكون كلا كما بينا فلما ساوى البعض الكل في الدخول ترجح البعض بالتيقن وانصرف مطلق اللفظ إليه واحتمل الكل بدليله

واستدلوا على ذلك بقوله واللّه لا أشرب الماء ولا أتزوج النساء ولا أشتري العبيد فإن هذه الأيمان تقع على الأدنى ولا تنصرف إلى

(٢/٢٠)

الكل إلا بالنية

قالوا ولا يقال ذلك باعتبار تعذر صرفها إلى الكل لأنه إذ قال لامرأته أنت الطلاق تطلق واحدة وقد أمكن صرفه إلى الكل ولم ينصرف إليه بدون النية أيضا فعلم أن موجبه تناول الأدنى على احتمال الأعلى

وذهب جمهور الأصوليين وعامة مشايخنا وعامة أهل اللغة إلى أن موجبه العموم والاستغراق لأن العلماء أجمعوا على إجراء قوله تعالى

والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما

وقوله عز اسمه

الزانية والزاني

على العموم واستدلوا باستغراقهما من غير نكير

وكذلك استدلوا بالجموع المعرفة باللام وقد ذكرنا بعضها فيما تقدم استدلالا شائعا ولم ينكر عليهم أحد

وكذا أريد من قوله تعالى

والنخل باسقات

والخيل والبغال والحمير

هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا

يا أيها الناس

والعصر إن الإنسان لفي خسر

كل الجنس لا فرد مخصوص

ونص الزجاج أن الإنسان في قوله تعالى

إن الإنسان لفي خسر

بمنزلة

قوله الناس

وكذا يقال الفرس أعدى من الحمار والأسد أقوى من الذئب ويراد به كل الجنس إلا الفرد

وقد انعقد عليه إجماع أهل اللغة أيضا فإن بعضهم سماها لام التجنيس وبعضهم سماها لام الاستغراق حتى قال أهل السنة بأجمعهم إن اللام في قوله تعالى

الحمد للّه

لاستغراق الجنس فقالوا معناه جميع المحامد للّه تعالى فكان القول بأنه يقع على الأدنى ولا ينصرف الأعلى إلا بدليل مخالف للإجماع

ولأن هذه اللام للتعريف لغة والتعريف يحصل تمييز المسمى عن أغياره وهو تارة يكون تمييز الشخص عن سائر الأشخاص المشاركة له في الدخول تحت النوع ولم يحصل هذا التعريف إلا بعد سبق عهد بهذا الشخص ذكرا أو مشاهدة

وتارة يكون تمييز النوع عن سائر الأنواع المساوية له في دخوله تحت الجنس كما يقال ما كان من السباع غير مخوف فهذا الأسد مخوفا فإن اسم الأسد واقع على كمال نوعه لا على شخص من أشخاصه لانعدام سبق العهد وهذا النوع من التعريف أبلغ من التعريف للشخص لبقاء الاشتراك لكل فرد من أفراد النوع

(٢/٢١)

في التسمية في تعريف الشخص وانقطاع ذلك في النوع واختصاصه بالاسم من بين سائر الأنواع

ولهذا قال أهل الأصول بأجمعهم أو المبرزون منهم إن صرف اللفظ الممكن صرفه إلى الجنس والمعهود إلى الجنس أولى وهو اختيار ابن السراج من أئمة النحو لأن جعل حرف التعريف علامة لما كمل تعريفه أولى من جعله علامة لما ضعف في بابه ووهي في نفسه

نوضح ما ذكرنا أنه لما وجب صرف اللام إلى الجنس ليحصل التعريف ولن يحصل التعريف إلا بالاستغراق وجب الصرف إليه لأن ما دونه لا يتعرف به فإنه إذا قيل جاءني حصل العلم للسامع بكونه آدميا ذكرا جاوز حد الصغر وكذا إذا قيل جاءني رجال عرف جنسهم ونوعهم واجتماعهم في المجيء وبقيت الذوات مجهولة فإذا دخلت فيه اللام لا يحصل تعريف الذات إلا وأن يصرف إلى كل الجنس حتى يعلم أن كل واحد من الجنس مراد بهذا اللفظ فأما متى صرف إلى مطلق الجنس فلم تصر الذوات معلومة وما وراءها معلوم بدون اللام فكان الحمل عليه إلغاء لفائدة اللام وصار وجودها كعدمها وذلك إبطال وضع اللغة فثبت بما ذكرنا أن العهد إذا انعدم لا بد من الصرف إلى الجميع ليحصل التعريف

وقولهم الواحد كل الجنس مسلم ولكن عند عدم من يزاحمه فعند وجوده هو البعض حقيقة فمن المحال أن يكون كلا للجنس الذي هو بعض منه وإن كان عند خروجه من أن يكون بعضا جاز أن يكون كلا

فأما الجواب عن مسائل الأيمان فنقول إنما عدلنا عن الكل بدلالة الحال لأن إنسانا إنما يمنع نفسه باليمين عما يدعوه إليه نفسه ويمكنه الإقدام عليه وتزوج نساء العالم وشراء عبيد الدنيا وشرب مياهها جميعا غير ممكن فعرفنا أن البعض هو المراد فصرفنا اليمين إلى الواحد للتيقن وصار كأنه قال لا أشرب قطرة من الماء ولا أتزوج واحدة من النساء والدليل عليه ما ذكر محمد رحمه اللّه في الجامع لو قال إن كلمت بني آدم فامرأته طالق ثلاثا فكلم رجلا واحدا حنث لأن يمينه أنما يقع على هذا ثم قال ألا ترى أنه لا يقدر أن يكلم بني آدم كلهم فإذا كان الأمر على هذا فإنما يقع يمينه على من كلم منهم فهذا تصريح من محمد أنه أنما يقع على الواحد لتعذر الحمل على الكل

وهذا هو الجواب في مسألة الطلاق أيضا لأن إيقاع جميع جنس الطلاق لا يدخل في ملك أحد فلا يمكنه إيقاع جميع هذا الجنس فصار قائلا أنت طالق بعضا من الطلاق أي بعضا من هذا الجنس من الفعل الممتاز عن الأفعال الأخر وذلك البعض مجهول القدر والواحد متيقن فانصرف إليه كذا في طريقة الشيخ أبي المعين والميزان وغيرهما فإن قيل لو كان الاسم الداخل عليه اللام للاستغراق لصح نعته باسم الجمع فيقال جاءني الرجل الطوال كما يقال جاءني الرجال الطوال

(٢/٢٢)

قلنا يجوز ذلك أيضا فإنه يقال أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض كذا ذكره صاحب القواطع إلا أن الأحسن أن ينعت باللفظ الفرد مراعاة للصورة ومحافظة على التشاكل بين الصفة والموصوف

واعلم أن اسم الجنس المعرف باللام إن كان عاما عند الشيخ كما هو مذهب الجمهور ينبغي أن يكون متنا ولا للكل عند الإطلاق محتملا لما دونه إلى الأدنى كما هو موجب سائر ألفاظ العموم فإنها يتناول الكل ويحمل على الأدنى التعذر

وإن لم يكن عاما كما هو مذهب البعض لا يصح منه عد لام التعريف من دلائل العموم

ولا يصح أن يقال يجوز أن يكون عاما ولكن موجب العام عنده تناوله للأدنى على احتمال الأعلى لأن ذلك مذهب أرباب الخصوص وليس هو منهم

ويجوز أن تكون دلالة العام عنده على مطلق الجمع لا على الاستغراق ودلالة اسم الجنس على مطلق الجنس أيضا لا على الاستغراق إلا أن العام عند عدم المانع يتناول الكل لعدم المزاحم مع كونه أشد مناسبة للعموم والجنس يقع على الأدنى لوجود حقيقة معنى الجنس فيه مع رعاية الفردية حقيقة وحكما كما قرع سمعك غير مرة

وفي الجملة لم يتضح لي حقيقة معنى كلام الشيخ في هذه المسألة ولا غرو إذ هو كان رحمه اللّه في أعلى طبقات أهل التحقيق

متغلغلا في مضايق مسالك التدقيق

فأين نحن من العثور على مقصوده ومرامه والوقوف على حقائق نكته وأسرار كلامه

فلذلك اخترنا قول الجمهور واللّه أعلم

قوله قول علمائنا أي مثال ما ذكرنا أن النكرة تصير للجنس بدخول اللام قول علمائنا في قول الرجل المرأة التي أتزوج طالق وقد تزوج امرأة بعده أنها تطلق

وفي الكلام حذف واختصار كما ترى

واحترز بقوله علمائنا عن قول الشافعي فإن عنده لا تطلق على ما عرف

وبيانه أن اللام في قخوله المرأة للجنس لا للعهد فيقع على الأدنى وهي الواحدة ثم هي مجهولة منكرة إذ اللام ليست لتعريفها ولا يصح إضافة الطلاق إلى مجهولة إلا أنها قد تتعين ويتعرف بالوصف وقد وصف بالتزوج فيتعين بهذا الوصف فكان ما يحصل به التعين الذي لا بد لوقوع الطلاق منه في معنى الشرط لتوقف صيرورتها معلومة

(٢/٢٣)

عليه وهو يصلح شرطا لما عرف في مسألة إضافة الطلاق إلى التزوج وهو وصف عام فيتعمم الحكم به وصار كما إذا قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق

بخلاف ما إذا قال هذه المرأة التي أتزوج طالق فتزوجها حيث لا تطلق لأنه عرفها بأبلغ جهات التعريف فلا يحصل بالوصف تعريف فلم يكن في معنى الشرط بل يكون مجرد وصف فبقي إيقاعها للحال فبطل

ونظيره

قوله العبد الذي أشتريه فهو حر فاشتراه يعتق ولو قال هذا العبد والمسألة بحالها لا يعتق

وكذا لو قال لنسائه المرأة التي تدخل منكن الدار طالق فدخلت واحدة منهن تطلق ولا تطلق قبل الدخول ولو قال هذه المرأة التي تدخل هذه الدار طالق طلقت للحال دخلت أو لم تدخل

وأصل ذلك أي أصل ما ذكرنا أن النكرة بدخول اللام تصير للجنس

ومثاله أي مثال أن تذكر شيئا ثم تعاوده

إذا أقر بألف مقيد بصك ثم أقر به كذلك أي مقيدا بذلك الصك بأن أدار صكا على الشهود وأقر بما فيه عند كل فريق منهم كان الثاني هو الأول فلا يلزمه إلا الألف بالاتفاق

وإذا كان كل واحد منهما أي من الإقرارين نكرة أي غير مقيد بصك بأن أقر بألف مطلقا بحضرة شاهدين ثم أقر بألف مطلقا بحضرة شاهدين آخرين والمجلس واحد كان الثاني عين الأول أيضا بالاتفاق وإن كان المجلس مختلفا فكذلك عندهما وعند أبي حنيفة رحمه اللّه كان الثاني غير الأول حتى يلزمه ألفان

وجه قولهما أن العرف جار في تكرار الإقرار لتأكيد الحق بالزيادة في الشهود فيكون الثاني تكرارا للأول بدلالة العرف فلا يلزم المال بالشك وصار كما إذا أقر ثانيا بألف عند القاضي أو أقر بألف وأشهد واحدا ثم بألف وأشهد آخر وكرره في مجلس واحد بخلاف

قوله أنت طالق أنت طالق لأنه إيقاع فلا يتصور فيه تكرار

وجه قول أبي حنيفة رحمه اللّه أنه أقر بألف منكر مرتين والنكرة إذا كررت كانت الثانية غير الأولى فصار هذا بمنزلة ما لو كتب لكل واحد صكا على حدة وأشهد على كل صك شاهدين

وهذا بخلاف ما لو أشهد على كل إقرار شاهدا واحدا لأن بالشاهد الواحد لا يصير المال مستحكما ففائدة إعادته استحكام المال بإتمام الحجة

وكذا لو أقر به ثانيا بين يدي القاضي لأن فائدة الإعادة

(٢/٢٤)

إسقاط مؤنة الإثبات بالبينة على المدعي مع أن المدعي ادعى ذلك الألف فإعادته تحصل معرفا

وبخلاف ما إذا أراد الصك على الشهود لأن الإقرار هناك صار معرفا بالمال الثابت في الصك والمنكر أو المعرف إذا أعيد معرفا كان الثاني عين الأول

فأما إذا كان الإقراران في مجلس واحد في القياس على قول أبي حنيفة يلزمه مالان ولكنه استحسن فقال للمجلس تأثير في جمع الكلمات المتفرقة وجعلها في حكم كلام واحد فباعتباره يكون الثاني معرفا من وجه ألا ترى أن الأقارير بالزنا في مجلس واحد جعل في حكم إقرار واحد بخلاف ما إذا اختلف المجلس فكذلك ههنا

وعلى هذا الخلاف لو أقر بألف في مجلس وأشهد شاهدين ثم بألفين وأشهد شاهدين في مجلس آخر أو بألفين ثم بألف عند أبي حنيفة رحمه اللّه يلزمه المالان وعندهما يدخل الأقل في الأكثر فعليه أكثر المالين فقط كذا في المبسوط

قوله وذلك معنى قول ابن عباس رضي اللّه عنهما أن المنكر إذا كرر منكرا كان الثاني غير الأول

هو معنى قول ابن عباس في قوله تعالى

فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا لن يغلب عسر يسرين

وكذا نقل عن ابن مسعود رضي اللّه عنه وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه خرج إلى أصحابه ذات يوم فرحا مستبشرا وهو يضحك ويقول لن يغلب عسر يسرين لن يغلب عسر يسرين

وعن ابن مسعود رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال عند نزول هذه الآية والذي نفسي بيده لو كان العسر في جحر لطلبه حتى يدخل عليه ولن يغلب عسر يسرين

وذلك لأن العسر أعيد معرفا باللام فكان الثاني عين الأول واليسر أعيد منكرا فكان الثاني غير الأول

وأصله أن المعرفة إذا أعيدت معرفة أو نكرة أو النكرة إذا أعيدت معرفة كانت الثانية عين الأولى لأن المعرفة مستغرقة للجنس والنكرة متناولة لبعض الجنس فيكون داخلا في الكل لا محالة مقدما كان أو مؤخرا والنكرة إذا أعيدت نكرة كانت الثانية غير الأولى لأن كل واحدة منهما متناولة للبعض فلا يلزم أن يكون الثانية عين الأولى ولأن الثانية لو انصرفت إلى الأولى لتعينت ضرب تعين بأن لا يشاركها غيرها فيه فلا يبقى نكرة والأمر بخلافه

مثال الأول العسر المذكور في الآية

ومثال الثاني قول الشاعر صفحنا عن بني ذهل وقلنا القوم أخوان عسى الأيام أن يرجعن يوما كالذي كانوا

ومثال الثالث قوله تعالى كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول

(٢/٢٥)

المزمل ١٥ ١٦ ومثال الرابع اليسر المذكور في الآية

وعلى هذا الأصل يخرج قول الرجل لامرأته أنت طالق نصف تطليقة وثلث تطليقة وسدس تطليقة فإنه يقع عليها ثلاث تطليقات لأنه أضاف كل جزء إلى تطليقة نكرة فكانت غير الأولى فصار كأنه قال أنت طالق نصف تطليقة وثلث تطليقة أخرى وسدس تطليقة أخرى

ولو قال أنت طالق نصف تطليقة وثلثها وسدسها يقع عليها تطليقة واحدة لأنها أعيدت معرفة فكانت عين الأولى فصار كأنه قال نصف تطليقة وثلث تلك التطليقة وسدس تلك التطليقة

وكذلك لو قال جاءني اليوم نساء حسان أو رأيت اليوم نساء حسانا أو عبيدا حسانا ثم قال إن تزوجت نساء فكذا أو قال إن اشتريت عبيدا فكذا فتزوج ثلثا من غيرهن أو اشترى ثلثه من غيرهم يحنث

ولو قال إن تزوجت النساء أو اشتريت العبيد فتزوج غيرهن أو اشترط غيرهم لا يحنث كذا في كتاب بيان تحقيق حروف المعاني ثم في قوله تعالى فإن مع العسر يسرا إنما أدخلت الفاء في الأول جوابا لتعيير المشركين إياه بالفقر دون الثاني لأنه وعد عام لجميع المومنين على سبيل الاستئناف

قال صاحب الكشاف يجوز أن يكون الأولى عدة بأن العسر الذي أنتم فيه مردود بيسر لا محالة والثانية عدة بأن العسر متبوع بيسر فهما يسران على تقدير الاستئناف وإنما كان العسر واحدا لأنه لا يخلو إما أن يكون تعريفه للعهد وهو العسر الذي كانوا فيه فهو هو لأن حكمه حكم زيد في قولك إن مع زيد مالا إن مع زيد مالا

وإما أن يكون للجنس الذي يعلمه كل واحد فهو هو أيضا

وإما اليسر فمنكر متناول لبعض الجنس فإذا كان الكلام الثاني مستأنفا غير مكرر فقد تناول بعضا غير البعض الأول

ويجوز أن يراد باليسرين ما تيسر لهم من الفتوح في أيام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما تيسر لهم في أيام الخلفاء

وأن يراد يسر الدنيا ويسر الآخرة

والتنكير في يسرا للتفخيم كأنه قيل إن مع العسر يسرا عظيما وأي يسر

وعن العتبي أو القتبي قال كنت يوما مغموما بالبادية فألقي في روعي قول من قال أرى الموت لمن أصبح مغموما له روح فسمعت بالليل هاتفا من السماء يقول ألا يا أيها المرء الذي الهم به برح وقد أنشدت بيتا لم تزل في فكره تسبح

(٢/٢٦)

% إذا اشتدت بك العسرى ففكر في ألم نشرح % فعسر بين يسرين إذا فكرتها فافرح % قال فحفظت الأبيات وفرج اللّه غمي

وقال آخر % توقع إذا ما عرتك الهموم % سرورا يشردها عنك فسرا % % ترى اللّه يخلف ميعادة % وقد قال إن مع العسر يسرا %

قوله وفيه نظر ذكر في بعض الشروح معناه أن في الأصل المذكور وهو أن المعرفة إذا أعيدت معرفة كانت الثانية عين الأولى والنكرة إذا أعيدت نكرة كانت الثانية غير الأولى نظرا فإنه قد ينعكس كما في قوله تعالى

وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب

الكتاب الثاني غير الأول وإن ذكرا معرفين

وقوله عز اسمه

اللّه الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة

الضعف الثاني عين الأول وإن ذكرا منكرين وكذا القوة الثانية عين الأولى وإن ذكرتا منكرتين

والظاهر أنه ليس براجع إلى هذا الأصل فإنه مذهب أهل البصرة والكوفة كذا ذكر في التيسير بل هو راجع إلى قول ابن عباس لن يغلب عسر يسرين يعني وثبت هذا القول منه يخرج عن هذا الأصل ويكون الجملة الثانية ح مذكورة على وجه الاستئناف ولكن الصحيح عند الشيخ أنها مذكورة على وجه التكرير للجملة الأولى لتقرير معناها في النفوس ويمكنها في القلوب كما كرر قوله تعالى

ويل يومئذ للمكذبين

أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى

وكما يكرر المفرد في قولك جاءني زيد زيد وعلي هذا التقدير لا يستقيم قول ابن عباس لن يغلب عسر يسرين فهذا هو معنى النظر

ثم الأصل المذكور قد يترك عند تعذر العمل به كما يترك العمل بالحقيقة عند التعذر وقد تحقق التعذر ههنا فيما ذكر فإن الكتاب الأول لما وصف بقوله مصدقا لما بين يديه وجعل الكتاب الثاني بيانا

لما لا يمكن صرفه إلى الأول ولما لم يكن بعد قوة الشباب قوة أخرى لا يمكن صرف القوة الثانية إلى غير الأولى فترك

(٢/٢٧)

هذا الأصل للتعذر

فأما الضعف الثاني فهو غير الأول لإمكان صرف كل واحد إلى ضعف لأن المفسرين قالوا الضعف الأول النطفة والضعف الثاني ضعف الطفولة ومعناه خلقكم من ماء ذي ضعف وعنى بضعفه قلته أو حقارته كقوله تعالى

ألم نخلقكم من ماء مهين

ثم جعل ومن بعد ضعف أي ضعف الطفولة قوة أي قوة الشباب ثم جعل من بعده قوة الشباب ضعفا وشيبة أي عند الكبر

قوله وإذا تعذر متصل بأول كلام يعني لام المعرفة للعهد وإذا تعذر معنى العهد حمل على الجنس مجازا وفي الجنس معنى العموم على ما مر غير مرة

وذلك مثل

قوله أنت طالق الطلاق اللام فيه لتعريف الجنس إذ ليس يمكن صرفه إلى معهود فيثبت فيه معنى العموم حتى إذا نوى الثلاث يقع ولكنه بدون النية يتناول الواحد لأنها أدنى الجنس وهي المتيقن بها

قوله وضرب آخر من دلائل العموم وصف عام

والمراد بعمومة أنه يصح أن يوصف به كل فرد من أفراد نوع الموصوف ولا يختص بواحد كقوله رجل كوفي يصح أن يوصف بهذه النسبة كل رجال الكوفة فإذا وصفت النكرة بمثل هذا الوصف تتعمم ضرورة عموم الوصف وإن كانت في نفسها خاصة كما تتعمم بوقوعها في موضع النفي وبكلمة كل

فإذا قال واللّه لا أكلم أحدا إلا رجلا أو لا أتزوج أحدا إلا امرأة كان المستثنى رجلا واحدا وامرأة واحدة حتى لو كلم رجلين أو تزوج امرأتين يحنث لأن الاستثناء من النفي إثبات والنكرة في الإثبات تخص

ولو قال لا أكلم إلا رجلا عالما أو رجلا كوفيا كان له أن يكلم كل عالم أو كل كوفي وإن كان نكرة في الإثبات لعموم الوصف والنكرة يحتمل أن تصير عامة بدليل يقترن بها كما بينا فيجوز أن يتعمم باتصافها بالوصف العام إذ الوصف الموصوف كشيء واحد

ويؤيده قوله تعالى

قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا

حيث صار كل دم مسفوح مستثنى وهذا المعنى وهو أن النكرة إذا لم تكن موصوفة الاستثناء باسم الشخص فيتناول شخصا واحدا وإذا كانت موصوفة فالاستثناء بصفة النوع فتخص ذلك النوع لصيرورته مستثنى كذا في جامع شمس الأئمة رحمه اللّه

واعلم أن الوصف من أسباب التخصيص والتقييد في النفي والإثبات جميعا فإن قولك رأيت رجلا عالما أخص بالنسبة إلى قولك رأيت رجلا لأنه وإن تناول واحدا من الجملة إلا أنه شائع في كل الجنس يصلح لتناول كل واحد من إفراده على سبيل البدل

(٢/٢٨)

وقولك رأيت رجلا عالما شائع في بعض الجنس وهم العالمون منهم على سبيل البدل لا في كله

وكذا قولك ما رأيت رجلا عم النفي جميع الجنس كما مر بيانه وقولك ما رأيت رجلا عاما عم النفي بعض الجنس وهم العالمون لا كله حتى لو رأى رجلا غير عالم لا يكون كاذبا

وكذا لو قال لأكلمن اليوم رجلا عالما أو رجلا كوفيا أو قال لأتزوجن امرأة كوفية يتعلق البر بكلام رجل واحد وبتزوج امرأة واحدة لا غير وكلما ازداد وصف في الكلام ازداد تخصيص هذا هو موجب اللغة ومذهب عامة أهل الأصول

وإذا ثبت هذا عرفنا أن هذا الأصل لا يطرد في جميع المواضع

وقد كنت في مجلس شيخنا العلامة وأستاذ الأئمة مولانا حافظ الملة والدين أسكنه اللّه بحبوحة جناته وكان المجلس غاصا بالعلماء النحارير والفضلاء الحذاق المهرة إذ جرى الكلام في هذه المسألة فقال بعض الكبار تعميم النكرة الموصوفة مختص بالاستثناء من النفي وبكلمة أي دون ما عداهما وتمسك بنحو ما ذكرنا من المسائل والنظائر فلم يقابل برد مسموع ولم يجبه أحد جوابا شافيا ورأيت مكتوبا على حاشية تقويم مقروء على شيخنا هذا قدس اللّه روحه أن هذا الأصل يختلف حكمه باختلاف المحال فالنكرة الموصوفة بصفة عامة في موضع الإباحة وفي موضع التحريض يتعمم فأما في موضع الجزاء والخبر فلا يتعمم كما في قوله تعالى

فتحرير رقبة مؤمنة

وكقولك جاءني رجل عالم

ثم النكرة الموصوفة أنما يتعمم في الاستثناء من النفي وإن كان ذلك موضع إثبات لأنها كانت داخلة في صدر الكلام وأنه أخرجها بالاستثناء منه تقديرا والاستثناء ليس بمستقبل بنفسه فيؤخذ حكمه من صدر الكلام وهو موضع نفي فيتعمم ما دخل من النكرات تحته ضرورة وقوعها في موضع النفي وصار في التقدير كأنه قال لا أكلم رجلا كوفيا ولا رجلا بصريا ولا مكيا ولا مدنيا حتى عد جميع الأنواع ثم قال إلا رجلا كوفيا فلما كان المستثنى وهو رجل كوفي عاما في صدر الكلام لكونه نكرة واقعة في موضع النفي بقي كذلك بعد الاستثناء لأنه عين ما دخل في صدر الكلام

والاستثناء ليس بمستقل بنفسه فيؤخذ حكمه من المستثنى منه فصار كأنه بعد الاستثناء في موضع النفي أيضا فيتعمم

وهذا مؤيد بما ذكر محمد رحمه اللّه في الجامع لو قال لامرأتين له كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فهي طالق قاله مرتين طلقت كل واحدة منها واحدة وكان ينبغي أن

(٢/٢٩)

يطلق إحديهما غير عين وكان الخيار إلى الزوج كما قال القاضي أبو حازم لأن

قوله فهي كناية عن الواحدة المذكورة سابقة فصار كأنه صرح بالواحدة وعند التصريح بالواحدة تقع طلقة واحدة على إحديهما غير عين فكذلك هذا إلا أن الواحدة المذكورة في الشرط نكرة في موضع النفي لأن تقدير الكلام لا أحلف بطلاق واحدة منكما وإن حلفت بذلك فكذا والنكرة في النفي تعم والكناية وهي

قوله فهي لا تستقل بنفسها ولا تفيد إذا انقطعت عن أول الكلام فلا بد من أن يؤخذ حكمها من أول الكلام لتصير مفيدة ولما عم المكنى بوقوعه في موضع النفي ولا بد من أن يؤخذ حكم الكناية من المكنى لعدم استقلالها صارت الكناية عامة أيضا فلما كرر فقد صار حالفا بطلاقهما فحنث في الأولى ومن حكم اليمين الأولى طلاق كل امرأة صارت محلوفا بطلاقها وقد صارتا كذلك فلذلك طلقتا بخلاف التصريح بقوله فواحدة منكما طالق لأن الواحدة مستقلة بنفسها وقد وقعت في موضع الإثبات لأن موضع الجزاء موضع إثبات فتخص فصار حالفا بطلاق واحدة منهما لا غير فلا تطلق إلا واحدة غير عين

يوضح جميع ما ذكرنا أنه لو قال زينب طالق ثلاثا وعمرة تطلق عمرة ثلاثا ولو قال زينب طالق ثلاثا وعمرة طالق لم تطلق عمرة إلا واحدة لأن

قوله وعمرة طالق مفهوم المعنى مستند بنفسه فلا يحتاج إلى تعرف حكمه مما سبق بخلاف

قوله وعمرة لأنه غير مفيد بنفسه فلا بد من أن يؤخذ حكمه مما سبق

وأما عموم كلمة أي باعتبار الصفة فسنبينه إن شاء اللّه تعالى

فصار الحاصل أن هذا الأصل مسلم في بعض المواضع دون البعض لما ذكرنا من المعاني

قوله واللّه لا أقربكما إذا قال لامرأتين له واللّه لا أقربكما إلا يوما أقربكما فيه لم يكن موليا بهذا الكلام أبدا لأنه وصف يوم الاستثناء بصفة عامة فأوجب العموم فيمكنه أبدا أن يقربهما في كل يوم يأتي فلا يلزمه شيء فعدمت علامة الإيلاء فإن قربهما في يومين متفرقين حنث

فإن قال واللّه لا أقربكما إلا يوما لم يصر موليا لجواز أن يقربهما جميعا من غير حنث يلزمه فإذا قربهما في يوم صار موليا منهما بعد غروب الشمس من ذلك اليوم لذهاب الاستثناء لأن المستثنى يوم واحد

(٢/٣٠)

قوله ومن هذا الضرب أي من القسم الآخر وهو النكرة التي عمت بالوصف العام كلمة أي

أو من جنس النكرة التي تعم بدليل العموم كلمة أي فعلى هذا الوجه يكون هذا إشارة إلى

قوله وقسم آخر النكرة

واعلم أن أيا معناه أن يكون مدلوله بعضا من الكل غير معين ولذلك لزم أن يكون مضافا أبدا وأن لا يجوز إضافته إلى الواحد المعرف فلا يقال أي الرجال إلا إذا كان في معنى الجمع كقوله أي التمر أكلت أفضل وإنما يجوز إضافته إلى الواحد المنكر على تأويل الجمع أيضا فإن قولك أي رجل معناه أي الرجل وإذا لم يكن هذا التأويل لم يجز إضافة أي إليه أيضا كذا في حاشية المفضل المصنفة وذكر في الصحاح أي اسم معرب يستفهم به ويجازى فيمن يعقل وفيمن لا يعقل وهو معرفة للإضافة

وإذا كانت دلالته على جزء من الكل كان في أصل الوضع للخصوص ولذلك إذا قيل أي الرجال عندك وأي رجل عندك لم يستقم الجواب إلا بذكر واحد بأن يقول زيد أو عمرو كذا رأيت في بعض نسخ أصول الفقه

ويدل على أنه للخصوص قوله تعالى إخبارا عن سليمان

أيكم يأتيني بعرشها

فإن المراد الفرد من المخاطبين بدليل أنه قال يأتيني ولم يقل يأتونني وكذا يقال أي الرجال أتاك بصيغة الفرد ولا بصيغة الجمع في الاستفهام والشرط جميعا

وهذا إذا كان ما أضيف إليه أي معرفة فإن أضيف إلى نكرة فالفعل المسند إليه والجزاء على وفق المضاف إليه تقل أي رجل قام وأي رجلين قاما وأي رجال قاموا وتقول أي عبد من عبيدي دخل الدار فهو حر وأي عبدين من عبيدي دخلا الدار فهما حران وأي عبيد من عبيدي دخلوا الدار فهم أحرار ولا يجوز أي من عبدين من عبيدي وأي عبيد من عبيدي دخل الدار فهو حر وذلك لأن كلمة أي وضعت للاستفهام في الأصل فإذا كان ما أضيف إليه معرفة كان الاستفهام عن واحد من الجملة لأن الاستفهام لا يتعدى عن المضاف والمضاف إليه والمانع من انصرافه إلى المضاف إليه موجود لأن المتكلم أقر بكون المضاف إليه معلوما له فينصرف الاستفهام إلى المضاف لا محالة وهو أي ودلالته على واحد من الجملة التي أضيف إليها فيكون الفعل المسند إلى ضميره على صيغة الفرد وهذا هو الذي منع من إضافته إلى المفرد في المعرفة لأنه إنما يصح الاستفهام إذا كان هناك جملة لها واحد وهي المثنى والمجموع

وإذا كان ما أضيف إليه أي نكرة فالاستفهام ينصرف إلى المضاف إليه كله لأنه لا مانع ههنا من الانصراف إلى الكل فينصرف إليه لكونه جواب الاستفهام وهذا لأن أيا ههنا يقع في الحقيقة صفة للمضاف إليه فينصرف الاستفهام إلى كله بخلاف ما إذا كان المضاف إليه معرفة فإن أيا لا يكون في معنى الصفة ضرورة إن أيا نكرة والمضاف إليه معرفة وإذا كان كذلك لا بد من

(٢/٣١)

أن يكون الضمير المسند إليه الفعل موافقا للمضاف إليه فلهذا يقال أي رجل قام وأي رجلين قاما وأي رجال قاموا

وما ذكرنا هو الذي جوز إضافته إلى النكرة المفردة لأن المستفهم عنه كما يكون غير مفرد يكون أيضا مفردا إليه أشير في التخمير وغيره

ثم كلمة أي إن بقيت نكرة بعد الإضافة كما يشير إليه هذا التقرير كان قول الشيخ هي نكرة مجرى على إطلاقه وحقيقته وإن صارت معرفة بالإضافة كما هو مذهب عامة أهل النحو وكما هو المذكور في الصحاح ولهذا يصلح مبتدأ ولا بد فيه من أن يكون معرفة كان

قوله وهي نكرة محمولا على المعنى لأنها وإن تعرفت صورة بقيت الجهالة فيها معنى لأنها تصلح لتناول كل واحد من آحاد ما أضيف إليه على البدل ولهذا صح الاستفهام بها بعد الإضافة إلى المعرفة فكانت نكرة معنى

يوضحه ما ذكره القاضي الإمام في التقويم

وأما كلمة أي فبمنزلة النكرة عندنا لأنها تصحب النكرة لفظا أو معنى لاستحضارها تقول أي رجل فعل كذا وأي دار تريدها والنكرة معنى قوله تعالى

أيكم يأتيني بعرشها

وهي نكرة معنى يعني أي رجل منكم لأن المراد بها واحد منهم

وكذا

قوله يراد بها جزء ما تضاف إليه مجرى على ظاهره إن كان المضاف إليه معرفة فأما المضاف إليه إذا كان نكرة فلا بد له من تأويل لأن المراد بها ح كل ما أضيف إليه على ما بينا أن الاستفهام عن الكل لا عن الجزء

وتأويله أن المضاف إليه إذا كان نكرة لا بد من أن يكون جزءا من جملة فكان أي مع ما أضيف إليه جزءا من تلك الجملة

وبيانه أن المتكلم في

قوله أي رجال قاموا قدر في نفسه أعدادا مما ينطلق عليه اسم رجال واشتبه عليه واحد من تلك الأعداد موصوف بالقيام فاستفهم عن ذلك ولو لم يكن هذا التقدير لما صح الاستفهام فكان تقديره أي رجل من الرجال قاموا فصار في التحقيق مضافا إلى الرجال بواسطة رجال فكان المراد به جزءا من تلك الجملة إلا أن ذلك الجزء جمع لا فرد

قوله أي عبيدي ضربك إلى آخره

كلمة أي إذا وقعت في موضع الشرط لا بد من أن يتعقب ما دخل عليه فعل كما في كل لأنها للزوم إضافتها لا تدخل إلا على الاسم وهو لا يصلح شرطا فلا بد من أن يليه فعل يكون هو شرطا في الحقيقة ثم إن كان ذلك الفعل مسندا إلى خاص لا يصلح وصفا لأي عرف أن المراد به الخصوص فلا يتناول إلا واحدا

وإن كان مسندا إلى ضمير راجع إلى أي حتى صلح وصفا له يعم بعموم تلك الصفة ففي

قوله أي عبيدي ضربك فهو حر الفعل مسند إلى الضمير الراجع إلى أي فيصير وصفا له فيعم بعمومه كما يعم في

قوله إلا رجلا كوفيا

وقوله من شاء من عبيدي

(٢/٣٢)

فإن ضربوه جميعا معا أو واحدا بعد واحد عتقوا

وإذا قال أي عبيدي ضربته فهو حر فقد أسند الضرب إلى خاص وهو المخاطب فلا يصلح أن يكون وصفا لأي فبقي على الخصوص كما كان لعدم ما يوجب تعميمه فإذا ضربهم على الترتيب عتق الأول لأنه لا مزاحم له وإن ضربهم جملة عتق واحد منهم والخيار إلى المولى لا إلى الضارب لأن نزول العتق من جهته فكان التعيين إليه

ولا يقال قد صار أي موصوفا بالمضروبية لأن الضمير المنصوب يرجع إليه فيصير عاما بهذا الوصف كما عم المستثنى في

قوله واللّه لا أقربكما إلا يوما فيه وإن كان مفعولا فيه بعموم وصفه وهو القربان لأنا نقول القربان وصف متصل باليوم حقيقة لأن الفعل المحدث يتعلق بالزمان فيجوز أن يصير اليوم عاما به فأما الضرب فقد اتصل بالضارب وقام به فيستحيل اتصاله بالمضروب في الحقيقة لأن الوصف الواحد يستحيل أن يقوم بشخصين والمتصل بالمضروب أثر الضرب لا الضرب فلهذا لم يعم به

ولأن المفعولية فضلة في الكلام يثبت ضرورة تعدي الفعل فلا يظهر أثره في التعميم لأن ما ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها بخلاف اليوم المستثنى في

قوله إلا يوما أقربكما فيه لأنه صرح بذكره وجعله موصوفا بصفة عامة قصدا ولما ذكرنا أن الفعل المحدث مع الزمان متلازمان كذا في فوائد الشيخ الإمام مولانا حميد الملة والدين رحمه اللّه

قوله وعلى ذلك أي على أن النكرة تعم بالوصف العام وإن كانت في أصل الوضع للخصوص

أو على أن كلمة أي تعم بصفة عامة وإن كانت موضوعة لفرد يثبت مسائل أصحابنا

فإذا قال أي نسائي كلمتها فهي طالق فكلمهن طلقت واحدة ولو قال أي نسائي كلمتك فهي طالق فكلمته جميعا طلقن جميعا لما قلنا

وكذا لو قال أعتق أي عبيدي شئت فأعتقهم جميعا لا يعتق إلا واحد منهم والأمر في بيانه إلى المولى ولو قال أيكم شاء العتق فهو حر فشاءوا جميعا عتقوا

وكذا

قوله أي نسائي شئت طلاقها فهي طالق وأي نسائي شاءت طلاقها على هذا أيضا

قوله وكذلك أي كما قالوا بعموم أي في

قوله أي عبيدي ضربك قالوا أيضا بعموم في هذه المسألة

إذا قال لعبيده أيكم حمل هذه الخشبة فهو حر فإن حملها واحد بعد واحد عتقوا جميعا بكل حال

فإن حملوها جملة فإن كان يطيق حملها واحد لم يعتقوا وإن كان لا يطيق حملها واحد عتقوا وإن كانوا عشرة بعد أن تكون الخشبة بحيث

(٢/٣٣)

لا يستقل بحملها الاثنان فصاعدا لما ذكرنا أن كلمة أي نكرة تدل على جزء مما تضاف إليه وقد وصفت بصفة عامة وهو الحمل فتعم إلا أن العموم ههنا على وجهين الاشتراك والانفراد فيتعين

أحدهما بدلالة الحال

فإن كانت الخشبة يطيق حملها واحد كان المراد به العموم على وجه الانفراد لأن المقصود حينئذ معرفة جلادتهم وقوتهم وذلك يحصل بحمل كل واحد لا بحمل الجميع جملة

وإن كان لا يطيق حملها واحد كان الغرض صيرورة الخشبة محمولة إلى موضع يريده وذلك يحصل بالحمل على طريق الاستعانة كما يحصل بالحمل على سبيل الانفراد فيتعلق العتق بمطلق الحمل

ثم الكلام العام إما أن يتناول الأدنى أو الكل فأما ما بين ذلك فلا فإذا لم يطق حملها واحد وجب التجاوز عن الواحد فإذا تجاوزنا لم يجز التعليق بشيء دون الكل فلذلك قلنا إذا حملوها جملة عتقوا وإن كان يطيق حملها اثنان

واعلم أن من لم يسلم اطراد الأصل المذكور في جميع المواضع قال ليس عموم أي في هذه المواضع بمجرد الوصف فإن الرقبة في قوله تعالى

فتحرير رقبة مؤمنة

وصفت بوصف عام ولم تعم

وكذا لو كان له عبيد سود وبيض فقال أي عبيدي ضربك فهو حر يتناولهم جميعا ولو قال أي عبد أسود من عبيدي ضربك فهو حر يتناول السود منهم دون البيض

ولو قال أي عبد أسود طويل ضربك يتناول الطوال من السود دون غيرهم وكذا لو قال أي عبيدي ضربك وشتمك لم يعتق إلا من جمع بين الشتم والضرب

وكذا لو قال مستفهما أي عبيدي ضربك لا يستقيم الجواب بأكثر من واحد كما أشرنا إليه من قبل فعرفنا أن العموم فيه ليس باعتبار نفس الصفة ولكنه إنما عم لوقوعه في موضع الشرط وذلك من أسباب التعميم في الأسماء المبهمة لأن هذه الأسماء لإبهامها تحتاج إلى صلة فإذا وقعت في موضع الشرط صار الفعل الذي جعل صلة لها هو الشرط حقيقة فيعم هذا الفعل لصيرورته شرطا ولما عم هذا الفعل وهو مسند إلى مبهم لا يعرف إلا به عم ما أسند إليه ضرورة حتى لو كانت الصلة مسندة إلى غيره قائما به لا يوجب ذلك عمومه كما في

قوله أي عبيدي ضربته فصار حاصل الكلام أن عند هذا القائل النكرة تعم بالوصف العام في الاستثناء من النفي وفيما إذا وقع الوصف العام شرطا

وأما فيما وراء ذلك تعم النكرة بالوصف لما ذكر من الشواهد والنظائر لكن في عامة نسخ أصول الفقه لأصحابنا وعامة شروح الجامع ذكر هذا الأصل مطلقا من غير فصل فوجب الأخذ به احترازا عن مخالفة العامة

(٢/٣٤)

قوله فأما النكرة المفردة لما فرغت من بيان ما هو عام بنفسه وما هو عام بغيره وهو النكرة التي لحقها بعض دلائل العموم شرع في بيان النكرة المفردة فإنها من ألفاظ العموم عند البعض فقال

فأما النكرة المفرد أي المفردة صيغة ومعنى فيكون احترازا عن رجال ونساء وقوم ورهط منكرات

أو المطلقة المجردة عن دلائل العموم فإنها تخص في موضع الإثبات ولا تعم إنما تعرض للجانبين تأكيدا لأنه في بيان الخلاف

إلا أنها مطلقة

نفى العموم عنها وأثبت الإطلاق

والفرق بين المطلق والعام أن المطلق دلالته على حقيقة الشيء وماهيته من غير تعرض لقيد زائد والعام هو الدال على تلك الحقيقة مع التعرض للكثرة الغير المتعينة كالناس فالنكرة مطلقة لا عامة لأن دلالتها على نفس الحقيقة دون التكثر

وبعضهم فرقوا بين المطلق والنكرة فقالوا الماهية في ذاتها لا واحدة ولا لا واحدة ولا كثيرة ولا لا كثيرة فاللفظ الدال عليها من غير تعرض لقيد ما هو المطلق

ومع التعرض لكثرة متعينة ألفاظ الأعداد

ولكثرة غير متعينة هو العام ولوحدة معينة المعرفة ولوحدة غير معينة النكرة والصواب أنه لا فرق بينهما في اصطلاح أهل الأصول كما أشار الشيخ إليه إذ تمثيل جميع العلماء المطلق بالنكرة في كتبهم يشعر بعدم الفرق وقال الشافعي رحمه اللّه هي أي النكرة في موضع الإثبات توجب العموم ورأيت في بعض كتبهم أن النكرة في موضع الإثبات إذا كان خبرا لا يقتضي العموم كقولك جاءني رجل وإذا كان امرأ فالأكثرون على أنها للعموم كقوله أعتق رقبة

وذكر في القواطع وغيره أنها تعم على سبيل البدل لأن

قوله رجل يتناول كل رجل على سبيل البدل من صاحبه وليس بعام على سبيل الجمع وعبارة بعضهم يعم من حيث الصلاحية لكل فرد فمن قال بالعموم وتمسك بقوله تعالى إنما قولنا لشيء إذا أردناه الآية فإن

قوله لشيء على العموم وإن كان في موضع الإثبات لأن اللّه تعالى لم يرد شيئا دون شيء لأن قدرته شاملة جميع الأشياء محيطة بها كلها وبأن قوله تعالى فتحرير رقبة عام يتناول كل رقبة والدليل عليه أنه يخرج عن العهدة بإعتاق أيها كان ولولا أنها للعموم لما كان كذلك كذا في المحصول ألا ترى أنه قبل التخصيص حتى خصت العمياء والمجنونة والمدبرة من الجملة بالإجماع والتخصيص لا يرد إلا على العام وألا ترى أنه يحسن الاستثناء بإلا بأن يقول أعتق رقبة إلا أن يكون كافرة أو معيبة ويقول أعط هذا الدرهم

(٢/٣٥)

فقيرا إلا أن يكون كافرا والاستثناء إخراج بعض ما تناوله اللفظ ولولا أنه عام لم يتصور فيه الاستثناء وإذا كان كذلك يجوز تخصيص الكافرة منها بالقياس على كفارة القتل إذ العام المخصوص منه يخص بالقياس بالاتفاق وقلنا نحن هذه مطلقة أي الرقبة المذكورة في النص مطلقة أو النكرة المفردة عن دلائل العموم مطلقة لا عامة لأنها فرادى موضوعة لفرد من أفراد الجملة صيغة ومعنى أما صيغة فلأنها تثنى وتجمع

وأما معنى فلأن دلالتها على فرد لا على جمع فيقال رقبة من رقاب وعبد من عبيد ويراد به الواحد وقال تعالى إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا والمراد بذلك الواحد ألا ترى أنه لو قال اللّه علي أن أعتق رقبة لا يجب عليه إلا إعتاق رقبة واحدة وكذلك يخرج عن عهدة الأمر في قوله تعالى فتحرير رقبة بإعتاق رقبة واحدة ولو كان هذا اللفظ عاما لم يخرج عن عهدة النذر والأمر إلا بإعتاق ثلاث رقاب فصاعدا ويدل عليه ما ذكرنا أن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت الثانية غير الأولى لغة ولو كان إطلاق اسم النكرة يوجب العموم ولم يكن الثانية غير الأولى فإن العام إذا أعيد بصيغته فالثاني لا يتناول إلا ما تناوله الأول بمنزلة اسم الجنس كذا في التقويم وأصول الفقه لشمس الأئمة وإذا ثبت أنها اسم لفرد تتناول واحدا ولكن على احتمال وصف دون وصف إذ المطلق لا يتعرض للصفات أصلا يعني يحتمل أن يكون ذلك الواحد صغيرا أو كبيرا أو كافرا أو مؤمنا أو أسود أو أبيض أو سنديا أو هنديا إلى غيرها من الصفات لعدم كونه متعينا وبمثله لا يثبت العموم إذ لا بد له من انتظام جمع لفظا أو معنى ولم يوجد فيكون مطلقة لا عامة والمطلق لا يحتمل التخصيص لأنه من خصائص العام

وقوله والمطلق يحتمل التقييد تنبيه للخصم على الغلط ومزل القدم وإشارة إلى الجواب عند عدوله عن العموم إلى الإطلاق وتمسكه به يعني ما ذكرت من احتمال التخصيص في النكرة المطلقة ليس بثابت ولكنها تحتمل التقييد فإن تمسكت بإطلاقها وقلت لما كانت محتملة للتقييد فتقيدها بالقياس على كفارة القتل لأن الكفارات جنس واحد فذلك فاسد أيضا لأن التقييد مانع عن العمل بالإطلاق فإنه لو أعتق رقبة كافرة في كفارة القتل لا يجوز عن الكفارة فكان نسخا والنسخ بالقياس لا يجوز فلا يجوز التقييد به أيضا

قوله وقد جعل وجوب التحرير جواب عن سؤال مقدر وهو أن يقال الأمر لا

(٢/٣٦)

يوجب التكرار وإن كان متعلقا بشرط أو متقيدا بوصف على ما مر وقد تكرر وجوب التحرير بتكرر الحنث والظهار ونحوهما فعرفنا أن لفظ رقبة عام وإلا لم يستقم إيجاب التحريم ثانيا فقال قد جعل وجوب التحرير جزاء لأمر أي لشأن وهو الحنث والظهار ونحوهما بدليل دخول حرف الفاء فيه فصار ذلك الأمر سببا لوجوب التحرير فيكرر وجوب التحرير مطلقا أي غير مقيد بوصف الإيمان بتكرر ذلك الأمر الذي صار سببا له كتكرر وجوب الصلاة بتكرر الوقت وليس تكرر الحكم بتكرر السبب من باب العموم في شيء

قوله وصار أي المذكور وهو الرقبة مقيدا بالملك جواب سؤال آخر وتقريره من وجهين

أحدهما أن يقال إن تقييد المطلق نسخ عندكم وقد قيدت الرقبة بالملك بالرأي من غير نص يوجبه حتى لم يجز إعتاق رقبة غير مملوكة وصار كأنه قيل فتحرير رقبة مملوكة ولم يلزم منه النسخ فنقيدها بوصف الإيمان أيضا بالقياس والخبر وهو

قوله عليه السلام أعتقها فإنها مؤمنة فقال اشتراط الملك في الرقبة ثبت لضرورة التحرير المنصوص عليه واقتضائه فإن التحرير لا يصح إلا في الملك وما ثبت باقتضاء النص فهو بمنزلة الثابت بعين النص

والثاني أن يقال قد خص غير المملوكة من هذا النص كما خصت الزمنة حتى لم يجز إعتاق غير المملوكة كما لم يجز إعتاق الزمنة والتخصيص يدل على العموم فقال اشتراط الملك ثبت باقتضاء النص لأن التحرير الواجب لا يتأدى إلا بالملك كما لا يتأدى الصلاة إلا بالطهارة قال عليه السلام

لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم لا بطريق التخصيص فلا يلزم منه العموم

قوله ولم يتناول الزمنة جواب عن

قوله خصت الزمنة بالإجماع فتخص الكافرة أيضا فقال التخصيص إنما يكون فيما تناول اللفظ إياه ظاهرا لولا المخصص وهذا النص لا يتناول الزمنة فلا يكون عدم جواز إعتاقها من باب التخصيص بل لأنها ليست برقبة ذلك

(٢/٣٧)

لأن الرقبة اسم للبينة مطلقا والإطلاق يقتضي الكمال والزمنة قائمة من وجه مستهلكة من وجه فلا تكون قائمة على الإطلاق فلا يتناولها مطلق اسم الرقبة وكذلك التحرير المطلق أي الكامل لا يخلص أي لا يتحقق فيما هو هالك من وجه فلا يتناول الزمن ولهذا شرط كمال الرق حتى لم يجز إعتاق المدبر وأم الولد لأن التحرير منصوص عليه مطلقا وذلك إعتاق كامل ابتداء وإعتاق المدبر وأم الولد تعجيل لما صار مستحقا لهما مؤجلا فلا يكون إعتاقا مبتدأ مطلقا كذا ذكر شمس الأئمة رحمه اللّه

فأما الجواب عن تمسكهم بالآية فهو أن العموم ثبت في

قوله لشيء من طريق المعنى لا من طريق اللفظ وذلك لأن الأشياء متساوية في قدرته جل جلاله فإذا أخبر عن نفوذ قدرته في بعضها فقد دل بالمعنى على نفوذ قدرته في سائرها وما ذكروا من العموم على سبيل البدل أن عنوانه أن كل واحد من الجملة يكون في الصلاحية بدلا عن صاحبه والداخل تحت اللفظ واحد منها فهو مذهبنا وأن عنوانه أن اللفظ يتناول على سبيل الاجتماع والشمول فهو فاسد لما بينا أن الصيغة وضعت لفرد فلا يتناول العدد إلا بقرينة كذا في الميزان

وأما تمسكهم بالاستثناء فضعيف أيضا لأنا لا نسلم أن هذا الاستثناء إن صح استثناء حقيقي لأنه لا بد في الاستثناء الحقيقي من أن يكون صدر الكلام متناولا للمستثنى وغيره حقيقة وليس كذلك ههنا لأن صدر الكلام لم يتناول إلا الواحد فلا يمكن إخراجه عنه فيكون بمعنى لكن وذلك لا يدل على العموم أو يكون هذا استثناء من الأحوال أي أعتق رقبة واحدة على أي حال كانت إلا في حالة الكفر وحينئذ نثبت الأحوال في صدر الكلام بدلالة الاستثناء بضرورة صحته فأما إذا عدم الاستثناء بلا ضرورة في إثباتها مع أنها غير مذكورة فلا يثبت العموم

قوله وصار ما ينتهي إليه الخصوص أي التخصيص نوعين بالياء لا بالألف كما وقع في بعض النسخ وههنا مسألتان إحداهما بيان ما ينتهي إليه جواز التخصيص والثانية بيان أقل ما ينطلق عليه اللفظ العام

(٢/٣٨)

أما الأولى فنقول قد اختلف الأصوليون في الغاية التي يقع انتهاء التخصيص في ألفاظ العموم إليها فذهب الجمهور منهم إلى التخصيص يجوز في جميع الألفاظ إلى الواحد وذهب بعضهم إلى أنه يجوز إلى الثلاثة في جميع الألفاظ ولا يجوز إلى ما دونها إلا بما يجوز به النسخ وهو اختيار أبي بكر القفال الشاشي ومنهم من فصل فأجاز في لفظة من وما ونحوهما وأسماء الأجناس المعرفة إلى الواحد ولم يجز في المجموع المعرفة إلا إلى الثلاثة ومختار الشيخ أنه يجوز إلى الواحد في الجمع إلا في الجمع المنكر صيغة ومعنى كرجال ونساء أو معنى بلا صيغة كرهط وقوم لا يجوز التخصيص فيهما إلا إلى الثلاثة وتمسك الجمهور بأن التخصيص لو امتنع إلى الواحد لامتنع التخصيص أصلا لأنه لو امتنع لكان لصيرورته مجازا إذ لا مانع غيره وهذا المعنى موجود في جميع صور التخصيص وما ذكروا مبني على اشتراط الاستغراق في العموم وأنه شرط فيه عندهم فالتخصيص يجعله مجازا فيما دونه لأن إطلاق اسم الكل على البعض من أقسام المجاز وتعلق الفريق الثاني بأن لفظ العموم دلالته على الجمع وأقل الجمع ثلاثة على ما بين فلا يجوز تخصيصه إلى ما دونها لأنه يخرج به عن كونه دالا على الجمع فينزل منزلة النسخ فلا يجوز إلا بما يجوز به النسخ ألا ترى أن لفظ المشركين لا يصلح للواحد بحال فلا يجوز رده إلى ما لا يصلح له وإخراجه عن موضوعه واعتمد من فصل على أن التخصيص إلى الواحد في لفظة من لا يخرج اللفظ عن موضوعه فقد بينا أنها تحتمل الخصوص فإنها يتناول الواحد والجماعة في قولك من دخل داري أكرمته فيجوز التخصيص فيها وأمثالها إلى الواحد بخلاف ألفاظ الجموع لأن استعمالها في الآحاد إخراج لها عن موضوعاتها فلا يجوز ألا ترى أن لفظ الجمع بعد التخصيص يسمى عاما مخصوصا وإذا خصص إلى اثنين أو واحد لم يجز تسميته بذلك على سبيل الحقيقة

ولنا ما ذكرنا أن لفظ العموم دلالته على الجمع والتخصيص لا يخرج العام عن حقيقته لبقاء معنى الجمع فيه بعد بل هو تبيين أن اللفظ مصروف إلى بعض وجوه الحقيقة ألا ترى أن التمسك به بعد التخصيص جاز لبقاء دلالة اللفظ بالوضع على أفراد مجتمعة كما كان قبله إلا أن دلالته قبل التخصيص كانت على أكثر مما دل عليه بعده فإذا آل أمر التخصيص إلى إخراج الكلام عن موضوعه وحقيقته لا يجوز القول به لأنه يصير نسخا وهما متغايران ألا ترى أن النسخ لا يجوز إلا متراخيا بالاتفاق والتخصيص

(٢/٣٩)

يجوز متصلا ومتراخيا عند العامة ولا يجوز إلا متصلا عندنا وإذا كان نسخا لا يجوز إلا بما يجوز به النسخ كما لا يجوز إلى ما دون الواحد في جميع ألفاظ العموم إلا بما يجوز به النسخ بالاتفاق وهذا بخلاف اسم الجنس المعرف باللام حيث يجوز تخصيصه إلى الواحد لأن دلالته في أصل الوضع على الفرد والعموم فيه ضمني فبالتخصيص إلى الواحد لا يخرج عن حقيقته وكذا الجموع المعرفة صارت في حكم أسماء الأجناس فيجوز تخصيصها إلى الواحد أيضا

قوله وصار ما ينتهي يعني لما بينا أن ألفاظ العموم على قسمين بعضها ينطلق على الثلاثة فصاعدا إلا على ما دونها بطريق الحقيقة وبعضها ينطلق على الواحد فصاعدا صار غاية التخصيص نوعين ضرورة الواحد والثلاثة

قوله فإن ذلك أي

قوله عبيدا وأمثاله يحتمل الخصوص إلى الثلاثة وطريقه أن دليل العقل يبين أن الكل ليس بمراد وأن ما دون الكل إلى الثلاثة لا يمكن ترجيح بعضه على البعض لاستحالة الترجيح بلا مرجح فتعينت الثلاثة مرادا للتيقن بها فكان هذا الدليل مخصصا لما وراء الثلاثة إلى الكل

قوله وهذا لأن أدنى الجمع ثلاثة ولما كانت المسألة الأولى مبنية على الثانية وهي معرفة أقل الجمع لأن عدم جواز التخصيص إلى ما وراء الثلاثة في جميع الألفاظ عند البعض وفي الجمع المنكر عندنا بناء على أن أقل الجمع ثلاثة شرع في بيانها فقال وهذا أي انتهاء التخصيص إلى الثلاثة فيما ذكر من النظائر من

قوله عبيدا ونساء وثيابا وأمثالها باعتبار أن أقل الجمع ثلاثة وهو مذهب عبد اللّه بن عباس وعثمان وأكثر الصحابة وعامة الفقهاء والمتكلمين وأهل اللغة وذهب بعض أصحاب الشافعي وعامة الأشعرية إلى أن أقل الجمع اثنان وهو مذهب عمر وزيد بن ثابت رضي اللّه عنهما كذا ذكر الغزالي وإليه ذهب نفطويه من النحويين ثم الفريق الأول اختلفوا في أنه هل يجوز استعمال صيغ الجموع في الاثنين مجازا فمنهم من منع عن ذلك وأكثرهم على أنه يجوز

(٢/٤٠)

وفائدة الاختلاف تظهر في جواز التخصيص إلى اثنين وعدمه وفيما إذا قال للّه علي أن أتصدق بدراهم أو قال لفلان علي دراهم أو نذر أن يتصدق بشيء على فقراء أو مساكين يقع على الأقل بالاتفاق وهو الثلاثة عند العامة والاثنان عند غيرهم تمسك من قال بأن صيغ الجموع حقيقة في الاثنين كما في الثلاثة بالسمع والعقل واستعمال أرباب اللسان والحكم أما السمع فقوله تعالى وداود وسليمان إلى

قوله وكنا لحكمهم شاهدين أريد بضمير الجمع داود وسليمان

وقوله تعالى إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاستعمل في الاثنين ضمير الجمع

وقوله عز اسمه فقد صغت قلوبكما والمراد قلباكما

وقوله جل جلاله إنا معكم مستمعون والمراد موسى وهارون

وقوله جل ذكره إخبارا عن يعقوب عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعا والمراد يوسف وبنيامين

وقوله فإن كان له إخوة فلأمه السدس والأخوان يحجبانها إلى السدس كالثلاثة

وقوله عليه السلام الاثنان فما فوقهما جماعة وهو أفصح العرب ولو نقل هذا عن واحد من الأعراب لكان حجة فمن صاحب الشرع أولى

وأما المعقول فهو أن اسم الجماعة حقيقة فيما فيه معنى الاجتماع وذلك موجود في الاثنين كما هو موجود في الثلاثة فيصح أن يتناوله اسم الجمع حقيقة وإن كان معنى الجمع في الثلاثة أكثر ألا ترى أن الثلاثة جمع صحيح وإن كان معنى الاجتماع فيما وراء الثلاثة أكثر ونظيره الجسم لما كان عبارة عن اجتماع أجزاء وتركبها كان أقل الجسم جوهرين لوجود معنى الاجتماع والتركب فيهما وإن كان الاجتماع فيما وراء ذلك أكثر

وأما استعمال أرباب اللسان فإنهم يستعلمون صيغة الجمع في الاثنين كاستعمالهم إياها في الثلاثة فإن الاثنين يقولان نحن فعلنا كذا ونحن نفعل كذا فوجب أن يكون حقيقة في الموضعين

(٢/٤١)

وأما الحكم فهو أن للمثنى حكم الجماعة في المواريث والوصايا حتى كان للاثنتين من الميراث ما للثلاث فصاعدا ولو أوصى لأقرباء فلان يتناول المثنى فصاعدا وكذا الإمام يتقدم على اثنين كما يتقدم على الثلاثة فثبت بما ذكرنا أن المثنى ملحق بالثلاثة في صحة إطلاق صيغة الجمع عليه

ومن منع استعمال أبنية الجمع في الاثنين مجازا قال لو صح إطلاق اسم الرجال على الرجلين لصح نعت

أحدهما بما نعت به الآخر فيقال جاءني رجلان عاقلون ورجال عاقلان لأنهما كشيء واحد وتمسك الجمهور بما هو المذكور في الكتاب وبما سنذكره

وقوله في الكتاب ويستعمل المثنى استعمال الجمع بضم الياء من مقلوب الكلام مثل قولهم عرضت الناقة على الحوض أي يستعمل الجمع استعمال المثنى أي في محل يجب أن يستعمل فيه التثنية أو هو بفتح الياء وكسر الميم أي يستعمل الاثنان ما يستعمله الجمع فيقولان نحن فعلنا كما يقوله الجمع أو معناه يستعمل التثنية على هيئة الجمع فيقال نحن فعلنا في اثنين كما يقال كذلك في الجمع

قوله وفي المواريث أي حجبا واستحقاقا بصرف الجمع إلى المثنى إما حجبا فقوله تعالى فإن كان له إخوة كما ذكرنا

وإما استحقاقا فقوله عز اسمه فإن كن نساء فوق اثنتين صرف لفظ النساء إلى اثنتين مع تأكده بقوله فوق اثنتين

قوله عليه السلام والثلاثة ركب أي جماعة فصل بين التثنية والجمع وألحقها بالواحد دون الجمع فعلم أن التثنية ليست بجمع حقيقة ولا يقال الاتحاد في الحكم لا يوجب الاتحاد في الحقيقة حتى كان المثنى غير الواحد حقيقة وإن اتحدا حكما فكذا التفرقة في الحكم لا يدل على الافتراق في الحقيقة لأنا نقول الافتراق بين الشيئين يوجب المغايرة بينهما فيما ثبت فيه الافتراق لا محالة وهنا ثبت الافتراق بينهما

(٢/٤٢)

في حكم الجمع لأن معنى الركب الجماعة لغة فثبتت المغايرة بينهما في هذا المعنى ضرورة فصار المعنى كأنه قيل الواحد ليس بركب والاثنان ليستا بركب أي بجمع والثلاثة ركب أي جمع وعلى ذلك أي على الأقسام المذكورة بنيت أحكام اللغة اسما وصفة ومظهرا ومضمرا فقالوا رجل رجلان رجال وقالوا عالم عالمان علماء

وقالوا هو فعل كذا هما فعلا كذا هم فعلوا كذا ولما قسموه ثلاثة أقسام وسموا كل قسم باسم على حدة دل ذلك على تغايرها لأن تبدل الاسم يدل على تبدل المسمى على ما هو الأصل ألا ترى أنهم لما لم يضعوا لما وراء الثلاثة اسما على حدة كان الكل في الدخول تحت صيغة الجمع على السواء

قوله وله علامات على الخصوص مثل الألف والنون المكسورة في حالة الرفع والياء الساكنة المفتوح ما قبلها والنون المكسورة في حالتي الجر والنصب

قال شمس الأئمة رحمه اللّه ثم للواحد أبنية مختلفة وكذلك للجمع وليس ذلك للتثنية إنما لها علامة مخصوصة فعرفنا أن المثنى غير الجماعة

قال صاحب القواطع والدليل على أن لفظ الجمع لا يتناول الاثنين أنه لا ينعت بالاثنين وينعت بالثلاثة فإنه يقال رأيت رجالا ثلاثة ولا يقال رجالا اثنين ويقال أيضا جماعة رجال ولا يقال جماعة رجلين فإذا كان لا ينعت بالاثنين بحال عرفنا أن اسم الجمع لا يتناولهما بحال وكذا لا يضاف العدد إلى التثنية فلا يقال اثنا رجلين ويضاف إلى الجمع فيقال ثلاثة رجال وأربعة رجال فلو كان حكم الاثنين حكم الجمع لجازت إضافة العدد إلى التثنية كما جازت إلى الجمع كذا ذكر في كتاب بيان حقائق حروف المعاني ولأن الثلاثة فصاعدا يتبادر إلى الفهم عند سماع صيغة الجمع من غير قرينة دون الاثنين والسبق إلى الفهم عند الإطلاق دليل الحقيقة

ولأنه يصح نفي اسم الجمع عن الاثنين دون الثلاثة فصاعدا فيقال ما في الدار رجال بل رجلان وما رأيت جمعا بل رأيت اثنين ولا يقال ما في الدار رجال بل ثلاثة وصحة النفي وعدم صحته من أمارات المجاز والحقيقة وأجمع الفقهاء على أن الإمام لا يتقدم على الواحد والإمام من الجماعة في غير الجمعة بالاتفاق والتقدم من سنة الجماعة بالاتفاق فإجماعهم على ترك التقدم دليل على أنه ليس بجمع وأنه قسم منفرد

(٢/٤٣)

قوله

وأما المعقول فإن الواحد إذا أضيف أي ضم إليه الواحد تعارض الفردان أي امتنع كل واحد كل منهما عن صيرورته تبعا للآخر فلم يثبت الاتحاد لوجود الانضمام ولم يثبت الجمع أيضا لبقاء معنى الفردية من وجه باعتبار عدم استتباع كل واحد منهما صاحبه

وأما الثلاثة فإنما يعارض أي يقابل كل فرد اثنان فيستتبعانه ويصير الكل كشيء واحد فلم يبق معنى الاتحاد بوجه وكمل معنى الجمع فتطلق عليه الصيغة الموضوعة للجمع حقيقة وبهذا خرج الجواب عما قالوا في المثنى معنى الجمع كما في الثلاثة فيصح إطلاق صيغة الجمع عليه لأن إطلاق الصيغة على الثلاثة ليس لنفس الاجتماع بل لاجتماع مخصوص وهو أن لا يتحقق فيه معنى تعارض الأفراد على التساوي وذلك في الثلاثة دون الاثنين واللغة على ما ورد لا على ما يدل عليه القياس ألا ترى أن الواحد يوجد فيه معنى الجمع وهو ضم بعض الأشياء إلى بعض لأنه متركب من أجزاء متعددة ومع ذلك لا يطلق عليه اسم الجمع

قوله في إبلاء الأعذار أي إظهارها كإمهال القاضي للخصم لدفع الحجة مقدر بثلاثة أيام وكذا إمهال المرتد للتأمل وكمدة المسح في حق المسافر ومدة أقل الحيض مقدرة بثلاثة أيام وكمدة التحجير مقدرة بثلاث سنين وكما في قصة موسى مع صاحبه وقصة صالح ولو كان الاثنان جمعا لم يكن للتجاوز عنه معنى بدون دليل يخصص الثلاثة لأن ما وراء أقل الجمع يساوي بعضه بعضا ولما فرغ عن إقامة الدليل على مدعاه شرع في الجواب عن كلمات الخصوص فقال فأما الحديث يعني

قوله عليه السلام الاثنان فما فوقهما جماعة فمحمول على المواريث يعني للاثنين حكم الجمع في استحقاق الميراث حتى كان للبنتين الثلثان كالثلاث أو على سنة تقدم الإمام يعني يحمل على أن المراد منه أن الإمام يتقدم على الاثنين كما تقدم على الثلاثة بخلاف الواحد فإنه يقيمه عن يمينه وبخلاف ما نقل عن ابن مسعود رضي اللّه عنه أنه لا يتقدم على الاثنين بل يقيم واحدا عن يمينه وواحدا عن يساره وإنما يتقدم على الثلاثة فصاعدا أو يحمل على أن للاثنين حكم الجماعة في إحراز فضيلة الجماعة وانعقادها إذ النبي صلى اللّه عليه وسلم مبعوث لتعليم الأحكام لا لبيان اللغات على أن هذا الخبر لا يصح من جهة النقل كذا ذكره أبو بكر الجصاص وغيره

وقوله

وفي المواريث ثبت الاختصاص جواب سؤال وهو أن يقال لم اختص

(٢/٤٤)

المواريث من سائر الأحكام بأن يكون للاثنين فيها حكم الجمع فقال إنما ثبت الاختصاص فيها بكذا أو هو جواب عن كلامهم أن صيغة الجمع صرفت إلى المثنى في المواريث والوصايا والحجب فقال ثبت ذلك في المواريث بقوله تعالى فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك أي إن كانت الأختان لأب وأم أو لأب اثنتين فأثبت للأختين ثلثي المال تصريح هذا النص وقد ثبت بدلا له قوله تعالى فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك أن ليس لما فوق الأختين أكثر من الثلثين فعرفنا أن للاثنتين حكم الجمع في الأخوات ولما كان للأختين الثلثان مع أن قرابتهما متوسطة إذ هي قربة مجاورة فلأن يكون للبنتين الثلثان مع أن قرابتهما قريبة إذ هي قرابة حروبة كان أولى فثبت أن للبنتين حكم الثلاث بهذا النص أيضا وليس في المواريث صورة أخرى ألحق فيه الإتيان بالجمع في الاستحقاق سوى البنات والأخوات فكان هذا النص موجبا لإلحاق الاثنتين بالثلاث فلهذا حمل الحديث عليه أو كان هذا النص هو الموجب لاستحقاق الاثنتين الثلثين لا النص الوارد بصيغة الجمع وهو قوله تعالى فإن كن نساء فوق اثنتين والحاصل أن النزاع لم يقع فيما يفيد فائدة الجمع بل فيما يتناوله لفظ الرجال والمسلمين فأين

أحدهما عن الآخر

قوله والحجب يبتنى على الإرث أيضا يعني لما كان للمثنى حكم الجمع في استحقاق الميراث كان له حكم الجمع أيضا في الحجب لأنه مبني على الإرث فإن الحاجب يكون وارثا بالفعل أو بالقوة حتى لا يحجب المحروم عند عامة الصحابة وهو مذهبنا أو معناه أن الحجب لا يتحقق حين لا إرث فكان الحجب مبنيا على الإرث فيثبت للاثنين فيه حكم الجمع أيضا فأيضا يتعلق بمحذوف في الوجهين كما ترى على أنا نقول ثبت الحجب بالأخوين باتفاق الصحابة لا بالنص على ما روي أن ابن عباس قال لعثمان رضي اللّه عنهم حين رد الأم من الثلث إلى السدس بالأخوين قال اللّه تعالى فإن كان له إخوة فلأمه السدس والأخوان ليسا بإخوة في لسان قومك قال نعم ولكن لا أستجيز أن أخالفهم فيما رأوا وفي رواية لا أستطيع أن أنقض أمرا كان قبلي وتوارثه الناس فلولا أن مقتضى اللسان أن الأخوين ليسا بإخوة حقيقة لما احتج به ابن عباس على عثمان ولأنكر عليه عثمان ولما عدل إلى التأويل فلما لم ينكر عليه وعدل إلى التأويل وقد كانا من فصحاء العرب دل على أن الأخوين ليسا إخوة حقيقة وأن هذا الحكم وهو الحجب

(٢/٤٥)

بالاثنين ثبت بالإجماع لا بالنص ألا ترى أن الحجب يثبت بالأخوات المفردات بهذا الطريق فإن اسم الإخوة لا يتناول الأخوات المفردات بحال

قوله

والثاني أي التأويل الثاني لذلك الخبر أنه محمول على إباحة السفر للاثنين لأن السفر للواحد والاثنين كان منهيا في ابتداء الإسلام مطلقا للجماعة على ما روينا من

قوله عليه السلام الواحد شيطان والاثنان شيطانان والثلاثة ركب إذ فيه نهي بطريق المبالغة عن اختيار حالة تستحق اسم الشيطان بناء على أن في أول الإسلام كانت الغلبة للكفار فإذا كانوا جماعة سلموا غالبا لقوتهم فإذا ظهر قوة المسلمين قال الاثنان فما فوقهما جماعة يعني في جواز السفر وفي لفظ الشيخ نوع اشتباه فإنه قال

والثاني ولو قال والثالث مكان

قوله

والثاني لكان أحسن لأنه أول الحديث أولا بتأويلين وهذا ثالثهما إلا أنه جعل التأويلين الأولين بمنزلة تأويل واحد ثم بنى الكلام عليه فقال

والثاني

وقوله قلنا وقع زائدا لأن المعنى يتم بدونه

وقوله محمول على ابتداء الإسلام لا يصح بدون إضمار أيضا ومعناه محمول على نسخ ما ثبت في ابتداء الإسلام وهو حرمة السفر للاثنين ولم يكن هذا الكلام أعني

قوله

والثاني إلى آخره مذكورا في النسخ العتيقة

قوله

وأما الجماعة جواب عن قولهم إن الإمام يتقدم على اثنين فقال إنما يتقدم عليهما لأن الإمام في غير الجمعة محسوب من الجماعة لأن الإمام ليس بشرط لصحة أداء سائر الصلوات سوى الجمعة فيمكن أن يجعل الإمام من جملة الجماعة وإذا كان معه اثنان كملت الجماعة فيثبت حكما وهو تقدم الإمام واصطفاف من خلفه بخلاف الجمعة لأن الإمام شرط أدائها كالجماعة فلا يمكن أن يجعل من جملة الجماعة فلهذا يشترط ثلاثة سوى الإمام

قوله

وأما قوله تعالى فقد صغت قلوبكما فإنما أطلق اسم الجمع على أربعة قلوب من حيث المعنى وإن كان في الصورة قلبان وذلك لأن أكثر الأعضاء المنتفع بها في الإنسان زوج فألحق ما كان فردا منه لعظم منفعته بالزوج كما ألحق الزوج بالفرد في قولهم مشى برجله وسمع بأذنه وأبصر بعينه ألا ترى أن من قطع لسان إنسان أو فرجه يلزمه كمال

(٢/٤٦)

الدية لشرفه وعظم منفعته كما لو قطع اليدين فصار كل قلب من حيث المعنى قلبين وإن كان في الصورة واحدا فلهذا جاز إطلاق اسم الجمع عليهما ولأن القلب قد يطلق على الميل الموجود فيه فيقال للمنافق ذو قلبين ويقال للذي لا يميل إلا إلى الشيء الواحد له قلب واحد ولما خالفت حفصة وعائشة أمر الرسول صلى اللّه عليه وسلم في شأن مارية وقع في قلبهما دواع مختلفة وأفكار متباينة فيصح أن يقال المراد من القلوب هي الدواعي وإذا صح ذلك وجب حمل اللفظ عليها لأن القلب لا يوصف بالصفو إنما يوصف الميل به كذا في المحصول وقد جاء في اللغة خلاف ذلك أي خلاف ما ذكرنا من إطلاق الجمع على التثنية في مثل هذه الصورة قال الشاعر ظهراهما مثل ظهور الترسين وذكر في التيسير وقلوبكما على الجمع مع إضافتها إلى اثنين هو الاستعمال الغالب في اللغة فيما كان في الإنسان من الأعضاء فردا غير مثنى

وفيه وجهان آخران الإفراد والتثنية قال الشاعر كأنه وجه تركبين قد غضبا مستهدف لطعان غير ترتيب وقال آخر في التثنية والجمع ظهراهما مثل ظهور الترسين

قوله وقولهم نحن فعلنا لا يصح إلا من يحكي عن نفسه وعن غيره يعني لا يصح التكلم بهذه الصيغة على سبيل الحقيقة إلا عن واحد يخبر عن نفسه وعن غيره ولا يمكن صدورها من اثنين لأن المبتدئ بالكلام الواحد لا يكون اثنين بخلاف الخطاب فإن بالكلام الواحد يجوز أن يخاطب اثنان فصاعدا على الحقيقة وإذا كان كذلك كان ذلك الغير تبعا له في الدخول تحت هذه الصيغة فلم يفرد لهما صيغة لئلا يكون التبع مزاحما للأصل فاختير لهما صيغة الجمع مجازا ولأنهم وضعوا هذه العلامات المميزة لدفع الاشتباه عن السامع وذلك في الخطاب والغيبة لا في الحكاية لأن المتكلم وذلك الغير الذي يخبر عنه في

قوله فعلنا مشاهد للسامع فلا يحتاج إلى علامة التميز ألا ترى أنه لم يوضع فيها علامة مميزة بين المذكر والمؤنث اعتمادا على المشاهدة بخلاف

(٢/٤٧)

الخطاب والغيبة

وذكر في شرح أصول الفقه لابن الحاجب أنه لا خلاف في لفظ ج م ع أعني الجمع لغة وهو ضم شيء إلى شيء فإن ذلك متحقق في الاثنين من غير خلاف ولا في الضمير الذي يعني به المتكلم نفسه وغيره متصلا ومنفصلا نحو نحن فعلنا لاتفاق اللسان على كونه موضوعا لتعبير المرء عن نفسه وعن غيره سواء كان واحدا أو جمعا ولا في نحو قوله تعالى فقد صغت قلوبكما فإن ما يتعدد من شخصين فالتعبير عنه في اللغة الفصيحة عند إضافته إليهما أو إلى ضميرهما بصيغة الجمع حذارا من استنقال الجمع بين تثنيتين وإنما الخلاف في نحو رجال ومسلمين وضمائر الغيبة والخطاب التي يترتب في وضع اللسان مسبوقيتها بصيغ التثنية ولا يلزم على هذا قلوبكما فإنه مسبوق بصيغة التثنية لأنا لا نسلم مسبوقيته بها إذ لا يقال قلباكما فتبين بهذا أن من استدل على كونه حقيقة في الاثنين بالصور المتفق عليها فقد حاد مسلكه عن محل النزاع لأنها إنما تثبت بعلل مخصوصة ولكل باب وقياس واللغة لا تثبت قياسا

وأما الجواب عن قوله تعالى وكنا لحكمهم شاهدين فنقول قد قيل المراد الحاكمان وهما داود وسليمان والمتحاكمان إذ المصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول والمفعول وإذا اعتبر الجميع كانوا أربعة وقيل أضيف الحكم إلى المحكوم لهم وكانوا جماعة وعن

قوله عز اسمه إذ تسوروا المحراب إلى آخره أن الخصم الذي أسند الفعل إلى ضميره اسم للواحد والجمع كالضيف يقال هذا خصمي وهؤلاء خصمي كما يقال هذا ضيفي وهؤلاء ضيفي وقد كان المتخاصمون جماعة ومعنى

قوله خصمان فريقان خصمان أو فينا خصمان والدليل عليه قراءة من قرأ بغى بعضهم على بعض ولا يقال

قوله إن هذا أخي يأبى ما ذكرت فإنه يدل على اثنين لأن ذلك قول البعض المراد بقوله بعضنا على بعض والتحاكم كان بين مليكين لكن صحبهما آخرون في صورة الخصم فسموا به وعن قوله تعالى إنا معكم مستمعون إن المراد موسى وهارون وفرعون وعن قوله تعالى عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعا أن المراد يوسف وبنيامين والأخ الكبير الذي قال فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي على أنا لا ننكر إطلاق اسم الجمع على الاثنين مجازا فتحمل هذه الإطلاقات على المجاز لما ذكرنا من الدلائل

وأما الجواب من كلام الفريق الثالث فهو أنهم يراعون صورة اللفظ حتى لم ينعتوا المثنى بالجمع وإن كان بمعناه ولا الجمع بالمثنى محافظة على التشاكل بين الصفة والموصوف مع كونهما كشيء واحد وقد التزم بعضهم النعت مع الاختلاف مجازا

(٢/٤٨)

حكم المشترك الواقف

قوله

وأما المشترك فحكمه الوقف أي وقف النفس على اعتقاد أن الثابت به حق أو المراد من الوقف التوقف أي حكمه التوقف فيه من غير اعتقاد حكم معلوم سوى أن المراد به حق حتى يقوم دليل الترجيح لأن الشركة تنبئ عن المساواة ولهذا لو قال هو شريكي في هذا المال كان إقرارا له بالنصف وقد ذكرنا أن لا عموم للمشترك فكان الثابت به أحد مفهوماته عينا عند المتكلم غير عين عند السامع فلا يتعين المراد له إلا بدليل زائد لاستحالة الترجيح بلا مرجح فيجب التوقف ولكن لا يقعد عن الطلب كما لا يقعد في المتشابه بل يجب عليه التأمل لأن إدراك المراد وترجح البعض فيه محتمل فيجب طلبه وهو معنى

قوله بشرط التأمل بخلاف المجمل لأنه لا يدرك بالتأمل فيجب عليه التوقف إلى أن يأتيه البيان

قال شمس الأئمة رحمه اللّه ويشترط أن لا يترك الطلب وله طريقان التأمل في الصيغة ليتبين به المراد أو طلب دليل آخر يعرف به المراد لأن بالوقوف على المراد يزول معنى الاحتمال على التساوي فيجب الاشتغال به ليزول الخفاء واللّه أعلم بالصواب

(٢/٤٩)