٥ [ باب ما يلزم الوفاء به من منذور الصوم والصلاة وغيرهما] ( باب ما يلزم الوفاء به ) من منذور الصوم والصلاة وغيرهما : ( إذا نذر شيئا ) من القربات ( لزمه الوفاء به ) لقوله تعالى " وليوفوا نذورهم " وقوله صلى اللّه عليه وسلم " من نذر أن يطيع اللّه فليطعه ومن نذر أن يعصي اللّه فلا يعصه " رواه البخاري والإجماع على وجوب الإيفاء به وبه استدل القائلون بافتراضه ونذر من باب ضرب وفي لغة قتل والمنذور يلزمه ( إذا اجتمع فيه ) أي المنذور ( ثلاثة شروط ) أحدها ( أن من جنس واجب ) بأصله وإن حرم ارتكابه لوصفه كصوم يوم النحر ( و ) الثاني ( أن يكون مقصودا ) لذاته لا لغيره كالوضوء ( و ) الثالث أن يكون ( ليس واجبا ) قبل نذره بإيجاب اللّه تعالى كالصلوات الخمس والوتر وقد زيد شرط رابع أن لا يكون المنذور محالا كقوله للّه علي صوم أمس اليوم إذ لا يلزمه وكذا لو قال تلزمني اليوم أمس وكان قوله بعد الزوال ثم فرع على ذلك بقوله ( فلا يلزمه الوضوء بنذره ) ولا قراءة القرآن لكن الوضوء ليس مقصودا لأنه شرع شرطا لغيره كحل الصلاة ( ولا سجدة التلاوة ) لأنها واجبة بإيجاب الشارع ( ولا عيادة المريض ) إذ ليس من جنسها واجب وإيجاب العبد معتبر بإيجاب اللّه تعالى إذ له الاتباع لا الابتداع وهذا في ظاهر الرواية وفي رواية عن أبي حنيفة قال إن نذر أن يعود مريضا اليوم صح نذره وإن نذر أن يعود فلانا لا يلزمه شيء لأن عيادة المريض قربة قال عليه الصلاة والسلام " عائد المريض على مخارف الجنة حتى يرجع " وعيادة فلان بعينه لا يكون معنى القربة فيها مقصودا للناذر بل مراعاة حق فلان فلا يصح التزامه بالنذر وفي الظاهر الراوية عيادة المريض وتشييع الجنازة وإن كان فيها معنى حق اللّه تعالى فالمقصود حق المريض والميت والناذر إنما يلتزم بنذره ما يكون مشروعا حقا للّه تعالى مقصودا ( ولا ) يصح نذر ( الواجبات ) لأن إيجاب الواجب محال ( بنذرها ) لما بينا ( ويصح ) النذر ( بالعتق ) يعني الإعتاق لافتراض التحرير في الكفارات نصا ( والاعتكاف ) لأن من جنسه واجبا وهو القعدة الأخيرة في الصلاة فأصل المكث بهذه الصفة له نظير في الشرع والاعتكاف انتظار الصلاة فهو كالجالس في الصلاة فلذا صح نذره والحج ماشيا من قرب من مكة يلزمه ماشيا فالمشي بصفة مخصوصة له نظير في الشرع ويصح نذر العبد والمرأة الاعتكاف وللسيد والزوج المنع فيقضيانه بعد العتق والإبانة وليس للمولى منع المكاتب ( و ) وكذا يصح نذر ( الصلاة غير المفروضة والصوم ) والتصدق بالمال والذبح لظهور جنسها شرعا مثل الأضحية ( فإن نذر ) مكلف ( نذرا ) بشيء مما يصح نذره وكان ( مطلقا ) غير مقيد بوجود شيء كقوله للّه علي أو أنذر للّه علي صلاة ركعتين ( أو معلقا بشرط ) يريد كونه كقوله له إن رزقني اللّه غلاما فعلي إطعام عشرة مساكين ( ووجد ) الشرط ( لزمه الوفاء به ) لما تلونا وروينا وأما إذا علق النذر مما لا يريد كونه كقوله إن كلمت زيدا فللّه علي عتق رقبة ثم كلمه فإنه يتخير بين الوفاء بما نذره من العتق وبين كفارة يمين على الصحيح وهو المفتى به لقوله صلى اللّه عليه وسلم " كفارة النذر كفارة اليمين " وحمل على ما ذكرناه ( وصح نذر صوم ) يومي ( العيدين وأيام التشريق ) لأن النهي عن صومها يحقق تصور الصوم منهيا ضرورة والنهي لغيره لا ينافي المشروعية فصح نذره ( في المختار ) وفي رواية لا يصح لأنه نذر بمعصية قلنا المعصية لمعنى الإعراض عن ضيافة اللّه تعالى فلا يمنع الصحة من حيث ذاته ( و ) لذلك ( يجب فطرها ) امتثالا للأمر لئلا يصير بصومها معرضا عن ضيافة الكريم ( و ) يجب ( قضاؤها ) لصحة النذر باعتبار الأصل ( وإن صامها أجزأه ) الصيام عن النذر ( مع الحرمة ) الحاصلة بالإعراض عن ضيافة اللّه تعالى ( وألغينا تعيين الزمان و ) تعيين ( المكان و ) تعيين ( الدرهم و ) تعيين ( الفقير ) لأن النذر إيجاب الفعل في الذمة من حيث هو قربة لا باعتبار وقوعه في زمان ومكان وفقير وتعيينه للتقدير به أو التأجيل إليه ( فيجزئه صوم ) شهر ( رجب عن نذره صوم شعبان ) لوجود السبب وهو النذر والقربة لقهر النفس لا بوقوعه في شهر بعينه وفي تعجيله نفع له بتحصيل ثواب قد يفوت بموته أو طروء مانع قبل مجيء الوقت وإن كان بإضافته قصد التخفيف حتى لو مات قبل مجيء ذلك الوقت لا يلزمه شيء فأعطيناه مقصوده ( وتجزئ صلاة ركعتين ) فأكثر إذا صلى المنذور ( بمصر ) مثلا وقد كان ( نذر أدائهما ) أي صلاتهما ( بمكة ) أو المسجد النبوي أو الأقصى لأن الصحة باعتبار القربة لا المكان لأن الصلاة تعظيم اللّه تعالى بجميع البدن وفي هذا المعنى الأمكنة كلها سواء وإن تفاوت الفضل ( و ) يجزئه ( التصدق بدرهم ) لم يعينه له ( عن درهم عينه له ) أي للتصدق المنذر ( و ) يجزئه ( الصرف لزيد الفقير بنذره ) أي مع نذره الصرف ( لعمرو ) لأن معنى عبادة الصدقة صلى خلة المحتاج أو إخراج ما يجري به الشح عن ملكه ابتغاء وجه اللّه وهذا المعنى حاصل بدون مراعاة زمان ومكان وشخص خلافا لزفر فاته يقول بالتعيين ( تنبيه ) قال النبي صلى اللّه عليه وسلم " صلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد سوى المسجد الحرام ومسجدي هذا وصلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة في بيت المقدس وصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي هذا " قلت ولا يختص الفضل بالبقعة التي كانت في زمنه صلى اللّه عليه وسلم لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال " صلاة في مسجدي هذا ولو مد إلى صنعاء بألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ) قاله النسائي في أخبار المدينة كذا في ترتيب المقاصد الحسنة للسخاوي رحمه اللّه وروى البزار بإسناد صحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام فإنه يزيد مائة ألف صلاة " وفي حديث " وشهر رمضان في مسجدي هذا أفضل من ألف شهر رمضان فيما سواه إلا المسجد الحرام " رواه البيهقي وهذا دليل لأهل السنة والجماعة أن لبعض الأمكنة فضيلة على بعض وكذا الأزمنة ولما سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أفضل صلاة المرأة فقال " في أشد مكان من بيتها ظلمة " فعلى هذا ينبغي أنها إذا التزمت الصلاة في المسجد الحرام بالنذر فصلت في أشد مكان من بيتها ظلمة تخرج عن موجب نذرها على ما يقول زفر رحمه اللّه ( وإن علق ) الناذر ( النذر بشرط ) كقوله إن قدم زيد فللّه علي أن أتصدق بكذا ( لا يجزئه عنه ما فعله قبل وجود شرطه ) لأن المعلق بالشرط عدم قبول وجوده وإنما يجوز الأداء بعد وجود السبب الذي علق النذر به . واللّه المنان بفضله |