Geri

   

 

 

İleri

 

٦ ( باب الاعتكاف )

هو لغة اللبث والدوام على شيء وهو متعد فمصدره العكف ولازم فمصدره العكوف فالمتعدي بمعنى الحبس والمنع ومنه قوله تعالى " والهدي معكوفا " ومنه الاعتكاف في المسجد لأنه حبس النقص ومنعها واللازم الإقبال على شيء بطريق المواظبة ومنه قوله تعالى " يعكفون على أصنام لهم " وشرعا " هو الإقامة بنيته " أي بنية الاعتكاف ( في مسجد تقام فيه الجماعة بالفعل للصلوات الخمس ) لقول علي وحذيفة رضي اللّه عنهما " لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ولأنه انتظار الصلاة على أكمل الوجوه بالجماعة ( فلا يصح في مسجد لا تقام فيه الجماعة لصلاة ) في الأوقات الخمس ( على المختار ) عن أبي يوسف الاعتكاف الواجب لا يجوز في غير مسجد الجماعة والنقل يجوز وهذا في حق الرجال ( وللمرأة الاعتكاف في مسجد بيتها وهو محل عينته ) المرأة ( للصلاة فيه ) فإن لم تعين لها محلا لا يصح لها الاعتكاف فيها وهي ممنوعة من حضور المساجد والركن اللبث وشرط المسجد المخصوص والنية والصوم في المنذور والإسلام والعقل لا البلوغ والطهارة من حيض ونفاس في المنذور لا اشتراط الصوم لها ولا تشترط الطهارة من الجنابة لصحة الصوم معها ولو في المنذور وسببه النذر في المنذور والنشاط الداعي إلى طلب الثواب في النفل وحكمه سقوط الواجب ونيل الثواب إن كان واجبا وإلا فالثاني سنذكر محاسنه . وأما صفته فقد بينها بقوله ( والاعتكاف ) المطلوب شرعا ( على ثلاثة أقسام واجب في المنذور ) تنجيزا أو تعليقا ( وسنة ) كفاية ( مؤكدة في العشر الأخير من رمضان ) لا اعتكافه صلى اللّه عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه اللّه ثم اعتكف أزواجه بعده لأنه صلى اللّه عليه وسلم لما اعتكف العشر الأوسط أتاه جبريل عليه السلام فقال " إن الذي تطلب أمامك " يعني ليلة القدر فاعتكف العشر الأخير وعلى هذا ذهب الأكثر إلى أن ليلة القدر في العشر الأخير من رمضان فمنهم من قال في ليلة إحدى وعشرين ومنهم في سبع وعشرين وفي الصحيح " التمسوها في العشر الأواخر " والتمسوها في كل وتر وعن أبي حنيفة أنها في رمضان ولا يدري أي ليلة هي وقد تتقدم وقد تتأخر وعندهما كذلك إلا أنه معينة لا تتقدم ولا تتأخر والمشهور عن الإمام أنها تدور في السنة كما قدمناه في إحياء الليالي وذكرت هنا طلبا لزيادة الثواب وقيل في أول ليلة من رمضان وقيل ليلة تسع وعشرين وقال زيد بن ثابت ليلة أربع وعشرين وقال عكرمة ليلة خمس وعشرين .

وأجاب أبو حنيفة عن الأدلة المفيدة لكونها في العشر الأواخر بأن المراد في ذلك لرمضان الذي التمسها عليه السلام فيه ومن علامتها أنها بلجة ساكنة لا حارة ولا قارة تطلع الشمس صبيحتها بلا شعاع كأنها طشت وإنما أخفيت ليجتهد في طلبها فينال بذلك أجر المجتهد في العبادة كما أخفى اللّه سبحانه وتعالى الساعة ليكونوا على وجل من قيامها بغتة واللّه سبحانه وتعالى أعلم ( و ) القسم الثالث ( مستحب فيما سواه ) أي في أي وقت شاء سوى العشر الأخير ولم يكن منذورا ( والصوم شرط لصحة ) الاعتكاف ( المنذور ) ولا نذر لأنه من متعلقات اللسان بخلاف النية فإن محلها القلب ( فقط ) وليس شرطا في النفل لقوله صلى اللّه عليه وسلم " ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه " ومبنى النفل على المساهلة وروى الحسن أنه يلزمه الصوم بتقديره عليها باليوم كالمنذور أقله يوما للصوم ( و ) لكن المعتمد أن ( أقله نفلا مدة يسيرة ) غير محدودة فيحصل بمجرد المكث مع النية ( ولو كان ) الذي نواه ( ماشيا ) أي مارا غير جالس في المسجد ولو ليلا وهو حيلة من أراد الدخول والخروج من باب آخر في المسجد حتى لا يجعله طريقا فإنه لا يجوز ( على المفتى به ) لأنه متبرع وليس الصوم من شرطه وكل جزء من اللبث عبادة مع النية بلا انضمام إلى آخر ولذا لم يلزم النفل فيه بالشروع لانتهائه بالخروج

( ولا يخرج منه ) أي من معتكفه فيشمل المرأة المعتكفة بمسجد بيتها ( إلا لحاجة شرعية ) كالجمعة والعيدين فيخرج في وقت يمكنه إدراكها مع صلاة سنتها قبلها ثم يعود وإن أتم اعتكافه في الجامع صح وكره ( أو ) حاجة ( طبيعية ) كالبول والغائط وإزالة نجاسة واغتسال من جنابة باحتلام لأنه عليه السلام كان لا يخرج من معتكفه إلا لحاجة الإنسان ( أو ) حاجة ( ضرورية كانهدام المسجد ) وأداء شهادة تعينت عليه ( وإخراج ظالم كرها وتفرق أهله ) لفوات ما هو المقصود منه ( وخوف على نفسه أو متاعه من المكابرين فيدخل مسجدا من ساعته ) يريد أن لا يكون خروجه إلا ليعتكف في غيره ولا يشتغل إلا بالذهاب إلى المسجد الآخر ( فإن خرج ساعة بلا عذر ) معتبر ( فسد الواجب ) ولا إثم به ويبطل بالإغماء والجنون إذا دام أياما إلا اليوم الأول إذا بقي وأتمه في المسجد ويقضي ما عداه بعد زوال الجنون وإن طال الجنون استحسانا وقالا إن خرج أكثر اليوم فسد وإلا فلا ( وانتهى به ) أي بالخروج ( غيره ) أي غير الواجب وهو النفل إذ ليس له حد ( وأكل المعتكف وشربه ونومه وعقده البيع لما يحتاجه لنفسه أو عياله ) لا يكون إلا ( في المسجد ) لضرورة الاعتكاف حتى لو خرج لهذه الأشياء يفسد اعتكافه وفي الظهيرية وقيل يخرج بعد الغروب للأكل والشرب ( وكره إحضار المبيع فيه ) لأن المسجد محرر عن حقوق العباد فلا يجعله كالدكان ( وكره عقد ما كان للتجارة ) لأنه منقطعا إلى اللّه تعالى فلا يشتغل بأمور الدنيا ولهذا كره الخياطة ونحوها فيه وكره لغير المعتكف البيع مطلقا ( وكره الصمت إن اعتقده قربة والتكلم إلا بخير ) لأنه منهي عنه لأنه صوم أهل الكتاب وقد نسخ وأما إذا لم يعتقده قربة فيه ولكنه حفظ لسانه عن النطق بما لا يفيد فلا بأس به ولكنه يلازم قراءة القرآن والذكر والحديث والعلم ودراسته وسير النبي صلى اللّه عليه وسلم وقصص الأنبياء عليهم السلام وحكايات الصالحين وكتابه أمور الدين . وأما التكلم بغير خير فلا يجوز لغير المعتكف والكلام المباح مكروه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب إذا جلس في المسجد لذلك ابتداء ( وحرم الوطء ودواعيه ) لقوله تعالى " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " فالتحق به اللمس والقبلة لأن الجماع محظور فيه فيتعدى إلى دواعيه كما في الإحرام والظهار والاستبراء بخلاف الصوم لأن الكف عن الجماع هو الركن فيه والحظر يثبت ضمنا كيلا يفوت الركن فلم يتعد إلى دواعيه لأن ما ثبت بالضرورة يقدر بقدرها ( وبطل ) الاعتكاف ( بوطئه وبالإنزال بدواعيه ) سواء كان عامدا أو ناسيا أو مكرها ليلا أو نهارا لأن له حالة مذكرة كالصلاة والحج بخلاف الصوم ولو أمنى بالتفكر أو بالنظر لا يفسد اعتكافه ( ولزمته الليالي أيضا ) أي كما لزمته الأيام ( بنذر اعتكاف أيام ) لأن ذكر الأيام بلفظ الجمع يدخل فيها ما بإزائها من الليالي وتدخل الليلة الأولى فيدخل المسجد قبل الغروب من أول ليلة ويخرج منه بعد الغروب من آخر أيامه ( ولزمته الأيام بنذر الليالي متتابعة وإن لم يشرط التتابع في ظاهر الرواية ) لأن مبنى الاعتكاف على التتابع وتأثيره إن ما كان متفرقا في نفسه لا يجب الوصل فيه بالتنصيص وما كان متصل الأجزاء لا يجوز تفريقه إلا بالتنصيص ( ولزمته ليلتان بنذر يومين ) فيدخل عند الغروب كما ذكرنا لأن المثنى في معنى الجمع فيلحق به هنا احتياطا ( وصح نية النهر ) جمع نهار ( خاصة ) بالاعتكاف إذا نوى تخصيصه بالأيام ( دون الليالي ) إذا نذر اعتكاف دون شهر لأنه نوى حقيقة كلامه فتعمل نيته كقوله نذرت اعتكاف عشرين يوما ونوى بياض النهار خاصة منها صحت نيته ( وإن نذر اعتكاف شهر ) معين أو غير معين ( ونوى الشهر خاصة أو الليالي خاصة لا تعمل نيته إلا أن يصرح بالاستثناء ) اتفاقا لأن الشهر اسم لمقدر يشتمل على الأيام والليالي وليس باسم عام كالعشرة على مجموع الآحاد فلا ينطلق على ما دون ذلك العدد أصلا كما لا تنطلق العشرة على الخمسة مثلا حقيقة ولا مجاز أما لو قال شهرا بالنهر دون الليالي لزمه كما قال وهو ظاهر أو استفتى فقال إلا الليالي لأن الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا فكأنه قال ثلاثين نهارا ولو استثنى الأيام لا يجب عليها شيء لأن باقي الليالي المجردة ولا يصح فيها لمنافاتها شرطه وهو الصوم هذا من فتح القدير بعناية المولى النصير

( والاعتكاف مشروع بالكتاب ) لما تلونا من قوله تعالى " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " فالإضافة إلى المساجد المختصة بالقرب وترك الوطء المباح لأجله دليل على أنه قربة

( والسنة لما روى أبو هريرة وعائشة رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان منذ قدم المدينة إلى أن توفاه اللّه تعالى وقال الزهري رضي اللّه عنه : عجبا من الناس كيف تركوا الاعتكاف ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يفعل الشيء ويتركه وما ترك الاعتكاف حتى قبض وأشار إلى ثبوته بضرب من المعقول فقال وهو من أشرف الأعمال إذ كان عن إخلاص ) للّه تعالى لأن منتظر للصلاة كالمصلي وهي حالة قرب وانقطاع محاسنها لا تحصل ( ومن محاسنه أن فيها تفريغ القلب من أمور الدنيا ) بشغله بالإقبال على العبادة متجردا لها ( وتسليم النفس إلى المولى ) بتفويض أمرها إلى عزيز جنابه والاعتماد كرمه والوقوف ببابه ( وملازمة عباده ) والتقرب إليه ليقرب من رحمته كما أشار إليه في حديث " من تقرب إلي " وملازمة القرار ( في بيته ) سبحانه وتعالى واللائق بمالك المنزل إكرام نزيله تفضلا ورحمة وإحسانا منه ومنة للالتجاء إليه ( والتحصن بحصنه ) فلا يصل إليه عدوه بكيده وقهره وعزيز تأييده ونصره ترى الرعايا يحبسون أنفسهم على باب سلطانهم وهو فرد منهم ويجهدون في خدمته والقيام أذلة بين يديه لقضاء مآربهم فيعطف عليهم بإحسانه ويحميهم من عدوهم بعزة قدرته وقوة سلطانه وقد نبهه على حصول المراد وأزال حجاب الوهم وأماط الغطاء وأظهر الحق لما أشار إليه بقوله ( وقال ) الأستاذ العارف باللّه تعالى الإمام المجتهد ( عطاء ) بن أبي رباح التابعي تلميذ ابن عباس رضي اللّه عنهما أحد مشايخ الإمام الأعظم رحمه اللّه تعالى قال أبو حنيفة ما رأيت أفقه من حماد ولا أجمع للعلم من عطاء ابن أبي رباح أكثر رواية الإمام الأعظم أبي حنيفة عن عطاء سمع ابن عباس وابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد وجابرا وعائشة رضي اللّه عنهم توفي سنة خمس عشرة ومائة وهو ابن ثمانين سنة كذا في أعلام الأخبار قال رحمه اللّه تعالى ونفعنا ببركته ومدده ( مثل المعتكف مثل رجل يختلف ) أي يتردد ويقف ( على باب ) ملك أو وزير عظيم أو ( إمام لحاجة ) يقدر على قضائها عادة ( فالمعتكف يقول ) لسان حاله إن لم ينطق بذلك لسان قاله ( لا أبرح ) قائما بباب مولاي سائلا منه جميع مآربي وكشف ما نزل بي من الكرب وصار مصاحبي وتجنبي ؟ ؟ لذلك أعز إخواني بل عين قرابتي ( حتى يغفر لي ) ذنوبي التي هي سبب بعدي ونزول مصائبي ثم يفيض بمنته علي بما يليق بأهليته وكرمه إكرام من التجاء إلى منيع حرزه وحماية حرمه وهذه إشارة إلى أن العبد الجامع لهذه المسائل واقف موقف العبد الذليل بباب مولاه عاريا من الأعمال ونسبة الفضائل متوجها إليه سبحانه بأعظم الوسائل مادا أكف الافتقار ملحا بالدعاء والمسائل مطروحا على أعتاب باب اللّه تعالى مرتجيا شفاعته غدا عنده بما وعد به وهو لكل خير كافل ( وهذا ما تيسر ) من انتخاب الشرح واختصاره اليسير كتيسير المتن وشرحه ( للعاجز الحقير ) ولم يكن إلا ( بعناية مولاه القوي القدير ) الحمد للّه الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه وصلى اللّه على سيدنا ومولانا محمد خاتم الأنبياء وعلى آله وصحبه وذريته ومن والاه ( ونسأل اللّه سبحانه متوسلين ) إليه بالنبي المصطفى الرحيم ( أن يجعله ) وشرحه ومختصره هذا عملا ( خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به ) وبالشرح وبهذا المنتخب منه لتيسير ( النفع العظيم ويجزل به ) وبهما ( الثواب الجزيل ) وأن يمتعنا ببصرنا وسمعنا وقوتنا وجميع حواسنا وأن يختم أعمالنا وأن يغفر لنا ولوالدينا ومشايخنا وأصحابنا وإخواننا وذرياتنا وأن يستر عيوبنا ويرزقنا ما تقر به عيوننا حالا ومآلا آمين اه

وكان ابتداء هذا المختصر من الشرح في أواخر جمادى الآخر واختتامه بأوائل رجب الحرام سنة أربع وخمسين بعد الألف وكان ابتداء جمع الشرح الأصلي في منتصف ربيع الأول سنة خمس وأربعين وختم جمعه في المسودة بختام شهر رجب الحرام بذلك العام . وكان انتهاء تأليف متنه في يوم الجمعة المبارك رابع عشر جمادى الأولى اثنتين وثلاثين وألف

وكان الفراغ من تبيض الشرح المسمى ب ( إمداد الفتاح شرح نور الإيضاح ونجاة الأرواح ) في منتصف شهر ربيع الأول سنة ست وأربعون وألف وعدد أوراقه ثلاثمائة وستون ورقة ومبلغ عدد مختصره هذا مائة وخمس وأربعون ورقة هي هذه المسودة المبيضة بتوفيق اللّه عبده الذليل الراجي فيضه الجزيل إذ حشره وعليه عرضه وأسأله قبوله خدمة لجناب حبيبه المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وزاده فضلا وشرفا لديه . قال كاتبه ومؤلفه حسن الشرنبلالي عفا اللّه عنه ثم إني أرت إتمام العبادات الخمس بإلحاق الزكاة والحج بما جمعته مختصرا فقلت :