٣٩ - بَاب مقرّ الْأَرْوَاحقَالَ اللّه تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي أنشأكم من نفس وَاحِدَة فمستقر ومستودع} وَقَالَ تَعَالَى {وَيعلم مستقرها ومستودعها} أَحدهمَا فِي الصلب وَالْآخر بعد الْمَوْت ١ - أخرج مُسلم عَن إِبْنِ مَسْعُود قَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم أَرْوَاحهم فِي جَوف طير خضر لَهَا قناديل معلقَة بالعرش تسرح من الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت ثمَّ تأوي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيل ٢ - وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن إِبْنِ عَبَّاس أَن النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما أُصِيب أصحابكم بِأحد جعل اللّه أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير خضر ترد أَنهَار الْجنَّة تَأْكُل من ثمارها وتأوي إِلَى قناديل من ذهب معلقَة فِي ظلّ الْعَرْش ٣ - وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْنِ عَبَّاس قَالَ أَرْوَاح الشُّهَدَاء تجول فِي طير خضر تعلق من ثَمَر الْجنَّة ٤ - وَأخرج بَقِي بن مخلد وإبن مَنْدَه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي اللّه عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم الشُّهَدَاء يَغْدُونَ وَيَرُوحُونَ ثمَّ يكون مأواهم إِلَى قناديل معلقَة بالعرش فَيَقُول لَهُم الرب تَعَالَى هَل تعلمُونَ كَرَامَة أفضل من كَرَامَة أكرمتكموها فَيَقُولُونَ لَا غير أَنا وَدِدْنَا أَنَّك أعدت أَرْوَاحنَا إِلَى أَجْسَادنَا حَتَّى نُقَاتِل مرّة أُخْرَى فنقتل فِي سَبِيلك ٥ - وَأخرج هناد بن السّري فِي كتاب الزّهْد وإبن مَنْدَه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي حواصل طير خضر ترعى فِي رياض الْجنَّة ثمَّ يكون مأواها إِلَى قناديل معلقَة بالعرش فَيَقُول الرب وَذكر نَحوه ٦ - وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أنس عَن النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يبْعَث اللّه الشُّهَدَاء من حواصل طير بيض كَانُوا فِي قناديل معلقَة بالعرش ٧ - وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه عَن سعيد بن سُوَيْد أَنه سَأَلَ إِبْنِ شهَاب عَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ قَالَ بَلغنِي أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء كطير خضر معلقَة بالعرش تَغْدُو ثمَّ تروح إِلَى رياض الْجنَّة تَأتي رَبهَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كل يَوْم تسلم عَلَيْهِ ٨ - وَأخرج إِبْنِ أبي حَاتِم عَن إِبْنِ مَسْعُود قَالَ إِن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف طير خضر فِي قناديل تَحت الْعَرْش تسرح فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت ثمَّ ترجع إِلَيّ قناديلها وَإِن أَرْوَاح ولدان الْمُؤمنِينَ فِي أَجْوَاف عصافير تسرح فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت ٩ - وَأخرج عَن أبي الدَّرْدَاء أَنه سُئِلَ عَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فَقَالَ هِيَ طير خضر فِي قناديل معلقَة تَحت الْعَرْش تسرح فِي رياض الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت ١٠ - وَأخرج أَحْمد وَعبد وإبن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد حسن عَن إِبْنِ عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم الشُّهَدَاء على بارق نهر بِبَاب الْجنَّة فِي قبَّة خضراء يخرج إِلَيْهِم رزقهم من الْجنَّة غدْوَة وَعَشِيَّة ١١ - وَأخرج هناد بن السّري فِي كتاب الزّهْد وإبن أبي شيبَة عَن أبي بن كَعْب قَالَ الشُّهَدَاء فِي قباب فِي رياض بِفنَاء الْجنَّة يبْعَث إِلَيْهِم ثَوْر وحوت فيعتركان فيلهون بهما فَإِذا إحتاجوا إِلَى شَيْء عقر أَحدهمَا صَاحبه فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ فيجدون فِيهِ طعم كل شَيْء فِي الْجنَّة ١٢ - وَأخرج البُخَارِيّ عَن أنس أَن حَارِثَة لما قتل قَالَت أمه يَا رَسُول اللّه قد علمت منزلَة حَارِثَة مني فَإِن يكن فِي الْجنَّة أَصْبِر وَإِن يكن غير ذَلِك ترى مَا أصنع قَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم إِنَّهَا جنان كَثِيرَة وَإنَّهُ فِي الفردوس الْأَعْلَى ١٣ - وَأخرج مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَأحمد وَالنَّسَائِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن كَعْب بن مَالك أَن رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّمَا نسمَة الْمُؤمن طَائِر تعلق فِي شجر الْجنَّة حَتَّى يرجعه اللّه تَعَالَى إِلَى جسده يَوْم يَبْعَثهُ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ إِن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي طير خضر تعلق من ثَمَرَة الْجنَّة أَو شجر الْجنَّة قَوْله تعلق بِضَم اللَّام أَي تَأْكُل الْعلقَة بِضَم الْمُهْملَة وَهُوَ مَا يتبلغ بِهِ من الْعَيْش ١٤ - وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن أم هانىء أَنَّهَا سَأَلت رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم أنتزاور إِذا متْنا وَيرى بَعْضنَا بَعْضًا فَقَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم تكون النسم طيرا تعلق بِالشَّجَرِ حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دخلت كل نفس فِي جَسدهَا ١٥ - وَأخرج إِبْنِ سعد من طَرِيق مَحْمُود بن لبيد عَن أم بشر بن الْبَراء أَنَّهَا قَالَت لرَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم يَا رَسُول اللّه هَل تتعارف الْمَوْتَى قَالَ تربت يداك النَّفس المطمئنة طير خضر فِي الْجنَّة فَإِن كَانَ الطير يَتَعَارَفُونَ فِي رُؤُوس الشّجر فَإِنَّهُم يَتَعَارَفُونَ ١٦ - وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر من طَرِيق إِبْنِ لَهِيعَة عَن أبي الْأسود عَن أم فَرْوَة إبنة معَاذ السلمِيَّة عَن أم بشر إمرأة أبي مَعْرُوف قَالَت سَأَلت رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم أنتزاور يَا رَسُول اللّه إِذا متْنا يزور بَعْضنَا بَعْضًا فَقَالَ تكون النسم طيرا تتَعَلَّق بشجرة حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دخلت فِي جثتها ١٧ - وَأخرج إِبْنِ مَاجَه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث بِسَنَد حسن عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك قَالَ لما حضرت كَعْبًا الْوَفَاة أَتَتْهُ أم بشر بنت الْبَراء فَقَالَت يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن إِن لقِيت فلَانا فأقرئه مني السَّلَام فَقَالَ لَهَا يغْفر اللّه لَك يَا أم بشر نَحن أشغل من ذَلِك فَقَالَت أما سَمِعت رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن نسمَة الْمُؤمن تسرح فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت ونسمة الْكَافِر فِي سِجِّين قَالَ قلت بلَى هُوَ ذَاك ١٨ - وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن ضَمرَة بن حبيب مُرْسلا قَالَ سُئِلَ النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم عَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فَقَالَ فِي طير خضر تسرح فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت قَالُوا يَا رَسُول اللّه وأرواح الْكفَّار قَالَ محبوسة فِي سِجِّين ١٩ - وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وإبن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب المنامات عَن سعيد بن الْمسيب أَن سلمَان الْفَارِسِي وَعبد اللّه بن سَلام إلتقيا فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه إِن لقِيت رَبك قبلي فَأَخْبرنِي مَاذَا لقِيت فَقَالَ أَو تلقى الْأَحْيَاء الْأَمْوَات قَالَ نعم أما الْمُؤْمِنُونَ فَإِن أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة وَهِي تذْهب حَيْثُ شَاءَت ٢٠ - وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد اللّه بن عَمْرو قَالَ الْجنَّة مُطَوَّلَة فِي قُرُون الشَّمْس تنشر فِي كل عَام مرّة وأرواح الْمُؤمنِينَ فِي طير كالزرازير تَأْكُل من ثَمَر الْجنَّة ٢١ - وَأخرجه إِبْنِ مَنْدَه عَنهُ مَرْفُوعا وَأخرجه الْخلال عَنهُ مَوْقُوفا بِلَفْظ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي أَجْوَاف طير خضر كالزرازير يَتَعَارَفُونَ فِيهَا وَيُرْزَقُونَ من ثَمَرهَا ٢٢ - وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وإبن أبي دَاوُد فِي الْبَعْث وإبن أبي الدُّنْيَا فِي العزاء من طَرِيق عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم أَوْلَاد الْمُؤمنِينَ فِي جبل فِي الْجنَّة يكفلهم إِبْرَاهِيم وَسَارة حَتَّى يردهم إِلَى آبَائِهِم يَوْم الْقِيَامَة وَتقدم شَاهده فِي الصَّحِيح فِي حَدِيث سَمُرَة فِي بَاب عَذَاب الْقَبْر ٢٣ - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي كتاب العزاء عَن إِبْنِ عمر رَضِي اللّه عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم كل مَوْلُود يُولد فِي الْإِسْلَام فَهُوَ فِي الْجنَّة شُبَّان رَيَّان يَقُول يَا رب أورد عَليّ أَبَوي ٢٤ - وَأخرج فِيهِ أَيْضا عَن خَالِد بن معدان قَالَ إِن فِي الْجنَّة لشَجَرَة يُقَال لَهَا طُوبَى كلهَا ضروع فَمن مَاتَ من الصّبيان الَّذين يرضعون رضع من طُوبَى وحاضنهم إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن صلوَات اللّه عَلَيْهِ ٢٥ - وَأخرج أَيْضا عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ إِن فِي الْجنَّة لشَجَرَة لَهَا ضروع كضروع الْبَقر يغذى بهَا ولدان أهل الْجنَّة ٢٦ - وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مَكْحُول أَن رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن ذَرَارِي الْمُسلمين أَرْوَاحهم فِي عصافير خضر فِي شجر من الْجنَّة يكفلهم أبوهم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ٢٧ - وَأخرج إِبْنِ أبي حَاتِم عَن خَالِد بن معدان قَالَ إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يُقَال لَهَا طُوبَى كلهَا ضروع ترْضع صبيان أهل الْجنَّة وَإِن سقط الْمَرْأَة يكون فِي نهر من أَنهَار الْجنَّة يتقلب فِيهِ حَتَّى تقوم الْقِيَامَة فيبعث إِبْنِ أَرْبَعِينَ سنة ٢٨ - وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق إِبْنِ عَبَّاس عَن كَعْب قَالَ جنَّة المأوى فِيهَا طير خضر ترتقي فِيهَا أَرْوَاح الشُّهَدَاء تسرح فِي الْجنَّة وأرواح آل فِرْعَوْن فِي طير سود تَغْدُو على النَّار وَتَروح وَإِن أَرْوَاح أَطْفَال الْمُسلمين فِي عصافير فِي الْجنَّة ٢٩ - وَأخرج هناد بن السّري فِي الزّهْد عَن هُذَيْل قَالَ إِن أَرْوَاح آل فِرْعَوْن فِي أَجْوَاف طير سود تروح وتغدو على النَّار فَذَلِك عرضهَا وأرواح الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف طير خضر وَأَوْلَاد الْمُسلمين الَّذين لم يبلغُوا الْحِنْث عصافير من عصافير الْجنَّة ترعى وتسرح ٣٠ - وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَقولُوا لمن يقتل فِي سَبِيل اللّه أموات} الْآيَة قَالَ أَرْوَاح الشُّهَدَاء طير بيض فقاقيع فِي الْجنَّة قَالَ فِي الصِّحَاح الفقاقيع الفقاعات الَّتِي ترْتَفع فَوق المَاء كالقوارير فَكَأَنَّهُ شبه بهَا الْأَرْوَاح أَو الطير وَقَالَ فِي الْقَامُوس فقيع كسكيت الْأَبْيَض من الْحمام ٣١ - وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة قَالَ بلغنَا أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي صور طير بيض تأوي إِلَى قناديل معلقَة تَحت الْعَرْش ٣٢ - وَأخرج إِبْنِ الْمُبَارك عَن إِبْنِ عَمْرو قَالَ أَرْوَاح الْمُسلمين فِي صور طير بيض فِي ظلّ الْعَرْش وأرواح الْكَافرين فِي الأَرْض السَّابِعَة ٣٣ - وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه عَن أم كَبْشَة بنت الْمَعْرُور قَالَت دخل علينا النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلْنَاهُ عَن هَذِه الْأَرْوَاح فوصفها صفة لكنه أبكى أهل الْبَيْت فَقَالَ إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي حواصل طير خضر ترعى فِي الْجنَّة وتأكل من ثمارها وتشرب من مياهها وتأوي إِلَى قناديل من ذهب تَحت الْعَرْش يَقُولُونَ رَبنَا ألحق بِنَا إِخْوَاننَا وآتنا مَا وعدتنا وَإِن أَرْوَاح الْكفَّار فِي حواصل طير سود تَأْكُل من النَّار وتشرب من النَّار وتأوي إِلَى جُحر فِي النَّار يَقُولُونَ رَبنَا لَا تلْحق بِنَا إِخْوَاننَا وَلَا تؤتنا مَا وعدتنا ٣٤ - وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وإبن أبي حَاتِم وإبن مرْدَوَيْه فِي تفسيرهما عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أتيت بالمعراج الَّذِي تعرج عَلَيْهِ أَرْوَاح بني آدم فَلم ير الْخَلَائق أحسن من الْمِعْرَاج مَا رَأَيْت الْمَيِّت حِين يشق بَصَره طامحا إِلَى السَّمَاء فَإِن ذَلِك عجبه بالمعراج فَصَعدت أَنا وَجِبْرِيل فاستفتحت بَاب السَّمَاء فَإِذا أَنا بِآدَم تعرض عَلَيْهِ أَرْوَاح ذُريَّته الْمُؤمنِينَ فَيَقُول روح طيبَة وَنَفس طيبَة إجعلوها فِي عليين ثمَّ تعرض عَلَيْهِ أَرْوَاح ذُريَّته الْفجار فَيَقُول روح خبيثة وَنَفس خبيثة إجعلوها فِي سِجِّين ٣٥ - وَأخرج أَبُو نعيم بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي السَّمَاء السَّابِعَة ينظرُونَ إِلَى مَنَازِلهمْ فِي الْجنَّة ٣٦ - وَأخرج أَبُو نعيم أَيْضا فِي الْحِلْية عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ إِن اللّه فِي السَّمَاء السَّابِعَة دَارا يُقَال لَهَا الْبَيْضَاء تَجْتَمِع فِيهَا أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فَإِن مَاتَ الْمَيِّت من أهل الدُّنْيَا تَلَقَّتْهُ الأوراح يسألونه عَن أَخْبَار الدُّنْيَا كَمَا يسْأَل الْغَائِب أَهله إِذا قدم عَلَيْهِم ٣٧ - وَأخرج سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه عَن إِبْنِ عمر رَضِي اللّه عَنْهُمَا أَنه عزى أَسمَاء بإبنها عبد اللّه بن الزبير وجثته مصلوبة فَقَالَ لَا تحزني فَإِن الْأَرْوَاح عِنْد اللّه فِي السَّمَاء وَإِنَّمَا هَذِه جثة ٣٨ - وَأخرج سعيد الْمروزِي فِي الْجَنَائِز عَن الْعَبَّاس بن الْمطلب قَالَ ترفع أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ إِلَى جِبْرِيل فَيُقَال أَنْت ولي هَذِه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ٣٩ - وَأخرج سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه وإبن جرير الطَّبَرِيّ فِي كتاب الْأَدَب لَهُ عَن الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن قَالَ لَقِي سلمَان الْفَارِسِي عبد اللّه بن سَلام فَقَالَ لَهُ إِن مت قبلي فَأَخْبرنِي بِمَا تلقى وَإِن مت قبلك أَخْبَرتك بِمَا ألْقى قَالَ وَكَيف وَقد مت قَالَ إِن الرّوح إِذا خرج من الْجَسَد كَانَ بَين السَّمَاء وَالْأَرْض حَتَّى يرجع إِلَى جسده فقضي أَن سلمَان مَاتَ فَرَآهُ عبد اللّه بن سَلام فِي الْمَنَام فَقَالَ أَخْبرنِي أَي شَيْء وجدته أفضل قَالَ رَأَيْت للتوكل شَيْئا عجيبا ٤٠ - وَأخرج إِبْنِ الْمُبَارك فِي الزّهْد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وإبن أبي الدُّنْيَا وإبن مَنْدَه عَن سعيد بن الْمسيب عَن سلمَان قَالَ إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي برزخ من الأَرْض تذْهب حَيْثُ شَاءَت وَنَفس الْكَافِر فِي سِجِّين قَالَ إِبْنِ الْقيم البرزخ هُوَ الحاجز بَين الشَّيْئَيْنِ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ فِي أَرض بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ٤١ - وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن سلمَان قَالَ إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ تذْهب فِي برزخ من الأَرْض حَيْثُ شَاءَت بَين السَّمَاء وَالْأَرْض حَتَّى يردهَا اللّه إِلَى أجسادها ٤٢ - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن مَالك بن أنس قَالَ بَلغنِي أَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ مُرْسلَة تذْهب حَيْثُ شَاءَت ٤٣ - وَأخرج عَن عبد اللّه بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه سُئِلَ عَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ إِذا مَاتُوا أَيْن هم قَالَ صور طير بيض فِي ظلّ الْعَرْش وأرواح الْكَافرين فِي الأَرْض السَّابِعَة فَإِذا مَاتَ الْمُؤمن مر بِهِ على الْمُؤمنِينَ وَلَهُم أندية فيسألونه عَن بعض أَصْحَابهم فَإِن قَالَ مَاتَ قَالُوا سفل بِهِ وَإِن كَانَ كَافِرًا أهوي بِهِ إِلَى الأَرْض السافلة فيسألونه عَن الرجل فَإِن قَالَ مَاتَ قَالُوا عَليّ بِهِ ٤٤ - وَأخرج الْمروزِي وإبن مَنْدَه فِي الْجَنَائِز وإبن عَسَاكِر عَن عبد اللّه بن عمر رَضِي اللّه عَنْهُمَا قَالَ إِن أَرْوَاح الْكفَّار تجمع ببرهوت سبخَة بحضرموت وأرواح الْمُؤمنِينَ بالجابية برهوت بِالْيمن والجابية بِالشَّام ٤٥ - وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر عَن عُرْوَة بن رُوَيْم قَالَ الْجَابِيَة تَجِيء إِلَيْهَا كل روح طيبَة ٤٦ - وَأخرج أَبُو بكر النجاد فِي جزئه الْمَشْهُور عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي اللّه عَنهُ قَالَ خير وَادي النَّاس وَادي مَكَّة وَشر وَادي النَّاس وَادي الأحقاق وَاد بحضرموت يُقَال لَهُ برهوت فِيهِ أَرْوَاح الْكفَّار ٤٧ - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن عَليّ قَالَ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي بِئْر زَمْزَم ٤٨ - وَأخرج الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وإبن مَنْدَه عَن الْأَخْنَس بن خَليفَة الضَّبِّيّ أَن كَعْب الْأَحْبَار أرسل إِلَى عبد اللّه بن عَمْرو رَضِي اللّه عَنْهُمَا يسْأَله عَن أَرْوَاح الْمُسلمين أَيْن تَجْتَمِع وأرواح أهل الشّرك أَيْن تَجْتَمِع فَقَالَ عبد اللّه بن عَمْرو أما أَرْوَاح الْمُسلمين فتجتمع بأريحا وَأما أَرْوَاح أهل الشّرك فتجتمع بِصَنْعَاء فَرجع رَسُول اللّه إِلَيْهِ فَأخْبرهُ بِالَّذِي قَالَ فَقَالَ صدق وَقَالَ إِبْنِ جرير فِي تَفْسِيره حَدثنَا مُحَمَّد بن عَوْف الطَّائِي حَدثنَا أَبُو الْمُغيرَة حَدثنَا صَفْوَان قَالَ سَأَلت عَامر بن عبد اللّه بِالْيمن هَل لأنفس الْمُؤمنِينَ مُجْتَمع فَقَالَ إِلَى الأَرْض يَقُول اللّه تَعَالَى {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون} ) قَالَ هِيَ الأَرْض الَّتِي تَجْتَمِع إِلَيْهَا أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ حَتَّى يكون الْبَعْث ٤٩ - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ إِذا قبضت ترفع إِلَى ملك يُقَال لَهُ رميائيل وَهُوَ خَازِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ ٥٠ - وَأخرج عَن أبان بن ثَعْلَب عَن رجل من أهل الْكتاب قَالَ الْملك الَّذِي على أَرْوَاح الْكفَّار يُقَال لَهُ دومة ٥١ - وَأخرج الْعقيلِيّ بِسَنَد ضَعِيف من طَرِيق خَالِد بن معدان عَن كَعْب قَالَ الْخضر على مِنْبَر من نور بَين الْبَحْر الْأَعْلَى وَالْبَحْر الْأَسْفَل وَقد أمرت دَوَاب الْبَحْر أَن تسمع لَهُ وتطيع وَتعرض عَلَيْهِ الْأَرْوَاح غدْوَة وَعَشِيَّة ٥٢ - قَالَ إِبْنِ الْقيم مَسْأَلَة مقرّ الْأَرْوَاح بعد الْمَوْت عَظِيمَة لَا تتلقى إِلَّا من السّمع وَقد قيل إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ كلهم فِي الْجنَّة الشُّهَدَاء وَغَيرهم إِذا لم تحبسهم كَبِيرَة لظَاهِر حَدِيث كَعْب وَأم هانىء وَأم بشر وَأبي سعيد وضمرة وَنَحْوهَا وَلقَوْله تَعَالَى {فَأَما إِن كَانَ من المقربين فَروح وَرَيْحَان وجنة نعيم} قسم الْأَرْوَاح عقب خُرُوجهَا من الْبدن إِلَى ثَلَاثَة مقربين وَأخْبر أَنَّهَا فِي جنَّة النَّعيم وَأَصْحَاب يَمِين وَحكم لَهَا بِالسَّلَامِ وَهُوَ يتَضَمَّن سلامتها من الْعَذَاب ومكذبة ضَالَّة وَأخْبر أَن لَهَا نزلا من حميم وتصلية جحيم وَقَالَ تَعَالَى {يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك} إِلَى قَوْله {وادخلي جنتي} قَالَ جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ إِنَّه يُقَال لَهَا ذَلِك عِنْد خُرُوجهَا من الدُّنْيَا على لِسَان الْملك بِشَارَة وَيُؤَيِّدهُ قَوْله تَعَالَى فِي مُؤمن آل يس {قيل ادخل الْجنَّة قَالَ يَا لَيْت قومِي يعلمُونَ} وَقيل الْأَحَادِيث مَخْصُوصَة بِالشُّهَدَاءِ كَمَا صرح بِهِ فِي رِوَايَة أُخْرَى وَلقَوْله فِي غَيرهم إِن أحدكُم إِذا مَاتَ عرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشي الحَدِيث وَلِحَدِيث أبي هُرَيْرَة السَّابِق إِنَّهُم فِي السَّمَاء السَّابِعَة ينظرُونَ إِلَى مَنَازِلهمْ فِي الْجنَّة وَحَدِيث وهب مثله ٥٣ - وَقَالَ إِبْنِ حزم فِي طَائِفَة مستقرها حَيْثُ كَانَت قبل خلق أجسادها أَي عَن يَمِين آدم وشماله قَالَ وَهَذَا مَا دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة قَالَ تَعَالَى {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم} الْآيَة فصح أَن اللّه تَعَالَى خلق الْأَرْوَاح جملَة وَلذَلِك أخبر صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم أَن الْأَرْوَاح جنود مجندة فَمَا تعارف مِنْهَا إئتلف وَمَا تناكر مِنْهَا إختلف وَأخذ اللّه عهدها وشهادتها بالربوبية وَهِي مخلوقة مصورة عَاقِلَة قبل أَن تُؤمر بِالْمَلَائِكَةِ بِالسُّجُود لآدَم وَقبل أَن يدخلهَا فِي الأجساد والأجساد يَوْمئِذٍ تُرَاب وَمَاء ثمَّ أقرها حَيْثُ شَاءَ وَهُوَ البرزخ الَّذِي ترجع إِلَيْهِ عِنْد الْمَوْت ثمَّ لَا يزَال يبْعَث مِنْهَا الْجُمْلَة بعد الْجُمْلَة فينفخها فِي الأجساد المتولدة من الْمَنِيّ قَالَ فصح أَن الْأَرْوَاح أجسام حاملة لأعراضها من التعارف والتناكر وَأَنَّهَا عارفة مُمَيزَة فيبلوها اللّه فِي الدُّنْيَا كَمَا يَشَاء ثمَّ يتوفاها فترجع إِلَى البرزخ الَّذِي رَآهَا فِيهِ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا أَرْوَاح أهل السَّعَادَة عَن يَمِين آدم وأرواح أهل الشقاوة عَن يسَاره عِنْد مُنْقَطع عناصر المَاء والهواء وَالتُّرَاب وَالنَّار تَحت السَّمَاء وَلَا يدل ذَلِك على تعادلهم بل هَؤُلَاءِ عَن يَمِينه فِي الْعُلُوّ وَالسعَة وَهَؤُلَاء عَن يسَاره فِي السّفل والسجن وَتجْعَل أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء إِلَى الْجنَّة قَالَ وَقد ذكر مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي عَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه أَنه ذكر هَذَا الَّذِي قُلْنَا بِعَيْنِه وَقَالَ على هَذَا أجمع أهل الْعلم ٥٤ - قَالَ إِبْنِ حزم وَهُوَ قَول جَمِيع أَئِمَّة الْإِسْلَام وَهُوَ قَول اللّه تَعَالَى {فأصحاب الميمنة مَا أَصْحَاب الميمنة وَأَصْحَاب المشأمة مَا أَصْحَاب المشأمة وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المقربون فِي جنَّات النَّعيم} وَقَوله {فَأَما إِن كَانَ} من المقربين) آخرهَا فَلَا تزَال الْأَرْوَاح هُنَاكَ حَتَّى يتم عَددهَا بنفخها فِي الأجساد ثمَّ برجوعها إِلَى البرزخ فتقوم السَّاعَة فيعيدها عز وَجل إِلَى الأجساد وَهِي الْحَيَاة الثَّانِيَة هَذَا كُله كَلَام إِبْنِ حزم وَقيل هِيَ على أفنية قبورها قَالَ إِبْنِ عبد الْبر وَهَذَا أصح مَا قيل قَالَ وَأَحَادِيث السُّؤَال وَعرض المقعد وَعَذَاب الْقَبْر ونعيمه وزيارة الْقُبُور وَالسَّلَام عَلَيْهَا وخطابهم مُخَاطبَة الْحَاضِر الْعَاقِل دَالَّة على ذَلِك ٥٥ - قَالَ إِبْنِ الْقيم وَهَذَا القَوْل إِن أُرِيد بِهِ أَنَّهَا مُلَازمَة للقبور وَلَا تفارقها فَهُوَ خطأ يردهُ الْكتاب وَالسّنة وَعرض المقعد لَا يدل على أَن الرّوح فِي الْقَبْر وَلَا على فنائه بل إِن لَهَا إتصالا بِهِ يَصح أَن يعرض عَلَيْهَا مقعدها فَإِن للروح شَأْنًا آخر فَتكون فِي الرفيق الْأَعْلَى وَهِي مُتَّصِلَة بِالْبدنِ بِحَيْثُ إِذا سلم الْمُسلم على صَاحبهَا رد عَلَيْهِ السَّلَام وَهِي فِي مَكَانهَا هُنَاكَ وَهَذَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام رَآهُ النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم وَله سِتّمائَة جنَاح مِنْهَا جَنَاحَانِ سد الْأُفق فَكَانَ يدنو من النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى يضع رُكْبَتَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ وَيَديه على فَخذيهِ وَقُلُوب المخلصين تتسع للْإيمَان بِأَن من الْمُمكن أَنه كَانَ يدنو هَذَا الدنو وَهُوَ فِي مستقره من السَّمَاوَات وَفِي الحَدِيث فِي رُؤْيَة جِبْرِيل فَرفعت رَأسه فَإِذا جِبْرِيل صَاف قَدَمَيْهِ بَين السَّمَاء وَالْأَرْض يَقُول يَا مُحَمَّد أَنْت رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا جِبْرِيل فَجعلت لَا أصرف بَصرِي إِلَى نَاحيَة إِلَّا رَأَيْته كَذَلِك وعَلى هَذَا يحمل تنزله تَعَالَى إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا ودنوه عَشِيَّة عَرَفَة وَنَحْوه فَهُوَ منزه عَن الْحَرَكَة والإنتقال وَإِنَّمَا يَأْتِي الْغَلَط هُنَا من قِيَاس الْغَائِب على الشَّاهِد فيعتقد أَن الرّوح من جنس مَا يعْهَد من الْأَجْسَام الَّتِي إِذا أشغلت مَكَانا لم يُمكن أَن تكون فِي غَيره وَهَذَا غلط مَحْض وَقد رأى النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْإِسْرَاء مُوسَى قَائِما يُصَلِّي فِي قَبره وَرَآهُ فِي السَّمَاء السَّادِسَة فالروح كَانَت هُنَاكَ فِي مثل الْبدن وَلها إتصال بِالْبدنِ بِحَيْثُ يُصَلِّي فِي قَبره وَيرد على من يسلم عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الرفيق الْأَعْلَى وَلَا تنَافِي بَين الْأَمريْنِ فَإِن شَأْن الْأَرْوَاح غير شَأْن الْأَبدَان وَقد مثل ذَلِك بَعضهم بالشمس فِي السَّمَاء وشعاعها فِي الأَرْض وَإِن كَانَ غير تَامّ الْمُطَابقَة من حَيْثُ أَن الشعاع إِنَّمَا هُوَ عرض للشمس أما الرّوح فَهِيَ بِنَفسِهَا تنزل وَكَذَلِكَ رُؤْيَة النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم الْأَنْبِيَاء فِي لَيْلَة الْإِسْرَاء فِي السَّمَاوَات الصَّحِيح أَنه رأى فِيهَا الْأَرْوَاح فِي مثل الْأَجْسَام مَعَ وُرُود أَنهم أَحيَاء فِي قُبُورهم يصلونَ وَقد قَالَ النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم من صلى عَليّ عِنْد قَبْرِي سمعته وَمن صلى عَليّ نَائِيا بلغته أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب من حَدِيث بِأبي هُرَيْرَة وَقَالَ إِن اللّه وكل بقبري ملكا أعطَاهُ أَسمَاء الْخَلَائق فَلَا يُصَلِّي عَليّ أحد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا أبلغني بإسمه وَاسم أَبِيه أخرجه الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عمار بن يَاسر هَذَا مَعَ الْقطع بِأَن روحه فِي أَعلَى عليين مَعَ أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء وَهُوَ فِي الرفيق الْأَعْلَى فَثَبت بِهَذَا أَنه لَا مُنَافَاة بَين كَون الرّوح فِي عليين أَو فِي الْجنَّة أَو فِي السَّمَاء وَأَن لَهَا بِالْبدنِ إتصالا بِحَيْثُ تدْرك وَتسمع وَتصلي وتقرأ وَإِنَّمَا يستغرب هَذَا لكَون الشَّاهِد الدنيوي لَيْسَ فِيهِ مَا يشابه هَذَا وَأُمُور البرزخ الْآخِرَة على نمط غير هَذَا المألوف فِي الدُّنْيَا هَذَا كُله كَلَام إِبْنِ الْقيم وَقَالَ فِي مَوضِع آخر للروح بِالْبدنِ خَمْسَة أَنْوَاع من التَّعَلُّق مُتَغَايِرَة الأول فِي بطن الْأُم الثَّانِي بعد الْولادَة الثَّالِث فِي حَال النّوم فلهَا بِهِ تعلق من وَجه ومفارقة من وَجه الرَّابِع فِي البرزخ فَإِنَّهَا وَإِن كَانَت قد فارقته بِالْمَوْتِ فَإِنَّهَا لم تُفَارِقهُ فراقا كليا بِحَيْثُ لم يبْق لَهَا إِلَيْهِ إلتفات الْخَامِس تعلقهَا بِهِ يَوْم الْبَعْث وَهُوَ أكمل أَنْوَاع التعلقات وَلَا نِسْبَة لما قبله إِلَيْهِ إِذْ لَا يقبل الْبدن مَعَه موتا وَلَا نوما وَلَا فَسَادًا وَقَالَ فِي مَوضِع آخر للروح من سرعَة الْحَرَكَة والإنتقال الَّذِي كلمح الْبَصَر مَا يَقْتَضِي عروجها من الْقَبْر إِلَى السَّمَاء فِي أدنى لَحْظَة وَشَاهد ذَلِك روح النَّائِم فقد ثَبت أَن روح النَّائِم تصعد حَتَّى تخترق السَّبع الطباق وتسجد للّه بَين يَدي الْعَرْش ثمَّ ترد إِلَى جسده فِي أيسر زمَان ثمَّ حكى إِبْنِ الْقيم بعد ذَلِك بَقِيَّة الْأَقْوَال وَأَنَّهَا بالجابية أَو بِئْر زَمْزَم وَأَن الْكفَّار ببرهوت وَأورد مَا أخرجه إِبْنِ مَنْدَه بِسَنَدِهِ من طَرِيق سُفْيَان عَن أبان بن ثَعْلَب قَالَ قَالَ رجل بت لَيْلَة بوادي برهوت فَكَأَنَّمَا حشرت فِيهِ أصوات النَّاس وهم يَقُولُونَ يَا دومة يَا دومة وَحدثنَا رجل من أهل الْكتاب أَن دومة هُوَ الْملك الْمُوكل بأرواح الْكفَّار قَالَ سُفْيَان سَأَلنَا عددا من الحضرميين فَقَالُوا لَا يَسْتَطِيع أحد أَن يبيت فِيهِ بِاللَّيْلِ وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْقُبُور عَن عَمْرو بن سُلَيْمَان قَالَ مَاتَ رجل من الْيَهُود وَعِنْده وَدِيعَة لمُسلم وَكَانَ لِلْيَهُودِيِّ إِبْنِ مُسلم فَلم يعرف مَوضِع الْوَدِيعَة فَأخْبر شعيبا الجبائي فَقَالَ أئت برهوت فَإِن بهَا عينا تسبت فَإِذا جِئْت فِي يَوْم السبت فامش عَلَيْهَا حَتَّى تَأتي عينا هُنَاكَ فَادع أَبَاك فَإِنَّهُ سيجيبك فسله عَمَّا تُرِيدُ فَفعل ذَلِك الرجل وَمضى حَتَّى أَتَى الْعين فَدَعَا أَبَاهُ مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَأَجَابَهُ فَقَالَ أَيْن وَدِيعَة فلَان فَقَالَ تَحت أُسْكُفَّة الْبَاب فادفعها إِلَيْهِ والزم مَا أَنْت عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ إِبْنِ الْقيم وَلَا يحكم على قَول من هَذِه الْأَقْوَال بِعَيْنِه بِالصِّحَّةِ وَلَا غَيره بِالْبُطْلَانِ بل الصَّحِيح أَن الْأَرْوَاح مُتَفَاوِتَة فِي مستقرها فِي البرزخ أعظم تفَاوت وَلَا تعَارض بَين الْأَدِلَّة فَإِن كلا مِنْهَا وَارِد على فريق من النَّاس بِحَسب درجاتهم فِي السَّعَادَة أَو الشقاوة فَمِنْهَا أَرْوَاح فِي أَعلَى عليين فِي الْمَلأ الْأَعْلَى وهم الْأَنْبِيَاء وهم متفاوتون فِي مَنَازِلهمْ كَمَا رَآهُمْ النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْإِسْرَاء وَمِنْهَا أَرْوَاح فِي حواصل طير خضر تسرح فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت وَهِي أَرْوَاح بعض الشُّهَدَاء لَا جَمِيعهم فَإِن مِنْهُم من يحبس عَن دُخُول الْجنَّة لدين أَو لغيره كَمَا فِي الْمسند عَن مُحَمَّد بن عبد اللّه بن جحش أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول اللّه مَا لي إِن قتلت فِي سَبِيل اللّه قَالَ الْجنَّة فَلَمَّا ولى قَالَ إِلَّا الدّين سَارَّنِي بِهِ جِبْرِيل آنِفا وَمِنْهُم من يكون على بَاب الْجنَّة كَمَا فِي حَدِيث إِبْنِ عَبَّاس وَمِنْهُم من يكون مَحْبُوسًا فِي قَبره كَحَدِيث صَاحب الشملة أَنَّهَا تشتعل عَلَيْهِ نَارا فِي قَبره وَمِنْهُم من يكون مَحْبُوسًا فِي الأَرْض لم تصل روحه إِلَى الْمَلأ الْأَعْلَى فَإِنَّهَا كَانَت روحا سفلية أرضية فَإِن الْأَنْفس الأرضية لَا تجامع الْأَنْفس السماوية كَمَا أَنَّهَا لَا تجامعها فِي الدُّنْيَا فالروح بعد الْمُفَارقَة تلْحق بأشكالها وَأَصْحَاب عَملهَا فالمرء مَعَ من أحب وَمِنْهَا أَرْوَاح تكون فِي تنور الزناة وأرواح فِي نهر الدَّم إِلَى غير ذَلِك فَلَيْسَ للأرواح سعيدها وشقيها مُسْتَقر وَاحِد وَكلهَا على إختلاف محالها وتباين مقارها لَهَا إتصال بأجسادها فِي قبورها ليحصل لَهُ من النَّعيم وَالْعَذَاب مَا كتب لَهُ إنتهى كَلَام إِبْنِ الْقيم قلت وَيُؤَيّد مَا ذكره من الإتصال بالأجساد والإشتراك فِي النَّعيم أَو الْعَذَاب مَا أخرجه الإِمَام أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب بن مُنَبّه أَن حزقيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ أَتَانِي ملك فاحتملني حَتَّى وضعني بقاع من الأَرْض قد كَانَت معركة وَإِذا فِيهِ عشرَة آلَاف قَتِيل قد تبددت لحومهم وَتَفَرَّقَتْ أوصالهم قَالَ فدعوتهم فَإِذا كل عظم قد أقبل إِلَى مفصله ثمَّ نبت عَلَيْهَا اللَّحْم ثمَّ إنبسطت الْجُلُود وَأَنا أنظر فَقيل لي أدع أَرْوَاحهم فدعوتها فَإِذا كل روح قد أقبل إِلَى جسده لما جَلَسُوا سَأَلتهمْ فيمَ كُنْتُم قَالُوا إِنَّمَا لما متْنا وفارقتنا الْحَيَاة لَقينَا ملك يُقَال لَهُ مِيكَائِيل فَقَالَ هلموا أَعمالكُم وخذوا أجوركم كَذَلِك سنتنا فِيكُم وفيمن كَانَ قبلكُمْ وفيمن هُوَ كَائِن بعدكم فَنظر فِي أَعمالنَا فَوَجَدنَا نعْبد الْأَوْثَان فَسلط الدُّود على أَجْسَادنَا وَجعلت الْأَرْوَاح تألم وسلط الْغم على أَرْوَاحنَا وَجعلت الأجساد تألم فَلم نزل كَذَلِك نعذب حَتَّى دَعوتنَا ٥٦ - وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ الْأَحَادِيث دَالَّة على أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء خَاصَّة فِي الْجنَّة دون غَيرهم وَحَدِيث كَعْب وَنَحْوه مَحْمُول على الشُّهَدَاء وَأما غَيرهم فَتَارَة تكون فِي السَّمَاء لَا فِي الْجنَّة وَتارَة تكون على أفنية الْقُبُور وَقد قيل إِنَّهَا تزور قبورها كل جُمُعَة على الدَّوَام وَقَالَ إِبْنِ الْعَرَبِيّ حَدِيث الجريدة يسْتَدلّ بِهِ على أَن الْأَرْوَاح فِي الْقُبُور تنعم أَو تعذب ثمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَبَعض الشُّهَدَاء أَرْوَاحهم خَارج الْجنَّة أَيْضا كَمَا فِي حَدِيث إِبْنِ عَبَّاس رَضِي اللّه عَنْهُمَا على بارق نهر بِبَاب الْجنَّة وَذَلِكَ إِذا حَبسهم عَنْهَا دين أَو شَيْء من حُقُوق الْآدَمِيّين وروى أَبُو مُوسَى أَن رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أعظم الذُّنُوب عِنْد اللّه يلقاه بهَا عبد بعد الْكَبَائِر الَّتِي نهى اللّه عَنْهَا أَن يَمُوت رجل وَعَلِيهِ دين لَا يدع لَهُ قَضَاء أخرجه أَبُو دَاوُد قَالَ وَذهب بعض الْعلمَاء إِلَى أَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ كلهم فِي جنَّة المأوى وَلذَلِك سميت جنَّة المأوى لِأَنَّهَا تأوي إِلَيْهَا الْأَرْوَاح وَهِي تَحت الْعَرْش فيتنعمون بنعيمها ويتنسمون طيب رِيحهَا قَالَ وَالْأول أصح ٥٧ - وَقَالَ الْحَافِظ إِبْنِ حجر فِي فَتَاوِيهِ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي عليين وأرواح الْكَافرين فِي سِجِّين وَلكُل روح بجسدها إتصال معنوي لَا يشبه الإتصال فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا بل أشبه شَيْء بِهِ حَال النَّائِم وَإِن كَانَ هُوَ أَشد من حَال النَّائِم إتصالا قَالَ وَبِهَذَا يجمع بَين مَا ورد أَن مقرها فِي عليين أَو سِجِّين وَبَين مَا نَقله إِبْنِ عبد الْبر عَن الْجُمْهُور أَيْضا أَنَّهَا عِنْد أفنية قبورها قَالَ وَمَعَ ذَلِك فَهِيَ مَأْذُون لَهَا فِي التَّصَرُّف وتأوي إِلَى محلهَا من عليين أَو سِجِّين قَالَ وَإِذا نقل الْمَيِّت من قبر إِلَى قبر فالإتصال الْمَذْكُور مُسْتَمر وَكَذَا لَو تَفَرَّقت الْأَجْزَاء إنتهى قلت وَيُؤَيّد كَون الْمقر فِي عليين مَا أخرجه إِبْنِ عَسَاكِر من طَرِيق إِبْنِ إِسْحَاق قَالَ حَدثنِي الْحُسَيْن بن عبيد اللّه عَن إِبْنِ عَبَّاس أَن رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بعد قتل جَعْفَر لقد مر بِي اللَّيْلَة جَعْفَر يقتفي نَفرا من الْمَلَائِكَة لَهُ جَنَاحَانِ متخضبة قوادمها بِالدَّمِ يُرِيدُونَ بيشة بَلَدا بِالْيمن ٥٨ - وَأخرج إِبْنِ عدي من حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب رَضِي اللّه تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عرفت جعفرا فِي رفْقَة من الْمَلَائِكَة يبشرون أهل بيشة بالمطر ٥٩ - وَأخرج الْحَاكِم عَن إِبْنِ عَبَّاس رَضِي اللّه عَنْهُمَا قَالَ بَيْنَمَا النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم جَالس وَأَسْمَاء بنت عُمَيْس قريب مِنْهُ إِذْ رد السَّلَام وَقَالَ يَا أَسمَاء هَذَا جَعْفَر مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل مروا فَسَلمُوا علينا وَأَخْبرنِي أَنه لقى الْمُشْركين يَوْم كَذَا وَكَذَا قَالَ فَأَصَبْت فِي جَسَدِي من مقاديمي ثَلَاثًا وَسبعين من طعنة وضربة ثمَّ أخذت اللِّوَاء بيَدي الْيُمْنَى فَقطعت ثمَّ أَخَذته بيَدي الْيُسْرَى فَقطعت فعوضني اللّه من يَدي جناحين أطير بهما مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَأنزل من الْجنَّة حَيْثُ شِئْت وآكل من ثمارها مَا شِئْت قَالَت أَسمَاء هَنِيئًا لجَعْفَر مَا رزقه اللّه من خير لَكِن أَخَاف أَن لَا يصدق النَّاس فأصعد الْمِنْبَر فَأخْبر بِهِ النَّاس فَصَعدَ الْمِنْبَر فَحَمدَ اللّه وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ إِن جَعْفَر بن أبي طَالب مر مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَله جَنَاحَانِ عوضه اللّه من يَدَيْهِ فَسلم عَليّ ثمَّ أخْبرهُم بِمَا أخبرهُ بِهِ ٦٠ - وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي حَدِيث كَعْب نسمَة الْمُؤمن طَائِر وَهُوَ يدل على أَن نَفسهَا تكون طائرا أَي على صورته لَا أَنَّهَا تكون فِيهِ وَيكون الطَّائِر ظرفا لَهَا وَكَذَا فِي رِوَايَة عَن إِبْنِ مَسْعُود عِنْد إِبْنِ مَاجَه أَرْوَاح الشُّهَدَاء عِنْد اللّه كطير خضر وَفِي لفظ عَن إِبْنِ عَبَّاس تجول فِي طير خضر وَفِي لفظ إِبْنِ عَمْرو فِي صور طير بيض وَفِي لفظ عَن كَعْب أَرْوَاح الشُّهَدَاء طير خضر قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَهَذَا كُله أصح من رِوَايَة فِي جَوف طير خضر ٦١ - وَقَالَ الْقَابِسِيّ أنكر الْعلمَاء رِوَايَة فِي حواصل طير خضر لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تكون محصورة ومضيقا عَلَيْهَا ورد بِأَن الرِّوَايَة ثَابِتَة والتأويل مُحْتَمل بِأَن يَجْعَل فِي بِمَعْنى على وَالْمعْنَى أَرْوَاحهم على جَوف طير خضر كَقَوْلِه تَعَالَى {ولأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل} أَي على جُذُوع وَجَائِز أَن يُسمى الطير جوفا إِذْ هُوَ مُحِيط بِهِ ومشتمل عَلَيْهِ قَالَه عبد الْحق وَقَالَ غَيره لَا مَانع من أَن تكون فِي الأجواف حَقِيقَة ويوسعها اللّه لَهَا حَتَّى تكون أوسع من الفضاء ٦٢ - وَقَالَ إِبْنِ دحْيَة فِي التَّنْوِير قَالَ قوم من الْمُتَكَلِّمين هَذِه رِوَايَة مُنكرَة وَقَالُوا لَا يكون روحان فِي جَسَد وَاحِد وَإِن ذَلِك محَال وَقَوْلهمْ جهل بالحقائق وإعترض على السّنة وَالْجَمَاعَة الثَّابِتَة فَإِن معنى الْكَلَام بَين فَإِن روح الشَّهِيد الَّذِي كَانَ فِي جَوف جسده فِي الدُّنْيَا يَجْعَل فِي جَوف جَسَد آخر كَأَنَّهُ صُورَة طَائِر فَيكون فِي هَذَا الْجَسَد الآخر كَمَا كَانَ فِي الأول وَذَلِكَ مُدَّة البرزخ إِلَى أَن يُعِيد اللّه يَوْم الْقِيَامَة كَمَا خلقه وَإِنَّمَا الَّذِي يَسْتَحِيل فِي الْعقل قيام حياتين بجوهر وَاحِد فيحيا الْجَوْهَر بهما جَمِيعًا وَأما روحان فِي جَسَد فَلَيْسَ بمحال إِذْ لم يقل بتداخل الْأَجْسَام فَهَذَا الْجَنِين فِي بطن أمه وروحه غير روحها وَقد إشتمل عَلَيْهِمَا جَسَد وَاحِد وَهَذَا أقرب لَو قيل لَهُم إِن الطَّائِر لَهُ روح غير روح الشَّهِيد وهما فِي جَسَد وَاحِد وَإِنَّمَا قيل فِي أَجْوَاف طير خضر أَي فِي صُورَة طير كَمَا نقُول رَأَيْت ملكا فِي صُورَة إِنْسَان وَهَذَا فِي غَايَة الْبَيَان إنتهى ٦٣ - وَقَالَ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام فِي أَمَالِيهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل اللّه أَمْوَاتًا بل أَحيَاء} فَإِن قيل الْأَمْوَات كلهم كَذَلِك فَكيف خصص هَؤُلَاءِ فَالْجَوَاب أَن الْكل لَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْمَوْت عبارَة عَن أَن تنْزع الرّوح عَن الأجساد لقَوْله تَعَالَى {اللّه يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا} أَي يَأْخُذهَا وافية من الأجساد والمجاهد تنقل روحه إِلَى طير خضر فقد إنتقل من جَسَد إِلَى آخر بِخِلَاف غَيره فَإِن أَرْوَاحهم تنفى من الأجساد ٦٤ - قَالَ وَأما حَدِيث كَعْب نسمَة الْمُؤمن إِلَى آخِره فَهَذَا الْعُمُوم مَحْمُول على الْمُجَاهدين لِأَنَّهُ قد ورد أَن الرّوح فِي الْقَبْر يعرض عَلَيْهَا مقعدها من الْجنَّة وَالنَّار ولأنا أمرنَا بِالسَّلَامِ على الْقُبُور وَلَوْلَا أَن الْأَرْوَاح تدْرك لما كَانَ فِيهِ فَائِدَة إنتهى فَاخْتَارَ فِي أَرْوَاح الشُّهَدَاء أَنَّهَا كَانَت كائنة فِي طير لَا أَنَّهَا نَفسهَا طير وَيُؤَيِّدهُ مَا تقدم عَن إِبْنِ عمر رَضِي اللّه عَنْهُمَا وَإِنَّمَا تركب فِي جَسَد آخر وَهُوَ وَإِن كَانَ مَوْقُوفا فَلهُ حكم الْمَرْفُوع لِأَن مثله لَا يُقَال من قبل الرَّأْي وَقد رَأَيْت لَهُ شَاهدا مَرْفُوعا ٦٥ - وَأخرج ٧ هناد بن السّري فِي كتاب الزّهْد من طَرِيق إِبْنِ إِسْحَاق عَن إِسْحَاق بن عبد اللّه بن أبي فَرْوَة قَالَ حَدثنَا بعض أهل الْعلم أَن رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الشُّهَدَاء ثَلَاثَة فأدنى الشُّهَدَاء عِنْد اللّه منزلَة رجل خرج مَنْبُوذًا بِنَفسِهِ وَمَاله لَا يُرِيد أَن يقتل وَلَا يقتل أَتَاهُ سهم غرب فَأَصَابَهُ فَأول قَطْرَة تقطر من دَمه يغْفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه ثمَّ يهْبط اللّه جسدا من السَّمَاء يَجْعَل فِيهِ روحه ثمَّ يصعد بِهِ إِلَى اللّه فَمَا يمر بسماء من السَّمَاوَات إِلَّا شيعته الْمَلَائِكَة حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى اللّه فَإِذا أَنْتَهِي بِهِ وَقع سَاجِدا ثمَّ يُؤمر بِهِ فيكسى سبعين حلَّة من الإستبرق ثمَّ يُقَال إذهبوا بِهِ إِلَى إخوانه من الشُّهَدَاء فَاجْعَلُوهُ مَعَهم فَيُؤتى بِهِ إِلَيْهِم وهم فِي قبَّة خضراء عِنْد بَاب الْجنَّة يخرج عَلَيْهِم غذاؤهم من الْجنَّة فَإِذا إنتهى إِلَى إخوانه سَأَلُوهُ كَمَا تسْأَلُون الرَّاكِب يقدم عَلَيْكُم من بِلَادكُمْ فَيَقُولُونَ مَا فعل فلَان مَا فعل فلَان فَيَقُول أفلس فلَان فَيَقُولُونَ مَا فعل بِمَالِه فوَاللّه إِنَّه كَانَ لكيسا جموعا تَاجِرًا إِنَّا لَا نعد الْمُفلس كَمَا تَعدونَ إِنَّمَا الْمُفلس من الْأَعْمَال فَيَقُولُونَ مَا فعل فلَان بإمرأته فُلَانَة فَيَقُول طَلقهَا فَيَقُولُونَ مَا الَّذِي جرى بَينهمَا حَتَّى طَلقهَا فوَاللّه إِن كَانَ بهَا لمعجبا فَيَقُولُونَ مَا فعل فلَان فَيَقُول مَاتَ قبلي بِزَمَان فَيَقُولُونَ هلك وَاللّه مَا سمعنَا لَهُ بِذكر إِن للّه طَرِيقين أَحدهمَا علينا وَالْآخر مُخَالف بِهِ عَنَّا فَإِذا أَرَادَ اللّه بِعَبْد خيرا مر بِهِ علينا فَعرفنَا مَتى مَاتَ وَإِذا أَرَادَ اللّه بِعَبْد شرا خُولِفَ بِهِ عَنَّا فَلم نسْمع لَهُ بِذكر الحَدِيث قَالَ فِي الصِّحَاح أَصَابَهُ سهم غرب يُضَاف وَلَا يُضَاف يسكن ويحرك إِذا كَانَ لَا يدرى من رَمَاه ٦٦ - وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن أنعم عَن حَيَّان بن جبلة قَالَ بَلغنِي أَن رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الشَّهِيد إِذا أستشهد أنزل اللّه لَهُ جسدا كأحسن جَسَد ثمَّ يُقَال لروحه أدخلي فِيهِ فَينْظر إِلَى جسده الأول مَا فعل بِهِ وَيتَكَلَّم فيظن أَنهم يسمعُونَ كَلَامه فَينْظر إِلَيْهِم فيظن أَنهم يرونه حَتَّى يَأْتِيهِ أَزوَاجه يَعْنِي من الْحور الْعين فيذهبن بِهِ وَقَالَ صَاحب الإفصاح الْمُنعم على جِهَات مُخْتَلفَة مِنْهَا مَا هُوَ طَائِر فِي شجر الْجنَّة وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي حواصل طير خضر وَمِنْهَا مَا يأوي فِي قناديل تَحت الْعَرْش وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي حواصل طير بيض وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي حواصل طير كالزرازير وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي أشخاص صور من صور الْجنَّة وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي صُورَة تخلق لَهُم من ثَوَاب أَعْمَالهم وَمِنْهَا مَا تسرح وتتردد إِلَى جثتها تزورها وَمِنْهَا مَا تلقى أَرْوَاح المقبوضين وَمِمَّنْ سوى ذَلِك مَا هُوَ كَفَالَة مِيكَائِيل وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي كَفَالَة آدم وَمِنْهَا مَا هُوَ كَفَالَة إِبْرَاهِيم قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَهَذَا قَول حسن لجمع الْأَخْبَار حَتَّى لَا تتدافع قلت وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي حَدِيث الْإِسْرَاء عِنْد الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وإبن مرْدَوَيْه من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ ثمَّ صعدت إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَإِذا أَنا بِيَحْيَى وَعِيسَى ومعهما نفر من قومهما ثمَّ صعدت إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَإِذا أَنا بِيُوسُف وَمَعَهُ نفر من قومه ثمَّ صعدت إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَإِذا أَنا بِإِدْرِيس وَمَعَهُ نفر من قومه ثمَّ صعدت إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَإِذا أَنا بهَارُون وَمَعَهُ نفر من قومه ثمَّ صعدت إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَإِذا أَنا بمُوسَى وَمَعَهُ نفر من قومه ثمَّ صعدت إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَإِذا أَنا بإبراهيم وَمَعَهُ نفر من قومه فَقيل لي هَذَا مَكَانك وَمَكَان أمتك ثمَّ تَلا {إِن أولى} النَّاس بإبراهيم للَّذين إتبعوه وَهَذَا النَّبِي وَالَّذين آمنُوا) وَإِذا بأمتي شطران شطر عَلَيْهِم ثِيَاب بيض كَأَنَّهَا الْقَرَاطِيس وَشطر عَلَيْهِم ثِيَاب مدر الحَدِيث فَهَذَا يدل على تفَاوت الْأَرْوَاح فِي الْمَرَاتِب وَأَن فِي كل سَمَاء قوما ٦٧ - وَقَالَ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ الْأَرْوَاح تجول فِي البرزخ فتبصر أَحْوَال الدُّنْيَا وأحوال الْمَلَائِكَة تَتَحَدَّث فِي السَّمَاء عَن أَحْوَال الْآدَمِيّين وأرواح تَحت الْعَرْش وأرواح طيارة إِلَى الْجنان إِلَى حَيْثُ شَاءَت على أقدارهم من السَّعْي إِلَى اللّه أَيَّام الْحَيَاة ٦٨ - وَذكر الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب عَذَاب الْقَبْر لما ذكر حَدِيث إِبْنِ مَسْعُود فِي أَرْوَاح الشُّهَدَاء وَحَدِيث إِبْنِ عَبَّاس ثمَّ أورد حَدِيث البُخَارِيّ عَن الْبَراء قَالَ لما توفّي إِبْرَاهِيم بن النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم إِن لَهُ مُرْضعًا فِي الْجنَّة ثمَّ قَالَ فَحكم رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم على إبنه إِبْرَاهِيم بِأَنَّهُ يرضع فِي الْجنَّة وَهُوَ مدفون بِالبَقِيعِ فِي مَقْبرَة الْمَدِينَة ٦٩ - وَقَالَ إِبْنِ الْقيم لَا مُنَافَاة بَين حَدِيث أَنه طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة وَبَين حَدِيث عرض المقعد بل ترد روحه أَنهَار الْجنَّة وتأكل من ثَمَرهَا ويعرض عَلَيْهِ مَقْعَده لِأَنَّهُ لَا يدْخلهُ إِلَّا يَوْم الْجَزَاء بِدَلِيل أَن منَازِل الشُّهَدَاء يَوْمئِذٍ لَيست هِيَ الَّتِي تأوي إِلَيْهَا أَرْوَاحهم فِي البرزخ فدخول الْجنَّة التَّام إِنَّمَا يكون للْإنْسَان التَّام روحا وبدنا وَدخُول الرّوح فَقَط أَمر دون ذَلِك ٧٠ - وَفِي بَحر الْكَلَام للنسفي الْأَرْوَاح على أَرْبَعَة أوجه أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء تخرج من جَسدهَا وَتصير مثل صورتهَا مثل الْمسك والكافور وَتَكون فِي الْجنَّة تَأْكُل وتشرب وتتنعم وتأوي بِاللَّيْلِ إِلَى قناديل معلقَة تَحت الْعَرْش وأرواح الشُّهَدَاء تخرج من جَسدهَا وَتَكون فِي أَجْوَاف طير خضر فِي الْجنَّة تَأْكُل وتتنعم وتأوي بِاللَّيْلِ إِلَى قناديل معلقَة بالعرش وأرواح المطيعين من الْمُؤمنِينَ بربض الْجنَّة لَا تَأْكُل وَلَا تتمتع وَلَكِن تنظر فِي الْجنَّة وأرواح العصاة من الْمُؤمنِينَ تكون بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فِي الْهَوَاء وَأما أَرْوَاح الْكفَّار فَهِيَ فِي سِجِّين فِي جَوف طير سود تَحت الأَرْض السَّابِعَة وَهِي مُتَّصِلَة بأجسادها فتعذب الْأَرْوَاح وتتألم الأجساد مِنْهُ كَالشَّمْسِ فِي السَّمَاء ونورها فِي الأَرْض إنتهى ٧١ - وَقَالَ الْحَافِظ إِبْنِ رَجَب فِي أهوال الْقُبُور فِي الْبَاب التَّاسِع فِي ذكر مَحل أَرْوَاح الْمَوْتَى فِي البرزخ أما الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فَلَا شكّ أَن أَرْوَاحهم عِنْد اللّه فِي أَعلَى عليين وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح أَن آخر كلمة تكلم بهَا رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم عِنْد مَوته أَنه قَالَ اللّهمَّ الرفيق الْأَعْلَى وَقَالَ رجل لإبن مَسْعُود قبض رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَأَيْنَ هُوَ قَالَ فِي الْجنَّة وَأما الشُّهَدَاء فَأكْثر الْعلمَاء على أَنهم فِي الْجنَّة وَقد تكاثرت الْأَحَادِيث بذلك كَحَدِيث مُسلم عَن إِبْنِ مَسْعُود وَحَدِيث أَحْمد وَأبي دَاوُد عَن إِبْنِ عَبَّاس وَغَيرهمَا مِمَّا سبق وَمن الْأَحَادِيث غير مَا تقدم مَا أخرجه أَحْمد وإبن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو يعلى عَن أنس قَالَ كَانَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم تعجبه الرُّؤْيَا الْحَسَنَة فَكَانَ فِيمَا يَقُول هَل رأى أحد مِنْكُم رُؤْيا فَإِذا رأى الرجل الَّذِي لَا يعرفهُ الرُّؤْيَا سَأَلَ عَنهُ فَإِن أخبر عَنهُ بِمَعْرُوف كَانَ أعجب لرؤياه قَالَ فَجَاءَت إمرأة فَقَالَت يَا رَسُول اللّه رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنِّي خرجت فأدخلت الْجنَّة فَسمِعت وجبة إرتجت لَهَا الْجنَّة فَإِذا أَنا بفلان وَفُلَان حَتَّى عدت إثني عشر رجلا وَقد بعث رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّة قبل ذَلِك فجيء بهم وَعَلَيْهِم ثِيَاب طلس تشخب أوداجهم فَقيل إذهبوا بهم إِلَى نهر البيدخ فغمسوا فِيهِ فأخرجوا ووجوههم كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر وَأتوا بكراسي من ذهب فأقعدوا عَلَيْهَا وَجِيء بصحفة من ذهب فِيهَا بسرة فَأَكَلُوا من البسرة مَا شاؤوا فَمَا يقلبونها لوجه من وَجه إِلَّا أكلُوا من فَاكِهَة مَا شاؤوا قَالَت وأكلت مَعَهم فجَاء البشير من تِلْكَ السّريَّة فَقَالَ يَا رَسُول اللّه كَانَ كَذَا وَكَذَا وَأُصِيب فلَان وَفُلَان حَتَّى عد إثني عشر رجلا فَقَالَ عَليّ بِالْمَرْأَةِ فَقَالَ قصي رُؤْيَاك على هَذَا فَقَالَ الرجل هُوَ كَمَا قَالَت أُصِيب فلَان وَفُلَان وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ لَيْسَ الشُّهَدَاء فِي الْجنَّة وَلَكنهُمْ يرْزقُونَ مِنْهَا ٧٢ - وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل اللّه أَمْوَاتًا} الْآيَة قَالَ يَقُول أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ من ثَمَر الْجنَّة ويجدون رِيحهَا وَلَيْسوا فِيهَا وَقد يسْتَدلّ لَهُ بِحَدِيث إِبْنِ عَبَّاس الشُّهَدَاء على نهر بارق بِبَاب الْجنَّة الحَدِيث فَإِنَّهُ يدل على أَن النَّهر خَارج الْجنَّة وَيُجَاب بِأَن إِبْنِ إِسْحَاق رَاوِيه مُدَلّس وَلم يُصَرح بِالتَّحْدِيثِ وَلَعَلَّ هَذَا فِي عُمُوم الشُّهَدَاء وَالَّذين فِي الْقَنَادِيل تَحت الْعَرْش خواصهم أَو لَعَلَّ المُرَاد بِالشُّهَدَاءِ هُنَا من هُوَ شَهِيد غير من قتل فِي سَبِيل اللّه كالمطعون والمبطون والغريق وَغَيرهم مِمَّن ورد النَّص بِأَنَّهُ شَهِيد أَو سَائِر الْمُؤمنِينَ فقد يُطلق الشَّهِيد على من حقق الْإِيمَان وَشهد بِصِحَّتِهِ كَمَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ كل مُؤمن صديق وشهيد قيل مَا تَقول يَا أَبَا هُرَيْرَة قَالَ إقرؤوا {وَالَّذين آمنُوا بِاللّه وَرُسُله أُولَئِكَ هم الصديقون وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم} وروى الْبَراء بن عَازِب عَن النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مؤمنو أمتِي شُهَدَاء ثمَّ تَلا رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة وَأما بَقِيَّة الْمُؤمنِينَ سوى الشُّهَدَاء فَأهل تَكْلِيف وَغَيرهم كأطفال الْمُؤمنِينَ الْجُمْهُور على أَنهم فِي الْجنَّة وَحكى الإِمَام أَحْمد الْإِجْمَاع على ذَلِك قَالَ فِي رِوَايَة جَعْفَر بن مُحَمَّد لَيْسَ فيهم إختلاف أَنهم فِي الْجنَّة وَقَالَ فِي رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ وَلَا أحد يشك أَنهم فِي الْجنَّة وَكَذَلِكَ نَص الشَّافِعِي رَحمَه اللّه على أَنهم فِي الْجنَّة وَجَاء صَرِيحًا عَن السّلف أَن أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة وَذهب طَائِفَة إِلَى أَنه يشْهد لأطفال الْمُؤمنِينَ عُمُوما أَنهم فِي الْجنَّة وَلَا يشْهد لآحادهم وَلَعَلَّ هَذَا يرجع إِلَى أَن الطِّفْل الْمعِين لَا يشْهد لِأَبِيهِ بِالْإِيمَان فَلَا يشْهد حِينَئِذٍ لَهُ أَنه من أَطْفَال الْمُؤمنِينَ فَيكون التَّوَقُّف فِي آحادهم للتوقف فِي إِيمَان آبَائِهِم وَلم يثبت هَذَا القَوْل صَرِيحًا عَن أحد من الْأَئِمَّة وَإِنَّمَا أَخذ ذَلِك من عمومات كَلَام لَهُم وَإِنَّمَا أَرَادوا بِهِ أَطْفَال الْمُشْركين وَقد إستدل أَحْمد بِحَدِيث وصغارهم دعاميص الْجنَّة وَنَحْوه قَالَ الإِمَام أَحْمد إِذا كَانَ يُرْجَى لِأَبَوَيْهِ دُخُول الْجنَّة بِسَبَبِهِ فَكيف يشك فِيهِ وَأما المكلفون من الْمُؤمنِينَ سوى الشُّهَدَاء فَاخْتلف الْعلمَاء فيهم قَدِيما وحديثا فنص الإِمَام أَحْمد على أَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي الْجنَّة وأرواح الْكفَّار فِي النَّار وَاسْتدلَّ بِحَدِيث كَعْب بن مَالك وَأم هانىء وَأبي هُرَيْرَة وَأم بشر وَعبد اللّه بن عَمْرو وَنَحْوهم وَرُوِيَ عَن هِلَال بن يسَاف أَن إِبْنِ عَبَّاس سَأَلَ كَعْبًا عَن عليين وسجين فَقَالَ كَعْب أما علييون فالسماء السَّابِعَة فِيهَا أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ وَأما سِجِّين فالأرض السَّابِعَة السُّفْلى فِيهَا أَرْوَاح الْكفَّار تَحت خد إِبْلِيس وَقد ثَبت بالأدلة أَن الْجنَّة فَوق السَّمَاء السَّابِعَة وَأَن النَّار تَحت الأَرْض السَّابِعَة وَمِمَّا يسْتَدلّ بِهِ لذَلِك مَا أخرجه الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن جَابر أَن النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن خَدِيجَة فَقَالَ أبصرتها على نهر من أَنهَار الْجنَّة فِي بَيت من قصب لَا لَغْو فِيهِ وَلَا نصب ٧٣ - وَمَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد مُنْقَطع عَن فَاطِمَة أَنَّهَا قَالَت للنَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم أَيْن أمنا خَدِيجَة قَالَ فِي بَيت من قصب لَا لَغْو فِيهِ وَلَا نصب بَين مَرْيَم وآسية إمرأة فِرْعَوْن قَالَت من هَذَا الْقصب قَالَ لَا بل من الْقصب المنظوم بالدر والياقوت وَمَا أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وإبن مَاجَه وَأَبُو دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم لما رجم الْأَسْلَمِيّ الَّذِي اعْترف عِنْده بِالزِّنَا قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّه الْآن فِي أَنهَار الْجنَّة ينغمس فِيهَا ٧٤ - وَمَا أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وإبن مَاجَه من حَدِيث ثَوْبَان عَن النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا فَارق الرّوح الْجَسَد وبرىء من ثَلَاث دخل الْجنَّة من الْكبر والغلول وَالدّين ٧٥ - وَقَالَت طَائِفَة الْأَرْوَاح فِي الأَرْض ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَت فرقة الْأَرْوَاح تَسْتَقِر على أفنية الْقُبُور قَالَه إِبْنِ وضاح وَحَكَاهُ إِبْنِ حزم عَن عَامَّة أَصْحَاب الحَدِيث وَرجح إِبْنِ عبد الْبر أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي الْجنَّة وأرواح غَيرهم على أفنية الْقُبُور فتسرح حَيْثُ شَاءَت وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيث السَّلَام عَلَيْهِم وَعرض المقعد وَلَا دَلِيل فِي ذَلِك على أَن الْأَرْوَاح لَيست فِي الْجنَّة فَإِن الْعرض على الْجَسَد وللروح بِهِ إتصال وَالروح وَحدهَا فِي الْجنَّة وَكَذَا السَّلَام على أهل الْقُبُور لَا يدل على إستقرار أَرْوَاحهم على أفنية قُبُورهم فَإِنَّهُ يسلم على قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء وأرواحهم فِي أَعلَى عليين وَلَكِن لَهَا مَعَ ذَلِك إتصال سريع بالجسد وَلَا يعلم كنه ذَلِك وكيفيته على الْحَقِيقَة إِلَّا اللّه عز وَجل وَيشْهد لذَلِك الْأَحَادِيث المروية فِي أَن النَّائِم يعرج بِرُوحِهِ إِلَى الْعَرْش هَذَا مَعَ تعلقهَا بِبدنِهِ وَسُرْعَة عودهَا إِلَيْهِ عِنْد إستيقاظه فأرواح الْمَوْتَى المتجردة عَن أبدانهم أولى بعروجها إِلَى السَّمَاء وعودها إِلَى الْقَبْر فِي مثل تِلْكَ السرعة ٧٦ - وَقَالَت فرقة تجمع الْأَرْوَاح بِموضع من الأَرْض فأرواح الْمُؤمنِينَ تجمع بالجابية وَقيل ببئر زَمْزَم وأرواح الْكفَّار تجمع ببئر برهوت وَرجحه القَاضِي أَبُو يعلى من الْحَنَابِلَة فِي كِتَابَة الْمُعْتَمد وَهُوَ مُخَالف لنَصّ أَحْمد أَن أَرْوَاح الْكفَّار فِي النَّار وَلَعَلَّ لبئر برهوت إتصالا بجهنم فِي قعرها كَمَا رُوِيَ فِي الْبَحْر أَن تَحْتَهُ جَهَنَّم وَفِي كتاب الحكايات لأبي عمر أَحْمد بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي حَدثنَا أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عِيسَى الطرسوسي حَدثنَا حَامِد بن يحيى بن سليم قَالَ كَانَ عندنَا بِمَكَّة رجل من أهل خُرَاسَان يودع الودائع فيؤديها فأودعه رجل عشرَة آلَاف دِينَار وَغَابَ وَحضر الْخُرَاسَانِي الْوَفَاة فَمَا ائْتمن أحدا من أَوْلَاده عَلَيْهَا فدفنها فِي بعض بيوته وَمَات فَقدم الرجل وَسَأَلَ بنيه فَقَالُوا مَا لنا بهَا علم فسألوا الْعلمَاء الَّذين كَانُوا بِمَكَّة وهم يَوْمئِذٍ متوافرون فَقَالُوا مَا نرَاهُ إِلَّا من أهل الْجنَّة وَقد بلغنَا أَن أَرْوَاح أهل الْجنَّة فِي زَمْزَم فَإِذا مضى من اللَّيْل ثلثه أَو نصفه فأت زَمْزَم فقف على شفيرها ثمَّ ناده فَإنَّا نرجو أَن يجيبك فَإِن أجابك فسله عَن مَالك فَذهب كَمَا قَالُوا فَنَادَى أول لَيْلَة وثانية وثالثة فَلم يجب فَرجع إِلَيْهِم فَقَالَ ناديت ثَلَاثًا فَلم أجب فَقَالُوا إِنَّا للّه وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون مَا نرى صَاحبك إِلَّا من أهل النَّار فَاخْرُج إِلَى الْيَمين فَإِن بهَا وَاديا يُقَال لَهُ برهوت فِيهِ بِئْر يُقَال بهَا برهوت فِيهَا أَرْوَاح أهل النَّار فقف على شفيرها فناده فِي الْوَقْت الَّذِي ناديت بِهِ فِي زَمْزَم فَذهب كَمَا قيل لَهُ فِي اللَّيْل فَنَادَى يَا فلَان بن فلَان أَنا فلَان فَأَجَابَهُ فِي أول صَوت وَسَقَطت بَقِيَّة الْحِكَايَة من الْكتاب ٧٧ - وَقَالَ صَفْوَان بن عمر سَأَلت عَامر بن عبد اللّه أَبَا الْيَمَان هَل لأنفس الْمُؤمنِينَ مُجْتَمع فَقَالَ يُقَال إِن الأَرْض الَّتِي يَقُول اللّه تَعَالَى {أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون} هِيَ الأَرْض الَّتِي تَجْتَمِع أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِيهَا حَتَّى يكون الْبَعْث أخرجه إِبْنِ مَنْدَه وَهَذَا غَرِيب جدا وَتَفْسِير الْآيَة بذلك أغرب ٧٨ - وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه عَن شهر بن حَوْشَب قَالَ كتب عبد اللّه بن عَمْرو رَضِي اللّه عَنْهُمَا إِلَى أبي بن كَعْب يسْأَله أَيْن تلتقي أَرْوَاح أهل الْجنَّة وأرواح أهل النَّار فَقَالَ أما أَرْوَاح أهل الْجنَّة فبالجابية وَأما أَرْوَاح الْكفَّار فبحضرموت ٧٩ - وَقَالَت طَائِفَة من الصَّحَابَة الْأَرْوَاح عِنْد اللّه صَحَّ ذَلِك عَن إِبْنِ عمر رَضِي اللّه عَنْهُمَا ٨٠ - وَأخرج إِبْنِ مَنْدَه من طَرِيق الشّعبِيّ عَن حُذَيْفَة قَالَ إِن الْأَرْوَاح مَوْقُوفَة عِنْد اللّه تنْتَظر موعدها حَتَّى ينْفخ فِيهَا وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا وَردت بِهِ الْأَخْبَار من مَحل الْأَرْوَاح على مَا سبق ٨١ - وَقَالَت طَائِفَة أَرْوَاح بني آدم عِنْد أَبِيهِم آدم عَن يَمِينه وشماله لما فِي حَدِيث الصَّحِيحَيْنِ فِي قصَّة الْإِسْرَاء فَلَمَّا فتح علونا السَّمَاء فَإِذا رجل قَاعد على يَمِينه أَسْوِدَة وعَلى يسَاره أَسْوِدَة فَإِذا نظر قبل يَمِينه ضحك وَإِذا نظر قبل شِمَاله بَكَى فَقلت لجبريل من هَذَا فَقَالَ آدم وَهَذِه الأسودة عَن يَمِينه وشماله نسم بنيه فَأهل الْيَمين مِنْهُم أهل الْجنَّة والأسودة الَّتِي عَن شِمَاله أهل النَّار فَإِذا نظر عَن يَمِينه ضحك وَإِذا نظر عَن شِمَاله بَكَى الحَدِيث وَظَاهر هَذَا اللَّفْظ يَقْتَضِي أَن أَرْوَاح الْكفَّار فِي السَّمَاء وَهُوَ مُخَالف لِلْقُرْآنِ وَلِحَدِيث أَن السَّمَاء لَا تفتح لأرواح الْكفَّار وَقد ورد فِي بعض طرق الحَدِيث مَا يزِيل الْإِشْكَال وَلَفظه وَإِذا هُوَ تعرض عَلَيْهِ أَرْوَاح ذُريَّته فَإِذا كَانَ روح الْمُؤمن قَالَ روح طيبَة إجعلوها فِي عليين وَإِذا كَانَ روح الْكَافِر قَالَ روح خبيثة إجعلوها فِي سِجِّين الحَدِيث فَفِي هَذَا أَنه تعرض عَلَيْهِ أَرْوَاح ذُريَّته فِي السَّمَاء الدُّنْيَا وَأَنه يُؤمر بِجعْل الْأَرْوَاح فِي مستقرها فَدلَّ على أَن الْأَرْوَاح لَيْسَ مَحل إستقرارها فِي السَّمَاء الدُّنْيَا وَزعم إِبْنِ حزم أَن اللّه خلق الْأَرْوَاح جملَة قبل الأجساد وَأَنه جعلهَا فِي برزخ وَذَلِكَ البرزخ عِنْد مُنْقَطع العناصر بِحَيْثُ لَا مَاء وَلَا هَوَاء وَلَا تُرَاب وَلَا نَار وَأَنه إِذا خلق الأجساد أَدخل فِيهَا تِلْكَ الْأَرْوَاح ثمَّ يُعِيدهَا عِنْد قبضهَا إِلَى ذَلِك البرزخ وتعجل أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء إِلَى الْجنَّة وَهَذَا قَول لم يقلهُ أحد من الْمُسلمين وَلَا هُوَ من جنس كَلَامهم وَإِنَّمَا هُوَ من جنس كَلَام المتفلسفة وَحكي عَن طَائِفَة من الْمُتَكَلِّمين أَن الْأَرْوَاح تَمُوت بِمَوْت الأجساد وَنسب إِلَى الْمُعْتَزلَة وَقَالَ بِهِ جمَاعَة من فُقَهَاء الأندلس قَدِيما مِنْهُم عبد الْأَعْلَى بن وهب بن مُحَمَّد بن عمر بن لبَابَة وَمن متأخريهم كالسهيلي وَأبي بكر بن الْعَرَبِيّ وَقد اشْتَدَّ نَكِير الْعلمَاء لهَذِهِ الْمقَالة حَتَّى قَالَ سَحْنُون بن سعيد وَغَيره هَذَا قَول أهل الْبدع والنصوص الْكَثِيرَة الدَّالَّة على بَقَاء الْأَرْوَاح بعد مفارقتها للأبدان ترد ذَلِك وتبطله وَالْفرق بَين حَيَاة الشُّهَدَاء وَغَيرهم من الْمُؤمنِينَ الَّذين أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء تخلق لَهَا أجساد وَهِي الطير الَّتِي تكون فِي حواصلها ليكمل بذلك نعيمها وَيكون أكمل من نعيم الْأَرْوَاح الْمُجَرَّدَة عَن الأجساد فَإِن الشُّهَدَاء بذلوا أَجْسَادهم للْقَتْل فِي سَبِيل اللّه فعوضعوا عَنْهَا بِهَذِهِ الأجساد فِي البرزخ وَالثَّانِي أَنهم يرْزقُونَ من الْجنَّة وَغَيرهم لم يثبت فِي حَقه مثل ذَلِك وَإِن جَاءَ أَنهم يعلقون فِي شجر الْجنَّة فَقيل مَعْنَاهُ التَّعَلُّق وَقيل الْأكل من الشّجر وَبِكُل حَال فَلَا يلْزم مساواتهم للشهداء فِي كَمَال تنعمهم فِي الْأكل وَاللّه أعلم ٨٢ - وَأما مَا أخرجه إِبْنِ السّني عَن إِبْنِ مَسْعُود أَن النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا دخل الْمَقَابِر قَالَ السَّلَام عَلَيْكُم أيتها الْأَرْوَاح الفانية والأبدان البالية وَالْعِظَام النخرة الَّتِي خرجت من الدُّنْيَا وَهِي بِاللّه مُؤمنَة اللّهمَّ أَدخل عَلَيْهِم روحا مِنْك وَسلَامًا منا فَإِنَّهُ مَعَ ضعف سَنَده مؤول بِأَن المُرَاد بِفنَاء الْأَرْوَاح ذهابها من الأجساد الْمُشَاهدَة فَائِدَة١٨٣ - قَالَ إِبْنِ الْقيم للنَّفس أَرْبَعَة دور كل دَار أعظم من الَّتِي قبلهَا الأولى بطن الْأُم وَذَلِكَ مَحل الْحصْر والضيق وَالْغَم والظلمات الثَّلَاث الثَّانِيَة هَذِه الدَّار الَّتِي نشأت فِيهَا وألفتها واكتسبت فِيهَا الْخَيْر وَالشَّر الثَّالِثَة دَار البرزخ وَهِي أوسع من هَذِه الدَّار وَأعظم وَنسبَة هَذِه الدَّار إِلَيْهَا كنسبة الدَّار الأولى إِلَى هَذِه الرَّابِعَة الدَّار الَّتِي لَا دَار بعْدهَا دَار الْقَرار الْجنَّة أَو النَّار وَلها فِي كل دَار من هَذِه الدّور حكم وشأن غير شَأْن الْأُخْرَى قلت وَيدل لما ذكره فِي الثَّالِثَة مَا أخرجه إِبْنِ أبي الدُّنْيَا من مُرْسل سليم بن عَامر الجنائزي مَرْفُوعا إِن مثل الْمُؤمن فِي الدُّنْيَا كَمثل الْجَنِين فِي بطن أمه إِذا خرج من بَطنهَا بَكَى على مخرجه حَتَّى إِذا رأى الضَّوْء ورضع لم يحب أَن يرجع إِلَى مَكَانَهُ وَكَذَلِكَ الْمُؤمن يجزع من الْمَوْت فَإِذا أقضى إِلَى ربه لم يحب أَن يرجع إِلَى الدُّنْيَا كَمَا لَا يحب الْجَنِين أَن يرجع إِلَى بطن أمه ٨٤ - وَأخرج أَيْضا من مُرْسل عَمْرو بن دِينَار أَن رجلا مَاتَ فَقَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم أصبح هَذَا مرتحلا من الدُّنْيَا فَإِن كَانَ قد رَضِي فَلَا يسره أَن يرجع إِلَى الدُّنْيَا كَمَا لَا يسر أحدكُم أَن يرجع إِلَى بطن أمه ٨٥ - وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم مَا شبهت خُرُوج الْمُؤمن من الدُّنْيَا إِلَّا كَمثل خُرُوج الصَّبِي من بطن أمه من ذَلِك الْغم والظلمة إِلَى روح الدُّنْيَا فَائِدَة ٨٦ - حكى اليافعي فِي كِفَايَة المعتقد عَن الشَّيْخ عمر بن الفارض أَنه حضر جَنَازَة رجل من الْأَوْلِيَاء قَالَ فَلَمَّا صلينَا عَلَيْهِ وَإِذا الجو قد إمتلأ بطيور خضر فجَاء طير كَبِير مِنْهُم فابتلعه ثمَّ طَار قَالَ فتعجبت من ذَلِك فَقَالَ لي رجل كَانَ قد نزل من الْهَوَاء وَحضر الصَّلَاة لَا تعجب فَإِن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي حواصل طيور خضر ترعى فِي الْجنَّة أُولَئِكَ شُهَدَاء السيوف وَأما شُهَدَاء المحنة فأجسادهم أَرْوَاح قلت وَيُشبه هَذَا مَا أخرجه إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت عَن زيد بن أسلم قَالَ كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل رجل قد أعتزل النَّاس فِي كَهْف جبل وَكَانَ أهل زَمَانه إِذا قحطوا إستغاثوا بِهِ فَدَعَا اللّه فسقاهم فَمَاتَ فَأخذُوا فِي جهازه فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذا هم بسرير يرفرف فِي عنان السَّمَاء حَتَّى إنتهى إِلَيْهِ فَقَامَ رجل فَأَخذه فَوَضعه على السرير فارتفع السرير وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْهِ فِي الْهَوَاء حَتَّى غَابَ عَنْهُم وتوجهوا بِهِ إِلَى الْجنَّة وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم كِلَاهُمَا فِي دَلَائِل النُّبُوَّة عَن عُرْوَة أَن عَامر بن فهَيْرَة قتل يَوْم بِئْر مَعُونَة فِيمَن قتل وَأسر عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي فَقَالَ لَهُ عَامر بن الطُّفَيْل هَل تعرف أَصْحَابك قَالَ نعم فَطَافَ فيهم يَعْنِي فِي الْقَتْلَى وَجعل يسْأَله عَن أنسابهم قَالَ هَل تفقد مِنْهُم من أحد قَالَ أفقد مولى لأبي بكر يُقَال لَهُ عَامر بن فهَيْرَة قَالَ كَيفَ كَانَ فِيكُم قَالَ كَانَ من أفضلنا قَالَ أَلا أخْبرك خَبره هَذَا طعنه بِرُمْح ثمَّ انتزع رمحه فَذهب بِالرجلِ علوا فِي السَّمَاء حَتَّى وَاللّه مَا أرَاهُ وَكَانَ الَّذِي قَتله رجل من كلاب يُقَال لَهُ جَبَّار بن سلمى فَأتى الضَّحَّاك بن سُفْيَان الْكلابِي فَأسلم وَقَالَ دَعَاني إِلَى الْإِسْلَام مَا رَأَيْت من مقتل عَامر بن فهَيْرَة وَمن رَفعه إِلَى السَّمَاء علوا فَكتب الضَّحَّاك إِلَى رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْلَامِهِ وَمَا رأى من مقتل عَامر بن فهَيْرَة فَقَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الْمَلَائِكَة وارت جثته وَأنزل فِي عليين ٨٧ - وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر بِلَفْظ فَقَالَ عَامر بن الطُّفَيْل لقد رَأَيْته بعد مَا قتل رفع إِلَى السَّمَاء حَتَّى إِنِّي لأنظر إِلَى السَّمَاء بَينه وَبَين الأَرْض ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَقَالَ فِي آخِره ثمَّ وضع قَالَ فَيحْتَمل أَنه رفع ثمَّ وضع ثمَّ فقد بعد ذَلِك فقد روينَا فِي مغازي مُوسَى بن عقبَة فِي هَذِه الْقِصَّة فَقَالَ عُرْوَة بن الزبير لم يُوجد جَسَد عَامر يرَوْنَ أَن الْمَلَائِكَة وارته إنتهى ٨٨ - وَأخرج إِبْنِ سعد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من طَرِيق عُرْوَة عَن عَائِشَة رَضِي اللّه تَعَالَى عَنْهَا رفع عَامر بن فهَيْرَة إِلَى السَّمَاء فَلم تُوجد جثته يرَوْنَ أَن الْمَلَائِكَة وارته قلت وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بمواراة الْمَلَائِكَة تغييبه فِي السَّمَاء كَمَا فِي الرِّوَايَة الأولى وارت جثته وَأنزل فِي عليين ويناظره أَيْضا مَا أخرجه أَحْمد وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي أَن رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم بَعثه عينا وَحده قَالَ فَجئْت إِلَى خَشَبَة خبيب فرقيت فِيهَا وَأَنا أَتَخَوَّف الْعُيُون فأطلقته فَوَقع فِي الأَرْض ثمَّ اقتحمت فانتبذت غير بعيد ثمَّ الْتفت فَلم أر خبيبا فَكَأَنَّمَا ابتعلته الأَرْض فَلم ير لخبيب أثر حَتَّى السَّاعَة فَهَذَا خبيب بن عدي أَيْضا مِمَّن وارته الْمَلَائِكَة إِمَّا بِرَفْع إِلَى السَّمَاء وَهُوَ الظَّاهِر أَو بدفن فِي الأَرْض وَقد جزم أَبُو نعيم بِرَفْعِهِ أَيْضا فَقَالَ عِنْد ذكر موازنة معجزاته صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم بمعجزات الْأَنْبِيَاء فَإِن قيل فَأن عِيسَى رفع إِلَى السَّمَاء قُلْنَا وَقد رفع قوم من أمة مُحَمَّد نَبينَا عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وأكمل التَّحِيَّات كَمَا رفع عِيسَى وَذَلِكَ أعجب ثمَّ ذكر قصَّة عَامر بن فهَيْرَة وخبيب بن عدي وقصة الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ السَّابِقَة فِي آخر بَاب أَحْوَال الْمَوْتَى فِي قُبُورهم وَمِمَّا يُقَوي قصَّة الرّفْع إِلَى السَّمَاء مَا أخرجه النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَغَيرهم من حَدِيث جَابر أَن طَلْحَة أُصِيبَت أنامله يَوْم أحد فَقَالَ حس فَقَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم لَو قلت بِسم اللّه لَرَفَعَتْك الْمَلَائِكَة وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْك حَتَّى تلج بك فِي جو السَّمَاء السَّمَاء وَمِمَّا يُنَاسب قصَّة التغييب فِي الْجُمْلَة مَا أخرجه إِبْنِ عَسَاكِر من طرق عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي أَن أويسا الْقَرنِي أَصَابَهُ الْبَطن فِي سفر فَمَاتَ فوجدوا فِي جرابه ثَوْبَيْنِ ليسَا من ثِيَاب الدُّنْيَا وَفِي رِوَايَة ليسَا مِمَّا ينسج بَنو آدم وَذهب رجلَانِ ليحفرا لَهُ قبرا فجاءا فَقَالَا قد أصبْنَا قبرا محفورا فِي صَخْرَة كَأَنَّمَا رفعت الْأَيْدِي عَنهُ السَّاعَة فكفنوه ودفنوه ثمَّ التفتوا فَلم يرَوا شَيْئا وَأخرجه الإِمَام أَحْمد فِي الزّهْد من طَرِيق آخر عَن عبد اللّه بن سَلمَة وَفِي آخِره فَقَالَ بَعْضنَا لبَعض لَو رَجعْنَا فَعلمنَا قَبره فرجعنا فَإِذا لَا قبر وَلَا أثر وَمِمَّا يناظر قصَّة الطير الْخضر مَا أخرجه إِبْنِ عَسَاكِر عَن أبي بكر بن رَيَّان قَالَ وقفت فِي حمام الْغلَّة بِمصْر وَقد جاؤوا بنعش ذِي النُّون فَرَأَيْت طيورا خضرًا ترفرف عَلَيْهِ إِلَى أَن وصل بِهِ إِلَى قَبره فَلَمَّا دفن غَابَتْ وَفِي كتاب السِّرّ المصون فِيمَا أكْرم بِهِ المخلصون لطاهر بن مُحَمَّد الصَّدَفِي فِي تَرْجَمَة سَلامَة الْكِنَانِي أحد الصَّالِحين أَنه أخبر عَام مَوته أَنه يَمُوت فِي عَام كَذَا فِي وَقت كَذَا فَمَاتَ فِي ذَلِك الْوَقْت وَأَن الطُّيُور الْبيض الَّتِي ترى على جنائز الصَّالِحين كَانَت ترفرف على نعشه إِلَى أَن نزلت مَعَه قَبره وَهَذِه الْعبارَة تشعر بِأَن ذَلِك معهودا فِي جنائز الصَّالِحين غير مستغرب وَفِي هَذَا الْكتاب أَيْضا فِي تَرْجَمَة مَالك بن عَليّ القلانسي أَنه لما مَاتَ وَوضع على سَرِيره للصَّلَاة عَلَيْهِ رأى النَّاس الصَّحرَاء وَالْجِبَال وَمَا امْتَدَّ إِلَيْهِ الْبَصَر مملوءا أُنَاسًا عَلَيْهِم ثِيَاب أَشد مَا تكون بَيَاضًا فصلوا عَلَيْهِ مَعَ النَّاس ٨٩ - وَأخرج عَن أبي خَالِد قَالَ لما مَاتَ عَمْرو بن قيس رَأَوْا الصَّحرَاء مَمْلُوءَة رجَالًا عَلَيْهِم ثِيَاب بيض فَلَمَّا صلي عَلَيْهِ وَدفن لم يرَوا فِي الصَّحرَاء أحدا ٩٠ - وَأخرج إِبْنِ الْجَوْزِيّ فِي كتاب عُيُون الحكايات بِسَنَدِهِ عَن عبد اللّه بن الْمُبَارك قَالَ بَينا أَنا ذَات لَيْلَة فِي الْجَبانَة إِذْ سَمِعت حَزينًا يُنَاجِي مَوْلَاهُ وَيَقُول سَيِّدي قصدك عَبدك روحه لديك وقياده بيديك واشتياقه إِلَيْك وحسراته عَلَيْك ليله أرق ونهاره قلق وأحشاؤه تحترق ودموعه تستبق شوقا إِلَى رؤيتك وحنينا إِلَى لقائك لَيست لَهُ رَاحَة دُونك وَلَا أمل غَيْرك ثمَّ بَكَى وَرفع رَأسه وشهق شهقة فحركته فَإِذا هُوَ ميت فَبينا أَنا أراعيه رَأَيْت قوما قد قصدوه فغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلوا عَلَيْهِ ودفنوه وارتفعوا نَحْو السَّمَاء ٩١ - وَأخرج أَيْضا بِسَنَدِهِ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ أصحرت فَإِذا بمغارة فِيهَا شَاب قَائِم يُصَلِّي وَإِذا سبع رابض بِبَاب المغارة فَقلت أَيهَا الشَّاب مَا ترى هَذَا السَّبع فَقَالَ لَو كنت تخَاف مِمَّن خلق السَّبع لَكَانَ أولى بك ثمَّ أقبل على السَّبع فَقَالَ أَنْت كلب من كلاب اللّه فَإِن كَانَ قد أذن لَك فِي شَيْء فَمَا أقدر أَن أمنعك رزقك وَإِلَّا فَانْصَرف فولى السَّبع هَارِبا ثمَّ نَادَى الشَّاب يَا سَيِّدي أَسأَلك بمعاقد الْعِزّ من عرشك إِن كَانَ لي عنْدك خير فاقبضني إِلَيْك فَمَا استتم الْكَلِمَة حَتَّى فَارق الدُّنْيَا فوليت رَاجعا فَجمعت أَصْحَابِي من الزهاد وَالصَّالِحِينَ لنأخذ فِي جهازه فَلَمَّا رَجعْنَا إِلَى المغارة لم نر فِيهَا أحدا وَإِذا بهاتف يَهْتِف بِي أسمع الصَّوْت وَلَا أرى الشَّخْص يَا أَبَا سعيد رد النَّاس فَإِن الشَّاب قد حمل فَائِدَة ٢٩٢ - أخرج أَبُو سعيد فِي شرف الْمُصْطَفى من طَرِيق أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بزَّة أَنبأَنَا مُحَمَّد بن الْفُرَات عَن عبيد بن سعيد عَن أَبِيه قَالَ بَيْنَمَا الْحسن جَالس وَالنَّاس حوله إِذْ أقبل رجل مخضرة عَيناهُ فَقَالَ لَهُ الْحسن أهكذا وَلدتك أمك أم هِيَ عرض قَالَ أَو مَا تعرفنِي يَا أَبَا سعيد قَالَ من أَنْت فانتسب لَهُ فَلم يبْق فِي الْمجْلس أحد إِلَّا عرفه فَقَالَ مَا قصتك قَالَ عَمَدت إِلَى جَمِيع مَالِي فألقيته فِي مركب فَخرجت أُرِيد الْيمن فعصفت علينا ريح فغرقت فَخرجت إِلَى بعض السواحل على لوح فَقَعَدت أتردد نَحوا من أَرْبَعَة أشهر آكل مَا أُصِيب من الشّجر والعشب وأشرب من مَاء الْعُيُون ثمَّ قلت لأمضين على وَجْهي فإمَّا أَن أهلك وَإِمَّا أَن أنجو فسرت فَرفع لي قصر كَأَن بناءه قصَّة فَدفعت مصراعه فَإِذا دَاخله أروقة فِي كل طاق مِنْهَا صندوق من لُؤْلُؤ وَعَلَيْهَا أقفال مفاتيحها رَأْي الْعين ففتحت بَعْضهَا فَخرج من جَوْفه رَائِحَة طيبَة فَإِذا فِيهِ رجال مدرجون فِي أَثوَاب الْحَرِير فحركت بَعضهم فَإِذا هُوَ ميت صفة حَيّ فأطبقت الصندوق وَخرجت وأغلقت بَاب الْقصر ومضيت فَإِذا أَنا بفارسين لم أر مثلهمَا جمالا على فرسين أغرين محجلين فسألاني عَن قصتي فأخبرتهما فَقَالَا تقدم أمامك فَإنَّك تصير إِلَى شَجَرَة تحتهَا رَوْضَة هُنَالك شيخ حسن الْهَيْئَة يُصَلِّي فَأخْبرهُ خبرك فَإِنَّهُ سيرشدك إِلَى الطَّرِيق فمضيت فَإِذا أَنا بالشيخ فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ السَّلَام وسألني عَن قصتي فَأَخْبَرته بخبري كُله فَفَزعَ لما أخْبرته بِخَبَر الْقصر ثمَّ قَالَ مَا صنعت قلت أطبقت الصناديق وأغلقت الْأَبْوَاب فسكن وَقَالَ لي إجلس فمرت بِهِ سَحَابَة فَقَالَت السَّلَام عَلَيْك يَا ولي اللّه فَقَالَ أَيْن تريدين قَالَت أُرِيد كَذَا وَكَذَا فَلم تزل تمر بِهِ سَحَابَة بعد سَحَابَة حَتَّى أَقبلت سَحَابَة فَقَالَ أَيْن تريدين قَالَت الْبَصْرَة قَالَ إنزلي فَنزلت فَصَارَت بَين يَدَيْهِ فَقَالَ إحملي هَذَا حَتَّى تُؤَدِّيه إِلَى منزله سالما فَلَمَّا صرت على متن السحابة قلت أَسأَلك بالذين أكرمك إِلَّا أَخْبَرتنِي عَن الْقصر وَعَن الفارسين وعنك فَقَالَ أما الْقصر فقد أكْرم بِهِ شُهَدَاء الْبَحْر ووكل بهم مَلَائِكَة يلقطونهم من الْبَحْر فيصيرونهم فِي تِلْكَ الصناديق مدرجين فِي أكفان الْحَرِير والفارسان ملكان يغدوان ويروحان عَلَيْهِم السَّلَام من اللّه وَأما أَنا فالخضر وَقد سَأَلت رَبِّي أَن يحشرني مَعَ أمة نَبِيكُم قَالَ الرجل فَلَمَّا صرت على السحابة أصابني من الْفَزع هول عَظِيم حَتَّى صرت إِلَى مَا ترى أورد هَذِه الْقِصَّة شيخ الْإِسْلَام إِبْنِ حجر فِي كتاب الْإِصَابَة فِي معرفَة الصَّحَابَة فِي تَرْجَمَة الْخضر |