Geri

   

 

 

İleri

 

٣٨ - بَاب زِيَارَة الْقُبُور وَعلم الْمَوْتَى بزوارهم ورؤيتهم لَهُم

١ - أخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْقُبُور عَن عَائِشَة رَضِي اللّه عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم مَا من رجل يزور قبر أَخِيه وَيجْلس عِنْده إِلَّا إستأنس ورد عَلَيْهِ حَتَّى يقوم

٢ - وَأخرج أَيْضا وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي اللّه عَنهُ قَالَ إِذا مر الرجل بِقَبْر يعرفهُ فَسلم عَلَيْهِ رد عَلَيْهِ السَّلَام وعرفه وَإِذا مر بِقَبْر لَا يعرفهُ فَسلم عَلَيْهِ رد عَلَيْهِ السَّلَام

٣ - وَأخرج إِبْنِ عبد الْبر فِي الإستذكار والتمهيد عَن إِبْنِ عَبَّاس رَضِي اللّه عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم مَا من أحد يمر بِقَبْر أَخِيه الْمُؤمن كَانَ يعرفهُ فِي الدُّنْيَا فَيسلم عَلَيْهِ إِلَّا عرفه ورد عَلَيْهِ السَّلَام صَححهُ عبد الْحق

٤ - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي الْقُبُور والصابوني فِي الْمِائَتَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي اللّه عَنهُ عَن النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من عبد يمر على قبر رجل يعرفهُ فِي الدُّنْيَا فَيسلم عَلَيْهِ إِلَّا عرفه ورد عَلَيْهِ السَّلَام

٥ - وَأخرج الْعقيلِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي اللّه عَنهُ قَالَ قَالَ أَبُو رزين يَا رَسُول اللّه إِن طريقي على الْمَوْتَى فَهَل من كَلَام أَتكَلّم بِهِ إِذا مَرَرْت عَلَيْهِم قَالَ قل السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْقُبُور من الْمُسلمين وَالْمُؤمنِينَ أَنْتُم لنا سلف وَنحن لكم تبع وَإِنَّا إِن شَاءَ اللّه بكم لاحقون قَالَ أَبُو رزين يَا رَسُول اللّه يسمعُونَ قَالَ يسمعُونَ وَلَكِن لَا يستطيون أَن يجيبوا قَالَ يَا أَبَا رزين أَلا ترْضى أَن يرد عَلَيْك بعددهم من الْمَلَائِكَة

قَوْله لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يجيبوا أَي جَوَابا يسمعهُ الْجِنّ وَالْإِنْس فهم يردون حَيْثُ لَا يسمع

٦ - وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن عَائِشَة قَالَت كنت أَدخل الْبَيْت فأضع ثوبي وَأَقُول إِنَّمَا هُوَ أبي وَزَوْجي فَلَمَّا دفن عمر مَعَهُمَا مَا دَخلته إِلَّا وَأَنا مشدودة عَليّ ثِيَابِي حَيَاء من عمر رَضِي اللّه

٧ - وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن إِبْنِ عمر قَالَ مر رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم على

قبر مُصعب بن عُمَيْر حِين رَجَعَ من أحد فَوقف عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَابه فَقَالَ أشهد أَنكُمْ أَحيَاء عِنْد اللّه فزوروهم وسلموا عَلَيْهِم فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يسلم عَلَيْهِم أحد إِلَّا ردوا عَلَيْهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

٨ - وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي اللّه عَنهُ عَن النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم أَنه وقف على قبر مُصعب بن عُمَيْر حِين رَجَعَ من أحد فَوقف عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَابه فَقَالَ أشهد أَنكُمْ أَحيَاء عِنْد اللّه فزوروهم وسلموا عَلَيْهِم فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يسلم عَلَيْهِم أحد إِلَّا ردوا عَلَيْهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

وَفِي الْأَرْبَعين الطائية رُوِيَ عَن النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ آنس مَا يكون الْمَيِّت فِي قَبره إِذا زَارَهُ من كَانَ يُحِبهُ فِي دَار الدُّنْيَا

٩ - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مُحَمَّد بن وَاسع قَالَ بَلغنِي أَن الْمَوْتَى يعلمُونَ بزوارهم يَوْم الْجُمُعَة وَيَوْما قبله وَيَوْما بعده

١٠ - وَأَخْرَجَا أَيْضا عَن الضَّحَّاك قَالَ من زار قبرا يَوْم السبت قبل طُلُوع الشَّمْس علم الْمَيِّت بزيارته قيل لَهُ وَكَيف ذَلِك قَالَ لمَكَان يَوْم الْجُمُعَة

تَنْبِيه ١

١١ - قَالَ السُّبْكِيّ عود الرّوح إِلَى الْجَسَد فِي الْقَبْر ثَابت فِي الصَّحِيح لسَائِر الْمَوْتَى فضلا عَن الشُّهَدَاء وَإِنَّمَا النّظر فِي إستمرارها فِي الْبدن وَفِي أَن الْبدن يصير حَيا بهَا كحالته فِي الدُّنْيَا أَو حَيا بِدُونِهَا وَهِي حَيْثُ شَاءَ اللّه فَإِن مُلَازمَة الْحَيَاة للروح أَمر عَقْلِي فَهَذَا أَي أَن الْبدن يصير بهَا حَيا كحالته فِي الدُّنْيَا مِمَّا يجوزه الْعقل فَإِن صَحَّ بِهِ سمع اتبع وَقد ذكره جمَاعَة من الْعلمَاء وَتشهد لَهُ صَلَاة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَبره فَإِن الصَّلَاة تستدعي جسدا حَيا وَكَذَلِكَ الصِّفَات الْمَذْكُورَة فِي الْأَنْبِيَاء لَيْلَة الْإِسْرَاء كلهَا صِفَات الْأَجْسَام وَلَا يلْزم من كَونهَا حَيَّاهُ حَقِيقَة أَن تكون الْأَبدَان مَعهَا كَمَا كَانَت فِي الدُّنْيَا من الإحتياج إِلَى الطَّعَام وَالشرَاب وَغير ذَلِك من صِفَات الْأَجْسَام الَّتِي نشاهدها بل يكون لَهَا حكم آخر وَأما الإدراكات كَالْعلمِ وَالسَّمَاع فَلَا شكّ أَن ذَلِك ثَابت لَهُم ولسائر الْمَوْتَى

١٢ - وَقَالَ غَيره أختلف فِي حَيَاة الشُّهَدَاء هَل هِيَ للروح فَقَط أَو للجسد مَعهَا بِمَعْنى عدم البلى لَهُ على قَوْلَيْنِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الإعتقاد إِن

الْأَنْبِيَاء بعد مَا قبضوا ردَّتْ إِلَيْهِم أَرْوَاحهم فهم أَحيَاء عِنْد رَبهم كالشهداء

١٣ - وَقَالَ إِبْنِ الْقيم فِي مَسْأَلَة تزاور الْأَرْوَاح وتلاقيها الْأَرْوَاح قِسْمَانِ منعمة ومعذبة فَأَما المعذبة فَهِيَ فِي شغل عَن التزاور والتلاقي وَأما المنعمة الْمُرْسلَة غير المحبوسة فتتلاقى وتتزاور وتتذاكر مَا كَانَ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا وَمَا يكون من أهل الدُّنْيَا فَتكون كل روح مَعَ رفيقها الَّذِي هُوَ على مثل عَملهَا وروح نَبينَا صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فِي الرفيق الْأَعْلَى قَالَ اللّه تَعَالَى {وَمن يطع اللّه وَالرَّسُول فَأُولَئِك مَعَ الَّذين أنعم اللّه عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا} وَهَذِه الْمَعِيَّة ثَابِتَة فِي الدُّنْيَا وَفِي دَار البرزخ وَفِي دَار الْجَزَاء والمرء مَعَ من أحب فِي هَذِه الدّور الثَّلَاثَة إنتهى

١٤ - وَقَالَهُ شيدله فِي كتاب الْبُرْهَان فِي عُلُوم الْقُرْآن فَإِن قيل قَوْله تَعَالَى {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل اللّه أَمْوَاتًا بل أَحيَاء} فَكيف يكونُونَ أَمْوَاتًا أَحيَاء قُلْنَا يجوز أَن يحييهم اللّه فِي قُبُورهم وأرواحهم تكون فِي جُزْء من أبدانهم يحس جَمِيع بدنه بالنعيم واللذة لأجل ذَلِك الْجُزْء كَمَا يحس جَمِيع بدن الْحَيّ فِي الدُّنْيَا ببرودة أَو حرارة تكون فِي جُزْء من أَجزَاء بدنه

١٥ - وَقيل إِن المُرَاد أَن أجسامهم لَا تبلى فِي قُبُورهم وَلَا تَنْقَطِع أوصالهم فهم كالأحياء فِي قُبُورهم

١٦ - وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَفْسِيره عِنْد هَذِه الْآيَة إختلف النَّاس فِي هَذِه الْحَيَاة فَقَالَ قوم مَعْنَاهَا بَقَاء أَرْوَاحهم دون أَجْسَادهم لأَنا نشاهد فَسَادهَا وفناءها وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن الشَّهِيد حَيّ الْجَسَد وَالروح وَلَا يقْدَح فِي ذَلِك عدم شعورنا بِهِ فَنحْن نراهم على ضفة الْأَمْوَات وهم أَحيَاء كَمَا قَالَ اللّه تَعَالَى {وَترى الْجبَال تحسبها جامدة وَهِي تمر مر السَّحَاب} وكما يرى النَّائِم على هَيْئَة وَهُوَ يرى فِي مَنَامه مَا يتنعم بِهِ أَو يتألم قلت وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى {بل أَحيَاء وَلَكِن لَا تشعرون} فنبه بقوله ذَلِك خطابا للْمُؤْمِنين على أَنهم لَا يدركون هَذِه الْحَيَاة بِالْمُشَاهَدَةِ والحس وَبِهَذَا يتَمَيَّز الشَّهِيد عَن غَيره وَلَو كَانَ المُرَاد حَيَاة الرّوح فَقَط

لم يحصل لَهُ تميز عَن غَيره لمشاركة سَائِر الْأَمْوَات لَهُ فِي ذَلِك ولعلم الْمُؤمنِينَ بأسرهم حَيَاة كل الْأَرْوَاح فَلم يكن لقَوْله {وَلَكِن لَا تشعرون} معنى وَقد يكْشف اللّه لبَعض أوليائه فيشاهد ذَلِك

١٧ - نقل السُّهيْلي فِي دَلَائِل النُّبُوَّة عَن بعض الصَّحَابَة أَنه حفر فِي مَكَان فانفتحت طَاقَة فَإِذا شخص على سَرِير وَبَين يَدَيْهِ مصحف يقْرَأ فِيهِ وأمامه رَوْضَة خضراء وَذَلِكَ بِأحد وَعلم أَنه من الشُّهَدَاء لِأَنَّهُ رأى فِي صفحة وَجهه جرحا وَأورد ذَلِك أَيْضا أَبُو حَيَّان

١٨ - وَيُشبه هَذَا مَا حَكَاهُ اليافعي فِي روض الرياحين عَن بعض الصَّالِحين قَالَ حفرت قبرا لرجل من الْعباد وألحدته فَبينا أَنا أسوي اللَّحْد إِذْ سَقَطت لبنة من لحد قبر يَلِيهِ فَنَظَرت فَإِذا بشيخ جَالس فِي الْقَبْر عَلَيْهِ ثِيَاب بيض تقَعْقع وَفِي حجره مصحف من ذهب مَكْتُوب بِالذَّهَب وَهُوَ يقْرَأ فِيهِ فَرفع رَأسه إِلَيّ وَقَالَ لي أَقَامَت الْقِيَامَة رَحِمك اللّه قلت لَا فَقَالَ رد اللبنة إِلَى موضعهَا عافاك اللّه فرددتها

١٩ - وَقَالَ اليافعي أَيْضا روينَا عَمَّن حفر الْقُبُور من الثِّقَات أَنه حفر قبرا فَأَشْرَف فِيهِ على إِنْسَان جَالس على سَرِير وَبِيَدِهِ مصحف يقْرَأ فِيهِ وَتَحْته نهر يجْرِي فَغشيَ عَلَيْهِ وَأخرج من الْقَبْر وَلم يدروا مَا أَصَابَهُ فَلم يفق إِلَّا فِي الْيَوْم الثَّالِث

٢٠ - وَحكي أَيْضا عَن الشَّيْخ نجم الدّين الْأَصْبَهَانِيّ أَنه حضر رجلا يدْفن فَقعدَ الملقن يلقنه فَسمع الْمَيِّت وَهُوَ يَقُول أَلا تعْجبُونَ من ميت يلقن حَيا

٢١ - وَقَالَ إِبْنِ رَجَب روينَا من طَرِيق مُرَاد بن جميل قَالَ قَالَ أَبُو الْمُغيرَة مَا رَأَيْت مثل الْمعَافى بن عمرَان وَذكر من فَضله قَالَ حَدثنِي بعض إخْوَانِي أَن غانما جَاءَ الْمعَافى بن عمرَان بعد مَا دفن فَسَمعهُ وَهُوَ يلقن فِي قَبره وَهُوَ يَقُول لَا إِلَه إِلَّا اللّه فَيَقُول الْمعَافى لَا إِلَه إِلَّا اللّه

٢٢ - وَحكى اليافعي عَن الْمُحب الطَّبَرِيّ أحد أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة وَهُوَ شَارِح التَّنْبِيه أَنه كَانَ مَعَ الشَّيْخ إِسْمَاعِيل الْحَضْرَمِيّ بمقبرة زبيد قَالَ الْمُحب فَقَالَ لي يَا محب الدّين أتؤمن بِكَلَام الْمَوْتَى قلت نعم قَالَ إِن صَاحب هَذَا الْقَبْر يَقُول لي أَنا من حَشْو الْجنَّة

٢٣ - وَحكي أَيْضا عَن الشَّيْخ إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور أَنه مر على بعض مَقَابِر الْيمن فَبكى بكاء شَدِيدا وعلاه حزن ثمَّ ضحك ضحكا شَدِيدا وعلاه سرُور فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ كشف لي عَن هَذِه الْمقْبرَة فرأيتهم يُعَذبُونَ فَبَكَيْت ثمَّ تضرعت إِلَى اللّه تَعَالَى فيهم فَقيل لي قد شفعناك فيهم فَقَالَت صَاحِبَة هَذَا الْقَبْر وَأَنا مَعَهم يَا فَقِيه إِسْمَاعِيل أَنا فُلَانَة الْمُغنيَة فَقلت وَأَنت مَعَهم فَلذَلِك ضحِكت

٢٤ - وَحكى الشَّيْخ عبد الْغفار فِي التَّوْحِيد قَالَ أَخْبرنِي القَاضِي بهاء الدّين بن الصاحب شرف الدّين الغاثري أَن الشَّيْخ أَمِين الدّين جِبْرِيل مَاتَ مَعَهم فِي الطَّرِيق قبل دُخُول الْقَاهِرَة قَالَ فَلَمَّا وصلنا عِنْد الْبَاب وهم يمْنَعُونَ الْمَيِّت أَن يدْخل الْمَدِينَة رفع الشَّيْخ أُصْبُعه وَيَده فَدَخَلْنَا

٢٥ - وَحكى أَيْضا قَالَ حَدثنِي فَقير عَن شخص أَنه أَرَادَ أَن يفعل الْفَاحِشَة مَعَ شَاب فِي تربة بالقرافة فَقَالَ لَهُ ذَلِك الشَّاب وَاللّه لَا عصيت اللّه هَا هُنَا أبدا لِأَنِّي كنت مرّة فعلت ذَلِك فانشق الْقَبْر وَقَالَ الْمَيِّت أما تستحيون من اللّه تَعَالَى

٢٦ - وَحكى أَيْضا قَالَ حكى لي زين الدّين البوشي عَن الْفَقِيه عبد الرَّحْمَن النويري أَنه لما كَانَ فِي المنصورة وأسروا الْمُسلمين وَكَانَ الْفَقِيه عبد الرَّحْمَن النويري يقْرَأ الْقُرْآن فَتلا {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل اللّه أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} فَلَمَّا قتل الْفَقِيه عبد الرَّحْمَن حضر أحد الفرنج وَفِي يَده حَرْبَة فلكزه بهَا وَقَالَ يَا قسيس الْمُسلمين أَنْت تَقول قَالَ ربكُم إِنَّكُم أَحيَاء ترزقون أَيْن هُوَ فَرفع الْفَقِيه رَأسه قَالَ حَيّ وَرب الْكَعْبَة مرَّتَيْنِ فَنزل الفرنجي عَن فرسه وَجعل يقبل وَجهه وَأمر غُلَامه بِحمْلِهِ مَعَه إِلَى بَلَده

٢٧ - وَفِي الرسَالَة للقشيري بِسَنَدِهِ عَن الشَّيْخ أبي سعيد الخراز قَالَ كنت بِمَكَّة فَرَأَيْت بِبَاب بني شيبَة شَابًّا مَيتا فَلَمَّا نظرت إِلَيْهِ تَبَسم فِي وَجْهي وَقَالَ لي يَا أَبَا سعيد أما علمت أَن الأحباء أَحيَاء وَإِن مَاتُوا وَإِنَّمَا ينقلون من دَار إِلَى دَار

٢٨ - وفيهَا عَن الشَّيْخ أبي عَليّ الرُّوذَبَارِي أَنه ألحد فَقِيرا فَلَمَّا فتح رَأس كَفنه وَوَضعه على التُّرَاب ليرحم اللّه غربته قَالَ فَفتح لي عَيْنَيْهِ وَقَالَ لي يَا أَبَا عَليّ لَا تذللني بَين يَدي من يدللني فَقلت يَا سَيِّدي أحياة بعد الْمَوْت فَقَالَ لي بل أَنا حَيّ وكل محب للّه حَيّ لأنصرنك بجاهي غَدا

٢٩ - وفيهَا عَن بَعضهم أَنه كَانَ نباش فَتُوُفِّيَتْ إمرأة فصلى النَّاس عَلَيْهَا وَصلى عَلَيْهَا هَذَا النباش أَيْضا ليعرف الْقَبْر فَلَمَّا جن اللَّيْل نبش قبرها فَقَالَت سُبْحَانَ اللّه رجل مغْفُور يَأْخُذ كفن مغْفُور لَهَا قَالَ فَقلت إِنَّه غفر لَك فَأَنا مغْفُور فَقَالَت إِن اللّه غفر لي وَلِجَمِيعِ من صلى عَليّ وَأَنت قد صليت عَليّ فَتَركهَا ورد التُّرَاب ثمَّ تَابَ وَحسنت تَوْبَته

٣٠ - وفيهَا بِسَنَدِهِ عَن إِبْرَاهِيم بن شَيبَان قَالَ صحبني شَاب حسن الْإِرَادَة فَمَاتَ فاشتغل قلبِي بِهِ وتوليت غسله فَبَدَأت بِشمَالِهِ من الدهشة فَأَخذهَا مني ثمَّ ناولني يَمِينه فَقلت صدقت يَا بني أَنا غَلطت

٣١ - وفيهَا بِسَنَدِهِ عَن أبي يَعْقُوب السُّوسِي قَالَ غسلت مرِيدا فَأمْسك إبهامي وَهُوَ على المغتسل فَقلت يَا بني خل يَدي فَإِنِّي أَدْرِي أَنَّك لست بميت وَإِنَّمَا هِيَ نقلة فخلى عَن يَدي

٣٢ - وفيهَا عَنهُ أَيْضا قَالَ جَاءَنِي مُرِيد بِمَكَّة فَقَالَ يَا أستاذ غَدا أَمُوت وَقت الظّهْر فَخذ هَذَا الدِّينَار فاحفر لي بِنصفِهِ وكفني بِالنِّصْفِ الآخر فَلَمَّا كَانَ الْغَد وَجَاء وَقت الظّهْر جَاءَ وَطَاف ثمَّ تبَاعد وَمَات فَلَمَّا وَضعته فِي اللَّحْد فتح عَيْنَيْهِ فَقلت أحياة بعد الْمَوْت فَقَالَ أَنا محب وكل محب للّه حَيّ

٣٣ - وَقَالَ الْقشيرِي سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا عَليّ الدقاق يَقُول مر أَبُو عَمْرو البيكندي يَوْمًا بِمَكَّة فَرَأى قوما أَرَادوا إِخْرَاج شَاب لفساده وإمه تبْكي فتشفع إِلَيْهِم فَقَالَ هبوه مني هَذِه الْمرة فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام رأى أمه فَسَأَلَهَا عَن حَاله فَقَالَت إِنَّه قد مَاتَ وأوصاني أَن لَا تُخْبِرِي الْجِيرَان بموتي لِئَلَّا يشمتوا بِي فَإِذا دفنتني فتشفعي لي إِلَى رَبِّي قَالَت فَفعلت فَلَمَّا انصرفت عَن رَأس قَبره سَمِعت صَوته يَقُول إنصرفي يَا أُمَّاهُ فقد قدمت على رب كريم

٣٤ - وَقَالَ اليافعي فِي كِفَايَة المعتقد أخبرنَا بعض الأخيار عَن بعض الصَّالِحين أَنه كَانَ يَأْتِي قبر وَالِده فِي بعض الْأَوْقَات ويتحدث مَعَه

٣٥ - وَقَالَ وَمن الْمَشْهُور أَن الْفَقِيه الْكَبِير الْوَلِيّ الشهير أَحْمد بن مُوسَى بن عجيل سَمعه بعض الْفُقَهَاء الصَّالِحين من قرائه يقْرَأ سُورَة النُّور فِي قَبره

٣٦ - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْقُبُور بِسَنَد فِيهِ مُبْهَم عَن عمر بن الْخطاب رَضِي اللّه عَنهُ أَنه مر بِالبَقِيعِ فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْقُبُور أَخْبَار مَا

عندنَا أَن نساءكم قد تَزَوَّجن ودياركم قد سكنت وَأَمْوَالكُمْ قد فرقت فَأَجَابَهُ هَاتِف يَا عمر بن الْخطاب أَخْبَار مَا عندنَا أَن مَا قدمْنَاهُ فقد وَجَدْنَاهُ وَمَا أنفقناه فقد ربحناه وَمَا خلفناه فقد خسرناه

٣٧ - وَأخرج الْحَاكِم فِي تَارِيخ نيسابور وَالْبَيْهَقِيّ وإبن عَسَاكِر فِي تَارِيخ دمشق بِسَنَد فِيهِ من يجهل عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ دَخَلنَا مَقَابِر الْمَدِينَة مَعَ عَليّ بن أبي طَالب كرم اللّه وَجهه فَنَادَى يَا أهل الْقُبُور السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة اللّه تخبرونا بأخباركم أم تُرِيدُونَ أَن نخبركم قَالَ فسمعنا صَوتا من دَاخل الْقَبْر يَقُول وَعَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة اللّه وَبَرَكَاته يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ خبرنَا عَمَّا كَانَ بَعدنَا فَقَالَ عَليّ أما أزواجكم فقد تَزَوَّجن وَأما أَمْوَالكُم فقد إقتسمت وَأَوْلَادكُمْ فقد حشروا فِي زمرة الْيَتَامَى وَالْبناء الَّذِي شيدتم فقد سكنه أعداؤكم فَهَذِهِ أَخْبَار مَا عندنَا فَمَا أَخْبَار مَا عنْدكُمْ فَأَجَابَهُ ميت قد تخرقت الأكفان وإنتثرت الشُّعُور وتقطعت الْجُلُود وسالت الأحداق على الخدود وسالت المناخر بالقيح والصديد وَمَا قدمْنَاهُ وَجَدْنَاهُ وَمَا خلفناه خسرناه وَنحن مرتهنون بِالْأَعْمَالِ

٣٨ - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي الْقُبُور عَن يُونُس بن أبي الْفُرَات قَالَ حفر رجل قبرا فَقعدَ يستظل فِيهِ من الشَّمْس فَجَاءَت ريح بَارِدَة فأصابت ظَهره فَنظر فَإِذا ثقب صَغِير فوسعه بإصبعه فَإِذا قبر فَنظر فِيهِ مد الْبَصَر وَإِذا بشيخ مخضوب كَأَنَّمَا رفعت المواشط أيديها عَنهُ

٣٩ - وَأخرج إِبْنِ جرير فِي تَهْذِيب الْآثَار وإبن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن العطاف بن خَالِد قَالَ حَدَّثتنِي خَالَتِي قَالَت ركبت يَوْمًا إِلَى قُبُور الشُّهَدَاء وَكَانَت لَا تزَال تأتيهم قَالَت فَنزلت عِنْد قبر حَمْزَة رَضِي اللّه عَنهُ فَصليت عِنْده وَمَا فِي الْوَادي دَاع وَلَا مُجيب فَلَمَّا فرغت من صَلَاتي قلت السَّلَام عَلَيْكُم فَسمِعت رد السَّلَام عَليّ يخرج من تَحت الأَرْض أعرفهُ كَمَا أعرف أَن اللّه خلقني وكما أعرف اللَّيْل وَالنَّهَار فاقشعرت كل شَعْرَة مني

٤٠ - وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل أَيْضا من طَرِيق العطاف بن خَالِد المَخْزُومِي قَالَ حَدثنِي عبد الْأَعْلَى بن عبد اللّه بن أبي بكر عَن عبد اللّه أَن النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم زار قُبُور الشُّهَدَاء بِأحد فَقَالَ اللّهمَّ إِن عَبدك وَنَبِيك يشْهد أَن هَؤُلَاءِ شُهَدَاء وَأَن من زارهم أَو سلم عَلَيْهِم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ردوا عَلَيْهِ قَالَ العطاف وحدثتني خَالَتِي أَنَّهَا زارت قُبُور الشُّهَدَاء قَالَت وَلَيْسَ معي إِلَّا غلامان يحفظان عَليّ الدَّابَّة فَسلمت عَلَيْهِم فَسمِعت رد السَّلَام وَقَالُوا وَاللّه إِنَّا نعرفكم كَمَا يعرف بَعْضنَا بَعْضًا قَالَت فاقشعررت وَقلت يَا غُلَام أدنني بغلي فركبت

٤١ - وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْوَاقِدِيّ قَالَ كَانَ النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم يزور الشُّهَدَاء بِأحد فِي كل حول وَإِذا بلغ الشّعب رفع صَوته فَيَقُول {سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنعم عُقبى الدَّار} ثمَّ أَبُو بكر رَضِي اللّه عَنهُ كل حول يفعل مثل ذَلِك ثمَّ عمر بن الْخطاب ثمَّ عُثْمَان رَضِي اللّه عَنْهُمَا وَكَانَت فَاطِمَة بنت النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم تأتيهم وَتَدْعُو وَكَانَ سعد بن أبي وَقاص يسلم عَلَيْهِم ثمَّ يقبل على أَصْحَابه فَيَقُول لقد رَأَيْتنِي وَغَابَتْ الشَّمْس بقبور الشُّهَدَاء وَمَعِي أُخْت لي فَقلت لَهَا تعالي نسلم على قبر حَمْزَة فَقَالَت نعم فوقفنا على قَبره فَقُلْنَا السَّلَام عَلَيْك يَا عَم رَسُول اللّه فسمعنا كلَاما رد علينا وَعَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة اللّه قَالَت وَمَا قربنا أحد من النَّاس

٤٢ - وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا أَنبأَنَا أَبُو عبد اللّه الْحَافِظ قَالَ سَمِعت أَبَا عَليّ حَمْزَة بن مُحَمَّد الْعلوِي سَمِعت هَاشم بن مُحَمَّد الْعمريّ يَقُول أَخَذَنِي أبي بِالْمَدِينَةِ إِلَى زِيَارَة قُبُور الشُّهَدَاء فِي يَوْم جُمُعَة بَين طُلُوع الْفجْر وَالشَّمْس فَكنت أَمْشِي خَلفه فَلَمَّا إنتهى إِلَى الْمَقَابِر رفع صَوته فَقَالَ {سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنعم عُقبى الدَّار} قَالَ فَأُجِيب وَعَلَيْك السَّلَام يَا أَبَا عبد اللّه فَالْتَفت إِلَى أبي وَقَالَ أَنْت الْمُجيب يَا بني فَقلت لَا فَأخذ بيَدي فجعلني عَن يَمِينه ثمَّ أعَاد السَّلَام عَلَيْهِم ثمَّ جعل كلما سلم عَلَيْهِم يرد عَلَيْهِ حَتَّى فعل ذَلِك ثَلَاث مَرَّات فَخر أبي سَاجِدا شكرا للّه تَعَالَى

٤٣ - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن عبد الْوَاحِد بن زيد قَالَ كُنَّا فِي غزَاة فلقينا الْعَدو فَلَمَّا تفرقنا فَقدنَا رجلا من أَصْحَابنَا فطلبناه فوجدناه فِي أجمة مقتولا حواليه جوَار يضربن على رَأسه بِالدُّفُوفِ فَلَمَّا رأيننا تفرقن فِي الغيضة فَلم نرهن

٤٤ - وَأخرج إِبْنِ سعد عَن سعيد بن الْمسيب أَنه كَانَ يلازم الْمَسْجِد أَيَّام الْحرَّة وَالنَّاس يقتتلون قَالَ فَكنت إِذا حانت الصَّلَاة أسمع أذانا يخرج من قبل

الْقَبْر يَعْنِي الْقَبْر النَّبَوِيّ

٤٥ - وَقَالَ الزبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد وَغَيره عَن بكر بن مُحَمَّد أَنه لما كَانَ أَيَّام الْحرَّة ترك الْأَذَان فِي مَسْجِد رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة أَيَّام وَخرج النَّاس إِلَى الْحرَّة وَجلسَ سعيد بن الْمسيب فِي الْمَسْجِد قَالَ فاستوحشت ودنوت من قبر رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا حضرت الظّهْر سَمِعت الْأَذَان فِي قبر رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَصليت رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سَمِعت الْإِقَامَة فَصليت الظّهْر ثمَّ جَلَست حَتَّى صليت الْعَصْر سَمِعت الْأَذَان فِي قبر رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ سَمِعت الْإِقَامَة ثمَّ لم أزل أسمع الْأَذَان وَالْإِقَامَة فِي قبر رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى مَضَت الثَّلَاثَة وقفل الْقَوْم ودخلوا الْمَسْجِد وَعَاد المؤذنون فأذنوا فتسمعت الْأَذَان فِي قَبره فَلم أسمعهُ

٤٦ - وَأخرجه أَبُو نعيم فِي دَلَائِل النُّبُوَّة من وَجه آخر عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ لقد رَأَيْتنِي ليَالِي الْحرَّة وَمَا فِي مَسْجِد رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم غَيْرِي وَمَا يَأْتِي وَقت صَلَاة إِلَّا سَمِعت الْأَذَان من الْقَبْر ثمَّ أتقدم فأقيم وأصلي وَإِن أهل الشَّام يدْخلُونَ زمرا زمرا فَيَقُولُونَ أنظروا إِلَى هَذَا الشَّيْخ الْمَجْنُون

٤٧ - وَأخرج اللالكائي فِي السّنة عَن يحيى بن معِين قَالَ قَالَ لي حفار أعجب مَا رَأَيْت من هَذِه الْمَقَابِر أَنِّي سَمِعت من قبر أنينا كأنين الْمَرِيض وَسمعت من قبر والمؤذن يُؤذن وَهُوَ يجِيبه من الْقَبْر

٤٨ - وَأخرج عَن الْحَارِث بن أَسد المحاسبي قَالَ كنت فِي الْجَبانَة فَسمِعت من قبر مرَّتَيْنِ أوه من عَذَاب اللّه

٤٩ - وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر فِي تَارِيخه بِسَنَدِهِ من طَرِيق الْأَعْمَش عَن الْمنْهَال بن عَمْرو قَالَ أَنا وَاللّه رَأَيْت رَأس الْحُسَيْن رَضِي اللّه عَنهُ حِين حمل وَأَنا بِدِمَشْق وَبَين يَدي الرَّأْس رجل يقْرَأ سُورَة الْكَهْف حَتَّى بلغ قَوْله تَعَالَى {أم حسبت أَن أَصْحَاب الْكَهْف والرقيم كَانُوا من آيَاتنَا عجبا} قَالَ فأنطق اللّه الرَّأْس بِلِسَان ذرب فَقَالَ أعجب من أَصْحَاب الْكَهْف قَتْلِي وحملي

٥٠ - وَفِي تَارِيخ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ أَن أَحْمد بن نصر الْخُزَاعِيّ أحد أَئِمَّة الحَدِيث دَعَاهُ الواثق إِلَى القَوْل بِخلق الْقُرْآن فَأبى فَضرب عُنُقه وصلب رَأسه بِبَغْدَاد ووكل بِالرَّأْسِ من يحفظه ويصرفه عَن الْقبْلَة بِرُمْح فَذكر الْمُوكل بِهِ أَنه رَآهُ بِاللَّيْلِ يستدير إِلَى الْقبْلَة بِوَجْهِهِ فَيقْرَأ سُورَة يس بِلِسَان طلق قَالَ الذَّهَبِيّ رويت هَذِه الْحِكَايَة من غير وَجه وَمن طرقها مَا أخرجه الْخَطِيب عَن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن خلف قَالَ كَانَ أَحْمد بن نصر خَالِي فَلَمَّا قتل فِي المحنة وصلب أخْبرت أَن الرَّأْس يقْرَأ الْقُرْآن فمضيت فَبت قَرِيبا مِنْهُ فَلَمَّا هدأت الْعُيُون سَمِعت الرَّأْس يقْرَأ {الم أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا أَن يَقُولُوا آمنا وهم لَا يفتنون} فاقشعر جلدي

٥١ - وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر من طَرِيق أبي صَالح كَاتب اللَّيْث عَن يحيى بن أبي أَيُّوب الْخُزَاعِيّ قَالَ سَمِعت من يذكر أَنه كَانَ فِي زمن عمر بن الْخطاب رَضِي اللّه عَنهُ شَاب متعبد قد لزم الْمَسْجِد وَكَانَ عمر بِهِ معجبا وَكَانَ لَهُ أَب شيخ كَبِير فَكَانَ إِذا صلى الْعَتَمَة إنصرف إِلَى أَبِيه وَكَانَ طَرِيقه على بَاب إمرأة فافتتنت بِهِ فَكَانَت تنصب نَفسهَا لَهُ على طَرِيقه فَمر بهَا ذَات لَيْلَة فَمَا زَالَت تغويه حَتَّى تبعها فَلَمَّا أَتَى الْبَاب دخلت وَذهب يدْخل فَذكر اللّه وخلى عَنهُ ومثلت هَذِه الْآيَة على لِسَانه {إِن الَّذين اتَّقوا إِذا مسهم طائف من الشَّيْطَان تَذكرُوا فَإِذا هم مبصرون} فَخر الْفَتى مغشيا عَلَيْهِ فدعَتْ الْمَرْأَة جَارِيَة لَهَا فتعاونتا عَلَيْهِ فحملتاه إِلَى بَابه وَاحْتبسَ على أَبِيه فَخرج أَبوهُ يَطْلُبهُ فَإِذا بِهِ على الْبَاب مغشيا عَلَيْهِ فَدَعَا بعض أَهله فَحَمَلُوهُ فأدخلوه فَمَا أَفَاق حَتَّى ذهب من اللَّيْل مَا شَاءَ اللّه فَقَالَ لَهُ أَبوهُ يَا بني مَا لَك قَالَ خير قَالَ فَإِنِّي أَسأَلك بِاللّه فَأخْبرهُ بِالْأَمر قَالَ أَي بني وَأي آيَة قَرَأت فَقَرَأَ الْآيَة الَّتِي كَانَ قَرَأَهَا فَخر مغشيا عَلَيْهِ فحركوه فَإِذا هُوَ ميت فغسلوه وأخرجوه ودفنوه لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبحُوا رفع ذَلِك إِلَى عمر رَضِي اللّه عَنهُ فجار عمر إِلَى أَبِيه فَعَزاهُ بِهِ وَقَالَ أَلا آذنتني قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَ لَيْلًا قَالَ عمر فاذهبوا بِنَا إِلَى قَبره فَأتى عمر وَمن مَعَه الْقَبْر فَقَالَ عمر يَا فلَان {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} فَأَجَابَهُ الْفَتى من دَاخل الْقَبْر يَا عمر قد أعطانيهما رَبِّي فِي الْجنَّة مرَّتَيْنِ

٥٢ - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة من طَرِيق الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن إِبْنِ ميناء قَالَ دخلت الْجَبانَة فَصليت رَكْعَتَيْنِ خفيفتين ثمَّ اضطجعت إِلَى قبر فوَاللّه إِنِّي لنبهان إِذْ سَمِعت قَائِلا فِي الْقَبْر يَقُول قُم فقد آذيتني إِنَّكُم لتعملون وَلَكِن لَا تعلمُونَ وَنحن نعلم وَلَا نعمل فوَاللّه لِأَن أكون صليت مثل ركعتيك أحب إِلَيّ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا

٥٣ - وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية من طَرِيق عَمْرو بن وَاقد عَن يُونُس بن حليس أَنه كَانَ يمر على الْمَقَابِر بِدِمَشْق سحر يَوْم الْجُمُعَة فَسمع قَائِلا يَقُول هَذَا يُونُس بن حليس قد هَاجر يحجون ويعتمرون كل شهر وَيصلونَ كل يَوْم خمس صلوَات أَنْتُم تَعْمَلُونَ وَلَا تعلمُونَ وَنحن نعلم وَلَا نعمل قَالَ فَالْتَفت يُونُس فَسلم فَلم يردوا عَلَيْهِ قَالَ سُبْحَانَ اللّه أسمع كلامكم وَأسلم عَلَيْكُم فَلَا تردون قَالُوا قد سمعنَا كلامك وَلكنهَا حَسَنَة وَقد حيل بَيْننَا وَبَين الْحَسَنَات والسيئات

٥٤ - وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ مر ميسرَة بن حليس بمقابر بَاب توما وقائد يَقُودهُ وَكَانَ مكفوفا فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم أهل الْقُبُور أَنْتُم لنا سلف وَنحن لكم تبع فرحمنا اللّه وَإِيَّاكُم وَغفر لنا وَلكم فكأنا وَقد صرنا إِلَى مَا صرتم إِلَيْهِ فَرد اللّه الرّوح فِي رجل مِنْهُم فَأَجَابَهُ فَقَالَ طُوبَى لكم يَا أهل الدُّنْيَا تحجون فِي الشَّهْر أَربع مَرَّات قَالَ وَإِلَى أَيْن يَرْحَمك اللّه قَالَ إِلَى الْجُمُعَة أفما تعلمُونَ أَنَّهَا حجَّة مبرورة متقبلة قَالَ مَا خير مَا قدمتم قَالَ الإستغفار وَقد غلقت رهوتنا فَلَا من حَسَنَة تزيد وَلَا من سَيِّئَة تنقص

٥٥ - وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر من طَرِيق مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن الْحَرِيص عَن الْمسيب بن وَاضح عَن عِيسَى بن كيسَان عَمَّن حَدثهُ عَن عُمَيْر بن الْحباب السّلمِيّ قَالَ أسرت أَنا وَثَمَانِية معي فِي زمَان بني أُميَّة فأدخلنا على ملك الرّوم فَأمر بِأَصْحَابِي فَضربت رقابهم ثمَّ إِنِّي قدمت لتضرب عنقِي فَقَامَ إِلَيْهِ بعض البطارقة فَلم يزل يقبل رَأسه وَرجلَيْهِ وَيطْلب إِلَيْهِ حَتَّى وهبني لَهُ فَانْطَلق بِي إِلَى منزله فَدَعَا إبنة لَهُ جميلَة فَقَالَ لي هَذِه إبنتي أزَوجك بهَا وأقاسمك مَالِي وَقد رَأَيْت منزلتي من الْملك فَادْخُلْ فِي ديني حَتَّى أفعل بك هَذَا فَقلت مَا أترك ديني لزوجة وَلَا لدُنْيَا

فَمَكثَ أَيَّامًا يعرض عَليّ ذَلِك فدعتني إبنته ذَات لَيْلَة إِلَى بُسْتَان لَهَا فَقَالَت مَا يمنعك مِمَّا عرض عَلَيْك أبي فَقلت مَا أترك ديني لإمرأة وَلَا لشَيْء قَالَت فتحب الْمكْث عندنَا أَو اللحاق ببلادك فَقلت الذّهاب إِلَى بلادي قَالَ فأرتني نجما فِي السَّمَاء وَقَالَت لي سر على هَذَا النَّجْم بِاللَّيْلِ واكمن بِالنَّهَارِ فَإِنَّهُ يبلغك إِلَى بلادك ثمَّ زودتني وَانْطَلَقت فسرت ثَلَاث لَيَال أَسِير بِاللَّيْلِ وأكمن بِالنَّهَارِ فَبَيْنَمَا أَنا الْيَوْم الرَّابِع مكمن فَإِذا الْخَيل فَقلت طلبت فأشرفوا عَليّ فَإِذا أَنا بِأَصْحَابِي المقتولين على دَوَاب وَمَعَهُمْ آخَرُونَ على دَوَاب شهب قَالُوا عُمَيْر قلت عُمَيْر فَقلت أوليس قد قتلتم قَالُوا بلَى وَلَكِن اللّه بشر الشُّهَدَاء وَأذن لَهُم أَن يشْهدُوا جَنَازَة عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ لي بعض الَّذين مَعَهم ناولني يدك يَا عُمَيْر فناولته يَدي فأردفني ثمَّ سرنا يَسِيرا ثمَّ قذف بِي قذفة وَقعت قرب منزلي بالجزيرة من غير أَن يكون لَحِقَنِي شَيْء

٥٦ - وَأخرج إِبْنِ الْجَوْزِيّ فِي كتاب عُيُون الحكايات بِسَنَدِهِ عَن أبي عَليّ الضَّرِير وَهُوَ أول من سكن طرسوس حِين بناها أَبُو مُسلم قَالَ إِن ثَلَاثَة إخْوَة من الشَّام كَانُوا يغزون وَكَانُوا فُرْسَانًا شجعانا فأسرهم الرّوم مرّة فَقَالَ لَهُم الْملك إِنِّي أجعَل فِيكُم الْملك وأزوجكم بَنَاتِي وتدخلون فِي النَّصْرَانِيَّة فَأَبَوا وَقَالُوا يَا محمداه فَأمر الْملك بِثَلَاثَة قدور فصب فِيهَا الزَّيْت ثمَّ أوقد تحتهَا ثَلَاثَة أَيَّام يعرضون فِي كل يَوْم على تِلْكَ الْقُدُور وَيدعونَ إِلَى دين النَّصْرَانِيَّة فيأبون فَألْقى الْأَكْبَر فِي الْقدر ثمَّ الثَّانِي ثمَّ أدني الْأَصْغَر فَجعل يفتنه عَن دينه بِكُل أَمر فَقَامَ إِلَيْهِ علج فَقَالَ أَيهَا الْملك أَنا أفتنه عَن دينه قَالَ بِمَاذَا قَالَ قد علمت أَن الْعَرَب أسْرع شَيْء إِلَى النِّسَاء وَلَيْسَ فِي الرّوم أجمل من إبنتي فادفعه إِلَيّ حَتَّى أخليه مَعهَا فَإِنَّهَا ستفتنه فَضرب لَهُ أَََجَلًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَدفعه إِلَيْهِ فجَاء بِهِ فَأدْخلهُ مَعَ إبنته وأخبرها بِالْأَمر فَقَالَت لَهُ دَعه فقد كفيتك أمره فَأَقَامَ مَعهَا نَهَاره صَائِم وليله قَائِم حَتَّى مر أَكثر الْأَجَل فَقَالَ العلج لابنته مَا صنعت قَالَت مَا صنعت شَيْئا هَذَا رجل فقد أَخَوَيْهِ فِي هَذِه الْبَلدة فَأَخَاف أَن يكون إمتناعه من أجلهما كلما رأى آثارهما وَلَكِن إستزد الْملك فِي الْأَجَل وانقلني وإياه إِلَى بلد غير هَذَا فزاده أَيَّامًا فأخرجهما إِلَى قَرْيَة أُخْرَى فَمَكثَ على ذَلِك أَيَّامًا صَائِم النَّهَار قَائِم اللَّيْل حَتَّى إِذا بَقِي من الْأَجَل أَيَّام قَالَت لَهُ الْجَارِيَة لَيْلَة يَا هَذَا إِنِّي أَرَاك تقدس رَبًّا عَظِيما وَإِنِّي قد دخلت مَعَك فِي دينك وَتركت دين آبَائِي قَالَ لَهَا فَكيف الْحِيلَة فِي الْهَرَب قَالَت أَنا أحتال لَك وجاءته بِدَابَّة فركباها فَكَانَا يسيران بِاللَّيْلِ ويكمنان بِالنَّهَارِ فَبَيْنَمَا هما يسيران لَيْلَة إِذْ سمعا وَقع خيل فَإِذا هُوَ بأخويه ومعهما مَلَائِكَة رسل إِلَيْهِ فَسلم عَلَيْهِمَا وسألهما عَن حَالهمَا فَقَالَا مَا كَانَت إِلَّا الغطسة الَّتِي رَأَيْت حَتَّى خرجنَا فِي الفردوس وَإِن اللّه أرسلنَا إِلَيْك لنشهد تزويجك بِهَذِهِ الفتاة فَزَوجُوهُ إِيَّاهَا وَرَجَعُوا وَخرج إِلَى بِلَاد الشَّام فَأَقَامَ مَعهَا وَكَانَا مشهورين بذلك معروفين بِالشَّام فِي الزَّمن الأول وَقد قَالَ فيهمَا بعض الشُّعَرَاء أبياتا مِنْهَا

(سيعطي الصَّادِقين بِفضل صدق ... نجاة فِي الْحَيَاة وَفِي الْمَمَات)

٥٧ - وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر عَن أبي مُطِيع مُعَاوِيَة بن يحيى أَن شَيخا من أهل حمص خرج يُرِيد الْمَسْجِد وَهُوَ يرى أَنه قد أصبح فَإِذا عَلَيْهِ ليل فَلَمَّا صَار تَحت الْقبَّة سمع صَوت جرس الْخَيل على البلاط فَإِذا فوارس قد لَقِي بَعضهم بَعْضًا قَالَ بَعضهم لبَعض من أَيْن قدمتم قَالُوا أَو لم تَكُونُوا مَعنا قَالُوا لَا قَالُوا قدمنَا من جَنَازَة البديل خَالِد بن معدان قَالُوا وَقد مَاتَ مَا علمنَا بِمَوْتِهِ فَلَمَّا أصبح الشَّيْخ حدث أَصْحَابه فَلَمَّا كَانَ نصف النَّهَار قدم الْبَرِيد يخبر بِمَوْتِهِ

٥٨ - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا فِي الْقُبُور وإبن عَسَاكِر عَن الشّعبِيّ قَالَ كَانَ صَفْوَان بن أُميَّة الصَّحَابِيّ رَضِي اللّه عَنهُ بِبَعْض الْمَقَابِر إِذْ أَقبلت جَنَازَة وَسمع صَوتا من الْقَبْر حَزينًا موجعا يَقُول شعرًا

(أنعم اللّه بِالظَّعِينَةِ عينا ... وبمسراك يَا أَمِين إِلَيْنَا)

(جزعا مَا جزعت من ظلمَة الْقَبْر ... وَإِن مسك التُّرَاب أَمينا)

قَالَ فَأخْبر الْقَوْم بِمَا سمع فبكوا حَتَّى إخضلت لحاهم ثمَّ قَالُوا هَل تَدْرِي من أمينة قلت لَا قَالُوا صَاحِبَة السرير هَذِه أُخْتهَا مَاتَت عَام أول فَقَالَ صَفْوَان قد علمت أَن الْمَيِّت لَا يتَكَلَّم فَمن أَيْن هَذَا الصَّوْت

٥٩ - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا أَيْضا عَن سعيد بن هَاشم السّلمِيّ قَالَ أعرس رجل من الْحَيّ على إبنة فتخذ لذَلِك لهوا فَكَانَت مَنَازِلهمْ إِلَى جَانب الْمَقَابِر قَالَ فوَاللّه إِنَّهُم لفي لهوهم ذَلِك لَيْلًا إِذْ سمعُوا صَوتا مُنْكرا أفزعهم فأصغوا

مطرقين فَإِذا هَاتِف يَهْتِف من بَين الْقُبُور

(يَا أهل لَذَّة لَهو لَا تدوم لَهُم ... إِن المنايا تبيد اللّهو واللعبا)

(كم قد رآيناه مَسْرُورا بلذته ... أَمْسَى فريدا من الأهلين مغتربا)

قَالَ فوَاللّه مَا لبث بعد ذَلِك إِلَّا أَيَّامًا قَلَائِل حَتَّى مَاتَ الْفَتى المتزوج

٦٠ - وَأخرج أَيْضا عَن صَالح المري قَالَ دخلت الْمَقَابِر يَوْمًا فِي شدَّة الْحر فَنَظَرت إِلَى الْقُبُور خامدة فَقلت سُبْحَانَ اللّه من يجمع بَين أرواحكم وأجسادكم بعد إفترافها ثمَّ يُحْيِيكُمْ ثمَّ ينشركم من بعد طول البلى قَالَ فَنَادَى مُنَاد من بَين تِلْكَ الْحفر يَا صَالح {وَمن آيَاته أَن تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض بأَمْره ثمَّ إِذا دعَاكُمْ دَعْوَة من الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ} قَالَ فَسَقَطت وَاللّه بوجهي فَزعًا من ذَلِك الصَّوْت

٦١ - وَأخرج أَيْضا عَن ثَابت الْبنانِيّ أَنه كَانَ فِي مَقْبرَة يحدث نَفسه إِذْ هتف بِهِ هَاتِف يَا ثَابت إِن تراهم ساكتين فكم فيهم من مغموم قَالَ فَالْتَفت فَلم أر أحدا

٦٢ - وَأخرج أَيْضا عَن بشر بن مَنْصُور قَالَ قَالَ لي عَطاء الْأَزْرَق إِذا حضرت الْمَقَابِر فَلْيَكُن قَلْبك فِيمَن أَنْت بَين ظهرانيهم فَإِنِّي بَيْنَمَا أَنا فِي الْمَقَابِر إِذْ تفكرت فِي نَفسِي فَإِذا أَنا بِصَوْت إِلَيْك يَا غافل إِنَّمَا أَنْت بَين ناعم فِي نعيمه مدلل أَو معذب فِي سكراته مُقَلِّب

٦٣ - وَأخرج عَن سوار بن مُصعب الْهَمدَانِي عَن أَبِيه أَن أَخَوَيْنِ كَانَا جارين لَهُ وَكَانَ كل وَاحِد يجد لصَاحبه وجدا لَا يرى مثله فَخرج الْأَكْبَر إِلَى أصفهان فَمَاتَ الْأَصْغَر فَاخْتلف الْأَكْبَر إِلَى قَبره سَبْعَة أشهر فَإِذا هَاتِف يَهْتِف من خَلفه يَوْمًا

(يَا أَيهَا الباكي على غَيره ... نَفسك أصلحها وَلَا تبكه)

(إِن الَّذِي تبْكي على إثره ... يُوشك أَن تسلك فِي سلكه)

قَالَ فَالْتَفت فَلم ير خَلفه أحدا فاقشعر وحم فَرجع إِلَى أَهله فَلم يلبث إِلَّا ثَلَاثًا حَتَّى مَاتَ فَدفن إِلَى جنبه

٦٤ - وَأخرج الإِمَام أَحْمد فِي الزّهْد وإبن أبي الدُّنْيَا من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير عَن يزِيد بن شُرَيْح الهيثمي أَنه سمع صَوتا من قبر

(إِن تزوروا الْيَوْم أمثالنا فقد ... كُنَّا أمثالكم وَفِي الْحَيَاة كشكلكم)

(فَتلك الْبَيْدَاء تسفي رياحها ... وَنحن فِي مَقْصُورَة لَا ننالكم)

(فَمن يَك منا فَلَيْسَ يُرَاجع ... فَتلك دِيَارنَا وَهِي مصيركم)

٦٥ - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن سُلَيْمَان بن يسَار الخضرمي قَالَ كَانَ قوم يَسِيرُونَ بالمقابر إِذا سمعُوا من قبر قَائِلا يَقُول

(يَا أَيهَا الركب سِيرُوا ... من قبل أَن لَا تسيروا)

(فَهَذِهِ الدَّار حَقًا ... فِيهَا إِلَيْنَا الْمصير)

(فَكَمَا كُنْتُم كُنَّا ... فغيرنا ركب الْمنون)

(وسوف كَمَا كُنَّا تَكُونُونَ ... )

(كم منعم فِي نعيم ... وتسلبه الدهور)

(وَآخر فِي عَذَاب ... لبئس ذَاك الْمصير)

٦٦ - وَأخرج إِبْنِ الْجَوْزِيّ فِي كتاب عُيُون الحكايات بِسَنَدِهِ عَن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الْوراق قَالَ خرج رجل مَعَ إبنه حَتَّى إِذا كَانَا بِبَعْض الطَّرِيق مَاتَ الْأَب فدفنه بشجر الدوم وَمضى فِي سَفَره ثمَّ مر بذلك الْموضع لَيْلًا فَلم ينزل إِلَى قبر أَبِيه فَإِذا هَاتِف يَهْتِف وَيَقُول شعرًا

(أجدك تطوي الدوم لَيْلًا وَلَا ترى ... عَلَيْك لأهل الدوم أَن تتكلما)

(وبالدوم ثاو لَو ثويت مَكَانَهُ ... فَمر بِأَهْل الدوم عاج فسلما)

٦٧ - وَأخرج أَبُو نعيم وإبن عَسَاكِر عَن سَلمَة قَالَ كَانَ خَالِد بن معدان يسبح فِي الْيَوْم أَرْبَعِينَ ألف تَسْبِيحَة سوى مَا يقْرَأ من الْقُرْآن فَلَمَّا مَاتَ وَوضع على سَرِيره ليغسل جعل بِأُصْبُعِهِ كَذَا يحركها يَعْنِي بالتسبيح

٦٨ - وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر عَن أبي عبد اللّه بن الْجلاء قَالَ مَاتَ أبي فجعلناه على المغتسل فكشفنا عَن وَجهه فَإِذا هُوَ يضْحك فَالْتبسَ على النَّاس أمره وَقَالُوا هُوَ حَيّ فجاؤوا بالطبيب وغطينا وَجهه وَقُلْنَا خُذ بمجسه فَأخذ بمجسه فَقَالَ هَذَا ميت فكشفنا عَن وَجهه فَنظر إِلَيْهِ ضَاحِكا فَقَالَ وَاللّه مَا أَدْرِي ميت هُوَ أم حَيّ فَكلما جَاءَ إِنْسَان يغسلهُ يهابه وَلَا يقدر على غسله فَقَامَ الْفضل بن الْحُسَيْن وَكَانَ من كبار العارفين فَغسله وَصلى عَلَيْهِ وَدَفنه

٦٩ - وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة عَن سعيد بن الْمسيب أَن زيد بن خَارِجَة الْأنْصَارِيّ ثمَّ من بني حَارِثَة بن الْخَزْرَج توفّي زمن عُثْمَان فسجي ثمَّ إِنَّهُم سمعُوا جلجلة فِي صَدره ثمَّ تكلم فَقَالَ أَحْمد أَحْمد فِي الْكتاب الأول صدق صدق أَبُو بكر الصّديق الضَّعِيف فِي نَفسه الْقوي فِي أَمر اللّه فِي الْكتاب الأول صدق صدق عمر بن الْخطاب الْقوي الْأمين فِي الْكتاب الأول صدق صدق عُثْمَان بن عَفَّان على منهاجهم مَضَت أَربع وَبقيت ثِنْتَانِ أَتَت الْفِتَن وَأكل الشَّديد الضَّعِيف وَقَامَت السَّاعَة وسيأتيكم من جيشكم خبر أريس وَمَا بِئْر أريس قَالَ سعيد ثمَّ هلك رجل من خطمة فسجي بِثَوْبِهِ فَسمِعت جلجلة فِي صَدره ثمَّ تكلم فَقَالَ إِن أَخا بني الْحَرْث بن الْخَزْرَج صدق صدق قَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَله شَوَاهِد

ثمَّ أخرج هُوَ وإبن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وإبن النجار فِي تَارِيخه عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد قَالَ جَاءَنَا يزِيد بن النُّعْمَان بن بشير إِلَى حَلقَة الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن بِكِتَاب أَبِيه النُّعْمَان بن بشير بِسم اللّه الرَّحْمَن الرَّحِيم من النُّعْمَان بن بشير إِلَى أم عبد اللّه بنت أبي هَاشم سَلام عَلَيْك فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْك اللّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَإنَّك كتبت إِلَيّ لأكتب إِلَيْك بشأن زيد بن خَارِجَة وَإنَّهُ كَانَ من شَأْنه أَنه أَخذه وجع فِي حلقه فَتوفي بَين الصَّلَاة الأولى وَصَلَاة الْعَصْر فأضجعناه وغشيناه فَأَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي وَأَنا أسبح بعد الْعَصْر فَقَالَ إِن زيدا قد تكلم بعد وَفَاته فَانْصَرَفت إِلَيْهِ مسرعا وَقد حَضَره قوم من الْأَنْصَار وَهُوَ يَقُول الْأَوْسَط أجلد الْقَوْم الَّذِي كَانَ لَا يُبَالِي فِي اللّه لومة لائم كَانَ لَا يَأْمر النَّاس أَن يَأْكُل قويهم ضعيفهم عبد اللّه عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ صدق صدق كَانَ ذَلِك فِي الْكتاب الأول ثمَّ قَالَ عُثْمَان أَمِير الْمُؤمنِينَ وَهُوَ يعافي النَّاس من ذنُوب كَثِيرَة خلت ليلتان وَبقيت أَربع ثمَّ اخْتلف النَّاس وَأكل بَعضهم بَعْضًا فَلَا نظام وأبيحت الأحماء ثمَّ ارعوى الْمُؤْمِنُونَ وَقَالُوا كتاب اللّه وَقدره أَيهَا النَّاس أَقبلُوا على أميركم واسمعوا وَأَطيعُوا فَمن تولى فَلَا يعهدن دَمًا وَكَانَ أَمر اللّه قدرا مَقْدُورًا اللّه أكبر هَذِه الْجنَّة وَهَذِه النَّار وَهَؤُلَاء النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ سَلام عَلَيْك يَا عبد اللّه بن رَوَاحَة هَل أحسست لي خَارِجَة لِأَبِيهِ وَسعد من قتلا يَوْم أحد {كلا إِنَّهَا لظى نزاعة للشوى تَدْعُو من أدبر وَتَوَلَّى وَجمع فأوعى} ثمَّ خفت فَسَأَلت الرَّهْط عَمَّا سبق من كَلَامه فَقَالُوا سمعناه يَقُول أَنْصتُوا أَنْصتُوا فَنظر بَعْضنَا إِلَى بعض فَإِذا الصَّوْت من تَحت الثِّيَاب فكشفنا عَن وَجهه فَقَالَ هَذَا أَحْمد رَسُول اللّه سَلام عَلَيْك يَا رَسُول اللّه وَرَحْمَة اللّه وَبَرَكَاته ثمَّ قَالَ أَبُو بكر الصّديق الْأمين خَليفَة رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ضَعِيفا فِي جِسْمه قَوِيا فِي أَمر اللّه صدق صدق وَكَانَ فِي الْكتاب الأول

ثمَّ أخرجه الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد وَزَاد فِيهِ وَكَانَ ذَلِك على تَمام سنتَيْن خلتا من إِمَارَة عُثْمَان فهما الليلتان قَالَ وَلم أزل أحفظ الْعدة للأربع الْبَوَاقِي وأتوقع مَا هُوَ كَائِن فِيهِنَّ فَكَانَ فِيهِنَّ إفتراء أهل الْعرَاق وخلافهم وإرجاف المرجفين وطعنهم على أَمِيرهمْ الْوَلِيد بن عقبَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَهَذَا أَيْضا إِسْنَاد صَحِيح

وروى ذَلِك أَيْضا حبيب بن سَالم عَن النُّعْمَان بن بشير وَذكر فِيهِ بِئْر أريس كَمَا فِي رِوَايَة إِبْنِ الْمسيب وَالْأَمر فِيهَا أَن خَاتم النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي يَد عُثْمَان فَوَقع فِيهَا لست سِنِين مَضَت من خِلَافَته عِنْد ذَلِك تَغَيَّرت عماله فظهرت أَسبَاب الْفِتَن كَمَا سمع من زيد بن خَارِجَة ثمَّ

قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَقد رُوِيَ التَّكَلُّم بعد الْمَوْت عَن جمَاعَة بأسانيد صَحِيحَة

ثمَّ أخرج هُوَ وإبن أبي الدُّنْيَا وإبن عَسَاكِر عَن عبد اللّه بن عبيد الْأنْصَارِيّ أَن رجلا من قَتْلَى مُسَيْلمَة تكلم فَقَالَ مُحَمَّد رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر الصّديق عُثْمَان

الْأمين اللين الرَّحِيم لَا أَدْرِي إيش قَالَ لعمر

٧٠ - وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وإبن عَسَاكِر من وَجه آخر عَنهُ قَالَ بَيْنَمَا هم يوارون الْقَتْلَى يَوْم صفّين أَو يَوْم الْجمل إِذْ تكلم رجل من الْأَنْصَار من الْقَتْلَى فَقَالَ مُحَمَّد رَسُول اللّه أَبُو بكر الصّديق عمر الشَّهِيد عُثْمَان الرَّحِيم ثمَّ سكت

٧١ - وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وإبن مَنْدَه عَن عبد اللّه بن عبيد اللّه الْأنْصَارِيّ قَالَ كنت فِيمَن دفن ثَابت بن قيس بن شماس وَكَانَ أُصِيب يَوْم الْيَمَامَة فَلَمَّا أدخلْنَاهُ قَبره سمعناه يَقُول مُحَمَّد رَسُول اللّه أَبُو بكر الصّديق عمر الشَّهِيد وَعُثْمَان أَمِين رَحِيم فَنَظَرْنَا إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ ميت

٧٢ - وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير حَدثنَا أَحْمد بن الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِي حَدثنَا هِشَام بن عمار حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر بن عُمَيْر بن هانىء أَن النُّعْمَان بن بشير حَدثهُ قَالَ مَاتَ رجل منا يُقَال لَهُ خَارِجَة بن زيد فسجيناه بِثَوْب وَقمت أُصَلِّي إِذْ سَمِعت صَوتا فَانْصَرَفت إِلَيْهِ فَإِذا أَنا بِهِ يَتَحَرَّك فَقَالَ أجلد الْقَوْم أوسطهم عبد اللّه عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقوي فِي جِسْمه الْقوي فِي أَمر اللّه عُثْمَان أَمِير الْمُؤمنِينَ الْعَفِيف الْمُتَعَفِّف الَّذِي يعْفُو عَن ذنُوب كَثِيرَة خلت ليلتان وَبقيت أَربع وَاخْتلف النَّاس فَلَا نظام لَهُم يَا أَيهَا النَّاس أَقبلُوا على إمامكم واسمعوا لَهُ وَأَطيعُوا هَذَا رَسُول اللّه وإبن رَوَاحَة ثمَّ قَالَ وَمَا فعل زيد بن خَارِجَة يَعْنِي أَبَاهُ ثمَّ قَالَ أخذت بِئْر أريس خَلْفي ثمَّ خفت الصَّوْت أخرجه إِبْنِ عَسَاكِر

٧٣ - وَأخرج إِبْنِ عَسَاكِر عَن أنس قَالَ لما مَاتَ زيد بن خَارِجَة دَخَلنَا عَلَيْهِ نغسله فَلَمَّا ذَهَبْنَا نصب عَلَيْهِ المَاء تكلم فَقَالَ مَضَت إثنتان وغبر أَربع وَأكل غنيهم فقيرهم فَانْفَضُّوا لَا نظام لَهُم أَبُو بكر لين رَحِيم بِالْمُؤْمِنِينَ وَعمر رَضِي اللّه عَنهُ شَدِيد على الْكفَّار لَا يخَاف فِي اللّه لومة لائم وَعُثْمَان لين رَحِيم بِالْمُؤْمِنِينَ وَأَنْتُم على منهاج عُثْمَان فَاسْمَعُوا وَأَطيعُوا ثمَّ خفت صَوته فَإِذا اللِّسَان يَتَحَرَّك وَإِذا الْجَسَد ميت

٧٤ - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا من طَرِيق يزِيد بن سعيد الْقرشِي عَن أبي عبد اللّه الشَّامي قَالَ غزونا الرّوم فَخرج منا نَاس يطْلبُونَ أثر الْعَدو فَانْفَرد مِنْهُم رجلَانِ قَالَ أَحدهمَا فَبينا نَحن كَذَلِك إِذْ لَقينَا شيخ من الرّوم فَقَالَ إبرزوا فحملنا عَلَيْهِ

فاقتتلنا سَاعَة فَقتل صَاحِبي فَرَجَعت أُرِيد أَصْحَابِي فَبينا أَنا رَاجع إِذْ قلت لنَفْسي ثكلتني أُمِّي سبقني صَاحِبي إِلَى الْجنَّة وأرجع أَنا هَارِبا إِلَى أَصْحَابِي فَرَجَعت إِلَيْهِ فضربته وأخطأته فَحَمَلَنِي فَضرب بِي الأَرْض وَجلسَ على صَدْرِي وَتَنَاول شَيْئا مَعَه ليقتلني فجَاء صَاحِبي الْمَقْتُول فَأخذ بِشعر قَفاهُ فَأَلْقَاهُ عني وأعانني على قَتله فقتلناه جَمِيعًا وَجعل صَاحِبي يمشي ويحدثني حَتَّى إنتهينا إِلَى شَجَرَة فاضطجع مقتولا كَمَا كَانَ فَرَجَعت إِلَى أَصْحَابِي فَأَخْبَرتهمْ

٧٥ - وَأخرج أَيْضا عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم قَالَ كَانَ فِيمَا مضى فتية يخرجُون إِلَى أَرض الرّوم ويصيبون مِنْهُم فقضي عَلَيْهِم بالأسر فَأخذُوا جَمِيعًا فَأتى بهم ملكهم فَعرض عَلَيْهِم دينه فَأَبَوا فَقعدَ على تل إِلَى جَانب النَّهر فَدَعَاهُمْ فَضرب عنق رجل مِنْهُم فَوَقع فِي النَّهر فَإِذا رَأسه قد قَامَ بحيالهم واستقبلهم بِوَجْهِهِ وَهُوَ يَقُول {يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية فادخلي فِي عبَادي وادخلي جنتي}

٧٦ - وَأخرج أَيْضا عَن سعيد الْعمي قَالَ خرج قوم غزَاة فِي الْبَحْر فجَاء شَاب كَانَ بِهِ رهق ليركب مَعَهم فَأَبَوا ثمَّ إِنَّهُم حملوه مَعَهم فَلَقوا الْعَدو فَكَانَ الشَّاب من أحْسنهم بلَاء ثمَّ إِنَّه قتل فَقَامَ رَأسه واستقبل أهل الْمركب وَهُوَ يَتْلُو {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين}

٧٧ - وَأخرج الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْخلال فِي كتاب كرامات الْأَوْلِيَاء بِسَنَدِهِ عَن أبي يُوسُف الغولي قَالَ دخلت على إِبْرَاهِيم بن أدهم بِالشَّام فَقَالَ لي قد رَأَيْت الْيَوْم عجبا قلت وماذا قَالَ وقفت على قبر من هَذِه الْمَقَابِر فانشق لي عَن شيخ خضيب فَقَالَ لي يَا إِبْرَاهِيم سل فَإِن اللّه أحياني من أَجلك قلت مَا فعل اللّه بك قَالَ لقِيت اللّه بِعَمَل قَبِيح فَقَالَ لي لقد غفرت لَك بِثَلَاث لقيتني وَأَنت تحب من أَحبَّنِي ولقيتني وَلَيْسَ فِي صدرك مِثْقَال ذرة من شراب حرَام ولقيتني وَأَنت خضيب وَأَنا أستحيي من شيبَة الخضيب أَن أعذبها بالنَّار قَالَ والتأم الْقَبْر على الشَّيْخ ثمَّ قَالَ إِبْرَاهِيم وَيحك يَا غولي عَامل اللّه يُرِيك الْعَجَائِب

٧٨ - وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان أَنبأَنَا أَبُو عبد اللّه الْحَافِظ حَدثنِي إبو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن نجيب بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن يحيى بن حَازِم السّلمِيّ حَدثنَا هِشَام المقسابادي عَن أَبِيه عَن جده أبي إِبْرَاهِيم وَكَانَ قَاضِي نيسابور فَدخل عَلَيْهِ رجل فَقيل لَهُ إِن عِنْد هَذَا حَدِيثا عجبا فَقَالَ لَهُ يَا هَذَا وَمَا هُوَ قَالَ إعلم أَنِّي كنت رجلا نباشا أنبش الْقُبُور فَمَاتَتْ إمرأة فَذَهَبت لأعرف قبرها فَصليت عَلَيْهَا فَلَمَّا جن اللَّيْل ذهبت لأنبش عَنْهَا وَضربت يَدي إِلَى كفنها لأسلبها فَقَالَت سُبْحَانَ اللّه رجل من أهل الْجنَّة يسلب إمرأة من أهل الْجنَّة ثمَّ قَالَت ألم تعلم أَنَّك مِمَّن صلى عَليّ وَأَن اللّه عز وَجل قد غفر لمن صلى عَليّ

٧٩ - وَأخرج الْمحَامِلِي فِي أَمَالِيهِ عَن عبد الْعَزِيز بن عبد اللّه بن أبي سَلمَة قَالَ بَيْنَمَا رجل فِي أندر لَهُ بِالشَّام وَمَعَهُ زَوجته وَقد كَانَ أستشهد لَهُ إِبْنِ قبل ذَلِك بِمَا شَاءَ اللّه إِذْ رأى الرجل فَارِسًا قد أقبل فَقَالَ لإمرأته إبني وإبنك يَا فُلَانَة قَالَت لَهُ إخز عَنْك الشَّيْطَان إبنك قد أستشهد مُنْذُ حِين وَأَنت مفتون فَأقبل على عمله واستغفر اللّه ثمَّ دنا الْفَارِس فَقَالَ إبنك وَاللّه يَا فُلَانَة وَنظرت فَقَالَت هُوَ وَاللّه فَوقف عَلَيْهِمَا فَقَالَ لَهُ أَبوهُ أَلَيْسَ قد أستشهدت يَا بني قَالَ بلَى وَلَكِن عمر بن عبد الْعَزِيز توفّي فِي هَذِه السَّاعَة فَاسْتَأْذن الشُّهَدَاء رَبهم فِي شُهُوده فَكنت مِنْهُم واستأذنته فِي السَّلَام عَلَيْكُمَا ثمَّ دَعَا لَهما وَانْصَرف وَوجد عمر قد توفّي تِلْكَ السَّاعَة

فَهَذِهِ آثَار مُسندَة خرجها أَئِمَّة الحَدِيث بأسانيدهم فِي كتبهمْ وأوردتها تَقْوِيَة لما حَكَاهُ اليافعي وَتَصْدِيقًا لَهُ

٨٠ - وَقَالَ اليافعي رُؤْيَة الْمَوْتَى فِي خير أَو شَرّ نوع من الْكَشْف يظهره اللّه تبشيرا أَو موعظة أَو لمصْلحَة للْمَيت من إِيصَال خير لَهُ أَو قَضَاء دين أَو غير ذَلِك ثمَّ هَذِه الرُّؤْيَة قد تكون فِي النّوم وَهُوَ الْغَالِب وَقد تكون فِي الْيَقَظَة وَذَلِكَ من كرامات الْأَوْلِيَاء أَصْحَاب الْأَحْوَال

وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مَذْهَب أهل السّنة أَن أَرْوَاح الْمَوْتَى ترد فِي بعض الْأَوْقَات من عليين أَو من سِجِّين إِلَى أَجْسَادهم فِي قُبُورهم عِنْد إِرَادَة اللّه تَعَالَى وخصوصا لَيْلَة الْجُمُعَة ويجلسون وَيَتَحَدَّثُونَ وينعم أهل النَّعيم ويعذب أهل الْعَذَاب

وَقَالَ وتختص الْأَرْوَاح دون الأجساد بالنعيم أَو الْعَذَاب مَا دَامَت فِي عليين أَو سِجِّين وَفِي الْقَبْر يشْتَرك الرّوح والجسد إنتهى

٨١ - وَقَالَ إِبْنِ الْقيم الْأَحَادِيث والْآثَار تدل على أَن الزائر مَتى جَاءَ علم بِهِ المزور وَسمع كَلَامه وَأنس بِهِ ورد سَلَامه عَلَيْهِ وَهَذَا عَام فِي حق الشُّهَدَاء وَغَيرهم وَأَنه لَا تَوْقِيت فِي ذَلِك قَالَ وَهُوَ أصح من أثر الضَّحَّاك الدَّال على التَّوْقِيت قَالَ وَقد شرع صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم لأمته أَن يسلمُوا على أهل الْقُبُور سَلام من يخاطبونه مِمَّن يسمع وَيعْقل

٨٢ - وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي اللّه عَنهُ أَن رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم خرج إِلَى الْمقْبرَة فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين وَإِنَّا إِن شَاءَ اللّه بكم لاحقون

٨٣ - وَأخرج النَّسَائِيّ وإبن مَاجَه عَن بُرَيْدَة كَانَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم يعلمهُمْ إِذا خَرجُوا إِلَى الْمَقَابِر السَّلَام عَلَيْكُم أهل الديار من الْمُسلمين وَإِنَّا إِن شَاءَ اللّه بكم لاحقون أَنْتُم لنا فرط وَنحن لكم تبع أسأَل اللّه لنا وَلكم الْعَافِيَة

٨٤ - وَأخرج مُسلم عَن عَائِشَة رَضِي اللّه عَنْهَا قَالَت كَيفَ أَقُول لَهُم يَا رَسُول اللّه قَالَ قولي السَّلَام على أهل الديار من الْمُسلمين وَيرْحَم اللّه الْمُسْتَقْدِمِينَ منا والمستأخرين وَإِنَّا إِن شَاءَ اللّه بكم لاحقون

٨٥ - وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن إِبْنِ عَبَّاس رَضِي اللّه عَنهُ قَالَ مر رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم بقبور الْمَدِينَة فَأقبل عَلَيْهِم بِوَجْهِهِ فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْقُبُور يغْفر اللّه لنا وَلكم وَأَنْتُم سلفنا وَنحن بالأثر

٨٦ - وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه دنا من الْقُبُور فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الديار من الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين أَنْتُم لنا سلف فارط وَنحن لكم تبع عَمَّا قَلِيل لَاحق اللّهمَّ إغفر لنا وَلَهُم وَتجَاوز بعفوك عَنَّا وعنهم

٨٧ - وَأخرج إِبْنِ أبي شيبَة عَن سعد بن أبي وَقاص أَنه كَانَ يرجع من ضيعته فيمر بقبور الشُّهَدَاء فَيَقُول السَّلَام عَلَيْكُم وَإِنَّا إِن شَاءَ اللّه بكم لاحقون ثمَّ يَقُول لأَصْحَابه أَلا تسلمون على الشُّهَدَاء فيردوا عَلَيْكُم

٨٨ - وَأخرج إِبْنِ عمر رَضِي اللّه عَنْهُمَا أَنه كَانَ لَا يمر بلَيْل وَلَا نَهَار

بِقَبْر إِلَّا سلم عَلَيْهِ

٨٩ - وَأخرج عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ إِذا مَرَرْت بالقبور وَقد كنت تعرفهم فَقل السَّلَام عَلَيْكُم أَصْحَاب الْقُبُور وَإِذا مَرَرْت بالقبور لَا تعرفهم فَقل السَّلَام على الْمُسلمين

٩٠ - وَأخرج عَن الْحسن قَالَ من دخل الْمَقَابِر فَقَالَ اللّهمَّ رب الأجساد البالية وَالْعِظَام النخرة الَّتِي خرجت من الدُّنْيَا وَهِي بك مُؤمنَة أَدخل عَلَيْهَا روحا من عنْدك وَسلَامًا مني أسْتَغْفر لَهُ كل مُسلم مُؤمن مَاتَ مُنْذُ خلق اللّه آدم

وَأخرجه إِبْنِ أبي الدُّنْيَا بِلَفْظ كتب اللّه لَهُ بِعَدَد من مَاتَ من ولدان آدم إِلَى أَن تقوم السَّاعَة حَسَنَات

٩١ - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ من دخل الْمَقَابِر واستغفر لأهل الْقُبُور وترحم على الْأَمْوَات فَكَأَنَّمَا شهد جنائزهم وَالصَّلَاة عَلَيْهِم

٩٢ - وَأخرج عَن أَزْهَر بن مَرْوَان قَالَ كَانَ لبشر بن مَنْصُور غرفَة فَكَانَ إِذا صلى الْعَصْر دَخلهَا وَفتح بَابهَا إِلَى الجبانات ينظر إِلَى الْقُبُور

٩٣ - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن إِبْنِ عمر رَضِي اللّه عَنْهُمَا أَنه كَانَ إِذا شهد جَنَازَة مر على أَهله فِي الْمَقَابِر فَدَعَا لَهُم واستغفر لَهُم

٩٤ - وَأَخْرَجَا عَن رجل من آل عَاصِم الجحدري قَالَ رَأَيْت عَاصِمًا الجحدري فِي النّوم بعد مَوته بسنين فَقلت أَلَيْسَ قد مت قَالَ بلَى قلت فَأَيْنَ أَنْت قَالَ إِنَّا وَاللّه فِي رَوْضَة من رياض الْجنَّة أَنا وَنَفر من أَصْحَابِي نَجْتَمِع كل لَيْلَة جُمُعَة وصبيحتها ألى بكر بن عبد اللّه الْمُزنِيّ فنتلاقى أخباركم قلت أجسادكم أم أرواحكم فَقَالَ هَيْهَات بليت الْأَجْسَام وَإِنَّمَا تتلاقى الْأَرْوَاح قلت فَهَل تعلمُونَ بزيارتنا إيَّاكُمْ قَالَ نعلم بهَا عَشِيَّة الْجُمُعَة وَيَوْم الْجُمُعَة كُله وَيَوْم السبت إِلَى طُلُوع الشَّمْس قلت وَكَيف ذَلِك دون الْأَيَّام كلهَا قَالَ لفضل يَوْم الْجُمُعَة وعظمه

٩٥ - وَأَخْرَجَا أَيْضا عَن بشر بن مَنْصُور قَالَ كَانَ رجل يخْتَلف إِلَى الْجَبانَة فَيشْهد الصَّلَاة على الْجَنَائِز فَإِذا أَمْسَى وقف على بَاب الْمَقَابِر فَقَالَ آنس اللّه وحشتكم ورحم اللّه غربتكم وَتجَاوز اللّه عَن سَيِّئَاتكُمْ وَقبل اللّه حسناتكم لَا يزِيد على هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات قَالَ ذَلِك الرجل فأمسيت ذَات لَيْلَة

فَانْصَرَفت إِلَى أَهلِي وَلم آتٍ الْمَقَابِر فَبَيْنَمَا أَنا نَائِم إِذا أَنا بِخلق كثير قد جاؤوني قلت من أَنْتُم وَمَا حَاجَتكُمْ قَالُوا نَحن أهل الْمَقَابِر قلت مَا جَاءَ بكم قَالُوا إِنَّك قد كنت عودتنا مِنْك هَدِيَّة عِنْد إنصرافك إِلَى أهلك قلت وَمَا هِيَ قَالُوا الدَّعْوَات الَّتِي كنت تَدْعُو بهَا قلت فَإِنِّي أَعُود لذَلِك قَالَ فَمَا تركتهَا بعد

٩٦ - وَأَخْرَجَا أَيْضا عَن أبي التياح قَالَ كَانَ مطرف يَبْدُو فَإِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة أدْلج وَكَانَ ينور لَهُ فِي سَوْطه فَأقبل لَيْلَة حَتَّى إِذا كَانَ عِنْد الْمَقَابِر هوم وَهُوَ على فرسه فَرَأى كَأَن أهل الْقُبُور كل صَاحب قبر جَالس على قَبره فَقَالُوا هَذَا مطرف أَتَى يَوْم الْجُمُعَة قلت أَو تعلمُونَ عنْدكُمْ يَوْم الْجُمُعَة قَالُوا نعم ونعلم مَا يَقُول فِيهِ الطير قلت وَمَا يَقُولُونَ قَالُوا يَقُولُونَ سَلام سَلام يَوْم صَالح قَالَ فِي الصِّحَاح هوم الرجل إِذا هز رَأسه من النعاس

٩٧ - وَأَخْرَجَا أَيْضا عَن الْفضل بن الْمُوفق إِبْنِ خَال سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ لما مَاتَ أبي جزعت جزعا شَدِيدا فَكنت آتِي قَبره فِي كل يَوْم ثمَّ إِنِّي قصرت عَن ذَلِك فرأيته فِي النّوم فَقَالَ يَا بني مَا أَبْطَأَ بك عني قلت وَإنَّك لتعلم بمجيئي قَالَ مَا جِئْت مرّة إِلَّا علمتها وَقد كنت تَأتِينِي فَأسر بك وَيسر من حَولي بدعائك قَالَ فَكنت آتيه بعد كثيرا

٩٨ - وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء هَاشم بن مُحَمَّد قَالَ سَمِعت رجلا من أهل علم يَقُول إِنَّه كَانَ يزور قبر أَبِيه فطال عَلَيْهِ ذَلِك فَقلت أَزور التُّرَاب فرأيته فِي مَنَامِي فَقَالَ يَا بني مَا لَك لَا تفعل كَمَا كنت تفعل فَقلت أَزور التُّرَاب فَقَالَ لَا تفعل يَا بني فوَاللّه لقد كنت تشرف عَليّ فيبشرني بك جيراني وَلَقَد كنت تَنْصَرِف فَمَا أَزَال أَرَاك حَتَّى تدخل الْكُوفَة

٩٩ - وَأخرج إِبْنِ أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن عُثْمَان بن سَوْدَة وَكَانَت أمه من العابدات وَكَانَ يُقَال لَهَا راهبة قَالَ لما مَاتَت كنت آتيها فِي كل لَيْلَة جُمُعَة فأدعو لَهَا وَأَسْتَغْفِر لَهَا وَلأَهل الْقُبُور قَالَ فرأيتها لَيْلَة فِي مَنَامِي فَقلت يَا أمه كَيفَ أَنْت فَقَالَت يَا بني إِن الْمَوْت لشديد كربه وَأَنا بِحَمْد اللّه فِي برزخ مَحْمُود أفترش فِيهِ الريحان وأتوسد فِيهِ السندس والإستبرق فَقلت أَلَك حَاجَة قَالَت نعم قلت مَا هِيَ قَالَت لَا تدع مَا تصنع من زيارتنا وَالدُّعَاء لنا فَإِنِّي آنس بمجيئك يَوْم الْجُمُعَة إِذا أَقبلت من أهلك يُقَال يَا راهبة قد أقبل من أهلك زائر فَأسر وَيسر بذلك من حَولي من الْأَمْوَات

١٠٠ - وَقَالَ السلَفِي سَمِعت أَبَا البركات عبد الْوَاحِد بن عبد الرَّحْمَن بن غلاب السُّوسِي بالإسكندرية يَقُول سَمِعت والدتي تَقول رَأَيْت أُمِّي فِي الْمَنَام بعد مَوتهَا وَهِي تَقول يَا بِنْتي إِذا جئتني زائرة فاقعدي عِنْد قَبْرِي سَاعَة أتملى من النّظر إِلَيْك ثمَّ ترحمي عَليّ فَإنَّك إِذا ترحمت عَليّ صَارَت الرَّحْمَة بيني وَبَيْنك كالحجاب ثمَّ شغلتني عَنْك

١٠١ - وَقَالَ الْحَافِظ إِبْنِ رَجَب أنبأني عَليّ بن عبد الصَّمد عَن أَحْمد الْبَغْدَادِيّ عَن أَبِيه قَالَ أَخْبرنِي قسطنطين بن عبد اللّه الرُّومِي سَمِعت الْأسد بن مُوسَى يَقُول كَانَ لي صديق فَمَاتَ فرأيته فِي النّوم وَهُوَ يَقُول لي سُبْحَانَ اللّه جِئْت إِلَى قبر فلَان صديقك قَرَأت عِنْده وترحمت عَلَيْهِ وَأَنا مَا جِئْت إِلَيّ وَلَا قربتني قلت لَهُ وَمَا يدْريك قَالَ لما جِئْت إِلَى قبر صديقك فلَان رَأَيْتُك قلت وَكَيف رَأَيْتنِي وَالتُّرَاب عَلَيْك قَالَ مَا رَأَيْت المَاء إِذا كَانَ فِي الزّجاج مَا يتَبَيَّن قلت بلَى قَالَ فَكَذَلِك نَحن نرى من يزورنا

تَنْبِيه ٢

١٠٢ - روى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ من حَدِيث أبي تَمِيمَة الهُجَيْمِي قَالَ أتيت النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَقلت عَلَيْك السَّلَام يَا رَسُول اللّه قَالَ لَا تقل عَلَيْك السَّلَام فَإِن عَلَيْك السَّلَام تَحِيَّة الْمَوْتَى

فَهَذَا يشْعر بِأَن السّنة فِي السَّلَام على الْمَوْتَى أَن يُقَال عَلَيْكُم السَّلَام بِتَقْدِيم الصَّلَاة وَقد صَحَّ الحَدِيث كَمَا تقدم أَنه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُم السَّلَام عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين فَيحْتَاج إِلَى الْجمع حَتَّى إِن بَعضهم قَالَ هَذَا أصح من حَدِيث النَّهْي وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن السّنة مَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث النَّهْي

وَقد أجَاب إِبْنِ الْقيم فِي الْبَدَائِع بِأَن كلا من الْفَرِيقَيْنِ إِنَّمَا أَتَوا من عدم فهم مَقْصُود الحَدِيث فَإِن قَوْله صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْك السَّلَام تَحِيَّة الْمَوْتَى لَيْسَ تشريعا مِنْهُ وإخبارا عَن أَمر شَرْعِي وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَار عَن الْوَاقِع الْمُعْتَاد الَّذِي جرى على أَلْسِنَة النَّاس فِي الْجَاهِلِيَّة فَإِنَّهُم كَانُوا يقدمُونَ إسم الْمَيِّت على الدُّعَاء كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(عَلَيْك سَلام اللّه قيس بن عَاصِم ... )

وَقَوله الَّذِي يرثي عمر بن الْخطاب رَضِي اللّه عَنهُ

(عَلَيْك سَلام من أَمِير وباركت ... يَد اللّه فِي ذَاك الْأَدِيم الممزق)

وَهُوَ فِي أشعارهم كثير والإخبار عَن الْوَاقِع لَا يدل على الْجَوَاز فضلا عَن الإستحباب فَتعين الْمصير إِلَى مَا ورد عَنهُ صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم من تَقْدِيم لفظ السَّلَام حِين سلم على الْأَمْوَات قَالَ فَإِن تخيل متخيل فِي الْفرق أَن السَّلَام على الْأَحْيَاء يتَوَقَّع جَوَابه فَقدم الدُّعَاء على الْمَدْعُو لَهُ بِخِلَاف الْمَيِّت قُلْنَا وَالسَّلَام على الْمَيِّت يتَوَقَّع جَوَابه أَيْضا كَمَا ورد بِهِ الحَدِيث

قَالَ وَمن النكت البديعة أَن الْأَحْسَن فِي دُعَاء الْخَيْر أَن يقدم الدُّعَاء على الْمَدْعُو لَهُ نَحْو سَلام على إِبْرَاهِيم سَلام على نوح سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ وَدُعَاء الشَّرّ الْأَحْسَن فِيهِ تقدم الْمَدْعُو عَلَيْهِ على الْمَدْعُو بِهِ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِن عَلَيْك لَعْنَتِي} و {عَلَيْهِم دَائِرَة السوء} و {فَعَلَيْهِم غضب} ثمَّ ذكر ذَلِك سرا ذكرته فِي أسرار التَّنْزِيل