Geri

   

 

 

İleri

 

١٧- كل سورة من سورة القرآن سورة

قال أبو جعفر: ثم تسمى كل سورة من سورة القرآن سورة، وتجمع سوراً، على تقدير خطبة وخطب، وغرفة وغرف؛ والسورة بغير همز، المنزلة من منازل الارتفاع، ومن ذلك سور المدينة، سمي بذلك الحائط الذي يحويها لارتفاعه على ما يحويه، غير أن السورة من سور المدينة لم يسمع في جمعها سور، كما سمع في جمع سورة من القرآن سُوَر، قال العجاج: في جمع السورة من البناء:

فَرُبَّ ذِي سُرَادِقٍ مَحْجُورِ * سِرْتُ إلَيْهِ في أعالي السُّورِ

فخرّج بتقدير جمعها، على تقدير جمع برّة وبسرة، لأن جمع ذلك برّ وبسر، وكذلك لم يسمع في جمع سورة من القرآن سور، ولو جمعت كذلك لم يكن خطأ في القياس، إذا أريد به جميع القرآن، وإنما تركوا فيما يرى جمعه كذلك، لأن كل جمع كان بلفظ الواحد المذكر، مثل برّ وشعير وقصب وما أشبه ذلك، فإن جماعة كالواحد من الأشياء غيره، لأن حكم الواحد منه مفرداً قلما يصاب، فجرى جماعة مجرى الواحد من الأشياء غيره، ثم جعلت الواحدة منه كالقطعة من جميعه، فقيل برّة وشعيرة وقصبة، يراد به قطعة منه، ولم تكن سور القرآن موجودة مجتمعة، اجتماع البرّ والشعير وسور المدينة، بل كل سورة منها موجودة منفردة بنفسها، انفراد كل غرفة من الغرف، وخطبة من الخطب، فجعل جمعها جمع الغرف والخطب، المبني جمعها من واحدها، ومن الدلالة على أن معنى السورة المنزلة من الارتفاع، قول نابغة بني ذبيان:

ألَمْ تَرَ أنَّ اللّه أعْطَاكَ سُورَةً * تَرَى كُلَّ مَلْكٍ دُونَها يَتَذَبْذَبُ

يعني بذلك أن اللّه أعطاه منزلة، من منازل الشرف، التي قصرت عنها منازل الملوك.

وقد همز بعضهم السورة من القرآن، وتأويلها في لغة من همزها: القطعةُ التي أفضلت من القرآن عما سواها وأبقيت، وذلك أن سؤر كل شيء البقية منه. تبقى بعد الذي يؤخذ منه، ولذلك سميت الفضلة من شراب الرجل يشربه، ثم يفضلها فيبقيها في الإناء سؤراً؛ ومن ذلك قول أعشى بني ثعلبة، يصف امرأة فارقته، فأبقت من وَجْدِها بقية:

فَبَانَتْ وَقَدْ أسْأرَتْ في الفُؤَا * دِ [الفؤاد] صَدْعاً على نَأْيِها مُسْتَطِيرا

وقال الأعشى في مثل ذلك:

بانَتْ وقَدْ أسْأرَتْ في النَّفْسِ حاجَتها * بَعْدَ ائْتِلافٍ وخَيْرُ الوُدّ ما نَفَعا