٢- أما بعدأما بعد، فان من جسيم ما خصّ اللّه به أمة نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم من الفضيلة، وشرّفهم به على سائر الأمم من المنازل الرفيعة، وحباهم به من الكرامة السنية، حفظَه ما حفظ - جلّ ذكره وتقدّست أسماؤه - عليهم من وحيه وتنزيله، الذي جعله على حقيقة نبوّة نبيهم صلى اللّه عليه وسلم دلالة، وعلى ما خصَّه به من الكرامة علامة واضحة، وحجة بالغة، أبانه به من كل كاذب ومفترٍ، وفصل به بينهم وبين كل جاحد وملحد، وفرق به بينهم وبين كل كافر ومشرك الذي لو اجتمع جميع مَنْ بين أقطارها، من جنها وانسها، وصغيرها وكبيرها، على أن يأتوا بسورة من مثله، لم يأتوا بمثله، ولَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهيراً. فجعله لهم في دجى الظلم نورا ساطعا، وفي سَدَف الشبه شهابا لامعاً، وفي مضلة المسالك دليلا هاديا، وإلى سبل النجاة والحق حاديا. يهدي به اللّه من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم، حرسه بعين منه لا تنام، وحاطه بركن منه لا يضام، لاتهى على الأيام دعائمه، ولا تبيد على طول الأزمان معالمه، ولا يجوز عن قصد المحجة تابعه، ولا يضلّعن سبل الهدى مصاحبه، من اتبعه فاز وهدى، ومن حاد عنه ضلّ وغوى. فهو موئلهم الذي إليه عند الاختلاف يئلون، ومعقلهم الذي إليه في النوازل يعتقلون، وحصنهم الذي به من وساوس الشيطان يتحصنون، وحكمة ربهم التي إليها يحتكمون، وفصل قضائه بينهم الذي إليه ينتهون، وعن الرضا به يصدرون، وحبله الذي بالتمسك به من الهلكة يعتصمون. اللّهم فوفقنا لإصابة صواب القول، في محكمه ومتشابهه، وحلاله وحرامه، وعامه وخاصه، ومجمله ومفسره وناسخه ومنسوخه، وظاهره وباطنه، وتأويل آيه، وتفسير مشكله، وألهمنا التمسك به، والاعتصام بمحكمه، والثبات على التسليم لمتشابهه، وأوْزِعنْا الشكر على ما أنعمت به علينا، من حفظه والعلم بحدوده، انك سميع الدعاء، قريب الإجابة، وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله، وسلم تسليماً كثيراً. اعلموا عباد اللّه، رحمكم اللّه، أن أحق ما صرفت الى علمه العناية، وبلغت في معرفته الغاية، ما كان للّه في العلم به رضا، وللعالم به إلى سبيل الرشاد هدى، وأن أجمع ذلك لباغيه، كتاب اللّه الذي لاريب فيه، وتنزيله الذي لا مرية فيه، الفائز بجزيل الذخر وسنى الأجر تاليه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. و نحن في شرح تأويله، وبيان ما فيه من معانيه، منشئون - إن شاء اللّه ذلك - كتاباً، مستوعباً لكل ما بالناس إليه الحاجة من علمه جامعاً، ومن سائر الكتب غيره في ذلك كافياً، ومخبرون في كل ذلك، بما انتهى إلينا من اتفاق الحجة فيما اتفقت عليه الأمة، واختلافها فيما اختلفت فيه منه، ومبينو(٣) علل كل مذهب من مذاهبهم، وموضحو الصحيح لدينا من ذلك، بأوجز ما أمكن من الإيجاز في ذلك، وأخصر ما أمكن من الاختصار فيه، واللّه نسأل عونه وتوفيقه، إما يقرّب من محابه، ويبعد من مساخطه، وصلى اللّه على صفوته من خلقه، وعلى آله، وسلم تسليماً كثيراً. و إن أول ما نبدأ به من القيل في ذلك، الإنابة عن الأسباب التي البداية بها أولى، وتقديمها قبل ما عداها أحرى، وذلك البيان عما في آى القرآن من المعاني، التي مِنْ قِبَلِها يدخل اللبسُ على من لم يعان رياضة العلوم العربية، ولم تستحكم معرفته، بتصاريف وجوه منطق الألسن السليقية الطبيعية. ------------ (١) في م وأبهج بدل وأنهج. (٢) في م قهر بهم بدل قهرتهم، واستذل بهم بدل استذلتهم، (٣) في م ومثبتو بدل ومبينو. ------------ |