Geri

   

 

 

İleri

 

جامع البيان

عن تأويل آي القرآن

للإمام الطبري (ت ٣١٠ هـ  ٩٢٣ م) 

مقدمة 

 بسم اللّه الرحمن الرحيم

(وبه ثقتي وعليه اعتمادي ربِّ يَسِّر)

قرئ على أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، في سنة ستَ وثلثمائة قال:

الحمد للّه الذي حجبت الألبابَ بدائعُ حكمه، وخصمت العقولَ حججه، وقطعت عذرَ الملحدين عجائبُ صنعه، وهتفت في أسماع العالمين ألسن أدلته، شاهدة ًأنه اللّه الذي لااله إلا هو، الذي لاعدل له معادل، ولامثل له مماثل، ولا شريك له مظاهر، ولاولد له ولا والد، ولم يكن له صاحبة، ولاكفوا أحد. وأنه الجبار الذي خضعت لجبروته الجبابرة، والعزيز الذي ذلت لعزته الملوك الأعزّة، وخشعت لمهابة سطوته ذوو المهابة، وأذعن له جميع الخلق بالطاعة، طوعا وكرها، كما قال اللّه عزّ وجلّ:

{وللّه يَسْجُدُ مَنْ في السَّمَوَاتِ والأرْضِ طَوْعاً وكَرْهاً وظِلاُلُهمْ بالغُدُوِّ والآصَالِ}.

فكل موجود إلى وحدانيته داع، وكل محسوس إلى ربوبيته هاد، بما وسمهم به من آثار الصنعة، من نقص وزيادة، وعجز وحاجة، وتصرّف في عاهات عارضة، ومقارنة أحداث لازمة، لتكون له الحجة البالغة، ثم أردف ما شهدت به من ذلك أدلته، وأكد ما استنارت في القلوب منه بهجته، برسل ابتعثهم إلى من يشاء من عباده، دعاة إلى ما اتضحت لديهم صحته، وثبت في العقول حجته، لئلا يكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل، وليذّكر أولو النهى والحلم، فأمدّهم بعونه، وأبانهم من سائر خلقه، بما دلّ به على صدقهم من الأدلة، وأيدهم به من الحجج البالغة، والآى المعجزة، لئلا يقول القائل فيهم:

{ما هَذَا إلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأكُلُ مِمَّا تَأكُلُونَ مِنْهُ ويَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ، ولَئِنْ أطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ انَّكُمْ اذاً لَخاسِرُونَ}.

فجعلهم سفراء بينه وبين خلقه، وأمناء على وحيه، واختصهم بفضله، واصطفاهم برسالته، ثم جعلهم فيما خصهم به مَن مواهبه، ومَنَّ به عليهم من كراماته، مراتبَ مختلفة، ومنازلَ متفرقة، ورفَعَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ، متفاضلات متباينات، فكرّم بعضهم بالتكليم والنجوى، وأيَّد بعضهم بروح القدس، وخَصَّه بإحياء الموتى، وإبراء أولى العاهة والعمى.

وفَضَّل نبينا محمدا صلى اللّه عليه وسلم، من الدرجات بالعليا، ومن المراتب بالعظمى، فحباه من أقسام كرامته بالقسم الأفضل، وخصّه من درجات النبوّة بالحظّ الأجزل، من الأتباع والأصحاب بالنصيب الأوفر، وابتعثه بالدعوة التامة، والرسالة العامة، وحاطه وحيدا، وعصمه فريدا من كل جبار عاند، وكل شيطان مارد، حتى أظهر به الدين، وأوضح به السبيل، وأنهج(١) به معالم الحق، ومَحَقَ به منار الشرك، وزهق به الباطل، واضمحلّ به الضلال وخدع الشيطان، وعبادة الأصنام والأوثان، مؤيَّدا بدلالة على الأيام باقية، وعلى الدهور والأزمان ثابتة، وعلى ممرّ الشهور والسنين دائمة، يزداد ضياؤها على كرّ الدهور إشراقا وعلى مرّ الليالي والأيام ائتلاقا، تخصيصا من اللّه له بها، دون سائر رسله، الذين قهرتهم(٢) الجبابرة، واستذلتهم الأمم الفاجرة، فعفت بعدهم منهم الآثار، وأخملت ذكرهم الليالي والأيام، ودون مَنْ كان منهم مرسلا إلى أمة، وخاصة دون عامة، وجماعة دون كافة.

فالحمد للّه الذي كرّمنا بتصديقه، وشرّفنا باتباعه، وجعلنا من أهل الإقرار والإيمان به، وبما دعا إليه وجاء به، صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم، أزكى صلواته، وأفضل سلامه، وأتمّ تحياته.