السيرة النبوية ابن هشام أبو محمد عبد الملك ابن هشام بن أيوب الحميري عالماً بالأنساب واللغة وأخبار العرب (ت ٢١٨ هـ ٨٣٣ م) الجزء الأولبسم اللّه الرحمن الرحيم { وبه نستعين } الحمد للّه رب العالمين ، وصلواته على سيدنا محمد وعلى آله أجمعين ذكر سرد النسب الزكيمن محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى آدم عليه السلام ذكر سرد النسب الزكي من محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى آدم عليه السلامبسم اللّه الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد للّه رب العالمين ، وصلواته على سيدنا محمد وعلى آله أجمعين . قال أبو محمد عبدالملك بن هشام النحوي : هذا كتاب سيرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم . قال : محمد بن عبداللّه بن عبدالمطلب، واسم عبدالمطلب: شيبة بن هاشم واسم هاشم : عمرو بن عبد مناف ، واسم عبد مناف : المغيرة بن قصي واسم قصي : زيد بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة ، واسم مدركة: عامر بن إلياس بن مضر ابن نزار بن معد بن عدنان بن أد ويقال: أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم - خليل الرحمن - بن تارح ، وهو آزر بن ناحور بن ساروغ بن راعو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ ، وهو إدريس النبي - فيما يزعمون ، واللّه أعلم ، وكان أول بني آدم أعطى النبوة ،وخط بالقلم - ابن يرد بن مهليل بن قينن بن يأنس بن شيث بن آدم صلى اللّه عليه وسلم . قال أبو محمد عبدالملك بن هشام : حدثنا زياد بن عبداللّه البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي بهذا الذي ذكرت من نسب محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إلى آدم عليه السلام ، وما فيه من حديث إدريس وغيره . قال ابن هشام : وحدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي ، عن شيبان بن زهير بن شقيق بن ثور عن قتادة بن دعامة ، أنه قال : إسماعيل بن إبراهيم - خليل الرحمن - ابن تارح ، وهو آزر بن ناحور بن أسرغ بن أرغو بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ بن يرد بن مهلائيل بن قاين ابن أنوش بن شيث بن آدم صلى اللّه عليه وسلم . منهج ابن هشام في عرضه للسيرةقال ابن هشام : وأنا إن شاء اللّه مبتدئ هذا الكتاب بذكر إسماعيل بن إبراهيم، ومن ولد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من ولده ، وأولادهم لأصلابهم، الأول فالأول ، من إسماعيل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، وما يعرض من حديثهم ، وتارك ذكر غيرهم من ولد إسماعيل ، على هذه الجهة للاختصار ، إلى حديث سيرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وتارك بعض ما ذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب ، مما ليس لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فيه ذكر، ولا نزل فيه من القرآن شيء ، وليس سببا لشيء من هذا الكتاب ، ولا تفسيرا له، ولا شاهدا عليه ، لما ذكرت من الاختصار ، وأشعارا ذكرها لم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها ، وأشياء بعضها يشنع الحديث به ، وبعض يسوء بعض الناس ذكره ، وبعض لم يقر لنا البكائي بروايته ؛ ومستقص إن شاء اللّه تعالى ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية له ، والعلم به. سياقة النسب من ولد إسماعيل عليه السلامأولاد إسماعيل عليه السلام و نسب أمهم قال ابن هشام : حدثنا زياد بن عبداللّه البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي قال: ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام اثني عشر رجلا : نابتا ، وكان أكبرهم ، وقيذر ، وأذبل ، ومبشا،ومسمعا، وماشى، ودما ،وأذر،وطيما، ويطور، ونبش ، وقيذما . وأمهم رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي - قال ابن هشام : ويقال : مضاض . وجرهم بن قحطان ، وقحطان أبو اليمن كلها ، وإليه يجتمع نسبها - ابن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح . قال ابن إسحاق : جرهم بن يقطن بن عيبربن شالخ . ويقطن هو قحطان ابن عيبر بن شالخ . عمر إسماعيل عليه السلام وموطن أمه ووفاتهقال ابن إسحاق : : وكان عمر إسماعيل فيما يذكرون مائة سنة وثلاثين سنة ، ثم مات رحمة اللّه وبركاته عليه ، ودفن في الحجر مع أمه هاجر، رحمهم اللّه تعالى . موطن هاجرقال ابن هشام : تقول العرب : هاجر وآجر فيبدلون الألف من الهاء كما قالوا : هراق الماء ، وأراق الماء وغيره . وهاجر من أهل مصر. حديث الوصاة بأهل مصر وسببهاقال ابن هشام : حدثنا عبداللّه بن وهب عن عبداللّه بن لهيعة تعالى عمر مولى غفرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،قال :اللّه اللّه في أهل الذمة، أهل المدرة السوداء السحم الجعاد ، فإن لهم نسبا وصهرا . قال عمر مولى غفرة : نسبهم ، أن أم إسماعيل النبي - صلى اللّه عليه وسلم - منهم . وصهرهم ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم تسرر فيهم . قال ابن لهيعة : أم إسماعيل : هاجر من أم العرب ، قرية كانت أمام الفرما من مصر. وأم إبراهيم : مارية سرية النبي ، صلى اللّه عليه وسلم ، التي أهداها له المقوقس من حفن من كورة أنصنا . قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن مسلم بن عبيد اللّه بن شهاب الزهري أن عبدالرحمن بن عبداللّه بن كعب بن مالك الأنصاري ، ثم السلمي حدثه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال : إذا فتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرا ، فإن لهم ذمة ورحما . فقلت لمحمد بن مسلم الزهري : ما الرحم التي ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لهم ؟ فقال: كانت هاجر أم إسماعيل منهم أصل العربقال ابن هشام : فالعرب كلها من ولد إسماعيل وقحطان . وبعض أهل اليمن يقول : قحطان من ولد إسماعيل . ويقول : إسماعيل أبو العرب كلها. قال ابن إسحاق : عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح ، وثمود وجديس ابنا عابر بن إرم بن سام بن نوح ، وطسم وعملاق وأميم بنو لاوذ بن سام بن نوح ، عرب كلهم . فولد نابت بن إسماعيل : يشجب بن نابت ، فولد يشجب: يعرب بن يشجب ، فولد يعرب : تيرح بن يعرب ، فولد تيرح : ناحور بن تيرح ، فولد ناحور : مقوم بن ناحور، فولد مقوم : أدد بن مقوم ، فولد أدد : عدنان بن أدد. قال ابن هشام: ويقال : عدنان بن أد. أولاد عدنانقال ابن إسحاق : فمن عدنان تفرقت القبائل من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ، فولد عدنان رجلين : معد بن عدنان ، وعك بن عدنان . موطن عكقال ابن هشام : فصارت عك في دار اليمن ، وذلك أن عكا تزوج في الأشعريين فأقام فيهم ، فصارت الدار واللغة واحدة ، والأشعريون بنو أشعر بن نبت بن أدد بن زيد بن هميسع بن عمرو بن عريب بن يشجب ابن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، ويقال: أشعر : نبت بن أدد ؛ ويقال : أشعر : ابن مالك . ومالك: مذحج بن أدد بن زيد بن هميسع . ويقال : أشعر : ابن سبأ بن يشجب . وأنشدني أبو محرز خلف الأحمر وأبو عبيدة ، لعباس بن مرداس ،أحد بني سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، يفخر بعك : وعك بن عدنان الذين تقلبوا * بغسان حتى طردوا كل مطرد وهذا البيت في قصيدة له . وغسان : ماء بسد مأرب باليمن،كان شربا لولد مازن بن الأسد بن الغوث فسموا به ؛ ويقال : غسان : ماء بالمشلل قريب من الجحفة ، والذين شربوا منه تحزبوا فسموا به قبائل من ولد مازن ابن الأسد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. ذكر نسب الأنصارقال حسان بن ثابت الأنصاري - والأنصار بنو الأوس والخزرج - ، ابني حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث : إما سألت فإنا معشر نجب * الأسد نسبتنا والماء غسان وهذا البيت في أبيات له. فقالت اليمن : وبعض عك ، وهم الذين بخراسان منهم ، عك بن عدنان بن عبداللّه بن الأسد بن الغوث؛ ويقال : عدثان بن الديث بن عبداللّه بن الأسد بن الغوث . أولاد معدقال ابن إسحاق : فولد معد بن عدنان أربعة نفر : نزار بن معد ، وقضاعة بن معد ، وكان قضاعة بكر معد الذي به يكنى فيما يزعمون، وقنص بن معد ، وإياد بن معد . فأما قضاعة فتيامنت إلى حمير بن سبأ - وكان اسم سبأ عبد شمس ، وإنما سمي سبأ ، لأنه أول من سبى في العرب - ابن يشجب بن يعرب بن قحطان . قضاعةقال ابن هشام : فقالت اليمن : وقضاعة : قضاعة بن مالك بن حمير. وقال عمرو بن مرة الجهني ، وجهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة : نحن بنو الشيخ الهجان الأزهر * قضاعة بن مالك بن حمير النسب المعروف غير المنكر * في الحجر المنقوش تحت المنبر قنص بن معد ،ونسب النعمان بن المنذر قال ابن إسحاق : : وأما قنص بن معد فهلكت بقيتهم - فيما يزعم نساب معد - وكان منهم النعمان بن المنذر ملك الحيرة . قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن مسلم بن عبداللّه بن شهاب الزهري: أن النعمان بن المنذر كان من ولد قُنُص بن معد . قال ابن هشام : ويقال : قَنَص . قال ابن إسحاق : : وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، عن شيخ من الأنصار من بني زريق أنه حدثه : أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه حين أُتي بسيف النعمان بن المنذر ، دعا جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي - وكان جبير من أنسب قريش لقريش وللعرب قاطبة ، وكان يقول : إنما أخذت النسب من أبي بكر الصديق رضى اللّه عنه ، وكان أبو بكر الصديق أنسب العرب - فسلحه إياه ، ثم قال : ممن كان يا جبير ، النعمان بن المنذر ؟ فقال : كان من أشلاء قنص بن معد . قال ابن إسحاق : فأما سائر العرب فيزعمون أنه كان رجلا من لخم ، من ولد ربيعة بن نصر ، فاللّه أعلم أي ذلك كان . نسب لخم بن عديقال ابن هشام : لخم:ابن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن هميسع بن عمرو بن عريب بن يشجب بن زيد بن كهلان بن سبأ ؛ ويقال: لخم:ابن عدي بن عمرو بن سبأ ؛ ويقال: ربيعة بن نصر بن أبي حارثة بن عمرو بن عامر ، وكان تخلف باليمن بعد خروج عمرو بن عامر من اليمن . أمر عمرو بن عامر في خروجه من اليمن وقصة سد مأربوكان سبب خروج عمرو بن عامر من اليمن - فيما حدثني أبو زيد الأنصاري - أنه رأى جرذا يحفر في سد مأرب ، الذي كان يحبس عليهم الماء ، فيصرفونه حيث شاءوا من أرضهم ، فعلم أنه لا بقاء للسد على ذلك ، فاعتزم على النقلة من اليمن ، فكادَ قومَه، فأمر أصغر ولده إذا أغلظ له ولطمه أن يقوم إليه فيلطمه ، ففعل ابنه ما أمره به ؛ فقال عمرو : لا أقيم ببلد لطم وجهي فيه أصغر ولدي، وعرض أمواله . فقال أشراف من أشراف اليمن : اغتنموا غضبة عمرو ، فاشتروا منه أمواله. وانتقل في ولده وولد ولده . وقالت الأزد : لا نتخلف عن عمرو بن عامر ، فباعوا أموالهم ، وخرجوا معه، فساروا حتى نزلوا بلاد عك مجتازين يرتادون البلدان ، فحاربتهم عك ، فكانت حربهم سجالا . ففي ذلك قال عباس بن مرداس البيت الذي كتبنا . ثم ارتحلوا عنهم فتفرقوا في البلدان . فنزل آل جفنة بن عمرو بن عامر الشام ، ونزلت الأوس والخزرج يثرب ، ونزلت خزاعة مَرّا، ونزلت أزد السراة السراة ، ونزلت أزد عمان عمان ، ثم أرسل اللّه تعالى على السد السيل فهدمه ، ففيه أنزل اللّه تبارك وتعالى على رسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم: ( لقد كان لسبأ في مسكنهم آية ، جنتان عن يمين وشمال ، كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور ، فأعرضوا ، فأرسلنا عليهم سيل العرم) . والعرم : السد ، واحدته : عرمة ، فيما حدثني أبو عبيدة . قال الأعشى : أعشى بني قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد . قال ابن هشام : ويقال أفصى بن دعمي بن جديلة ؛ واسم الأعشى ،ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة : وفي ذاك للمؤتسي أسوة * ومأرب عفى عليها العرم رخام بنته لهم حمير * إذا جاء مواره لم يرم فأروى الزروع وأعنابها * على سعة ماؤهم إذ قسم فصاروا أيادي ما يقدرو * ن منه على شرب طفل فطم وهذه الأبيات في قصيدة له . وقال أمية بن أبي الصلت الثقفي - واسم ثقيف قسي بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان: من سبأ الحاضرين مأرب إذ * يبنون من دون سيله العرما وهذا البيت في قصيدة له . وتروى للنابغة الجعدي ، واسمه قيس بن عبداللّه أحد بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. وهو حديث طويل ، منعني من استقصائه ما ذكرت من الاختصار . حديث ربيعة بن نصر ورؤياه وخبر شقوسطيح الكاهنينرؤيا ربيعة: قال ابنُ إسحاق : وكان ربيعة بن نصر ملك اليمن بين أضْعَاف ملوك التبابعة، فرأى رؤيا هالته ، وفظع بها، فلم يَدَعْ كاهناً، ولا ساحراً، ولا عائفاً، ولا منجِّما من أهل مملكته إلا جمعه إليه ، فقال لهم : إنى قد رأيت رؤيا هالتني ، وفَظِعْت بها ؛ فأخْبرونى بها وبتأويلها، قالوا له : اقصصها علينا نخبرْك بتأويلها، قال : إنى إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبرِكم عن تأويلها، فإنه لا يعرف تأويلها إلا من عرفها قبل أن أخبره بها، فقال له رجل منهم : فإن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سَطيحٍ وشِقٍّ، فإنه ليس أحد أعلم منهما، فهما يخبرانه بما سأل عنه. واسم سطيح : ربيع بن ربيعة، بن مسعود، بن مازن ، بن ذئب ، بن عدي ، بن مازن غسان ، وشق : بن صَعْب ، بن يَشْكُر، بن رُهْم ، بن أفْرَك ، ابن قَسْر، بن عَقْبَر، بن أنمار، بن نزار. وأنمار أبو بجيلة وخثعم. نسب بجيلةقال ابن هشام : وقالت اليمن : وبجيلة بنو أنمار، ابن إراش بن لَحْيان ، بن عمرو، بن الغَوْث ، بن نَبْت ، بن مالك ، بن زيد، ابن كهلان ، بن سبأ. ويقال : إراش بن عمرو، بن لحْيان ، بن الغَوْث. ودار بجيلة وخثعم يمانية. قال إبن إسحاق : فبعث إليهما، فقدم عليه سَطيح قبلَ شِقٍّ، فقال له : إني رأيت رؤيا هالتنى، وفظِعْت بها، فأخبرْنى بها، فإنك إن أصبتَها أصبتَ تأويلَها. قال : أفعلُ. " رأيتَ حُمَمَة، خرجت من ظُلُمة، فوقعت بأرض تَهَمة، فأكلت منها كلُّ ذاتِ جُمْجُمة ". فقال له الملك : ما أخطأتَ منها شيئا يا سطيحُ ؛ فما عندَك في تأويلها ؟ فقال : أحلف بما بين الحَرَّتَيْن من حَنَش ، ليهبِطنَّ أرضَكم الحبش، فليملكن ما بين أبيَن إلى جُرَش ، فقال له الملك : وأبيك يا سطيح ، إن هذا لنا لغائظ موجع ، فمتى هو كائن ، أفى زماني هذا. أم بعده ؟ قال :لا، بل بعده بحين ، اكثر من ستين أو سبعين ، يمضين من السنين. قال : أفيدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع ؟ قال : لا، بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين ، ثم يُقتلون ويخرجون منها هاربين. قال : ومن يلي ذلك من قتْلِهم وإخراجهم ؟ قال : يليه إرَمُ ذي يَزن ، يخرج عليهم من عدن ، فلا يترك أحداً منهم باليمن. قال : أفيدوم ذلك من سلطانه ، أم يقطع ؟ قال : لا، بل ينقطع. قال : ومن يقطعه ؟ قال : نبيّ زكىّ، يأتيه الوحى، من قِبَلِ العلي. قال : وممن هذا النبي ؟ قال : رجل من ولد غالب بن فهْر بن مالك ابن النَّضْر، يكون المُلك فى قومه إلى آخر الدهر. قال : وهل للدهر من آخر؟ قال : نعم ، يومٌ يُجْمَع فيه الأولون والآخرون ، يسعد فيه المحسنون ، ويشقى فيه المسيئون. قال : أحق ما تخبرني ؟ قال : نعم. والشَّفق والغَسق ، والفَلَق إذا اتَّسق ، إن ما أنبأتك به لحق. . ثم قدم عليه شِق ،فقال له كقوله لسطيح ،وكتمه ما قال سطيح ،لينظر أيتفقان أم يختلفان. فقال : نعم ، رأيت حُمُمة، خرجت من ظُلُمة، فوقعت بين رَوْضة وأكمة، فأكلت منها كل ذات نسمة. قال : فلما قال له ذلك ، عرف أنهما قد اتفقا، وأن قولهما واحد. إلا أن سطيحاً قال : " وقعت بأرض تَهَمة، فأكلت منها كل ذات جُمْجُمة". وقال شِق : " وقعت بينَ روضة وأكمة، فأكلتْ منها كلُّ ذات نسمة". فقال له الملك : ما أخطأت يا شق منها شيئاً، فما عندك فى تأويلها ؟ قال : أحلف بما بين الحَرَّتين من إنسان ، لينزلن أرضَكم السودان ، فليغلبن على كل طَفْلة البنان ، وليملكُن ما بين أبيَن إلى نَجْران. فقال له الملك : وأبيك يا شِقُّ ، إن هذا لنا لغائظ موجع ، فمتى هو كائن ؟ أفى زمانى، أم بعده ؟ قال : لا، بل بعده بزمان ، ثم يستنقذكم منهم عظيم ذو شان ، ويذيقهم أشد الهوان. قال : ومن هذا العظيم الشان ؟ قال : غلام ، ليس بدَنِيّ ، ولا مُدَنّ، يخرج عليهم من بيت ذي يَزَن ، فلا يترك أحداً منهم باليمن. قال : أفيدوم سلطانه أم ينقطع ؟ قال : بل ينقطع برسول مُرْسَل يأتى بالحق والعدل ، بين أهل الدين والفضل ، يكون الملك فى قومه إلى يوم الفصل. قال : وما يوم الفصل ؟ قال : يومٌ تُجْزَى فيه الولاةُ ويُدْعى فيه من السماء بدعوات ، يسمع منها الأحياء والأموات ، ويُجمع فيه بين الناس للميقات ، يكون فيه لمن اتقى الفوزُ والخيرات. قال : أحق ما تقول ؟ قال : إي وربِّ السماء والأرض ، وما بينهما من رَفْعٍ وخَفض ، إن ما أنبأتك به لحق ، ما فيه أمض. قال ابن هشام : أمض. يعني شكّاً : هذا بلغة حمير. وقال أبو عمرو: أمض أي : باطل. فوقع في نفس ربيعة بن نصر ما قالا، فجهز بنيه ، وأهل بيته إلى العراق بما يصلهم ، وكتب لخم إلى ملك من ملوك فارس يقال له : سابور بن خرَّزاد فأسكنهم الحيرة. رأي آخر في نسب النعمان بن المنذرفمن بقية ولد ربيعة ابن نصر : النعمان بن المنذر، فهو في نسب اليمن وعِلْمِهم : النعمانُ بنُ المنذر بن عَمرو بن عَدِي بن ربيعة بن نَصْر، ذلك الملك. قال ابن هشام: النعمان بن المنذر، بن المنذر، فيما أخبرنى خلف الأحمر. استيلاء أبي كرب تبان أسعد على مُلك اليمن وغزوه إلى يثرب قال ابن إسحاق : فلما هلك ربيعة بن نصر، رجع مُلك اليمن كلِّه إلى حسان بن تُبان أسعد أبى كرب - وتُبان أسعد هو : تُبَّع الآخر، ابن كَلْكى كرَب بن زيد، وزيد هو تُبَّع الأول بن عمرو ذي الأذعار ابن أبرهة ذي المنار ابن الرّيْش قال ابن هشام : ويقال : الرائش. قال ابن إسحاق : ابن عدي بن صيفي بن سبأ الأصغر، بن كَعْب ، كَهْف الظُّلم ، ابن زَيْد بن سَهْل ، بن عَمرو، بن قَيْس ، بن معاوية، بن جُشَم ، بن عبد شمس ، بن وائل ، بن الغَوْث ، بن قَطَن ، بن عَرِيب ، بن زهير، بن أيمن ، بن الهَمَيْسَع ، بن العَرَنْجَج. والعَرَنْجَج : حِمْيَر بن سبأ الأكبر بن يَعْرُب ، بن يَشْجُب ، بن قحطان. قال ابن هشام : يَشْجُب : بن يَعْرُب بن قَحْطان. قال ابن إسحاق : وتُبان أسعد : أبو كَرِب الذي قدم المدينة، وساق الحَبْرَيْن من يهود المدينة إلى اليمن ، وعثر البيت الحرام وكساه ، وكان مُلكه قبل مُلك ربيعة بن نصر. قال ابن هشام : وهو الذي يُقال له : ليت حظي من أبى كــــَرِب أن يسدّ خيرُه خبلَهْ تبان يغضب على أهل المدينةقال ابن إسحاق : وكان قد جعل طريقه - حين أقبل من المشرق - على المدينة وكان قد مَرَّ بها فى بدأته ، فلم يهج أهلَها، وخلف بين أظهرهم ابناً له ، فقُتل غِيلةً، فقدمها، وهو مُجمع لإخرابها، واستئصال أهلها، وقطع نخلها، فجمع له هذا الحيُّ من الأنصار، ورئيسهم عمرو ابن طَلَّة أخو بني النجار، ثم أحد بني عمرو بن مبذول ، واسم مبذول : عامر، بن مالك بن النجار. واسم النجار : تيم اللّه بن ثعلبة، بن عمرو، بن الخزرج ، بن حارثة، بن ثعلبة، ابن عمرو، بن عامر. عمرو ابن طلة وشبه : قال ابن هشام : عمرو ابن طَلَّة : عمرو بن معاوية، بن عمرو بن عامر، بن مالك بن النجار، وطَلَّة : أمه : وهىِ بنت عامر بن زُرَيق ، بن عامر بن زُرَيق ، بن عبد حارثة بن مالك ، بن غضْب ، ابن جُشَم ، بن الخزرج. قصة مقاتلة تبان لأهل المدينةقال ابن إسحاق : وقد كان رجل من بني عدي بن النجار يقال له : أحمر، عدا على رجال من أصحاب تُبَّع في نزل بهم فقتله. وذلك أنه وجده فى عَذْق له يَجُدُّه فضربه بمنجله فقتله ، وقال : إنما التمر لمن أبره ، فزاد ذلك تُبعاً حنقا عليهم ، قال : فاقتتلوا، فتزعُم الأنْصار أنهم كانوا يقاتلونه بالنهار، ويقرونه بالليل ، فيعجبه ذلك منهم ، ويقول : واللّه إن قومَنا لكرام !!. فبينا تُبع على ذلك من قتالهم ؛ إذا جاءه حَبران من أحبار اليهود، من بني قُرَيظة - وقريظة والنضير والنَّحَّام وعمرو - وهو هَدَل - بنو الخزرج بن الصريح بن التَّوْمان ، بن السِّبط بن اليسع ، بن سعد، بن لاوي ، بن خير ، بن النحام ، بن تنحوم ، بن عازر، عِزرى، بن هارون بن عمران ، بن يصهر، بن قاهث ، بن لَاويّ بن يعقوب - وهو إسرائيل - ابن إسحاق - بن إبراهيم خليل الرحمن - صلى اللّه عليهم - عالمان راسخان في العلم ، حين سمعا بما يريد من إهلاك المدينة وأهلها، فقالا له : أيها الملك ، لا تفعل ، فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها، ولم نأمن عليك عاجلَ العقوبة، فقال لهما : ولم ذلك ؟ فقالا: هى مهاجَر نبي يخرج من هذا الحرم من قريش فى آخر الزمان ، تكون دارَه وقرارَه ، فتناهى عن ذلك ، ورأى أن لهما علما، وأعجبه ما سمع منهما، فانصرف عن المدينة، واتبعهما على دينهما، فقال خالد بن عبد العُزَّى بن غَزِيَّة بن عمرو بن عبد بن عوف بن غُنْم بن مالك بن النجار يفخر بعمرو ابن طَلَّة :
أصحا أم قد نهى ذُكَــــرَهْ أم قضى من لذةٍ وسرهْ حَنقا على سِبْطين حلَّا يثربا أوْلى لهم بعقاب يوم مفسد قال ابن هشام : الشعر الذي فيه هذا البيت مصنوع ، فذلك الذي منعنا من إثباته تبَّع يذهب إلى مكة ويطوف بالكعبةقال ابن إسحاقوكان تبع وقومه أصحاب أوثان يعبدونها، فتوجه إلى مكّة، وهي طريقهُ إلى اليمن ، حتى إذا كان بين عُسْفان ، وأمَج أتاه نفر من هُذيل بن مُدركة ابن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ؛ فقالوا له : أيها الملك ألا ندلك على بيت مال دائر، أغفلته الملوك قَبْلك ، فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة ؟ قال : بلى قالوا : بيت بمكة يعبده أهله ، ويصلون عنده. وإنما أراد الهذليون هلاكه بذلك ، لما عرفوا من هلاك من أراده من الملوك وبغَى عنده. فلما أجمع لما قالوا، أرسل إلى الحبرين ، فسألهما عن ذلك فقالا له : ما أراد القوم إلا هلاكَك وهلاك جندك. ما نعلم بيتاً للّه اتخذه في الأرض لنفسه غيره ، ولئن فعلت ما دعوك إليه ، لتهلكن وليهلكن من معك جميعا، قال : فماذا تأمرانني أن أصنع إذا أنا قدمت إليه قالا : تصنع عنده ما يصنع أهله : تطوف به وتعظمه وتكرِّمه ، وتحلق رأسك عنده وتذِل له ، حتى تخرج من عنده ، قال : فما يمنعكما أنتما من ذلك ، قالا : أما واللّه إنه لبيت أبينا إبراهيم ، وإنه لكما أخبرناك ، ولكن أهله حالوا بيننا وبينه بالأوثان التي نصبوها حولَه ، وبالدماء التى يُهْرقون عنده ، وهم نَجِس أهلُ شرك – أو كما قالا له – فعرف نصحَهما وصدق حديثهما فقرب النفر من هُذيل ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، ثم مضى حتى قدم مكة، فطاف بالبيت ، ونحر عنده ، وحلق رأسه وأقام بمكة ستة أيام – فيما يذكرون – ينحر بها للناس ويطعم أهلها، ويسقيهم العسل ، وأرِيَ فى المنام أن يكسو البيت ، فكساه الخَصَف ثم أرِيَ أن يكسوه أحسنَ من ذلك فكساه المَعافرَ، ثم أري أن يكسوه أحسنَ من ذلك فكساه المُلاء والوصائل ، فكان تُبع - فيما يزعُمون - أول من كسا البيت ، وأوصى به ولاته من جرهم ، وأمرهم بتطهيره وألا يقربوه دما، ولا ميتة، ولا مئلات - وهى المحايض - وجعل له باباً ومفتاحاً، وقالت سُبَيْعة بنت الأحَبِّ ، بن زَبينة، بن جذيمة، بن عوف ، بن معاوية، بن بكر، بن هوازن ، بن منصور، بن عِكرمة، بن خَصَفة، بن قيس ، بن عيلان ، وكانت عند عبد مناف بن كعب ، بن سعد، بن تَيْم ، بن مُرة، بن كعب ، بن لُؤَي ، بن غالب ، بن فِهْر، بن مالك ، بن النضر، بن كنانة، لابن لها منه يقال له : خالد : تعظِّم عليه حرمة مكة، تنهاه عن البغي فيها، وتذكر تُبَّعا وتذللّه له ، وما صنع بها :
أبنيَّ : لاتَظْلم بمكــــــة لا الصغيرَ ولا الكبيرْ أصل اليهودية باليمن : ثم خرج منها متوجها إلى اليمن بمن معه من جنوده وبالحَبْرين حتى إذا دخل اليمن دعا قومه إلى الدخول فيما دخل فيه ، فأبَوْا عليه ، حتى يحاكموه إلى النار التى كانت باليمن. قال ابن إسحاق : حدثنى أبو مالك بن ثعلبة بن أبي مالك القُرظى، قال : سمعت إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد اللّه يحدث : أن تُبعاً لما دنا من اليمن ليدخلها حالت حِمْيَر بينه وبين ذلك وقالوا : لا تدخلها علينا، وقد فارقت ديننا، فدعاهم إلى دينه وقال : " إنه خير من دين "، فقالوا : فحاكمنا إلى النار قال : نعم. قال : وكانت باليمن - فيما يزعم أهل اليمن - نار تحكم بينهم فيما يختلفون فيه ، تأكل الظالم ولا تضر المظلوم ، فخرج قومه بأوثانهم وما يتقرَّبون به في دينهم ، وخرج الحَبْران بمصاحفهما في أعناقهما متقلديها، حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه فخرجت النار إليهم فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها وهابوها، فذَمَرهم من حضرهم من الناس ، وأمروهم بالصبر لها فصبروا حتى غشيتهم ، فأكلت الأوثان وما قربوا معها، ومن حمل ذلك من رجال حمير، وخرج الحبران بمصاحفهما فى أعناقهما تعرق جباههما لم تضرّهما، فأصفقَتْ عند ذلك حمير على دينه ، فمن هنالك ، وعن ذلك ، كان أصل اليهودية باليمن. قال ابن إسحاق : وقد حدثنى محدِّث أن الحَبْرين ، ومن خرج من حمير، إنما اتبعوا النار ليردوها، وقالوا : من ردها فهو أولى بالحق ، فدنا منها رجال من حِمْير بأوثانهم ليردوها، فدنت منهم لتأكلهم ، فحادوا عنها ولم يستطيعوا ردها، ودنا منها الحبران بعد ذلك ، وجعلا يتلوان التوراة وتنكص عنهما، حتى ردَّاها إلى مخرجها الذي خرجت منه ، فأصفَقَتْ عند ذلك حمير على دينهما. واللّه أعلم أي ذلك كان. هدم البيت المسمى رئامقال ابن إسحاق : وكان رئام بيتاً لهم يعظمونه ، وينحرون عنده ، ويُكَلَّمون منه ، إذ كانوا على شركهم ، فقال الحبران لتُبع : إنما هو شيطان يفتنهم بذلك فخلِّ بيننا وبينه ، فاستخرجا منه - فيما يزعم أهل اليمن - كلبا أسود فذبحاه ثم هدما ذلك البيت ، فبقاياه اليوم - كما ذكر لي - بها آثار الدماء التي كانت تهراق عليه. مُلك حسان بن تبان وقتله على يد أخيه عمرو فلما ملك ابنه حسان بن تُبان أسعد أبى كَرِب ، سار بأهل اليمن ، يريد أن يطأ بهم أرض العرب وأرض الأعاجم ، حتى إذا كانوا ببعض أرض العراق قال ابن هشام : بالبحرين ، فيما ذكر لى بعض أهل العلم - كرهت حِمْير وقبائل اليمن المسير معه ، وأرادوا الرجعة إلى بلادهم وأهلهم ، فكلموا أخاً له يقال له عمرو، وكان معه في جيشه ، فقالوا له اقتل أخاك حسان ، ونُملِّكْكَ علينا، وترجعْ بنا إلى بلادنا، فأجابهم ، فاجتمعوا على ذلك إلا ذا رُعَيْن الحِمْيري فإنه نهاه عن ذلك فلم يقبل منه. فقال ذو رعَيْن :
ألا من يشتري سهراً بنـــوم سعيدٌ من يبيتُ قريرَعينِ ثم كتبهما فى رقعة، وختم عليها، ثم أتى بها عَمراً، فقال له : ضع لي هذاالكتاب عندك ففعل ثم قَتل عمرو أخاه حسان ، ورجع بمن معه إلى اليمن. فقال رجل من حِمْير :
لاهِ عينا الذي رأى مثلي حســـان قتيلاً فى سالف الأحقابِ
قالوا: لَبَاب لَبابِ قال ابن هشام : ويروى : لِبابِ لِباب. هلاك عمرو وتفرق حِميرقال ابن إسحاق : فلما نزل عمرو ابن تُبان اليمن مُنع منه النوم ، وسُلط عليه السهر، فلما جهده ذلك سأل الأطباء والحُزاة من الكهان والعرافين عما به فقال له قائل منهم : إنه ما قتل رجل قط أخاه ، أو ذا رَحمه بغياً على مثل ما قَتلت أخاك عليه ، إلا ذهب نومه ، وسُلط عليه السهر، فلما قيل له ذلك جعل يقتل كل من أمره بقتل أخيه حسان من أشراف اليمن ، حتى خلص إلى ذي رُعَيْن ، فقال له ذو رُعَيْن : إن لى عندك براءة، فقال وما هي ؟ قال : الكتاب الذي دفعتُ إليك ، فأخرجه فإذا البيتان ، فتركه ، ورأى أنه قد نصحه وهلك عمرو، فمرج أمْر حمير عند ذلك وتفرقوا. خبر لَخنيعة وذي نواسفوثب عليهم رجل من حِمْير لم يكن من بيوت المملكة، يقال.له: لَخْنيعة ينوف ذو شَنَاتر، فقتل خيارهم، وعبث ببيوت أهل المملكة منهم، فقال قائل من حمير للَخْنيعة: تُقَتِّل أبنَاها وتنفى سَراتَها وتبني بأيديها لها الذلّ حميرُ تُدَمِّر دنياها بطيشِ حلومِها وما ضَيَّعَتْ من دينها فَهْوَ أكثرُ كذاك القرونُ قبلَ ذاك بظلمِها وإسرافِها تأتي الشرورَ فتخسَرُ فسوق لخنيعة: وكان لَخْنيعة امرءاً فاسقاً يعمل عمل قوم لوط، فكان يرسل إلى الغلام من أبناء الملوك، فيقع عليه في مَشْرَبة له قد صنعها لذلك. لئلا يُمَلَّك بعدَ ذلك، ثم يَطْلُع من مشربته تلك إلى حرسه ومن حضر من جنده، قد أخذ مِسواكا، فجعله في فيه، أي: فيعلمهم أنه قد فرغ منه، حتى بعث إلى زُرْعة ذي نُواس بن تُبان أسعد أخي حسان، وكان صبيا صغيرا حين قُتل حسان، ثم شب غلاما جميلا وسيما ذا هيئة وعقل، فلما أتاه رسوله، عرف ما يريد منه، فأخذ سكينا جديداً لطيفاً، فخبأه بين قدمه ونعله، ثم أتاه، فلما خلا معه وثب إليه فواثبه ذو نُواس، فوجاه حتى قتله، ثم حزَّ رأسه، فوضعه في الكُوَّة التي كان يُشرف منها، ووضع مسواكه في فيه، ثم خرج على الناس، فقالوا له: ذا نواس أرطْب أم يَباس فقال: " سَلْ نَحْماس اسْترطُبان ذو نواس اسْترطُبان لا باس ". قال ابن هشام: هذا كلام حمير. ونحماس: الرأس. فنظروا إلى الكوة فإذا رأس لخنيعة مقطوع، فخرجوا في إثر ذي نواس حتى أدركوه، فقالوا: ما ينبغي أن يملكنا غيرك، إذ أرحتنا من هذا الخبيث. ملك ذي نواس: فملَّكوه، واجتمعت عليه حمير وقبائل اليمن، فكان آخر ملوك حمير، وهو صاحب الأخدود، وتسمى: يوسف، فأقام في ملكه زماناً. سبب وجود النصرانية بنجرانوبنجران بقايا من أهل دين عيسى ابن مريم عليه السلام على الإنجيل. أهل فضل واستقامة من أهل دينهم، لهم رأس يقال له: عبد اللّه بن الثامر. وكان موقع أصل ذلك الدين بنجران، وهي بأوسط أرض العرب في ذلك الزمان، وأهلها وسائر العرب كلها أهل أوثان يعبدونها، وذلك أن رجلا من بقايا أهل ذلك الدين يقال له: فَيْمِيون، وقع بين أظهرهم، فحملهم عليه، فدانوا به. حديث فَيْمِيونقال ابن إسحاق: حدثني المغيرة بن أبي لبيد مولى الأخنس، عن وهب بن مُنَبِّه اليماني أنه حدثهم: أن موقع ذلك الدين بنجران كان أن رجلا من بقايا أهل ديِن عيسى ابن مريم يقال له فَيْمِيون، وكان رجلا صالحا مجتهدا زاهدا في الدنيا، مُجاب الدعوة، وكان سائحا ينزل بين القرى، لا يعرف بقرية إلا خرج منها إلى قرية لا يُعرف بها، وكان لا يأكل إلا من كسب يديه، وكان بنَّاء يعمل الطين، وكان يعظم الأحد، فإذا كان يوم الأحد لم يعمل فيه شيئا. وخرج إلى فلاة من الأرض يصلى بها حتى يمسي. قال: وكان في قرية من قرى الشام يعمل عمله ذلك مستخفيا، ففطن لشأنه رجل من أهلها يقال له: صالح، فأحبه صالح حُبّاً لم يحبه شيئاً كان قبله. فكان يتبعه حيث ذهب،ولا يفطن له فَيْميون، حتى خرج مرة في يوم الأحد إلى فلاة من الأرض - كما كان يصنع - وقد أتبعه صالح، وفَيْمِيون لا يدري ؛ فجلس صالح منه منظرَ العين مستخفيا منه، لا يحب أن يُعلم بمكانه، وقام فيميون يصلي فبينما هو يصلي إذ أقبل نحوه التنين – الحية ذات الرءوس السبعة – فلما رآها فَيْمِيون دعا عليها فماتت، ورآها صالح ولم يدر ما أصابها، فخافها عليه، فَعِيل عَوْلَه فصرخ: يا فَيْمِيون ! التنين قد أقبل نحوك، فلم يلتفت إليه، وأقبل على صلاته حتى فرغ منها، وأمسى، فانصرف، وعرف أنه قد عُرف، وعَرف صالح أنه قد رأى مكانه، فقال له: يا فَيْمِيون ! تعلَّم واللّه ما أحببت شيئاً قطُّ حبَّك وقد أردت صحبتك، والكينونة معك حيث كنت، فقال: ما شئتُ، أمري كما ترى، فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم، فلزمه صالح، وقد كاد أهل القرية يفطنون لشأنه، وكان إذا فاجأه العبد به الضرُّ دعا له فشفي، وإذا دُعى إلى أحد به ضر لم يأته، وكان لرجل من أهل القرية ابن ضرير، فسأل عن شأن فَيْمِيون، فقيل له: إنه لا يأتى أحداً دعاه، ولكنه رجل يعمل للناس البنيان بالأجْر، فعمد الرجل إلى ابنه ذلك، فوضعه في حجرته، وألقى عليه ثوباً ثم جاءه فقال له: يا فيميون، إنى قد أردت أن أعمل في بيتي عملا، فانطلق معي إليه حتى تنظر إليه فأشارطك عليه، فانطلق معه حتى دخل حجرته، ثم قال له: ما تريد أن تعمل في بيتك هذا ؟ قال: كذا وكذا، ثم انتشط الرجلُ الثوبَ عن الصبى، ثم قال له: يا فَيْمِيون، عبد من عباد اللّه أصابه ما ترى، فادعُ اللّه له ؟ فدعا له فَيْمِيون ؛ فقام الصبي ليس به بأس. وعَرف فيميون أنه قد عُرِف، فخرج من القرية، واتبعه صالح، فبينما هو يمشي في بعض الشام إذ مر بشجرة عظيمة، فناداه منها رجل، فقال: يا فَيْمِيون ! قال نعم. قال: ما زلت أنظرك، وأقول: متى هو جاء ؟ حتى سمعت صوتك، فعرفت أنك هو، لا تبرحْ حتى تقوم عليَّ فإني ميت الآن. قال: فمات، وقام عليه حتى واراه، ثم انصرف، وتبعه صالح، حتى وطئا بعض أرض العرب، فعدُوا عليهما، فاختطفتهما سَيَّارةٌ من بعض العرب، فخرجوا بهما، حتى باعوهما بنجران، وأهل نجران يومئذ على دين العرب، يعبدون نخلةً طويلة بين أظهرِهم لها عيد في كل سنة، إذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه، وحُلىَّ النساء، ثم خرجوا إليها، فعكفوا عليها يوماً. فابتاع فَيْمِيونَ رجلٌ من أشرافهم، وابتاع صالحاً آخرُ، فكان فيمِيون إذا قام من الليل - يتهجد في بيت له أسكنه إياه سيده - يصلي، استسرج له البيتُ نوراً حتى يصبح من غير مصباح، فرأى ذلك سيده، فأعجبه ما يرى منه، فسأله عن دينه فأخبره به، وقال له فيميون: إنما أنتم في باطل، إن هذه النخلة لا تضر ولا تنفع، ولو دعوت عليها إلهي الذي أعبده، لأهلكها وهو اللّه وحده لا شريك له، قال: فقال له سيده: فافعل، فإنك إن فعلت دخلنا في دينك، وتركنا ما نحن عليه. قال فقام فَيْمِيون، فتطهر وصلى ركعتين، ثم دعا اللّه عليها، فأرسل اللّه عليها ريحاً فَجَعَفَتْها من أصلها فألقتها، فاتَّبعه عند ذلك أهل نجران على دينه، فحملهم على الشريعة من دين عيسى ابن مريم عليه السلام، ثم دخلت عليهم الأحداث التي دخلت على أهل دينهم بكل أرض، فمن هنالك كانت النصرانية بنجران في أرض العرب. قال ابن إسحاق: فهذا حديث وهب بن مُنَبِّه عن أهل نجران. عبد اللّه بن الثامر والاسم الأعظمقال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي، وحدثني أيضاً بعض أهل نجران عن أهلها: أن أهل نجران كانوا أهل شرك يعبدون الأوثان، وكان في قرية من قراها قريباً من نجران - ونجران: القرية العظمى التي إليها جماع أهل تلك البلاد - ساحر يعلم غلمان أهل نجران السحر، فلما نزلها فَيْمِيون - ولم يسموه لى باسمه الذي سماه به وهب بن منبه، قالوا: رجل نزلها - ابتنى خيمة بين نجران، وبين تلك القرية التي بها الساحر، فجعل أهل نجران يرسلون غلمانهم إلى ذلك الساحر، يعلمهم السحر، فبعث إليه الثامرُ ابنَه عبدَ اللّه بن الثامر مع غلمان أهل نجران، فكان إذا مر بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى منه من صلاته وعبادته، فجعل يجلس إليه، ويسمع منه حتى أسلم، فوحَّد اللّه وعبده، وجعل يسأله عن شرائع الإسلام حتى إذا فقه فيه، جعل يسأله عن الاسم الأعظم - وكان يعْلمُه - فكتمه إياه وقال له: يا ابن أخي ! إنك لن تحملَه، أخشى عليك ضعفَك عنه. والثامر أبو عبد اللّه لا يظن إلا أن ابنَه يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمانُ، فلما رأى عبدُ اللّه أن صاحبَه قد ضَنَّ به عنه، وتخوَّف ضَعْفَه فيه، عمد إلى قِداح فجمعها، ثم لم يُبق للّه اسماً يعلمه إلا كتبه في قِدْح، لكلِّ اسم قِدْح، حتى إذا أحصاها أوقد لها ناراً، ثم جعل يقذفها فيها قِدْحاً قِدْحاً، حتى إذا مر بالاسم الأعظم قذف فيها بِقدْحه، فوثب القِدْح حتى خرج منها لم تضره شيئاً، فأخذه ثم أتى صاحبه، فأخبره بأنه قد علم الاسم الذي كتمه، فقال: وما هو ؟ قال: هو كذا وكذا، قال: وكيف علمته ؟ فأخبره بما صنع، قال: أي ابنَ أخي ! قد أصبته فأمسكْ على نفسِك، وما أظنُّ أن تفعلَ. عبد اللّه بن الثامر يدعو إلى التوحيدفجعل عبد اللّه بن الثامر إذا دخل نجران لم يلق أحداً به ضر إلا قال: يا عبد اللّه، أتوحِّدُ اللّه، وتدخل في ديني، وأدعو اللّه، فيعافيك مما أنت فيه من البلاء ؟ فيقول: نعم، فيوحد اللّه ويُسْلم، ويدعو له فيُشْفَى، حتى لم يبق بنجران أحد به ضُر إلا أتاه فاتَّبعه على أمره، ودعا له فعوفِيَ، حتى رفع شأنه إلى مَلك نجران، فدعاه فقال له: أفسدت عليَّ أهل قريتي، وخالفت ديني ودين آبائى، لأمثلنَّ بك. قال: لا تقدر على ذلك. قال: فجعل يُرسل به إلى الجبل الطويل، فيُطرَح على رأسه، فيقع إلى الأرض ليس به بأس، وجعل يبعث به إلى مياه بنجران، بحورٍ لا يقع فيها شئ إلا هلك، فيُلْقَى فيها، فيخرج ليس به بأس، فلما غلبه، قال له عبد اللّه بن الثامر: إنك واللّه لن تقدر على قتلي حتى توحد اللّه فتؤمن بما آمنتُ به، فإنك إن فعلت ذلك، سُلِّطْتَ عليَّ فقتلتنى، قال: فوحَّد اللّه تعالى ذلك الملك، وشهد شهادة عبد اللّه بن الثامر، ثم ضربه بعصا في يده، فشجه شجة غير كبيرة، فقتله ثم هلك الملك مكانه، واستجمع أهل نجران على دين عبد اللّه بن الثامر، وكان على ما جاء به عيسى ابن مريم من الإنجيل وحُكمه، ثم أصابهم مثل ما أصاب أهل دينهم من الأحداث، فمن هنالك كان أصل النصرانية بنجران - واللّه أعلم بذلك. قال ابن إسحاق: فهذا حديث محمد بن كعب القُرَظيّ، وبعض أهل نجران عن عبد اللّه بن الثامر - واللّه أعلم أي ذلك كان. ذو نواس يدعو أهل نجران إلى اليهوديةفسار إليهم ذو نواس بجنوده، فدعاهم إلى اليهودية، وخيرهم بين ذلك والقتل، فاختاروا القتل، فخدَّ لهم الأخدود، فحرق من حرق بالنار، وقتل من قتل بالسيف، ومثَّل بهم، حتى قتل منهم قريباً من عشرين ألفاً، ففي ذي نُواس وجنده تلك أنزل اللّه تعالى على رسوله سيدنا محمد - صلى اللّه عليه وسلم : {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ. النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ. إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ. وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ. وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللّه الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} . [البروج:٤-٨] تفسير الأخدودقال ابن هشام: الأخدود: الحَفْر المستطيل في الأرض، كالخندق والجدول ونحوه، وجمعه: أخاديد. قال ذو الرمة - واسمه: غَيْلان بن عُقبة، أحد بنى عَدِيِّ بن عبد مناف بن أد بن طابخة بن إلياس بن مُضرمن العراقِيَّةِ اللاتي يُحيلُ لها بين الفَلَاةِ وبينَ النخلِ أخدودُ يعنى: جدولا. وهذا البيت في قصيدة له. قال: ويقال لأثر السيف والسكين في الجلد، وأثر السوط ونحوه: أخدود، وجمعه أخاديد. نهاية عبد اللّه بن الثامر: قال ابن إسحاق: ويقال: كان فيمن قَتَلَ ذو نواس، عبدَ اللّه بن الثامر رأسهم وإمامهم. قال ابن إسحاق: حدثني عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عَمرو ابن حزم أنه حُدث: أن رجلا من أهلٍ نجران كان في زمان عمر بن الخطاب - رضي اللّه عنه - حفرَ خَرِبة من خَرِب نجران لبعض حاجته، فوجدوا عبدَ اللّه بن الثامر تحت دَفْنٍ منها قاعداً، واضعاً يده على ضربة في رأسه، مُمسكا عليها بيده، فإن أخِّرت يدَه عنها تنبعث دما، وإذا أرسلت يده ردَّها عليها، فأمسكت دمَها، وفي يده خاتم مكتوب فيه:" ربي اللّه " فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب يخبر بأمره فكتب إليهم عمرُ رضي اللّه عنه: أن أقروه على حاله وردوا عليه الدَّفْن الذي كان عليه، ففعلوا. فرار دوس ذي ثعلبان من ذي نواس واستنجاده بقيصرقال ابن إسحاق: وأفلت منهم رجل من سبأ. يقال له دَوْس ذو ثَعْلبان على فرس له، فسلك الرمل فأعجزهم، فمضى على وجهه ذلك، حتى أتى قيصر ملك الروم، فاستنصره على ذي نواس وجنوده، وأخبره بما بلغ منهم، فقال له: بعدت بلادك منا، ولكن سأكتب لك إلى ملك الحبشة فإنه على هذا الدين، وهو أقرب إلى بلادك، وكتب إليه يأمره بنصره والطلب بثأره. النجاشي ينصر دوسافقدم دوسٌ على النجاشي بكتاب قيصر، فبعث معه سبعين ألفا من الحبشة وأمَّر عليهم رجلا منهم يقال له: أرياط - ومعه في جنده أبرهة الأشرم - فركب أرياط البحر حتى نزل بساحل اليمن، ومعه دَوْس ذو ثَعْلبان. نهاية ذي نواسوسار إليه ذو نُواس في حِمْير، ومن أطاعه من قبائل اليمن، فلما التقوا انهزم ذو نواس وأصحابه، فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه، وجه فرسه في البحر، ثم ضربه، فدخل به فخاض به ضَحْضَاح البحر، حتى أفضى به إلى غَمْرِه، فأدخله فيه، وكان آخر العهد به. ودخل أرياط اليمن، فملكها. فقال رجل من أهل اليمن - وهو يذكر ما ساق إليهم دوس من أمر الحبشة:. " لا كَدَوْس ولا كأعلاقَ رَحْله " قول ذي جدن الحميري في هذه القصةوقال ذو جدن الحميري:
هونكِ ليس يردُّ الدمعَ ما فاتا لا تهلكي أسفاً في إثْر من ماتَا بينون وسلحين وغمدان: من حصون اليمن التي هدمها أرياط، ولم يكن في الناس مثلُها. وقال ذو جدن أيضاً:
دعينى-لا أبا لكِ -لن تطيقـــي لحاكِ اللّه ! قد أنزفْتِ ريقي قول ربيعة ابن الذئبة الثقفي في هذه القصةوقال عبد اللّه ابن الذئبة[i] الثقفي في ذلك قال ابن هشام: الذئبة أمه، واسمه: ربيعة ابن عَبْد ياليل بن سالم بن مالك بن حُطَيْط بن جُشَم بن قَسِىّ.
لَعَمْرك ما للفتى من مقــر مع الموت يلحقه والكِبَر قول عمرو بن معدى كرب الزبيدى في هذه القصةوقال عمرو بن مَعْدي كرب الزُّبيْدي في شيء كان بينه وبين قيس بن مكشوح المرَاديّ، فبلغه أنه يتوعده، فقال يذكر حِمْير وعزها، وما زال من ملكها عنها:
أتوعِدني كأنك ذو رعيــــــن - بأفضل عِيشةٍ -
أو
ذو نُوَاس نسب زيد ومرادقال ابن هشام: زُبَيْد بن سلمة بن مازن بن مُنَبِّه بن صعب بن سعد العشيرة بن مَذْحِج. ويقال: زُبيد بن منبِّه بن صعب بن سعد العشيرة، ويقال: زُبيد بن صعب بن سعد. ومراد: يُحابِر بن مُذْحج. لماذا قال عمرو بن معدي كرب هذا الشعرقال ابن هشام: وحدثنى أبو عبيدة قال: كتب عُمر بن الخطاب - رضي اللّه عنه - إلى سلْمان بن ربيعة الباهلى، وباهلة بن يعصر بن سعد بن قيس ابن عيلان. وهو بأرْمينية يأمره أن يفضل أصحاب الخيل العِراب على أصحاب الخيل المقارف في العطاء فعرض الخيل، فمر به فرس عمرو بن معدى كرب، فقال له سلمان: فرسك هذا مُقْرف، فغضب عمرو، وقال: هجين عرف هجيناً مثله، فوثب إليه قيس فتوعده، فقال عمرو هذه الأبيات. تصديق قول شق وسطيحقال ابن هشام: فهذا الذي عنى سطيح الكاهن بقوله: " ليهبطن أرْضَكُم الحبش، فليملُكُنَّ ما بين أبْيَن إلى جُرَش " والذي عنى شق الكاهن بقوله: " لينزلن أرضكم السودان، فليغلُبن على كل طَفلة البنان وليملُكن ما بين أبْيَن إلى نجران ". النزاع على اليمن بين أبرهة وأرياطقال ابن إسحاق: فأقام أرْيَاط بأرض اليمن سنين في سلطانه ذلك، ثم نازعه في أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشي، حتى تفرقت الحبشة عليهما، فانحاز إلى كل واحد منهما طائفة منهم، ثم سار أحدُهما إلى الاخر، فلما تقارب الناس أرسل أبرهةُ إلى أرياطَ: إنك لا تصنع بأن تلقى الحبشة بعضها ببعض، حتى تفنيها شيئاً، فابرز إليَّ، وأبرز إليك، فأينا أصاب صاحبَه انصرف إليه جندُه، فأرسل إليه أرياط: أنصفتَ ؛ فخرج إليه أبرهة - وكان رجلا قصيراً لحيما، وكان ذا دين النصرانية - وخرج إليه أرياط وكان رجلا جميلا عظيما طويلا، وفي يده حربة له وخلف أبرهة غلام له، يقال له: عَتْودَة، يمنع ظهره، فرفع أرياطُ الحربة، فضرب أبرهة يريد يأفوخه، فوقعت الحربة على جبهة أبرهة، فشرمت حاجبه وأنفه وعينه وشفته، فبذلك سُمى: أبرهة الأشرم، وحمل عَتْوَدة على أرياط من خلف أبرهة فقتله، وانصرف جندُ أرياط إلى أبرهة فاجتمعت عليه الحبشة باليمن، وَوَدَى أبرهةُ أرياطَ. غضب النجاشي على أبرهةفلما بلغ النجاشي غضب غضباً شديداً وقال: عدا على أميري فقتله بغير أمري، ثم حلف: لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده، ويجز ناصيته. فحلق أبرهة رأسَه وملأ جراباً من تراب اليمن، ثم بعث به إلى النجاشي، ثم كتب إليه: " أيها الملك، إنما كان أرْياطُ عبدَك، وأنا عبدُك، فاختلفنا في أمرِك، وكل طاعتُه لك، إلا أنى كنت أقوى على أمر الحبشة وأضبط لها، وأسوس منه، وقد حلقت رأسي كله حين بلغنى قسم الملك، وبعثت إليه بجراب تراب من أرض، ليضعه تحت قدميه، فيبرّ قسمَه فيَّ ". فلما انتهى ذلك إلى النجاشي رضي عنه، وكتب إليه: أن اثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمري، فأقام أبرهة باليمن. " القليس " أو كنيسة أبرهةثم إن أبرهة بنى القُلَّيْسَ بصنعاء، فبنى كنيسة لم يُر مثلُها في زمانها بشىء من الأرض، ثم كتب إلى النجاشي: أنى قد بنيت لك أيها الملك كنيسةً لم يُبْنَ مثلُها لملك كان قبلك، ولست بمنتهٍ حتى أصرفَ إليها حج العرب، فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي، غضب رجل من النَّسأة، أحد بني فُقَيْم بن عديّ بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خُزَيمة بن مُدْرِكة بن الياس بن مضر. النسأة: والنسأة: الذين كانوا ينسئون الشهور على العرب في الجاهلية، فيحلُّون الشهر من الأشهر الحرم، ويحرمون مكانَه الشهرَ من أشهرِ الحل، ليواطئوا عدةَ ما حرَّم اللّه. ويؤخرون ذلك الشهر، ففيه أنزل اللّه تبارك وتعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّه} [التوبة:٣٧] قال ابن هشام: ليوافقوا، والمواطأة: الموافقة، تقول العرب: واطأتُك على هذا الأمر، أي وافقتك عليه، والإيطاء في الشعر: الموافقة، وهو اتفاق القافيتين من لفظ واحد وجنس واحد، نحو قول العَجّاج - واسم العَجاج: عبد اللّه بن رُؤبة أحد بني سعد بن زيد مَناة بن تميم ابن مُر بن أدّ بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار -: في أثْعبان المَنْجَنون المرسَل ثم قال: مدّ الخليجِ في الخليجِ المرْسَل وهذان البيتان في أرجوزة له. أول من ابتدع النسيءقال ابن إسحاق: وكان أول من نسأ الشهور على العرب، فأحلت منها ما أحلّ، وحرمت منها ما حرم القَلمس، وهو حُذَيفة بن عبد بن فُقَيْم بن عدى بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خُزَيمة، ثم قام بعده على ذلك ابنه عباد ابن حذيفة، ثم قام بعد عباد: قَلَع بن عبَّاد، ثم قام بعد قَلَع: أمية بن قلع، ثم قام بعد أمية: عَوف بن أمية، ثم قام بعد عَوْف: أبو ثُمامة، جُنَادة بن. عَوْف، وكان آخرهم، وعليه قام الإسلام، وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه، فحرم. الأشهر الحرم الأربعة: رجبا، وذا القعدة، وذا الحجة، والمحرم. فإذا أراد أن يحل شيئاً أحلَّ المحرم فأحلوه وحرم مكانه صفر فحرَّموه ؛ ليواطئوا عدَّةَ الأربعة الأشهر الحُرُم. فإذا أرادوا الصَّدَر قام فيهم فقال: " اللّهم إني قد أجللت لك أحد الصَّفرَيْن، الصفر الأول، ونسأت الآخرَ للعام المقبل " فقال في ذلك عُمَيْر بن قَيْس، جِذْل الطَّعان، أحدُ بنى فراس بن غَنْم بن ثعلبة بن بالك بن كنانة، يفخر بالنَّسأة على العرب:
لقد علمتْ مَعَد أن قومـــي كرامُ الناسِ أنّ لهم كِرَامَا الكناني يحدث في القليسقال ابن إسحاق: فخرج الكنانيُّ حتى أتى القلَّيْس فقعد فيها - قال ابن هشام: يعني أحدث فيها - قال ابن إسحاق: ثم خرج فلحق بأرضه، فأخبر بذلك أبرهة فقال:. من صنع هذا ؟ فقيل له: صنع هذا رجل من العرب من أهل هذا البيت الذي تحج العربُ إليه بمكة لما سمع قولك: "أصرف إليها حج العرب " غضب فجاء، فقعد فيها، أي أنها ليست لذلك بأهْل. خروج أبرهة لهدم الكعبةفغضب عند ذلك أبرهة وحلف: ليسيرنَّ إلى البيت حتى يهدمَه، ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهَّزت، ثم سار وخرج معه بالفيل، وسمعت بذلك العرب فأعظموه وفَظِعوا به، ورأوا جهاده حقا عليهم، حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة، بيت اللّه الحرام. أشراف اليمن يدافعون عن البيتفخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له: ذو نَفْر، فدعا قومه، ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة، وجهاده عن بيت اللّه الحرام، وما يريد من هدمه وإخرابه، فأجابه إلى ذلك من أجابه، ثم عرض له فقاتله، فَهُزم ذو نَفْر وأصحابه، وأخذ له ذو نَفْر، فأتى به أسيراً، فلما أراد قتله، قال له ذو نَفْر: أيها الملك، لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائى معك خيراً لك من قتلى، فتركه من القتل، وحبسه عنده في وثاق، وكان أبرهة رجلا حليماً. خثعم تجاهد أبرهةثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له، حتى إذا كان بأرض خَثْعَم عَرَض له نُفَيْل بن حبيب الخَثْعمي في قَبيلَيْ خَثْعَم: شَهْران ونَاهِس، ومن تبعه من قبائل العرب، فقاتله فهزمه أبرهة، وأخذ له نُفَيْل أسيراً، فأتى به، فلما همَّ بقتله قال له نُفَيْل: أيها الملك، لا تقتلنى فإنى دليلك بأرض العرب، وهاتان يداي لك على قبيلى خَثْعم: شَهْران وناهس بالسمع والطاعة، فخلى سبيلَه. وخرج به معه يدلُّه، حتى إذا مرّ بالطائف خرج إليه مسعود بن مُعَتِّب ابن مالك بن كعب بن عَمرو بن. سعد بن عَوْف بن ثقيف في رجال ثقيف. نسب ثقيفواسم ثَقِيف: قَسِيُّ بنُ النَّبيت بن منبه بن منصور ابن يَقْدُم بن أفْصَى بن دُعْمىّ بن إياد بن نزار بن معدّ بن عدنان. قال أمية بن أبى الصَّلْت الثقفي:
قومى إياد لو أنهمْ أمَــم
أو:
لو أقاموا فتُهْزَل النَّعَمُ وقال أمية بن أبى الصَّلْت أيضاً:
فإمَّا تَسْألي عني
–
لُبَيْنَي وعن نسبي - أخَبِّرْك اليقينا قال ابن هشام: ثقيف: قَسِىُّ بن مُنبه بن بكر بن هَوازن بن منصور ابن عِكرمة بن خَصَفَة بن قَيْس بن عَيْلان بن مُضَر بن نزار بن معد بن عدنان، والبيتان الأوَّلان والآخران في قصيدتين لأمية. ثقيف تهادن أبرهة: قال ابن إسحاق، فقالوا له: أيها الملك، إنما نحن عبيدُك سامعون لك مطيعون، ليس عندنا لك خلاف، وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد - يعنون اللات - إنما نريد البيت الذي بمكة، ونحن نبعث معك من يدلك عليه، فتجاوز عنهم. اللاتواللات: بيت لهم بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة. قال ابن هشام: أنشدني أبو عبيدة النحوي لضرار بن الخطاب الفِهْرِي: وفَوَّت ثقيف إلى لاتِها بمُنْقَلَب الخائبِ الخاسِر وهذا البيت في أبيات له. أبو رغال ورجم قبرهقال ابن إسحاق: فبعثوا معه أبا رغال يدلُّه على الطريق إلى مكة فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المُغَمِّس، فلما أنزله به مات أبو رغال هناك، فرجمت قبرَه العربُ، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمِّس. الأسْود بن مقصود يهاجم مكة: فلما نزل أبرهة المغَمَّس، بعث رجلا من الحبشة يقال له: الأسْوَد بن مقصود على خيل له، حتى انتهى إلى مكة، فساق إليه أموالَ تِهامة من قريش وغيرهم وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها، فهمت قريش وكنانة وهُذَيل ومن كان بذلك الحرم بقتاله، ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به، فتركوا ذلك. رسول أبرهة إلى مكة: وبعث أبرهة حُناطة الحميريّ إلى مكة، وقال له: سَلْ عن سيد أهل هذا البلد وشريفها، ثم قل له: إن الملك يقول لك: إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تتعرضوا دونه بحرب، فلا حاجة لي بدمائكم، فإن هو لم يُرِدْ حربي فأتني به ؛ فلما دخل حُناطة مكة، سال عن سيد قريش وشريفها، فقيل له: عبد المطلب بن هاشم، فجاءه. فقال له ما أمره به أبرهة، فقال له عبد المطلب: واللّه ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت اللّه الحرام وبيت خليله إبراهيم – عليه السلام – أو كما قال – فإن يمنعه منه، فهو بيته وحرمه، وإن يخل بينه وبينه، فواللّه ما عندنا دَفْع عنه. فقال له حُناطة: فانطلق معي إليه، فإنه قد أمرني أن آتيه بك. أنيس يشفع لعبد المطلب: فانطلق معه عبد المطلب، ومعه بعض بنيه، حتى أتى العسكر، فسأل عن ذي نَفر، وكان له صديقا، حتى دخل عليه وهو في محبسه، فقال له: يا ذا نَفْر هل عندك من غَناء فيما نزل بنا؟ فقال له ذو نَفْر: وما غَناء رجل أسير بيدَيْ ملك ينتظر أن يقتله غُدوّاً أو عشياً ؟! ما عندنا غَناء في شيء مما نزل بك، إلا أن أنَيْسا سائس الفيل صديق لي، وسأرسل إليه فأوصيه بك، وأعْظم عليه حقك، وأسأله أن يستأذن لك على الملك، فتكلمه بما بدا لك، ويشبع لك عنده بخير إن قدر على ذلك. فقال: حسبي. فبعث ذو نَفْر إلى أنَيْس، فقال له: إن عبد المطلب سيد قريش، وصاحب عِير مكة، يطعم الناس بالسَّهل، والوحوش في رءوس الجبال، وقد أصاب له الملك مائتي بعير، فاستأذن عليه، وانفعه عنده بما استطعت، فقال: أفعل. فكلّم أنَيْس أبرهةَ، فقال له: أيها الملك: هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك، وهو صاحب عير مكة، وهو يُطعم الناس في السهل، والوحوش في رءوس الجبال، فأذنْ له عليك فيكلمْك في حاجته، قال: فأذن له أبرهة. الِإبل لي والبيت له رب يحميه: قال: وكان عبد المطلب أوسمَ الناسِ وأجملهم وأعظمهم فلما رآه أبرهة أجلَّه وأعظمه وأكرمه عن أن يجلسه تحتَه، وكره أن تراه الحبشةُ يجلس معه على سرير ملكه، فنزل أبرهةُ عن سريره، فجلس على بساطه، وأجلسه معه عليه إلى جنبه، ثم قال لترجمانه: قل له: حاجتك ؟ فقال له ذلك الترجمان. فقال: حاجتي أن يرد علىَّ الملك مائتى بعير أصابها لي، فلما قال به ذلك، قال أبرهةُ لترجمانه: قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتُك، ثم زهدتُ فيك حين كلمتني، أتكلمني في مائتي بعير أصبتُها لك، وتترك بيتاً هو دينُك ودينُ آبائك قد جئتُ لهدمه، لا تكلمني فيه ؟! قال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل وإن للبيت ربّاً سيمنعه، قال: ما كان ليمتنع مني، قال: أنت وذاك. الوفد المرافق لعبد المطلب: وكان - فيما يزعمُ بعضُ أهل العلم - قد ذهب مع عبد المطلب إلى أبرهة، حين بعث إليه حُناطة، يَعْمَر بنُ نُفاثة بن عدي بن الدُّئل بن بكر بن مناة بن كنانة - وهو يومئذ سيد بني بكر - وخُوَيلد بن واثلة الهذلي - وهو يومئذ سيد هذيل - فعرضوا على أبرهة ثلثَ أموالِ تهامة، على أن يرجع عنهم، ولا يهدم البيت، فأبى عليهم. واللّه أعلم أكان ذلك، أم لا. فردَّ أبرهةُ على عبد المطلب الِإبلَ التي أصاب له. قريش تستنصر اللّه على أبرهة: فلما انصرفوا عنه، انصرف عبد المطلب الى قريش، فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة، والتحرُّز في شَعَفِ الجبال والشِّعاب تخوفا عليهم من مَعَرَّة الجيش، ثم قام عبد المطلب، فأخذ بحلْقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون اللّه، ويستنصرونه على أبرهة وجندِه، فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة:
لاهُمَّ إن العبدَ يمنــــــــ ـعُ رحلَه فامنعْ حلالَكْ عكرمة بن عامر يدعو على الأسودقال ابنُ إسحاق: وقال عِكْرمة بنُ عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قُصَي:
لاهُمَّ أخزِ الأسوَدَ بنَ مقصودْ الآخذَ الهجْمةَ فيها التقليد قال ابن إسحاق. ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شَعَف الجبال فتحرَّزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها. أبرهة يهاجم الكعبة: فلما أصبح أبرهة تهيَّأ لدخول مكة، وهيأ فيلَه، وعبَّى جيشَه - وكان اسمُ الفيل محموداً - وأبرهة مُجْمِع لهدم البيت، ثم الانصراف إلى اليمن. فلما وجهوا الفيل إلى مكة، أقبل نُفَيل بن حبيب حتى قام إلى جنب الفيل ثم أخذه بأذنه، فقال: ابركْ محمود، أو ارجع راشداً من حيث جئت، فإنك في بلد اللّه الحرام، ثم أرسل أذنه. فبرك الفيل، وخرج نُفَيْل بن حبيب يشتد حتى أصْعَد في الجبل، وضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا في رأسه بالطَّبَرْزين ليقوم فأبى، فأدخلوا محاجَن لهم في مَرَاقِّه فبزغوه بها ليقوم فأبى، فوجهوه راجعاً إلى اليمن فقام يهرول، ووجهوه الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك. عقاب اللّه لأبرهة وجنده: فأرسل اللّه تعالى عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف والبَلَسان: مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره، وحجران في رجليه، أمثال الحمص والعَدَس لا تصيب منهم أحداً إلا هلك، - وليس كلهم أصابت - وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا، ويسالون عن نُفَيْل بن حَبيب، ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فقال نُفَيل حين رأى ما أنزل اللّه بهم من نقمته: أين المفرُّ والِإلهُ الطالبُ والأشرمُ المغلوبُ ليس الغالب قال ابن هشام: قوله: " ليس الغالب " عن غير ابن إسحاق. قال ابن إسحاق: وقال نفيل أيضاً:
ألا حُيِّيتِ عنا يا رُدَيْنَــا نعمناكم مع الِإصباحِ عينَا إذاً لعذرتِني وحمدْتِ أمري ولم تأسَيْ على ما فات بَيْنا
حَمِدْت اللّه إذ أبصرتُ طيراً وخِفْتُ حجارةً تُلْقَى علينا فخرجوا يتساقطون بكل طريق، ويهلِكون بكلِّ مَهْلِك على كل مَنْهل، وأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهمٍ يسقط أنْملة أنْملة: كلما سقطت أنْملة، آتبعتها منه مده تَمُثُّ قيحاً ودماً، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فَرْخ الطائر، فما مات حتى انصدع صدرهُ عن قلبه، فيما يزعُمون. قال ابن إسحاق: حدثني يعقوب بن عُتبة أنه حُدِّث: أن أولَ ما رُؤيت الحصبةُ والجُدَرِي بأرض العرب ذلك العام، وأنه أول ما رُؤي بها مرائر الشجر: الحرمل والحنظل والعُشَر ذلك العام. اللّه - جل جلاله - يذكر حادثة الفيل ويمتن على قريشقال ابن إسحاق: فلما بعث اللّه تعالى محمداً - صلى اللّه عليه وسلم - كان مما يَعُدُّ اللّه على قريش من نعمته عليهم وفضله، ما رد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم، فقال اللّه تبارك وتعالى: { أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ. أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ. تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ. فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ } [الفيل:١ـ٥] وقال: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ. إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:١ـ٤] أي لئلا يغير شيئاً من حالهم التي كانوا عليها، لما أراد اللّه بهم من الخير لو قبلوه. تفسير مفردات سورتي الفيل وقريشقال ابن، هشام: الأبابيل الجماعات، ولم تتكلم لها العرب بواحد علمناه وأما السِّجِّيل، فأخبرني يونس النحوي وأبو عُبَيْدة أنه عند العرب: الشديد الصلب، قال رُؤبة بن العَجَّاج: ومسَّهم ما مسَّ أصحابَ الفيلْ ترميهمُ حجارة من سِجِّيلْ ولعبتْ طير بهم أبابيل وهذه الأبيات في أرجوزة له. ذكر بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية، جعلتهما العرب كلمة واحدة، وإنما هو سَنْج وجِلّ يعني بالسنج: الحجر، وبالجل: الطين، يعنى الحجارة من هذين الجنسين: الحجر والطين. والعَصْف: ورق الزرع الذي لم يُقَصَّب، وواحدته عَصْفَة. قال: وأخبرنى أبو عُبَيدة النحوي أنه يقال له العُصافة والعَصيفة. وأنشدنى لعَلْقَمة بن عَبَدَة أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم: تَسقى مَذانبَ قد مالت عَصيفتُها حَدُورُها من أتِىِّ الماءِ مَطْمومُ وهذا البيت في قصيدة له. وقال الراجز: فَصُيِّروا مثلَ كعصْف مأكول قال ابن هشام: ولهذا البيت تفسير في النحو. وإيلاف قريش: إلفهم الخروج إلى الشام في تجارتهم، وكانت لهم خَرْجتان: خَرْجة في الشتاء، وخَرْجة في الصيف. أخبرنى أبو زيد الأنصاري: أن العرب تقول: ألفت الشىء إلْفا، وآلفته إيلافا، معنى واحد: وأنشدني لذي الرُّمَّة:
من المؤْلِفات الرملَ أدماءُ حُرَّة شُعاعُ الضُّحَى في لونِها يتوضَّحُ المُنْعَمين إذا النجومُ تغيَّرت والظاعنين لرحلةِ الإيلاف وهذا البيت في أبيات له، سأذكرها في موضعها إن شاء اللّه تعالى. والإيلاف أيضاً: أن يكون للإنسان ألف من الإبل ؛ أو البقر، أو الغنم، أو غير ذلك. يقال: آلف فلان إيلافا. قال الكُمَيْت بن زيد، أحد بنى أسد ابن خُزَيمة بن مُدْرِكة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ: بعامِ يقول له المؤْلِفو نَ هذا المُعيم لنا المُرْجلُ وهذا البيت في قصيدة له. والإيلاف أيضاً: أن يصير القوم ألفا، يقال: آلف القوم إيلافا. قال الكُمَيْت بن زيد: وآل مُزيْقياء غَدَاةَ لاقَوْا بني سَعْدِ بْنِ ضَبةَ مُؤْلفينا وهذا البيت في قصيدة له. والإيلاف أيضاً: أن تؤلف الشيء إلى الشيء فيألفه ويلزمه، يقال: الفته إياه إيلافا. والإيلاف أيضاً: أن تصيِّر ما دون الألف ألفاً، يقال: الفته إيلافا. مصير قائد الفيل وسائسه: قال ابنُ إسحاق: حدثني عبد اللّه ابن أبى بكر، عن عَمْرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زُرارة، عن عائشة - رضي اللّه عنها - قالت: " لقد رأيت قائد الفيل وسائسَه بمكة أعميين مُقعَدَيْن يستطعمان الناس ". ما قيل في قصة الفيل من الشعر قال ابن إسحاق: فلما رد اللّه الحبشة عن مكة، وأصابهم بما أصابهم به من النقمة، أعظمت العرب قريشا، وقالوا: هم أهل اللّه، قاتل اللّه عنهم وكفاهم مئونةَ عدوِّهم، فقالوا في ذلك أشعاراً يذكرون فيها ما صنع اللّه بالحبشةِ، وما ردَّ عن قريش من كيدِهم. شعر عبد اللّه بن الزِّبَعْرَى: فقال عبداللّه بن الزِّبَعْرَى بن عدي بن قيس بن عدى بن سعيد بن سهم بن عَمرو بن هُصَيْص بن كعب بن لُؤى بن غالب بن فِهْر:
تنكَّلوا عن بطنِ مكةَ إنهــــا كانت قديما لا يُرامُ حريمُها ........ بعد الإيابِ سقيمُها أبرهة، إذ حملوه معهم حين أصابه ما أصابه، حتى مات بصنعاء. شعر ابن الأسْلَت: وقال أبو قَيْس بن الأسْلَت الأنصاري ثم الْخَطميّ، واسمه: صَيْفي قال ابن هشام: أبو قيس: صَيْفيُّ بنُ الأسْلَت ابن جُشَم بن وائل بن زَيْد بن قيس بن عامر بن مُرة بن مالك بن الأوس:
ومن صُنْعِه يومَ فيل الحبُــو شِ إذ كلما بعثوه رَزَمْ قال ابن هشام: وهذه الأبيات في قصيدة له. والقصيدة أيضاً تروى لأمية بن أبى الصَّلْت. قال ابن إسحاق: وقال أبو قيس بن الأسلت: فقوموا فصلُّوا ربَّكم، وتمسَّحُوا بأركان هذا البيتِ بينَ الأخاشبِ فعندكمُ منه بلاء مُصَـــدَّق غَدَاةَ أَبى يَكْسُومَ هادى الكتائبِ كتيبتُه بالسهلِ تُمْسى وَرَجْلُه على القاذفاتِ في رءوس المناقبِ فلما أتاكم نصرُ ذي العرش ردَّهمْ جنودُ المليكِ بينَ سافٍ وحاصبِ فولَّوْا سراعا هاربين ولم يــؤبْ إلى أهْلِه مِلْحِبْش غيرُ عصائبِ قال ابن هشام: أنشدني أبو زيد الأنصاري قوله: على القاذفاتِ في رءوسِ المناقبِ وهذه الأبيات في قصيدة لأبى قيس، سأذكرها في موضعها إن شاء اللّه. وقوله: " غداةَ أبى يَكْسوم " يعني: أبرهة، كان يُكْنَى أبا يكسوم. شعر طالب بن أبي طالبقال ابن إسحاق: وقال طالب بن أبى طالب بن عبد المطلب: ألم تعلموا ما كان في حربِ داحس وجيش أبي يَكْسُومَ إذ مَلئوا الشِّعْبا فلولا دفاعُ اللّه لا شيءَ غيـــرُه لأصبحتمْ لا تَمنعون لكم سَرَبا قال ابن هشام. وهذان البيتان في قصيدة له في يوم بدر، سأذكرها في موضعها إن شاء اللّه تعالى. شعر أبي الصلت الثقفيقال ابن إسحاق: وقال أبو الصَّلْت ابن أبى ربيعة الثَّقفي في شأن الفيل، ويذكر الحنيفيَّة دينَ إبراهيم عليه السلام. قال ابن هشام: تروى لأمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة الثقفي:
إن آياتِ ربِّنا ثَاقبـــات لا يُمارِي فيهن إلا الكفورُ قال ابن هشام: وقال الفرزدق - واسمه همّام ابن غالب أحد بنى مُجَاشع بن دَارم بن مالك بن حَنْظلة بن مالك بن زيد مَناة بن تميم - يمدح سليمان بن عبد الملك بن مروان ويهجو الحجاجَ ابن يوسف، ويذكر الفيلَ وجيشه:
فلما طغى الحجاجُ حين طغى به غِنى قال: إني مُرْتق في السلالم شعر ابن قيس الرقياتقال ابن هشام : وقال عبدُ اللّه بن قَيْس الرقيَّات. أحدُ بني عامر بن لؤي بن غالب يذكر أبرهةَ - وهو الأشرم - والفيل :
كاده الأشرمُ الذي جاء بالفيـ ـل فولَّى وجيشُه مهزومُ ولدا أبرهةقال ابن إسحاق : فلما هلك أبرهة، ملك الحبشَةَ ابنُهُ يكسوم بنُ أبرهة، وبه كان يُكْنَى، فلما هلك يكسوم بن أبرهة، ملك اليمَن في الحبشة أخوه مسروقُ بن أبرهة. خروج سيف بن ذي يزن ومُلك وهرز على اليمنسيف يشكو لقيصر: فلما طال البلاءُ على أهل اليمن ، خرج سيفُ بن ذي يَزن الحميريُّ وكان يُكْنَى بأي مُرَّة، حتى قدم على قيصر ملك الروم ، فشكا إليه ما هم فيه ، وسأله أن يخرجهم عنه ، وَيليَهم هو، ويبعث إليهم من شاء من الروم ، فيكون له ملك اليمن ، فلم يُشْكِه. النعمان يتشفع لسيف عند كسرىفخرج حتى أتى النعمانَ بنَ المنذِر وهو عامل كسرى على الحِيرة، وما يليها من أرض العراق -فشكا إليه أمر الحبشة، فقال له النعمان : إن لي على كسرى وِفادةً في كلِّ عام ، فأقمْ حتى يكونَ ذلك ، ففعل ، ثم خرج معه فأدخله على كسرى، وكان كسرى يجلس في إيوان مجلِسه الذي فيه تاجُه ، وكان تاجه مثل الْقَنْقَل العظيم - فيما يزعمُون - يُضرَبُ فيه الياقوت واللؤلؤ والزبرجد بالذهب والفضة، معلقا بسلسلة من ذهب في رأس طاقة في مجلسه ذلك ، وكانت عنقُه لا تحمل تاجَه ، إنما يُستَر بالثياب حتى يجلس في مجلسه ذلك ، ثم يُدْخِل رأسَه في تاجِه ، فإذا استوى فيٍ مجلسه كُشفت عنه الثيابُ ، فلا يراه رجل لم يره قبلَ ذلك ، إلا برك هَيبة له ، فلما دخل عليه سيف بن ذي يزن برك. معاونة كسرى لسيفقال ابن هشام : حدثني أبو عُبيدة : أن سيفا لما دخل عليه طأطأ رأسه ، فقال الملك : إن هذا الأحمقُ يدخل عليَّ من هذا الباب الطويل ، ثم يطأطي رأسه ؟! فقيل ذلك لسيف ، فقال : إنما فعلت هذا لهمِّي ، لأنه يضيقُ عنه كلُّ شيء. قال ابن إسحاق : ثم قال له : أيها الملك ، غَلَبَتْنا على بلادِنا الأغربةُ. فقال له كسرى : أي الأغربة : الحبشة أم السند ؟ فقال : بل الحبشة، فجئتك لتنصرني ، ويكون مُلك بلادي لك ، قال : بَعُدَتْ بلادُك مع قلة خيرِها، فلم أكن لأورِّط جيشا من فارس بأرض العرب ، لا حاجة لي بذلك ، ثم أجازه بعشرة آلاف درهم واف ، وكساه كسوةً حسنة، فلما قبض ذلك منه سيف خرج ؛ فجعل ينثر ذلك الوَرِقَ للناس ، فبلغ ذلك الملك ، فقال : إن لهذا لشانا، ثم بعث إليه ، فقال : عمدت إلى حباء الملك ثَنثُره للناسِ ، فقال : وما أصنعُ بهذا ؟ ما جبالُ أرض التي جئتُ منها إلا ذهب وفضة - يرغِّبه فيها - فجمع كسرى مَرَازِبته، فقال لهم : ماذا تَرَوْن في أمر هذا الرجل ، وما جاء له ؟ فقال قائل : أيها الملك ، إن في سجونك رجالا قد حبستَهم للقتل ، فلو أنك بعثتهم معه ، فإن يَهْلِكوا كان ذلك الذي أردت بهم ، وإن ظفروا كان مُلكاً ازدَدْتُه ، فبعث معه كسرى من كان في سجونه ، وكانوا ثمانمائةَ رجلٍ. انتصار سيفواستعمل عليهم رجلا يقال له وَهْرِز، وكان ذا سِنّ فيهم ، وأفضلهم حسبا وبيتا، فخرجوا في ثمانِ سفائن ، فغرقت سفينتان ، ووصل إلى ساحل عدن ستُّ سفائن، فجمع سيف إلى وَهْرِز من استطاع من قومه ، وقال له : رِجْلى مع رِجْلك حتى نموت جميعاً، أو نظفر جميعاً. قال له وَهْرِز : أنصفتَ. وخرج إليه مسروق بن أبرهة ملك اليمن ، وجمع إليه جنده ، فأرسل إليهم وَهْرِز ابنا له ؟ ليقاتلهم ، فيختبر قتالهم ، فقُتل ابنُ وَهْرِز ؟ فزاده ذلك حنقاً عليهم ، فلما توافق الناس على مَصَافِّهم ، قال وَهْرِز : أروني ملكَهم ، فقالوا له : أترى رجلا على الفيل – عاقداً تاجَه على رأسه ، بين عينيه ياقوتة حمراء ؟ قال : نعم ، قالوا : ذاك مَلِكُهم ، فقال : اتركوه ، قال : فوقفوا طويلا، ثم قال : علامَ هو ؟ قالوا : قد تحول على الفرس ، قال : اتركوه. فوقفوا طويلا، ثم قال : علامَ هو ؟ قالوا : قد تحول على البغلة. قال وهرز: بنتُ الحمار؟! ذُلَّ وذُلَّ مُلْكُه ، إنى سأرميه ، فإن رأيتم اًصحابَه لم يتحركوا، فاثبتوا حتى أوذِنَكم ، فإني قد أخطأت الرجلَ ، وإن رأيتم القومَ قد استداروا ولاثوا به ، فقد أصبتُ الرجل ، فاحملوا عليهم. ثم وتر قوْسَه ، وكانت فيما يزعمون لا يُوترها غيرُه من شدتها، وأمر بحاجبيه ، فعُصبا له ، ثم رماه ، فصك الياقوتةَ التي بين عينيه ، فتغلغلت النُشَّابةُ في رأسه حتى خرجت من قفاه ، ونُكِس عن دابته ، واستدارت الحبشةُ ولاثتْ به ، وحملت عليهم الفرسُ ، وانهزموا، فقُتلوا وهَربوا في كل وجهٍ ، وأقبل وَهْرِز، ليدخل صنعاء، حتى إذا أتى بابها، قال : لا تدخل رايتي منكسة أبداً، اهدموا البابَ ، فهُدم ، ثم دخلها ناصبا رايته. شعر سيف بن ذي يزن في هذه القصة : فقال سيف بن ذي يزن الحميري :
يظنُّ الناسُ بالْمَلكيــــ ـنِ أنهما قدالتأما شعر أبي الصلت قال ابن إسحاق ، وقال أبو الصلْت بن أبي ربيعهَ الثقفىُّ : قال ابن هشام : وتُروى لأميَّة بْن أبي الصَّلْت. ،
ليطلب الوِتْر أمثالُ ابن ذي يزن رَيَّمَ في البحر للأعداء أحوالَا تلك المكارمُ لا قَعْبانَ من لبن فإنه للنابغة الجعدي. واسمه : حِبَّان بن عبد اللّه بن قَيْس، أحد بنى جَعْدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صَعْصَعة بن معاوية بن بَكر بن هوازن ، في قصيدة له. شعر عدي بن زيد قال ابن إسحاق : وقال عدي بن زيد الحيري ، وكان أحد بنى تميم. قال ابن هشام : ثم أحد بني امرئ القيس بن زَيد مناة بن تميم ، ويقال : عدَي من العباد من أهل الحيرة :
ما بعدَ صنعاءَ كان يَعْمُرها ولاةُ مُلك جَزْلٍ مواهبُها يوم ينادون آل بربر واليكسوم.. الخ. وهذا الذي عنى سَطيح بقوله : " يليه إرم ذى يزن ، يخرج عليهم من عدن ، فلا يترك أحداً منهم باليمن ". والذي عنى شق بقوله : " غلام ليس بِدَني ولا مُدَنْ ، يخرج عليهم من بيت ذي يَزَنْ ". ذكر ما انتهى إليه أمر الفُرس باليمن مدة مكث الحبشة باليمنقال ابن إسحاق : فأقام وَهْرِز والفرس باليمن ، فمن بقية ذلك الجيش من الفرس : الأبناء الذين باليمن اليوم. وكان مُلْك الحبشة باليمن ، فيما بين أن دخلها أرياط إلى أن قتلت الفرس مسروق بن أبرهة وأخرجت من الحبشة، اثنتين وسبعين سنة، توارث ذلك منهم أربعة : أرياط ، ثم أبرهة، ثم يكسوم بن أبرهة، ثم مسروق بن أبرهة. أمراء الفرس باليمنقال ابن هشام : ثم مات وَهْرِز، فأمَّر كسرى ابنه المرْزُبان بن وهرز على اليمن ، ثم مات المرْزُبان ، فأمّر كسرى ابنه التينُجان بن المرزبان على اليمن ، ثم مات التينُجان ، فأمر كسرى بن التينجان على اليمن ، ثم عزله وأمَّر باذان ، فلم يزل باذان عليها حتى بعث اللّه محمداً النبي - صلى اللّه عليه وسلم. محمد ( صلى اللّه عليه وسلم ) يتنبأ بموت كسرىفبلغني عن الزهري أنه قال كتب كسرى إلى باذان : أنه بلغنى أن رجلا من قُريش خرج بمكة، يزعُم أنه نبي فَسِرْ إليه فَاسْتَتِبْهُ ، فإن تاب ، وإلا فابعث إلىَّ برأسه ، فبعث باذان بكتاب كسرى إلي رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فكتب إليه رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم : "إن اللّه قد وعدنى أن يُقتل كسرى في يوم كذا من شهر كذا " فلما أتى باذانَ الكتابُ توقف لينظر، وقال : إن كان نبياً، فسيكون ما قال ، فقتلَ اللّه كسرى في اليوم الذي قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قال ابن هشام : قُتل على يدَيْ ابنه شَيْرَويه ، وقال خالد بن حِق الشيبانيُّ:
وكسرى إذ تَقَسَّمه بنــــوه بأسيافٍ كما اقتُسِم اللَّحامُ إسلام باذان : قال الزهري : فلما بلغ ذلك باذان بعث بإسلامه ، وإسلام من معه من الفُرس إلى رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فقالت الرسلُ من الفرس لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - إلى من نحن يا رسول اللّه ؟ قال : " أنتم منا وإلينا أهلَ البيت ". قال ابن هشام : فبلغني عن الزهريِّ أنه قال : فمن ثَمَّ قال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم : " سَلْمانُ منا أهل البيت ". قال ابن هشام : فهو الذي عنى سطيح بقوله : " نبيّ زكي ، يأتيه الوحي من قبل العليّ "، والذي عنى شق بقوله : بل ينقطع برسول مُرْسَل ، يأتي بالحق والعدل ، من أهل الدين والفضل ، يكون المُلك في قومه إلى يوم الفصْل . كتاب الحجر الذي في اليمن : قال ابن إسحاق : وكان في حَجَر باليمن - فيما يزعُمون - كتاب بالزَّبور كُتب في الزمان الأول : " لمن مُلك ذِمَار ؟ لِحمْير الأخيار، ولمن ملك ذِمار ؟ للحبشة الأشرار، لمن ملك ذِمار ؟ لفارس الأحرار، لمن ملك ذِمار ؟ لقريش التجار ". وذِمار : اليمن أو صنعاء. قال ابن هشام : ذَمار : بالفتح ، فيما أخبرني يونس. الأعشى يذكر نبوءة شق وسطيح : قال ابن إسحاق : وقال الأعشى - أعشى بني قيس بن ثعلبة في وقوع ما قال سطيح وصاحبه : ما نظرتْ ذاتُ أشفارٍ كنظرتها حقاً كما صدقَ الذئبيُّ إذ سجعا وكانت العرب تقول لسطيح : الذئبي ؟ لأنه سطيح بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له. قصة ملك الحضروحدثنى خلادُ بن قُرَّة بن خالد السَّدُوسى عن جَنَّاد، أو عن بعض علماء أهل الكوفة بالنسب : أنه يقال : إن النعمان بن المنذر من ولد سَاطِرون ملك الحَضْر. والحَضْر : حصن عظيم كالمدينة، كان على شاطئ الفرات ، وهو الذي ذكر عَدي بن زيد في قوله :
وأخو الحَضْر إذ بناه وإذ دِجْلة يُجْبَى إليه والخابورْ والذي ذكره أبو دواد الإياديُّ في قوله :
وأرى الموتَ قد تدلى من الحَضـ ـر على رب أهله السَّاطُرون ويقال : إنها لخلَف الأحمر، ويقال : لحماد الرَّاوية. سابور يستولي على الحضروكان كسرى سابور ذو الأكتاف غزا ساطِرون ملكَ الحَضْر، فحصره سنتين ، فأشرفت بنت ساطِرون يوما، فنظرت إلى سابور، وعليه ثياب ديباج ، وعلى رأسه تاج من ذهب مكلل بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ، وكان جميلا، فدست إليه ، أتتزوجني إن فتحت لك باب الحَضْر ؟ فقال : نعم. فلما أمسى ساطِرون شرب حتى سكر، وكان لا يبيت إلا سكران ، فأخذت مفاتيح باب الحَضْر من تحتِ رأسه ، فبعثت بها مع مولَى لها ففتح الباب ، فدخل سابور، فقتل ساطِرون ، واستباح الحَضْر وخرَّبه، و سار بها معه فتزوجها ؟ فبينا هي نائمة على فراشها ليلا إذا جعلت تتململ لا تنام ، فدعا لها بشمْع ، ففتش فراشَها، فوجد عليه ورقة آس ؛ فقال لها سابور : أهذا الذي أسهرَك ؟! قالت : نعم ، قال : فما كان أبوك يصنع بك ؟ قالت : كان يفرش لي الديباج ، ويلبسني الحريرَ، ويطعمني المخَّ ، ويسقيني الخمر، قال: أفكان جزاءُ أبيك ما صنعتِ به ؟! أنت إليَّ بذلك أسرعُ ، ثم أمر بها، فرُبطت قرون رأسها بذنَبِ فرس ، ثم ركض الفرس ، حتى قتلها، ففيه يقول أعشى بني قَيس بن ثَعْلبة : قول أعشى قيس في قصة الحضر :
ألم ترَ للحَضْر إذ أهلُـــــه بنُعْمَى،وهَل خالدٌ مَنْ نعمْ قول عدي بن زيد : وقال عدى بن زيد في ذلك :
والحَضْر صابت عليه داهيــة من فوقِه أيد مناكبها ذكر ولد نِزار بن معد قال ابن إسحاق : فولد نِزارُ بن معد ثلاثةَ نفر : مُضر بن نِزار، وربيعةَ بن نِزار، وأنمار بن نِزار. قال ابن هشام : وإياد بن نزار. قال الحارث بن دَوْس الإيادي ، ويروى لأبي دُواد الإيادي ، واسمه : جارية بن الحجاج :
وفُتُؤ حسن أوجُهُهــــم من إياد بن نِزار بن معد فأم مضر وإياد : سَوْدَة بنتُ عَكّ بن عدنان. وأم ربيعة وأنمار : شُقَيْقَة بنت عَك بن عدنان ، ويقال : جُمْعَة بنت عك بن عدنان. أولاد أنمار : قال ابن إسحاق : فأنمار أبو خَثْعَم وبجيلة، قال جرير بن عبداللّه البَجَلىّ وكان سيدَ بَجيلة، وهو الذي يقول له القائل :
لولا جرير هلكت بَجيله نعم الفتى، وبئست القبيلهْ !!
يا أقرعَ بن حابس يا أقرعُ إنك إن تَصْرعْ أخاك تُصرع ابْنَيْ نزارٍ انصُرا أخاكما إن أبى وجدْتُه أباكما لن يُغلبَ اليومَ أخ وَالاكُما وقد تيامنت ، فلحقت باليمن. قال ابن هشام : قالت اليمن : وبَجيلة : أنمار بن إراش بن لِحْيان بن عمرو بن الغَوْث بن نَبْت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ. ويقال : إراش بن عمرو بن لِحْيان بن الغوث. ودار بجيلة وخَثْعَم : يمانية. ولدا مضر : قال ابن إسحاق : فولد مضر بن نزار رجلين : إلياس ابن مُضَر، وعَيْلان بن مضر. قال ابن هشام : وأمهما جرهمية. أولاد إلياس : قال ابن إسحاق : فولد إلياس بن مضر ثلاثة نفر : مُدْرِكة بن إلياس ، وطابخة بن إلياس ، وقَمَعَة بن إلياس ، وأمهم : خِنْدف، امرأة من اليمن. قال ابن هشام : خِنْدف بنت عمران بن الحاف بن قضاعة. قال ابن إسحاق : وكان اسم مُدركة عامراً، واسم طابخة عَمْراً، وزعموا أنهما كانا في إبل لهما يرعيانها، فاقتنصا صيداً، فقعدا عليه يطبخانه ؟ وعَدَتْ عادية على إبلهما، فقال عامر لعمرو : أتدرك الإبل ، أم تطبخ هذا الصيد ؟ فقال عمرو : بل أطبخ ، فلحق عامر بالإبل فجاء بها، فلما راحا على أبيهما حدثاه بشأنهما، فقال لعامر : أنت مُدْرِكة، وقال لعمرو : وأنت طابخة. وأما قَمَعَة فيزعم نُساب مضر : أن خزاعة من ولد عَمرو بن لُحَيّ بن قَمَعة بن إلياس. حديث عمرو بن لحيّ وذكر أصنام العربعمرو بن لحيّ يجر قصبه في النار : قال ابن إسحاق : وحدثني عبداللّه بن أبي بكر بن محمد بن عَمرو بن حَزْم عن أبيه قال : حُدثتُ أن رسولَ اللّه - صلى اللّه عليه وسلم- قال : " رأيت عَمْرو بن لُحَى يجرُّ قصْبه في النار فسألته عمن بيني وبينه من الناس ، فقال : هلكوا ". قال ابن إسحاق. وحدثنى محمد بن إبراهيم الحارث التَيمِي أن أبا صالح السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة. قال ابن هشام : واسم أبي هريرة : عبداللّه بن عامر، ويقال اسمه : عبد الرحمن بن صخر - يقول : سمعتُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول لأكثم بن الجَوْن الخُزاعي : " يا أكثمُ ، رأيت عمرو بن لُحَيّ بن قَمَعة ابن خِنْدِف يجر قصبه في النار، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ، ولا بك منه. فقال أكثم : عسى أن يضرني شبهه يا رسولَ اللّه ؟ قال : لا، إنك مؤمنٌ وهو كافر، إنه كان أول من غيَّر دين إسماعيل ، فنصب الأوثان ، وبَحَر البحِيرة وسيبَ السائبة، ووصل الوَصِيلة، وحمى الحَامِى ". أصل عبادة الأصنام في أرض العربقال ابن هشام : حدثني بعض أهل العلم أن عَمرو بن لحَىّ خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره ، فلما قدم مآبَ من أرض البلقاء، وبها يومئذ العماليق - وهم ولد عِمْلاق. ويقال : عِمْليق بن لَاوذ بن سام بن نوح - رآهم يعبدون الأصنام ، فقال لهم : ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون ؟ قالوا له : هذه أصنام نعبدها فنستَمْطرها فتُمطرنا، ونستَنْصرها فتنصُرنا، فقال لهم : ألا تعطوننى منها صنما، فأسير به إلى أرض العرب ، فيعبدوه ؟ فأعطوه صنما يقال له : هُبَل ، فقدم به مكة، فنصبه ، وأمر الناس بعبادته وتعظيمه. سبب عبادة الأصنامقال ابن إسحاق : ويزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في بنى إسماعيل ، أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم ، حين ضاقت عليهم ، والتمسوا الفُسَح في البلاد، إلا حمل معه حجراً من حجارة الحرم تعظيما للحرم ، فحيثما نزلوا وضعوه ، فطافوا به كطوافهم بالكعبة، حتى سلخ ذلك بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة وأعجبهم ، حتى خلف الخُلوف ، ونسوا ما كانوا عليه ، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره ، فعبدوا الأوثان ، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات ، وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم يتمسكون بها : من تعظيم البيت ، والطواف به ، والحج والعمرة والوقوف على عرفة والمزدلفة، وهَدْي البُدْن ، والإهلال بالحَج والعمرة، مع إدخالهم فيه ما ليس منه. فكانت كنانةُ وقريش إذا أهلُّوا قالوا : "لَبَّيك اللّهمَّ لبيك ، لَبيك لا شريك لك ، إلا شريك هو لك ، تملكُه وما مَلَكَ ". فيوحدونه بالتلبية، ثم يُدخلون معه أصنامَهم ، ويجعلون مِلْكَها بيده. ي قول اللّه تبارك وتعالى لمحمد – صلى اللّه عليه وسلم - {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّه إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦] أي ما يوحدونَنى لمعرفة حقِّي إلا جعلوا معي شريكاً في خلقي. أصنام قوم نوح وقد كانت لقوم نوح أصنامٌ قد عَكفوا عليها، قَصَّ اللّه - تبارك وتعالى - خبَرها على رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فقال : {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا. وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} [نوح:٢٣،٢٤] القبائل العربية وأصنامها فكان الذين اتخذوا تلك الأصنام من ولد إسماعيل وغيرهم ، وسمَّوا بأسمائهم حين فارقوا دين إسماعيل : هُذَيْلَ بنَ مُدْركة بن إلياس بن مُضَر، اتخذوا سُواعاً فكان لهم بِرُهاط. وكلب بن وَبْرة من قضاعة اتخذوا وَدّاً بدومة الجندل. قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك الأنصاري : وننسى اللَّاتَ والعُـــــزَّى ونسلُبها القَلائد والشُّنوفا قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها - إن شاء اللّه. قال ابن هشام : وكَلب بنُ وَبزةَ بن تغلب بن حُلْوَان بن عِمران بن الحاف بن قضاعة. عباد يغوث قال ابن إسحاق : وأنعُم من طيِّى، وأهل جُرَش من مَذْحج اتخذوا يغوث بجُرش. قال ابن هشام. ويقال : أنْعَم. وطيّئ بن أدَد بن مالك ، ومالك : مَذْحج بن أدَد، ويقال طيِّىء بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ. عباد يعوق قال ابن إسحاق : وخَيْوان بطن همدان ، اتخذوا يعوق بأرض همدان من أرض اليمن. قال ابن هشام : وقال مالك بن نَمَط الهَمْداني.
يَريش اللّه في الدنيا ويَبْر ولا يبرِي يَعوقُ ولا يَرِيشُ
قال ابن هشام : اسم همدان : أوْسَلة بن مالك بن زيد بن ربيعة بن أوْسَلة بن الخِيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ. ويقال : أوسلة بن زيد بن أوسلة بن الخِيار. ويقال : همدان بن أوسلة بن ربيعة بن مالك بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ. عباد نسر قال ابن إسحاق : وذو الكُلَاعِ من حِمْير، اتخذوا نَسْراً بأرضِ حِمْير. عباد عميانس: وكانَ لخَوْلان صنم يقال له : عُمْيَانِس بأرض خَوْلان يقسمون له من أنعامهم وحروثهم قَسَماً بينه وبين اللّه بزعمهم ، فما دخل في حق عُمْيانس من حق اللّه تعالى الذي سموه له تركوه له ، وما دخل في حق اللّه تعالى من حق عُمْيانس ردوه عليه. وهم في من خَوْلان ، يقال لهم : الأديم ، وفيهم أنزل اللّه - تبارك وتعالى - فيما يذكرون : { وَجَعَلُوا للّه مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا للّه بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللّه وَمَا كَانَ للّه فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الأنعام:١٣٦] قال ابن هشام : خَوْلان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، ويقال : خَوْلان بن عَمرو بن مُرة بن أدَد بن زَيد بن مِهْسَع بن عَمرو بن عَرِيب بن زَيد بن كهلان بن سبأ، ويقال : خَوْلان بن عُمر بن سعد العشيرة بن مَذْحِج. عباد سعد قال ابن إسحاق : وكان لبني مِلْكَان - بن كنانة بن خُزَيمة بن مُدْرِكة بن الياس بن مُضر - صنم ، يقال له : سعد : صخرة بفَلاة من أرضهم طويلة، فأقبل رجل من بنى مِلكَان بإبل له مُؤَبلة ؛ ليقفها عليه ، التماسَ بركته – فيما يزعُم – فلما رأته الإبل وكانت مَرْعيَّة لا تُركب ، وكان يُهْراق عليه الدماء نفرت منه ، فذهبت في كل وجه ، وغضب ربُّها المِلْكاني ، فأخذ حجراً فرماه به ، ثم قال : لا بارك اللّه فيك ، نفَّرت عليَّ إبلى ، ثم خرج في طلبها حتى جمعها، فلما اجتمعت له قال :
أتينا إلى سعدٍ ، ليجمعَ شملَنــا فشتتنا سعد، فلا نحنُ من سعدِ وكان في دوس صنم لعمرو بن حُمَمة الدَّوْسى. قال ابن هشام : سأذكر حديثه في موضعه - إن شاء اللّه. ودَوْسُ بنُ عُدْثان بن عبد اللّه بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد اللّه بن مالك بن نصر بن الأسْد بن الغوث. ويقال : دوس ابن عبداللّه بن زهران بنِ الأسْد بن الغوْث. عباد هبل : قال ابن إسحاق : وكانت قريش قد اتخذت صنما على بئر في جوف الكعبة يقال له : هُبَل. قال ابن هشام : سأذكر حديثَه -إن شاء اللّه في موضعه. إساف ونائلة قال ابن إسحاق : واتخذوا إسافا ونائلة، على موضع زمزم ينحرون عندهما، وكان إساف ونائلة رجلا وامرأة من جرهم - هو : إساف بن بَغْي ونائلة بنت دِيك - فوقع إساف على نائلةَ في الكعبة : فمسخهما اللّه حجَرَيْن. حديث عائشة عن إساف ونائلةقال ابن إسحاق : حدثني عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عَمرو بن حَزْم. عن عَمْرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زُرإرة أنها قالت : سمعت عائشة - رضي اللّه عنها - تقول : ما زلنا نسمع أن إسافاً ونائلة كانا رجلا وامرأة من جُرْهم ، أحدثا في الكعبة : فمسخهما اللّه تعالى حجَريْن - واللّه أعلم. قال ابن إسحاق : وقال أبو طالب : وحيث يُنيخُ الأشْعرون رِكابَهم بِمُفْضَ السيولِ من إسافٍ ونائِل قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له ؛سأذكرها في موضعها – إن شاء اللّه تعالى. فعل العرب مع أصنامهم قال ابن إسحاق : واتخذ أهلُ كلِّ دار في دارهم صنما يعبدونه ، فإذا أراد الرجل منهم سفراً تمسَّح به حين يركب ، فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجه إلى سفره ، وإذا قدم من سفره تمسَّح به ، فكان ذلك أول ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله ، فلما بعث اللّه رسوله محمداً - صلى اللّه عليه وسلم - بالتوحيد، قالت قريش : {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:٥] الطواغيت : وكانت العرب قد اتخذت مع الكعبة طَواغيت ، وهي بيوتٌ تعظمها كتعظيم الكعبة، لها سَدَنَة وحُجَّاب ، وتُهْدى لها كما تُهْدى للكعبة، وتطوف بها كطوافها بها، وتنحر عندها، وهي تَعْرف فضل الكعبة عليها، لأنها كانت قد عَرَفت أنها بيت إبراهيم الخليل ومسجده. العُزَّى وسدنتها وحجابها : فكانت لقريش وبني كنانة : العُزَّى بنَخْلة، وكان سَدنَتَها وحُجابَها بنو شيبان من سُلَيْم ، حلفاء بني هاشم. قال ابن هشام : حلفاء بنى أبيِ طالب خاصة، وسُلَيْم : سُلَيْم بن منصور بن عكرمة بن خَصَفة بن قيْس بن عَيْلان. قال ابن إسحاق : فقال شاعر من العرب :
لقد أنْكِحَتْ أسماءُ رأسَ بُقَيْرةٍ من الأدْم أهداها امرؤ من بني غَنْم قال ابن هشام : وهذان البيتان لأبي خراش الهذليّ واسمه : خُوَيلد ابن مُرة في أبيات له. من هم السدنة : والسدنةُ : الذين يقومون بأمر الكعبة. قال رُؤبة ابن العجاج : فلا وربِّ الآمناتِ القطَّنِ يَعْمرن أمناً بالحرامِ المأمن بمحبسِ الهدْي وبيتِ المَسْدَنِ وهذان البيتان في أرجوزة له ، وسأذكر حديثها – إن شاء اللّه تعالى في موضعه. اللات وسدنتهاقال ابن إسحاق : وكانت اللاتُ لثقيف بالطائف ، وكان سَدنتَها وحجابها بنو مُعَتِّب من ثقيف. قال ابن هشام : وسأذكر حديثها – إن شاء اللّه تعالى في موضعه. مناة وسدنتهاقال ابن إسحاق : وكانت مُناة للأوْس والخزرج ، ومن دان بدينهم من أهل يثرب ، على ساحل البحر من ناحية المُشَلَّلِ بقُدَيْد. قال ابن هشام : وقال الكُمَيْت بن زيد أحد بني أسد بن مدركة :
وقد آلتْ قبائلُ لا تُولِّي مناةَ ظهورَها مُتَحرِّفينا هدم مناة : قال ابن هشام : فبعث رسولُ اللّه -صلى اللّه عليه وسلم - إليها أبا سفيان بن حرب فهدمها، ويقال : علي بن أبى طالب. ذو الخلَصة وعبَّاده وهدمهقال ابن إسحاق : وكان ذو الْخَلَصة لدَوْس وخَثْعم وبَجِيلة، ومن كان ببلادهم من العرب بتَبَالة. قال ابن هشام : ويقال : ذو الخُلُصة. قال رجل من العرب : لو كنتَ يا ذا الخُلص الموتورا مثلى وكان شيخُك المقبورا لم تنهَ عن قتلِ العُداة زورَا قال : وكان أبوه قُتل ، فأراد الطلب بثأره ، فأتى ذا الخلَصة، فاستقسم عنده بالأزلام. فخرج السهم بنهيه عن ذلك ، فقال هذه الأبيات. ومن الناس من ينحلها امرأ القيس بن حُجْر الكِنْدي ، فبعث إليه رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - جريَر بنَ عبد اللّه البجْلى، فهدمه. فلس وعباده وهدمهقال ابن إسحاق : وكانت فِلْس لطيّى ومن يليها بجبلىْ طيى، يعنى سَلْمى وأجأ. قال ابن هشام : فحدثنى بعضُ أهل العلم أن رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - بعث إليها عليُّ بن أبى طالب فهدمها، فوجد فيها سيفيْن ، يقال لأحدهما : الرَّسُوب ، وللآخر : المِخْذَم. فأتى بهما رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم- فوهبهما له ، فهما سيفا علي رضى اللّه عنه. رئامقال ابن إسحاق : وكان لحميَر وأهل اليمن بيت بصنعاء يقال له : رِئام. قال ابن هشام : قد ذكرت حديثه فيما مضى. رُضاء وعباده وهدمه : قال ابن إسحاق : وكانت رُضَاء بيتاً لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. ولها يقول المُسْتَوْغِر بن ربيعة بن كعب بن سعد حين هدمها في الإسلام : ولقد شَدَدْتُ على رُضَاءٍ شَدَّةً فتركتُها قفراً بقاعٍ أسْحَما قال ابن هشام : قوله : فتركتُها قفراً بقاعٍ أسْحَمَا عن رجل من بني سعد. عُمْر المستوغر : ويقال : إن المستوغر عُمِّر ثلاثمائة سنة وثلاثين سنة، وكان أطولَ مُضَر كلها عمراً، وهو الذي يقول :
ولقد سئمتُ من الحياةِ وطولها وعَمَرْتُ من عددِ السنين مئينا ذو الكعبات وعُبَّادهقال ابن إسحاق : وكان ذو الكَعَبات لبكر وتغلب ابني وائل وإياد بِسِنْدَاد، وله يقول أعشى بنى قيس بن ثَعلبة : بينَ الخَوَرْنق والسَّديرِ وبارقٍ والبيتِ ذي الكَعَبات من سَنْداد قال ابن هشام : وهذا البيت للأسود بن يَعْفر النهْشَلىّ : نهشل بن دارم بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم ، في قصيدة له ، وأنشدنيه أبو مُحْرز خلف الأحمر : أهل الخَوَرْنَقِ والسَّديرِ وبارقٍ والبيتِ ذي الشُّرفات من سِنْدادِ البَحيرة والسائبة والوصيلة والحَامِيرأي ابن إسحاق فيها : قال ابن إسحاق : فأما البَحيرة فهي : بنت السائبة، والسائبة : الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر، سُيبت فلم يُركب ظهرُها، ولم يُجزّ وبرُها، ولم يُشرب لبنُها إلا ضيف ، فما نتجت بعد ذلك من أنثى شُقَّت أذنُها، ثم خُلِّى سبيلُها مع أمها، فلم يُركب ظهرُها، ولم يُجز وبرُها، ولم يُشرب لبنُها إلا ضيف ، كما فُعل بأمِّها، فهي البَحيرةُ بنت السائبة، والوَصِيلة : الشاة إذا أتأمَتْ عشرَ إناثٍ متتابعات في خمسة أبطن ، ليس بينهن ذكرٌ ، جُعلت وصيلة. قالوا : قد وَصَلتْ ، فكان ما وَلَدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم ، إلا أن يموت منها شىء، فيشتركوا في أكله ، ذكورُهم وإناثُهم. قال ابن هشام : ويروى : فكان ما ولدت بعد ذلك لذكور بنيهم دون بناتهم. قال ابن إسحاق : والحامي : الفحل إذا نُتج له عشرُ إناث متتابعات ليس بينهنَّ ذكر، حُمِىَ ظهره فلم يُركب ، ولم يُجز وبره ، وخُلِّي في إبله يضرب فيها، لا ينتفع منه بغير ذلك. ابن هشام يخالف ابن إسحاق : قال ابن هشام : وهذا عند العرب على غير هذا إلا الحامي ، فإنه عندهم على ما قال ابن إسحاق. فالبَحيرة عندهم : الناقة تُشق أذنُها فلا يُركب ظهرُها، ولا يُجز وبرُها، ولا يَشربُ لبَنَها إلا ضيف ، أو يُتصدق به ، وتهمل لآلهتهم. والسائبة : التي ينذر الرجل أن يُسيبَها إن برئ من مرضه أو إن أصاب أمراً يطلبه. فإذا كان أساب ناقة من إبله ، أو جملا لبسعض آلهتهم ، فسابت فرعتْ لا يُنتفع بها. والوصيلةُ : التي تلد أمُّها اثنين في كل بطن ، فيجعل صاحبهما لآلهته الإناث منها، ولنفسه الذكورَ : فتلدُها أُمُّها ومعها ذكرٌ في بطن، فيقولون : وصلت أخاها، فُيسيَّب أخوها معها، فلا يُنتفع به. قال ابن هشام : حدثني به يونس بن حبيب النحوي وغيره. وروى بعض ما لم يرو بعض. قال ابن إسحاق : فلما بعث اللّه تبارك وتعالى رسولَه محمداً - صلى اللّه عليه وسلم - أنزل عليه : {مَا جَعَلَ اللّه مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللّه الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة:١٠٣] وأنزل اللّه تعالى : {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } [الأنعام:١٣٩]. وأنزل اللّه تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللّه لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ أَاللّه أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّه تَفْتَرُونَ} [يونس:٥٩] وأنزل عليه : } ثمانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ* وَمِنْ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمْ اللّه بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللّه كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّه لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:١٤٤] البحيرة والوصيلة والحامي لغة قال ابن هشام : قال الشاعر :
حُولُ الوصائِل في شُرَيفٍ حِقَّة والحامياتُ ظهورَها والسيبُ فيه من الأخرج المِرْباع قَرقَرة هَدْرَ الدِّيافيِّ وسط الهَجْمة البُحُر وهذا البيت في قصيدة له. وجمع بحيرة : بحائر وبُحر. وجمع وصيلة : وصائل ووُصل. وجمع سائبة الأكثر : سوائب وسُيَّب ، وجمع حام الأكثر : حوَّم. عود إلى النسبنسب خزاعةقال ابن إسحاق : وخُزاعة تقول : نحن بنو عَمرو ابن عامر من اليمن. قال ابن هشام : وتقول خزاعة : نحن بنو عمرو بن ربيعة بن حارثة ابن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسْد بن الغَوْث ، وخِنْدف أمنا، فيما حدثني أبو عبَيْدة وغيره من أهل العلم. ويقال : خزاعة : بنو حارثة بن عمرو بن عامر. وإنّما سُميت خزاعة، لأنهم تخزَّعوا من ولد عمرو بن عامر حين أقبلوا من اليمن يريدون الشام ، فنزلوا بمرِّ الظهْران ، فأقاموِا بها. قال عَوْف بن أيوب الأنصاري أحد بنى عمرو بن سَواد بن غنْم بن كعب بن سلمة من الخزرج في الإسلام :
فلما هبطنا بطنَ مَرٍّ تخزَّعت خُزاعةُ منا في خيول َكراكِرِ وقال أبو المطهّر إسماعيلُ بنُ رافع الأنصاري ، أحد بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عَمرو بن مالك بن الأوس :
فلما هبطنا بطنَ مكةَ أحمدَتْ خُزاعةُ دار الآكل المتحاملِ قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له - وأنا إن شاء اللّه أذكر نفيها جرهما في موضعه. أولاد مدركة وخزيمةقال ابن إسحاق : فولد مُدرِكة بن إلياس رجلين : خُزيمة بن مُدركة، وهُذَيل بن مُدركة، وأمهما : امرأة من قُضاعة. فولد خُزَيمة بن مدركة أربعة نفر : كِنانة بن خُزَيمة، وأسد بن خُزَيمة، وأسَدَة بن خُزَيمة، والْهُون بن خُزيمة. فأم كنانة عُوانة بنت سعد ابن قيس عَيْلان بن مضر. قال ابن هشام : ويقال : الْهَوْن بن خزيمة. أولاد كنانة وأمهاتهم : قال ابن إسحاق : فولد كنانة بن خُزيمة أربعة نفر : النضر بن كنانة، ومالك بن كنانة، وعبد مناة بن كِنانة، ومِلْكان بن كنانة. فأم النضر : بَرَّة بنت مُر بن أدّ بن طابخة بن إلياس ابن مضر، وسائر بنيه لامرأة أخرى. قال ابن هشام : أم النضر ومالك ومِلْكان : بَرَّة بنت مر، وأم عبد مناة : هالة بنت سُوَيد بن الغِطْريف من أزد شَنوءة. وشَنوءَة : عبد اللّه بن كعب بن عبد اللّه بن مالك بن نضر بن الأسْد بن الغوْث : وإنما سُموا شنوءة، لشنآن كان بينهم. والشنآن : البغض. من يطلق عليه لقب قرشيقال ابن هشام : النضر : قريش، فمن كان من ولده فهو قرشى، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي ؛ قال جرير بن عطية أحد بنى كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زَيد مناة ابن تميم يمدح هشام بن عبد الملك بن مروان : فما الأمُّ التي ولدتْ قريشاً بمُقْرِفة النَّجارِ ولا عقيم وما قَرْم بأنجبِ من أبيكم وما خال بأكرم من تميم يعنى بَرَّةَ بنتَ مُر، أخت تميم بن مر، أم النضر. وهذَان البيتان في قصيدة له. لماذا سمُيت قريش باسمهاويقال فِهر بن مالك : قريش، فمن كان من ولده فهو قرشي ، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي ، وإنما سُميت قريش قريشاً من التقرش. والتقرش : التجارة والإكتساب. قال رُؤبة بن العجَّاج : قد كان يغنيهم عن الشغُّوشِ والخَشْلِ من تساقُطِ القروش شَحمٌ ومحض ليس بالمغشوشِ قال ابن هشام : والشُّغوش ، قمح يسمى : الشَّغوش. والخشل : رءوس الخلاخيل والأسورة ونحوه. والقروش : التجارة والإكتساب ، يقول : قد كان يغنيهم عن هذا شحم ومحض ، والمحض : اللبن الحليب الخالص. وهذه الأبيات في أرجوزة له. وقال أبو جِلْدة اليشكرىُّ، ويشْكُر : بن بكر بن وائل : إخوة قرشوا الذنوبَ عَلينَا في حديثٍ من عُمرِنا وقديم وهذا البيت في أبيات له. قال ابن إسحاق : ويقال : إنما سُميت قريش قريشاً : لتجمعها من بعد تفرقها. ويقال للتجمع : التقرش. أولاد النضر وأمهاتهم : فولد النضرُ بن كنانة رجلين : مالكَ بنَ النضر، ويَخْلد بن النضر، فأم مالك : عاتكة بنت عَدْوان بن عمرو بن قيس بن عَيْلان ، ولا أدرى أهى أم يَخْلُد أم لا. قال ابن هشام : والصَّلْت بن النضر - فيما قال أبو عمرو المدني - وأمهم جميعا : بنت سعد بن ظَرِب العَدْواني ، وعَدْوان : بن عمر بن قيس بن عيلان. قال كُثَيِّر بن عبد الرحمن - وهو كُثَيِّر عزة أحد بني مُلَيح بن عَمرو، من خزاعة :
أليس أبى بالصَّلْت أمْ ليس إخوتي لكلِّ هِجانٍ من بني النضرأزهرَا
فإن لم تكونوا من بني النضر، فاتركوا أراكاً بأذنابِ الفوائج أخضرَا قال : وهذه الأبيات في قصيدة له. والذين يُعْزَوْنَ إلى الصلْتِ بن النضر من خزاعة : بنو مُلَيْح بن عَمرو رهط كُثَيِّر عزة. أولاد مالك وفهر وأمهاتهمقال ابن إسحاق : فولد مالكُ بن النضر : فِهْر بن مالك. وأمه : جَنْدلة بنتُ الحارث بن مُضاض الجرهمي. قال ابن هشام : وليس بابن مُضاض الأكبر. قال ابن إسحاق : فولدَ فهر بن مالك أربعة نفر : غالبَ بن فهر،.ومُحاربَ بن فهر، والحارث بن فهر، وأسَد بن فهر، وأمُّهم : ليلى بنت سعد بن هُذَيل بن مدركة. قال ابن هشام : وجَنْدلة بنت فهر، وهي أم يَرْبوع بن حنظلة بن مالك بن زَيد مناة بن تميم. وأمها: ليلى بنت سعد. قال جَرِير بن عطية ابن الخطفَى. واسم الخَطَفى : حذيفة بن بدر بن سَلَمَه بن عوف بن كُلَيْب بن يربوع بن حنظلة. :
وإذا غَضبتُ رمَى ورائي بالحَصَى اًبناءُ جَنْدلةٍ كخيرِ الجندَلِ أولاد غالب وأمهاتهمقال ابن إسحاق : فولد غالبُ بنُ فِهر رجلين : لؤيَّ بن غالب وتيْمَ بنَ غالب ، وأمهما : سَلْمى بنت عمرو الخزاعى - وتيْم بن غالب الذين يقال لهم : بنو الأدْرَم. قال ابن هشام : وقَيْس بن غالب ، وأمه : سَلْمى بنت كعب بن عَمرو الخُزاعي ، وهى أم لُؤَيّ وتَيْم ابنيْ غالب. أولاد لؤيّ وأمهاتهمقال ابن إسحاق : فولد لُؤيُّ بنُ غالب أربعة نفر : كعبَ بنَ لؤيّ ، وعامر بنَ لؤيّ ، وسامةَ بنَ لؤىّ، وعوف بن لؤيّ ، فأم كعب وعامر وسامة : مَاوية بنتُ كَعْب بن القَيْن بن جَسْر، من قُضاعة. قال ابن هشام : ويقال : والحارث بن لُؤيّ ، وهم : جُشم بن الحارث ، في هِزَّان من ربيعة. قال جرير :
بني جُشَمٍ لستم لِهزَّان ، فانتَمَوْا لأعلى الروابي من لُؤيِّ بنِ غالب وسعد بن لُؤيّ ، وهم بُنانة : في شَيْبان بن ثعلبة بن عُكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ، من ربيعة. وبنانة : حاضنة لهم من بنى القَيْن بن جَسر بن شَيْع اللّه ، ويقال : سَيْع اللّه ، ابن الأسْد بن وَبَرة بن ثعلبة بن حُلْوان بن عِمران بن الحاف بن قضاعة. ويقال : بنت النَّمِر بن قاسط ، من ربيعة. ويقال : بنت جَرْم بن رَبَّان بن حُلْوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. وخزيمة بن لؤيّ بن غالب ، وهم عائذة في شَيْبان بن ثعلبة، وعائذة امرأة من اليمن وهي أم بني عبيدة بن خُزيمة بن لؤي. وأم بني لؤيّ كلهم - إلا عامر بن لؤيّ : ماوَيَّة بنت كعب بن القَيْن ابن جَسْر. وأم عامر بن لؤيّ : مخْشِيَّة بنت شَيْبان بن محارب بن فِهْر، ويقال : ليلى بنت شيبان بن محارب بن فهر. أمر سامة بن لؤيّ هروبه من أخيه وموتهقال ابن إسحاق : فأما سامة بن لؤيّ فخرج إلى عُمَان ، وكان بها. ويزعُمون أن عامر بن لؤي أخرجه ، وذلك أنه كان بينهما شىء، ففقأ سامةُ عينَ عامر، فأخافه عامرٌ ، فخرج إلى عُمَان. فيزعُمون أن سامَة بن لؤىّ بينا هو يسير على ناقته ، إذ وضعت رأسها ترتع ، فأخذت حية بمشفرِها، فهصرتها حتى وقعت الناقة لشقِّها ثم نهشت سامةَ فقتلته. فقال سامة حين أحس بالموت فيما يزعُمون :
عين فابكي لسامةَ بنِ لؤىّ عَلِقت ساقَ سامةِ العلَّاقهْ قال ابن هشام : وبلغني أن بعضَ ولده أتى رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فانتسب إلى سامة بن لؤيّ ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : الشاعر ؟ فقال له بعض أصحابه : كأنك يا رسول اللّه أردت قوله : رُبَّ كأسٍ هَرَقْتَ يا ابن لؤىّ حَذَرَ الموتِ لم تكن مُهْراقهْ قال : أجل. أمر عوف بن لُؤَيّ ونقلته سبب انتمائه إلى غطفانقال ابن إسحاق : وأما عوف بن لؤيّ فإنه خرج - فيما يزعمون - في ركب من قريش، حتى إذا كان بأرض غَطفان بن سعد بن قيس بن عَيْلان ،أبْطىء به فانطلق من كان معه من قومه ، فأتاه ثعلبةُ بن سَعْد، وهو أخوه في نسب بني ذُبيان - ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بَغيض بن رَيْث بن غطفان. وعوف بن سعد بن ذُبيان ابن بغيض بن رَيْث بن غطفان - فحبسه وزوجه والتاطه وآخاه ، فشاع نسبه في بني ذُبيان. وثعلبة - فيما يزعمون - الذي يقول لعوف حين أبْطىء به ، فتركه قومه : احبس علي ابنَ لؤيّ جملَك تركك القومُ ولا مترَكَ لك مكانة مرة قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، أو محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن حُصَين ، أن عمر بن الخطاب قال : لو كنت مُدَّعِياً حيّاً من العرب ، أو مُلْحقهم بنا، لادعيتُ بني مُرة بن عوف ، إنا لنعرف فيهم الأشباه مع ما نعرف من موقع ذلك الرجل حيث وقع ، يعنى : عوف بن لؤي. نسب مُرةقال ابن إسحاق : فهو في نسب غطفان : مُرة بن عوف بن سعد بن ذُبيان بن بَغيض بن رَيْث بن غَطَفان وهم يقولون إذا ذُكر لهم هذا النسب : ما ننكره ، وما نجحده ، وإنه لأحبُّ النسب إلينا. وقال الحارث بن ظالم بن جَذِيمة بن يَرْبوع - قال ابن هشام : أحد بني مُرة بن عَوْف - حين هرب من النعمان بن المنذر، فلحق بقريش :
فما قومي بثعلبةَ بنِ سعـــدٍ ولا بفَزارة الشُّعْر الرِّقَابَا قال ابن هشام ، هذا ما أنشدنى أبو عُبَيدة منها. قال ابن إسحاق : فقال الحصين بن الحُمام المُرِّيّ ، ثم أحد بني سهم ابن مُرة يرد على الحارث بن ظالم ، وينتمي إلى غطفان :
ألا لستمُ منا، ولسنا إليكـــــــمُ بَرئْنا إليكم من لؤىِّ بنِ غالبِ يعني : قريشا، ثم ندم الحُصَيْن على ما قال ، وعرف ما قال الحارث ابن ظالم ، فانتمى إلى قريش ، وأكذب نفسه ، فقال :
نَدِمْتُ على قولٍ مضى كنت قلتُه تبيَّنتُ فيه أنه قول كاذب قال ابن إسحاق : وحدثنى من لا أتهم أن عمرَ بنَ الخطاب رضى اللّه عنه قال لرجال من بني مُرة : إن شئتم أن ترجعوا إلى نسبكم ، فارجعوا إليه. أشراف مرةقال ابن إسحاق : وكان القوم أشرافاً في غطفَان ، هم سادتهم وقادتُهم. منهم : هَرِم بن سنان بن أبي حارثة، وخارجة بن سنان بن أبي حارثة، والحارث بن عَوْف والحُصَيْن بن الحُمام ، وهاشم ابن حرملة الذي يقول له القائل : أحيا أباء هاشمُ بنُ حرملهْ يوم الهباءات ويوم اليَعْمَلهْ ترى الملوكَ عندَه مغربلهْ يقتل ذا الذنب ، ومن لا ذنبَ لهْ قال ابن هشام : أنشدني أبو عُبَيدة هذه الأبيات لعامر الخَصَفِيِّ : خَصَفَة بن قيس بن عَيْلان : أحيا أباه هاشمُ بنُ حرملهْ يومَ الهباءات ويومَ اليَعْملهْ ترى الملوكَ عندَه مُغربلهْ يقتلُ ذا الذنبِ ، ومن لا ذنب لهْ !! ورمحُه للوالداتِ مُشْكِلَهْ قال ابن هشام : وحدثني أن هاشما قال لعامر : قُلْ فيَّ بيتا جيداً أثبْك عليه ، فقال عامر البيت الأول ، فلم يعجب هاشماً، ثم قال الثاني ، فلم يعجبه ، ثم قال الثالث ، فلم يعجبه ، فلما قال الرابع : يقتل ذا الذنب ، ومن لا ذنبَ له !! أعجبه ، فأثابه عليه. قال ابن هشام : وذلك الذي أراد الكُميْت بن زيد في قوله : وهاشم مُرَّة المُفنِى ملوكاً بلا ذنب إليه ومُذْنبينا وهذا البيت في قصيدة له. وقول عامر : يوم الهباءات ، عن غير أبى عبيدة. قال ابن إسحاق : قوم لهم صيت وذكر في غطفان وقيس كلها، فأقاموا على نسبهم ، وفيهم كان البَسْل. أمر البَسْلتعريف البَسْل : والبَسْل - فيما يزعمون - نسيئُهم ثمانية أشهر حُرُم ، لهم من كل سنة من بين العرب ، قد عرفت ذلك لهم العرب لا ينكرونه ، ولا يدفعونه ، يسيرون به إلى أي بلاد العرب شاءوا، لا يخافون منهم شيئاً، قال زهير بن أبي سلمى، يعني بني مرة. نسب زهير بن أبي سلمىقال ابن هشام : زهير أحد بني مُزَيْنة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر. ويقال : زُهَير بن أبي اسُلْمى من غطفان ، ويقال : حليف في غطفان. تأمل ، فإن تُقْوِ المْرَوْرَاة منهم وداراتها لا تُقْويا منهم إذا نَخل بلاد بها نادمتُهم وألِفْتُهم فإن تُقْويا منهم فإنهُم بَسْل أي :حرام. يقول : ساروا في حرمهم. قال ابن هشام : وهذان البيتان في قصيدة له. قال ابن إسحاق : وقال أعشى بني قيس بن ثعلبة : أجارتُكم بَسْل علينا مُحَرَّمٌ وجارتُنا حِل لكم وحليلُها قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له. أولاد كعب وأمهم : قال ابن إسحاق : فولد كعبُ بنُ لؤي ثلاثة نفر : مُرَّة بن كعب ، وعديَّ بن كعب ، وهُصَيْص بن كعب. وأمُّهم : وَحْشِيَّةُ بنت شَيْبان بن محارب بن فِهر بن مالك بن النضر. أولاد مرة وأمهاتهمفولد مرةُ بنُ كعب ثلاثة نفر : كلابَ بن مرة، وتَيْمَ بن مرة، وَيَقظة بن مرة. فأم كلاب : هِند بنتُ سُرَير بن ثعلبة بن الحارث بن فِهر بن مالك بن كنانة بن خُزَيمة. وأم يقظة : البارقية، امرأة من بارق ، من الأسْد من اليمن. ويقال : هى أم تَيْم. ويقال : تَيْم لهند بنتُ سرَير أم كلاب. نسب بارققال ابن هشام : بارق : بنو عَدِي بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسْد بن الغَوْث ، وهم في شَنُوءة. قال الكُمَيْت بن زيد : وأزْد شَنوءة اندرءوا علينا بِجُم يحسبون لها قرونا فما قلنا لبارقَ : قد أسأتم وما قلنا لبارقَ : أعْتِبونا
قال : وهذان البيتان في قصيدة له : وإنما سُموا ببارق ؟ لأنهم تبعوا البرقَ. ولدا كلاب وأمهماقال ابن إسحاق : فولد كلابُ بنُ مرة رجلين : قُصَيَّ بن كلاب ، وزُهْرةَ بن كلاب. وأمهما : فاطمةُ بنت سَعد ابن سَيَل أحد بني الجَدرَة، من جُعْثُمَة الأزد، من اليمن ، حلفاء في بني الدَّيْل بن بكر بن عبد مناف بن كنانة. نسب جُغثْمةقال ابن هشام : ويقال : جعثمة الأسْد، وجعثمة الأزْد، وهو جُعْثُمة بن يَشْكُر بن مُبَشِّر بن صعب دُهْمان بن نصر بن زَهران بن الحارث بن كعب بن عبد اللّه بن مالك بن نصر بن الأسْد بن الغَوْث. ويقال : جُعْئُمة بن يشكر بن مُبَشِّر بن صَعْب بن نصر بن زَهْران ابن الأسْد بن الغَوْث. وإنما سُموا الجَدَرَة ؛ لأن عامر بن عمرو بن جُعْثمة تزوج بنت الحارث بن مضاض الجُرْهمي. وكانت جُرهم أصحاب الكعبة. فبنى للكعبة جداراً. فسمي عامر بذلك : الجادر. فقيل لولده : الجَدَرَة لذلك. قال ابن إسحاق : ولسعد بن سَيَل يقول الشاعر :
ما نرى في الناس شخصاً واحداً من علمناه كسعدِ بن سَيَلْ نعْم بنت كلاب وأمها وولداهاقال ابن هشام : ونُعْم بنت كلاب ، وهى أم سعد وسعيد ابني سهم بن عمرو بن هُصَيْص بن كعب ابن لؤيّ ، وأمها : فاطمة بنت سعد بن سَيَل. أولاد قُصي وأمهمقال ابن إسحاق : فولدُ قُصىُّ بن كلاب أربعة نفر وامرأتين : عبدَ مناف بن قصي ، وعبدَ الدار بن قصى ، وعبدَ العزى بن قصى ، وعبدَ قصى بن قصى ، وتَخْمُر بنت قصى ، وبرة بنت قصى ، وأمهم : حُبَّى بنت حُلَيْل بن حَبَشِيَّة بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي. قال ابن هشام : ويقال : حُبْشِيَّة بن سلول. أولاد عبد مناف وأمهاتهمقال ابن إسحاق : فولد عبدُ مناف - واسمه : المغيرة بن قُصي - أربعةَ نفر : هاشمَ بن عبد مناف ، وعبد شمس بن عبد مناف ، والمطلب بن عبد مناف ، وأمُّهم : عاتكة بنت مُرة بن هلال بن فالج بن ذَكْوان بن ثعلبة بن بُهْثة بن سُلَيْم بن منصور بن عِكرمة، ونَوفل بن عبد مناف ، وأمه : واقدة بنت عمرو المازنية. مازن : ابن منصور بن عِكرمة. قال ابن هشام : فبهذا النسب خالفهم عتبة بن غَزْوان بن جابر بن وهب بن نُسَيْب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عِكرمة. قال ابن هشام : وأبو عمرو، وتُماضر، وقلابة، وحَيَّة، ورَيْطة، وأم الأخْثَم ، وأم سفيان : بنو عبد مناف. فأمُّ أبى عمرو : رَيْطة، امرأة من ثقيف ، وأم سائر النساء : عاتكة بنت مرة بن هلال أم هاشم بنعبد مناف ، وأمها صفية بنت حَوْزة بن عمرو ابن سلول بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هَوازِن. وأم صفية : بنت عائذ اللّه بن سعد العشيرة بن مَذْحج. أولاد هاشم وأمهاتهمقال ابن هشام : فولد هاشم بن عبد مناف أربعة نفر، وخمسَة نسوة : عبدَ المطلب بن هاشم ، وأسدَ بن هاشم ، وأبا صَيْفي بن هاشم ، ونَضْلة بن هاشم ، والشِّفاء، وخالدة، وضعيفة، ورُقَية، وحَيَّة. فأم عبد المطلب ورقية : سَلمَى بنت عمرو بن زيد بن لَبيد بن خداش بن عامر بن غَنْم بن عدي بن النجار. واسم النجار : تَيْم اللّه بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر. وأمها : عَمِيرَة بنت صخر بن حبيب بن الحارث بن ثعلبة بن مازن بن النجار. وأم عَمِيرة : سلمى بنت عبد الأشْهل النجَّارية. وأم أسد : قَيْلة بنت عامر بن مالك الخزاعى. وأم أبي صيفي وَحَيَّة : هند بنت عمرو بن ثعلبة الخزرجية. وأم نَضْلة والشفاء : امرأة من قضاعة. وأم خالدة وضعيفة : واقدة بنت أبي عديّ المازنية. أولاد عبد المطلب بن هاشمأولاد عبد المطلب وأمهاتهم : قال ابن هشام : فولد عبدُ المطلب بن هاشم عشرةَ نفر، وست نسوة : العباس ، وحمزة وعبد اللّه ، وأبا طالب - واسمه : عبد مناف - والزبير، والحارث ، وحَجْلا، والمقوم، وضِرارا، وأبا لهب - واسمه عبد العُزَّى - وصفية، وأم حكيم البيضاء، وعاتكة، وأمَيْمة ، وأرْوَى، وَبرَّة. فأمُّ العباس وضرار : نُتَيْلةُ بنت جَناب بن كُليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة بن عامر - وهو الضَّحْيان - بن سعد بن الخزرج بن تَيْم اللات بن النَّمِر بن قاسط بن هِنْب بن أفْصَى بن جَديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. ويقال : أفصى بن دُعْمِيِّ بن جديلة. وأم حمزة والمقوَّم وحَجْل - وكان يلقب بالغَيْداق لكثرة خيره ، وسعة ماله - وصفية : هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤىّ. وأم عبدِ اللّه ، وأبي طالب ، والزبير، وجميع النساء غير صفية : فاطمةُ بنت عَمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يَقَظة بن مُرة بن كعب بن لُؤيّ بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر. وأمها : صخرةُ بنت عَبْد بن عِمران بن مخزوم بن يَقَظة بن مُرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فِهر بن مالك بن النَّضْر. وأم صخرة : تَخْمر بنت عبد بن قُصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فِهر بن مالك بن النضر. وأم الحارث بن عبد المطلب : سمراء بنت جُنْدب بن جُحَيْر بن رِئاب بن حبيب بن سُوَاءَة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة. وأم أبي لهب : لبنى بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حُبْشِيَّة ابن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعى. أم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأمهاتهاقال ابن هشام : فولد عبدُ اللّه بن عبد المطلب : رسولَ اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - سيد ولد آدم ، محمد بن عبد اللّه ابن عبد المطلب ، صلوات اللّه وسلامه ورحمته وبركاته عليه وعلى آله. وأمه : آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زُهْرة بن كلاب بن مُرة ابن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النضر. وأمها : بَرِّة بنت عبد العُزّى بن عثمان بن عبد الدار بن قُصى بن كلاب بن مرة بن كعب بن لُؤيّ بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النضر. وأم برة : أم حبيب بنت أسَد بن عبد العُزى بن قُصّ بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر. وأم أم حبيب : بَرَّة بنت عَوْف بن عُبَيد بن عُوَيْج بن عَدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر. قال ابن هشام : فرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - أشرف ولد آدم حسباً، وأفضلهم نسباً من قِبل أبيه وأمه - صلى اللّه عليه وسلم. حديث مولد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلماحتفار زمزم : قال : حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام : قال : وكان من حديث رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ما حدثنا به زياد بن عبد اللّه البَكَّائى، عن محمد بن إسحاق المطلبي : بينما عبد المطلب بن هاشم نائم في الحِجْر، إذ أتى ؟ فأمر بحفر زمزم ، وهي دَفْن بين صنَمَيْ قريش : إسَاف ونائلة، عند منحر قريش. وكانت جُرهم دفنتها حين ظعنوا من مكة، وهي : بئر إسماعيل بن إبراهيم – عليهما السلام – التي سقاه اللّه حين ظمىء وهو صغير، فالتمست له أمه ماءً فلم تجدْه ، فقامت إلى الصفا تدعو اللّه ، وتستغيثه لإسماعيل ، ثم أتت المروة ففعلت مثل ذلك. وبعث اللّه تعالى جبريلَ عليه السلام ، فهمز له بِعَقِبه في الأرض ، فظهر الماء، وسمعت أُّمه أصواتَ السباع فخافتها عليه ، فجاءت تشتد نحوه ، فوجدته يفحص بيدِه عن الماء من تحت خده ويشرب ، فجعلته حِسْياً. أمر جُرْهم ودفن زمزمولاة البيت من ولد إسماعيلقال ابن هشام : وكان من حديث جُرْهُم ، ودفنها زمزم ، وخروجها من مكة، ومن ولي أمر مكة بعدها إلى أن حفر عبدُ المطلب زمزم ، ما حدثنا به زيادُ بن عبد اللّه البَكَّائى عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال : لما توفي إسماعيل بن إبراهيم وَلِىَ البيتَ بعده ابنُه نابت بن إسماعيل - ما شاء اللّه أن يليَه - ثم ولي البيت بعده : مُضاض بن عَمرو الجَرْهمى. قال ابن هشام : ويقال : مِضاض بن عمرو الجرْهمي. بغي جرهم وقطوراءقال ابن إسحاق : وبنو إسماعيل وبنو نابت مع جدِّهم : مُضَاض بن عمرو وأخوالهم من جُرْهم، وجرهم وقَطُوراء يومئذ أهل مكة، وهما ابنا عَم ، وكانا ظَعنا من اليمن ، فأقبلا سيَّارةً، وعلى جُرْهم : مُضَاض بن عمرو، وعلى قطوراء : السَّمَيْدع رجل منهم. وكانوا إذا خرجوا من اليمن لم يخرجوا إلا ولهم مَلك يقيم أمرهم. فلما نزلا مكة رأيا بلداً ذا ماء وشجر، فأعجبهما فنزلا به. فنزل مُضاض بن عمرو بمن معه من جرهم بأعلى مكة بقُعَيْقعَان ، فما حاز. ونزل السَّمَيْدع بقطوراء، أسفل مكة بأجياد، فما حاز : فكان مُضاض يعشِّر من دخل مكة من أعلاها، وكان السَّمَيدع يعشِّر من دخل مكة من أسفلها، وكل في قومه لا يدخل واحد منهما على صاحبه. ثم إن جُرهم وقطوراء بغى بعضُهم على بعض ، وتنافسوا الملك بها، ومع مُضاض يومئذ : بنو إسماعيل وبنو نابت ، وإليه ولاية البيت دون السَّمَيدع فصار بعضهم إلى بعض ، فخرج مُضاض بن عمرو بن قُعَيْقعان في كتيبته سائرا إلى السَّمَيدع ، ومع كتيبته عدتها من الرماح والدَّرَق والسيوف والجعاب ، ويُقَعقع بذلك معه ، فيقال : ما سمي قُعَيقعان : بقعيقعان إلا لذلك. وخرج السَّميدع من أجياد، ومعه الخيل والرجال ، فيقال : ما سمي أجْياد : إلا لخروج الجياد من الخيل مع السَّمَيدع منه فالتقوْا بفاضح ، واقتتلوا قتالا شديداً، فقُتل السَّمَيْدع ، وفضحت قطوراء : فيقال ما سمي فاضح : فاضحا إلا لذاك. ثم إن القوم تداعَوا إلى الصلح ، فساروا حتى نزلوا المطابخ : شِعْبا بأعلى مكة، واصطلحوا به ، وأسلموا الأمر إلى مُضَاض. فلما جُمع إليه أمر مكة، فصار ملكهَا نحر للناس فأطعمهم ، فاطَّبخ الناس وأكلوا، فيقال : ما سُميت المطابخ إلا لذلك. وبعض أهل العلم يزعم أنها إنما سميت المطابخ ، لما كان تُبع نحر بها، وأطعم ، وكانت منزله. فكان الذي كان بين مُضاض والسَّميدع أول بَغْي كان بمكة فيما يزعمون. انتشار ولد إسماعيل : ثم نشر اللّه ولدَ إسماعيل بمكة، وأخوالهم من جرهم ولاة البيت والحكام بمكة، لا ينازعهم ولدُ إسماعيل في ذلك لخئولتهم وقرابتهم ، وإعظاما للحرمة أن يكون بها بغي أو قتال. فلما ضاقت مكة على ولد إسماعيل انتشروا في البلاد، فلا يناوئون قوما إلا أظهرهم اللّه عليهم - بدينهم - فوطِئوهم. بغي جرهم ونفيهم عن مكة بنو بكر وغبشان يطردون جرهما ثم إن جُرْهما بغوا بمكة، واستحلوا خلالاً من الحرمة، فظلموا من دخلها من غير أهلها، وأكلوا مال الكعبة الذي يُهدَى لها، فرقَّ أمرهم. فلما رأت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة وغُبشان من خُزاعة ذلك ، أجمعوا لحربهم وإخراجهم من مكة ؛ فآذنوهم بالحرب فاقتتلوا، فغلبتهم بنو بكر وغُبْشان ، فنفَوْهم من مكة. وكانت مكة في الجاهلية لا تُقر فيها ظلماً ولا بغياً، ولا يبغى فيها أحدٌ إلا أخرجته ، فكانت تسمى : الناسَّة، ولا يريدها ملك يستحل حرمتَها إلا هلك مكانَه ، فقال : إنها ما سميت ببكة إلا أنها كانت تبك أعناق الجبابرة إذا أحدثوا فيها شيئاً. معنى بكة قال ابن هشام : أخبرني أبو عبيدة : أن بكَّة اسم لبطن مكة ؛ لأنهم يتباكون فيها، أي : يزدحمون ، وأنشدنى : إذا الشَّريبُ أخذتُه أكَّه فَخَلِّه حتى يبكَّ بكَّه أي : فدعه حتى يبك إبلَه ، أي يخليها إلى الماء، فتزدحم عليه ، وهو موضع البيت والمسجد، وهذان البيتان لعامان بن كعب بن عمرو بن سعد بن زَيد مَناة بن تميم. قال ابن إسحاق : فخرج عَمرو بن الحارث بن مُضاض الجرهمي بغزالي الكعبة وبحجر الركن ، فدفنهما في زمزم وانطلق هو ومن معه من جُرهم إلى اليمن ، فحزنوا على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزنا شديداً فقال عَمرو بن الحارث بن مُضاض في ذلك، وليس بمُضاض الأكبر :
وقائلةٍ والدمعُ سكْت مُبـــادرُ وقد شَرِقَتْ بالدمعِ منها المحاجرُ قال ابن هشام : " فأبناؤه منا " عن غير ابن إسحاق. قال ابن إسحاق : وقال عَمرو بن الحارث أيضاً يذكر بكرا وغُبْشان وساكني مكة الذين خَلَفوا فيها بعدهم :
يا أيها الناس سيروا إن قصْرَكــم أن تُصْبحوا ذاتَ يوم لا تَسيرونا استبداد قوم من خزاعة بولاية البيتقال ابن إسحاق : ثم إن غُبْشان من خُزاعة وَلِيَتْ البيتَ دون بني بكر ابن عبد مناة، وكان الذي يليه منهم : عمرو بن الحارث الغُبْشانى ، وقريش إذ ذاك حُلول وصِرَم ، وبيوتات ، متفرقون في قومهم من بنى كنانة، فوليت خُزاعة البيت يتوارثون ذلك كابراً عن كابر، حتى كان آخرهُم حُلَيْل بن حَبَشية بن سَلول بن كعب بن عَمرو الخُزاعى. قال ابن هشام : يقال حُبْشية بن سلول. تزوج قُصىّ بن كلاب حُبَّى بنت حليلأولاد قُصىّ وحُبَّى : قال ابن إسحاق : ثم إن قُصّي بن كلاب خَطب إلى حُليل بن حُبْشية بنته حُبَّى، فرغب فيه حُليل فزوجه ، فولدت له عبدَ الدار، وعبدَ مناف ، وعبد العُزَّى، وعبداً. فلما انتشر ولد قُصّي ، وكثر مالُه ، وعظم شرفه هلك حُلَيل. مساعدة رزاح لقصي في تولي أمر البيت : فرأى قصي أنه أوْلَى بالكعبة وبأمر مكة من خُزاعة وبني بكر، وأن قُريشا قُرْعةُ إسماعيل بن إبراهيم وصريحُ ولده. فكلم رجالا من قريش، وبنى كنانة، ودعاهم إلى إخراج خُزاعة وبني بكر من مكة، فأجابوه. وكان ربيعة بن حرام من عُذْرة بن سعد بن زيد قد قدم مكة بعدما هلك كلاب ، فتزوج فاطمة بنت سعد بن سَيَل ، وزُهْرة يومئذ رجل ، وقُصي فطيم ، فاحتملها إلى بلاده ، فحملت قُصيا معها، وأقام زُهرة، فولدت لربيعة رِزاحاً. فلما بلغ قُصي وصار رجلا أتى مكة، فأقام بها، فلما أجابه قومه إلى ما دعاهم إليه ، كتب إلى أخيه من أمه ، رِزاح بن ربيعة، يدعوه إلى نصرته ، والقيام معه ، فخرج رِزاح بن ربيعة، ومعه : إخوته حُنُّ بن ربيعة، ومحمود بن ربيعة، وجُلْهُمة بن ربيعة، وهم لغير أمه فاطمة، فيمن تبعهم من قضاعة في حاجِّ العرب ، وهم مجمعون لنصرة قُصّي. وخزاعة تزعم أن حُلَيل بن حُبْشية أوصى بذلك قُصيا وأمره به حين انتشر له من ابنته من الولد ما انتشر. وقال : أنت أولى بالكعبة، وبالقيام عليها، وبأمر مكة من خزاعة، فعند ذلك طلب قُصّ ما طلب ، ولم نسمع ذلك من غيرهم ، فاللّه أعلم أي ذلك كان. ما كان يليه الغوث بن مر من الِإجازة للناس بالحج وكان الغوث بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر يلي الإجازة للناس بالحج من عرفة، وولده من بعده ، وكان يقال له ولولده : صُوفة. وإنما وَلىَ ذلك الغوثُ بن مُر، لأن أمه كانت امرأة من جُرهم ، وكانت لا تلد، فنذرت للّه إن هي ولدت رجلا : أن تَصَّدَّق به على الكعبة عبداً لها يخدمها، ويقوم عليها، فولدت ، فكان يقوم على الكعبة الدهر الأول مع أخواله من جُرهم ، فوَلىَ الإجازة بالناس من عرفة؛ لمكانه الذي كان به من الكعبة، وولدُه من بعده حتى انقرضوا. فقال مُرُّ ابن أدّ لوفاء نذر أمه :
إني جعلتُ ربِّ من بَنيَّهْ ربيطةً بمكةَ العليَّهْ قال :
لَاهُمَّ إني تابع تَبَاعـــــــهْ إن كان إثم فعلى قُضَاعَهْ قال ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عبَّاد ابن عبد اللّه بن الزبير عن أبيه قال : كانت صوفة تدفع بالناس من عرفة، وتجيز بهم إذا نَفَروا من منى فإذا كان يوم النفر أتوا لرمي الجمار، ورجل من صُوفة يرمى للناس ، لا يرمون حتى يرمي. فكان ذوو الحاجات المتعجِّلون يأتونه ، فيقولون له : قم فارم حتى نرمي معك ، فيقول لا واللّه ، حتى تميل الشمس ، فيظل ذوُو الحاجات الذين يحبون التعجلَ يرمونه بالحجارة، ويستعجلونه بذلك ، ويقولون له : ويلك ! قمْ فارمِ ، فيأبَى عليهم ، حتى إذا مالت الشمس ، قام فرمى ورمى الناس معه. قال ابن إسحاق : فإذا فرغوا من رمْي الجمار، وأرادوا النَّفْر من مِنًى، أخذت صوفة بجانبي العقبة، فحبسوا الناسَ وقالوا : أجيزي صوفة، فلم يجز أحد من الناس حتى يمروا، فإذا نفرت صوفة ومضت ، على سبيل الناس ، فانطلقوا بعدَهم ، فكانوا كذلك ، حتى انقرضوا، فورثهم ذلك من بعدهم بالقُعْدد بنو سعد بن زيد مناة بن تميم ، وكانت من بني سعد في آل صفوان بن الحارث بن شجْنَة. نسب صفوان بن جنابقال ابن هشام : صفوان بن جُناب بن شِجْنَة بن عُطارد بن عَوْف بن كعب بن سعد بن زيد مُناة بن تميم. صفوان وبنوه وإجازتهم للناس بالحج : قال ابن إسحاق : وكان صفوان هو الذي يجيز للناس بالحج من عرفة ثم بنوه من بعدِه ، حتى كان آخرهم الذي قام عليه الإسلام : كَرِب بن صفوان. وقال أوْس ابن تميم بن مِغراء السعديُّ : لا يبرح الناسُ ما حجوا مُعَرَّفَهم حتى يقال : أجيزوا آل صفوانا قال ابن هشام : هذا البيت في قصيدة لأوس بن مِغْراء. ما كانت عليه عَدْوان من إفاضة المزدلفة ذو الِإصبع يذكر هذه الإفاضة : وأما قول ذي الإصْبع العَدْوانى، واسمه حُرْثان بن عَمرو، وإنما سُمى ذا الإصبع؛ لأنه كان له إصبع فقطعها :
عذيرَ الحي من عـــــــــَدْوا نَ كانوا حَيَّةَ الأرض
نحن دفعنا عن أبى سياره وعن مواليه بني فزارهْ قال : وكان أبو سيارة يدفع بالناس على أتان له ، فلذلك يقول : " سالما حماره ". أمر عامر بن ظَرِب بن عمرو بن عياذ بن يشكر ابن عدوان ابن الظرب حاكم العرب : قال ابن إسحاق : وقوله : " حكم يقضى " يعني عامر بن ظَرِب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان العدواني. وكانت العرب لا يكون بينها نائرة، ولا عُضْلَة في قضاء إلا أسندوا ذلك إليه ، ثم رَضُوا بما قضى فيه ، فاختصم إليه في بعض ما كانوا يختلفون فيه ، في رجل خُنْثى، له ما للرجل ، وله ما للمرأة، فقالوا : أتجعله رجلاً أو امرأة ؟ ولم يأتوه بأمر كان أعضل منه. فقال : حتى أنظر في أمركم ، فواللّه ما نزل بي مثل هذه منكم يا معشر العرب ! فاستأخروا عنه؛ فبات ليلته ساهراً يقلِّب أمره ، وينظر في شأنه ، لا يتوجه له منه وجه وكانت له جارية يقال لها : سُخَيْلة ترعى عليه غنمه ، وكان يعاتبها إذا سرحت فيقول : صبَّحت واللّه يا سُخَيل ! وإذا أراحت عليه ، قال :مسيت واللّه يا سُخَيل ! وذلك أنها كانت تؤخر السرح حتى يسبقها بعض الناس ، وتؤخر الإراحة حتى يسبقها بعض الناس. فلما رأت سهره وقلقه ، وقلة قراره على فراشه قالت : ما لك ، لا أبا لك ! ما عراك في ليلتك هذه ! قال : ويلك ! دعيني ، أمر ليس من شأنك ، ثم عادت له بمثل قولها، فقال في نفسه : عسى أن تأتىَ مما أنا فيه بفرج ، فقال : ويحَكِ ! اختُصم إليَّ في ميراث خنثى، أأجعله رجلا أو امرأة ؟ فواللّه ما أدري ما أصنع ، وما يتوجَّه لي فيه وجه ؟ قال : فقالت : سبحان اللّه ! لا أبا لك ! أتبع القضاءَ المَبالَ ، أقعدْه ، فإن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل ، وإن بال من حيث تبول المرأة؛ فهي امرأة. قال : مسِّي سخيل بعدها أو صَبِّحي ، فرّجْتِها واللّه ! ثم خرج على الناس حين أصبح ، فقضى بالذي أشارت عليه به. غلب قصي بن كلاب على أمر مكة وجمعه أمر قريش ومعونة قضاعة له قصي يتغلب على صوفة : قال ابن إسحاق : فلما كان ذلك العام ، فعلت صوفة كما كانت تفعل ، وقد عرفت ذلك لها العرب وهو دِين في أنفسهم في عهد جرهم وخزاعة وولايتهم. فأتاهم قصي بن كلاب بمن معه من قومه من قريش وكنانة وقضاعة عند العقبة، فقال : لنحن أولى بهذا منكم ، فقاتلوه ، فاقتتل الناس قتالا شديداً، ثم انهزمت صوفة، وغلبهم قُصى على ما كان بأيديهم من ذلك. قصي يقاتل خزاعة وبني بكر : وانحازت عند ذلك خزاعة وبنو بكر عن قصى، وعرفوا أنه سيمنعهم كما منع صوفة، وأنه سيحول بينهم وبين الكعبة وأمر مكة. فلما انحازوا عنه باداهم ، وأجمع لحربهم ، وخرجت له خُزاعة وبنو بكر فالتَقَوْا، فاقتتلوا قتالا شديداً، حتى كثرت القتلى في الفريقين جميعاً، ثم إنهم تداعَوْا إلى الصلح ، وإلى أن يحكِّموا بينهم رجلا من العرب؛ فحكَّموا يَعْمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، فقضى بينهم بأن قُصيا أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة، وأن كل دم أصابه قصي من خزاعة وبني بكر : موضوع يَشْدخه تحت قدميه ، وأن ما أصابت خزاعة وبنو بكر من قريش وكنانة وقضاعة، ففيه الدية مؤدَّاة، وأن يُخلَّى بين قصي وبين الكعبة ومكة. فسُمى يعمر بن عوف يومئذ : الشدَّاخ لِمَا شَدَخ من الدماء ووضع منها. قصي يتولى أمر مكةقال ابن إسحاق : فولى قصى البيت وأمر مكة وجمع قومه في منازلهم إلى مكة وتملك على قومه وأهل مكة فملَّكوه ، إلا أنه قد أقر للعرب ما كانوا عليه وذلك أنه كان يراه دِيناً في نفسه لا ينبغي تغييره ، فاقر آل صفوان وعدوان والنسأة ومُرة بن عوف على ما كانوا عليه ، حتى جاء الإسلام؛ فهدم اللّه به ذلك كله. فكان قُصي أول بني كعب بن لؤىّ أصاب مُلكا أطاع له به قومه ، فكانت إليه الحجابة، والسقاية، والرِّفادة، والندْوَة، واللواء، فحاز شرف مكة كلَّه ، وقطع مكة رباعا بين قومه ، فأنزل كل قوم من قريش منازلهم من مكة التي أصبحوا عليها ويزعم الناس أن قريشا هابوا قطع شجر الحرم في منازلهم ، فقطعها قصى بيده وأعوانه فسمته قريش : مُجَمِّعاً لما جمع من أمرها، وتيمنت بأمره ، فما تُنكح امرأة، ولا يتزوج رجل من قريش ، وما يتشاورون في أمر نزل بهم ، ولا يعقدون لواءً لحرب قوم من غيرهم إلا في داره ، يعقده لهم بعض ولده ، وما تدَّرِع جارية إذا بلغت أن تَدَّرِع من قريش إلا في داره ، يشق عليها فيها درعها ثم تَدَّرِعُه ، ثم يُنطَلق بها إلى أهلها. فكان أمره في قومه من قريش في حياته ، ومن بعد موته ، كالدِّين المتبع لا يُعمل بغيره. واتخذ لنفسه دار الندوة، وجعل بابها إلى مسجد الكعبة، ففيها كانت قريش تقضى أمورَها. قال ابن هشام : وقال الشاعر : قُصَي لعمري كان يُدعَى مُجمعاً به جمع اللّه القبائلَ من فِهْر قال ابن إسحاق : حدثنى عبد الملك بن راشد عن أبيه ، قال : سمعت السائب بن حَبَّاب صاحب المقصورة يُحدِّث ، أنه سمع رجلا يُحدِّث عمرَ بن الخطاب - وهو خليفة - حديث قصي بن كلاب ، وما جَمَع من أمر قومه وإخراجه خزاعة وبنى بكر من مكة، وولايته البيت وأمر مكة، فلم يرد ذلك عليه ولم يُنكره. شعر رزاح بن ربيعة في هذه القصة قال ابن إسحاق : فلما فرغ قُصيّ من حربه ، انصرف أخوه رِزَاح بن ربيعة إلى بلاده بمن معه من قومه ، وقال رِزاح في إجابته قُصيا :
لمَّا أتى من قصي رســــــول فقال الرسولُ : أجيبوا الخليلَا
جلبنا الخيلَ مُضْمرةً تَغالـــَى من الأعرافِ أعراف الجِنابِ
أنا ابن العاصمين بني لؤيّ بمكةَ منزلي ، وبها رَبيتُ فلما استقر رِزاح بن ربيعة في بلاده ، نشره اللّه ونشر حُنّاً، فهما قبيلا عُذْرَة اليوم. ومد كان بين رزاح بن ربيعة، حين قدم بلاده ، وبين نَهْد ابن زيد وحَوْتَكة بن أسْلُم، وهما بطنان من قُضاعة شىء، فأخافهم حتى لحقوا باليمن ، وأجْلَوْا من بلاد قُضاعة، فهم اليوم باليمن ، فقال قُصي بن كلاب ، وكان يحب قُضاعة ونماءها واجتماعها ببلادها، لما بينه وبين رزاح : من الرحم ، ولبلائهم عنده إذا أجابوه إذ دعاهم إلى نصرته ، وكره ما صنع بهم رِزاح :
ألا من مُبْلغ عنى رِزاحـــاً فإني قد لَحَيتك في اثنتين قصي يفضل عبد الدار على سائر ولده : قال ابن إسحاق : فلما كبر قصي ورق عظمه ، وكان عبد الدار بِكْرَه ، وكان عبد مناف قد شَرُف في زمان أبيه ، وذهب كل مذهَب ، وعبد العزى. وعبد - قال قصى لعبد الدار : أما واللّه يا بُنَيَّ لألحقنَّك بالقوم ، وإن كانوا قد شرفوا عليك : لا يدخل رجل منهم الكعبة، حتى تكون أنت تفتحها له ، ولا يُعقد لقريش لواء لحربها إلا أنت بيدك ، ولا يشرب أحد بمكة إلا من سقايتك ، ولا يأكل أحد من أهل الموسم طعاما إلا من طعامك ، ولا تقطع قريشٌ أمراً من أمورها إلا في دارك ، فأعطاه دارَه دارَ الندوة، التى لا تُقضي قريش أمراً من أمورها إلا فيها، وأعطاه الحجابة واللواء والسقاية والرفادة. الرِّفادة : وكانت الرِّفادة خَرْجا تخرجه قريش في كل موسم من أموالها إلى قُصي بن كلاب ، فيصنع به طعاما للحاج ، فيأكله من لم يكن له سعةٌ ولا زاد، وذلك أن قُصيا فرضه على قريش، فقال لهم حين أمرهم به : يا معشر قريش ، إنكم جيرانُ اللّه ، وأهل بيته ، وأهل الحرم ، وإن الحاج ضَيْفُ اللّه وزوَّار بيته ، وهم أحق الضيف بالكرامة، فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج ، حتى يَصْدُروا عنكم ، فكانوا يخرجون لذلك كل عام من أموالهم خَرْجاً، فيدفعونه إليه ، فيصنعه طعاماً للناس أيام مِنًى، فجرى ذلك من أمره في الجاهلية على قومه حتى قام الإسلام ، ثم جرى في الإسلام إلى يومك هذا، فهو الطعام الذي يصنعه السلطان كل عام بمنى للناس حتى ينقضي الحج. قال ابن إسحاق : حدثني بهذا من أمر قُصَي بن كلاب ، وما قال لعبد الدار فيما دفع إليه مما كان بيده : أبو إسحاق بن يسار، عن الحسن ابن محمد بن على بن أبى طالب رضى اللّه عنهم ، قال : سمعته يقول ذلك لرجل من بني عبد الدار يقال له : نُبَيْه بن وهب بن عامر بن عِكرمة ابن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى. قال الحسن : فجعل إليه قُصي كل ما كان بيده من أمر قومه ، وكان قُصي لا يُخَالفَ ، ولا يُردّ عليه شيء صنعه. ذكر ما جرى من اختلاف قريش بعد قُصى وحلف المطيبين النزاع بين بني عبد الدار وبني أعمامهم : قال ابن إسحاق : ثم إن قصي بن كلاب هلك ، فأقام أمره في قومه وفي غيرهم بنوه من بعده. فاختطوا مكة رباعاً - بعد الذي كان قطع لقومه بها فكانوا يقطعونها في قومهم ، وفي غيرهم : من حلفائهم ويبيعونها. فأقامت على ذلك قريش معهم ليس بينهم اختلاف ولا تنازع ، ثم إن بني عبد مناف ابن قصى: عبد شمس وهاشما والمطلب ونوفلا، أجمعوا على أن يأخذوا ما بأيدي بني عبد الدار بن قُصى مما كان قصي جعل إلى عبد الدار، من الحجابة واللواء والسقاية والرِّفادة، ورأوا أنهم أولى بذلك منهم لشرفهم عليهم وفضلهم في قومهم ، فتفرقت عند ذلك قريش ، فكانت طائفة مع بني عبد مناف على رأيهم يَرَوْن أنهم أحق به من بني عبد الدار لمكانهم في قومهم ، وكانت طائفة مع بني عبد الدار، يَرَوْن أن لا يُنزع منهم ما كان قصي جعل إليهم. فكان صاحب أمر بنى عبد مناف : عبد شمس بن عبد مناف ، وذلك أنه كان أسن بنى عبد مناف. وكان صاحب أمر بني عبد الدار : عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار. حلفاء بني عبد الدار وحلفاء بني أعمامهم : فكان بنو أسد بن عبد العُزَّى بن قصى وبنو زُهرة بن كلاب ، وبنو تَيْم بن مُرة بن كعب ، وبنو الحارث بن فِهر بن مالك بن النضر، مع بني عبد مناف. وكان بنو مخزوم بن يَقَظَة بن مرة، وبنو سَهْم بن عمرو بن هُصَيْص ابن كعب ، وبنو جمَح بن عمرو بن هُصَيْص بن كعب ، وبنو عدي بن كعب ، مع بني عبد الدار، وخرجت عامر بن لؤي ومحارب بن فِهر، فلم يكونوا مع واحد من الفريقين. فعقد كل قوم على أمرهم حلفا مؤكدا على أن لا يتخاذلوا، ولا يسْلم بعضهم بعضاً ما بلَّ بحر صوفةً. فأخرج بنو عبد مناف جفنة مملوءة طيبا، فيزعمون أن بعض نساء بني عبد مناف، أخرجتها لهم ، فوضعوها لأحلافهم في المسجد عند الكعبة، ثم غمس القومُ أيديَهم فيها، فتعاقدوا وتعاهدوا هم وحلفاؤهم ، ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا على أنفسهم فسُمُّوا المطيَّبين. وتعاقد بنو عبد الدار، وتعاهدوا هم وحلفاؤهم عند الكعبة حلفاً مؤكدا، على أن لا يتخاذلوا، ولا يُسلم بعضُهم بعضاً، فسُموا الأحلاف. تقسيم القبائل في هذه الحرب : ثم سُوند بين القبائل ، ولُزَّ بعضُها ببعض فعُبيّتَ بنو عبد مناف لبني سَهْم ، وعُبيّتَ بنو أسد لبني عبد الدار، وعُبيت زُهرة لبنى جُمَح ، وعُبيت بنو تَيْم لبني مخزوم ، وعُبيت بنو الحارث بن فِهر لبني عدي بن كعب. ثم قالوا : لِتُفْن كل قبيلة من أسند إليها. تصالح القبائل : فبينا الناس على ذلك قد أجمعوا للحرب إذ تداعوْا إلى الصلح ، على أن يُعطوا بني عبد مناف السقاية والرِّفادة، وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبنى عبد الدار كما كانت ، ففعلوا ورضى كل واحد من الفريقين بذلك ، وتحاجز الناسُ عن الحرب ، وثبت كل قوم مع من حالفوا، فلم يزالوا على ذلك حتى جاء اللّه تعالى بالإسلام ، فقال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم : " ما كان من حِلفٍ في الجاهلية، فإن الإسلامَ لم يزدْه إلا شدةً ". حلف الفُضول سبب تسميتهقال ابن إسحاق : وأما حلف الفُضول فحدثني زياد بن عبد اللّه البكَّائى عن محمد بن إسحاق قال : تداعت قبائل من قريش إلى حلف ، فاجتمعوا له في دار عبد اللّه بن جُدْعَان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيْم بن مرة بن كعب بن لؤي ، لشرفه وسنه ، فكان حلفُهم عنده : بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وأسد بن عبد العزى، وزُهرة بن كلاب ، وتَيْم بن مرة، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على مَن ظَلَمَهُ حتى تُردَّ عليه مظلمته ، فسمت قريش ذلك الحلف : حلف الفُضول. حديث رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فيهقال ابن إسحاق : فحدثني محمد ابن زيد بن المهاجر بن قُنْفُذ التيمي أنه سمع طلحة بن عبد اللّه بن عَوْف الزُّهرى يقول : قال رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلم : " لقد شهدتُ في دار عبدِ اللّه ابنِ جُدْعان حلفاً ؟ ما أحِب أن لي به حُمْر النَّعَم ، ولو أدعَى به في الإسلام لأجبتُ ". الحسين يهدد الوليد بالدعوة إلى إحياء الحلف : قال ابن إسحاق : وحدثني يزيدُ بن عبد اللّه بن أسامة بن الهادي الليْثي أن محمد بن إبراهيم بن الحارث التَّيمي حدثه : أنه كان بين الحسين بن على بن أبي طالب رضي اللّه عنهما، وبين الوليد بن عُتبة بن أبي سفيان - والوليد يومئذ أمير على المدينة، أمَّره عليها عمه معاوية بن أبي سفيان - منازعة في مال كان بينهما بذي المرْوَة، فكان الوليدُ تحامل على الحسين في حقّه - لسلطانه - فقال له الحسين : أحلف باللّه لتنصفنى من حقي ، أو لآخذن سيفي ، ثم لأقومن في مسجد رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ثم لأدعونَّ بحلف الفُضول قال : فقال عبد اللّه بن الزبير، وهو عند الوليد حين قال الحسين - رضى اللّه عنه - ما قال : وأنا أحلف باللّه لئن دعا به لآخذنَّ سيفي، ثم لأقومن معه ، حتى يُنصَف من حقه أو نموت جميعاً قال : فبلغت المسْوَر بن مخرمة بن نوفل الزهري ، فقال مثلَ ذلك ، وبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عُبَيد اللّه التيمي ، فقال مثل ذلك ، فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رَضِىَ. خروج بني عبد شمس وبني نوفل من الحلفقال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن عبد اللّه بن أسامة بن الهادي الليثي عن محمد ابن إبراهيم بن الحارث التَّيمي قال : قدم محمد بن جُبَيْر بن مُطْعِم بن عَدي بن نَوْفل بن عبد مناف - وكان محمد بن جُبَيْر أعلم قريش - فدخل على عبد الملك بن مروان بن الحكم حين قُتل ابن الزبير واجتمع الناس على عبد الملك فلما دخل عليه قال له : يا أبا سعيد، ألم نكن نحن وأنتم ، يعني بنى عبد شمس بن عبد مناف وبني نوفل بن عبد مناف في حلف الفُضول ؟ قال : أنت أعلم ، قال عبد الملك : لتخبرنى يا أبا سعيد بالحقِّ من ذلك ، فقال : لا واللّه لقد خرجنا نحن وأنتم منه ، قال : صدقْتَ. هاشم يتولى الرفادة والسقاية : قال ابن إسحاق : فوليَ الرفادة والسقاية : هاشم بن عبد مناف ، وذلك أن عبد شمس كان رجلا سفَّارا قَلَّما يقيم بمكة، وكان مُقِلا ذا ولد، وكان هاشم مُوسراً فكان - فيما يزعمون - إذا حضر الحج ، قام في قريش فقال : " يا معشر قريش ، إنكم جيرانُ اللّه ، وأهل بيته ، وإنه يأتيكم في هذا الموسم زوارُ اللّه وحُجاج بيته ، وهم ضَيْف اللّه ، وأحق الضيف بالكرامة : ضيفُه ، فاجمعوا لهم ما تصنعون لهم به طعاما أيامَهم هذه التي لا بد لهم من الإقامة بها ؛ فإنه – واللّه – لو كان مالي يسع لذلك ما كلفتكموه " فيخرجون لذلك خَرْجاً من أموالهم ، كل امرئ بقدر ما عنده ، فيُصنع به للحجاج طعامٌ ، حتى يَصْدُروا منها. أفضال هاشم على قومه : وكان هاشم - فيما يزعمون - أولَ من سَنَّ الرحلتين لقريش : رحلتى الشتاء والصيف ، وأول من أطعم الثريد للحجاج بمكة، وإنما كان اسمه : عَمراً، فما سُمي هاشماً إلا بهشمه الخبز بمكة لقومه ، فقال شاعر من قريش أو من العرب :
عَمْرو الذي هشم الثريدَ لقومِه قوم بمكة مُسنتين عجاف قوم بمكة مسنتين عجاف المطلب يلي الرفادة والسقاية قال ابن إسحاق : ثم هلك هاشم بن عبد مناف بغزة من أرض الشام تاجراً، فولىَ السقاية والرِّفادة من بعده المطلبُ بن عبد مناف ، وكان أصغر من عبد شمس وهاشم ، وكان ذا شرف في قومه وفضل ، وكانت قريش إنما تسميه : الفَيْضَ ؛ لسماحته وفضله. زواج هاشم بن عبد منافوكان هاشم بن عبد مناف قَدِم المدينة، فتزوج سَلْمى بنت عمرو أحد بني عدي بن النجار، وكانت قبله عند أحَيْحة بن الجُلاح بن الحَرِيش. قال ابن هشام : ويقال : الحريس بن جَحْجبيّ بن كُلْفة بن عَوْف بن عمرو بن عَوْف بن مالك بن الأوْس ، فولدت له عمرو بن أحَيْحة، وكانت لا تنكح الرجال لشرفها في قومها، حتى يشترطوا لها أن أمرها بيدها، إذا كرهت رجلا فارقته. سبب تسمية عبد المطلب باسمه : فولدت لهاشم : عبد المطلب ، فسمته شَيْبة، فتركه هاشم عندها حتى كان وَصيفاً أو فَوْق ذلك ، ثم خرج إليه عمه المطلب ؛ ليقبضه ، فيُلحقه ببلده وقومه فقالت له سَلْمى : لستُ بمرسلته معك ، فقال لها المطلب : إنى غير مُنصرف حتى أخرج به معي إن ابن أخي قد بلغٍ ، وهو غريب في غير قومه ، ونحن أهل بيت شرف في قومنا ؛ نلى كثيرا من أمرهم ؛ وقومه وبلده وعشيرته خير له من الإقامة في غيرهم ، أو كما قال. وقال شَيْبة لعمه المطلب - فيما يزعمون - لست بمفارقها إلا أن تأذنَ لي ، فأذنت له ، ودفعته إليه ، فاحتمله ، فدخل به مكة مُرْدِفه معه على بعيره ، فقالت قريش : عبد المطلب ابتاعه ، فبها سُمى شَيْبة: عبد المطلب. فقال المطلب : ويحكم ! إنما هو ابن أخي هاشم ، قَدِمْتُ به من المدينة. وفاة المطلبثم هلك المطلب برَدْمان من أرض اليمن ، فقال رجل من العرب يبكيه : قد ظمى الحجيجُ بعدَ المطلب بعدَ الجفانِ والشراب المُنْثَغِبْ ليت قريشا بعده على نَصَبْ مطرود يبكي المطلب وبني عبد مناف : وقال مطرود بن كعب الخزاعى، يبكي المطلب وبني عبد مناف جميعاً حين أتاه نعى نَوْفل بن عبد مناف ، وكان نوفل آخرهم هُلكا :
يا ليلة هَيَّجْتِ ليلاتـــــى إحدى لياليَّ القَسِيَّاتِ اسم عبد مناف وترتيب أولاده موتاوكان اسم عبد مناف : المغيرة، وكان أول بني عبد مناف هُلْكا : هاشم ، بغزة من أرض الشام ، ثم عبد شمس بمكة، ثم المطلب برَدْمان من أرض اليمن ، ثم نوفلا بسَلمان من ناحية العراق. شعر آخر لمطرود : فقيل لمطرود - فيما يزعمون - لقد قلت فأحسنت ، ولو كان أفحل مما قلتَ كان أحسن ، فقال : أنظروني لياليَ ، فمكث أياماً، ثم قال : يا عين جُودي ، وأذرِي الدمعَ وانهمري وابكي على السر من كعبِ المُغيراتِ يا عين ، واسْحَنْفري بالدمعِ واحتفلى وابكي خبيئةَ نفسى في الملماتِ وابكي على كلِّ فيَّاضٍ أخِي ثقة ضَخْمِ الدَّسيعة وهَّاب الجَزيلاتِ محضُ الضَّريبةِ، عالي الهمِّ ، مختلق جَلْدُ النَّجيزةِ، ناءٍ بالعظيماتِ صعبُ البديهةِ لا نِكْس ولا وَكِلٍ ماض العزيمة، متلاف الكريماتِ صقر توسط من كعب إذا نُسبوا بُحبوحة المجدِ والشُّم الرفيعاتِ ثم اندبي الفيضَ والفياضَ مُطَّلبا واستخرطي بعدَ فيْضاتٍ بجماتِ أمسى برَدْمان عنا اليومَ مغترباً يا لهفَ نفسى عليه بينَ أموات وابكي - لك الويلُ - إمَّا كنتِ باقيً لعبدِ شمسٍ بشرْقىِّ الثنيَّاتِ وهاشم في ضريحٍ وَسْط بَلْقَعَةٍ تَسْفي الرياح عليه بين غَزَّاتِ ونَوْفل كان دونَ القومِ خالصتى أمسى بسَلمَان في رَمس بمَوْماةِ لم ألقَ مثلَهمُ عُجماً ولا عرباً إذا استقلَّت بهم أدمُ المطيات أمستْ ديارُهُم منهم معطَّلةً وقد يكونون زَيْنا في السَّريات أفناهمُ الدهرُ، أم كلَّتْ سيوفُهمُ أم كلَّ من عاش أزوادُ المنيَّات أصبحتُ أرْضَى من الأقوام بعدَهمُ بَسْطَ الوجوهِ وإلقاءَ التحياتِ يا عين فابكي أبا الشُّعْثِ الشَّجيَّاتِ يَبْكينَه حُسَّراً مثلَ البليَّاتِ يبكين أكرمَ من يمشى على قدمٍ يُعْوِلْنَه بدموعٍ بعد عَبْرات يبكين شخصاً طويلَ الباع ذا فَجَر آبى الهضيمة، فَرَّاج الجليلاتِ يبكين عَمْرَو العُلا إذ حان مصرعُه سَمح السَّجيةِ، بسَّام العشياتِ يبكينه مُستكيناتٍ على حَزنٍ يا طولَ ذلك من حزنٍ وعَوْلاتِ يبكين لما جلاهنَّ الزمانُ له خُضْر الخدودِ كأمثالِ الحَمياتِ مُحتزمات على أوساطهن لما جرَّ الزمانُ مِنَ احداث المصيبات أبيت ليلى أراعي النجمَ من اًلمٍ أبكى، وتبكى معي شَجْوى بُنَياتي ما في القُروم لهم عِدْل ولا خَطَرٌ ولا لمن تركوا شَرْوَى بقياتِ أبناؤهم خيرُ أبناءٍ ، وأنفُسهم خيرُ النفوسِ لدى جَهْد الألِيَّاتِ كم وهبوا من طِمِر سابح أرِنٍ ومن طِمِرَّةِ نَهْبٍ في طِمَرَّاتِ ومن سيوفٍ من الهِنديِّ مُخْلَصَة ومن رماح كأشْطانِ الركياتِ ومن توابع مما يُفْضِلون بها عند المسائِل من بذْل العطيّاتِ فلو حَسنتُ وأحصى الحاسبون معي لم أقضِ أفعالَهم تلك الهنيَّاتِ هم المدِلون إمَّا معشر فخروا عندَ الفخارِ بأنسابٍ نَقِيَّاتِ زَيْنُ البيوتِ التي حَلُّوا مساكنها فأصبحت منهمُ وَحْشاً خَليَّاتِ أقول والعينُ لا ترقا مدامعُها لا يُبْعد اللّه أصحابَ الرزيَّاتِ قال ابن هشام : الفَجَر : العطاء. قال أبو خِرَاش الهُذَلي : عَجَّف أضيافي جميلُ بنُ معمر بذي فَجَر تأوى إليه الأراملُ قال ابن إسحاق : أبو الشُّعث الشجيات : هاشم بن عبد مناف. عبد المطلب يلي السقاية والرفادة : قال : ثم وَلِيَ عبدُ المطلب ابن هاشم السقاية والرِّفادة بعد عمه المطلب ، فأقامها للناس ، وأقام لقومه ما كان آباؤه يقيمون قبله لقومهم من أمرهم ، وشَرُف في قومه شرفاً لم يبلغْه أحدٌ من آبائه ، وأحبه قومُه وعَظُم خطره فيهم. ذكر حفر زمزم وما جرى من الخلف فيهاسبب حفر زمزم : ثم إن عبد المطلب بينما هو نائم في الحجر إذ أتي ، فأمر بحفر زمزم. قال ابن إسحاق : وكان أول ما ابتُدئ به عبد المطلب من سفرها، كما حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري عن مرثد بن عبد اللّه اليزني عن عبد اللّه بن زُرَيْر الغَافِقِي : أنه سمع علي بن أبى طالب رضي اللّه تعالى عنه يحدِّث حديثَ زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها، قال : قال عبد المطلب : إني لنائم في الحِجْر إذا أتانى آتٍ فقال : احفر طيبة. قال : قلت : وما طيبة؟ قال : ثم ذهب عني. فلما كان الغد رجعت إلى مضجعى فنمت فيه ، فجاءنى فقال : احفر بَرَّة. قال : فقلت : وما بَرَّة ؟ قال : ثم ذهب عنى، فلما كان. الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه ، فجاءنى فقال : احفر المضنونة. فقال : فقلت : وما المضنونة ؟ قال : ثم ذهب عني ، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي ، فنمت فيه ، فجاءنيِ فقال : احفر زَمْزَمَ. قال : قلت : وما زمزم ؟ قال لا تَنْزِفُ أبداً ولا تُذمُّ ، تسقى الحجيج الأعظم ، وهى بين الفَرْث والدم ، عند نُقْرة الغراب الأعْصم ، عند قرية النمل. قريش تنازع عبد المطلب في زمزمقال ابن إسحاق : فلما بين له شأنها، ودل على موضعها، وعرف أنه قد صُدِّقَ ، غدا بمعْوَله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ، ليس له يومئذ ولد غيره فحفر فيها فلما بدا لعبد المطلب الطى ، كَبَّر. التحاكم في بئر زمزم : فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته ، فقاموا إليه ، فقالوا : يا عبد المطلب ، إنها بئر أبينا إسماعيل ، وإن لنا فيها حقّاً فأشركنا معك فيها. قال : ما أنا بفاعل إن هذا الأمر قد خُصصتُ به دونَكم ، وأعطيته من بينكم ، فقالوا له : فأنصفنا، فإنا غيرُ تاركيك حتى نخاصمك فيها، قال : فاجملوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمْكم إليه ، قالوا: كاهنة بني سعد بن هُذَيْم ، قال. نعم قال : وكانت بأشراف الشام ، فركب عبد المطلب ومعه نفر من بنى أبيه من بني عبد مناف ، وركب من كل قبيلة من قريش نفر. قال : والأرض إذ ذاك مفاوز. قال : فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشام ، فَنِيَ ماء عبد المطلب وأصحابه ، فظمِئُوا حتى أيقنوا بالهلكة، فاستسقَوْا من معهم من قبائل قريش، فأبَوْا عليهم ، وقالوا : إنَّا بمفازة، ونحن نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم ، فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم ، وما يتخوَّف على نفسه وأصحابه ، قال : ما تَرَوْن ؟ قالوا ما رأينا إلا تبع لرأيك فمرنا بما شئت ، قال : فإنىّ أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما بكم الآن من القوة – فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه – حتى يكون آخركم رجلا واحدا، فضَيْعَةُ رجل واحد أيسر من ضَيْعة رَكْب جميعا قالوا : نِعْم ما أمرت به فقام كل واحد منهم فحفر حفرته ، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشاً، ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه : واللّه إن إلقاءَنا بأيدينا هكذا للموت ، لا نضرب في الأرض ، ولا نبتغى لأنفسنا، لعجز فعسى اللّه أن يرزقنا ماءً ببعض البلاد، ارتحِلوا، فارتحَلوا حتى إذا فرغوا، ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون ، تقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها فلما انبعثت به انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب ، فكبَّر عبد المطلب وكبَّر أصحابه ، ثم نزل فشرِب ، وشرب أصحابه ، واستَقَوْا حتى ملئوا أسقيَتهم ، ثم دعا القبائل من قريش، فقال : هلُمّ إلى الماء، فقد سقانا اللّه ، فاشربوا واستقوا. ثم قالوا : قد – واللّه – قضى لك علينا يا عبد المطلب واللّه لا نخاصمك في زمزم أبداً، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفَلاة لهو الذي سقاك زمزم ، فارجع إلى سقايتك راشداً. فرجع ورجعوا معه ، ولم يصلوا إلى الكاهنة وخلَّوْا بينه وبينها. قال ابن إسحاق : فهذا الذي بلغني من حديث على بن أبي طالب رضى اللّه عنه في زمزم ، وقد سمعت من يحدث عن عبد المطلب أنه قيل له حين أمر بحفر زمزم : ثم ادعُ بالماء الرَّوِيِّ غيرِ الكَدِرْ يسقى حجيجَ اللّه في كل مَبَرْ ليس يُخافُ منه شىء ما عَمَر فخرج عبد المطلب حين قيل له ذلك إلى قريش فقال : تعلَّموا أني قد أمرت أن أحفر لكم زمزم ، فقالوا : فهل بُيِّن لك أين هى ؟ قال : لا. قالوا: فارجع إلى مضجعك الذي رأيت فيه ما رأيت ؟ فإن يك حقا من اللّه يُبيَّن لك ، وإن يكن من الشيطان فلن يعودَ إليك. فرجع عبد المطلب إلى مضجعه ، فنام فيه ، فأتي فقيل له : احفر زمزم ، إنك إن حفرتها لم تندمْ ، وهى تراث من أبيك الأعظم ، لا تنزِف أبداً ولا تُذَم ، تسقي الحجيجَ الأعظم ، مثل نعام جافل لم يُقْسَم ، ينذر فيها ناذر لمنعم ، تكون ميراثا وعَقْداً مُحْكَم ؟ ليست كبعضِ ما قد تعلم ، وهي بين الفَرْثِ والدم. قال ابن هشام : هذا الكلام ، والكلام الذي قبله ، من حديث عَلي في حفر زمزم من قوله : " لا تنزف أبدا ولا تُذَم " إلى قوله : " عند قرية النمل " عندنا سجع وليس شعراً. قال ابن إسحاق : فزعموا أنه حين قيل له ذلك ، قال : وأين هي ؟ قيل له عند قرية النمل ، حيث ينقر الغرابُ غداً. واللّه أعلم أي ذلك كان. عبد المطلب يحفر زمزم : فغدا عبد المطلب ومعه ابنهُ الحارث ، وليس له يومئذ ولد غيره ، فوجد قريةَ النمل ووجد الغرابَ ينقر عندها بين الوثنين :إساف ونائلة، اللذيْن كانت قريش تنحر عندهما ذبائحها فجاء بالمِعْوَل وقام ليحفر حيث أمر، فقامت إليه قريش حين رأوا جِدَّه ، فقالوا : واللّه لا نتركك تحفر بين وثَنَيْنا هذين اللَّذيْن ننحر عندهما، فقال عبد المطلب لابنه الحارث : ذُدْ عني حتى أحفر، فواللّه لأمضينَّ لما أمرت به ، فلما عرفوا أنه غيرُ نازع خَلَّوا بينه وبين الحفر، وكفوا عنه ، فلم يحفر إلا يسيرا. حتى بدا له الطي ، فكبر وعَرِف أنه قد صُدق فلما تمادى به الحفر وجد فيها غزاليْن من ذهب ، وهما الغزالان اللَّذان دَفنت جُرْهم فيها حين خرجت من مكة، ووجد فيها أسيافا قَلْعية وأدراعا فقالت له قريش : يا عبد المطلب ، لنا معك في هذا شِرْك وحقّ ، قال : لا، ولكن هَلُمّ إلى أمر نَصَفٍ بينى وبينكم ، نضرب عليها بالقِداح ، قالوا : وكيف تصنع ؟ قال : أجعل للكعبة قِدْحَيْن ، ولى قِدْحَيْن ولكم قِدْحَيْن فمن خرج له قِدْحاه على شئ كان له ، ومن تخلَّف قدحاه فلا شىء له قالوا : أنصَفْت ، فجعل قِدْحين أصفرين للكَعبة، وقِدْحَيْن أسودين لعبد المطلب ، وقِدْحَيْن أبيضين لقريش ، ثم أعطوا القداحَ صاحبَ القداحِ الذي يُضرب بها عند هُبل – وهُبل : صنم في جوف الكعبة، وهو أعظم أصنامهم ، وهو الذي يعنى أبو سفيان بن حرب يوم أحد حين قال : أعْلِ هُبَل أي أظهرْ دينك - وقام عبد المطلب يدعو اللّه عز وجل ، فضرب صاحب القداحِ القداحَ ، فخرج الأصْفران على الغزالين للكعبة، وخرج الأسودان في الأسياف ، والأدراع لعبد المطلب ، وتخلف قدحا قريش. فضرب عبد المطلب الأسياف باباً للكعبة، وضرب في الباب الغزالين من ذهب ، فكان أول ذهب حُلِّيته الكعبة - فيما يزعمون - ثم إن عبد المطلب أقام سقاية زمزم للحجاج. ذكر بئار قبائل قريشقال ابن هشام : وكانت قريش قبل حفر زمزم قد احتفرت بئارا بمكة، فيما حدثنا زياد بن عبد اللّه البكائى عن محمد بن إسحاق ، قال : عبد شمس يحفر الطَّوِي : حفر عبد شمس بن عبد مناف الطَّوِيَّ ، وهى البئر التي بأعلى مكة عند البيضاء، دار محمد بن يوسف. هاشم يحفر بذَّر : وحفر هاشم بن عبد مناف بَذَّر، وهى البئر التي عند المسْتَنْذَر، خَطْم الخَنْدمة على فم شِعْب أبي طالب ، وزعموا أنه قال حين حفرها:لأجعلنَّها بلاغا للناس. قال ابن هشام : وقال الشاعر : سقى اللّه أمواهاً عرفتُ مكانَها جُرَاباً ومَلْكوما وبَذَّرَ والغَمْرا سَجْلَة والاختلاف فيمن حفرها : قال ابن إسحاق : وحفر سَجْلَة، وهي بئر المُطْعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف التي يَسْقون عليها اليوم. ويزعم بنو نوفل أن المُطْعِم ابتاعها من أسد بن هاشم ، ويزعم بنو هاشم أنه وهبها له حين ظهرت زمزم ، فاستغنوا بها عن تلك الآبار. أمية بن عبد شمس يحفر الحفر: وحفر أمية بن عبد شمس الحَفْر لنفسه. بنو أسد تحفر سقية : وحفرت بنو أسد بن عبد العزى : سُقَيَّة، وهي بئر بني أسد. بنو عبد الدار تحفر أم أحْرَاد : وحفرت بنو عبد الدار : أمَّ أحْرَاد. بنو جمح تحفر السُنبُلة : وحفرت بنو جُمَح : السُّنْبُلة، وهي بئر خَلَف بن وَهْب. بنو سهم تحفر الغمْر : وحفرت بنو سهم : الغَمْر، وهي بئر بني سَهْم. أصحاب رُم وخم والحفْر : وكانت آبار حفائر خارجا من مكة قديمة من عهد مرة بن كعب ، وكلاب بن مُرة، وكبراء قريش الأوائل منها يشربون ، وهى رُمّ، ورُمّ : بئر مرة بن كعب بن لؤيّ. وخُمّ وخُمّ : بئر بني كلاب بن مرة، والحَفْر. قال حذيفة بن غانم أخو بني عدي بن كعب بن لؤيّ : قال ابن هشام : وهو أبو أبى جَهْم بن حُذَيفة : وقِدْماً غَنَينا قبل ذلك حِقْبة ولا نستقى إلا بخَم أو الحَفْرِ قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له ، وسأذكرها إن شاء اللّه في موضعها. فضل زمزم على سائر المياه : قال ابن إسحاق : فعفَّت زمزم على المياه التي كانت قبلها يَسْقي عليها الحاجُّ وانصرف الناس إليها لمكانها من المسجد الحرام؛ ولفضلها على ما سواها من المياه؛ ولأنها بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. بنو عبد مناف يفتخرون بزمزم : وافتخرت بها بنو عبد مناف على قريش كلِّها، وعلى سائر العرب ، فقال مسافر بن أبى عمرو بن أمية ابن عبد مناف ، وهو يفخر على قريش بما ولوا عليهم من السِّقاية والرفادة، وما أقاموا للناس من ذلك ، وبزمزم حين ظهرت لهم ، وإنما كان بنو عبد مناف أهل بيت واحد، شَرَفُ بعضهم لبعض شَرَف وفضْلُ بعضهم لبعضٍ فضل :
ورثنا المجدَ من آبــــا ئنا فَنَمَى بنا صعُدَا قال ابن إسحاق : وقال حذيفة بن غانم أخو بني عَدي بن كعب بن لؤي :
وساقي الحجيج ، ثم للخبْز هاشـــمٌ وعبد مناف ذلك السيد الفِهْري ذكر ئذْر عبد المطلب ذبحَ ولدهقال ابن إسحاق : وكان عبد المطلب بن هاشم - فيما يزعُمون واللّه أعلم - قد نذر حين لقىَ من قريش ما لقي عند حفر زمزم : لئن وُلد له عَشرةُ نَفَر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه ؛ لينحرنَّ أحدَهم للّه عند الكعبة. فلما توافي بنوه عشرةً، وعرف أنهم سيمنعونه ، جَمَعهم. ثم أخبرهم بنذره ، ودعاهم إلى الوفاء للّه بذلك ، فأطاعوه وقالوا : كيف نصنع ؟ قال : ليأخذ كل رجل منكم قِدْحا ثم يكتب فيه اسمه ثم ائتوني ، ففعلوا، ثم أتَوْه ، فدخل بهم على هُبل في جوف الكعبة، وكان هبل على بئر في جَوْف الكعبة، وكانت تلك البئر هي التي يُجمع فيها ما يُهْدَى للكعبة. قداح هبلُ السبعة : وكان عند هبل قِداح سبعة، كل قِدْح منها فيه كتاب. قِدْح فيه " العَقْل "، إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ، ضربوا بالقداح السبعة، فإن خرج العقل فعلى من خرج حمله. وقدح فيه ( نَعَم ) للأمر إذ أرادوه يُضرب به القداح ، فإن خرج قدح نعم ، عملوا به. وقدح فيه ( لا ) إذا أرادوا أمراً ضربوا به القِداح ، فإن خرج ذلك القدح لم يفعلوا ذلك الأمر، وقِدْح فيه ( منكم ) وقدح فيه ( مُلصَق ) ، وقدح فيه ( من غيركم ) ، وقدح فيه ( المياه ) ، إذا أرادوا أن يحفروا الماء ضربوا بالقداح ، وفيها ذلك القِدْح ، فحيثما خرج عملوا به. وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلاما، أو يُنكحوا مَنْكحا، أو يدفنوا مَيْتاً،أو شَكوا في نسب أحدهم ، ذهبوا به إلى هُبَل وبمائة درهم وجزور، فأعطوها صاحب القداح الذي يَضْرب بها، ثم قرَّبوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون ، ثم قالوا : يا إلهنا هذا فلان ابن فلان قد أردنا به كذا، فأخرج الحقَّ فيه. ثم يقولون لصاحب القِداح : اضرب : فإن خرج عليه : ( منكم ) كان منهم وسيطاً، وإن خرج عليه : ( من غيركم ) كان حليفا، وإن خرج عليه : ( مُلْصَق ) كان على منزلته فيهم ، لا نسب له ، ولا حِلف ، وإن خرج فيه شيء مما سوى هذا مما يعملون به ( نعم ) عملوا به ، وإن خرج : ( لا ) أخروه عامه ، وذلك حتى يأتوه به مرة أخرى، ينتهون في أمورهم إلى ذلك مما خرجت به القِداح. عبد المطلب يحتكم إلى القداحفقال عبدُ المطلب لصاحب القِداح : اضرب على بَنيَّ هؤلاء بقداحهم هذه ، وأخبره بنذره الذي نذر، فأعطاه كل رجل منهم قِدْحه الذي فيه اسمه ، وكان عبد اللّه بن عبد المطلب أصغر بني أبيه، كان هو والزبير وأبو طالب لفاطمة بنت عمرو ابن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يَقَظَة بن مُرة بن كعب بن لُؤَيّ بن غالب بن فِهْر. قال ابن هشام : عائذ بن عمران بن مخزوم. خروج القداح على عبد اللّهقال ابن إسحاق : وكان عبد اللّه فيما يزعمون : أحب ولد عبد المطلب إليه ، فكان عبد المطلب يرى أن السهم إذا أخطأه فقد أشْوَى. وهو أبو رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فلما أخذ صاحب القِداح - القداح - ليضرب بها، قام عبد المطلب عند هُبل يدعو اللّه ، ثم ضرب صاحب القداح ، فخرج القِدْح على عبد اللّه. عبد المطلب يحاول ذبح ابنه ومنع قريش لهفأخذه عبد المطلب بيده وأخذ الشَّفْرة ثم أقبل به إلى إِسَاف ونائلة ليذبحه ، فقامت إليه قريش من أنديتها، فقالوا : ماذا تريد يا عبد المطلب ؟ قال : أذبحه ، فقالت له قريش وبنوه : واللّه لا تذبحه أبداً، حتى تُعْذر فيه. لئن فعلت هذا لا يزال الرجلُ يأتي بابنه حتى يذبحه ، فما بقاءُ الناس على هذا ؟! وقال له المغيرة بن عبد اللّه بن عَمرو بن مخزوم بن يَقَظة - وكان عبد اللّه ابن أخت القوم : واللّه لا تذبحه أبداً، حتى تُعْذر فيه ، فإن كان فداؤه بأموالنا فديناه. وقالت له قريش وبنوه : لا تفعل ، وانطلقْ به إلى الحجاز فإن به عَرَّافة لها تابع ، فسلْها، ثم أنت على رأس أمرك ، إن أمرتك بذبحه ذبحته ، وإن أمرتك بأمر لك وله في فرج قبلته. ما أشارت به عَرَّافة الحجازفانطلقوا حتى قدموا المدينة، فوجدوها - فيما يزعمون - بخيبر. فركبوا حتى جاءوها، فسألوها، وقص عليها عبد المطلب خبره وخبر ابنه ، وما أراد به ونذرَه فيه ، فقالت لهم : ارجعوا عنى اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله. فرجعوا من عندها، فلما خرجوا عنها قام عبد المطلب يدعو اللّه ، ثم غدوا عليها فقالت لهم : قد جاءني الخبر، كم الدية فيكم ؟ قالوا : عشرٌ من الإبل ، وكانت كذلك. قالت : فارجعوا إلى بلادكم ، ثم قربوا صاحبكم ، وقربوا عشراً من الإبل ، ثم اضربوا عليها وعليه بالقِدَاح ، فإن خرجت على صاحبكم ، فزيدوا من الإبل حتى يرضي ربكم ، وإن خرجتْ على الإبل فانحروها عنه ، فقد رضيَ ربُّكم ، ونجا صاحبُكم. تنفيذ وصية العرافة ونجاة عبد اللّهفخرجوا حتى قدموا مكة، فلما أجمعوا على ذلك من الأمر، قام عبد المطلب يدعو اللّه ، ثم قربوا عبد اللّه وعشراً من الإبل ، وعبد المطلب قائم عند هبل يدعو اللّه عز وجل !! ثم ضربوا فخرج القِدْح على عبد اللّه ، فزادوا عشراً من الإبل ، فبلغت الإبل عشرين ، وقام عبد المطلب يدعو اللّه عز وجل ، ثم ضربوا فخرج القِدْح على عبد اللّه ، فزادوا عشراً من الإبل ، فبلغت الإبل ثلاثين ، وقام عبد المطلب يدعو اللّه ثم ضربوا، فخرج القِدْح على عبد اللّه، فزادوا عشراً من الِإبل ، فبلغت الإبل أربعين ، وقام عبد المطلب يدعو اللّه، ثم ضربوا، فخرج القِدْح على عبد اللّه ، فزادوا عشراً من الإبل ، فبلغت الإبل خمسين ، وقام عبد المطلب يدعو اللّه عز وجل ، ثم ضربوا فخرج القِدْح على عبد اللّه ، فزادوا عشراً من الإبل ، فبلغت الإبل ستين ، وقام عبد المطلب يدعو اللّه ثم ضربوا، فخرج القِدْح على عبد اللّه ، فزادوا عشراً من الإبل ،.فبلغت الإبل سبعين ، وقام عبد المطلب يدعو اللّه ، ثم ضربوا، فخرج القِدْح على عبد اللّه ، فزادوا عشراً من الإبل ، فبلغت الإبل ثمانين ، وقام عبد المطلب يدعو اللّه عز وجل ، ثم ضربوا فخرج القِدْح على عبد اللّه ، فزادوا عشراً من الإبل ، فبلغت الإبل تسعين ، وقام عبد المطلب يدعو اللّه ثم ضربوا، فخرج القِدْح على عبد اللّه ، فزادوا عشراً من الإبل ، فبلغت الإبل مائة، وقام عبد المطلب يدعو اللّه ، ثم ضربوا، فخرج القِدْح على الإبل ، فقالت قريش ومن حضر : قد انتهى رضا ربِّك يا عبد المطلب ، فزعموا أن عبد المطلب قال : لا واللّه حتى أضربَ عليها ثلاثَ مرات ، فضربوا على عبد اللّه ، وعلى الإبل ، وقام عبد المطلب يدعو اللّه ، فخرج القدح على الإبل ، ثم عادوا الثانية، وعبد المطلب قائم يدعو اللّه ، فضربوا، فخرج القِدْح على الإبل ، ثم عادوا الثالثة، وعبد المطلب قائم يدعو اللّه ، فضربوا، فخرج القِدْح على الإبل ، فنُحرت ، ثم تُركت لا يُصَدُّ عنها إنسان ولا يُمْنَع. قال ابن هشام : ويقال : إنسان ولا سَبُعٌ. قال ابن هشام : وبين أضعاف هذا الحديث رجز لم يصح عندنا عن أحد من أهل العلم بالشعر. ذكر المرأة المتعرضة لنكاح عبد اللّه بن عبد المطلب عبد اللّه يرفضهاقال ابن إسحاق : ثم انصرف عبد المطلب آخذاً بيد عبد اللّه ، فمر به - فيما يزعمون - على امرأة من بني أسَد ابن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لُؤَيّ بن غالب ابن فِهر : وهي أخت ورقة بن نَوْفل بن أسد بن عبد العُزَّى، وهى عند الكعبة. فقالت له حين نظرت إلى وجهه : أين تذهب يا عبد اللّه ؟ قال : مع أبي. قالت : لك مثلُ الإبل التى نُحرت عنك ، وقعْ عَليَّ الآن. قال :أنا مع أبي ، ولا أستطيع خلافه ، ولا فراقه. عبد اللّه يتزوج آمنة بنت وهب : فخرج به عبدُ المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مَناف بن زُهْرة بن.كلاب بن مُرة بن كعب بن لُؤيّ ابن غالب بن فِهْر - وهو يومئذ سيد بنى زُهرة نسباً وشرفاً –فزوجه ابنته آمنة بنت وهب وهى يومئذ- أفضلُ امرأة في قريش نَسباً وموضعاً. أمهات آمنةوهى لبرَّة بنت عبد العُزَّى بن عثمان بن عبد الدار بن قُصيّ بن كلاب بن مُرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر. وبَرَّة لأم حبيب بنت أسَد بن عبد العُزّى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر. وأم حبيب : لبرة بنت عَوْف بن عُبيد بن عُوَيْج بن عدي بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فِهر. سبب زهد المرأة المعترضة لعبد اللّه فيه : فزعموا أنه دخل عليها حين أمْلِكها مكانه ، فوقع عليها، فحملت برسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ثم خرج من عندها، فأتى المرأة التي عرضت عليه ما عرضت ، فقال لها : ما لك لا تعرضين علي اليوم ما كنت عرضت علىَّ بالأمس ؟ قالت له : فارقك النورُ الذي كان معك بالأمس ، فليس لي بك اليوم حاجة. وقد كانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل - وكان قد تنصَّر واتبع الكتب : أنه كائن في هذه الأمة نبي. قصة حمل آمنة برسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلمقال ابن إسحاق : وحدثني أبي : إسحاقُ بن يسار : أنه حُدِّث ، أن عبد اللّه إنما دخل على امرأة. كانت له مع آمنة بنت وهب ، وقد عمل في طين له، وبه آثار من الطين ، فدعاها إلى نفسه ، فأبطأت عليه لما رأت به أثر الطين ، فخرج من عندها فتوضأ وغسل ما كان به من ذلك الطين ، ثم خرج عامدا إلى آمنة، فمرَّ بها، فدعته إلى نفسها، فأبى عليها، وعمد إلى آمنة، فدخل عليها فأصابها، فحملت بمحمد - صلى اللّه عليه وسلم - ثم مر بامرأته تلك : فقال لها : هل لك ؟ قالت : لا، مررتَ بى وبين عينيك غُرةٌ بيضاء، فدعوتُك فأبيْت علىَّ، ودخلت على آمنة فذهَبَتْ بها. قال ابن إسحاق : فزعموا أن امرأته تلك كانت تُحدث : أنه مر بها وبين عينيه غرة مثل غرة الفرس ، قالت : فدعوتُه رجاءَ أن تكون تلك بي ، فأبى على، ودخل على آمنة، فأصابها، فحملت برسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فكان رسولُ اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - أوسطَ قومه نسباً، وأعظمهم شرفاً من قِبل أبيه وأمِّه - صلى اللّه عليه وسلم. ذكر ما قيل لآمنة عند حملها برسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلمرؤيا آمنةويزعمون - فيما يتحدث الناسُ - واللّه أعلم - أن آمنة ابنة وهب أم رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - كانت تُحدِّثُ : أنها أتيت حين حَملت برسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فقيل لها : إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع إلى الأرض ، فقولي : أعيذه بالواحد، من شرّ كل حاسد، ثم سميه : محمداً ورأت حين حملت به أنه خرج منها نور رأت به قصور بُصْرَى، من أرض الشام. وفاة عبد اللّهثم لم يلبثْ عبدُ اللّه بن عبد المطلب ، أبو رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - أن هلك ، وأمُّ رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - حامل به. ولادة رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلمابن إسحاق يحدد الميلاد : قال حدثنا أبو محمد عبد الملك ابن هشام قال : حدثنا زياد بن عبد اللّه البكَّائى عن محمد بن إسحاق قال : وُلد رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يوم الاثنين ، لاثنتيْ عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول ، عامَ الفيل. قال ابن إسحاق : وحدثنى المطَّلب بن عبد اللّه بن قيس بن مَخْرَمة عن أبيه عن جَده قَيْس بن مَخْرمة. قال : وُلدت أنا ورسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - عام الفيل : فنحن لِدَتَانِ. قال ابن إسحاق : وحدثني صالحُ بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن يحيى بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن سعد بن زُرَارة الأنصاري. قال : حدثني من شئت من رجال قومي عن حسان بن ثابت ، قال : واللّه إنى لغلام يفعَة، ابن سبع سنين أو ثمان ، أعقل كل ما سمعت ، إذ سمعت يهوديّاً يصرخ بأعلى صوته على أطَمَة بيثْرب : يا معشرَ يهود ! حتى إذا اجتمعوا إليه ، قالوا له : ويلك ما لك ؟! قال : طلع الليلةُ نَجمُ أحمد الذي وُلد به. قال ابن إسحاق : فسألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت ، فقلت : ابن كم كان حسان بن ثابت مَقْدَم رسول اللّه – صلى اللّه عليه وسلم - المدينة ؟ فقال : ابن ستين ، وقدمها رسول اللّه – صلى اللّه عليه وسلم - وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، فسمع حسان ما سمع ، وهو ابن سبع سنين. إعلام جده لولادته وما فعله به : قال ابن إسحاق : فلما وضعته أمه - صلى اللّه عليه وسلم - أرسلت إلى جَدِّه عبد المطلب : أنه قد وُلد لك غلام ، فأته فانظرْ إليه ، فأتاه فنظر إليه ، وحَدَّثَتْه بما رأت حين حملت به ، وما قيل لها فيه ، وما أمرت به أن تسمِّيَه. فيزعمون أن عبد المطلب أخذه ، فدخل به الكعبة فقام يدعو اللّه ، ويشكر له ما أعطاه، ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها، والتُمس لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - الرُّضعاءُ. قال ابن هشام : المراضع. وفي كتاب اللّه تبارك وتعالى في قصة موسى عليه السلام : {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} [القصص:١٢]. مرضعته حليمةقال ابن إسحاق : فاسترضع له امرأة من بنى سعد بن بكر. يقال لها : حليمة ابنة أبى ذُؤيْب. نسب مرضعته : وأبو ذُؤيْب : عبد اللّه بن الحارث بن شِجْنَة بن جابر بن رِزام بن ناصرة بن فُصَيَّة بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عِكرمة بن خَصَفة بن قَيْس بن عَيْلان. زوج حليمة ونسبهواسم أبيه الذي أرضعه - صلى اللّه عليه وسلم – الحارث ابن عبد العُزَّى بن رفاعة بن مَلان بن ناصرة بن فُصَيَّة بن نصر بن سعد ابن بكر بن هوازن. قال ابن هشام ويقال : هلال بن ناصرة. أولاد حليمة قال ابن إسحاق : وإخوته من الرضاعة : عبد اللّه ابن الحارث ، وأنَيْسة بنت الحارث ، وخِذامة بنت الحارث ، وهي الشيماء، غلب ذلك على اسمها فلا تُعرف في قومها إلا به. وهم لحليمة بنت أبي ذؤيب ، عبد اللّه بن الحارث ، أم رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ويذكرون أن الشيماء كانت تحضنه مع أمها إذْ كان عندهم. قال ابن إسحاق : وحدثني جَهْم بن أبي جَهْم مولى الحارث بن حاطب الجُمحى، عن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب ، أو عمن حدثه عنه قال : حديث حليمة : كانت حليمة بنت أبي ذُؤيب السَّعْدية، أم رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - التي أرضعته، تُحدِّث : أنها خرجت من بلدها مع زوجها، وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء، قالت : وذلك في سنة شهباء، لم تُبقِ لنا شيئاً : قالت : فخرجت على أتان لي قمْراء، معنا شارف لنا، واللّه ما تَبِضُّ بقطرة، وما ننام لَيلَنا أجمعَ من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع ، ما في ثديي ما يغنيه ، وما في شارفنا ما يغدِّيه - قال ابن هشام : ويقال : يغذِّيه - ولكنا كنا نرجو الغَيْث والفرج ، فخرجت على أتانى تلك ، فلقد أدَمْتُ بالرَّكْب ، حتى شقَّ ذلك عليهم ضعفاً وعَجَفاً، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عُرض عليها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فتأباه ، إذا قيل لها إنه يتيم ، وذلك : أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي ، فكنا نقول : يتيم ؟! وما عسى أن تصنع أمه وجَدُّه ؟ فكنا نكرهه لذلك ، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري ، فلما أجمعنا الانطلاق قلتُ لصاحبى : واللّه إنى لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعاً، واللّه لأذهبن إلى ذلك اليتيم ، فلآخذتَّه ، قال : لا عليكِ أن تفعلي، عسى اللّه أن يجعلَ لنا فيه بركةً. قالت : فذهبتُ إليه فأخذتُه ، وما حملنى على أخذِه إلا أنى لم أجد غيرَه. الخير الذي أصاب حليمةقالت : فلما أخذتُه ، رجعتُ به إلى رحلي فلما وضعته في حِجْري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روي ، وشرب معه أخوه حتى روي ، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك ، وقام زوجى إلى شارفنا تلك ، فإذا إنها لحافل ، فحلب منها ما شَرِب ، وشربتُ معه حتى انتهينا رِيّاً وشبعاً، فبتنا بخير ليلة. قالت : يقول صاحبي حين أصبحنا : تعلَّمي واللّه يا حليمةُ، لقد أخذتِ نَسمةً مباركة، قالت : فقلت : واللّه إني لأرجو ذلك. قالت : ثم خرجنا وركبتُ أتانى، وحملته عليها معي ، فواللّه لقطعتْ بالرَّكْبِ ما يقدر عليها شىء من حُمُرِهم ، حتى إن صواحبي ليقلن لي: يا ابنة أبى ذُؤيْب ، ويحكِ ! أربعي علينا، أليستْ هذه أتانَك التي كنتِ خرجت عليها ؟ فأقول لهن : بلى واللّه. إنها لهي هي فيقلْنَ : واللّه إن لها لشأَناً. قالت : ثم قدمنا منازلنا من بلاد بنى سعد. وما أعلم أرضاً من أرض اللّه أجدبَ منها، فكانت غنمي تروح علىَّ حين قدمنا به معنا شِبَاعا لُبَّنا. فنحلب ونشرب. وما يحلب إنسان قطرة لبن ، ولا يجدها في ضَرْع. حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم : ويلكم أسرحوا حيث يسرحُ راعي بنت أبي ذُؤيب فتروح أغنامُهم جياعا ما تَبِضُّ بقطرة لبن ، وتروح غنمي شِباعا لُبَّناً، فلم نزل نتعرف من اللّه الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلتُه ؛ وكان يشِبُّ شبابا لا يشبُّه الغلمان ، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جَفراً. رجوع حليمة به إلى مكة أول مرةقالت : فقدمنا به على أمه ونحن أحرصُ شيء على مكثه فينا ؛ لما كنا نرى من بركته ؛ فكلمنا أمَّه ، وقلتُ لها : لو تركت بُنَيَّ عندي حتى يغلُظَ ، فإني أخشى عليه وباء مكة قالت : فلم نزل بها حتى ردته معنا. حديث الملكين اللذين شقا بطنه : قالت : فرجعنا به ، فواللّه إنه بعد مقدمنا بشهر مع أخيه لفى بَهْم لنا خلف بيوتنا، إذ أتانا أخوه يشتد، فقال لي ولأبيه : ذاك أخى القرشى قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض ، فأضجعاه ، فشقا بطنه ، فهما يَسُوطانه، قالت : فخرجت أنا وأبوه نحوه فوجدناه قائما منتقعا وجْهُه. قالت : فالتزمته والتزمه أبوه ، فقلنا له : ما لك يا بُنَيّ ، قال : جاءني رجلان عليهما ثياب بيض ، فأضجعانى وشقَّا بطني ، فالتمسا شيئا لا أدري ما هو. قالت : فرجعنا إلى خِبائنا. حليمة ترد محمداً - صلى اللّه عليه وسلم - إلى أمهقالت : وقال لي أبوه : يا حليمة، لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب ، فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به ، قالت : فاحتملناه ، فقدمنا به على أمّه ، فقالت : ما أقدمك به يا ظِئْرُ، وقد كنتِ حريصة عليه ، وعلى مكثه عندك ؟ قالت : فقلت : فقد بلغ اللّه بابني وقضيت الذي عليَّ ، وتخوفتُ الأحداث عليه ، فأديته إليك كما تحبين. قالت : ما هذا شأنك ، فأصدُقيني خبرك. قالت : فلم تَدَعْني حتى أخبرتُها. قالت : أفتخوفتِ عليه الشيطانَ ؟ قالت : قلت : نعم ، قالت : كلا. واللّه ما للشيطان عليه من سبيل ، وإن لِبُنَىّ لشأنا، أفلا أخبرك خبره. قالت : قلت : بلى. قالت : رأيت حين حملتُ به : أنه خرج مني نور أضاء قصور بُصْرَى من أرض الشام. ثم حملت به ، فواللّه ما رأيت : من حمل قطُّ كان أخفَّ ولا أيسر منه ، ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرضِ ، رافع رأسه إلى السماء. دعيه عنك ، وانطلقي راشد ة. الرسول يُسأل عن نفسه وإجابته – صلى اللّه عليه وسلم–
قال ابن إسحاق : وحدثني ثَوْر بن يزيد عن بعض أهل العلم ، ولا أحسبه إلا عن خالد بن مَعْدان الكَلاعي : أن نفراً من أصحاب رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - قالوا له : يا رسول اللّه ، أخبرنا عن نفسك ؟ قال : نعم ، أنا دعوةُ أبى إبراهيم ، وبُشْرى أخي عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصورَ الشام، واسْتُرضِعْتُ في بني سعد بن بكر. فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بَهْما لنا : إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطَسْت من ذهب مملوءة ثلجا. ثم أخذاني فشقا بطنى، واستخرجا قلبي ، فشقَّاه فاستخرجا منه عَلَقَةً سوداء فطرحاها. ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه، ثم قال أحدُهُما لصاحبه : زنه بعشرة من أمته ، فوزنني بهم فوزنتُهم ، ثم قال : زنه بمائة من أمته. فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال : زنه بألف من أمته ، فوزننى بهم فوزنتهم. فقال : دعه عنك ، فواللّه لو وزنته بأمته لوزنها. رعيه - صلى اللّه عليه وسلم - الغنم وافتخاره بقرشيتهقال ابن إسحاق : وكان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يقول : " ما من نبي إلا وقد رعَى الغنم ، قيل : وأنت يا رسول اللّه ؟ قال : وأنا ". قال ابن إسحاق : وكان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم- يقول لأصحابه : " أنا أعربكم ، أنا قرشي ، واستُرضعت في بنى سعد بن بكر ". افتقاد حليمة له صلى اللّه عليه وسلم قال ابن إسحاق : وزعم الناس فيما يتحدثون - واللّه أعلم - أن أمه السعدية لما قدمت به مكة أضلَّها في الناس ، وهي مُقبلة به نحو أهله ، فالتمسته فلم تجده ، فأتت عبد المطلب ، فقالت له : إني قد قدمت بمحمد هذه الليلة، فلما كنت بأعلى مكة أضلَّنى، فواللّه ما أدري أين هو، فقام عبد المطلب عند الكعبة يدعو اللّه أن يرده ، فيزعمون أنه وجده ورقة بن نوفل بن أسد، ورجل آخر من قريش، فأتيا به عبد المطلب ، فقالا له : هذا ابنك وجدناه بأعلى مكة، فأخذه عبد المطلب ، فجعله على عنقه ، وهو يطوف بالكعبة يُعَوِّذه ويدعو له ، ثم أرسل به إلى أمه آمنة. سبب آخر لرجوع حليمة به صلى اللّه عليه وسلم إلى مكة قال ابن إسحاق : وحدثنى بعضُ أهل العلم ، أن مما هاج أمه السعدية على رده إلى أمه ، مع ما ذكرت لأمه مما أخبرتها عنه ، أن نفراً من الحبشة نصارى رأوه معها حين رجعت به بعد فطامه ، فنظروا إليه ، وسألوها عنه وقلبوه ، ثم قالوا لها : لنأخذن هذا الغلام ، فلنذهبن به إلى مَلِكنا وبلدنا؛ فإن هذا غلام كائن له شأن نحن نعرف أمره ، فزعم الذي حدثنى أنها لم تكد تنفلت به منهم. وفاة آمنة وحال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلممع جده عبد المطلب بعدهاوفاة أمه صلى اللّه عليه وسلم قال ابن إسحاق : وكان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - مع أمه آمنة بنت وهب ، وجدِّه عبد المطلب بن هاشم في كلاءة اللّه وحفظه ، ينبته اللّه نباتا حسناً، لما يريد به من كرامته ، فلما بلغ رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ستَّ سنين ، تُوفيت أمه آمنة بنت وهب. عمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين وفاة أمه قال ابن إسحاق : حدثنى عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن أم رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم- آمنة تُوفيت ورسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم – ابنُ ستِّ سنين بالأبواء، بين مكة، والمدينة، وكانت قد قدمت به على أخواله ، من بني عدي بن النجار تُزيره إياهم ، فماتت ، وهى راجعة به إلى مكة. قال ابن هشام : أم عبد المطلب بن هاشم : سَلْمى بنت عَمرو النَّجَّارية، فهذه الخئولة التى ذكرها ابن إسحاق لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فيهم. إجلال عبد المطلب له (صلى اللّه عليه وسلم) قال ابن إسحاق : وكان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - مع جده عبد المطلب بن هاشم ، وكان يُوضعَ لعبد المطلب فِراش في ظلِّ الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فِراشه ذلك ، حتى يخرج إليه ، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالاً له ، قال : فكان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يأتى، وهو غلام جَفْر، حتى يجلس عليه ، فيأخذه أعمامه ، ليؤخروه عنه ، فيقول عبد المطلب - إذا رأى ذلك منهم : دعوا ابني ، فواللّه إن له لشأنا، ثم يجلسه معه على الفراش ويمسح ظهره بيده ، ويسره ما يراه يصنع. وفاة عبد المطلب وما رُثي به من الشعرفلما بلغ رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ثمانى سنين هلك عبد المطلب بن هاشم ، وذلك بعد الفيل بثمانى سنين. قال ابن إسحاق : وحدثني العباس بن عبد اللّه بن مَعْبد بن عباس ، عن بعض أهله : أن عبد المطلب توفي ورسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ابن ثمانى سنين. عبد المطلب يطلب من بناته أن يرثينه قال ابن إسحاق : حدثنى محمد بن سعيد بن المسيب : أن عبد المطلب لما حضرته الوفاة، وعرف أنه ميت جمع بناته ، وكُنَّ ستَّ نسوة : صَفية، وبَرَّة، وعاتكة، وأم حكيم البيضاء، وأمَيْمة، وأرْوَى، فقال لهن : ابكين علىَّ حتى أسمع ما تقلن قبل أن أموت. قال ابن هشام : ولم أر أحداً من أهل العلم بالشعر يعرف هذا الشعر، إلا أنه لما رواه عن محمد بن سعيد بن المسيب ، كتبناه : رثاء صفية بنت عبد المطلب لأبيها : فقالت صفية بنت عبد المطلب تبكى أباها :
أرِقتُ لصوتِ نائحةٍ بليــلٍ على رَجلٍ بقارعة الصَّعيدِ
أعَيْنيَّ جودا بدمـــــــــعٍ درر على طَيِّب الخِيم والمعتصرْ
أعَيْنيَّ جودَا، ولا تَبْخَــــــلا بدمعِكما بعدَ نَوْم النيام
ألا يا عينُ جودي واستهلِّي وبَكِّي ذا النَّدَى والمَكْرُماتِ ألا هلك الراعي العشيرةَ ذو الفَقْدِ وساقي الحجيجَ ، والمحامى عن المجدِ ومن يُؤْلف الضيفَ الغريبَ بيوتَه إذا ما سماءُ الناسِ تبخلُ بالرعدِ كسبتَ وليداً خير ما يكسبُ الفتى فلم تَنْفكك تزدادُ يا شَيْبةَ الحمدِ أبو الحارث الفياض ، خلَّى مكانَه فلا تبعدنْ ، فكلُّ حى إلى بُعْدِ فإني لباك - ما بقيتُ - ومُوجع وكان له أهلاً لما كان من وَجْدِي سقاك وليّ الناس في القبر مُمطراً فسوف أبَكِّيه ، وإن كان في اللحْدِ فقد كان زَيْنا للعشيرةِ كلِّها وكان حميداً حيثُ ما كان مِنْ حَمْدِ رثاء أروى بنت عبد المطلب لأبيها : وقالت أروى بنت عبد المطلب تبكي أباها :
بكت عيني ،وحُقَّ لها البكاءُ على سَمْحٍ ، سجيتُه الحياءُ قال ابن إسحاق : فزعم لي محمد بن سعيد بن المسيَّب أنه أشار برأسه، وقد أصمت : أن هكذا فابكيننى. نسب المسيِّب بن حَزْن : قال ابن هشام : المسيِّب بن حَزْن بن أبى وَهْب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم. رثاء حذيفة بن غانم لعبد المطلب : قال ابن إسحاق : وقال حذيفة بن غانم أخو بني عدي بن كعب بن لؤيّ يبكي عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف ، ويذكر فضله ، وفضل قُصى على قريش، وفضل ولده من بعده عليهم ، وذلك أنه أخذ بغرم أربعة آلاف درهم بمكة، فوقف بها فمر به أبو لهب : عبد العزى بن عبد المطلب ، فافتكه : أعينيّ جودا بالدموع على الصدر ولا تسأما أسْقِيتُما سَبَل القَطر وجودا بدمع ، واسفحا كل شارق بكاء امرئ لم يُشْوِه نائب الدهر وسُحَّا، وجُمَّا، واسجما ما بقيتما على ذي حياء من قريش ، وذي سِتر على رجل جَلْدِ القُوى، ذي حفيظة جميل المحيَّا غير نِكْس ولا هذْرِ على الماجدِ البُهلول ذي الباع واللّهى ربيع لُؤيّ في القُحُوط وفي العُسْر على خير حافٍ من مَعَد وناعل كريم المساعى، طيّب الخِيم والنحْرِ وخيرهمُ أصلا وفرعاً ومعدنا وأحظاهم بالمُكرمات وبالذكر وأولاهمُ بالمجدِ والحلمِ والنُّهى وبالفضْل عند المُجْحِفات من الغُبْر على شيبةِ الحمدِ الذي كان وجهُه يضيءُ سوادَ الليل كالقمر البدْرِ وساقي الحجيجَ ثم للخُبز هاشمٌ وعبد مناف ، ذلك السيد الفِهْري طوى زمزماً عند المقام ، فأصبحتْ سقايتُه فخراً على كلِّ ذي فَخْر لِيَبْكِ عليه كلُّ عانٍ بكرُبةٍ آل قُصى من مُقلّ وذي وَفْرِ بنوه سَراة، كهلُهم وشبابُهم تفيَّق عنهمْ بيضةُ الطائر الصقر قُصَي الذي عادى كنانةَ كلَّها ورابط بيتَ اللّه في العُسر واليسر فإن تكُ غالته المنايا وصرفُها فقد عاش ميمونَ النقيبةِ والأمرِ وأبقى رجالاً سادةً غيرَ عُزَّلٍ مصاليتَ ، أمثالَ الرُّدَيْنيَّة السُّمْرِ أبو عتبة الملقَى إلىَّ حباؤه أغرُّ، هِجانُ اللونِ من نَفر غُرِّ وحمزةُ مثلُ البدرِ، يهتز للنَّدَى نقيُّ الثيابِ والذّمامِ من الغَدْرِ وعبدُ منافٍ ماجذ ذو حَفيظةٍ وَصولٌ لذي القربى رحيم بذي الصهرِ كهولُهم خيرُ الكهولِ ، ونسلُهم كنسلِ الملوكِ ، لا تبورُ ولا تحرى متى ما تُلاقي منهمُ الدهرَ ناشئاً تجدْه بإجْريَّا أوائله يَجْري هُمُ ملئوا البطحَاء مجداً وعزَّةً إذا استُبق الخيراتُ في سالف العصر وفيهم بناة للعُلا وعِمارة وعبدُ مناف جَدُّهمْ ، جابرُ الكسر بإنكاحِ عوفي بنتَه ليجيرَنا من أعدائنا إذ أسلمتنا بنو فِهر فسرنا تِهامِي البلادِ ونجدَها بأمنِه حتى خاضت العيرُ في البحر وهم حضروا والناسُ بادٍ فريقُهم وليس بها إلا شيوخ بنى عمرو بنوْها دياراً جَمةً، وطَوَوْا بها بئاراً تسُحُّ الماءَ من ثَبَجِ البحرِ لكي يشربُ الحجاجُ منها، وغيرُهم إذا ابتدروها صُبح تابعة النحر ثلاثة أيام تظلُّ ركابهُمُ مُخيسةً بين الأخاشبِ والحِجْرِ وقِدْما غَنِينا قبلَ ذلك حِقبةً ولا نستَقى إلا بخُمَّ أو الحَفْرِ وهم يغفرون الذنبَ يُنقَم دونَه ويعفون عن قولِ السفاهةِ والهُجْرِ وهم جمعوا حلفَ الأحابيش كلِّها وهم نكَّلوا عنا غُواةَ بني بكرِ فخارجَ إما أهلكنَّ ، فلا تزل لهم شاكراً حتى تُغيَّب في القبرِ ولا تنس ما أسدَى ابنُ لُبنى؛ فإنه قد اسدى يداً محقوقةً منك بالشكرِ وأنت ابن لبنى من قصى إذا انتموا بحيث انتهى قصد الفؤاد من الصدر وأنت تناولت العُلا، فجمعتها إلى مَحتدٍ للمجدِ ذي ثَبَج جَسْرِ سبقتَ وفُتَّ القومَ بَذْلاً ونائلاً وسُدْتَ وليداً كلَّ ذي سؤددٍ غَمْرِ وأمُّك سِر من خُزاعة جوهرٌ إذا حَصَّل الأنسابَ يوما ذوو الخُبْرِ إلى سبأ الأبطال تُنْمَى، وتنتمى فأكرمْ بها منسوبةً في ذُرا الزُّهرِ أبو شَمِر منهم ، وعمرُو بنُ مالك وذو جَدَنٍ من قومها وأبو الجبر وأسعدُ قادَ الناسَ عشرين حِجةً يؤيدُ في تلك المواطنِ بالنصر قال ابن هشام : " أمك سِرٌّ من خُزاعة "، يعنى أبا لهب ، أمه : لبنى بنت هاجر الخزاعي ، وقوله : " بإجريا أوائله " عن غير ابن إسحاق. رثاء مطرود الخزاعي لعبد المطلب : قال ابن إسحاق : وقال مطرود بن كعب الخزاعى يبكى عبد المطلب وبنى عبد مناف : يا أيها الرجلُ المُحَوِّل رحلَه هلا سألتَ عن آلِ عبد منافِ هَبَلَتْكَ أمُّك ، لو حَللتَ بدارِهم ضَمِنُوك من جُرْم ومن إقْرافِ الخالطين غنيَّهم بفقيرِهمً حتى يعودَ فقيرُهم كالكافي المنعِمين إذا النجوم تغيَّرت والظاعنين لرحلةِ الِإيلافِ والمطعمينَ إذا الرياحُ تناوحتْ حتى تغيبَ الشمسُ في الرّجَّاف إمَّا هَلَكْتَ أبا الفِعالِ فما جرى من فوقِ مثلك عَقْد ذاتِ نطافِ إلا أبيك أخي المكارم وحدَه وَالفيض مُطَّلب أبي الأضيافِ قال ابن إسحاق : فلما هلك عبد المطلب بن هاشم ولي زمزم والسقاية عليها بعده العباس بن عبد المطلب ، وهو يومئذ من أحدث إخوته سنا، فلم تزل إليه ، حتى قام الإسلام وهي بيده. فأقرها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم له على ما مضى من ولايته ، فهي إلى آل العباس ، بولاية العباس إياها، إلى اليوم. كفالة أبي طالب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلموكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد عبد المطلب مع عمه أبي طالب ، وكان عبد المطلب - فيما يزعمون - يوصِى به عمَّه أبا طالب ، وذلك لأن عبد اللّه أبا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبا طالب أخوان لأبٍ وأم. أمهما : فاطمة بنت عَمرو بن عائذ بن عَبْد بن عمران بن مخزوم. قال ابن هشام : عائذ بن عمران بن مخزوم. قال ابن إسحاق : وكان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد جده ، فكان إليه ومعه. اللّهبي العائف قال ابن إسحاق : وحدثني يحيي بن عبَّاد بن عبد اللّه بن الزبير، أن أباه حدثه : أن رجلا من لِهْبٍ - قال ابن هشام : ولهْب : من أزد شَنُوءة - كان عائفاً، فكان إذا قَدِم مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر إليهم ، ويعتافُ لهم فيهم. قال : فأتى به أبو طالب ، وهو غلام مع من يأتيه ، فنظر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم شغله عنه شئ ، فلما فرغ قال : الغلام. علىَّ به فلما رأى أبو طالب حرصَه عليه غيَّبه عنه ، فجعل يقول :ويلكم ! رُدوا عليَّ الغلامَ الذي رأيت آنفاً، فواللّه ليكوننَّ له شأن. قال : فانطلق أبو طالب. قصة بحيرىمحمد صلى اللّه عليه وسلم يخرج مع عمه إلى الشام قال ابن إسحاق : ثم إن أبا طالب خرج في رَكْب تاجراً إلى الشام ، فلما تهيأ للرحيل ، وأجمع المسير صَبَّ به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - فيما يزعمون - فرقَّ له ، وقال : واللّه لأخرجن به معى، ولا يفارقني ، ولا أفارقه أبداً، أو كما قال. فخرج به معه. بحيرى يحتفي بتجار قريش : فلما نزل الركب بُصْرَى من أرض الشام ، وبها راهب يقال له : بَحيرَى في صومعة له ، وكان إليه علم أهل النصرانية، ولم يزل في تلك الصومعة منذ قطُّ راهب، إليه يصير علمهم عن كتاب فيها - فيما يزعمون - يتوارثونه كابراً عن كابر. فلما نزلوا ذلك العام ببحِيرى، وكانوا كثيراً ما يمرون به قبل ذلك ، فلا يكلمهم ، ولا يَعْرِض لهم ، حتى كان ذلك العام. فلما نزلوا به قريباً من صومعته صنع لهم طعاماً كثيراً، وذلك - فيما يزعمون - عن شىء رآه في صومعته ، يزعمون أنه رأى رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا، وغمامة تُظِلُّه من بين القوم. قال : ثم أقبلوا فنزلوا في ظلِّ شجرةٍ قريباً منه ، فنظر إلى الغمامة حين أظلَّت الشجرةَ، وتهصَّرت أغصانُ الشجرةِ على رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - حتى استظلَّ تحتها، فلما رأى ذلك بَحيرى نزل من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصُنع ، ثم أرسل إليهم ، فقال : إنى قد صنعت لكم طعاماً يا معشر قريش ، فأنا أحب أن تحضروا، كلكم صغيرُكم وكبيركم وعبدُكم وحرُّكم ، فقال له رجل منهم : واللّه يا بَحيرَى إن لك لشأناً اليوم ! ما كنت تصنع هذا بنا، وقد كنا نمر بك كثيراً، فما شانك اليومَ ؟! قال له بَحيرَى : صدقتَ ، قد كان ما تقول ، ولكنكم ضيف ، وقد أحببتُ أن أكرمَكم ، وأصنعَ لكم طعاماً، فتأكلوا منه كلكم. فاجتمعوا إليه وتخلف رسولُ اللّه – صلى اللّه عليه وسلم – من بين القومِ ، لحداثة سنِّه ، في رحالِ القوم تحت الشجرة، فلما نظر بَحيرى في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده ، فقال : يا معشر قريش ! لا يتخلفنَّ أحدٌ منكم عن طعامي ، قالوا له : يا بَحيرى، ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيَك إلا غلام ، وهو أحدث القوم سِنّاً، فتخلف في رحالهم ، فقال : لا تفعلوا، ادعوه ، فليحضرْ هذا الطعام معكم. قال : فقال رجل من قريش مع القوم : واللات والعزى، إن كان لَلُؤمٌ بنا أن يتخلف ابنُ عبد اللّه بن عبد المطب عن طعام من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه ، وأجلسه مع القوم. بحيرى يتثبت من محمد صلى اللّه عليه وسلم: فلما رآه بَحيرى، جعل يلحظه لحظاً شديداً، وينظر إلى أشياء من جسده ، قد كان يجدها عنده من صفته ، حتى إذا فرغ القومُ من طعامهم وتفرقوا، قام إليه بحيرى، فقال : يا غلامُ ، أسالك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه ، وإنما قال له بَحيرى ذلك؛ لأنه سمع قومه يحلفون بهما فزعموا أن رسول اللّه – صلى اللّه عليه وسلم – قال : لا تساًلني باللات والعزى شيئاً، فواللّه ما أبغضتُ شيئاً قط بغضهما، فقال له بَحيرى : فباللّه إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه ، فقال له : سلني عما بدا لك. فجعل يسأله عن أشياء من حاله : من نومه وهيئته وأمورِه ، فجعل رسول اللّه – صلى اللّه عليه وسلم – يخبره ، فيوافق ذلك ما عند بَحيرى من صفته ، ثم نظر إلى ظهرهِ؛ فرأى خَاتَمَ النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده. قال ابن هشام : وكان مثلَ أثرِ المِحْجَم. بَحيرى يوصي أبا طالب بمحمد صلى اللّه عليه وسلمقال ابن إسحاق : فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب ، فقال له : ما هذا الغلام منك ؟ قال : ابنيٍ. قال له بَحيرى : ما هو بابنك ، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيّا، قال : فإنه ابن أخي ، قال : فما فعل أبوه ؟ قال : مات وأمه حُبلى به ، قال : صدقت ، فارجع بابن أخيك إلى بلده ، واحذر عليه يهودَ، فواللّه لئن رأوْه ، وعرفوا منه ما عرفت لَيَبْغُنه شرّاً، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم ، فأسرعْ به إلى بلاده. بعض من أهل الكتاب يريدون بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وسلم الشر فخرج به عمه أبو طالب سريعاً، حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام فزعموا فيما روى الناس : أن زرَيْراً وتَماماً ودَريساً - وهم نفر من أهل الكتاب - قد كانوا رأوا من رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - مثل ما رآه بحيرى في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبى طالب ، فأرادوه ، فردهم عنه بَحيرى، وذكَّرهم اللّه وما يجدون في الكتاب من ذكرِه وصفته ، وأنهم إن أجمعوا لما أرادوا به لم يخلصوا إليه ، ولم يزل بهم ، حتى عرفوا ما قال لهم ، وصدقوه بما قال ، فتركوه وانصرفوا عنه. محمد صلى اللّه عليه وسلم يشب على مكارم الأخلاقفشب رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - واللّه تعالى يكلؤه ويحفظُه ويحوطه من أقذار الجاهلية، لِمَا يريد به من كرامته ورسالته ، حتى بلغ أن كان رجلا أفضلَ قومه مروءة، وأحسنَهم خُلقا، وأكرمَهم حسبا، وأحسنَهم جواراً، وأعظمهم حِلما، وأصدقَهم حديثا، وأعظمَهم أمانةً، وأبعدهم من الفُحش والأخلاق التي تدنِّس الرجال تنزُّها وتكرما، حتى ما اسمه في قومه إلا الأمين ، لِمَا جمع اللّه فيه من الأمورِ الصالحة. رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحدث عن حفظ اللّه له وكان رسولُ اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فيما ذُكر لي يحدِّث عما كان اللّه يحفظه به في صغره وأمر جاهليته ، أنه قال : لقد رأيتُني في غلمانِ قريش ننقل حجارةً لبعضِ ما يلعب به الغلمان ، كلنا قد تعرَّى، وأخذ إزارَه ، فجعله على رقبته ، يحمل عليه الحجارةَ، فإنى لأقْبل معهم كذلك وأدبر، إذ لكمني لاكم ما أراه لكمةً وجيعةً ثم قال : شُدَّ عليك إزارَك. قال : فأخذته وشددته علىَّ، ثم جعلت أحملُ الحجارةَ على رقبتى وإزاري علىَّ من بين أصحابي. حرب الفِجَارقال ابن هشامٍ : فلما بلغ رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - أربعَ عشْرةَ سنةً، أو خَمسَ عشْرةَ سنة - فيما حدثني أبو عُبيدة النحوي ، عن أبي عَمْرو بن العَلاء - هاجت حرب الفِجَار بين قريش ومن معها من كِنانة، وبين قَيْس عَيْلان. سببهاوكان الذي هاجها أن عُروةَ الرَّحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صَعْصَعة بن معاوية بن هوازن ، أجار لَطيمةً للنعمان بن المُنذِر، فقال له البرَّاض بن قيس ، أحد بني ضَمرة ابن بكر بن عبد مَناة بن كنانة : أتجيرها على كنانة ؟ قال : نعم ، وعلى الخلق ، فخرج فيها عروة الرحَّال ، وخرج البرَّاض يطلب غفلته ، حتى إذا كان بتَيْمَن ذي طِلال بالعالية، غفل عُروة، فوثب عليه البراض ، فقتله في الشهر الحرام ، فلذلك سُمِّي : الفجار. وقال البراض في ذلك : وداهيةٍ تُهمُّ الناسَ قبلي شَدَدْتُ لها - بني بكر - ضُلوعي هدمتُ بها بيوتَ بنى كلابٍ وأرضعتُ المواليَ بالضُّروع رفعتُ له بذي طَلَّالَ كفِّي فَخَرَّ يميدُ كالجِذْعِ الصريع وقال لَبيد بنُ مالك بن جعفر بن كلاب : أبلغْ - إن عَرَضْتَ - بني كلابٍ وعامرَ والخطوبُ لها مَوَاسِي وبلِّغ - إن عَرَّضْتَ - بني نُمَيْر وأخوالَ القتيل بني هلالِ بأن الوافدَ الرَّحَّالَ أمسى مُقيماً عند تَيْمَنَ ذِي طِلَالِ وهذه الأبيات في أبيات له فيما ذكر ابن هشام. قتال هوازن لقريش قال ابن هشام : فأتى آتٍ قريشاً، فقال : إن البرَّاض قد قتل عُروةَ، وهم في الشهر الحرام بعُكَاظ ، وهَوازن لا تشعر، ثم بلغهم الخبر فاتبعوهم ، فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم ، فاقتتلوا حتى جاء الليل ، ودخلوا الحرمَ ، فأمسكت عنهم هوازن ،ثم التقوا بعد هذا اليوم أياما، والقوم متساندون ، على كل قبيلٍ من قريش وكنانة رئيس منهم ، وعلى كل قبيل من قيس رئيسٌ منهم. الرسول صلى اللّه عليه وسلم يشهد القتال وهو صغير وشهد رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - بعض أيامهم ، أخرجه أعمامه معهم ، وقال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم : كنت أنَبِّلُ على أعمامي ، أي أردّ عنهم نَبْلَ عدوِّهم ، إذا رموهم بها. سن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في هذه الحرب قال ابن إسحاق : هاجت حرب الفِجَار، ورسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ابن عشرين سنة. سبب تسمية هذا اليوم بالفجار : وإنما سُمى يومَ الفجار، بما استحلَّ هذان الحيان : كنانة وقَيْس عَيْلان فيه من المحارم بينهم. قائد قريش وكنانة : وكان قائد قريش وكنانة حرب بن أمية بن عبد شمس، وكان الظفر في أول النهار لقيس على كنانة، حتى إذا كان في وسط النهار كان الظفر لكنانة على قيس. قال ابن هشام: وحديث الفجار أطول مما ذكرت، وإنما منعنى من استقصائه قطعه حديث رسول اللّه – صلى اللّه عليه وسلم. تم بعون اللّه وحسن توفيقه الجزء الأول من كتاب السيرة النبوية لابن هشام ويليه إن شاء اللّه الجزء الثاني وأوله : حديث تزويج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خديجة رضي اللّه عنها |