٨بَاب مَا وَقع فِي هِجْرَة الْحَبَشَة من الْآيَاتأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُوسَى بن عقبَة قَالَ خرج جَعْفَر بن أبي طَالب فِي رَهْط من الْمُسلمين فِرَارًا بدينهم ان يفتنوا عَنهُ إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَبعثت قُرَيْش عَمْرو بن الْعَاصِ وَعمارَة بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وأمروهما ان يسرعا السّير ففعلا وأهدوا للنجاشي فرسا وجبة ديباج وأهدوا لعظماء الْحَبَشَة هَدَايَا فَلَمَّا قدما على النَّجَاشِيّ قبل هداياهم وأجلس عَمْرو بن الْعَاصِ على سَرِيره فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ إِن بأرضك رجَالًا مِنْهَا سُفَهَاء لَيْسُوا على دينكُمْ وَلَا على ديننَا فادفعهم إِلَيْنَا فَقَالَت عُظَمَاء الْحَبَشَة للنجاشي اجل فادفعهم اليهم فَقَالَ النَّجَاشِيّ لَا وَاللّه لَا أدفعهم إِلَيْهِ حَتَّى أكلمهم وَاعْلَم على أَي شَيْء هم فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ هم أَصْحَاب الرجل الَّذِي خرج فِينَا وسنخبرك بِمَا تعرف من سفههم وخلافهم الْحق إِنَّهُم لَا يشْهدُونَ ان عِيسَى ابْن اللّه وَلَا يَسْجُدُونَ لَك إِذا دخلُوا عَلَيْك كَمَا يفعل من أَتَاك فِي سلطانك فَأرْسل النَّجَاشِيّ الى جَعْفَر وَأَصْحَابه وَقد أَجْلِس النَّجَاشِيّ عَمْرو بن الْعَاصِ على سَرِيره فَلم يسْجد لَهُ جَعْفَر وَلَا أَصْحَابه وحيوه بِالسَّلَامِ فَقَالَ عَمْرو وَعمارَة ألم نخبرك خبر الْقَوْم فَقَالَ النَّجَاشِيّ أَلا تحدثوني ايها الرَّهْط مَا لكم لَا تحيوني كَمَا يحييني من اتاني من قومكم وأخبروني مَاذَا تَقولُونَ فِي عِيسَى بن مَرْيَم وَمَا دينكُمْ أنصارى أَنْتُم قالو لَا قَالَ فيهود انتم قَالُوا لَا قَالَ فعلى دين قومكم قَالُوا لَا قَالَ فَمَا دينكُمْ قَالُوا الاسلام قَالَ وَمَا الْإِسْلَام قَالُوا نعْبد اللّه وَحده لَا شريك لَهُ وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا قَالَ من جَاءَكُم بِهَذَا قَالُوا جَاءَنَا بِهِ رجل من أَنْفُسنَا قد عرفنَا وَجهه وَنسبه قد بَعثه اللّه إِلَيْنَا كَمَا بعث الرُّسُل إِلَى من قبلنَا فَأمرنَا بِالْبرِّ للْوَالِدين والصدق وَالْوَفَاء وَأَدَاء الامانة ونهانا ان نعْبد الْأَوْثَان وأمرنا ان نعْبد اللّه وَحده وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا فَصَدَّقْنَاهُ وعرفنا كَلَام اللّه وَعلمنَا ان الَّذِي جَاءَ بِهِ من عِنْد اللّه فَلَمَّا فعلنَا ذَلِك عَادَانَا قَومنَا وعادوا النَّبِي الصَّادِق وكذبوه وارادوا قَتله وأرادونا على عبَادَة الْأَوْثَان ففررنا إِلَيْك بديننا ودمائنا من قَومنَا فَقَالَ النَّجَاشِيّ وَاللّه إِن خرج هَذَا الامر إِلَّا من الْمشكاة الَّتِي خرج مِنْهَا امْر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ جَعْفَر واما التَّحِيَّة فان رَسُولنَا اُخْبُرْنَا ان تَحِيَّة أهل الْجنَّة السَّلَام فَأمرنَا بذلك فحييناك بِالَّذِي يحيي بِهِ بَعْضنَا بَعْضًا وَأما عِيسَى فَهُوَ عبد اللّه وَرَسُوله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ وَابْن الْعَذْرَاء البتول فخفض النَّجَاشِيّ يَده إِلَى الارض وَأخذ مِنْهَا عودا وَقَالَ وَاللّه مَا زَاد ابْن مَرْيَم على هَذَا وزن هَذَا الْعود فَقَالَ عُظَمَاء الْحَبَشَة وَاللّه لَئِن سَمِعت هَذَا الْحَبَشَة لتخلعنك فَقَالَ النَّجَاشِيّ وَاللّه لَا اقول فِي عِيسَى غير هَذَا أبدا ثمَّ قَالَ ارْجعُوا إِلَى هَذَا هديته يُرِيد عَمْرو بن الْعَاصِ وَاللّه لَو رشوني فِي هَذَا دبر ذهب والدبر فِي لِسَان الْحَبَشَة الْجَبَل مَا قبلته وَقَالَ لجَعْفَر وَأَصْحَابه امكثوا فانتم سيوم والسيوم الآمنون وَأمر لَهُم بِمَا يصلحهم من الرزق وَقَالَ من نظر إِلَى هَؤُلَاءِ الرَّهْط نظرة تؤذيهم فقد عرم اي فقد عَصَانِي وَكَانَ اللّه قد ألْقى الْعَدَاوَة بَين عَمْرو بن الْعَاصِ وَعمارَة فِي مسيرهما قبل أَن يقدما الى النَّجَاشِيّ ثمَّ اصطلحا حِين قدما على النَّجَاشِيّ ليدركا حاجتهما الَّتِي خرجا اليها من طلب الْمُسلمين فَلَمَّا أخطأهما ذَلِك رجعا إِلَى شَرّ مَا كَانَا عَلَيْهِ من الْعَدَاوَة فمكر عَمْرو بعمارة فَقَالَ يَا عمَارَة إِنَّك رجل جميل فَاذْهَبْ إِلَى امْرَأَة النَّجَاشِيّ فَتحدث عِنْدهَا إِذا خرج زَوجهَا فَإِن ذَلِك عون لنا فِي حاجتنا فراسلها عمَارَة حَتَّى دخل عَلَيْهَا فَلَمَّا دخل عَلَيْهَا انْطلق عَمْرو إِلَى النَّجَاشِيّ فَقَالَ لَهُ إِن صَاحِبي هَذَا صَاحب نسَاء وَإنَّهُ يُرِيد أهلك فَاعْلَم علم ذَلِك فَبعث النَّجَاشِيّ فَإِذا عمَارَة عِنْد امْرَأَته فَأمر بِهِ فَنفخ فِي أحليله ثمَّ القى فِي جَزِيرَة من الْبَحْر فجن واستوحش مَعَ الْوَحْش وَرجع عَمْرو الى مَكَّة قد أهلك اللّه صَاحبه وَخيَّب مسيره وَمنعه حَاجته وَورد نَحْو ذَلِك من طرق موصوله عَن ابْن مَسْعُود وَأبي مُوسَى وَأم سَلمَة بَاب مَا وَقع فِي قصَّة الصَّحِيفَة من الْآيَاتاخْرُج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن الزُّهْرِيّ قَالَ إِن الْمُشْركين اشتدوا على الْمُسلمين كأشد مَا كَانُوا حَتَّى بلغ الْمُسلمين الْجهد وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم الْبلَاء حِين هَاجر الْمُسلمُونَ إِلَى النَّجَاشِيّ وبلغهم إكرامه إيَّاهُم وَاجْتمعت قُرَيْش أَن يقتلُوا رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم عَلَانيَة فَلَمَّا رأى ابو طَالب عمل الْقَوْم جمع بني عبد الْمطلب وَأمرهمْ ان يدخلُوا رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم شِعْبهمْ ويمنعوه مِمَّن ارادوا قَتله فَاجْتمعُوا على ذَلِك مسلمهم وكافرهم فَلَمَّا عرفت قُرَيْش ان الْقَوْم قد منعُوا رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَاجْتمعُوا فَأَجْمعُوا امرهم ان لَا يجالسوهم وَلَا يبايعوهم وَلَا يدخلُوا بُيُوتهم حَتَّى يسلمُوا رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم للْقَتْل وَكَتَبُوا فِي مَكْرهمْ صحيفَة وعهودا ومواثيق لَا يقبلُوا من بني هَاشم أبدا صلحا حَتَّى يسلموه للْقَتْل فَلبث بَنو هَاشم فِي شِعْبهمْ ثَلَاث سِنِين وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم الْبلَاء والجهد وَقَطعُوا عَنْهُم الْأَسْوَاق فَلَا يتركون طَعَاما يقدم مَكَّة وَلَا بيعا إِلَّا بادروهم إِلَيْهِ فاشتروه فَلَمَّا كَانَ رَأس ثَلَاث سِنِين تلاوم رجال من بني عبد منَاف وَمن بني قصي وَرِجَاله سواهُم من قُرَيْش قد ولدتهم نسَاء من بني هَاشم وَرَأَوا انهم قد قطعُوا الرَّحِم واستخفوا بِالْحَقِّ وَأَجْمعُوا أَمرهم من ليلتهم على نقض مَا تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ من الْغدر والبراءة مِنْهُ وَبعث اللّه على صحيفتهم الأرضة فلحست كل مَا كَانَ فِيهَا من عهد و مَا كَانَ فِيهَا من شرك أَو ظلم اَوْ قطيعة رحم واطلع اللّه رَسُوله على الَّذِي صنع بصحيفتهم فَذكر ذَلِك رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم لأبي طَالب فَقَالَ أَبُو طَالب لَا والثواقب مَا كَذبَنِي فَانْطَلق يمشي بعصابة من بني عبد الْمطلب حَتَّى أَتَى الْمَسْجِد وَهُوَ حافل من قُرَيْش فَلَمَّا رَأَوْهُمْ عَامِدين بجماعتهم أَنْكَرُوا ذَلِك وظنوا انهم قد خَرجُوا من شدَّة الْبلَاء فَأتوا ليعطوهم رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَتكلم أَبُو طَالب فَقَالَ قد حدثت امور بَيْنكُم لم نذكرها لكم فَأتوا بصحيفتكم الَّتِي تعاهدتم عَلَيْهَا فَلَعَلَّهُ ان يكون بَيْننَا وَبَيْنكُم صلح وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك خشيَة ان ينْظرُوا فِي الصَّحِيفَة قبل ان يَأْتُوا بهَا فَأتوا بصحيفتهم معجبين بهَا لَا يَشكونَ ان رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم مدفوعا اليهم فَوَضَعُوهَا بَينهم فَقَالَ ابو طَالب إِنَّمَا أتيتكم لأعطيكم أمرا لكم فِيهِ نصف أَن ابْن أخي قد أَخْبرنِي وَلم يكذبنِي ان اللّه بَرِيء من هَذِه الصَّحِيفَة الَّتِي فِي أَيْدِيكُم ومحا كل اسْم هُوَ لَهُ فِيهَا وَترك فِيهَا غدركم وقطيعتكم إيانا وتظاهركم علينا بالظلم فان كَانَ الحَدِيث الَّذِي قَالَ ابْن اخي كَمَا قَالَ فأفيقوا فوَاللّه لَا يسلم أبدا حَتَّى نموت من عِنْد آخِرنَا وَإِن كَانَ الَّذِي قَالَ بَاطِلا رفعناه إِلَيْكُم فقتلتم أَو استحييتم قَالُوا قد رَضِينَا بِالَّذِي تَقول ففتحوا الصَّحِيفَة فوجدوا الصَّادِق المصدوق صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قد اخبر خَبَرهَا فَلَمَّا رأتها قُرَيْش كَالَّذي قَالَ قَالُوا وَاللّه إِن كَانَ هَذَا قطّ إِلَّا سحر من صَاحبكُم فَقَالَ اولئك النَّفر من بني عبد الْمطلب ان الأولى بِالْكَذِبِ وَالسحر غَيرنَا فَإنَّا نعلم ان الَّذِي اجْتَمَعْتُمْ عَلَيْهِ من قطيعتنا اقْربْ الى الجبت وَالسحر وَلَوْلَا انكم اجْتَمَعْتُمْ على السحر لم تفْسد صحيفتكم وَهِي فِي أَيْدِيكُم طمس اللّه مَا كَانَ فِيهَا من اسْم لَهُ وَمَا كَانَ من بغى تَركه أفنحن السَّحَرَة أم أَنْتُم فَقَالَ عِنْد ذَلِك النَّفر من بني عبد منَاف وَبني قصي نَحن برءاء من هَذِه الصَّحِيفَة وَخرج النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم ورهطه فعاشوا وخالطوا النَّاس وَقَالَ ابْن سعد أَنا مُحَمَّد بن عمر حَدثنِي الحكم بن الْقَاسِم عَن زَكَرِيَّا بن عمر وَعَن شيخ من قُرَيْش ان قُريْشًا لما كتبت الصَّحِيفَة وَمَضَت ثَلَاث سِنِين أطلع اللّه نبيه على أَمر صحيفتهم وَأَن الأرضة قد أكلت مَا كَانَ فِيهَا من جور وظلم وَبَقِي مَا كَا فِيهَا من ذكر اللّه فَذكر ذَلِك رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم لأبي طَالب فَقَالَ وَاللّه مَا كَذبَنِي ابْن أخي قطّ ثمَّ خرج إِلَى قُرَيْش فَأخْبرهُم فجيء بالصحيفة فَوجدت كَمَا قَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَسقط فِي ايدي الْقَوْم ونكسوا على رؤوسهم فَقَالَ ابو طَالب يَا معشر قُرَيْش علام نحصر ونحبس وَقد بَان الْأَمر وَتبين انكم اولى بالظلم والقطيعة والإساءة وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس وَعَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام وَعُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان بن جُبَير بن مطعم دخل حَدِيث بَعضهم فِي بعض قَالُوا لما بلغ قُريْشًا فعل النَّجَاشِيّ بِجَعْفَر وَأَصْحَابه وإكرامه إيَّاهُم كبر ذَلِك عَلَيْهِم وَكَتَبُوا كتابا على بني هَاشم ان لَا يناكحوهم وَلَا يبايعوهم وَلَا يخالطوهم وَكَانَ الَّذِي كتب الصَّحِيفَة مَنْصُور بن عِكْرِمَة الْعَبدَرِي فشلت يَده وعلقوا الصَّحِيفَة فِي جَوف الْكَعْبَة وحصروا بني هَاشم فِي شعب أبي طَالب لَيْلَة هِلَال الْمحرم سنة سبع من حِين تنبأ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم وَقَطعُوا عَنْهُم الْميرَة والمادة فَكَانُوا لَا يخرجُون إِلَّا من موسم إِلَى موسم حَتَّى بَلغهُمْ الْجهد فَقَالَ من سَاءَهُ ذَلِك من قُرَيْش انْظُرُوا مَاذَا أصَاب مَنْصُور بن عِكْرِمَة فأماموا فِي الشّعب ثَلَاث سِنِين ثمَّ اطلع اللّه رَسُوله على أَمر صحيفتهم وَأَن الأرضة قد أكلت مَا فِيهَا من جور وظلم وَبَقِي مَا كَانَ فِيهَا من ذكر اللّه وَأخرج ابْن سعد عَن عِكْرِمَة وَمُحَمّد بن عَليّ قَالَا أرسل اللّه على الصَّحِيفَة دَابَّة فَأكلت كل شَيْء فِيهَا إِلَّا اسْم اللّه وَفِي لفظ إِلَّا بِاسْمِك اللّهمَّ وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الزبير بن بكار قَالَ قَالَ أَبُو طَالب فِي قصَّة الصَّحِيفَة (ألم يأتكم أَن الصَّحِيفَة مزقت ... وَأَن كل مَا لم يرضه اللّه يفْسد) فِي أَبْيَات أخر وَأخرج ابو نعيم عَن عُثْمَان بن ابي سُلَيْمَان بن جُبَير بن مطعم قَالَ كَانَ كَاتب الصَّحِيفَة مَنْصُور بن عِكْرِمَة الْعَبدَرِي فشلت يَده حَتَّى يَبِسَتْ فَمَا كَانَ ينْتَفع بهَا فَكَانَت قُرَيْش تَقول بَينهَا إِن الَّذِي صنعنَا إِلَى بني هَاشم لظلم أنظروا مَا أصَاب مَنْصُور بن عِكْرِمَة |