Geri

   

 

 

İleri

 

٥

بَاب مَا سمع من الْكُهَّان والآصواب بِظُهُور النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم عِنْد بعثته

اخْرُج البُخَارِيّ عَن عمر بن الْخطاب رَضِي اللّه عَنهُ أَنه مر بِهِ رجل جميل فَسَأَلَهُ قَالَ كنت كاهنهم فِي الْجَاهِلِيَّة قَالَ فَمَا اعْجَبْ مَا جاءتك بِهِ جنيتك قَالَ بَينا انا يَوْمًا فِي سوق جَاءَتْنِي فِيهَا اعرف الْفَزع قَالَت

(ألم تَرَ الْجِنّ وأبلاسها ... ويأسها من بعد إنكاسها)

(ولحوقها بالقلاص وأحلاسها ... )

قَالَ عمر صدق بَينا انا نَائِم عِنْد آلِهَتهم إِذْ جَاءَ رجل بعجل فذبحه فَصَرَخَ مِنْهُ صارخ لم أسمع صَارِخًا قطّ أَشد صَوتا مِنْهُ يَقُول يَا جليح أَمر نجيح رجل نصيح يَقُول لَا إِلَه إِلَّا اللّه فَوَثَبَ الْقَوْم قلت لَا ابرح حَتَّى اعْلَم مَا وَرَاء هَذَا ثمَّ نَادَى كَذَلِك الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة فَقُمْت فَمَا نشبنا ان قيل هَذَا نَبِي

وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ ان بني غفار قربوا عجلا ليَذْبَحُوهُ على نصب من أنصابهم فَبَيْنَمَا هُوَ مَوْقُوف إِذْ صَاح فَقَالَ يَا لذريح أَمر نجيح صائح يَصِيح بِلِسَان فصيح يَدْعُو بِمَكَّة ان لَا إِلَه إِلَّا اللّه فكفوا عَنهُ وذهبوا ينظرُونَ فَإِذا النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قد بعث

وَأخرج احْمَد وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ حَدثنَا شيخ أدْرك الْجَاهِلِيَّة قَالَ كنت أسوق لآل لنا بقرة فَسمِعت من جوفها يَا لذريح قَول فصيح رجل يَصِيح أَن لَا إِلَه إِلَّا اللّه فقدمنا مَكَّة فَوَجَدنَا النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قد خرج بِمَكَّة

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْبَراء أَن عمر بن الْخطاب رَضِي اللّه عَنهُ قَالَ لسواد بن قَارب حَدثنَا ببدء اسلامك قَالَ كَانَ لي رئيي من الْجِنّ فَبينا انا ذَات لَيْلَة نَائِم إِذْ

جَاءَنِي قَالَ قُم فَافْهَم واعقل إِن كنت تعقل قد بعث رَسُول من لؤَي بن غَالب ثمَّ أنشأ يَقُول

(عجبت للجن وانجاسها ... وشدها العيس بأحلاسها)

(تهوي إِلَى مَكَّة تبغي الْهدى ... مَا مؤمنوها مثل أرجاسها)

(فانهض إِلَى الصفوة من هَاشم ... وَاسم بِعَيْنَيْك إِلَى راسها)

ثمَّ انبهني وأفزعني وَقَالَ يَا سَواد بن قَارب إِن اللّه تَعَالَى بعث نَبيا فانهض إِلَيْهِ تهتدي وترشد فَلَمَّا كَانَت فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة أَتَانِي فأنبهني ثمَّ أنشأ يَقُول

(عجبت للجن وتطلابها ... وشدها العيس بأقتابها)

(تهوي إِلَى مَكَّة تبغي الْهدى ... مَا صادقوا الْجِنّ ككذابها)

(فارحل الى الصفوة من هَاشم ... لَيْسَ قدامها كأذنابها)

فَمَا كَانَ فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة أَتَانِي فأنبهني ثمَّ قَالَ

(عجبت للجن وتجسارها ... وشدها العيس بأكوارها)

(تهوي إِلَى مَكَّة تبغي الْهدى ... لَيْسَ ذووا الشَّرّ كأخيارها)

(فانهض الى الصفوة من هَاشم ... مَا مؤمنو الْجِنّ ككفارها)

قَالَ فَلَمَّا سمعته يُكَرر عَليّ لَيْلَة بعد لَيْلَة وَقع فِي قلبِي حب الاسلام فَانْطَلَقت حَتَّى أتيت النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رَآنِي قَالَ مرْحَبًا بك يَا سَواد بن قَارب قد علمنَا مَا جَاءَ بك قلت يَا رَسُول اللّه قد قلت شعرًا فاسمعه مني فَقلت شعر

(أَتَانِي رئيي بعد ليل وبجعة ... وَلم يَك فِيمَا قد بلوت بكاذب)

(ثَلَاث لَيَال قَوْله كل لَيْلَة ... أَتَاك رَسُول من لؤَي بن غَالب)

(فشمرت عَن ساقي الْإِزَار ووسطت ... بِي الذعلب الوجناء عِنْد السباسب)

(فاشهد ان اللّه لَا رب غَيره ... وَأَنَّك مَأْمُون على كل غَائِب)

(وَأَنَّك ادنى الْمُرْسلين شَفَاعَة ... إِلَى اللّه يَا ابْن الاكرمين الأطائب)

(فمرنا بِمَا يَأْتِيك يَا خير من مَشى ... وَإِن كَانَ فِيمَا جَاءَ شيب الذوائب)

(وَكن لي شَفِيعًا يَوْم لَا ذُو شَفَاعَة ... سواك بمغن عَن سَواد بن قَارب)

هَذَا الحَدِيث لَهُ عدَّة طرق فَأخْرجهُ ابْن شاهين فِي الصَّحَابَة من طَرِيق الْفضل بن عِيسَى الْقرشِي عَن الْعَلَاء بن زيدل عَن انس بن مَالك قَالَ دخل سَواد بن قَارب على النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الْقِصَّة بِطُولِهَا

وَأخرجه الْحسن بن سُفْيَان فِي مُسْنده من طَرِيق الْحُسَيْن بن عمَارَة عَن عبد اللّه بن عبد الرَّحْمَن قَالَ دخل سَواد بن قَارب على عمر فَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ

وَأخرجه البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالْبَغوِيّ وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عباد بن عبد الصَّمد سَمِعت سعيد بن جُبَير أَخْبرنِي سَواد بن قَارب قَالَ كنت نَائِما فَذكره بِطُولِهِ

وَأخرجه الْحسن بن سُفْيَان وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن الوقاصي عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ دخل سَواد على عمر فَذكره بِطُولِهِ

وَأخرجه ابْن ابي خَيْثَمَة وَالرُّويَانِيّ فِي مُسْنده والخرائطي من طَرِيق أبي جَعْفَر الباقر قَالَ دخل سَواد بن قَارب على عمر فَذكره

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن هِشَام بن مُحَمَّد الْكَلْبِيّ قَالَ حَدثنِي شُيُوخ من شُيُوخ طي ان مازنا الطَّائِي كَانَ بِأَرْض عمان وَكَانَ يسدن الاصنام لأَهله وَكَانَ لَهُ صنم يُقَال لَهُ ناجز قَالَ مَازِن فعترت ذَات يَوْم عتيرة وَهِي الذَّبِيحَة فَسمِعت صَوتا من الصَّنَم يَقُول يَا مَازِن أقبل إِلَيّ أقبل تسمع مَا لَا يجهل هَذَا نَبِي مُرْسل جَاءَ بِحَق منزل فَآمن بِهِ كي تعدل عَن حر نَار تشعل وقودها بالجندل قَالَ مَازِن فَقلت إِن هَذَا وَاللّه لعجب ثمَّ عترت بعد ايام عتيرة أُخْرَى فَسمِعت صَوتا أبين من الأول وَهُوَ يَقُول يَا مَازِن اسْمَع تسر ظهر خير وبطن شَرّ بعث نَبِي من مُضر بدين اللّه الْأَكْبَر فدع نحيتا من حجر تسلم من حر سقر قَالَ مَازِن فَقلت وَاللّه إِن هَذَا لعجب وَأَنه لخير يُرَاد بِي وَقدم علينا رجل من الْحجاز فَقُلْنَا مَا الْخَبَر وَرَاءَك قَالَ خرج رجل بتهامة يَقُول لمن اتاه اجيبوا دَاعِي اللّه يُقَال لَهُ أَحْمد فَقلت هَذَا وَاللّه نبأ مَا سَمِعت

فرحلت حَتَّى أتيت رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فشرح لي الاسلام فَأسْلمت فَقلت يَا رَسُول اللّه إِن امْرُؤ مولع بالطرب وَشرب الْخمر والهلوك من النِّسَاء وألحت علينا السنون فاذهبن الْأَمْوَال واهزلن الذَّرَارِي وَالرِّجَال وَلَيْسَ لي ولد فَادع اللّه ان يذهب عني مَا اجد ويأتيني بِالْحَيَاءِ ويهب لي ولدا فَقَالَ النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم أللّهم أبدله بالطرب قِرَاءَة الْقُرْآن وبالحرام الْحَلَال وآته بِالْحَيَاءِ وهب لَهُ ولدا قَالَ مَازِن فَاذْهَبْ اللّه عني كلما كنت أجد وأخصبت عمان وَتَزَوَّجت ارْبَعْ حرائر ووهب اللّه لي حَيَّان بن مَازِن وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق هِشَام بن الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه عَن عبد اللّه الْعمانِي قَالَ كَانَ رجل منا يُقَال لَهُ مَازِن يسدن صنما قَالَ مَازِن فعترت عتيرة فَذكر نَحوه

وَأخرج ابْن سعد وَاحْمَدْ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الاوسط وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن جَابر ابْن عبد اللّه قَالَ اول خبر قدم الْمَدِينَة عَن النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم ان امْرَأَة من أهل الْمَدِينَة كَانَ لَهَا تَابع فجَاء فِي سُورَة طَائِر حَتَّى وَقع على حَائِط دِيَارهمْ فَقَالَت لَهُ الْمَرْأَة انْزِلْ قَالَ لَا إِنَّه بعث بِمَكَّة نَبِي منع منا الْقَرار وَحرم علينا الزِّنَا واخرجه ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن عَليّ بن حُسَيْن مُرْسلا

وَأخرج أَبُو نعيم عَن أَرْطَأَة بن الْمُنْذر قَالَ سَمِعت ضَمرَة يَقُول كَانَت امْرَأَة بِالْمَدِينَةِ يَغْشَاهَا جَان فَغَاب فَلبث مَا لبث فَلم يأتها ثمَّ أطلع من كوَّة فَقَالَت مَا كَانَت لَك عَادَة تطلع من كوَّة قَالَ إِنَّه خرج نَبِي بِمَكَّة وَإِنِّي سَمِعت مَا جَاءَ بِهِ فَإِذا هُوَ يحرم الزِّنَا فَعَلَيْك السَّلَام

وَأخرج ابو نعيم عَن عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ خرجنَا فِي عير إِلَى الشَّام قبل أَن يبْعَث رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا كُنَّا بأفواه الشَّام وَبهَا كاهنة فتعرضتنا وَقَالَت أَتَانِي صَاحِبي فَوقف على بَابي فَقلت أَلا تدخل قَالَ لَا سَبِيل إِلَى ذَلِك خرج احْمَد جَاءَ امْر لَا يُطَاق ثمَّ انصرفت فَرَجَعت إِلَى مَكَّة فَوجدت رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قد خرج بِمَكَّة يَدْعُو إِلَى اللّه تَعَالَى

وَأخرج ابْن شاهين فِي الصَّحَابَة وَابْن مندة فِي دَلَائِل النُّبُوَّة والمعافي فِي الجليس عَن أبي خَيْثَمَة عَن عبد الرَّحْمَن بن ابي سُبْرَة قَالَ حَدثنِي ذُبَاب بن الْحَارِث الصَّحَابِيّ رَضِي اللّه عَنهُ قَالَ كَانَ لِابْنِ وقشة رَأْي من الْجِنّ يُخبرهُ بِمَا يكون فَأَتَاهُ ذَات يَوْم فَأخْبرهُ بِشَيْء فَنظر اليه فَقَالَ يَا ذُبَاب يَا ذُبَاب اسْمَع الْعجب العجاب بعث مُحَمَّد بِالْكتاب يَدْعُو بِمَكَّة فَلَا يُجَاب فَقلت لَهُ مَا هَذَا قَالَ لَا أَدْرِي كَذَا قيل فَلم يكن إِلَّا قَلِيل حَتَّى سَمِعت بمخرج رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَأسْلمت

واخرج عمر بن شيبَة عَن الجموح بن عُثْمَان الْغِفَارِيّ قَالَ كُنَّا بمنازلنا فِي الْجَاهِلِيَّة فاذا صائح يَصِيح من اللَّيْل فَذكر رجزا ثمَّ عَاد اللَّيْلَة الثَّانِيَة ثمَّ الثَّالِثَة فَلم ننشب إِذْ جَاءَنَا ظُهُور النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم

وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن يزِيد بن رُومَان قَالَ خرج عُثْمَان بن عَفَّان وَطَلْحَة بن عبيد اللّه فدخلا على رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَأَسْلمَا وَقَالَ عُثْمَان يَا رَسُول اللّه قدمت حَدِيثا من الشَّام فَلَمَّا كُنَّا بَين معَان والزرقاء فَنحْن كالنيام إِذا مُنَاد ينادينا ايها النيام هبوا فَإِن أَحْمد قد خرج بِمَكَّة فقدمنا فسمعنا بك

وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن سُفْيَان الْهُذلِيّ قَالَ خرجنَا فِي عير لنا إِلَى الشَّام فَلَمَّا كُنَّا بَين الزَّرْقَاء وَمَعَان قد عرسنا من اللَّيْل إِذا بِفَارِس يَقُول أَيهَا النيام هبوا فَلَيْسَ هَذَا بِحِين رقاد قد خرج أَحْمد وطردت الْجِنّ كل مطرد ففزعنا وَنحن رفْقَة حزاورة كلهم قد سمع هَذَا فرجعنا إِلَى أَهْلينَا فَإِذا هم يذكرُونَ اخْتِلَافا بِمَكَّة بَين قُرَيْش بِنَبِي خرج فيهم من بني عبد الْمطلب إسمه أَحْمد

وَأخرج أَبُو نعيم عَن يَعْقُوب بن يزِيد بن طَلْحَة التَّيْمِيّ ان رجلا مر على عمر فَقَالَ اكاهن أَنْت مَتى عَهْدك بصاحبتك قَالَ قبيل الاسلام اتتني فصرخت يَا

سَلام يَا سَلام الْحق الْمُبين وَالْخَيْر الدَّائِم غير حلم النَّائِم اللّه اكبر فَقَالَ رجل من الْقَوْم يَا امير الْمُؤمنِينَ اما احدثك مثل هَذَا وَاللّه انا لنسير دوية ملساء لَا نسْمع فِيهَا إِلَّا الصداء إِذْ نَظرنَا فَإِذا رَاكب مقبل فَقَالَ يَا أَحْمد يَا أَحْمد اللّه اعلى وأمجد اتاك مَا وَعدك من الْخَيْر يَا أَحْمد ثمَّ ذهب فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار إِنَّا احدثك مثل هَذَا انْطَلَقت إِلَى الشَّام فَلَمَّا كُنَّا بقفزة من الأَرْض إِذا هَاتِف من خلفنا يَقُول

(قد لَاحَ نجم فأضاء مشرقه ... يخرج من ظلماء عسوف موبقه)

(ذَاك رَسُول مُفْلِح من صدقه ... اللّه أَعلَى أمره وحققه)

وَأخرج ابو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ هتف هَاتِف من الْجِنّ على ابي قبيس بِمَكَّة فَقَالَ

(قبح اللّه رَأْي كَعْب بن فهر ... مَا أرق الْعُقُول والأحلام)

(دينهَا أَنَّهَا يعنف فِيهَا ... دين آبائها الحماة الْكِرَام)

(حَالف الْجِنّ حِين يقْضِي عَلَيْكُم ... وَرِجَال النخيل والآطام)

(يُوشك الْخَيل ان ترَاهَا تهادى ... تقتل الْقَوْم فِي الْبِلَاد الْعِظَام)

(هَل كريم مِنْكُم لَهُ نفس حر ... مَا جد الْوَالِدين والأعمام)

(ضَارب ضَرْبَة تكون نكالا ... ورواحا من كربَة واغتمام)

فَأصْبح هَذَا الحَدِيث قد شاع بِمَكَّة وَأصْبح الْمُشْركُونَ يتناشدونه بَينهم وهموا بِالْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم هَذَا شَيْطَان يكلم النَّاس فِي الْأَوْثَان يُقَال لَهُ مسعر وَاللّه يخزيه فَمَكَثُوا ثَلَاثَة أَيَّام فَإِذا هَاتِف على الْجَبَل يَقُول

(نَحن قتلنَا مسعرا ... لما طَغى واستكبرا)

(وسفه الْحق وَسن المنكرا ... قنعته سَيْفا جروفا مبترا)

(بشتمه نَبينَا المطهر ... )

فَقَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم ذَلِكُم عفريت من الْجِنّ يُقَال لَهُ سمحج سميته عبد اللّه آمن بِي فَأَخْبرنِي انه فِي طلبه مُنْذُ أَيَّام

وَأخرج الفاكهي فِي أَخْبَار مَكَّة من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن عَامر بن ربيعَة قَالَ بَيْنَمَا نَحن مَعَ النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة فِي بَدْء الاسلام إِذْ هتف هَاتِف على بعض جبال مَكَّة فحرض على الْمُسلمين فَقَالَ النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم هَذَا شَيْطَان وَلم يعلن شَيْطَان بتحريض على نَبِي إِلَّا قَتله اللّه تَعَالَى فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك قَالَ لنا النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قد قَتله اللّه تَعَالَى بيد رجل من عفاريت الْجِنّ يدعى سمحجا وَقد سميته عبد اللّه فَلَمَّا أمسينا سَمِعت هاتفا بذلك الْمَكَان يَقُول

(نَحن قتلنَا مسعرا ... لما طَغى واستكبرا)

(وَصغر الْحق وَسن المنكرا ... بشتمه نَبينَا المطهرا)

وَأخرج ابو نعيم والفاكهي فِي أَخْبَار مَكَّة عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ لما ظهر امْر رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قَامَ رجل من الْجِنّ على أبي قبيس يُقَال لَهُ مسعر فَقَالَ قبح اللّه رَأْي كَعْب بن فهر الأبيات وأصبحت قُرَيْش تَقول توانيتم حَتَّى حرضتكم الْجِنّ فَلَمَّا كَانَت الْقَابِلَة قَامَ فِي مقَامه رجل من الْجِنّ يُقَال لَهُ سمحج فَقَالَ

(نَحن قتلنَا مسعرا ... لما طَغى واستكبرا)

(بشتمه نَبينَا المطهرا ... اوردته سَيْفا جروفا مبترا)

(إِنَّا نذود من أَرَادَ البطرا ... )

وَأخرج ابو سعد فِي شرف الْمُصْطَفى عَن جندل بن نَضْلَة انه اتى النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ كَانَ لي صَاحب من الْجِنّ فَأَتَانِي فدهمني وَقَالَ

(هَب فقد لَاحَ سراج الدّين ... لصَادِق مهذب أَمِين)

(فارحل على نَاجِية أمون ... تمشي على الصحصح والحزون)

فانتبهت مذعورا فَقلت مَاذَا قَالَ وساطح الأَرْض وفارض الْفَرْض لقد بعث مُحَمَّد فِي الطول وَالْعرض نَشأ فِي الحرمات الْعِظَام وَهَاجَر إِلَى طيبَة الأمينة فسرت فَإِذا انا بهاتف يَقُول

(يَا أَيهَا الرَّاكِب المزجى مطيته ... نَحْو الرَّسُول لقد وفقت للرشد)

وَأخرج ابْن الْكَلْبِيّ عَن عدي بن حَاتِم قَالَ كَانَ لي عسيف من كلب يُقَال لَهُ حَابِس بن دغنة فَبينا انا ذَات يَوْم بفنائي إِذا انا بِهِ مروع الْفُؤَاد فَقَالَ دُونك إبلك قلت مَا هاجك قَالَ بَينا انا بالوادي إِذا بشيخ من شعب جبل تجاهي كَانَ رَأسه رخمة فانحدر عَمَّا تزلى عَنهُ الْعقَاب وَهُوَ مترسل غير منزعج حَتَّى اسْتَقَرَّتْ قدماه فِي الحضيض وانا اعظم مَا أرى فَقَالَ

(يَا حَابِس بن دغنة يَا حَابِس ... لَا تعرضن إِلَيْك الوساوس)

(هَذَا سنا النُّور بكف القابس ... فاجنح إِلَى الْحق وَلَا توالس)

قَالَ ثمَّ غَابَ فروحت ابلي وسرحتها إِلَى غير ذَلِك الْوَادي ثمَّ اضطجعت فَإِذا رَاكب قد ركضني فَاسْتَيْقَظت فاذا هُوَ صَاحِبي وَهُوَ يَقُول

(يَا حَابِس اسْمَع مَا أَقُول ترشد ... لَيْسَ ضلول حائر كمهتدي)

(لَا تتركن نهج الطَّرِيق الأقصد ... قد نسخ الدّين بدين أَحْمد)

قَالَ فَأُغْمِيَ عَليّ ثمَّ افقت بعد زمن وَقد امتحن اللّه قلبِي لِلْإِسْلَامِ

واخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن عَمْرو بن مرّة الْجُهَنِيّ قَالَ خرجت حَاجا فَرَأَيْت فِي الْمَنَام وَأَنا بِمَكَّة نورا ساطعا من الْكَعْبَة حَتَّى اضاء لي جبل يثرب فَسمِعت صَوتا فِي

النُّور وَهُوَ يَقُول انقشعت الظلماء وسطع الضياء وَبعث خَاتم الْأَنْبِيَاء ثمَّ أَضَاء إضاءة أُخْرَى حَتَّى نظرت إِلَى قُصُور الْحيرَة وأبيض الْمَدَائِن فَسمِعت صَوتا فِي النُّور وَهُوَ يَقُول ظهر الاسلام وَكسرت الاصنام ووصلت الْأَرْحَام فانتبهت فَزعًا فَقلت لقومي وَاللّه ليحدثن فِي هَذَا الْحَيّ من قُرَيْش حدث وَأَخْبَرتهمْ بِمَا رَأَيْت فَلَمَّا انتهينا إِلَى بِلَادنَا جَاءَنَا ان رجلا يُقَال لَهُ أَحْمد قد بعث فَأَتَيْته فَأَخْبَرته بِمَا رَأَيْت ثمَّ أسلمت وَقلت يَا رَسُول اللّه ابْعَثْ بِي إِلَى قومِي فَبَعَثَنِي إِلَيْهِم فدعوتهم إِلَى الْإِسْلَام فَأَجَابُوا إِلَّا رجلا مِنْهُم قَامَ فَقَالَ يَا عَمْرو بن مرّة أَمر اللّه عيشك أَتَأْمُرُنَا ان نرفض آلِهَتنَا وتخالف دين آبَائِنَا ثمَّ قَالَ

(إِن ابْن مرّة قد أَتَى بمقالة ... لَيست مقَالَة من يُرِيد صلاحا)

(إِنِّي لأحسب قَوْله وفعاله ... يَوْمًا وَإِن طَال الزَّمَان رياحا)

(أيسفه الاشياخ مِمَّن قد مضى ... من رام ذَلِك لَا أصَاب فلاحا)

فَقَالَ عَمْرو بن مرّة الكادب مني ومنك أَمر اللّه عيشه وأبكم لِسَانه وأكمه بَصَره فوَاللّه مَا مَاتَ حَتَّى سقط فوه فَكَانَ لَا يجد طعم الطَّعَام وَعمي وخرس

واخرج ابو نعيم والخرائطي وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق ابْن خَرَّبُوذ الْمَكِّيّ عَن رجل من خثعم قَالَ كَانَت الْعَرَب لَا تحرم حَلَالا وَلَا تحل حَرَامًا كَانُوا يعْبدُونَ الْأَوْثَان ويتحاكمون اليها فَبينا نَحن ذَات لَيْلَة عِنْد وثن لنا جُلُوس وَقد تقاضينا إِلَيْهِ فِي شَيْء إِذْ هتف هَاتِف وَهُوَ يَقُول

(يَا ايها النَّاس ذَوُو الاجسام ... ومسندوا الحكم إِلَى الاصنام)

(مَا انتم وطائش الاحلام ... هَذَا نَبِي سيد الْأَنَام)

(أعدل ذِي حكم من الْحُكَّام ... يصدع بِالنورِ وَبِالْإِسْلَامِ)

(ويردع النَّاس عَن الآثام ... مستعلن فِي الْبَلَد الْحَرَام)

قَالَ ففزعنا وتفرقنا من عِنْده وَصَارَ ذَلِك الشّعْر حَدِيثا حَتَّى بلغنَا ان النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قد خرج بِمَكَّة ثمَّ قدم الْمَدِينَة فَجئْت فَأسْلمت

وَأخرج ابْن سعد وَالْبَزَّار وَأَبُو نعيم عَن جُبَير بن مطعم قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْد صنم ببوانة قبل أَن يبْعَث رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم بِشَهْر نحرنا جزورا فَإِذا صائح يَصِيح من جَوف الصَّنَم يَقُول الا اسمعوا إِلَى الْعجب ذهب استراق السّمع للوحي ويرمى بِالشُّهُبِ لنَبِيّ بِمَكَّة إسمه أَحْمد مهاجره إِلَى يثرب قَالَ جُبَير فأمسكنا وعجبنا وَخرج رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم

وَأخرج ابو نعيم عَن تَمِيم الدَّارِيّ قَالَ كنت بِالشَّام حِين بعث رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَخرجت إِلَى بعض حَاجَتي وأدركني اللَّيْل فَقلت انا فِي جوَار عَظِيم هَذَا الْوَادي فَلَمَّا اخذت مضجعي إِذا انا بمناد يُنَادي لَا أرَاهُ عذبا للّه فَإِن الْجِنّ لَا تجير على اللّه أحدا فَقلت أيم اللّه مَا تَقول قَالَ قد خرج الرَّسُول الْأمين رَسُول اللّه وصلينا خَلفه بالحجون فأسلمنا واتبعناه وَذهب كيد الْجِنّ ورميت بِالشُّهُبِ فَانْطَلق إِلَى مُحَمَّد رَسُول رب الْعَالمين فَأسلم قَالَ تَمِيم فَلَمَّا اصبحت ذهبت إِلَى رَاهِب فَأَخْبَرته الْخَبَر فَقَالَ قد صدقوك يخرج من الْحرم وَمُهَاجره الْحرم وَهُوَ خير الْأَنْبِيَاء فَلَا تسبق إِلَيْهِ

واخرج ابو نعيم عَن خويلد الضمرِي قَالَ كُنَّا عِنْد صنم جُلُوسًا إِذْ سمعنَا من جَوْفه صائحا يَصِيح ذهب استراق السّمع للوحي وَرمي بِالشُّهُبِ لنَبِيّ بِمَكَّة اسْمه احْمَد وَمُهَاجره إِلَى يثرب يَأْمر بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَام وَالْبر والصلات للارحام فقمنا من عِنْد الصَّنَم فسالنا فَقَالُوا خرج بِمَكَّة نَبِي إسمه أَحْمد

وَأخرج ابو نعيم وَابْن جرير والمعافي بن زَكَرِيَّا وَابْن الطراح فِي كتاب الشواعر بأسانيدهم عَن الْعَبَّاس بن مرداس قَالَ كَانَ اول إسلامي ان ابي لما حَضرته الْوَفَاة أَوْصَانِي بصنم يُقَال لَهُ ضمار فَجَعَلته فِي بَيت وَجعلت آتيه كل يَوْم فَلَمَّا ظهر النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم سَمِعت صَوتا من جَوف الصَّنَم بِاللَّيْلِ وَهُوَ يَقُول

(قل للقبائل من سليم كلهَا ... هلك الأنيس وعاش أهل الْمَسْجِد)

(أودى ضمار وَكَانَ يعبد مرّة ... قبل الْكتاب إِلَى النَّبِي مُحَمَّد)

(إِن الَّذِي ورث النُّبُوَّة وَالْهدى ... بعد ابْن مَرْيَم من قُرَيْش مهتدي)

قَالَ فكتمته النَّاس فَلم احدث بِهِ احدا فَلَمَّا رَجَعَ النَّاس من غَزْوَة الاحزاب فَبينا انا فِي إبلي بِطرف العقيق من ذَات عرق سَمِعت صَوتا شَدِيدا فَرفعت رَأْسِي فَإِذا بِرَجُل على جناحي نعَامَة وَهُوَ يَقُول النُّور الَّذِي وَقع يَوْم الِاثْنَيْنِ وَلَيْلَة الثُّلَاثَاء مَعَ صَاحب النَّاقة العضباء فِي ديار بني اخي العنقاء فَأَجَابَهُ هَاتِف عَن شِمَاله لَا أبصره فَقَالَ

(بشر الْجِنّ وأبلاسها ... ان وضعت الْمطِي أحلاسها)

(وبينت السَّمَاء احراسها ... )

قَالَ فَوَثَبت مذعورا وَعلمت أَن مُحَمَّدًا مُرْسل

وَأخرج الخرائطي وَالطَّبَرَانِيّ وابو نعيم من وَجه آخر عَن الْعَبَّاس بن مرداس انه كَانَ يغبر فِي لقاح لَهُ نصف النَّهَار إِذْ طلعت عَلَيْهِ نعَامَة بَيْضَاء مثل الْقطن عَلَيْهَا رَاكب عَلَيْهِ ثِيَاب بيض مثل الْقطن فَقَالَ يَا عَبَّاس بن مرداس

(ألم تَرَ ان السَّمَاء قد حفت أحراسها ... وَأَن الْحَرْب جرعت أنفاسها)

(وَأَن الْخَيل وضعت احلاسها ... )

وان الَّذِي جَاءَ بِالْبرِّ ولد يَوْم الِاثْنَيْنِ فِي لَيْلَة الثُّلَاثَاء صَاحب النَّاقة الْقَصْوَاء فَخرجت مَرْعُوبًا حَتَّى جِئْت وثنا يدعى ضمارا فَإِذا صائح من جَوْفه يَصِيح قل للقبائل الأبيات

وَأخرج أَبُو نعيم من وَجه ثَالِث عَن الْعَبَّاس بن مرداس قَالَ بَينا أَنا نصف النَّهَار جَالس فِي فَيْء شَجَرَة إِذْ طلعت عَليّ نعَامَة بَيْضَاء عَلَيْهَا رجل أَبيض عَلَيْهِ ثِيَاب بَيَاض فَقَالَ

(عَبَّاس يَا عباسها ... يَا ابْن قيل مرداسها)

(ألم تَرَ إِلَى الْجِنّ وأبلاسها ... وَالْحَرب قد جرعت انفاسها)

(وان السَّمَاء منعت احراسها ... )

فَانْصَرَفت فَلم أزل اسْأَل حَتَّى قدم عَليّ ابْن عَم لي فَأَخْبرنِي ان رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو إِلَى اللّه مسخفيا

وَأخرج ابْن سعد وابو نعيم عَن سعيد بن عَمْرو الْهُذلِيّ عَن أَبِيه قَالَ ذبحت ذَبِيحَة على الصَّنَم فَسمِعت من جَوْفه صَوتا الْعجب كل الْعجب خرج نَبِي من بني عبد الْمطلب يحرم الزِّنَا وَيحرم الذّبْح للأصنام وحرست السَّمَاء ورمينا بِالشُّهُبِ فتفرقنا فقدمنا مَكَّة فَلم نجد أحدا يخبرنا بِخُرُوج مُحَمَّد صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لَقينَا أَبَا بكر الصّديق فَقُلْنَا يَا أَبَا بكر خرج بِمَكَّة اُحْدُ يَدْعُو إِلَى اللّه تَعَالَى يُقَال لَهُ أَحْمد قَالَ وَمَا ذَاك فَأَخْبَرته الْخَبَر قَالَ نعم مُحَمَّد بن عبد اللّه بن عبد الْمطلب وَهُوَ رَسُول اللّه

وَأَخْرَجَا من وَجه آخر عَن عبد اللّه بن سَاعِدَة الْهُذلِيّ عَن أَبِيه قَالَ كنت عِنْد صنم لنا فَسمِعت مناديا من جَوْفه يُنَادي قد ذهب كيد الْجِنّ ورمينا بِالشُّهُبِ لنَبِيّ اسْمه احْمَد فَانْصَرَفت فَلَقِيت رجلا فخبرني بِظُهُور رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم

وَأخرج ابْن مندة عَن بكر بن جبلة قَالَ كَانَ لنا صنم فعثرنا عِنْده فَسمِعت صَوتا يَقُول يَا بكر بن جبلة تعرفُون مُحَمَّدًا

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس ان رجلا قَالَ يَا رَسُول اللّه خرجت فِي الْجَاهِلِيَّة اطلب بَعِيرًا لي شرد فَهَتَفَ بِي هَاتِف فِي الصُّبْح يَقُول

(يَا ايها الراقد فِي اللَّيْل الأجم ... قد بعث اللّه نَبيا فِي الْحرم)

(من هَاشم أهل الْوَفَاء وَالْكَرم ... يجلود جنَّات الدياجي وَالظُّلم)

فأدرت طرفِي فَمَا رَأَيْت لَهُ شخصا فَقلت

(يَا ايها الْهَاتِف فِي داجي الظُّلم ... أَهلا وسهلا بك من طيف ألم)

(بَين هداك اللّه فِي لحن الْكَلم ... مَاذَا الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ يغتنم)

فَإِذا أَنا بنحنحة وَقَائِل يَقُول ظهر النُّور وَبَطل الزُّور وَبعث اللّه مُحَمَّد بالخيور ثمَّ انشأ يَقُول

(الْحَمد للّه الَّذِي ... لم يخلق الْخلق عَبث)

(أرسل فِينَا أحمدا ... خير نَبِي قد بعث)

(صلى عَلَيْهِ اللّه مَا ... حج لَهُ ركب وحث)

ثمَّ لَاحَ الصَّباح فَوجدت الْبَعِير

واخرج ابو سعد فِي شرف الْمُصْطَفى عَن الْجَعْد بن قيس الْمرَادِي قَالَ خرجنَا أَرْبَعَة أنفس نُرِيد الْحَج فِي الْجَاهِلِيَّة فمررنا بواد من أَوديَة الْيمن فَلَمَّا اقبل اللَّيْل استعذنا بعظيم الْوَادي وعقلنا رواحلنا فَلَمَّا هدأ اللَّيْل ونام أَصْحَابِي إِذا هَاتِف من بعض أرجاء الْوَادي يَقُول

(أَلا أَيهَا الركب المعرس بلغُوا ... إِذا مَا وقفتم بِالْحَطِيمِ وزمزما)

(مُحَمَّد الْمَبْعُوث منا تَحِيَّة ... تشيعه من حَيْثُ سَار ويمما)

(وَقُولُوا لَهُ إِنَّا لدينك شيعَة ... بذلك أوصانا الْمَسِيح بن مريما)

وَأخرج ابو سعد فِي شرف الْمُصْطَفى بِسَنَد ضَعِيف ان جندع بن الصميل أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ لَهُ يَا جندع بن صميل اسْم تسلم وتغنم من حر نَار تضرم فَقَالَ مَا الاسلام قَالَ البرأة من الْأَصْنَام والاخلاص للْملك العلام قَالَ كَيفَ السَّبِيل إِلَيْهِ قَالَ إِنَّه قد اقْترب ظُهُور ناجم من الْعَرَب كريم النّسَب غير خامل النّسَب يطلع من الْحرم تدين لَهُ الْعَرَب والعجم فَأخْبر بذلك ابْن عَمه رَافع بن خِدَاش فَلَمَّا بلغه مهَاجر النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة جَاءَ فَأسلم

بَاب تنكس الاصنام عِنْد بعثته صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم وَمَا جرى على كسْرَى

اخْرُج ابْن اسحاق وَأَبُو نعيم عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ لما بعث اللّه تَعَالَى مُحَمَّدًا صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم أصبح كسْرَى وَقد انقصم طاق ملكه وانخرقت عَلَيْهِ دجلة فَلَمَّا رأى ذَلِك أحزنه وَقَالَ قد انقصمت طاق ملكي من غير ثقل وانخرقت عَليّ دجلة انْكَسَرَ الْملك ثمَّ دَعَا الكهنة والمنجمين والسحرة فَقَالَ انْظُرُوا فِي هَذَا الامر فنظروا فَأخذ عَلَيْهِم بأقطار السَّمَاء وأظلمت الأَرْض ولكعوا فِي علمهمْ فَلَا يمْضِي لساحر سحره وَلَا لِكَاهِنٍ كهانته وَلَا لمنجم نجومه وَبَات السَّائِب فِي لَيْلَة ظلماء على ربوة من الارض يرمق برقا نَشأ من قبل الْحجاز ثمَّ استطار حَتَّى بلغ الْمشرق فَلَمَّا أصبح ذهب ينظر إِلَى مَا تَحت قَدَمَيْهِ فَإِذا رَوْضَة خضراء فَقَالَ فِيمَا يعتاف لَئِن صدق مَا أرى ليخرجن من الْحجاز سُلْطَان يبلغ الْمشرق تخصب عَنهُ الأَرْض كأفضل مَا اخصبت عَن ملك كَانَ قبله فَلَمَّا خلص الْكُهَّان والمنجمون بَعضهم إِلَى بعض قَالَ بَعضهم لبَعض تعلمُونَ وَاللّه مَا حيل بَيْنكُم وَبَين علمكُم إِلَّا لأمر جَاءَ من السَّمَاء وانه لنَبِيّ قد بعث يسلب هَذَا الْملك ويكسره

وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ دخلت مَدَائِن كسْرَى عَام ثَمَانِينَ فَنَظَرت إِلَى بِنَاء كسْرَى فعجبت وَأَخْبرنِي شيخ لَهُم قَالَ إِن كسْرَى اول مَا انكر من امْرَهْ انه اصبح فِي اللَّيْلَة الَّتِي اوحي إِلَى رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم ودجلته قد انثلمت عَلَيْهِ وطاق ملكه قد انصدع فَذكر نَحوه

وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ لما بعث رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم اصبح كل صنم مُنَكسًا فَأَتَت الشَّيَاطِين إِبْلِيس فأخبروه فَقَالَ هَذَا نَبِي قد بعث فالتمسوه فَقَالُوا لم نجده فَقَالَ أَنا صَاحبه فَخرج يلْتَمس فَوَجَدَهُ بِمَكَّة فَخرج إِلَى الشَّيَاطِين فَقَالَ قد وجدته مَعَه جبرئيل

وَأخرج ابو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُجَاهِد قَالَ رن إِبْلِيس ارْبَعْ مَرَّات حِين لعن وَحين أهبط وَحين بعث النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم وَحين انزلت الْحَمد للّه رب الْعَالمين

بَاب حراسة السَّمَاء من استراق السّمع بالمبعث الشريف

قَالَ تَعَالَى فِيمَا أخبر عَن الْجِنّ {وَأَنا لمسنا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا ملئت حرسا شَدِيدا وشهبا وَأَنا كُنَّا نقعد مِنْهَا مقاعد للسمع فَمن يستمع الْآن يجد لَهُ شهابا رصدا}

وَأخرج احْمَد وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن الشَّيَاطِين كَانُوا يصعدون إِلَى السَّمَاء فيستمعون الْكَلِمَة من الْوَحْي فيهبطون إِلَى الأَرْض فيزيدون عَلَيْهَا فَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى بعث اللّه مُحَمَّدًا صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فمنعوا تِلْكَ المقاعد فَذكرُوا ذَلِك لإبليس فَقَالَ لقد حدث فِي الأَرْض حدث فبعثهم فوجدوا رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ الْقُرْآن قَالُوا هَذَا وَاللّه الْحَدث وانهم ليرمون فَإِذا توارى النَّجْم عَنْكُم فقد أدْركهُ لَا يُخطئ أبدا وَلكنه لَا يقْتله يحرق وَجهه وجنبه وَيَده

واخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من وَجه آخر عَن سعيد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ لكل قبيل من الْجِنّ مقْعد من السَّمَاء يَسْتَمِعُون مِنْهُ الْوَحْي فيخبرون بِهِ الكهنة فَلَمَّا بعث اللّه مُحَمَّدًا صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم دحروا فَقَالَت الْعَرَب حِين لم يُخْبِرهُمْ الْجِنّ هلك من فِي السَّمَاء فَجعل صَاحب الْإِبِل ينْحَر كل يَوْم بَعِيرًا وَصَاحب الْبَقر ينْحَر بقرة وَصَاحب الْغنم ينْحَر شَاة وَقَالَ إِبْلِيس لقد حدث فِي الأَرْض فآتوني من تربة كل أَرض فَأتوهُ بهَا فَجعل يشمها فَلَمَّا شم تربة مَكَّة قَالَ من هَا هُنَا جَاءَ الْحَدث فنصوا فَإِذا رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قد بعث

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لم تكن سَمَاء الدُّنْيَا تحرس فِي الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانُوا يَقْعُدُونَ مِنْهَا مقاعد للسمع فَلَمَّا بعث اللّه مُحَمَّدًا صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم حرست السَّمَاء حرسا شَدِيدا ورجمت الشَّيَاطِين

وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عمر وَقَالَ لما كَانَ الْيَوْم الَّذِي تنبأ فِيهِ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم منعت الشَّيَاطِين السَّمَاء ورموا بِالشُّهُبِ فَذكرُوا لإبليس فَقَالَ بعث نَبِي عَلَيْكُم بِالْأَرْضِ المقدسة فَذَهَبُوا ثمَّ رجعُوا فَقَالُوا لَيْسَ بهَا اُحْدُ فَخرج إِبْلِيس فِي طلبه بِمَكَّة فَإِذا رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم بحراء منحدرا مَعَه جبرئيل فَرجع إِلَى اصحابه فَقَالَ قد بعث احْمَد وَمَعَهُ جبرئيل

وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبي بن كَعْب قَالَ لم يرم نجم مُنْذُ رفع عِيسَى حَتَّى تنبأ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم رمي بهَا فرأت قريس أمرا لم تكن ترَاهُ فَجعلُوا يسيبون أنعامهم ويعتقون أرقاءهم يظنون انه الفناء ثمَّ فعلت ثَقِيف مثل ذَلِك فَبلغ عبد ياليل فَقَالَ لَا تعجلوا وانظروا فان تكن نجوما تعرف فَهُوَ عِنْد فنَاء من النَّاس وَإِن كَانَت نجوما لَا تعرف فَهُوَ عِنْد أَمر قد حدث فنظروا فَإِذا هِيَ لَا تعرف فأخبروه فَقَالَ هَذَا عِنْد ظُهُور نَبِي فَمَا مَكَثُوا إِلَّا يَسِيرا حَتَّى قدم الطَّائِف أَبُو سُفْيَان بن حَرْب فَقَالَ ظهر مُحَمَّد بن عبد اللّه يَدعِي انه نَبِي مُرْسل قَالَ عبد ياليل فَعِنْدَ ذَلِك رمي بهَا

وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ قَالَ كَانَت النُّجُوم لَا يرْمى بهَا حَتَّى بعث اللّه مُحَمَّدًا صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَرمي بهَا فسيبوا أنعامهم وأعتقوا رقيقهم فَقَالَ عبد يَا ليل انْظُرُوا وَذكر مثله

واخرج ابْن سعد عَن يَعْقُوب بن عتبَة بن الْمُغيرَة بن أخنس قَالَ إِن اول الْعَرَب فزع لرمي النُّجُوم ثَقِيف فَأتوا عَمْرو بن أُميَّة فَقَالُوا الم تَرَ إِلَى مَا حدث قَالَ بلَى فانظروا فَإِن كَانَت معالم النُّجُوم الَّتِي يَهْتَدِي بهَا وَيعرف بهَا أنواء الصَّيف والشتاء انتثرت فَهُوَ طي الدُّنْيَا وَذَهَاب هَذَا الْخلق وَإِن كَانَت نجوما غَيرهَا فَأمر أَرَادَ اللّه وَنَبِي يبْعَث فِي الْعَرَب فقد تحدث بذلك

وَأخرج الخرائطي فِي الهواتف وَابْن عَسَاكِر عَن مرداس بن قيس الدوسي قَالَ حضرت النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم وَقد ذكرت عِنْده الكهانة وَمَا كَانَ من تغييرها عِنْد مخرجه فَقلت يَا رَسُول اللّه قد كَانَ عندنَا من ذَلِك شَيْء أخْبرك ان جَارِيَة منا يُقَال لَهَا خلصة لم

نعلم عَلَيْهَا إِلَّا خيرا إِذْ جاءتنا فَقَالَت يَا معشر دوس هَل علمْتُم عَليّ إِلَّا خيرا قُلْنَا وَمَا ذَاك قَالَت اني لفي غنمي إِذْ عشيتني ظلمَة وَوجدت كحس الرجل مَعَ الْمَرْأَة فقد خشيت ان اكون قد حبلت حَتَّى إِذا ادنت وِلَادَتهَا وضعت غُلَاما أغضف لَهُ أذنان كاذني الْكَلْب فَمَكثَ فِينَا حَتَّى انه ليلعب مَعَ الغلمان إِذْ وثب وثبة وَألقى إزَاره وَصَاح بِأَعْلَى صَوته يَا ويله يَا ويله الْخَيل وَاللّه وَرَاء الْعقبَة فِيهِنَّ فتيَان حسان نجبة فَرَكبْنَا فوجدناهم فهزمناهم وغنمناهم وَكَانَ لَا يَقُول لنا شَيْئا إِلَّا كَانَ كَمَا يَقُول حَتَّى إِذا كَانَ مبعثك يَا رَسُول اللّه صَار يخبرنا بِشَيْء فيكذب فَقُلْنَا لَهُ وَيلك مَاذَا قَالَ مَا ادري كَذبَنِي الَّذِي كَانَ يصدقني أسجنوني فِي بَيْتِي ثَلَاثًا ثمَّ ائْتُونِي فَفَعَلْنَا بِهِ ذَلِك ثمَّ أَتَيْنَا بعد ثَلَاثَة ففتحنا عَنهُ فاذا هُوَ كَأَنَّهُ جَمْرَة نَار فَقَالَ يَا معشر دوس حرست السَّمَاء وَخرج خير الْأَنْبِيَاء قُلْنَا أَيْن قَالَ بِمَكَّة وَأَنا ميت فادفنوني فِي راس جبل فَإِنِّي سَوف اضطرم نَارا فَإِذا رَأَيْتُمْ اضطرامي فاقذفوني بِثَلَاثَة أَحْجَار قُولُوا مَعَ كل حجر بِاسْمِك اللّهمَّ فَإِنِّي اهدأ واطفئ فَفَعَلْنَا ذَلِك وأقمنا حَتَّى قدم علينا الْحَاج فأخبرونا بمبعثك يَا رَسُول اللّه

وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو نعيم عَن الزُّهْرِيّ قَالَ كَانَ الْوَحْي يستمع فَلَمَّا كَانَ الاسلام منعُوا وَكَانَت امْرَأَة من بني اسد يُقَال لَهَا سعيرة لَهَا تَابع من الْجِنّ فَلَمَّا رأى الْوَحْي لَا يُسْتَطَاع أَتَاهَا فَدخل فِي صدرها وَجعل يَصِيح وضع العناق وَرفع الرقَاق وَجَاء امْر لَا يُطَاق احْمَد حرم الزِّنَا

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ إِن اللّه حجب الشَّيَاطِين عَن السّمع بِهَذِهِ النُّجُوم فَانْقَطَعت الكهنة فَلَا كهنة

وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن نَافِع بن جُبَير قَالَ كَانَت الشَّيَاطِين فِي الفترة تسمع فَلَا ترمى فَلَمَّا بعث رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم رميت بِالشُّهُبِ

وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَت الشَّيَاطِين يَسْتَمِعُون الْوَحْي فَلَمَّا بعث اللّه مُحَمَّدًا صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم منعُوا فشكوا ذَلِك إِلَى ابليس فَقَالَ لقد حدث امْر فرقي فَوق أبي قبيس فَرَأى رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي خلف الْمقَام فَقَالَ اذْهَبْ فاكسر عُنُقه فجَاء وجبرئيل عِنْده فركضه جبرئيل ركضة طَرحه فِي كَذَا وَكَذَا وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن مُجَاهِد مثله

وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق الْحجَّاج الصَّواف عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس قَالَ لما بعث اللّه مُحَمَّدًا صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم اتاه ابليس يكيده فانقض عَلَيْهِ جبرئيل فَدفعهُ بمنكبه فَأَلْقَاهُ بوادي الْأُرْدُن

وَأخرج ابو الشَّيْخ فِي العظمة وَالطَّبَرَانِيّ فِي الاوسط وابو نعيم من طَرِيق عُثْمَان ابْن مطر عَن ثَابت عَن انس أَن النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم كَانَ سَاجِدا بِمَكَّة فجَاء ابليس فَأَرَادَ ان يطَأ عُنُقه فنفحه جبرئيل نفحة فَمَا اسْتَقَرَّتْ قدماه حَتَّى بلغ الْأُرْدُن

بَاب اعجاز الْقُرْآن واعتراف مُشْركي قُرَيْش باعجازه وانه لَا يشبه شَيْئا من كَلَام الْبشر وَمن اسْلَمْ لذَلِك

قَالَ اللّه تَعَالَى {قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لَا يأْتونَ بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضهم لبَعض ظهيرا} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِن كُنْتُم فِي ريب مِمَّا نزلنَا على عَبدنَا فَأتوا بِسُورَة من مثله وَادعوا شهداءكم من دون اللّه إِن كُنْتُم صَادِقين فَإِن لم تَفعلُوا وَلنْ تَفعلُوا فَاتَّقُوا النَّار} وَقَالَ تَعَالَى {فليأتوا بِحَدِيث مثله إِن كَانُوا صَادِقين}

وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم مَا من الانبياء نَبِي إِلَّا اعطي مَا مثله آمن عَلَيْهِ الْبشر وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتهُ وَحيا أوحاه اللّه إِلَيّ فأرجو ان أكون اكثرهم تَابعا

قَالَ الْعلمَاء مَعْنَاهُ ان معجزات الْأَنْبِيَاء انقضرت بانقراض إعصارهم فَلم يشاهدها إِلَّا من حضرها ومعجزة الْقُرْآن مستمرة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وخرقه الْعَادة فِي أسلوبه وبلاغته وأخباره بالمغيبات فَلَا يمر عصر من الْأَعْصَار إِلَّا وَيظْهر فِيهِ شَيْء مِمَّا اخبر انه سَيكون يدل على صِحَة دَعْوَاهُ وَقيل الْمَعْنى ان المعجزات الْمَاضِيَة كَانَت حسية تشاهد بالأبصار كناقة صَالح وعصا مُوسَى ومعجزة الْقُرْآن تشاهد بالبصيرة فَيكون من يتبعهُ لأَجلهَا أَكثر لِأَن الَّذين يُشَاهد بِعَين الرَّأْس ينقرض بانقراض مشاهده وَالَّذِي يُشَاهد بِعَين الْعقل بَاقٍ يُشَاهِدهُ كل منم جَاءَ بعد الأول مستمرا

قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر وَيُمكن نظم الْقَوْلَيْنِ فِي كَلَام وَاحِد فَإِن محصلهما لَا ينافى بعضه بَعْضًا

وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآن فَكَأَنَّهُ رق لَهُ فَبلغ ذَلِك أَبَا جهل فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا عَم إِن قَوْمك يُرِيدُونَ ان يجمعوا لَك مَالا قَالَ لم قَالَ ليعطوكه فانك أتيت مُحَمَّدًا تتعرض لما قبله قَالَ قد علمت قُرَيْش أَنِّي من أَكْثَرهَا مَالا قَالَ فَقل فِيهِ قولا يبلغ قَوْمك إِنَّك مُنكر لَهُ أَو إِنَّك كَارِه لَهُ قَالَ وماذا أَقُول فوَاللّه مَا فِيكُم رجل أعلم بالأشعار مني وَلَا اعْلَم برجزه وَلَا بقصيده مني وَلَا بأشعار الْجِنّ وَاللّه مَا يشبه الَّذِي يَقُول شَيْئا من هَذَا وَوَاللّه ان لقَوْله الَّذِي يَقُول حلاوة وان عَلَيْهِ لطلاوة وانه لمثمر أَعْلَاهُ مغدق اسفله وَأَنه ليعلو وَمَا يعلى وانه ليحطم مَا تَحْتَهُ قَالَ لَا يرضى عَنْك قَوْمك حَتَّى تَقول فِيهِ قَالَ فَدَعْنِي حَتَّى أفكر فِيهِ فَلَمَّا فكر قَالَ هَذَا سحر يُؤثر يؤثره من غَيره فَنزلت {ذَرْنِي وَمن خلقت وحيدا}

واخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة اَوْ سعيد عَن ابْن عَبَّاس أَن الْوَلِيد ابْن الْمُغيرَة اجْتمع وَنَفر من قُرَيْش وَكَانَ ذَا سنّ فيهم وَقد حضر الْمَوْسِم فَقَالَ إِن

وُفُود الْعَرَب ستقدم عَلَيْكُم فِيهِ وَقد سمعُوا بِأَمْر صَاحبكُم هَذَا فاجمعوا فِيهِ رَأيا وَاحِدًا وَلَا تختلفوا فيكذب بَعْضكُم بَعْضًا وَيرد قَول بَعْضكُم بَعْضًا فَقَالُوا فَأَنت يَا أَبَا عبد شمس فَقل وأقم لنا رَأيا نقوم بِهِ فَقَالَ بل أَنْتُم فَقولُوا لأسْمع فَقَالُوا نقُول كَاهِن فَقَالَ مَا هُوَ بكاهن لقد رَأَيْت الْكُهَّان فَمَا هُوَ بزمزمة الكاهن وسحره فَقَالُوا نقُول مَجْنُون فَقَالَ وَمَا هُوَ بمجنون وَلَقَد رَأينَا الْجُنُون وعرفناه فَمَا هُوَ بخنقه وَلَا تخالجه وَلَا وسوسته قَالَ فَنَقُول شَاعِر قَالَ فَمَا هُوَ بشاعر قد عرفنَا الشّعْر برجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فَمَا هُوَ بالشعر قَالَ فَنَقُول سَاحر قَالَ فَمَا هُوَ سَاحر قد رَأينَا السحار وسحرهم فَمَا هُوَ بنفثه وَلَا عقده فَقَالُوا مَا تَقول با ابا عبد شمس قَالَ وَاللّه ان لقَوْله لحلاوة وان أَصله لمعذق وَأَن فَرعه لجنى فَمَا أَنْتُم بقائلين من هَذَا شَيْئا إِلَّا عرف أَنه بَاطِل وَأَن أقرب القَوْل لِأَن تَقولُوا سَاحر فتقولوا هَذَا سَاحر يفرق بَين الْمَرْء وَبَين أَبِيه وَبَين الْمَرْء وَبَين أَخِيه وَبَين الْمَرْء وَبَين زَوجته وَبَين الْمَرْء وعشيرته فَتَفَرَّقُوا عِنْد ذَلِك فَجعلُوا يَجْلِسُونَ للنَّاس حِين قدمُوا الْمَوْسِم لَا يمر بهم أحد إِلَّا حذروه إِيَّاه وَذكروا لَهُم أمره فَأنْزل اللّه عز وَجل فِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَذَلِكَ من قَوْله {ذَرْنِي وَمن خلقت وحيدا} إِلَى قَوْله {سأصليه سقر} وَانْزِلْ اللّه عز وَجل فِي النَّفر الَّذين كَانُوا مَعَه ويصفون لَهُ القَوْل فِي رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا جَاءَ بِهِ من عِنْد اللّه {الَّذين جعلُوا الْقُرْآن عضين} أَي أصنافا {فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ} أُولَئِكَ النَّفر الَّذين يَقُولُونَ ذَلِك لرَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم لمن لقوا من النَّاس قَالَ وصدرت الْعَرَب من ذَلِك الْمَوْسِم بِأَمْر رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم وانتشر ذكره فِي بِلَاد الْعَرَب كلهَا

وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أقبل الْوَلِيد بن الْمُغيرَة على أبي بكر يسْأَله عَن الْقُرْآن فَلَمَّا أخبرهُ خرج على قُرَيْش فَقَالَ يَا عجبا لما يَقُول ابْن أبي كَبْشَة فوَاللّه مَا هُوَ بِشعر وَلَا سحر وَلَا بهذاء مثل الْجُنُون وان قَوْله لمن كَلَام اللّه

وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق السّديّ الصَّغِير عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس ان الْوَلِيد قَالَ لِقَوْمِهِ ان النَّاس مجتمعون غَدا فِي الْمَوْسِم وَقد فَشَا قَول هَذَا

الرجل فِي النَّاس وهم سائلوكم عَنهُ غَدا فَمَاذَا تردون عَلَيْهِم قَالُوا نقُول مَجْنُون مختنق قَالَ يأتونه فيكلمونه فيجدونه فصيحا عَاقِلا فيكذبونكم قَالُوا نقُول شَاعِر قَالَ هم الْعَرَب وَقد رووا الشّعْر وَقَوله لَيْسَ بنشيد الشّعْر فيكذبوكم قَالُوا نقُول كَاهِن يخبرنا بِمَا فِي غَد قَالَ انهم لقوا الْكُهَّان فاذا سمعُوا قَوْله فَلم يجدوه يشبه الكهانة فيكذبونكم

وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَامَ النَّضر بن الْحَارِث بن كلدة بن عبد منَاف بن عبد الدَّار بن قصي فَقَالَ يَا معشر قُرَيْش إِنَّه وَاللّه لقد نزل بكم أَمر مَا ابتليتم بِمثلِهِ لقد كَانَ مُحَمَّد فِيكُم غُلَاما حَدثا أرضاكم فِيكُم وأصدقكم حَدِيثا وأعظمكم أَمَانَة حَتَّى اذا رَأَيْتُمْ فِي صدغيه الشيب وَجَاءَكُم بِمَا جَاءَكُم قُلْتُمْ سَاحر لَا وَاللّه مَا هُوَ بساحر قد رَأينَا السَّحَرَة ونفثهم وعقدهم وقلتم كَاهِن لَا وَاللّه مَا هُوَ بكاهن قد رَأينَا الكهنة وحالهم وَسَمعنَا سجعهم وقلتم شَاعِر لَا وَاللّه مَا هُوَ بشاعر لقد روينَا الشّعْر وَسَمعنَا اصنافه كلهَا هزجه ورجزه وقلتم مَجْنُون لَا وَاللّه مَا هُوَ بمجنون لقد رَأينَا الْجُنُون فَمَا هُوَ بجنقه وَلَا وسوسته وَلَا تخليطه يَا معشر قُرَيْش انْظُرُوا فِي شَأْنكُمْ فَإِنَّهُ وَاللّه لقد نزل بكم أَمر عَظِيم

وَأخرج ابْن ابي شيبَة فِي مُسْنده وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن جَابر بن عبد اللّه قَالَ قَالَ ابو جهل وَالْمَلَأ من قُرَيْش لقد انْتَشَر علينا أَمر مُحَمَّد فَلَو الْتَمَسْتُمْ رجلا عَالما بِالسحرِ وَالْكهَانَة وَالشعر فَكَلمهُ ثمَّ أَتَانَا بِبَيَان من أمره فَقَالَ عتبَة لقد سَمِعت قَول السحر وَالْكهَانَة وَالشعر وَعلمت من ذَلِك علما وَمَا يخفى عَليّ إِن كَانَ كَذَلِك فَأَتَاهُ فَلَمَّا اتاه قَالَ عتبَة يَا مُحَمَّد أَنْت خير ام هَاشم أَنْت خير ام عبد الْمطلب انت خير ام عبد اللّه فَلم يجبهُ قَالَ فَبِمَ تَشْتُم آلِهَتنَا وتضلل أباءنا فَإِن كنت إِنَّمَا بك الرِّئَاسَة عَقدنَا ألويتنا لَك فَكنت رَأْسنَا مَا بقيت وَإِن كَانَ بك الْبَاءَة زَوَّجْنَاك عشر نسْوَة تخْتَار من أَي بَنَات قُرَيْش شِئْت وان كَانَ بك المَال جَمعنَا لَك من أَمْوَالنَا مَا تستعين بهَا أَنْت وَعَقِبك من بعْدك وَرَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم سَاكِت وَلَا يتَكَلَّم فَلَمَّا فرغ قَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم بِسم اللّه الرَّحْمَن الرَّحِيم حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب فصلت آيَاته قُرْآنًا عَرَبيا لقوم يعلمُونَ فَقَرَأَ حَتَّى بلغ فَإِن أَعرضُوا فَقل أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مثل

صَاعِقَة عَاد وَثَمُود) فَأمْسك عتبَة على فِيهِ وَنَاشَدَهُ الرَّحِم ان يكف عَنهُ وَلم يخرج إِلَى أَهله وَاحْتبسَ عَنْهُم فَقَالَ أَبُو جهل يَا معشر قُرَيْش وَاللّه مَا نرى عتبَة إِلَّا قد صَبأ إِلَى مُحَمَّد وَأَعْجَبهُ طَعَامه وَمَا ذَاك إِلَّا من حَاجَة أَصَابَته انْطَلقُوا بِنَا اليه فَأتوهُ فَقَالَ ابو جهل وَاللّه يَا عتبَة مَا حسبناك إِلَّا أَنَّك صبوت إِلَى مُحَمَّد وَأَعْجَبَك أمره فَإِن كَانَت بك حَاجَة جَمعنَا لَك من أَمْوَالنَا مَا يُغْنِيك عَن طَعَام مُحَمَّد فَغَضب وَأقسم بِاللّه لَا يكلم مُحَمَّدًا أبدا قَالَ وَلَقَد علمْتُم اني من اكثر قُرَيْش مَالا وَلَكِنِّي أَتَيْته فَأَجَابَنِي بِشَيْء وَاللّه مَا هُوَ بِسحر وَلَا شعر وَلَا كهَانَة قَرَأَ بِسم اللّه الرَّحْمَن الرَّحِيم حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب فصلت آيَاته حَتَّى بلغ فَقل انذرتكم صَاعِقَة مثل صَاعِقَة عَاد وَثَمُود فامسكت بِفِيهِ وَنَاشَدْته الرَّحِم ليكف وَلَقَد علمْتُم ان مُحَمَّدًا اذا قَالَ شَيْئا لم يكذب فَخفت ان ينزل بكم الْعَذَاب

وَأخرج إِبْنِ اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ حدثت ان عتبَة بن ربيعَة قَالَ ذَات يَوْم وَرَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد يَا معشر قُرَيْش أَلا أقوم إِلَى هَذَا فأكلمه فَأَعْرض عَلَيْهِ أمورا لَعَلَّه ان يقبل مِنْهَا بَعْضهَا ويكف عَنَّا قَالُوا بلَى يَا أَبَا الْوَلِيد فَقَامَ عتبَة حَتَّى جلس إِلَى رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الحَدِيث فِيمَا قَالَ لَهُ عتبَة وَفِيمَا عرض عَلَيْهِ من المَال وَالْملك وَغير ذَلِك حَتَّى إِذا فرغ عتبَة قَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم أفرغت يَا أَبَا الْوَلِيد قَالَ نعم قَالَ فاسمع مني قَالَ فافعل فَقَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم بِسم اللّه الرَّحْمَن الرَّحِيم حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب فصلت آيَاته قُرْآنًا عَرَبيا فَمضى رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فقرأها عَلَيْهِ فَلَمَّا سَمعهَا عتبَة انصت لَهَا وَألقى بيدَيْهِ خلف ظَهره مُعْتَمدًا عَلَيْهِمَا يسمع مِنْهُ حَتَّى انْتهى رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم إِلَى السَّجْدَة فَسجدَ فِيهَا ثمَّ قَالَ سَمِعت يَا أَبَا الْوَلِيد قَالَ سَمِعت قَالَ فَأَنت وَذَاكَ فَقَامَ عتبَة إِلَى اصحابه فَقَالَ بَعضهم لبَعض نحلف بِاللّه لقد جَاءَكُم أَبُو الْوَلِيد بِغَيْر الْوَجْه الَّذِي ذهب بِهِ فَلَمَّا جلس إِلَيْهِم قَالُوا وَمَا وَرَاءَك يَا أَبَا الْوَلِيد قَالَ ورائي إِنِّي وَاللّه قد سَمِعت قولا مَا سَمِعت بِمثلِهِ قطّ وَاللّه مَا هُوَ بالشعر وَلَا السحر وَلَا الكهانة يَا معشر قُرَيْش أَطِيعُونِي واجعلوها بِي خلوا بَين هَذَا الرجل وَبَين مَا هُوَ فِيهِ واعتزلوه فوَاللّه لَيَكُونن لقَوْله الَّذِي سَمِعت نبأ فان تصبه الْعَرَب فقد كفيتموه بغيركم وان يظْهر على

الْعَرَب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد النَّاس بِهِ قَالُوا سحرك وَاللّه يَا ابا الْوَلِيد بِلِسَانِهِ فَقَالَ هَذَا رَأْيِي لكم فَاصْنَعُوا مَا بدا لكم

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عمر قَالَ لما قَرَأَ النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم على عتبَة بن ربيعَة {حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم} أَتَى أَصْحَابه فَقَالَ لَهُم يَا قوم أَطِيعُونِي فِي هَذَا الْيَوْم واعصوني بعده فوَاللّه لقد سَمِعت من هَذَا الرجل كلَاما مَا سَمِعت أذناي قطّ كلَاما مثله وَمَا دَريت مَا أرد عَلَيْهِ

وَأخرج ابْن اسحاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ حدثت أَن أَبَا جهل وَأَبا سُفْيَان والأخنس بن شريق خَرجُوا لَيْلَة ليستمعوا من رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فِي بَيته وأخد كل رجل مِنْهُم مَجْلِسا ليستمع مِنْهُ وكل لَا يعلم بمَكَان صَاحبه فَبَاتُوا يَسْتَمِعُون لَهُ حَتَّى إِذا أَصْبحُوا وطلع الْفجْر تفَرقُوا فَجمعتهمْ الطَّرِيق فتلاوموا قَالَ بَعضهم لبَعض لَا تعودوا فَلَو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم فِي نَفسه شَيْئا ثمَّ انصرفوا حَتَّى اذا كَانَت اللَّيْلَة الثَّانِيَة عَاد كل رجل مِنْهُم إِلَى مَجْلِسه فَبَاتُوا يَسْتَمِعُون لَهُ حَتَّى اذا طلع الْفجْر تفَرقُوا فَجمعتهمْ الطَّرِيق فَقَالَ بَعضهم لبَعض مثل مَا قَالُوا أول مرّة ثمَّ انصرفوا فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الثَّالِثَة أَخذ كل رجل مِنْهُم مَجْلِسه فَبَاتُوا يَسْتَمِعُون لَهُ حَتَّى إِذا طلع الْفجْر تفَرقُوا فَجمعتهمْ الطَّرِيق فَقَالُوا لَا نَبْرَح حَتَّى نتعاهد لَا نعود فتعاهدوا على ذَلِك ثمَّ تفَرقُوا فَلَمَّا أصبح الْأَخْنَس بن شريق أَخذ عَصَاهُ ثمَّ خرج حَتَّى اتى أَبَا سُفْيَان فِي بَيته فَقَالَ أَخْبرنِي يَا أَبَا حَنْظَلَة عَن رَأْيك فِيمَا سَمِعت من مُحَمَّد فَقَالَ يَا أَبَا ثَعْلَبَة لقد سَمِعت أَشْيَاء أعرفهَا وَأعرف مَا يُرَاد بهَا فَقَالَ الْأَخْنَس وَأَنا وَالَّذِي حَلَفت ثمَّ خرج من عِنْده حَتَّى أَتَى ابا جهل فَدخل عَلَيْهِ بَيته فَقَالَ يَا أَبَا الحكم مَا رَأْيك فِيمَا سَمِعت من مُحَمَّد فَقَالَ مَاذَا سَمِعت تنازعنا نَحن وَبَنُو عبد منَاف الشّرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حَتَّى إِذا تجاثينا على الركب وَكُنَّا كفرسي رهان قَالُوا منا نَبِي يَأْتِيهِ الْوَحْي من السَّمَاء فَمَتَى ندرك هَذِه وَاللّه لَا نؤمن بِهِ أبدا وَلَا نصدقه فَقَامَ الْأَخْنَس بن شريق

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ إِن اول يَوْم عرفنَا رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم أَنِّي امشي أَنا وَأَبُو جهل بن هِشَام فِي بعض أَزِقَّة مَكَّة إِذْ لَقينَا رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم لأبي جهل يَا ابا الحكم هَلُمَّ إِلَى اللّه وَإِلَى رَسُوله أَدْعُوك إِلَى اللّه

قَالَ أَبُو جهل يَا مُحَمَّد هَل انت منته عَن سبّ آلِهَتنَا هَل تُرِيدُ إِلَّا ان نشْهد ان قد بلغت فَنحْن نشْهد ان قد بلغت فوَاللّه لَو أَنِّي اعْلَم أَن مَا تَقول حَقًا لاتبعتك فَانْصَرف رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم وَأَقْبل عَليّ فَقَالَ فوَاللّه إِنِّي لأعْلم ان مَا يَقُول حق وَلَكِن بني قصي قَالُوا فِينَا الحجابة فَقُلْنَا نعم فَقَالُوا فِينَا الندوة فَقُلْنَا نعم فَقَالُوا فِينَا اللِّوَاء فَقُلْنَا نعم قَالُوا فِينَا السِّقَايَة فَقُلْنَا نعم ثمَّ اطعموا فأطعمنا حَتَّى اذا تحاكت الركب قَالُوا منا نَبِي وَاللّه لَا أفعل

وَأخرج مُسلم عَن ابي ذَر قَالَ انْطلق أخي انيس الى مَكَّة ثمَّ أَتَانِي فَقَالَ لقِيت رجلا بِمَكَّة يزْعم ان اللّه أرْسلهُ قلت مَا يَقُول النَّاس قَالَ يَقُولُونَ انه لشاعر وساحر وكاهن وَكَانَ انيس اُحْدُ الشُّعَرَاء فَقَالَ لقد سَمِعت قَول الكهنة فَمَا هُوَ بقَوْلهمْ وَلَقَد وضعت قَوْله على اقراء الشّعْر فوَاللّه مَا يلتئم على لِسَان أحد بعدِي انه شعر وَوَاللّه انه لصَادِق وَأَنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ قَالَ أَبُو ذَر فارتحلت حَتَّى أتيت مَكَّة فأقمت بهَا ثَلَاثِينَ من بَين يَوْم وَلَيْلَة وَمَا لي طَعَام إِلَّا مَاء زَمْزَم فَسَمنت حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَن بَطْني وَمَا وجدت على كَبِدِي سخْفَة جوع

اخْرُج ابو نعيم عَن الزُّهْرِيّ ان أسعد بن زُرَارَة قَالَ يَوْم الْعقبَة للْعَبَّاس نَحن قد قَطعنَا الْقَرِيب والبعيد وَذَا الرَّحِم ونشهد انه رَسُول اللّه أرْسلهُ من عِنْده لَيْسَ بِكَذَّابٍ وَإِن مَا جَاءَ بِهِ لَا يشبه كَلَام الْبشر

وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق ابْن اسحاق حَدثنِي اسحاق بن يسَار عَن رجل من بني سَلمَة قَالَ لما اسْلَمْ فتيَان بني سَلمَة قَالَ عَمْرو بن الجموح لِابْنِهِ اخبرني مَا سَمِعت من كَلَام هَذَا الرجل فَقَرَأَ عَلَيْهِ {الْحَمد للّه رب الْعَالمين} إِلَى قَوْله {الصِّرَاط الْمُسْتَقيم} فَقَالَ مَا احسن هَذَا وأجمله وكل كَلَامه مثل هَذَا قَالَ يَا أبتاه وَأحسن من هَذَا

وَأخرج ابْن سعد عَن يزِيد بن رُومَان وَمُحَمّد بن كَعْب وَالشعْبِيّ وَالزهْرِيّ وَغَيرهم قَالُوا قدم على رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم رجل من بني سليم يُقَال لَهُ قيس بن نسيبة

فَسمع كَلَامه وَسَأَلَهُ عَن أَشْيَاء فَأَجَابَهُ فَأسلم وَرجع إِلَى قومه فَقَالَ قد سَمِعت تَرْجَمَة الرّوم وهينمة فَارس وأشعار الْعَرَب وكهانة الكاهن وَكَلَام مقاول حمير فَمَا يشبه كَلَام مُحَمَّد شَيْئا من كَلَامهم فأطيعوني وخذوا بنصيبكم مِنْهُ فقدموا عَام الْفَتْح فأسلموا وهم سَبْعمِائة وَقيل كَانُوا ألفا

فصل

أجمع الْعُقَلَاء على أَن كتاب اللّه تَعَالَى معجز لم يقدر أحد على معارضته مَعَ تحديهم بذلك قَالَ اللّه تَعَالَى {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام اللّه} فلولا ان سَمَاعه حجَّة عَلَيْهِ لم يقف امْرَهْ على سَمَاعه وَلَا يكون حجَّة الا وَهُوَ معْجزَة وَقَالَ تَعَالَى {وَقَالُوا لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ آيَات من ربه قل إِنَّمَا الْآيَات عِنْد اللّه وَإِنَّمَا أَنا نَذِير مُبين} اَوْ لم يَكفهمْ انا انزلنا عَلَيْك الْكتاب يُتْلَى عَلَيْهِم فَأخْبر ان الْكتاب آيَة من آيَاته كَاف فِي الدّلَالَة قَائِم مقَام معجزات غَيره وآيات من سواهُ من الْأَنْبِيَاء وَقد جَاءَهُم بِهِ صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم وَكَانُوا أفْصح الفصحاء ومصاقع الخطباء وتحداهم على ان يَأْتُوا بِمثلِهِ وأمهلهم طول السنين فَلم يقدروا وَكَانُوا احرص شَيْء على إطفاء نوره وإخفاء أمره فَلَو كَانَ فِي مقدرتهم معارضته لعدلوا إِلَيْهَا قطعا للحجة وَلم ينْقل عَن اُحْدُ مِنْهُم انه حدث نَفسه بِشَيْء من ذَلِك وَلَا رامه بل عدلوا إِلَى العناد تَارَة وَإِلَى الِاسْتِهْزَاء اخرى فَتَارَة قَالُوا سحر وَتارَة قَالُوا شعر وَتارَة قَالُوا أساطير الْأَوَّلين كل ذَلِك من التحير والانقطاع ثمَّ رَضوا بتحكيم السَّيْف فِي أَعْنَاقهم وَسبي ذَرَارِيهمْ وحرمهم واستباحة اموالهم وَقد كَانُوا آنف شَيْء وأشده حمية فَلَو علمُوا ان الْإِتْيَان بِمثلِهِ فِي قدرتهم لبادروا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ أَهْون عَلَيْهِم

قَالَ الْحَافِظ بعث اللّه مُحَمَّدًا صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم أَكثر مَا كَانَت الْعَرَب شَاعِرًا وخطيبا وَأحكم مَا كَانَت لُغَة وَأَشد مَا كَانَت عدَّة فَدَعَا أقصاها وَأَدْنَاهَا إِلَى الْمُعَارضَة ثمَّ نصب لَهُم

الْحَرْب فَدلَّ ذَلِك الْعَاقِل على عجز الْقَوْم مَعَ كَثْرَة كَلَامهم واستحالة لغتهم وسهولة ذَلِك عَلَيْهِم وَكَثْرَة شعرائهم وخطبائهم لِأَن سُورَة وَاحِدَة وآيات يسيرَة كَانَت أنقض لقَوْله وافسد لأَمره وأسرع فِي تَفْرِيق أَتْبَاعه من بذل النُّفُوس وَالْخُرُوج من الاوطان وانفاق الْأَمْوَال وَقد اخْتلف النَّاس فِي الْوَجْه الَّذِي وَقع بِهِ إعجاز الْقُرْآن على أَقْوَال بينتها مبسوطة فِي كتاب الإتقان والملخص انه وَقع بعدة وُجُوه

مِنْهَا حسن تأليفه والتئام كَلمه وفصاحته ووجوه إعجازه وبلاغته الخارقة عَادَة الْعَرَب الَّذين هم فرسَان الْكَلَام وأرباب هَذَا الشَّأْن

وَمِنْهَا صُورَة نظمه العجيب والأسلوب الْغَرِيب الْمُخَالف لأساليب كَلَام الْعَرَب ومنهاج نظمها ونثرها الَّذِي جَاءَ عَلَيْهِ ووقفت عَلَيْهِ مقاطع آيَاته وانتهت إِلَيْهِ فواصل كَلِمَاته وَلم يُوجد قبله وَلَا بعده نَظِير لَهُ

وَمِنْهَا مَا انطوى عَلَيْهِ من الْأَخْبَار بالمغيبات وَمَا لم يكن فَوجدَ كَمَا ورد

وَمِنْهَا مَا أنبأ بِهِ من أَخْبَار الْقُرُون الْمَاضِيَة والشرائع السالفة مِمَّا كَانَ لَا يعلم مِنْهُ الْقِصَّة الْوَاحِدَة إِلَّا الْفَذ من أَحْبَار أهل الْكتاب الَّذِي قطع عمره فِي تعلم ذَلِك فيورده صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم على وَجهه وَيَأْتِي بِهِ على نَصه وَهُوَ أُمِّي لَا يقْرَأ وَلَا يكْتب

وَمِنْهَا مَا تضمنه من الْأَخْبَار عَن الضمائر كَقَوْلِه تَعَالَى {إِذْ هَمت طَائِفَتَانِ مِنْكُم أَن تَفْشَلَا} وَقَوله تَعَالَى {وَيَقُولُونَ فِي أنفسهم لَوْلَا يعذبنا اللّه بِمَا نقُول}

وَمِنْهَا آي وَردت بتعجيز قوم فِي قضايا وإعلامهم أَنهم لَا يفعلونها فَمَا فعلوا وَلَا قدرُوا كَقَوْلِه فِي الْيَهُود (وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا)

وَمِنْهَا ترك الْمُعَارضَة مَعَ توفر الدَّوَاعِي وَشدَّة الْحَاجة

وَمِنْهَا الروعة الَّتِي تلْحق قُلُوب سامعيه عِنْد سماعهم والهيبة الَّتِي تعتريهم عِنْد سَماع تِلَاوَته كَمَا وَقع لجبير بن مطعم انه سمع النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْمغرب بِالطورِ قَالَ فَلَمَّا بلغ هَذِه الْآيَة ام خلقُوا من غير شَيْء أم هم الْخَالِقُونَ إِلَى قَوْله {المصيطرون} كَاد قلبِي يطير قَالَ وَذَلِكَ أول مَا وقر الْإِسْلَام فِي قلبِي

وَمِنْهَا أَن قارئه لَا يمله وسامعه لَا يمجه بل الإكباب على تِلَاوَته يزِيد حلاوة وترديده يُوجب لَهُ محبَّة وَغَيره من الْكَلَام يعادي إِذا أُعِيد ويمل مَعَ الترديد ولهدا وصف صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن بِأَنَّهُ لايخلق على كَثْرَة الرَّد

وَمِنْهَا كَونه آيَة بَاقِيَة لَا يعْدم مَا بقيت الدُّنْيَا مَعَ تكفل اللّه بحفظه

وَمِنْهَا جمعه لعلوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الْكتب وَلَا أحَاط بعلمها أحد فِي كَلِمَات قَليلَة وأحرف مَعْدُودَة

وَمِنْهَا جمعه بَين صِفَتي الجزالة والعذوبة وهما كالمتضادين لَا يَجْتَمِعَانِ فِي كَلَام الْبشر غَالِبا

وَمِنْهَا جعله آخر الْكتب غَنِيا من غَيره وَجعل غَيره من الْكتب الْمُتَقَدّمَة قد تحْتَاج إِلَى بَيَان يرجع فِيهِ اليه كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِن هَذَا الْقُرْآن يقص على بني إِسْرَائِيل أَكثر الَّذِي هم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}

قَالَ القَاضِي عِيَاض وَالْوُجُوه الْأَرْبَعَة الاول هِيَ الْمُعْتَمد عَلَيْهَا فِي الإعجاز وَالْبَاقِي تقدم فِي خَصَائِصه وَبَقِي من خَصَائِصه كَونه نزل على سَبْعَة أحرف وَكَونه نزل مفرقا منجما وَكَونه ميسرًا للْحِفْظ وَسَائِر الْكتب بِخِلَاف ذَلِك فِي الثَّلَاثَة وَقد بسطت الْكَلَام فِي الْأَوَّلين فِي الإتقان وسألم بِشَيْء من ذَلِك فِي بَاب الخصائص الَّتِي امتاز بهَا عَن سَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

فصل

قَالَ القَاضِي عِيَاض إِذا عرفت مَا ذكر من وُجُوه إعجاز الْقُرْآن عرفت انه لَا يُحْصى عدد معجزاته بِأَلف وَلَا أَلفَيْنِ وَلَا اكثر لِأَنَّهُ صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم قد تحدى بِسُورَة مِنْهُ فعجزوا عَنْهَا قَالَ أهل الْعلم واقصر السُّور {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} فَكل آيَة اَوْ آيَات مِنْهُ بعددها وقدرها معْجزَة ثمَّ فِيهَا نَفسهَا معجزات على مَا سبق

قلت واذا عددت كَلِمَات سُورَة الْكَوْثَر وَجدتهَا بضع عشرَة كلمة وَقد عد قوم كَلِمَات الْقُرْآن سبعا وَسبعين الف كلمة وَتِسْعمِائَة وأربعا وَثَلَاثِينَ فالقدر المعجز مِنْهُ يكون فِي الْعدَد نَحْو سَبْعَة آلَاف تَقْرِيبًا تضرب فِي ثَمَانِيَة أوجه الْأَوَّلَانِ وَالسَّابِع وَالثَّامِن وَالتَّاسِع والعاشر وَالْحَادِي عشر وَالثَّانِي عشر تبلغ سِتَّة وَخمسين الف معْجزَة ثمَّ يَنْضَم إِلَى ذَلِك فِي بعضه من الْوَجْه الثَّالِث وَالرَّابِع وَالْخَامِس وَالسَّادِس جملَة وافرة فتصل معجزات الْقُرْآن بذلك إِلَى سِتِّينَ الف معْجزَة أَو أَكثر وَمن اراد الْوُقُوف على تَفْصِيل إعجاز الْقُرْآن من حَيْثُ الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ فليمعن النّظر فِي كتَابنَا الاتقان ثمَّ فِي كتَابنَا أسرار التَّنْزِيل يجد فيهمَا مَا يشفي غليله وَقد وَقع لي اني استخرجت من آيَة وَاحِدَة مائَة وَعشْرين نوعا من انواع البلاغة وَهِي قَوْله تَعَالَى {اللّه ولي الَّذين آمنُوا} الْآيَة وَقد افردتها بتأليف فَليُرَاجع

فصل

روى أَحْمد وَغَيره عَن عقبَة بن عَامر قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم لَو كَانَ الْقُرْآن فِي اهاب مَا اكلته النَّار وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حيدث سهل بن سعد بِلَفْظ مَا مسته النَّار وَرَوَاهُ من حَدِيث عصمَة بن مَالك بِلَفْظ لَو جمع الْقُرْآن فِي إهَاب مَا احرقته النَّار

قَالَ ابْن الْأَثِير فِي نِهَايَة الْغَرِيب ذكر بَعضهم أَن هَذَا معْجزَة لَهُ فِي زمن النَّبِي صلى اللّه عَلَيْهِ وَسلم فَقَط