٤-٣ [أقسام معجزاته ص]ثم إن حاصل معجزاته وباهر آياته وكراماته- صلى اللّه عليه وسلم- كما نبه عليه القطب القسطلانى يرجع إلى ثلاثة أقسام: ماض: وجد قبل كونه، فقضى بمجده. ومستقبل: وقع بعد مواراته فى لحده. وكائن معه من حين حمله ووضعه إلى أن نقله اللّه إلى محل فضله وموطن جمعه. [القسم الأول ما كان قبل ظهوره]فأما القسم الأول الماضى وهو ما كان قبل ظهوره إلى هذا الوجود، فقد ذكرت منه جملة فى المقصد الأول، كقصة الفيل وغير ذلك، مما هو تأسيس لنبوته وإرهاص لرسالته، قال الإمام فخر الدين الرازى: ومذهبنا: أنه يجوز تقديم المعجزة تأسيسا وإرهاصا، قال: ولذلك قالوا: كانت الغمامة تظله، يعنى فى سفره قبل النبوة، خلافا للمعتزلة القائلين بأنه لا يجوز أن تكون المعجزة قبل الإرسال. انتهى. وقد تقدم أول هذا المقصد: أن الذى عليه جمهور أئمة الأصول وغيرهم: أن هذا ونحوه مما هو متقدم على الدعوى لا يسمى معجزة، بل تأسيسا للرسالة وكرامة للرسول- صلى اللّه عليه وسلم-. وأما القسم الثانى ما وقع بعد وفاته- ص:وهو ما وقع بعد وفاته- صلى اللّه عليه وسلم- فكثير جدّا، إذ فى __________ - المرأة، والدارمى فى (سننه) (١٤٦٣) ، والحاكم فى (المستدرك) (٢/ ٢٠٤) من حديث قيس بن سعد- رضى اللّه عنه-. كل حين يقع لخواص أمته من خوارق العادات بسببه مما يدل على تعظيم قدره الكريم ما لا يحصى كالاستغاثة به وغير ذلك مما يأتى فى المقصد الأخير، فى أثناء الكلام على زيارة قبره الشريف المنير. وأما القسم الثالث: وهو ما كان معه من حين ولادته إلى وفاته،فكالنور الذى خرج معه حتى أضاء له قصور الشام وأسواقها، حتى رؤيت أعناق الإبل ببصرى، ومسح الطائر على فؤاد أمه حتى لم تجد ألما لولادته، والطواف به فى الآفاق، إلى غير ذلك. وكانشقاق القمر عند اقتراحه عليه، وانضمام الشجرتين لما دعاهما إليه، وكإطعام الجيش الكثير من النزر اليسير، فى عدة من المواضع واستيلاء الفجائع، وغير ذلك مما أمده اللّه تعالى به من المعجزات، وأكرمه به خوارق العادات تأييدا لإقامة حجته، وتمهيدا لهداية محجته، وتأييدا لسيادته فى كل أمة، وتسديدا لمن ادكر بعد أمة، مما تتبعه يخرج عن مقصود الاختصار، إذ هو باب فسيح المجال منيع المنال، لكنى أنبه من ذلك على نبذة يسيرة، وأنوه فى أثنائها بجملة خطيرة، فأقول وما توفيقى إلا باللّه، عليه توكلت وإليه أنيب. أما معجزة انشقاق القمر، فقد قال تعالى فى كتابه العزيز: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) . الآية، والمراد وقوع انشقاقه، ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ(٢) . فإن ذلك ظاهر فى أن المراد بقوله: (انشق) وقوع انشقاقه، لأن الكفار لا يقولون ذلك يوم القيامة، وإذا تبين أن قولهم إنما هو فى الدنيا تبين وقوع الانشقاق وأنه المراد بالآية التى زعموا أنها سحر، وسيأتى ذلك صريحا فى حديث ابن مسعود وغيره. واعلم أن القمر لم ينشق لأحد غير نبينا- صلى اللّه عليه وسلم-، وهو من أمهات معجزاته- صلى اللّه عليه وسلم-. وقد أجمع المفسرون وأهل السنة على وقوعه لأجله __________ (١) سورة القمر: ١. (٢) سورة القمر: ٢. - صلى اللّه عليه وسلم-، فإن كفار قريش لما كذبوه ولم يصدقوه طلبوا منه آية تدل على صدقه على دعواه، فأعطاه اللّه هذه الآية العظيمة، التى لا قدرة لبشر على إيجادها، دلالة على صدقه-صلى اللّه عليه وسلم- فى دعواه الوحدانية للّه تعالى، وأنه منفرد بالربوبية، وأن هذه الآلهة التى يعبدونها باطلة لا تنفع ولا تضر، وأن العبادة إنما تكون للّه وحده لا شريك له. قال الخطابى: انشقاق القمر آية عظيمة، لا يكاد يعدلها شىء من آيات الأنبياء، وذلك أنه ظهر فى ملكوت السماوات خارجا عن جملة طباع ما فى هذا العالم المركب من الطبائع، فليس فيما يطمع فى الوصول إليه بحيلة، فلذلك صار البرهان به أظهر. انتهى. وقال ابن عبد البر: قد روى هذا الحديث- يعنى حديث انشقاق القمر- جماعة كثيرة من الصحابة، وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين، ثم نقله عنهم الجم الغفير إلى أن انتهى إلينا. وتأيد بالآية الكريمة. انتهى. وقال العلامة ابن السبكى فى شرحه لمختصر ابن الحاجب: والصحيح عندى أن انشقاق القمر متواتر، منصوص عليه فى القرآن، مروى فى الصحيحين وغيرهما من طرق من حديث شعبة عن سليمان عن إبراهيم عن أبى معمر عن ابن مسعود، ثم قال: وله طرق أخر شتى، بحيث لا يمترى فى تواتره. انتهى. وقد جاءت أحاديث الانشقاق فى روايات صحيحة عن جماعة من الصحابة منهم: أنس، وابن مسعود، وابن عباس، وعلى، وحذيفة، وجبير ابن مطعم، وابن عمر، وغيرهم. فأما أنس وابن عباسفلم يحضرا ذلك، لأنه كان بمكة قبل الهجرة بنحو خمس سنين، وكان ابن عباس إذ ذاك لم يولد، وأما أنس فكان ابن أربع سنين أو خمس بالمدينة، وأما غيرهما فيمكن أن يكون شاهد ذلك. ففى الصحيحين: من حديث أنس- رضى اللّه عنه-: أن أهل مكة سألوا رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر شقتين، حتى رأوا حراء بينهما، وقوله: شقتين- بكسر الشين المعجمة- أى نصفين (١) . ومن حديث ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فرقتين، فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- (اشهدوا) (٢) . وفى الترمذى من حديث ابن عمر، فى قوله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (٣) قال: قد كان ذلك على عهد رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، انشق فلقتين، فلقة دون الجبل، وفلقة فوق الجبل، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (اشهدوا) (٤) . وعند الإمام أحمد، من حديث جبير بن مطعم قال: انشق القمر على عهد رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فصار فرقتين، فرقة على هذا الجبل، وفرقة على هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد، فقالوا: إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس (٥) . وعن عبد اللّه بن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، فقال كفار قريش: هذا سحر ابن أبى كبشة، قال: فقالوا انظروا ما يأتيكم به السفار، فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم. قال: فجاء السفار فأخبروهم بذلك (٦) رواه أبو داود الطيالسى. ورواه البيهقى بلفظ: انشق القمر بمكة فقالوا: سحركم ابن أبى كبشة، فاسألوا السفار، فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق وإن لم يكونوا رأوا ما رأيتم فهو سحر، فسألوا السفار وقد قدموا من كل وجه فقالوا: رأيناه. __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٣٦٣٦٧) فى المناقب، باب: سؤال المشركين أن يريهم النبى- صلى اللّه عليه وسلم- آية فأراهم انشقاق القمر، ومسلم (٢٨٠٢) فى صفة القيامة والجنة والنار، باب: انشقاق القمر. (٢) صحيح: أخرجه البخارى (٣٦٣٦) فى المناقب، باب: سؤال المشركين أن يريهم النبى- صلى اللّه عليه وسلم- آية فأراهم انشقاق القمر، ومسلم (٢٨٠٠) فى صفة القيامة والجنة، باب: انشقاق القمر. (٣) سورة القمر: ١. (٤) صحيح: أخرجه مسلم (٢٨٠١) فى صفة القيامة والجنة والنار، باب: انشقاق القمر، والترمذى (٣٢٨٨) فى التفسير، باب: ومن سورة القمر. (٥) أخرجه أحمد فى (المسند) (٤/ ٨١) ، وهو عند الترمذى (٣٢٨٩) . (٦) أخرجه أبو داود الطيالسى فى (مسنده) (٢٩٥) . وعند أبى نعيم فى الدلائل من حديث ..... عن ابن عباس قال: اجتمع المشركون إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل والعاصى بن وائل، والأسود بن المطلب، والنضر بن الحارث ونظراؤهم فقالوا للنبى- صلى اللّه عليه وسلم-: إن كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين، فسأل ربه فانشق. وعند البخارى مختصرا من حديث ابن عباس بلفظ: إن القمر انشق على عهد رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- (١) ، وابن عباس وإن كان لم يشاهد القصة كما قدمته، ففى بعض طرقه أنه حمل الحديث عن ابن مسعود (٢) . وعند مسلم من حديث شعبة عن قتادة بلفظ فأراهم انشقاق القمر مرتين (٣) . وكذا فى مصنف عبد الرزاق عن معمر بلفظ مرتين أيضا. واتفق الشيخان عليه من رواية شعبة عن قتادة بلفظ: فرقتين، كما فى حديث جبير عند أحمد. وفى حديث ابن عمر فلقتين- باللام- كما قدمته. وفى لفظ من حديث جبير: فانشق باثنتين. وفى رواية عن ابن عباس عند أبى نعيم فى الدلائل: فصار قمرين. ووقع فى نظم السيرة للحافظ أبى الفضل العراقى: وانشق مرتين بالإجماع. قال الحافظ ابن حجر: وأظن قوله: (بالإجماع) يتعلق ب (انشق) لا ب (مرتين) ، فإنى لا أعلم من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق فى زمنه- صلى اللّه عليه وسلم-. ولعل قائل (مرتين) أراد: فرقتين. وهذا الذى لا يتجه غيره جمعا بين الروايات. وقد وقع فى رواية البخارى من حديث ابن مسعود: ونحن بمنى، وهذا لا يعارض قول أنس: إن ذلك كان بمكة، لأنه لم يصرح بأنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان ليلتئذ بمكة. فالمراد أن الانشقاق كان وهم بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة واللّه أعلم. __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٣٦٣٨) فى المناقب، باب: سؤال المشركين أن يريهم النبى- صلى اللّه عليه وسلم- آية، فأراهم انشقاق القمر، ومسلم (٢٨٠٣) فى صفات المنافقين وأحكامهم، باب: انشقاق القمر. (٢) صحيح: وقد تقدم حديث ابن مسعود- رضى اللّه عنه-. (٣) صحيح: أخرجه مسلم (٢٨٠٢) (٤٧) فى صفة المنافقين وأحكامهم، باب: انشقاق القمر. وقد أنكر هذه المعجزة جماعة من المبتدعة، كجمهور الفلاسفة، متمسكين بأن الأجرام العلوية لا يتهيأ فيها الانخراق والالتئام، وكذا قالوا فى فتح أبواب السماء ليلة الإسراء، إلى غير ذلك. وجواب هؤلاء: إن كانوا كفارا أن يناظروا أولا على ثبوت دين الإسلام، فإذا تمت اشتركوا مع غيرهم ممن أنكر ذلك من المسلمين، ومتى سلّم المسلم بعض ذلك دون بعض لزم التناقض. وأيضا لا سبيل إلى إنكار ما ثبت فى القرآن من الانخراق والالتئام فى القيامة، وإذا ثبت هذا استلزم الجواز، ووقوعه معجزة للنبى- صلى اللّه عليه وسلم-. وقد أجاب القدماء عن ذلك، فقال أبو إسحاق الزجاج فى (معانى القرآن): أنكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفى الملة انشقاق القمر، ولا إنكار للعقل فيه، لأن القمر مخلوق للّه يفعل فيه ما يشاء كما يكوره يوم القيامة ويفنيه. انتهى. وأما قول بعض الملاحدة: لو وقع هذا النقل جاء متواترا واشترك أهل الأرض كلهم فى معرفته، ولم يختص بها أهل مكة، لأنه أمر صدر عن حس ومشاهدة، فالناس فيه شركاء، والدواعى متوفرة على رواية كل غريب، ونقل ما لم يعهد، ولو كان لذلك أصل لخلد فى كتب التسيير والتنجيم، إذ لا يجوز إطباقهم على تركه وإغفاله مع جلالة شأنه ووضوح أمره. فأجاب عنه الخطابى وغيره: بأن هذه القصة خرجت عن الأمور التى ذكروها، لأنه شىء طلبه خاص من الناس، فوقع ليلا، لأن القمر لا سلطان له بالنهار، ومن شأن الليل أن يكون الناس فيه نياما ومستكنين فى الأبنية، والبارز منهم فى الصحراء إذا كان يقظانا يحتمل أن يتفق أنه كان فى ذلك الوقت مشغولا بما يلهيه من سمر وغيره، ومن المستبعد أن يقصدوا إلى مراكز القمر ناظرين إليه ولا يغافلوا عنه، فقد يجوز أنه وقع ولم يشعر به أكثر الناس، وإنما رآه من تصدى لرؤيته ممن اقترح وقوعه، ولعل ذلك إنما كان فى قدر اللحظة التى هى مدرك البصر، وقد يكون القمر حينئذ فى بعض المنازل التى تظهر لبعض الآفاق دون بعض، كما يكون ظاهرا لقوم غائبا عند قوم، وكما يجد الكسوف أهل بلد دون بلد آخر. وقد أبدى الخطابى حكمة بالغة فى كون المعجزات المحمدية لم يبلغ شىء منها مبلغ التواتر الذى لا نزاع فيه كالقرآن بما حاصله: إن معجزة كل نبى كانت إذا وقعت عامة أعقبت هلاك من كذب بها من قومه، والنبى- صلى اللّه عليه وسلم- بعث رحمة للعالمين، فكانت معجزته التى تحدى بها عقلية، فاختص بها القوم الذين بعث منهم، لما أوتوه من فضل العقول وزيادة الأفهام، ولو كان إدراكها عامّا لعوجل من كذب بها كما عوجل من قبلهم. انتهى. وكذا أجاب ابن عبد البر بنحوه. تنبيه: ما يذكره بعض القصاص: أن القمر دخل فى جيب النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وخرج من كمه، فليس له أصل، كما حكاه الشيخ بدر الدين الزركشى عن شيخه العماد بن كثير. وأما رد الشمس له- صلى اللّه عليه وسلم-، فروى عن أسماء بنت عميس أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- كان يوحى إليه ورأسه فى حجر على- رضى اللّه عنه-، فلم يصل العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (أصليت يا على؟) ف قال: لا، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (اللّهم إنه كان فى طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس) ، قالت أسماء: فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت ووقعت على الجبال والأرض، وذلك فى الصهباء فى خيبر (١) ، رواهالطحاوى فى مشكل الحديث، كما حكاه القاضى عياض فى الشفاء و قال: قال الطحاوى: إن أحمد بن صالح كان يقول: لا ينبغى لمن سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء لأنه من علامات النبوة. انتهى. قال بعضهم: هذا الحديث ليس بصحيح، وإن أوهم تخريج القاضى عياض له فى الشفاء عن الطحاوى من طريقين، فقد ذكره ابن الجوزى فى ال.......ات و قال: إنه ....... بلا شك وفى سندهأحمد بن داود وهو متروك الحديث كذاب، كما قال الدار قطنى. وقال ابن حبان: كان يضع الحديث. قال ابن الجوزى: وقد روى هذا الحديث ابن شاهين فذكره ثم __________ (١) أخرجه الطحاوى فى مشكل الآثار: (٢/ ٩) و (٤/ ٣٨٨) ، بسند فيه متروك. قال: وهذا حديث باطل، قال: ومن تغافل واضعه أنه نظر إلى صورة فضيلة، ولم يلمح عدم الفائدة فيها، فإن صلاة العصر بغيبوبة الشمس تصير قضاء، ورجوع الشمس لا يعيدها أداء. انتهى. وقد أفرد ابن تيمية تصنيفا مفردا فى الرد على الروافض ذكر فيه الحديث بطرقه ورجاله وأنه .......، والعجب من القاضى مع جلالة قدره وعلو خطره فى علوم الحديث كيف سكت عنه موهما صحته، ناقلا ثبوته، موثقا رجاله. انتهى. وقال شيخنا: قال أحمد: .......، وتبعه ابن الجوزى فأورده فى ال.......ات. ولكن قد صححه الطحاوى والقاضى عياض، وأخرجه ابن منده وابن شاهين من حديث أسماء بنت عميس، وابن مردويه من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه- انتهى. ورواه الطبرانى فى معجمه الكبير بإسناد حسن كما حكاه شيخ الإسلام ابن العراقى فى شرح التقريب عن أسماء بنت عميس ولفظه: أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- صلى الظهر بالصهباء ثم أرسل عليّا فى حاجة فرجع وقد صلى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- العصر، فوضع- صلى اللّه عليه وسلم- رأسه فى حجر على ونام، فلم يحركه حتى غابت الشمس، فقال- صلى اللّه عليه وسلم-: (اللّهم إن عبدك عليّا احتبس بنفسه على نبيه فرد عليه الشمس) قالت أسماء: فطلعت عليه الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض، وقام على فتوضأ وصلى العصر ثم غابت وذلك بالصهباء (١) . وفى لفظ آخر: كان- صلى اللّه عليه وسلم- إذا نزل عليه الوحى يغشى عليه، فأنزل اللّه عليه يوما وهو فى حجر على، فقال له النبى- صلى اللّه عليه وسلم-: (صليت العصر يا على؟) ف قال: لا، يا رسول اللّه، فدعا اللّه فرد عليه الشمس حتى صلى العصر قالت أسماء: فرأيت الشمس طلعت بعد ما غابت حين ردت حتى صلى العصر (٢) . __________ (١) أخرجه الطبرانى فى (الكبير) (٢٤/ ١٤٤) . (٢) أخرجه الطبرانى فى (الكبير) (٢٤/ ١٥٢) . قال: وروى الطبرانى أيضا فى معجمه الأوسط بإسناد حسن عن جابر: أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار. وروى يونس بن بكير فى زيادة المغازى فى روايته عن ابن إسحاق، مما ذكره القاضى عياض: لما أسرى بالنبى- صلى اللّه عليه وسلم- وأخبر قومه بالرفقة والعلامة التى فى العير، قالوا: متى تجىء؟ قال: (يوم الأربعاء) ، فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينتظرون، وقد ولى النهار، ولم تجئ، فدعا رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فزيد له فى النهار ساعة وحبست عليه الشمس (١) . انتهى. وهذا يعارضه قوله فى الحديث: لم تحبس الشمس على أحد إلا ليوشع ابن نون، يعنى حين قاتل الجبارين يوم الجمعة، فلما أدبرت الشمس خاف أن تغيب قبل أن يفرغ منهم ويدخل السبت فلا يحل له قتالهم، فدعا اللّه تعالى فرد عليه الشمس حتى فرغ من قتالهم. قال الحافظ ابن كثير: فيه أن هذا كان من خصائص يوشع، فيدل على ضعف الحديث الذى رويناه أن الشمس رجعت حتى صلى على بن أبى طالب، وقد صححه أحمد بن صالح المصرى، ولكنه .......، ليس فى شىء من الصحاح والحسان، وهو مما تتوفر الدواعى على نقله، وتفردت بنقله امرأة من أهل البيت مجهولة لا يعرف حالها. انتهى. ويحتمل الجمع: بأن المعنى لم تحبس الشمس على أحد من الأنبياء غيرى إلا ليوشع، واللّه أعلم. وكذا روى حبس الشمس لنبينا- صلى اللّه عليه وسلم- أيضا يوم الخندق، حين شغل عن صلاة العصر، فيكون حبس الشمس مخصوصا بنبينا- صلى اللّه عليه وسلم- وبيوشع، كما ذكرهالقاضى عياض فى الإكمال، وعزاه لمشكل الآثار، ونقله النووى فى شرح مسلم فى باب حل الغنائم عن عياض وكذا الحافظ ابن حجر فى باب الأذان فى تخريج أحاديث الرافعى ومغلطاى فى الزهر الباسم، وأقروه. وتعقب: بأن الثابت فى الصحيح وغيره: أنه- صلى اللّه عليه وسلم- صلى العصر فى وقعة الخندق بعد ما غربت الشمس. كما سبق فى غزوتها. وذكر البغوى فى __________ (١) انظر (الشفا) للقاضى عياض (١/ ٢٨٤) . تفسيره: أنها حبست لسليمان- عليه السّلام- أيضا، لقوله: رُدُّوها عَلَيَّ (١) . ونوزع فيه بعدم ذكر الشمس فى الآية، فالمراد: الصافنات الجياد واللّه أعلم. قال القاضى عياض: واختلف فى حبس الشمس المذكور هنا، فقيل: ردت على أدراجها وقيل: وقفت ولم ترد، وقيل: بطء حركتها. قال: وكل ذلك من معجزات النبوة. انتهى. وأما ما روى من طاعات الجمادات وتكليمها له بالتسبيح والسلام ونحو ذلك مما وردت به الأخبار، فمنها تسبيح الطعام والحصى فى كفه الشريف- صلى اللّه عليه وسلم- (٢) . فخرج محمد بن يحيى الذهلى فى الزهريات قال: أخبرنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهرى قال: ذكر الوليد بن سويدان رجلا من بنى سليم كبير السن كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة: عن أبى ذر قال: هجرت يوما من الأيام، فإذا النبى- صلى اللّه عليه وسلم- قد خرج من بيته فسألت عنه الخادم فأخبرنى أنه ببيت عائشة، فأتيته وهو جالس ليس عنده أحد من الناس، وكأنى حينئذ أرى أنه فى وحى، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: (ما جاء بك؟) قلت: اللّه ورسوله، فأمرنى أن أجلس فجلست إلى جنبه، لا أسأله عن شىء ولا يذكره لى، فمكثت غير كثير، فجاء أبو بكر يمشى مسرعا فسلم عليه، فرد عليه السلام، ثم قال: (ما جاء بك؟) قال: جاء بى اللّه ورسوله، فأشار بيده أن اجلس، فجلس إلى ربوة مقابل النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، ثم جاء عمر ففعل مثل ذلك، ثم قال له رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- مثل ذلك، وجلس إلى جنب أبى بكر، ثم جاء عثمان كذلك وجلس إلى جنب عمر، ثم قبض رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- على حصيات سبع أو تسع أو ما قرب من ذلك، فسبحان فى يده، حتى سمع لهن حنين كحنين النحل فى كف رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، ثم ناولهن أبا بكر، وجاوزنى، فسبحان فى كف أبى بكر، ثم أخذهن منه فوضعهن فى الأرض فخرسن وصرن حصى، ثم ناولهن عمر، فسبحان فى __________ (١) سورة ص: ٣٣. (٢) انظر (دلائل النبوة) للبيهقى (٦/ ٦٤) . كفه، كما سبحان فى كف أبى بكر، ثم أخذهن منه فوضعهن فى الأرض فخرسن، ثم ناولهن عثمان فسبحان فى كفه، كما سبحان فى كف أبى بكر وعمر، ثم أخذهن فوضعهن فى الأرض فخرسن (١) . وقال الحافظ ابن حجر: قد اشتهر على الألسنة تسبيح الحصى. ففى حديث أبى ذر قال: تناول النبى- صلى اللّه عليه وسلم- سبع حصيات فسبحان فى يده حتى سمعت لهن حنينا، ثم وضعهن فى يد أبى بكر فسبحان، ثم وضعهن فى يد عمر فسبحان، ثم وضعهن فى يد عثمان فسبحان (٢) ، أخرجه البزار، والطبرانى فى الأوسط. وفى رواية الطبرانى: فسمع تسبيحهن من فى الحلقة، ثم دفعهن إلينا فلم يسبحان مع أحد منا، قال البيهقى فى (الدلائل) (٣) : كذا رواه صالح بن أبى الأخضر- ولم يكن بالحافظ- عن الزهرى عن سويد بن يزيد السلمى عن أبى ذر. والمحفوظ ما رواه شعيب عن أبى حمزة عن الزهرى قال: ذكر الوليد ابن سويد أن رجلا من بنى سليم كان كبير السن، انتهى. وليس لحديث تسبيح الحصى إلا هذه الطريق الواحدة مع ضعفها، لكنه مشهور عند الناس. وما أحسن قول سيدى محمد وفا- رحمه اللّه تعالى- حيث قال: لسبحة ذاك الوجه قد سبح الحصا ... ومن سح سحب الكف قد سبح الرعد وقال الآخر: يا حبذا لو لثمت كفا ... قد سبحت وسطها الحصاء وقد أخرج البخارى من حديث ابن مسعود: كنا نأكل مع النبى- صلى اللّه عليه وسلم- الطعام، ونحن نسمع تسبيح الطعام (٤) . وعن جعفر بن محمد عن أبيه __________ (١) ذكره ابن عساكر فى (تهذيب تاريخ دمشق) (٢/ ١٠٨) ، والقاضى عياض فى (الشفا) له (١/ ٣٠٦) . (٢) ذكره الهيثمى فى (المجمع) (٨/ ٢٩٩) و قال: رواه البزار بإسنادين ورجال أحدهما ثقات، وفى بعضهم ضعف. (٣) (٦/ ٦٥) . (٤) صحيح: أخرجه البخارى (٣٥٧٩) فى المناقب، باب: علامات النبوة فى الإسلام. قال: مرض النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فأتاه جبريل بطبق فيه رمان وعنب فأكل منه النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فسبح (١) . رواه القاضى عياض فى (الشفاء) ونقله عنه الحافظ أبو الفضل فى فتح البارى. واعلم أن التسبيح من قبيل الألفاظ الدالة على معنى التنزيه. واللفظ يوجد حقيقة ممن قام به اللفظ، فيكون فى غير من قام به مجازا، فالطعام والحصا والشجر ونحو ذلك، كل منها متكلم باعتبار خلق الكلام فيها حقيقة، وهذا من قبيل خرق العادة. وفى قوله: (ونحن نسمع تسبيحه) تصريح بكرامة الصحابة لسماع هذا التسبيح وفهمه وذلك ببركته- صلى اللّه عليه وسلم-. ومن ذلك تسليم الحجر عليه- صلى اللّه عليه وسلم-: خرج مسلم من حديث جابر بن سمرة قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (إنى لأعرف حجرا بمكة كان يسلم على قبل أن أبعث، إنى لأعرفه الآن) (٢) . وقد اختلف فى هذا الحجر، فقيل: هو الحجر الأسود، وقيل: حجر غيره بزقاق يعرف به بمكة، والناس يتبركون بلمسه، ويقولون: إنه هو الذى كان يسلم على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- متى اجتاز به. وقد ذكر الإمام أبو عبد اللّه، محمد بن رشيد- بضم الراء- فى رحلته مما ذكره فى (شفاء الغرام) عن علم الدين أحمد بن أبى بكر بن خليل قال: أخبرنى عمى سليمان قال: أخبرنى محمد بن إسماعيل بن أبى الصيف قال: أخبرنى أبو حفص الميانشى قال: أخبرنى كل من لقيته بمكة أن هذا الحجر- يعنى المذكور- هو الذى كلم النبى- صلى اللّه عليه وسلم-. وروى الترمذى والدارمى والحاكم وصححه، عن على بن أبى طالب قال: كنت أمشى مع النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بمكة فخرجنا فى بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا حجر إلا قال: السلام عليك يا رسول اللّه (٣) . وعن عائشة __________ (١) .......: والحديث ذكره القاضى عياض فى (الشفا) (١/ ٣٠٧) . (٢) صحيح: أخرجه مسلم (٢٢٧٧) فى الفضائل، باب: فضل نسب النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وتسليم الحجر عليه قبل النبوة. (٣) إسناده ..... أخرجه الترمذى (٣٦٢٦) فى المناقب، باب: فى آيات إثبات نبوة النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، والدارمى فى (سننه) (٢١) ، والحاكم فى (المستدرك) (٢/ ٦٧٧). قالت: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (لما استقبلنى جبريل بالرسالة جعلت لا أمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول اللّه) (١) رواه البزار وأبو نعيم. وعن جابر بن عبد اللّه قال: لم يكن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- يمر بحجر ولا شجر إلا سجد له (٢) . ومن ذلك: تأمين أسكفة الباب وحوائط البيت على دعائه- صلى اللّه عليه وسلم-، عن أبى أسيد الساعدى قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- للعباس بن عبد المطلب: (يا أبا الفضل، لا ترم منزلك أنت وبنوك غدا حتى آتيكم، فإن لى فيكم حاجة) . فانتظروه حتى جاء بعد ما أضحى، فدخل عليهم ف قال: (السلام عليكم) ، فقالوا: وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته، قال: (كيف أصبحتم؟) قالوا: أصبحنا بخير بحمد اللّه، فقال لهم: (تقاربوا) فتقاربوا يزحف بعضهم إلى بعض، حتى إذا أمكنوه اشتمل عليهم بملاءته ف قال: (يا رب، هذا عمى، وصنو أبى، وهؤلاء أهل بيتى فاسترهم من النار كسترى إياهم بملاءتى هذه، قال: فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت ف قال: آمين آمين آمين) (٣) رواه البيهقى فى الدلائل وابن ماجه مختصرا. ومن ذلك كلامه للجبل وكلام الجبل له- صلى اللّه عليه وسلم-، عن أنس قال: صعد النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وعثمان أحدا، فرجف بهم، فضربه النبى- صلى اللّه عليه وسلم- برجله و قال: (اثبت أحد، فإنما عليك نبى وصديق وشهيدان) (٤) رواه أحمد والبخارى والترمذى وأبو حاتم. قال ابن المنير: قيل الحكمة فى ذلك أنه لما رجف أراد رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أن يبين أن هذه الرجفة ليست من جنس __________ (١) إسناده ..... ذكره الهيثمى فى (المجمع) (٨/ ٢٦٠) و قال: رواه البزار عن شيخه عبد اللّه بن شبيب، وهو ...... (٢) أخرجه البيهقى فى (دلائل النبوة) (٦/ ٦٩) . (٣) أخرجه الطبرانى فى (الكبير) (١٩/ ٢٦٣) . (٤) صحيح: أخرجه البخارى (٣٦٨٦) فى المناقب، باب: مناقب عمر بن الخطاب أبى حفص القرشى العدوى- رضى اللّه عنه-، وأبو داود (٤٦٥١) فى السنة، باب: فى الخلفاء، والترمذى (٣٦٩٧) فى المناقب، باب: فى مناقب عثمان بن عفان- رضى اللّه عنه-. رجفة الجبل بقوم موسى لما حرفوا الكلم، وأن تلك رجفة الغضب، وهذه هزة الطرب، ولهذا نص على مقام النبوة والصديقية والشهادة التى توجب سرور ما اتصلت به لا رجفانه، فأقر الجبل بذلك فاستقر، انتهى. وأحد: جبل بالمدينة، وهو الذى قال فيه: (أحد جبل يحبنا ونحبه) (١) . رواه البخارى ومسلم. واختلف فى المراد بذلك، فقيل: أراد به أهل المدينة، كما قال تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ (٢) . أى أهلها، قاله الخطابى، وقال البغوى فيما حكاه الحافظ المنذرى: الأولى إجراؤه على ظاهره، ولا ينكر وصف الجمادات بحب الأنبياء والأولياء، وأهل الطاعة، كما حنت الأسطوانة على مفارقته- صلى اللّه عليه وسلم- حتى سمع الناس حنينها إلى أن سكنها، وكما أخبر أن حجرا كان يسلم عليه قبل الوحى، فلا ينكر أن يكون جبل أحد وجميع أجزاء المدينة تحبه وتحن إلى لقائه حالة مفارقته إياها. انتهى. وقال الحافظ المنذرى: هذا الذى قاله البغوى جيد. وعن ثمامة عن عثمان بن عفان أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كان على ثبير مكة، ومعه أبو بكر وعمر وأنا، فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض، فركله برجله و قال: (اسكن ثبير، فإنما عليك نبى وصديق وشهيدان) (٣) . خرجه النسائى والترمذى والدارقطنى. والحضيض: القرار من الأرض عند منقطع الجبل. وركله برجله: أى ضربه بها. وعن أبى هريرة أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة، فقال- صلى اللّه عليه وسلم-: __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٢٨٨٩) فى الجهاد والسير، باب: فضل الخدمة فى الغزو، ومسلم (١٣٦٥) فى الحج، باب: فضل المدينة، و (١٣٩٣) فى الحج، باب: أحد جبل يحبنا ونحبه، من حديث أنس- رضى اللّه عنه-. (٢) سورة يوسف: ٨٢. (٣) حسن: أخرجه الترمذى (٣٧٠٣) فى المناقب، باب: فى مناقب عثمان بن عفان- رضى اللّه عنه-، والنسائى (٦/ ٢٣٦) فى الأحباس، باب: وقف المساجد، وفى (الكبرى) (٦٤٣٥) ، والدار قطنى فى (سننه) (٤/ ١٩٦ و ١٩٧). (اسكن حراء، فما عليك إلا نبى أو صديق أو شهيد) (١) . وفى رواية: وسعد ابن أبى وقاص، ولم يذكر عليّا. خرجهما مسلم وانفرد بذلك. وخرجه الترمذى فى مناقب عثمان، ولم يذكر (سعدا)و قال: (اهدأ) مكان (اسكن) و قال: حديث صحيح. وخرجه الترمذى أيضا عن سعيد بن زيد وذكر أنه كان عليه العشرة إلا أبا عبيدة (٢) . و قال: اثبت حراء. وكذا رواه الخلعى عنه بنحوه، ولم يذكر أبا عبيدة بن الجراح. ورواه أيضا إسحاق البغدادى فيما رواه الكبار عن الصغار، والآباء عن الأبناء، وللّه در القائل: ومال حراء من تحته فرحا به ... لولا مقال (اسكن) تضعضع وانقضا وحراء وثبير: جبلان متقابلان معروفان بمكة. واختلاف الروايات تحمل على أنها قضايا تكررت. قاله الطبرى وغيره. لكن صحح الحافظ ابن حجر: أنه (أحد) قال: ولولا اتحاد المخرج لجوزت تعدد القصة، ثم ظهر لى أن الاختلاف فيه من سعيد، فإنى وجدته فى مسند الحارث بن أبى أسامة عن روح بن عبادة فقال فيه: (أحد) أو (حراء)بالشك. وقد أخرجه أحمد من حديث بريدة (٣) بلفظ حراء وإسناده صحيح. وأخرجه أبو يعلى من حديث سهل بن سعد بلفظ (أحد) وإسناده صحيح فقوى احتمال تعدد القصة. وأخرج مسلم (٤) من حديث أبى هريرة ما يؤيد تعدد القصة، فذكر أنه كان على حراء ومعه المذكورون هنا وزاد معهم غيرهم. ولما طلبته- صلى اللّه عليه وسلم- قريش قال له ثبير: اهبط يا رسول اللّه فإنى أخاف أن يقتلوك على ظهرى فيعذبنى اللّه، فقال له حراء: إلى يا رسول اللّه رواه فى (الشفاء) وهو حديث مروى فى الهجرة من السيرة. وحراء مقابل لثبير، والوادى بينها، وهو على يسار السالك إلى منى، وحراء قبلى ثبير مما يلى شمال الشمس. وهذه الواقعة غير واقعة ثور فى خبر الهجرة. هذا هو الظاهر واللّه أعلم. __________ (١) صحيح: أخرجه مسلم (٢٤١٧) فى فضائل الصحابة، باب: فضائل طلحة والزبير- رضى اللّه عنهما-. (٢) قلت: هو عند أحمد فى (مسنده) (١/ ١٨٧ و ١٨٨) . (٣) أخرجه أحمد فى (المسند) (٥/ ٣٤٦) . (٤) صحيح: وقد تقدم حديث مسلم قبل حديثين. قال السهيلى فى حديث الهجرة: وأحسب فى الحديث أن ثورا ناداه أيضا، لما قال له ثبير: اهبط عنى. ومن ذلك كلام الشجر له وسلامها عليه وطواعيتها له، وشهادتها له بالرسالة- صلى اللّه عليه وسلم-. أخرج البزار وأبو نعيم من حديث عائشة قالت: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (لما أوحى إلى جعلت لا أمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول اللّه) (١) . وأخرج الإمام أحمد عن أبى سفيان طلحة بن نافع عن جابر قال: جاء جبريل إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ذات يوم وهو جالس حزين، قد خضب بالدماء، ضربه بعض أهل مكة، فقال له: ما لك؟ فقال له رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-:(فعل بى هؤلاء وفعلوا) ، فقال له جبريل: أتحب أن أريك آية؟ فقال: (نعم) ، قال: فنظر إلى شجرة من وراء الوادى ف قال: ادع تلك الشجرة فدعاها، قال فجاءت تمشى حتى قامت بين يديه، فقال: مرها فلترجع إلى مكانها، فأمرها فرجعت إلى مكانها، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (حسبى حسبى) (٢) ، ورواه الدارمى من حديث أنس. وعن على قال: كنت مع النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بمكة، فخرجنا فى بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول اللّه (٣) ، رواه الترمذى وقال: حديث حسن غريب. وخرج الحاكم فى مستدركه بإسناد جيد عن ابن عمر قال: كنا مع النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فى سفر فأقبل أعرابى، فلما دنا منه قال له رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (أين تريد) قال: إلى أهلى، قال: (هل لك إلى خير) ، قال: وما هو؟ قال: (تشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله) قال: هل لك من شاهد على ما تقول؟ قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (هذه الشجرة) __________ (١) تقدم. (٢) قلت: هو عند ابن ماجه (٤٠٢٨) فى الفتن، باب: الصبر على البلاء، والدارمى فى (سننه) (٢٣) ، وأحمد فى (المسند) (٣/ ١١٣) من حديث أنس- رضى اللّه عنه-، ولم أقف عليه من حديث جابر كما قال المصنف، ولعله وهم. وإسناده صحيح. (٣) وقد تقدم قريبا. فدعاها رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وهى على شاطئ الوادى فأقبلت تخد الأرض خدا، فقامت بين يديه فاستشهدها ثلاثا فشهدت، ثم رجعت إلى منبتها (١) ، الحديث. ورواه الدارمىأيضا بنحوه. وقوله: تخد- بضم الخاء المعجمة وتشديد الدال المهملة- أى تشق الأرض. وعن بريدة: سأل أعرابى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- آية، فقال له: (قل لتلك الشجر رسول اللّه يدعوك) ، قال: فمالت الشجرة عن يمينها وشمالها، وبين يديها وخلفها، فتقطعت عروقها ثم جاءت تخد الأرض تجر عروقها مغيرة حتى وقفت بين يدى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فقالت: السلام عليك يا رسول اللّه، فقال الأعرابى: مرها فلترجع إلى منبتها، فرجعت فدلت عروقها فى ذلك الموضع فاستقرت. فقال الأعرابى: ائذن لى أن أسجد لك، قال: (لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) رواه البزار فى الشفاء. وعن ابن عباس- رضى اللّه عنهما- قال: جاء أعرابى إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فقال: بم أعرف أنك رسول اللّه؟ قال: (إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة، أتشهد أنى رسول اللّه؟) قال: نعم فدعاه رسول اللّه فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، ثم قال: (ارجع) فعاد، فأسلم الأعرابى (٢) ، رواه الترمذى وصححه. وفى حديث يعلى بن مرة الثقفى: ثم سرنا حتى نزلنا منزلا فنام النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ثم رجعت إلى مكانها، فلما استيقظ رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ذكرت له، ف قال: (هى شجرة استأذنت ربها أن تسلم على فأذن لها) (٣) الحديث رواه البغوى فى شرح السنة. __________ (١) رجاله ثقات: أخرجه الدارمى فى (سننه) (١٦) ، وابن حبان فى (صحيحه) (٦٥٠٥) ، والطبرانى فى (الكبير) (١٢/ ٤٣١) ، وأبو يعلى فى (مسنده) (٥٦٦٢) ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: رجاله ثقات. (٢) صحيح: أخرجه الترمذى (٣٦٢٨) فى المناقب، باب: فى آيات إثبات نبوة النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، والحاكم فى (مستدركه) (٢/ ٦٧٦) ، والطبرانى فى (الكبير) (١٢/ ١١٠) . (٣) أخرجه أحمد فى (المسند) (٤/ ١٧٣) ، وعبد بن حميد فى (منتخبه) (٤٠٥) . وفى حديث جابر بن عبد اللّه: سرنا مع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- حتى نزلنا واديا أفيح، فذهب رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يقضى حاجته، فاتبعته بإداوة من ماء، فنظر رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فلم ير شيئا يستتر به، فإذا شجرتان فى شاطئ الوادى فانطلق رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها ف قال: (انقادى على بإذن اللّه) فانقادت معه كالبعير المخشوش (١) الذى يصانع قائده، ثم فعل بالآخرى كذلك، حتى إذا كان بالمنصب بينهما قال: (التئما على بإذن اللّه فالتأمتا) (٢) الحديث رواه مسلم. والمنصف: - بفتح الميم- الموضع الوسط بين الموضعين. والتلاؤم: الاجتماع. وللّه در الأبوصيرى حيث قال: جاءت لدعوته الأشجار ساجدة ... تمشى إليه على ساق بلا قدم كأنما سطرت سطرا لما كتبت ... فروعها من بديع الخط فى اللقم فشبه آثار مشى الشجر لما جاءت إليه- صلى اللّه عليه وسلم- بكتابة كاتب أوقعها على نسبة معلومة فى أسطر منظومة. وإذا كانت الأشجار تبادر لامتثال أمره- صلى اللّه عليه وسلم- حتى تخر ساجدة بين يديه، فنحن أولى بالمبادرة لامتثال ما دعا إليه زاده اللّه شرفا لديه. وتأمل قول الأعرابى: (ائذن لى أن أسجد لك) لما رأى من سجود الشجرة، فرأى أنه أحرى بذلك، حتى أعلمه- صلى اللّه عليه وسلم- أن ذلك لا يكون إلا للّه، فحق على كل مؤمن أن يلازم السجود للحق المعبود، ويقوم على ساق العبودية، وإن لم يكن له قدم كما قامت الشجرة. ومن ذلك: حنين الجذع شوقا إليه (٣) اعلم أن (الحنين) مصدر مضاف __________ (١) البعير المخشوش: هو الذى وضع فى أنفه عود خشاش من خشب لينقاد بسهولة. (٢) صحيح: وهو جزء من حديث طويل أخرجه مسلم (٣٠١٢) فى الزهد والرقائق باب: حديث جابر الطويل. (٣) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (٣٥٨٣) فى المناقب، باب: علامات النبوة فى الإسلام، من حديث ابن عمر- رضى اللّه عنهما-. إلى الفاعل. والمراد: شوقه وانعطافه إلى النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، والذى فى الأحاديث المسوقة هنا أنه صوت، ولعل المراد منه الدلالة على الشوق، أى الصوت الدال على شوقه إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-. والجذع: واحد جذوع النخل، وهو بالذال المعجمة. وقد روى حديث حنين الجذع عن جماعة من الصحابة من طرق كثيرة تفيد القطع بوقوع ذلك. قال العلامة التاج ابن السبكى فى شرحه لمختصر ابن الحاجب: والصحيح عندى أن حنين الجذع متواتر: رواه البخارى عن نافع عن ابن عمر. ورواه أحمد من رواية أبى جناب عن أبيه عن ابن عمر. ورواه ابن ماجه وأبو يعلى الموصلى وغيرهما من رواية حماد بن سلمة، عن ثابت عن أنس، وإسناده على شرط مسلم. ورواه الترمذى وصححه، وأبو يعلى وابن خزيمة والطبرانى والحاكم وصححه و قال: على شرط مسلم، يلزمه إخراجه من رواية إسحاق بن عبد اللّه بن أبى طلحة عن أنس. ورواه الطبرانى من رواية الحسن عن أنس. ورواه أحمد وابن منيع والطبرانى وغيرهم من رواية حماد بن سلمة عن عمار بن أبى عامر عن ابن عباس. ورواه أحمد والدارمى وأبو يعلى وابن ماجه وغيرهم من رواية الطفيل بن أبى كعب عن أبيه. ورواه الدارمى من رواية أبى حازم عن سهل بن سعد. ورواه أبو محمد الجوهرى من رواية عبد العزيز أبى رواد عن نافع عن تميم الدارى. ثم قال: ولست أدعى أن التواتر حاصل بما عددت من الطريق، بل من طرق أخرى كثيرة يجدها المحدث ضمن المسانيد والأجزاء وغيرها، وإنما ذكرت فى المشاهد منها أو فى بعضها، ورب متواتر عند قوم غير متواتر عند آخرين. انتهى. وقال الحافظ ابن حجر: فى فتح البارى، حنين الجذع وانشقاق القمر نقل كل منهما نقلا مستفيضا يفيد القطع عند من يطلع على طرق الحديث دون غيرهم ممن لا ممارسة له فى ذلك، واللّه أعلم، انتهى. وقال البيهقى: قصة حنين الجذع من الأمور الظاهرة التى حملها الخلف عن السلف، انتهى. وهذه الآية من أكبر الآيات والمعجزات الدالة على نبوة نبينا- صلى اللّه عليه وسلم-. قال الشافعى- فيما نقله ابن أبى حاتم عنه، فى مناقبه-: ما أعطى اللّه نبيّا ما أعطى نبينا محمدا- صلى اللّه عليه وسلم-، فقيل له: أعطى عيسى إحياء الموتى، قال: أعطى محمد حنين الجذع حتى سمع صوته، فهو أكبر من ذلك. وقال القاضى عياض: حديث حنين الجذع مشهور منتشر، والخبر به متواتر، أخرجه أهل الصحيح، ورواه من الصحابة بضعة عشر، منهم: أبى ابن كعب، وجابر بن عبد اللّه، وأنس بن مالك، وعبد اللّه بن عمر، وعبد اللّه بن عباس، وسهل بن سعد، وأبو سعيد الخدرى، وبريدة، وأم سلمة، والمطلب بن أبى وداعة، انتهى. فأما حديث أبى، فرواه الشافعى من حديث الطفيل بن أبى بن كعب عن أبيه، قال: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يصلى إلى جذع إذ كان المسجد عريشا، وكان يخطب إلى ذلك الجذع، فقال رجل من أصحابه: هل لك أن نجعل لك منبرا تقوم عليه يوم الجمعة، وتسمع الناس خطبتك؟ قال: (نعم) فصنع له ثلاث درجات، هى التى على المنبر، فلما صنع وضعه رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- موضعه الذى هو فيه، فكان إذا بدا لرسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أن يخطب عليه، تجاوز الجذع الذى كان يخطب عليه، خار حتى تصدع وانشق، فنزل رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده ثم رجع إلى المنبر، الحديث. وأما حديث جابر، فرواه البخارى من طرق، وفى لفظ له: أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار، أو رجل من الأنصار: ألا نجعل لك منبرا؟ قال: (إن شئتم) فجعلوا له منبرا، فلما كان يوم الجمعة رفع إلى المنبر، فصاحت النخلة فنزل رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وضمها إليه فجعلت تئن أنين الصبى الذى يسكن، قال: (كانت تبكى على ما كانت تسمع من الذكر عندها) (١) . __________ (١) صحيح: والحديث عند البخارى (٣٥٨٤ و ٣٥٨٥) فيما سبق، من حديث جابر- رضى اللّه عنه-. وفى لفظ: قال جابر بن عبد اللّه: كان المسجد مسقوفا على جذوع نخل، فكان النبى- صلى اللّه عليه وسلم- إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صنع له المنبر سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار- وهو بكسر العين: النوق الحوامل- وفى حديث أبى الزبير عن جابر- عند النسائى فى الكبرى-: اضطربت تلك السارية كحنين الناقة الخلوج. انتهى. والخلوج: - بفتح الخاء المعجمة، وضم اللام الخفيفة وآخره جيم- الناقة التى انتزع منها ولدها. والحنين: صوت المتألم المشتاق عند الفراق. وإنما يشتاق إلى بركة الرسول ويتأسف على مفارقته أعقل العقلاء. والعقل والحنين بهذا الاعتبار يستدعى الحياة، وهذا يدل على أن اللّه عز وجل خلق فيه الحياة والعقل والشوق ولهذا حنّ وأنّ. فإن قيل: مذهب الشيخ أبى الحسن الأشعرى: أن الأصوات لا يستلزم خلقها فى المحل خلق الحياة ولا العقل. أجيب: بأنه كذلك، ونحن لم نجعل الحياة لازمة، إلا أن الشوق إلى الحق شوقا معنويّا عقليّا لا طبيعيا بهيميّا. ومذهب الشيخ أبى الحسن أن الذكر المعنوى والكلام النفسى يستلزمان الحياة استلزام العلم لها. وقد بينا أن هذه المعانى وجدت فى الجذع، وأطلق الحاضرون حينئذ على صوته أنه حنين، وفهموا أنه شوق إلى الذكر وإلى مقام الحبيب عنده، وقد عامله النبى- صلى اللّه عليه وسلم- هذه المعاملة، فالتزمه كما يلتزم الغائب أهله وأعزته يبرد غليل شوقهم إليه وأسفهم عليه، وللّه در القائل: وحن إليه الجذع شوقا ورقة ... ورجع صوتا كالعشار مرددا فبادره ضما فقر لوقته ... لكل امرئ من دهره ما تعودا وأما حديث أنس، فرواه أبو يعلى الموصلى بلفظ: إن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كان يوم الجمعة يسند ظهره إلى جذع منصوب فى المسجد يخطب الناس، فجاءه رومى ف قال: ألا أصنع لك شيئا تقعد عليه كأنك قائم؟ فصنع له منبرا له درجتان ويقعد على الثالثة، فلما قعد رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- على المنبر جأر الجذع كجؤر الثور، حتى ارتج المسجد لجؤاره حزنا على رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فنزل إليه رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- عن المنبر فالتزمه وهو يجأر، فلما التزمه سكت. ثم قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (والذى نفس محمد بيده، لو لم ألتزمه لما زال هكذا حتى تقوم الساعة حزنا على رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، فأمر به- صلى اللّه عليه وسلم- فدفن)(١) ورواه الترمذى وقال: صحيح غريب. وكذا رواه ابن ماجه والإمام أحمد من طريق الحسن عن أنس ولفظه: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- إذا خطب يوم الجمعة يسند ظهره إلى خشبة، فلما كثر الناس قال: (ابنوا لى منبرا) أراد أن يسمعهم، فبنوا له عتبتين، فتحول من الخشبة إلى المنبر، قال: فأخبر أنس بن مالك أنه سمع الخشبة تحن حنين الواله، قال: فما زالت تحن حتى نزل رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- عن المنبر فمشى إليها فاحتضنها فسكتت. ورواه أبو القاسم البغوى وزاد فيه: فكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى ثم قال: يا عباد اللّه الخشبة تحن إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- شوقا إليه لمكانه من اللّه، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه. وللّه در القائل: وألقى حتى فى الجمادات حبه ... فكانت لإهداء السلام له تهدى وفارق جذعا كان يخطب عنده ... فأنّ أنين الأم إذ تجد الفقدا يحن إليه الجذع يا قوم هكذا ... أما نحن أولى أن نحنّ له وجدا إذا كان جذع لم يطق بعد ساعة ... فليس وفاء أن نطيق له بعدا وأما حديث سهل بن سعد، ففى الصحيحين من طرق. وأما حديث __________ (١) صحيح: أخرجه الترمذى (٣٦٢٧) فى المناقب، باب: فى آيات إثبات نبوة النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، وابن ماجه (١٤١٥) فى إقامة الصلاة، باب: ما جاء فى بدء شأن المنبر، وأحمد فى (المسند) (١/ ٢٦٦ و ٣٦٣) ، وأبو يعلى فى (مسنده) (٣٣٨٤) . ابن عباس فعند الإمام أحمد بإسناد على شرط مسلم، ورواه ابن ماجه. وأما حديث ابن عمر، ففى البخارى. وأما حديث أبى سعيد الخدرى، فعند عبد ابن حميد. وأما حديث عائشة، فعندالبيهقى وفى آخره: أنه خير الجذع بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة. وأما حديث بريدة، فعند الدارمى وفيه: أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- قال: (إن شئت أردك إلى الحائط الذى كنت فيه تنبت لك عروقك ويكمل خلقك، ويجدد لك خوص وثمرة، وإن شئت أغرسك فى الجنة فيأكل أولياء اللّه من ثمرك؟) ثم أصغى له النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ليسمع ما يقول، ف قال: بل تغرسنى فى الجنة فيأكل منى أولياء اللّه وأكون فى مكان لا أبلى فيه، فسمعه من يليه، فقال النبى- صلى اللّه عليه وسلم-: (قد فعلت) ثم قال: (اختار دار البقاء على دار الفناء) (١) . وأما حديث أم سلمة، فعند أبى نعيم فى الدلائل. والقصة واحدة، وما فى ألفاظها مما ظاهره التغاير هو من الرواة. وعند التحقيق ترجع إلى معنى واحد، فلا نطيل بذكر ذلك واللّه أعلم. وأما كلام الحيوانات وطاعتها له- صلى اللّه عليه وسلم-: فمنها: سجود الجمل وشكواه إليه- صلى اللّه عليه وسلم- (٢) . عن أنس بن مالك- رضى اللّه عنه- قال: كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسنون عليه، وأنه استصعب عليهم فمنعهم ظهره، وأن الأنصار جاؤا إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فقالوا: إنه كان لنا جمل نسنى عليه، وإنه استصعب علينا ومنعنا ظهره، وقد عطش النخل والزرع، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- لأصحابه: (قوموا) فقاموا فدخل الحائط، والجمل فى ناحية فمشى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- نحوه، فقالت الأنصار: يا رسول اللّه، قد صار مثل الكلب الكلب، وإنا نخاف عليك صولته، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (ليس على منه بأس) فلما نظر الجمل إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه، فأخذ رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- بناصيته أذل ما كان قط، حتى أدخله فى العمل، فقال له أصحابه: يا رسول اللّه، هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك ونحن نعقل فنحن أحق أن نسجد __________ (١) تقدمت هذه الأحاديث. (٢) أخرجها البيهقى فى (دلائل النبوة) (٦/ ٢٨) . لك، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، لو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها) (١) ، رواه أحمدوالنسائى. والحائط: هو البستان. وقوله: نسنى عليه: - بالنون والسين المهملة- أى نستقى عليه. وفى حديث يعلى بن مرة الثقفى: بينا نحن نسير مع النبى- صلى اللّه عليه وسلم- إذ مررنا ببعير يسنى عليه، فلما رآه البعير جرجر، فوضع جرانه، فوقف عليه النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فقال: (أين صاحب هذا البعير) ، فجاءه، فقال: (بعنيه) ، فقال: بل نهبه لك يا رسول اللّه، وإنه لأهل بيت ما لهم معيشة غيره، ف قال: (أما إذ ذكرت هذا من أمره، فإنه شكا كثرة العمل، وقلة العلف، فأحسنوا إليه) (٢) رواه البغوى فى شرح السنة. والجران: بكسر الجيم، قال ابن فارس: مقدم عنق البعير من مذبحه إلى منحره. وروى الإمام أحمد قصة أخرى نحو ما تقدم من حديث جابر .....ة السند، والبيهقى بإسناد جيد. وكذا روىالطبرانى قصة أخرى عن عكرمة عن ابن عباس: لكن بإسناد ...... والإمام أحمد أيضا من حديث يعلى بن مرة. وأخرج ابن شاهين فى الدلائل عن عبد اللّه بن جعفر- رضى اللّه عنهما- قال: أردفنى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ذات يوم خلفه فأسر إلى حديثا لا أحدث به أحدا من الناس، قال: وكان أحب ما استتر به النبى- صلى اللّه عليه وسلم- لحاجته هدف أو حائش نخل، فدخل حائط رجل من الأنصار، فإذا جمل، فلما رأى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- حنّ فذرفت عيناه، فأتاه النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فمسح ذفراه، وفى رواية فسكن، ثم قال: (من رب هذا الجمل؟) فجاء فتى من الأنصار فقال: هذا لى يا رسول اللّه، فقال: (ألا تتقى اللّه فى هذه البهيمة التى ملكك اللّه إياها، __________ (١) أخرجه أحمد فى (المسند) (٣/ ١٥٨) ، وذكره الهيثمى فى (المجمع) (٩/ ٤) و قال: رواه أحمد والبزار، ورجاله رجال الصحيح غير حفص ابن أخى أنس، وهو ثقة. (٢) أخرجه أحمد فى (المسند) (٤/ ١٧٠ و ١٧٣) ، وذكره الهيثمى فى (المجمع) (٩/ ٥، ٦) وقال: رواه أحمد بإسنادين والطبرانى بنحوه، وأحد إسنادى أحمد رجاله رجال الصحيح. فإنه شكا إلى أنك تجيعه وتدئبه) (١) قال فى المصابيح: وهو حديث صحيح، قال: ورواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن مهدى بن ميمون. والحائش: - بالحاء المهملة وبالشين المعجمة ممدودا- هو جماعة النخل، لا واحد له من لفظه. وقوله: ذفران: تثنية ذفرا، بكسر الذال المعجمة مقصور، وهو الموضع الذى يعرف من قفا البعير عند أذنه. ومنها: سجود الغنم له- صلى اللّه عليه وسلم-، عن أنس بن مالك قال: دخل رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- حائطا للأنصار ومعه أبو بكر وعمر ورجل من الأنصار، وفى الحائط غنم فسجدت له، فقال أبو بكر: يا رسول اللّه، نحن أحق بالسجود لك من هذه الغنم، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (لا ينبغى لأحد أن يسجد لأحد) (٢) رواه أبو محمد عبد اللّه بن حامد الفقيه فى كتاب دلائل النبوة بإسناد ...... وذكره القاضى عياض فى الشفاء وذكر أيضا عن جابر عن عبد اللّه عن رجل أتى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وآمن به وهو على بعض حصون خيبر، وكان من غنم يرعاها لهم، ف قال: يا رسول اللّه، كيف لى بالغنم، قال: (احصب وجوهها فإن اللّه سيؤدى عنك أمانتك ويردها إلى أهلها) ففعل فسارت كل شاة حتى دخلت إلى أهلها (٣) . ومنها: قصة كلام الذئب وشهادته له بالرسالة (٤) اعلم أنه قد جاء حديث قصة كلام الذئب فى عدة طرق من حديث أبى هريرة وأنس وابن عمر وأبى سعيد الخدرى. فأما حديث أبى سعيد، فرواه الإمام أحمد بإسناد جيد ولفظه: عدا الذئب على شاة فأخذها، فطلبه الراعى فانتزعها منه فأقعى الذئب على ذنبه و قال: ألا تتقى اللّه؟ تنزع منى رزقا ساقه اللّه إلى، فقال الراعى: يا عجبا، ذئب مقع على ذنبه يكلمنى بكلام الإنس، فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك: __________ (١) أخرجه أبو داود (٢٥٤٩) فى الجهاد، باب: ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم، وأحمد فى (المسند) (١/ ٢٠٤ و ٢٠٥) ، وطرفه الأول عند مسلم (٣٤٢) فى الحيض. (٢) ذكره ابن كثير فى (البداية والنهاية) له (٦/ ١٥٠) . (٣) أخرجه الحاكم فى (المستدرك) (٢/ ١٤٨) ، والبيهقى فى (السنن الكبرى) (٩/ ١٤٣) . (٤) أخرجه البيهقى فى (دلائل النبوة) (٦/ ٣٩ و ٤١) . محمد بيثرب يخبر الناس بأنباء ما سبق قال: فأقبل الراعى يسوق غنمه حتى دخل المدينة، فزواها إلى زواياها، ثم أتى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فأخبره، فأمر رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فنودى بالصلاة جامعة، ثم خرج فقال للأعرابى: (أخبرهم) (١) فأخبرهم. وأما حديث ابن عمر فأخرجه أبو سعد المالينى والبيهقى. وأما حديث أنس فأخرجه أبو نعيم فى الدلائل. وأما حديث أبى هريرة، فرواه سعيد بن منصور فى سننه قال: جاء الذئب فأقعى بين يدى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وجعل يبصبص بذنبه فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (هذا وافد الذئاب جاء يسألكم أن تجعلوا له من أموالكم شيئا) قالوا: واللّه لا نفعل، وأخذ رجل من القوم حجرا رماه به، فأدبر الذئب وله عواء، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (الذئب وما الذئب) (٢) . وروى البغوى فى شرح السنة وأحمد وأبو نعيم بسند صحيح عن أبى هريرة أيضا قال: جاء ذئب إلى راعى غنم فأخذ منه شاة، فطلبه الراعى حتى انتزعها منه، قال فصعد الذئب على تل فأقعى واستثفر و قال: عمدت إلى رزق رزقنيه اللّه أخذته ثم انتزعته منى فقال الرجل: تاللّه إن رأيت كاليوم ذئب يتكلم، فقال الذئب: أعجب من هذا رجل فى النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى وما هو كائن بعدكم، ولا تتبعونه، قال: وكان الرجل يهوديّا فجاء إلى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فأخبره وأسلم فصدقه النبى ثم قال: (إنها أمارات بين يدى الساعة، قد أوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى يحدثه نعلاه وسوطه بما __________ (١) صحيح: أخرجه أحمد فى (المسند) (٣/ ٨٣ و ٨٨) ، وابن حبان فى (صحيحه) (٦٤٩٤) ، والحاكم فى (المستدرك) (٤/ ٥١٤) ، و قال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وهو كما قال. (٢) حديث أبى هريرة أصله عند البخارى (٣٦٦٣) فى المناقب، باب: قول النبى- صلى اللّه عليه وسلم-: (لو كنت متخذا خليلا) ، ومسلم (٢٣٨٨) فى فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبى بكر الصديق- رضى اللّه عنه-، وهو بلفظه عند البيهقى فى (دلائل النبوة) (٦/ ٤٠) . أحدث أهله بعده) (١) . واستثفر: - بالسين والمثناة ثم المثلاثة والفاء آخره راء- كاستفعل، أى جعل ذنبه بين رجليه كما يفعل الكلب. قال القاضى عياض: وفى بعض الطرق عن أبى هريرة: فقال الذئب أنت أعجب منى واقفا على غنمك وتركت نبيّا لم يبعث اللّه قط أعظم منه عنده قدرا، وقد فتحت له أبواب الجنة وأشرف أهلها على أصحابه ينظرون قتالهم وما بينك وبينه إلا هذا الشعب، فتصير من جنود اللّه. قال الراعى: من لى بغنمى؟ قال الذئب: أنا أرعاها حتى ترجع، فأسلم الرجل إليه غنمه ومضى، وذكر قصته وإسلامه ووجوده النبى- صلى اللّه عليه وسلم- يقاتل، فقال له النبى- صلى اللّه عليه وسلم-:(عد إلى غنمك تجدها بوفرها) فوجدها كذلك، وذبح للذئب شاة منها. وقد روى ابن وهب مثل هذا أنه جرى لأبى سفيان بن حرب وصفوان ابن أمية مع ذئب وجداه أخذ ظبيا، فدخل الظبى الحرم فانصرف الذئب، فعجبا من ذلك فقال الذئب: أعجب من ذلك محمد بن عبد اللّه بالمدينة يدعوكم إلى الجنة وتدعونه إلى النار، فقال أبو سفيان: واللات والعزى، لئن ذكرت هذا بمكة لتتركنها خلوفا- بضم الخاء المعجمة- أى فاسدة متغيرة، بمعنى: يقع الفساد والتغير فى أهلها. ومن ذلك حديث الحمار: أخرج ابن عساكر عن أبى منظور قال: لما فتح رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- خيبر أصاب حمارا أسود، فكلم رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- الحمار، فكلمه الحمار، فقال له رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (ما اسمك) قال: يزيد ابن شهاب، أخرج اللّه من نسل جدى ستين حمارا كلهم لا يركبه إلا نبى، وقد كنت أتوقعك أن تركبنى، لم يبق من نسل جدى غيرى ولا من الأنبياء غيرك وقد كنت قبلك لرجل يهودى وكنت أتعثر به عمدا، وكان يجيع بطنى ويضرب ظهرى، فقال له النبى- صلى اللّه عليه وسلم-: (فأنت يعفور) فكان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يبعثه إلى باب الرجل فيأتى الباب فيقرعه برأسه فإذا خرج إليه __________ (١) أخرجه البيهقى فى (دلائل النبوة) (٦/ ٤١- ٤٣) ، ولكنه فيه من حديث أبى سعيد. صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، فلما قبض رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- جاء إلى بئر كانت لأبى الهيثم بن التهيان فتردى فيها جزعا على رسول اللّه-صلى اللّه عليه وسلم- (١) . ورواه أبو نعيم بنحوه من حديث معاذ بن جبل، لكن الحديث مطعون فيه. وذكره ابن الجوزى فى ال.......ات. وفى معجزاته- صلى اللّه عليه وسلم- ما هو أعظم من كلام الحمار وغيره. ومن ذلك: من حديث الضب، وهو مشهور على الألسنة، ورواه البيهقى (٢) فى أحاديث كثيرة، لكنه حديث غريب ...... قال المزى: لا يصح إسنادا ولا متنا، وذكره القاضى عياض فى الشفاء، وقد روى من حديث عمر أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كان فى محفل عن أصحابه، إذ جاء أعرابى من بنى سليم قد صاد ضبا جعله فى كمه ليذهب به إلى رحله فيشويه ويأكله، فلما رأى الجماعة قال من هذا؟ قالوا: نبى اللّه، فأخرج الضب من كمه و قال: واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن هذا الضب. وطرحه بين يدى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، فقال النبى- صلى اللّه عليه وسلم-: (يا ضب) فأجابه بلسان مبين يسمعه القوم جميعا: لبيك وسعديك يا زين من وافى القيامة، قال: (من تعبد؟) قال: الذى فى السماء عرشه وفى الأرض سلطانه وفى البحر سبيله وفى الجنة رحمته وفى النار عقابه، قال: (فمن أنا؟) قال: رسول رب العالمين وخاتم النبيين، وقد أفلح من صدقك وقد خاب من كذبك فأسلم الأعرابى الحديث بطوله، وهو مطعون فيه وقيل إنه ........ لكن معجزاته- صلى اللّه عليه وسلم- فيها ما هو أبلغ من هذا وليس فيه ما ينكر شرعا خصوصا وقد رواه الأئمة فنهايته الضعف لا الوضع، واللّه أعلم. ومن ذلك: حديث الغزالة. روى حديثها البيهقى من طرق، وضعفه جماعة من الأئمة، لكن طرقه يقوى بعضها بعضا. وذكره القاضى عياض فى الشفاء، ورواه أبو نعيم فى الدلائل بإسناد فيه مجاهيل، عن حبيب بن محصن عن أم سلمة- رضى اللّه عنها- قالت: بينما رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فى صحراء من __________ (١) ذكره القاضى عياض فى (الشفاء) له (١/ ٣١٤) . (٢) ذكره فى (دلائل النبوة) له (٦/ ٣٦) . الأرض، إذا هاتف يهتف: يا رسول اللّه ثلاث مرات فالتفت فإذا ظبية مشدودة فى وثاق، وأعرابى منجدل فى شملة نائم فى الشمس، ف قال: (ما حاجتك؟) قالت: صادنى هذا الأعرابى، ولى خشفان فى ذلك الجبل فأطلقنى حتى أذهب فأرضعهما وأرجع، قال: (وتفعلين؟) فقالت: عذبنى اللّه عذاب العشار إن لم أعد، فأطلقها فذهبت ورجعت فأوثقها النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فانتبه الأعرابى و قال: يا رسول اللّه ألك حاجة؟ قال: (تطلق هذه الظبية) فأطلقها فخرجت تعدو فى الصحراء فرحا وهى تضرب برجليها الأرض وتقول: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأنك رسول اللّه (١) . وكذا رواه الطبرانى بنحوه، وساق الحافظ المنذرى حديثه فى الترغيب والترهيب من باب الزكاة: ونقل شيخنا الحافظ أبو الخير السخاوى عن ابن كثير: أنه .......، وأن من نسبه إلى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فقد كذب، ثم قال: شيخنا: لكن ورد فى الجملة فى عدة أحاديث يتقوى بعضها ببعض أوردها شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر فى المجلس الحادى والستين من تخريج أحاديث المختصر واللّه أعلم. انتهى. وفى شرح مختصر ابن الحاجب للعلامة ابن السبكى، وتسبيح الحصى رواه الطبرانى وابن أبى عاصم من حديث أبى ذر، وتسليم الغزالة رواه أبو نعيم الأصبهانى والبيهقى فى دلائل النبوة، ونحن نقول فيهما: وإن لم يكونا متواترين فلعلهما استغنى عنهما بنقل غيرهما، أو لعلهما تواترا إذ ذاك، انتهى. ومن ذلك، داجن البيوت، وهو ما ألفها من الحيوان، كالطير والشاة وغيرهما، روى قاسم بن ثابت عن عائشة- رضى اللّه عنها- قالت: كان عندنا داجن، فإذا كان عندنا رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- قر وثبت مكانه، فلم يجئ ولم يذهب، وإذا خرج رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- جاء وذهب، وذكره القاضى عياض بسنده. وأما نبع الماء الطهور من بين أصابعه- صلى اللّه عليه وسلم-، وهو أشرف المياه، فقال __________ (١) أخرجه البيهقى فى (دلائل النبوة) (٦/ ٣٤) . القرطبى: قصة نبع الماء من بين أصابعه قد تكررت منه- صلى اللّه عليه وسلم- فى عدة مواطن فى مشاهد عظيمة، ووردت من طرق كثيرة، يفيد مجموعها العلم القطعى المستفاد من التواتر المعنوى، ولم يسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبينا- صلى اللّه عليه وسلم-، حيث نبع الماء من بين عظمه وعصبه ولحمه ودمه، وقد نقل ابن عبد البر عن المزنى أنه قال: نبع الماء من بين أصابعه- صلى اللّه عليه وسلم- أبلغ فى المعجزة من نبع الماء من الحجر حيث ضربه موسى بالعصا فتفجرت منه المياه، لأن خروج الماء من الحجارة معهود بخلاف خروج الماء من بين اللحم والدم. انتهى. وقد روى حديث نبع الماء جماعة من الصحابة، منهم أنس وجابر وابن مسعود. فأما حديث أنس ففى الصحيحين قال: رأيت رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وحانت صلاة العصر، والتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- بوضوء فوضع يده فى ذلك الإناء، فأمر الناس أن يتوضؤوا منه، فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ الناس حتى توضؤوا من عند آخرهم وفى لفظ البخارى: كانوا ثمانين رجلا، وفى لفظ له: فجعل الماء ينبع من بين أصابعه وأطراف أصابعه حتى توضأ القوم، قال: فقلنا لأنس كم كنتم قال: كنا ثلاثمائة (١) . قوله: (حتى توضؤوا من عند آخرهم) قال الكرمانى: حتى للتدريج، ومن للبيان، أى: توضأ الناس حتى توضأ الذين هم عند آخرهم، وهو كناية عن جميعهم، و (عند) بمعنى (فى) لأن (عند) وإن كانت للظرفية الخاصة لكن المبالغة تقتضى أن تكون لمطلق الظرفية، فكأنه قال: الذين هم فى آخرهم. وقال التيمى: المعنى توضأ القوم حتى وصلت النوبة إلى الآخر، وقال النووى: (من) هنا بمعنى (إلى) وهى لغة، وتعقبه الكرمانى بأنها شاذة، قال: ثم إن (إلى) لا يجوز أن تدخل على (عند) ويلزم عليه وعلى ما قاله التيمى أن لا يدخل إلا خبر، لكن ما قاله الكرمانى من أن (إلى) لا تدخل على عند __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (١٦٩) فى الوضوء، باب: التماس الوضوء إذا حانت الصلاة، وأطرافه (١٩٥ و ٢٠٠ و ٣٥٧٢ و ٣٥٧٣ و ٣٥٧٤ و ٣٥٧٥) ، ومسلم (٢٢٧٩) فى الفضائل، باب: فى معجزات النبى- صلى اللّه عليه وسلم-. لا يلزم مثله فى (من) إذا وقعت بمعنى (إلى) وعلى توجيه النووى يمكن أن يقال عند زائدة. قاله فى فتح البارى. وروى هذا الحديث أيضا عن أنس، ابن شاهين، ولفظه: قال كنت مع النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فى غزوة تبوك، فقال المسلمون: يا رسول اللّه، عطشت دوابنا وإبلنا، ف قال: (هل من فضلة ماء) فجاء رجل فى شن بشىء، فقال: (هاتوا صحيفة) فصب الماء ثم وضع راحته فى الماء، قال: فرأيتها تخلل عيونا بين أصابعه، قال: فسقينا إبلنا ودوابنا وتزودنا، فقال: (اكتفيتم؟) فقالوا: نعم اكتفينا يا نبى اللّه، فرفع يده فارتفع الماء (١) . وأخرج البيهقى عن أنس أيضا، قال: خرج النبى- صلى اللّه عليه وسلم- إلى قباء فأتى من بعض بيوتهم بقدح صغير، فأدخل يده فلم يسعه القدح، فأدخل أصابعه الأربعة ولم يستطع أن يدخل إبهامه، ثم قال للقوم: (هلموا إلى الشراب) قال أنس: بصر عينى ينبع الماء من بين أصابعه فلم يزل القوم يردون القدح حتى رووا منه جميعا (٢) . وأما حديث جابر: ففى الصحيحين، قال: عطش الناس يوم الحديبية، وكان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- بين يديه ركوة يتوضأ منها، وجهش الناس نحوه، فقال: (ما لكم؟) فقالوا يا رسول اللّه ما عندنا ماء نتوضأ به ولا نشربه إلا ما بين يديك، فوضع يده فى الركوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا، قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة (٣) . وقوله: (يفور) ، أى يغلى ويظهر متدفقا. وفى رواية الوليد بن عبادة بن الصامت عنه فى حديث مسلم الطويل فى ذكر غزوة بواط، قال لى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (يا جابر ناد: الوضوء) وذكر الحديث بطوله، وأنه لم يجد إلا قطرة فى عزلاء شجب فأتى به النبى __________ (١) أخرجه البخارى (٣٥٧٩) فى المناقب، باب: علامات النبوة فى الإسلام، بنحوه. (٢) أخرجه البيهقى فى (دلائل النبوة) (٤/ ١٢٣) . (٣) صحيح: أخرجه البخارى (٣٥٧٦) فى المناقب، باب: علامات النبوة فى الإسلام. - صلى اللّه عليه وسلم- فغمزه وتكلم بشىء لا أدرى ما هو، و قال: (ناد بجفنة الركب) فأتيت بها فوضعتها بين يديه، وذكر أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بسط يده فى الجفنة وفرق أصابعه وصب عليه جابر، فقال: (بسم اللّه) ، فرأيت الماء يفور من بين أصابعه، ثم فارت الجفنة واستدارت حتى امتلأت وأمر الناس بالاستقاء فاستقوا حتى رووا، فقلت: هل بقى من أحد له حاجة؟ فرفع رسول اللّه-صلى اللّه عليه وسلم- يده من الجفنة وهى ملأى (١) . وروى حديث جابر أيضا الإمام أحمد فى مسنده بلفظ: اشتكى أصحاب رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- إليه العطش، فدعا بعس فصب فيه شيئا من الماء، فوضع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فيه يده، و قال: (استقوا) فاستقى الناس، فكنت أرى العيون تنبع من بين أصابعه (٢) . وفى لفظ من حديث له أيضا: فوضع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كفه فى الإناء ثم قال: (بسم اللّه) ثم قال: (أسبغوا الوضوء) قال جابر: فو الذى ابتلانى ببصرى، لقد رأيت العيون، عيون الماء يومئذ تخرج من بين أصابعه- صلى اللّه عليه وسلم- فما رفعها حتى توضؤوا أجمعون (٣) . ورواه أيضا عند البيهقى فى الدلائل قال: كنا مع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فى سفر، فأصابنا عطش فجهشنا إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- قال: (فوضع يده فى تور من ماء بين يديه، قال: فجعل الماء ينبع من بين أصابعه كأنه العيون قال: خذوا بسم اللّه) ، فشربنا، فوسعنا وكفانا، ولو كنا مائة ألف لكفانا، قلت لجابر: كم كنتم؟ قال: ألفا وخمسمائة (٤) . وأخرجه ابن شاهين من حديث جابر أيضا، و قال: أصابنا عطش بالحديبية فجهشنا إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، الحديث: وأخرجه أيضا- عن __________ (١) صحيح: والحديث عند مسلم (٣٠١٣) في الزهد والرقائق، باب: حديث جابر الطويل، وقد تقدم. (٢) صحيح: أخرجه أحمد فى (المسند) (٣/ ٣٤٣) . (٣) أخرجه أحمد فى (المسند) (٣/ ٢٩٢) ، والبيهقى فى (الدلائل) (٤/ ١١٧- ١١٨) . (٤) تقدم فيما قبله. جابر- أحمد من طريق نبيح العنزى عنه، وفيه: فجاء رجل بإداوة فيها شىء من ماء ليس فى القوم ماء غيره، فصبه رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فى قدح ثم توضأ فأحسن الوضوء، ثم انصرف وترك القدح، قال: (فتزاحم الناس على القدح) فقال: (على رسلكم) ، فوضع كفه فى القدح ثم قال: (أسبغوا الوضوء) قال: فلقد رأيت العيون عيون الماء تخرج من بين أصابعه. وأما حديث ابن مسعود، ففى الصحيح من رواية علقمة: بينما نحن مع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وليس معنا ماء، فقال لنا رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (اطلبوا من معه فضل ماء) ، فأتى بما فصبه فى إناء، ثم وضع كفه فيه، فجعل الماء ينبع من بين أصابع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- (١) . وظاهر هذا أن الماء ينبع من بين أصابعه بالنسبة إلى رؤية الرائى، وهو فى نفس الأمر- للبركة الحاصلة فيه- يفور ويكثر، وكفه- صلى اللّه عليه وسلم- فى الإناء، فيراه الرائى نابعا من بين أصابعه. وظاهر كلام القرطبى: أنه نبع من نفس اللحم الكائن فى الأصابع، وبه صرح النووى فى شرح مسلم، ويؤيده قول جابر: فرأيت الماء يخرج من بين أصابعه، وفى رواية: فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه، وهذا هو الصحيح، وكلاهما معجزة له- صلى اللّه عليه وسلم-. وإنما فعل ذلك ولم يخرجه من غير ملامسة ماء ولا وضع إناء تأدبا مع اللّه تعالى، إذ هو المنفرد بابتداع المعدومات وإيجادها من غير أصل. وروى ابن عباس قال: دعا النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بلالا فطلب الماء، ف قال: لا واللّه ما وجدت الماء، قال: (فهل من شن؟) فأتاه بشن فبسط كفه فيه فانبعث تحت يده عين، فكان ابن مسعود يشرب وغيره يتوضأ (٢) ، رواه الدارمى وأبو نعيم، وكذا رواه الطبرانى وأبو نعيم من حديث أبى ليلى الأنصارى وأبو نعيم من طريق القاسم بن عبد اللّه بن أبى رافع عن أبيه عن جده. __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٣٥٧٩) فى المناقب، باب: علامات النبوة فى الإسلام. (٢) أخرجه الدارمى فى (سننه) (٢٥) . ومن ذلك تفجير الماء ببركته، وانبعاثه بمسه ودعوته. روى مسلم فى صحيحه عن معاذ أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- قال لهم: (إنكم ستأتون غدا إن شاء اللّه عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتى) قال: فجئناها، وقد سبق إليها رجلان، والعين مثل الشراك تبض بشىء من ماء (١) ، فسألهما رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (هل مسستما من مائها شيئا؟) قالا: نعم، فسبهما وقال لهما ما شاء اللّه أن يقول ثم غرفوا من العين قليلا قليلا حتى اجتمع فى شىء، ثم غسل- صلى اللّه عليه وسلم- به وجهه ويديه ثم أعاده فيها، فجرت العين بماء كثير، فاستقى الناس ثم قال- صلى اللّه عليه وسلم-: (يا معاذ، يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملىء جنانا) (٢) . أى بساتين وعمرانا، وهذا أيضا من معجزاته- صلى اللّه عليه وسلم-. ورواه القاضى عياض فى الشفاء بنحوه من طريق مالك فى الموطأ، وزاد ف قال: قال فى حديث ابن إسحاق: فانخرق من الماء ما له حس كحس الصواعق. وفى البخارى، فى غزوة الحديبية، من حديث المسور بن مخرمة ومروان ابن الحكم: أنهم نزلوا بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضا، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه وشكى إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- العطش، فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فو اللّه ما زال يجيش لهم بالرى حتى صدروا عنه (٣) . والثمد: - بالمثلاثة والتحريك- الماء القليل. وقوله: (يتبرضه الناس تبرضا) - بالضاد المعجمة- أى يأخذونه قليلا قليلا، والبرض: الشىء القليل. وقوله: (فما زال يجيش) - بفتح المثناة التحتية، وبالجيم آخره شين- أى: يفور ماؤه ويرتفع. وفى رواية: أنه- صلى اللّه عليه وسلم- توضأ فتمضمض ودعا ومج فى بئر الحديبية من فمه، فجاشت بالماء كذلك. __________ (١) يقصد: أن الماء قليل جدّا. (٢) صحيح: أخرجه مسلم (٧٠٦) فى الفضائل، باب: فى معجزات النبى- صلى اللّه عليه وسلم-. (٣) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (٢٧٣١ و ٢٧٣٢) فى الشروط، باب: الشروط فى الجهاد. وفى مغازى أبى الأسود عن عروة: أنه توضأ فى الدلو، ومضمض فاه ثم مج فيه، وأمر أن يصب فى البئر، ونزع سهما من كنانته وألقاه فى البئر ودعا اللّه تعالى، ففارت بالماء حتى جعلوا يغترفون بأيديهم منها وهم جلوس على شفتيها، فجمع بين الأمرين. وكذا رواه الواقدى من طريق أوس بن خولى. وهذه القصة غير القصة السابقة فى ذكر نبع الماء من بين أصابعه- صلى اللّه عليه وسلم- مما رواه البخارى فى المغازى من حديث جابر: عطش الناس بالحديبية وبين يدى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ركوة فوضع يده فى الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه. الحديث (١) . فبين القصتين مغايرة، وجمع ابن حبان بينهما: بأن ذلك وقع فى وقتين، انتهى. فحديث جابر فى نبع الماء كان حين حضرت صلاة العصر عند إرادة الوضوء، وحديث البراء كان لإرادة ما هو أعم من ذلك. ويحتمل أن يكون الماء لما تفجر من أصابعه ويده فى الركوة، وتوضؤوا كلهم وشربوا أمر حينئذ بصب الماء الذى بقى فى الركوة فى البئر فتكاثر الماء فيها. انتهى. وفى حديث البراء وسلمة بن الأكوع مما رواه البخارى فى قصة الحديبية وهم أربع عشرة مائة، وبئرها لا تروى خمسين شاة، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة، فقعد رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- على جباها، قال البراء: وأتى بدلو منها فبصق ودعا، وقال سلمة: فإما دعا وإما بصق فيها، فجاشت فأرووا أنفسهم وركابهم، وقال فى رواية البراء: ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها ثم قال: (دعوها ساعة) (٢) . قوله: (على جباها) - بفتح الجيم والموحدة والقصر- ما حول البئر، وبالكسر: ما جمعت فيها من الماء. وقوله: (وركابهم) أى الإبل التى يسار عليها. وفى الصحيحين عن عمران بن الحصين قال: كنا مع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فى سفر، فاشتكى إليه الناس من العطش، فنزل فدعا فلانا- كان يسميه أبو __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٤١٥٢) فى المغازى، باب: غزوة الحديبية. (٢) صحيح: أخرجه البخارى (٤١٥١) فيما سبق. رجاء ونسبه عوف- ودعا عليّا، وقال: (اذهبا فابتغيا الماء) فانطلقا فتلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء فجاآ بها إلى النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا النبى-صلى اللّه عليه وسلم- بإناء ففرّغ فيه من أفواه المزادتين أو السطيحتين، وأوكأ أفواههما، وأطلق العزالى، ونودى فى الناس: (اسقوا واستقوا) فسقى من سقى، واستقى من شاء، وهى قائمة تنظر إلى ما يفعل بمائها، وايم اللّه لقد أقلع عنها وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملأة منها حين ابتدأ فيها، فقال النبى- صلى اللّه عليه وسلم-: (اجمعوا لها) فجمعوا لها من بين عجوة ورقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعاما، فجعلوه فى ثوب وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها قال لها: (تعلمين ما رزأنا من مائك شيئا ولكن اللّه هو الذى سقانا) فأتت أهلها فقالت: العجب، لقينى رجلان فذهبا بى إلى الرجل الذى يقال له الصابئ ففعل كذا وكذا، فو اللّه إنه لأسحر الناس كلهم أو إنه لرسول اللّه حقّا، فقالت لقومها: ما أرى أن هؤلاء يدعونكم عمدا فهل لكم فى الإسلام (١) . الحديث. وعن أبى قتادة قال: خطبنا رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فقال: (إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء غدا إن شاء اللّه) فانطلق الناس لا يلوى أحد على أحد، فبينا رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يسير حتى ابهارّ الليل- أى ابيض- فمال عن الطريق فوضع رأسه ثم قال: (احافظوا علينا صلاتنا) فكان أول من استيقظ رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- والشمس فى ظهره، ثم قال: (اركبوا) ، فركبنا فسرنا، حتى إذا ارتفعت الشمس نزل، ثم دعا بميضأة كانت معى فيها شىء من ماء، فتوضأ منها وضوآ، قال: (وبقى شىء من ماء) ، ثم قال: (احفظ علينا ميضأتك) فسيكون لها نبأ، ثم أذن بلال بالصلاة، فصلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ركعتين ثم صلى الغداة، وركب وركبنا معه، فانتهينا إلى الناس حين اشتد النهار وحمى كل شىء، وهم يقولون: يا رسول اللّه هلكنا وعطشنا، فقال: (لا هلك عليكم) ودعا بالميضأة فجعل يصب وأبو قتادة يسقيهم __________ (١) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (٣٤٤) فى التيمم، باب: الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء، ومسلم (٦٨٢) فى المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة. فلم يعد أن رأى الناس ماء فى الميضأة فتكابوا عليها، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (أحسنوا الملأ (١) كلكم سيروى) ، قال: ففعلوا، فجعل رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يصب وأسقيهم، حتى ما بقى غيرى وغير رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، ثم صب فقال لى: (اشرب) فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسول اللّه، ف قال: (إن ساقى القوم آخرهم) قال: فشربت وشرب (٢) ، الحديث رواه مسلم. وعن أنس قال: أصاب الناس سنة (٣) على عهد رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، فبينما النبى- صلى اللّه عليه وسلم- يخطب فى يوم الجمعة، قام أعرابى ف قال: يا رسول اللّه، هلك المال وجاع العيال، فادع اللّه لنا، فرفع يديه وما نرى فى السماء قزعة (٤) ، (فو الذى نفسى بيده) ما وضعهما حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته، فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد، حتى الجمعة الآخرى، وقام ذلك الأعرابى أو غيره و قال: يا رسول اللّه، تهدم البناء وغرق المال، فادع اللّه لنا، فرفع يديه ف قال: (اللّهم حوالينا ولا علينا) ، فما يشير إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجوبة، وسال الوادى قناة شهرا، ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود. وفى رواية قال: (اللّهم حوالينا ولا علينا، اللّهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) فأقلعت وخرجنا نمشى فى الشمس (٥) . رواه البخارى ومسلم. و (الجوبة) - بفتح الجيم والموحدة بينهما واو ساكنة- الحفرة المستديرة الواسعة، وكل منفتق بلا بناء جوبة، أى حتى صار الغيم والسحاب محيطا بافاق المدينة. و (الجود) : - بفتح الجيم وإسكان الواو- المطر الواسع الغزير. وعن عبد اللّه بن عباس، أنه قيل لعمر بن الخطاب- رضى اللّه عنه- حدثنا عن __________ (١) أى: الملء لأوانيكم. (٢) صحيح: أخرجه مسلم (٦٨١) في المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة. (٣) السنة: القحط والجدب. (٤) القزعة: القطعة من السحاب. (٥) صحيح: أخرجه البخارى (١٠١٣) فى الاستسقاء، باب: الاستسقاء فى المسجد الجامع. ساعة العسرة فقال عمر: خرجنا إلى تبوك فى قيظ شديد، فنزلنا منزلا أصابنا عطش، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الرجل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، حتى إن كان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقى على كبده. فقال أبو بكر: يا رسول اللّه، إن اللّه قد عودك فى الدعاء خيرا، فادع اللّه لنا، قال: (أتحبون ذلك؟) قال: نعم، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فانسكبت، فملؤوا ما معهم من آنية، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها تجاوز العسكر (١) ، قال الحافظ المنذرى: أخرجه البيهقى فى الدلائل، وشيخه ابن بشران ثقة، ودعلج ثقة، وابن خزيمة أحد الأئمة، ويونس احتج به مسلم فى صحيحه وابن وهب وعمرو بن الحارث ونافع بن جبير احتج بهم البخارى ومسلم، وعتبة فيه مقال. وقد رواهالقاضى عياض فى الشفاء مختصرا وروى ابن إسحاق فى مغازيه نحوه. وروى صاحب (مصباح الظلام) عن عمرو بن شعيب: أن أبا طالب قال: كنت مع ابن أخى- يعنى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بذى المجاز، فأدركنى العطش، فشكوت إليه فقلت: يا ابن أخى عطشت، وما قلت له ذلك وأنا أرى عنده شيئا إلا الجزع، فثنى وركه ثم نزل و قال: (يا عم، أعطشت؟) فقلت: نعم، فأهوى بعقبه إلى الأرض فإذا بالماء، ف قال: (اشرب يا عم فشربت) وكذا رواه ابن سعد وابن عساكر. ومن ذلك: تكثير الطعام القليل ببركته ودعائه- صلى اللّه عليه وسلم-. عن جابر، فى غزوة الخندق قال: فانكفأت إلى امرأتى، فقلت هل عندك شىء، فإنى رأيت بالنبى- صلى اللّه عليه وسلم- خمصا (٢) شديدا، فأخرجت جرابا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن (٣) فذبحتها وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم فى البرمة ثم __________ (١) أخرجه البيهقى فى (دلائل النبوة) (٥/ ٢٣١) . (٢) الخمص: الجوع. (٣) الداجن: الشاة التى يعلفها الناس فى منازلهم في قال: شاة داجن. جئت النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فساررته فقلت: يا رسول اللّه ذبحنا بهيمة لنا وطحنت صاعا من شعير. فتعال أنت ونفر معك. فصاح النبى- صلى اللّه عليه وسلم-: (يا أهل الخندق، إن جابرا صنع سورا، فحى هلا بكم) فقال- صلى اللّه عليه وسلم-: (لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجىء برجال) فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك ثم قال: (ادع خابزة فلتخبز معك، واقدحى من برمتكم ولا تنزلوها) وهم ألف. فأقسم باللّه لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمتنا لتغط كما هى، وإن عجيننا ليخبز كما هو (١) ، رواه البخارىومسلم. وقوله: (فانكفأت) أى: انقلبت. وقوله: (داجن) يعنى سمينة. وقوله: (فذبحتها) بسكون الحاء، و (طحنت) بسكون التاء، يعنى إن الذى ذبح هو جابر، والتى طحنت هى امرأته سهيلة بنت معوذ الأنصارية. وقوله: (سورا) بضم المهملة وسكون الواو بغير همز. قال ابن الأثير: أى طعاما يدعو إليه الناس. قال: اللفظة فارسية. وقوله: (فحى هلا بكم) كلمة استدعاء فيه حث، أى هلموا مسرعين. وقوله: (واقدحى) أى: اغرفى. وقوله: (إن برمتنا لتغط) بالغين المعجمة والطاء المهملة، أى: تغلى ويسمع غطيطها. وعن أنس قال: قال أبو طلحة لأم سليم، لقد سمعت صوت رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- .....ا، أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شىء، فقالت: نعم، فأخرجت أقراصا من شعير، ثم أخرجت خمارا، فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدى ولاثتنى ببعضه- أى أدارت بعض الخمار على رأسى مرتين كالعمائم- ثم أرسلتنى إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، فذهبت به فوجدت رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فى المسجد ومعه الناس، فسلمت عليه، فقال لى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (أرسلك أبو طلحة؟) فقلت: نعم، قال: (لطعام؟) قلت: نعم، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- لمن معه: (قوموا) فانطلق وانطلقت بين أيديهم، حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٤١٠٢) فى المغازى، باب: غزوة الخندق، ومسلم (٢٠٣٩) فى الأشربة، باب: جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك. رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- بالناس، وليس عندنا ما نطعمهم، فقالت: اللّه ورسوله أعلم، فانطلق أبو طلحة حتى لقى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، فأقبل رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وأبو طلحة معه، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-:(هلمى يا أم سليم ما عندك) فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ففت، وعصرت أم سليم عكة فأدمته، ثم قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فيه ما شاء اللّه أن يقول، ثم قال: (ائذن لعشرة) فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: (ائذن لعشرة) ثم لعشرة، فأكل القوم كلهم وشبعوا، والقوم سبعون أو ثمانون رجلا (١) . رواه البخارى ومسلم. والمراد بالمسجد- هنا- الموضع الذى أعده النبى- صلى اللّه عليه وسلم- للصلاة فيه حين محاصرة الأحزاب للمدينة فى غزوة الخندق. وفى رواية لمسلم: أنه قال: (ائذن لعشرة) فدخلوا فقال: (كلوا وسموا اللّه) ، فأكلوا حتى فعل ذلك بثمانين رجلا، ثم أكل النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وأهل البيت وترك سؤرا. أى بقية وهو بالهمز. وفى رواية للبخارى: قال: (أدخل على عشرة) ، حتى عد أربعين، ثم أكل النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، فجعلت أنظر هل نقص منها شىء؟. وفى رواية يعقوب: أدخل على ثمانية ثمانية، فما زال حتى دخل عليها ثمانون، ثم دعانى ودعا أمى وأبا طلحة فأكلنا حتى شبعنا. انتهى. وهذا يدل على تعدد القصة، فإن أكثر الروايات فيها أنه أدخلهم عشرة عشرة سوى هذه، قاله الحافظ ابن حجر، قال: وظاهره أنه- صلى اللّه عليه وسلم- دخل لمنزل أبى طلحة وحده، وصرح بذلك فى رواية عبد الرحمن بن أبى ليلى ولفظه: فلما انتهى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- إلى الباب قال لهم:(اقعدوا) ودخل. وفى رواية يعقوب عن أنس: فقال أبو طلحة: يا رسول اللّه إنما أرسلت أنسا يدعوك وحدك، ولم يكن عندنا ما يشبع من أرى، وفى رواية عمرو بن عبد اللّه عن أنس: فقال أبو طلحة: إنما هو قرص، ف قال: (إن اللّه سيبارك فيه) (٢) . __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٣٥٧٨) فى المناقب، باب: علامات النبوة فى الإسلام، ومسلم (٢٠٤٠) فى الأشربة، باب: جواز استتباعه غيره إلى من يثق برضاه بذلك. (٢) صحيح: أخرجه البخارى (٥٤٥٠) فى الأطعمة، باب: من أدخل الضيفان عشرة عشرة. قال العلماء: وإنما أدخلهم عشرة عشرة- واللّه أعلم- لأنها كانت قصعة واحدة، لا يمكن الجماعة الكثيرة أن يقدروا على التناول منها مع قلة الطعام، فجعلهم عشرة عشرة لينالوا من الأكل ولا يزدحموا. وأما قوله- صلى اللّه عليه وسلم-: (أرسلك أبو طلحة؟) قلت: نعم، قال: (لطعام؟) قلت: نعم، فقال لمن معه: (قوموا) فظاهره: أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فهم أن أبا طلحة استدعاه إلى منزله، فلذلك قال لمن عنده قوموا، وأول الكلام يقتضى أن أم سليم وأبا طلحة أرسلا الخبز مع أنس؟!. فيجمع: بأنهما أرادا الخبز مع أنس (١) أن يأخذه النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فيأكله، فلما وصل أنس ورأى كثرة الناس حول النبى- صلى اللّه عليه وسلم- استحيى، وظهر له أن يدعو النبى-صلى اللّه عليه وسلم- ليقوم معه وحده إلى المنزل فيحصل مقصودهم من إطعامه. ويحتمل أن يكون ذلك عن رأى من أرسله، عهد إليه أنه إذا رأى كثرة الناس أن يستدعى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وحده، خشية أن لا يكفى ذلك النبى- صلى اللّه عليه وسلم- هو ومن معه، وقد عرفوا إيثاره- صلى اللّه عليه وسلم-، وأنه لا يأكل وحده. ووقع فى رواية يعقوب بن عبد اللّه بن أبى طلحة عن أنس- عند أبى نعيم وأصله عند مسلم- فقال لى أبو طلحة: يا أنس اذهب فقم قريبا من رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، فإذا قام فدعه حتى يتفرق عنه أصحابه، ثم اتبعه حتى إذا قام على عتبة بابه فقل له: إن أبى يدعوك، وفيه: فقال أبو طلحة: يا رسول اللّه إنما أرسلت أنسا يدعوك وحدك، ولم يكن عندنا ما يشبع من أرى، ف قال: (ادخل فإن اللّه سيبارك فيما عندك) . وفى رواية مبارك بن فضالة: فقال: هل من سمن؟ فقال أبو طلحة: قد كان فى العكة شىء فجاء بها، فجعلا يعصرانها حتى خرج، ثم مسح رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- القرص فانتفخ، وقال: (بسم اللّه) فلم يزل يصنع ذلك والقرص __________ (١) زيادة من فتح البارى (٦/ ٧٣٠) . ينتفخ حتى رأيت القرص فى الجفنة يتسع (١) . وفى رواية النضر بن أنس: فجئت بها ففتح رباطها ثم قال: (بسم اللّه، اللّهم أعظم فيها البركة) (٢) وعرف بهذا المراد بقوله فى رواية الصحيحين: (فقال فيها ما شاء اللّه أن يقول) . وفى رواية أنس عند أحمد: أن أبا طلحة رأى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- طاويا. وعند أبى يعلى من طريق محمد بن سيرين عن أنس: أن أبا طلحة بلغه أنه ليس عند رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- طعام فاجر نفسه بصاع من شعير فعمل بقية يومه ذلك ثم جاء به الحديث. وفى رواية عمرو بن عبد اللّه بن أبى طلحة عند مسلم وأبى يعلى قال: رأى أبو طلحة رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- مضطجعا ينقلب ظهرا لبطن. وفى رواية يعقوب بن عبد اللّه بن أبى طلحة عند مسلم أيضا عن أنس قال: جئت رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فوجدته جالسا مع أصحابه يحدثهم وقد عصب بطنه بعصابة، فسألت بعض أصحابه فقال من الجوع، فذهبت إلى أبى طلحة فأخبرته، فدخل على أم سليم ف قال: هل من شىء؟. وفى رواية محمد بن كعب عن أنس عند أبى نعيم قال: جاء أبو طلحة إلى أم سليم فقال: (أعندك شىء؟ فإنى مررت على النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وهو يقرئ أصحاب الصفة سورة النساء وقد ربط على بطنه حجرا) . وعن أبى هريرة قال: لما كان غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة، فقال عمر: يا رسول اللّه ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع اللّه لهم عليها بالبركة، فقال: (نعم) فدعا بنطع فبسط، ثم دعا بفضل أزوادهم فجعل الرجل يجىء بكف ذرة، ويجىء الآخر بكسرة، حتى اجتمع على النطع شىء يسير، فدعا رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- بالبركة ثم قال: (خذوا فى أوعيتكم) فأخذوا فى أوعيتهم، حتى ما تركوا فى العسكر وعاء إلا ملئوه. قال: فأكلوا حتى شبعوا __________ (١) حسن: أخرجه ابن حبان فى (صحيحه) (٥٢٨٥) وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن. (٢) أخرجه أحمد فى (المسند) (٣/ ٣٤٢) . وفضلت فضلة فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأنى رسول اللّه، لا يلقى اللّه بهما عبد غير شاك فيحجز عن الجنة) (١) رواه مسلم. وعن أنس قال: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- عروسا بزينب، فعمدت أمى أم سليم إلى تمر وسمن وأقط فصنعت حيسا، فجعلته فى تور، فقالت: يا أنس اذهب بهذا إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فقل: بعثت بهذا إليك أمى، وهى تقرئك السلام، فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (ضعه) ثم قال: (اذهب فادع لى فلانا وفلانا) رجالا سماهم، (وادع لى من لقيت) فدعوت من سمى ومن لقيت، فرجعت فإذا البيت غاص بأهله، قيل لأنس: عددكم كانوا؟ قال: زهاء ثلاثمائة، فرأيت النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وضع يده على تلك الحيسة وتكلم بما شاء اللّه، ثم جعل يدعو عشرة عشرة يأكلون منه، ويقول لهم: (اذكروا اسم اللّه، وليأكل كل رجل مما يليه) قال: فأكلوا حتى شبعوا، فخرجت طائفة بعد طائفة حتى أكلوا كلهم، قال لى: (يا أنس ارفع فرفعت، فما أدرى حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت) (٢) رواه البخارى ومسلم. وعن جابر أن أم مالك كانت تهدى للنبى- صلى اللّه عليه وسلم- فى عكة لها سمنا، فيأتيها فيسألونها الأدم، وليس عندهم شىء، فتعمد إلى الذى كانت تهدى فيها للنبى- صلى اللّه عليه وسلم- فتجد فيه سمنا، فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته، فأتت النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ف قال: (أعصرتيها؟) قالت: نعم، قال: (لو تركتيها ما زال قائما) (٣) رواه مسلم. وعنه أن رجلا أتى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- يستطعمه، فأطعمه شطر وسق من شعير، فما زال يأكل منه وامرأته وضيفه حتى كاله، فأتى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فأخبره، ف قال: (لو لم تكله لأكلتم منه ولقام بكم) (٤) . رواه مسلم أيضا. __________ (١) صحيح: أخرجه مسلم (٢٧) فى الإيمان، باب: الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا. (٢) صحيح: أخرجه البخارى (٥١٦٣) فى النكاح، باب: الهدية للعروس تعليقا، ووصله مسلم (١٤٢٨) فى النكاح، باب: زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب. (٣) صحيح: أخرجه مسلم (٢٢٨٠) فى الفضائل، باب: فى معجزات النبى- صلى اللّه عليه وسلم-. (٤) صحيح: أخرجه مسلم (٢٢٨١) فيما سبق. والحكمة فى ذهاب بركة السمن حين عصرت العكة، وإعدام بركة الشعير حين كاله، أن عصرها وكيله مضاد للتسليم على رزق اللّه تعالى، يتضمن التدبير والأخذ بالحول والقوة، وتكلف الإحاطة بأسرار حكم اللّه تعالى وفضله، فعوقب فاعله بزواله، قاله النووى. حديث القصعة : وعن أبى العلاء سمرة بن جندب قال: كنا مع النبى- صلى اللّه عليه وسلم- نتداول من قصعة من غدوة حتى الليل، يقوم عشرة ويقعد عشرة، قلنا: فما كانت تمد؟ قال: (من أى شىء تعجب، ما كانت تمد إلا من هاهنا) وأشار بيده إلى السماء (١) ، رواه الترمذى والدارمى. وعنه: أتى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بقصعة فيها لحم، فتعاقبوها من غدوة حتى الليل، يقوم قوم ويقعد آخرون، فقال رجل لسمرة: هل كانت تمد؟ قال: ما كانت تمد إلا من هاهنا، وأشار بيده إلى السماء (٢) . رواه الدارمى وابن أبى شيبة والترمذى والبيهقى والحاكم وصححوه وأبو نعيم. وفى حديث عبد الرحمن بن أبى بكر: كنا مع النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ثلاثين ومائة، وذكر الحديث أنه عجن صاع، وصنعت شاة فشوى سواد بطنها، قال: وايم اللّه، ما من الثلاثين ومائة إلا وقد حزّ له حزة من سواد بطنها، ثم جعل منها قصعتين فأكلنا أجمعون وفضل فى القصعتين فحملته على البعير (٣) . رواه البخارى. __________ (١) صحيح: أخرجه الترمذى (٣٦٢٥) فى المناقب، باب: فى آيات إثبات نبوة النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، وأحمد فى (المسند) (٥/ ١٨) . (٢) صحيح: أخرجه الدارمى (٥٦) ، وابن حبان فى (صحيحه) (٦٥٢٩) ، والحاكم فى (مستدركه) (٢/ ٦٧٥) ، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين. (٣) صحيح: أخرجه البخارى (٢٦١٨) فى الهبة، باب: قبول الهدية من المشركين، ومسلم (٢٠٥٦) فى الأشربة، باب: إكرام الضيف وفضل إيثاره. وعن أبى هريرة قال: أمرنى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أن أدعو أهل الصفة، فتتبعتهم حتى جمعتهم، فوضعت بين أيدينا صحفة فأكلنا ما شئنا وفرغنا، وهى مثلها حين وضعت إلا أن فيها أثر الأصابع(١) . رواه ابن أبى شيبة والطبرانى وأبو نعيم. وعن على بن أبى طالب: جمع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- بنى عبد المطلب وكانوا أربعين، منهم قوم يأكلون الجذعة ويشربون الفرق، فصنع لهم مدا من طعام، فأكلوا حتى شبعوا، وبقى كما هو، ثم دعا بعس فشربوا حتى رووا، وبقى كأنه لم يشرب منه، رواه فى الشفاء. ومن ذلك: إبراء ذوى العاهات، وإحياء الموتى، وكلامهم، وكلام الصبيان وشهادتهم له- صلى اللّه عليه وسلم- بالنبوة. روى البيهقى فى الدلائل: أنه- صلى اللّه عليه وسلم- دعا رجلا إلى الإسلام، فقال: لا أؤمن بك حتى تحيى لى ابنتى، فقال- صلى اللّه عليه وسلم-: (أرنى قبرها) فأراه إياه، فقال- صلى اللّه عليه وسلم-: (يا فلانة) ، فقالت: لبيك وسعديك. فقال- صلى اللّه عليه وسلم-: (أتحبين أن ترجعى إلى الدنيا؟) فقالت: لا واللّه يا رسول اللّه، إنى وجدت اللّه خيرا لى من أبوى، ورأيت الآخرة خيرا لى من الدنيا. وروى الطبرى عن عائشة أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- نزل الحجون كئيبا حزينا، فأقام به ما شاء اللّه عز وجل ثم رجع مسرورا قال: (سألت ربى عز وجل فأحيا لى أمى فامنت بى ثم ردها) . وكذا روى من حديث عائشة أيضا إحياء أبويه- صلى اللّه عليه وسلم- حتى آمنا به، أورده السهيلى وكذا الخطيب فى السابق واللاحق، لكن قال السهيلى: إن فى إسناده مجاهيل، وقال ابن كثير: إنه ....... جدّا، وتقدم البحث فى ذلك فى أوائل المقصد الأول. __________ (١) رجاله ثقات: أخرجه ابن أبى شيبة فى (مصنفه) (٦/ ٣١٥) ، وذكره الهيثمى فى (المجمع) (٦/ ٣١٥) ، وذكره الهيثمى فى (المجمع) (٨/ ٣٠٨) وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط، ورجاله ثقات. وعن أنس أن شابا من الأنصار توفى وله أم عجوز عمياء، فسجيناه وعزيناها، فقالت: مات ابنى؟ قلنا: نعم، قالت: اللّهم إن كنت تعلم أنى هاجرت إليك وإلى نبيك رجاء أن تعيننى على كل شدة فلا تحملن على هذه المصيبة، فما برحنا أن كشف الثوب عن وجهه فطعم وطعمنا (١) . رواه ابن عدى وابن أبى الدنيا والبيهقى وأبو نعيم. وعن النعمان بن بشير قال: كان زيد بن خارجة من سروات الأنصار، فبينما هو يمشى فى طريق من طرق المدينة بين الظهر والعصر إذ خرّ فتوفى، فأعلمت به الأنصار، فأتوه فاحتملوه إلى بيته فسجوه كساء وبردين، وفى البيت نساء من نساء الأنصار يبكين عليه، ورجال من رجالهم، فمكث على حاله حتى إذا كان بين المغرب والعشاء الآخرة سمعوا صوت قائل يقول: انصتوا انصتوا، فنظروا فإذا الصوت من تحت الثياب، فحسروا عن وجهه وصدره، فإذا القائل يقول على لسانه: محمد رسول اللّه النبى الأمى خاتم النبيين، لا نبى بعده، كان ذلك فى الكتابالأول، ثم قال: صدق صدق، ثم قال: هذا رسول اللّه، السلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته. رواه ابن أبى الدنيا فى كتاب من عاش بعد الموت. وعن سعيد بن المسيب أن رجلا من الأنصار توفى، فلما كفن أتاه القوم يحملونه تكلم ف قال: محمد رسول اللّه، أخرجه أبو بكر بن الضحاك. وأخرج أبو نعيم: أن جابرا ذبح شاة وطبخها، وثرد فى الجفنة، وأتى به رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فأكل القوم، وكان- صلى اللّه عليه وسلم- يقول لهم: (كلوا ولا تكسروا عظاما) ثم إنه- صلى اللّه عليه وسلم- جمع العظام ووضع يده عليها ثم تكلم بكلام فإذا بالشاة قد قامت تنفض أذنيها، كذا رواه واللّه أعلم؟!. وعن معرض بن معيقيب اليمانى قال: حججت حجة الوداع، فدخلت دارا بمكة، فرأيت فيها رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، ورأيت منه عجبا، جاء رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد، فقال له رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (يا غلام، من أنا) __________ (١) أخرجه البيهقى فى (الدلائل) (٦/ ٥٠) . قال: أنت رسول اللّه، قال: (صدقت بارك اللّه فيك) ، ثم إن الغلام لم يتكلم بعد ذلك حتى شب، فكنا نسميه مبارك اليمامة (١) . رواه البيهقى من حديث معرض- بالضاد المعجمة-. وعن فهد بن عطية، أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- أتى بصبى قد شب لم يتكلم قط فقال: (من أنا؟) قال: أنت رسول اللّه، رواه البيهقى. وعن ابن عباس قال: إن امرأة جاءت بابن لها إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فقالت: يا رسول اللّه، إن ابنى به جنون، وإنه ليأخذه عند غدائنا وعشائنا، فمسح رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- صدره فثع ثعة وخرج من جوفه مثل الجرو الأسود يسعى (٢) . رواهالدارمى. وقوله (ثع) يعنى قاء. وأصيبت يوم أحد عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته، فأتى بها إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ف قال: يا رسول اللّه، إن لى امرأة أحبها أخشى إن رأتنى تقذرنى فأخذها رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- بيده وردها إلى موضعها و قال: (بسم اللّه اللّهم اكسه جمالا) فكانت أحسن عينيه وأحدّهما نظرا، وكانت لا ترمد إذا رمدت الآخرى (٣) . وقد وفد على عمر بن عبد العزيز رجل من ذريته فسأله عمر: من أنت؟ فقال: أبونا الذى سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفى أيما رد فعادت كما كانت لأول أمرها ... فيا حسن ما عين ويا حسن ما خد فوصله عمر وأحسن جائزته. قال السهيلى: ورواه محمد بن أبى عثمان عن عمار بن نصر عن مالك بن أنس عن محمد بن عبد اللّه بن أبى صعصعة __________ (١) أخرجه البيهقى فى (دلائل النبوة) (٦/ ٥٩) بسند فيه وضاع. (٢) أخرجه الدارمى فى (سننه) (١٩) ، وأحمد فى (المسند) (١/ ٢٥٤ و ٢٦٨) ، والطبرانى فى (الكبير) (١٢/ ٥٧) ، وذكره الهيثمى فى (المجمع) (٩/ ٢٠) و قال: رواه أحمد والطبرانى، وفيه فرقد السبخى، وثقه ابن معين، والعجلى، وضعفه غيرهما. (٣) أخرجه البيهقى فى (دلائل النبوة) (٣/ ٢٥٢) . عن أبيه عن أبى سعيد عن أخيه قتادة بن النعمان قال: أصيبت عيناى يوم أحد فسقطتا على وجنتى، فأتيت بهما النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فأعادهما مكانهما وبصق فيهما فعادتا تبرقان، قال الدار قطنى: هذا حديث غريب تفرد به عمار بن نصر وهو ثقة، ورواه الدار قطنى عن إبراهيم الحربى عن عمار بن نصر. وأخرج الطبرانى وأبو نعيم عن قتادة قال: كنت يوم أحد أتقى السهام بوجهى دون وجه رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، فكان آخرها سهما ندرت منه حدقتى فأخذتها بيدى وسعيت إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، فلما رآها فى كفى دمعت عيناه ف قال: (اللّهم ق قتادة كما وقى وجه نبيك بوجهه، فاجعلها أحسن عينيه وأحدّهما نظرا) (١) . وفى البخارى فى غزوة خيبر أنه- صلى اللّه عليه وسلم- قال: (أين على بن أبى طالب) فقالوا: هو يا رسول اللّه يشتكى عينيه، قال: (فأرسلوا إليه) فأتى به، فبصق رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فى عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع (٢) . وعند الطبرانى من حديث على قال: فما رمدت ولا صدعت منذ دفع إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- الراية يوم خيبر (٣) . وفى رواية مسلم من طريق إياس بن سلمة عن أبيه قال: فأرسلنى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- إلى على فجئت به أقوده أرمد، فبصق فى عينيه فبرأ (٤) . وعند الحاكم من حديث على قال: فوضع- صلى اللّه عليه وسلم- رأسى فى حجره ثم بصق فى راحته فدلك بها عينى (٥) . وعند الطبرانى: فما اشتكيتهما حتى الساعة، ودعا لى- صلى اللّه عليه وسلم- ف قال: (اللّهم أذهب عنه الحر والقر) ، قال: فما اشتكيتهما حتى يومى هذا (٦) . __________ (١) أخرجه الطبرانى فى (الكبير) (١٩/ ٨) . (٢) صحيح: أخرجه البخارى (٤٢١٠) فى المغازى، باب: غزوة خيبر، ومسلم (٢٤٠٦) فى فضائل الصحابة، باب: من فضائل على بن أبى طالب- رضى اللّه عنه-. (٣) صحيح: ذكره الهيثمى فى (المجمع) (٩/ ١٢٣) وقال: رواه أبو يعلى وأحمد باختصار، ورجالهما رجال الصحيح غير أم موسى، وحديثها مستقيم. (٤) صحيح: أخرجه مسلم (١٨٠٧) فى الجهاد والسير، باب: غزوة ذى قرد وغيرها. (٥) أخرجه الحاكم فى (المستدرك) (٣/ ٤١) . (٦) حسن: أخرجه ابن ماجه (١١٧) فى المقدمة، باب: فضل على بن أبى طالب- رضى اللّه عنه-. وأصيب سلمة يوم خيبر أيضا بضربة فى ساقه، فنفث فيها- صلى اللّه عليه وسلم- ثلاث نفثات فما اشتكاها قط (١) . رواه البخارى. ونفث فى عينى فديك وكانتا مبيضتين لا يبصر بهما شيئا، وكان وقع على بيض حية، فكان يدخل الخيط فى الإبرة وإنه لابن ثمانين سنة وإن عينيه لمبيضتان (٢) ، رواه ابن أبى شيبة والبغوى والبيهقى والطبرانى وأبو نعيم. __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٤٢٠٦) فى المغازى، باب: غزوة خيبر. (٢) أخرجه ابن أبى شيبة فى (مصنفه) (٦/ ٣٢٨) ، وذكره الهيثمى فى (المجمع) (٢/ ٢٩٦) وقال: رواه الطبرانى فى الكبير والأوسط والبزار، وفى أحد أسانيده على بن عروة وهو ..... متروك، وفى الآخر النضر أبو عمر، وحديثه حسن. |