٢-١ الفصل الأول فى ذكر أسمائه الشريفة المنبئة عن كمال صفاته المنيفةاعلم أن الأسماء جمع اسم، وهو كلمة وضعتها العرب بإزاء مسمى، متى أطلقت فهم منها ذلك المسمى، فعلى هذا لابد من مراعاة أربعة أشياء: الاسم والمسمى- بفتح الميم- المسمى- بكسرها- والتسمية. فالاسم: هو اللفظ الموضوع على الذات لتعريفها أو تخصيصها عن غيرها كلفظ: زيد. والمسمّى: هو الذات المقصود تمييزها بالاسم، كشخص زيد. والمسمّى: هو الواضع لذلك اللفظ. والتسمية: هى اختصاص ذلك اللفظ بتلك الذات. والوضع: تخصيص لفظ بمعنى إذا أطلق أو أحسّ فهم ذلك المعنى. واختلفوا، هل الاسم عين المسمى أو غيره؟ وهى مسألة طويلة تكلم الناس فيها قديما وحديثا. فذهب قوم إلى أن الاسم عين المسمى. واستدلوا عليه بقوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)والتسبيح إنما هو للرب جل وعلا، فدل على أن اسمه هو هو. وأجيب، بأنه أشرب معنى سبح (اذكر) فكأنه قال: اذكر اسم ربك الأعلى، كقوله تعالى: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٢) وقد أشرب معنى اذكر (سبح) ، عكس الأول. قال تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ (٣) أى سبح ربك. والإشراب جار فى لغتهم، يشربون معنى فعل فعلا. واستشكل على معنى كونه هو المسمى إضافته إليه، فإنه يلزم منه إضافة الشىء إلى نفسه. و أجيب: بأن الاسم هنا بمعنى التسمية، والتسمية غير الاسم، لأن التسمية هى اللفظ بالاسم، والاسم هو اللازم للمسمى فتغايرا. __________ (١) سورة الأعلى: ١. (٢) سورة الإنسان: ٢٥. (٣) سورة آل عمران: ٤١. واحتج من قال بأن الاسم عين المسمى أيضا بقوله تعالى: بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى (١) ثم قال: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ (٢) فنادى الاسم فدل على أنه المسمى. وجوابه: أن المعنى: يا أيها الغلام الذى اسمه يحيى، ولو كان الاسم عين المسمى لكان من قال: النار، احترق لسانه، ومن قال: العسل، ذاق حلاوته. وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، وقد سمى اللّه تعالى نبينا صلى اللّه عليه وسلم- بأسماء كثيرة فى القرآن العظيم وغيره من الكتب السماوية، وعلى ألسنة أنبيائه- عليهم الصلاة والسلام-. ثم إن أشهر أسمائه- صلى اللّه عليه وسلم-: محمد، وبه سماه جده عبد المطلب وذلك أنه لما قيل له: ما سميت ولدك؟ ف قال: محمدا، فقيل له: كيف سميته باسم ليس لأحد من آبائك وقومك؟ فقال: لأنى أرجو أن يحمده أهل الأرض كلهم. وذلك لرؤيا كان رآها عبد المطلب- كما ذكر حديثها على القيروانى العابر فى كتابه (البستان) - قال: كان عبد المطلب قد رأى فى المنام كأن سلسلة من فضة قد خرجت من ظهره، لها طرف فى السماء، وطرف فى الأرض، وطرف فى المشرق وطرف فى المغرب، ثم عادت كأنها شجرة، على كل ورقة منها نور، وإذا أهل المشرق والمغرب كأنهم يتعلقون بها. فقصها، فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق وأهل المغرب، ويحمده أهل السماء وأهل الأرض، فلذلك سماه محمدا، مع ما حدثته به أمه آمنة حين قال لها: إنك حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وضعتيه فسميه محمدا. وعن ابن عباس- رضى اللّه عنهما-: لما ولد النبى- صلى اللّه عليه وسلم- عق عنه عبد المطلب وسماه محمدا فقيل له: يا أبا الحارث، ما حملك على أن سميته محمدا، __________ (١) سورة مريم: ٧. (٢) سورة مريم: ١٢. ولم تسمه باسم آبائه؟ قال: أردت أن يحمده اللّه فى السماء، ويحمده الناس فى الأرض. وعن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (إن لى أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد وأنا الماحى الذى يمحو اللّه بى الكفر، وأنا الحاشر الذى يحشر الناس على قدمى، وأنا العاقب) (١) رواه الشيخان. وقد روى: (على قدمى) بتخفيف الياء وبالإفراد، وبالتشديد على التثنية. قال النووى فى شرح مسلم: معنى الروايتين: يحشرون على أثرى وزمانى ورسالتى. وفى رواية نافع بن جبير عند البخارى فى تاريخه الصغير والأوسط، والحاكم فى مستدركه وصححه، وأبى نعيم فى الدلائل وابن سعد: أنه دخل على عبد الملك بن مروان، ف قال: أتحصى أسماء رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- التى كان جبير بن مطعم يعدها؟ قال: نعم، هى ستة، فذكر الخمسة التى ذكرها محمد ابن جبير، وزاد: الخاتم (٢) . وفى حديث حذيفة (أحمد، ومحمد، والحاشر، والمقفى، ونبى الرحمة) (٣) . ولفظ رواية أبى نعيم (هى ستة: محمد، وأحمد، وخاتم، وحاشر، وعاقب، وماح، فأما الحاشر، فبعث مع الساعة نذيرا لكم بين يدى عذاب شديد، وأما العاقب: فإنه أعقب الأنبياء، وأما ماح: فإن اللّه عز وجل محا به سيئات من اتبعه) . وذكر بعضهم: أن العدد ليس من قول النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، وإنما ذكره الراوى بالمعنى. __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٢٥٣٢) فى المناقب، باب: ما جاء فى أسماء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم-، ومسلم (٢٣٥٤) فى الفضائل، باب: فى أسمائه- صلى اللّه عليه وسلم-. (٢) أخرجه أحمد فى (مسنده) (٤/ ٨١ و ٨٣) ، والحاكم فى (مستدركه) (٢/ ٦٦٠) ، والطبرانى فى (الكبير) (٢/ ١٢٠) . (٣) أخرجه أحمد فى (مسنده) (٥/ ٤٠٥) . وفيه نظر: لتصريحه فى الحديث: (إن لى خمسة أسماء) (١) . والذى يظهر أنه أراد إن لى خمسة أسماء أختص بها لم يتسم بها أحد قبلى، أو مشهورة فى الأمم الماضية لا أنه أراد الحصر فيها، وبهذا يجاب عن الاستشكال الوارد، وهو أن المقرر فى علم المعانى أن تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر، ولكن ورود الروايات بما هو أكثر يدل على أنه ليس حصرا مطلقا، فالطريق فى ذلك أن يحمل على حصر مقيد كما ذكر واللّه أعلم. وروى النقاش (٢) عنه- عليه الصلاة والسلام-: لى فى القرآن سبعة أسماء: محمد، وأحمد، ويّس، وطّه، والمزمل، والمدثر، وعبد اللّه (٣) . وقد جاءت من ألقابه- صلى اللّه عليه وسلم- وسماته فى القرآن عدة كثيرة، و [قد] تعرض جماعة لتعدادها وبلغوا بها عددا مخصوصا. فمنهم من بلغ تسعة وتسعين، موافقة لعدد أسماء اللّه الحسنى الواردة فى الحديث. قال القاضى عياض: وقد خصه اللّه تعالى بأن سماه من أسمائه الحسنى بنحو من ثلاثين اسما. وقال ابن دحية (٤) فى كتابه (المستوفى) : إذا فحص عن جملتها من الكتب المتقدمة والقرآن والحديث وفّى الثلاثمائة، انتهى. __________ (١) هو لفظ حديث البخارى (٣٥٣٢) المتقدم قبل حديثين. (٢) هو: شيخ القراء، أبو بكر، محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلى ثم البغدادى النقاش، كان واسع الرحلة، له مصنفات، إلا أنه يكذب فى الحديث، والغالب عليه القصص، ولذا قال عنه الخطيب، فى حديثه مناكير بأسانيد مشهورة، مات سنة (٣٥١ هـ) . (٣) قلت: النقاش ..... فى الحديث، وعلى ذلك فلا حجة فى قوله، وبخاصة أنه انفرد ببعض الأسماء كيس وطه والمزمل والمدثر، وإن كان الأخيران صفتين له. (٤) هو: أبو الخطاب، عمر بن الحسن بن على بن محمد، ابن دحية الكلبى، أديب مؤرخ حافظ للحديث من أهل بلنسية بالأندلس، إلا أنه رحل إلى مراكش والشام والعراق وخراسان واستقر بمصر، إلا أنه كان كثير الوقيعة فى العلماء والأئمة فأعرض عنه معاصروه من كلامه، كما كذبوه فى انتسابه إلى دحية، وقالوا: إن دحية الكلبى لم يعقب، توفى بالقاهرة سنة (٦٣٣ هـ) . ورأيت فى كتاب (أحكام القرآن) للقاضى أبى بكر بن العربى: قال بعض الصوفية: للّه تعالى ألف اسم وللنبى- صلى اللّه عليه وسلم- ألف اسم (١) ، انتهى. والمراد الأوصاف: فكل الأسماء التى وردت أوصاف مدح، وإذا كان كذلك، فله- صلى اللّه عليه وسلم- من كل وصف اسم، ثم إن منها ما هو مختص به أو الغالب عليه، ومنها ما هو مشترك، وكل ذلك بيّن بين بالمشاهدة لا يخفى، وإذا جعلنا له من كل وصف من أوصافه اسما بلغت أوصافه ما ذكر، بل أكثر، والذى رأيته فى كلام شيخنا فى (القول البديع) ، والقاضى عياض فى (الشفا) وابن العربى فى (القبس) ، والأحكام له، وابن سيد الناس، وغيرهم يزيد على الأربعمائة، وقد سردتها مرتبة على حروف المعجم، وهى: الأبر باللّه، الأبطحى، أتقى الناس، الأجود، أجود الناس، الأحد، الأحسن وأحسن الناس، أحمد، أحيد- بضم أوله وكسر المهملة ثم ياء تحتانية-. الآخذ بالحجزات، آخذ الصدقات، الآخر، الأخشى للّه، أذن خير، أرجح الناس عقلا، أرحم الناس بالعباد، الأزهر: وهو النير المشرق الوجه، أشجع الناس، الأصدق فى اللّه، أطيب الناس ريحا، الأعز الأعلى، الأعلم باللّه، أكثر الناس تبعا، الأكرم، أكرم الناس، أكرم ولد آدم، المص، إمام الخير، إمام الرسل، إمام المتقين، إمام النبيين، الإمام، الآمر والناهى، الآمن أمنة أصحابه، الأمين، الأمى، أنعم اللّه، الأول، أول شافع، أول المسلمين، أول المؤمنين، أول من تنشق عنه الأرض. البر، البارقليط، الباطن، البرهان، بشر، بشرى عيسى، البشير، البصير، البليغ، بالغ البيان، البينة. التالى، التذكرة، التقى، التنزيل، التهامى. ثانى اثنين. الجبار، الجد، الجواد، جامع. __________ (١) قلت: ولا أعلم مستندا للقائلين بذلك، ولو كان فى ذلك مزية لأخبرنا بها خير الناس. حاتم، حزب اللّه، الحاشر، الحافظ، الحاكم بما أراه اللّه، الحامد، حامل لواء الحمد، الحائد لأمته عن النار، الحبيب، حبيب الرحمن، حبيب اللّه، الحجازى، الحجة البالغة، حجة اللّه على الخلائق، حرز الأميين، الحرمى، الحريص على الإيمان، الحسيب الحفيظ، الحق، الحكيم، الحليم، حماد، حمطايا أو قال حمياطا، حمعسق، حفى، الحمد، الحنيف، الحى. الخبير، خاتم النبيين خاتم المرسلين، الخاتم، الخازن لمال اللّه، الخاشع، الخاضع، الخالص، خطيب الأنبياء، خطيب الأمم، خطيب الوافدين على اللّه، الخليل، خليل الرحمن، خليل اللّه، الخليفة، خير الأنبياء، خير البرية، خير خلق اللّه، خير العالمين طرّا، خير الناس، خير هذه الأمة، خيرة اللّه. دار الحكمة، الداعى إلى اللّه، دعوة إبراهيم، دعوة النبيين، دليل الخيرات. الذاكر، الذكر، ذكر اللّه، ذو الحوض المورود، ذو الخلق العظيم، ذو الصراط المستقيم، ذو القوة، ذو مكانة، ذو عزة، ذو فضل، ذو المعجزات، ذو المقام المحمود، ذو الوسيلة. الراضع، الراضى، الراغب، الرافع، راكب البراق، راكب البعير، راكب الجمل، راكب الناقة، راكب النجيب، الرحمة، رحمة الأمة، رحمة العالمين، رحمة مهداة، الرحيم، الرسول، رسول الراحة، رسول الرحمة، رسول اللّه، رسول الملاحم، الرشيد. الرفيع الذكر، رافع الرتب، رفيع الدرجات، الرقيب، روح الحق، روح القدس، الرؤف، ركن المتواضعين. الزاهد، زعيم الأنبياء، الزكى، الزمزمى، زين من وافى القيامة. السابق، السابق بالخيرات، سابق العرب، الساجد، سبيل اللّه، السراج المنير، السراط المستقيم، السعيد، سعد اللّه، سعد الخلائق، السميع، السلام، السيد، سيد ولد آدم، سيد المرسلين، سيد الناس، سيد الكونين، سيد الثقلين، سيف اللّه المسلول. الشارع، الشافع، الشاكر، الشاهد، الشكور، الشكار، الشمس، الشهيد. الصابر، الصاحب، صاحب الآيات، صاحب المعجزات، صاحب البراهين، صاحب البيان، صاحب التاج، صاحب الجهاد، صاحب الحجة، صاحب الحطيم، صاحب الحوض المورود، صاحب الخاتم، صاحب الخير، صاحب الدرجة العالية الرفيعة، صاحب الرداء، صاحب الأزواج الطاهرات، صاحب السجود للرب المحمود، صاحب السرايا، صاحب السلطان، صاحب السيف، صاحب الشرع، صاحب الشفاعة الكبرى، صاحب العطايا، صاحب العلامات الباهرات، صاحب العلو والدرجات، صاحب الفضيلة، صاحب الفرج، صاحب القضيب، صاحب القضيب الأصغر، صاحب قول لا إله إلا اللّه، صاحب القدم، صاحب الكوثر، صاحب اللواء، صاحب المحشر، صاحب المدينة، صاحب المغفر، صاحب المغنم، صاحب المعراج، صاحب المظهر المشهود، صاحب المقام المحمود، صاحب المنبر، صاحب المئزر، صاحب النعلين، صاحب الهراوة، صاحب الوسيلة، الصادع بما أمر، الصادق، الصبور، الصدق، صراط اللّه، صراط الذين أنعمت عليهم، الصراط المستقيم، الصفوح، الصفوح عن الزلات، الصفوة، الصفى، الصالح. الضارب بالحسام المثلوم، الضحاك، الضحوك. طاب طاب، الطاهر، الطبيب، طسم، طس، طه، الطيب. الظاهر، الظفور، من الظفر وهو الفوز. العابد، العادل، العظيم، العافى، العاقب، العالم، علم الإيمان، علم اليقين، العالم بالحق، العامل، عبد اللّه، العبد، العدل، العربى، العروة الوثقى، العزيز، العفو، العطوف، العليم، العلى، العلامة، عين العز، عبد الكريم، عبد الجبار، عبد الحميد، عبد المجيد، عبد الوهاب، عبد القهار، عبد الرحيم، عبد الخالق، عبد القادر، عبد المهيمن، عبد القدوس، عبد الغياث، عبد الرزاق، عبد السلام، عبد المؤمن، عبد الغفار. الغالب، الغفور، الغنى، الغنى باللّه، الغوث، الغيث، الغياث. الفاتح، الفارقليط- وقيل بالباء، وتقدم-، الفارق، فاروق، الفتاح. الفجر، الفرط، الفصيح، فضل اللّه، فواتح النور. القاسم، القاضى، القانت، قائد الخير، قائد الغر المحجلين، القائل، القائم، القتال، القتول، قثم، القثوم، قدم صدق، القرشى، القريب، القمر، القيم، ومعناه: الجامع الكامل، وصوابه بالمثلاثة بدل الياء، القوى. كافة الناس، الكفيل، الكامل فى جميع أموره، الكريم، كهيعص. اللسان. الماجد، ماذماذ، المؤمل، الماحى، المأمون، المانع، الماء العين، المبارك، المبتهل، المبرأ، المبشر، مبشر اليائسين، المبعوث بالحق، المبعوث، المبلغ، المبيح، المبين، المتين، المتبتل، المتبسم، المتربص، المتضرع، المتقى، المتلو عليه، المتهجد، المتوسط، المتوكل، المتثبت، مجاب، مجيب، المجتبى، المجبر، المحرض، المحرم، المحفوظ، المحلل، محمد، المحمود، المخبر، المختار، المخصوص بالشرف، المخصوص بالعز، المخصوص بالمجد، المخلص، المدثر، المدنى، مدينة العلم، المذكر، المذكور، المرتضى، المرتل، المرسل، المرتجى، المرحوم، المرتفع الدرجات، المرء- وهو الرجل الكامل المروءة-، المزكى، المزمل، المسبح، المستغفر، المستغنى، المستقيم، المسرى به، المسعود، المسلّم، المسلّم المشاور، المشفع، المشفوع، المشفع، المشهود، المشير، المصباح، المصارع، المصافح، مصحح الحسنات، المصدوق، المصطفى، المصلح، المصلى عليه، المطاع، المطهر، المظهر، المطلع، المطيع، المظفر، المعزز، المعصوم، المعقب، المعلّم، معلم أمته، المعلّم، المعلن، المعلى، المفضال، المفضل، المفتاح، مفتاح الجنة، المقتصد، المقتفى: يعنى قفا النبيين، المقدّس، المقرى، المقسط، المقسم، المقصوص عليه، المقفى، وقيل بزيادة تاء بعد القاف كما تقدم، مقيل العثرات، مقيم السنة بعد الفترة، المكرم، المكتفى، المكين، المكى، الملاحمى، ملقى القرآن، الممنوح، المنادى، المنتظر، المنجى، المنذر، المنزل عليه، المنحمنا، المصنف، المنصور، المنيب، المنير، المهاجر، المهتدى، المهدى، المهداة، المهيمن، المؤتى جوامع الكلم، الموحى إليه، الموصل، الموقر، المولى، المؤمن المؤيّد، الميسّر. النابذ، الناجز، الناس لقوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ (١) . المفسر به- عليه السّلام-، الناسخ، الناشر، الناصح، الناضر، الناطق بالحق، الناهى، نبى الأحمر، نبى الأسود، نبى التوبة، نبى الحرمين، نبى الراحة، نبى الرحمة، النبى الصالح، نبى اللّه نبى المرحمة، نبى الملحمة، نبى الملاحم، النبى، النجم، النجم الثاقب، نجى اللّه، النذير، النسيب، نصيح، ناصح، النعمة، نعمة اللّه، النقيب، النقى، النور، نور الأمم أى الهادى لها الذى أوصلها نور اللّه الذى لا يطفأ. الهادى، هدى، هدية اللّه، الهاشمى. الوجيه، الواسط، الواسع، الواصل الواضح، الواعد، الواعظ، الورع، الوسيلة، الوفى، الوافى، ولى الفضل، الولى. اليثربى، بس. وكنيته المشهورة أبو القاسم، كما جاء فى عدة أحاديث صحيحة. ويكنى بأبى إبراهيم، كما جاء فى حديث أنس فى مجىء جبريل إليه- عليهما الصلاة والسلام-، وقوله السلام عليك يا أبا إبراهيم (٢) . وبأبى الأرامل، فيما ذكره ابن دحية. وبأبى المؤمنين، فيما ذكره غيره. واعلم أنه لا سبيل لنا أن نستوعب شرح جميع هذه الأسماء الشريفة، __________ (١) سورة النساء: ٥٤. (٢) أخرجه الحاكم فى (مستدركه) (٢/ ٦٠٤) ، وأبو نعيم فى (دلائل النبوة) (١/ ١٦٤) . إذ فى ذلك تطويل يفضى بنا إلى العدول عن عرض الاختصار، فلنذكر من ذلك ما يفتح اللّه تعالى به مما يدل على سواه. وباللّه تعالى أستعين. فأول ذلك ما له- عليه الصلاة والسلام- من معنى الحمد الذى هو اسمه المنبىء عن ذاته، الذى سائر أسماء أوصافه راجعة إليه، وهو فى المعنى واحد، وله فى الاشتقاق صيغتان: الاسم المبنى صيغته على صيغة (أفعل) المنبئة عن الانتهاء إلى غاية ليس وراءها منتهى، وهو اسمه (أحمد) . والاسم المبنى على صيغة (التفعل) المنبئة عن الت..... والتكثير إلى عدد لا ينتهى له الإحصاء وهو اسمه (محمد) . قال السهيلى: (محمد) منقول من الصفة، فالحمد فى اللغة هو الذى يحمد حمدا بعد حمد، ولا يكون (مفعّل) مثل: مضرب، وممدح، إلا لمن تكرر منه الفعل مرة بعد أخرى. وأما (أحمد) وهو اسمه- عليه الصلاة والسلام- الذى سمى به على لسان عيسى وموسى، فإنه منقول أيضا من الصفة التى معناها التفضيل، فمعنى (أحمد) أحمد الحامدين لربه، وكذلك هو فى المعنى، لأنه يفتح عليه فى المقام المحمود بمحامد لم تفتح على أحد قبله، فيحمد ربه بها، ولذلك يعقد له لواء الحمد. قال: وأما (محمد) فمنقول من صفة أيضا، وهو فى معنى (محمود) . ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار، فالمحمد هو الذى حمد مرة بعد مرة، كما أن المكرّم من أكرم مرة بعد أخرى، وكذلك الممدح ونحو ذلك. فاسم (محمد) مطابق لمعناه، واللّه سبحانه وتعالى سماه به قبل أن يسمى به، علم من أعلام نبوته- عليه الصلاة والسلام-، إذ كان اسمه صادقا عليه، فهو صلى اللّه عليه وسلم- محمود فى الدنيا بما هدى إليه ونفع به من العلم والحكمة. وهو محمود فى الآخرة بالشفاعة، فقد تكرر معنى الحمد، كما يقتضيه اللفظ. ثم إنه لم يكن محمدا حتى كان أحمد، حمد ربه فنبأه وشرفه، فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذى هو محمد، فذكره عيسى فقال اسْمُهُ أَحْمَدُ (١) وذكره موسى حين قال له ربه: تلك أمة أحمد، ف قال: اللّهم اجعلنى من أمة أحمد. فبأحمد ذكر قبل أن يذكر بمحمد، لأن حمده لربه كان قبل حمد الناس له، فلما وجد وبعث كان محمدا أيضا بالفعل. وكذلك فى الشفاعة، يحمد ربه بالمحامد التى يفتحها عليه، فيكون أحمد الحامدين لربه، ثم يشفع فيحمد على شفاعته. فانظر كيف ترتب هذا الاسم قبل الاسم الآخر فى الذكر والوجود، وفى الدنيا والآخرة، تلح لك الحكمة الإلهية فى تخصيصه بهذين الاسمين. انتهى. وقال القاضى عياض: كان- عليه الصلاة والسلام- أحمد قبل أن يكون محمدا، كما وقع فى الوجود، لأن تسميته أحمد وقعت فى الكتب السالفة، وتسميته محمدا وقعت فى القرآن، وذلك أنه حمد ربه قبل أن يحمده الناس. انتهى. وهذا موافق لما قال السهيلى، وذكره فى فتح البارى وأقره عليه، وهو يقتضى سبقية اسمه أحمد، خلافا لما ادعاه ابن القيم (٢) . وذكر ابن القيم فى اسمه (أحمد) أنه قيل فيه إنه بمعنى (مفعول) ويكون التقدير: أحمد الناس، أى أحق الناس وأولاهم أن يحمد، فيكون محمدا فى المعنى، لكن الفرق بينهما: أن محمدا هو الكثير الخصال التى يحمد عليها، وأحمد: هو الذى يحمد أفضل مما يحمد غيره، فمحمد فى الكثرة والكمية، وأحمد فى الصفة والكيفية، فيستحق من الحمد أكثر مما يستحق غيره، أى أفضل حمد حمده البشر، فالاسمان واقعان على المفعول. قال: وهذا أبلغ فى مدحه وأكمل معنى، فلو أريد معنى الفاعل لسمى __________ (١) سورة الصف: ٦. (٢) قاله فى (زاد المعاد) (١/ ٨٩) . (الحماد) أى الكثير الحمد، فإنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان أكثر الناس حمدا لربه، فلو كان اسمه أحمد باعتبار حمده لربه لكان الأولى به الحماد، كما سميت بذلك أمته. وأيضا فإن هذين الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائله المحمودة التى لأجلها استحق أن يسمى محمدا وأحمد. وقال القاضى عياض- فى باب تشريفه تعالى له- عليه الصلاة والسلام- بما سماه به من أسمائه الحسنى-: أحمد بمعنى أكبر، من حمد، وأجل: من حمد. ثم إن فى اسمه (محمد) خصائص: منها: كونه على أربعة أحرف ليوافق اسم اللّه تعالى اسم محمد، فإن عدد الجلالة على أربعة أحرف كمحمد. ومنها: أنه قيل: إن مما أكرم اللّه به الآدمى أن كانت صورته على شكل كتب هذا اللفظ، فالميم الأول رأسه، والحاء جناحاه، والميم سرته والدال رجلاه. قيل: ولا يدخل النار من يستحق دخولها- أعاذنا اللّه منها- إلا ممسوخ الصورة إكراما لصورة اللفظ. حكاهما ابن مرزوق، والأول: ابن العماد فى كتاب كشف الأسرار. ومنها: أنه تعالى اشتقه من اسمه (المحمود) كما قال حسان بن ثابت: أغر عليه للنبوة خاتم ... من اللّه من نور يلوح ويشهد وضم الإله اسم النبى إلى اسمه ... إذا قال فى الخمس المؤذن أشهد وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد وأخرج البخارى فى تاريخه الصغير من طريق على بن زيد قال: كان أبو طالب يقول: وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد وقد سماه اللّه تعالى بهذا الاسم قبل الخلق بألفى ألف عام، كما ورد من حديث أنس بن مالك، من طريق أبى نعيم فى مناجاة موسى. وروى ابن عساكر عن كعب الأحبار قال: إن اللّه أنزل على آدم عصيّا بعدد الأنبياء والمرسلين. ثم أقبل على ابنه شيث ف قال: أى بنى، أنت خليفتى من بعدى، فخذها بعمارة التقوى، والعروة الوثقى، وكلما ذكرت اللّه فاذكر إلى جنبه اسم محمد، فإنى رأيت اسمه مكتوبا على ساق العرش، وأنا بين الروح والطين، ثم إنى طفت السماوات فلم أر فى السماوات موضعا إلا رأيت اسم محمد مكتوبا عليه، وإن ربى أسكننى الجنة فلم أر فى الجنة قصرا ولا غرفة إلا اسم محمد مكتوبا عليه، ولقد رأيت اسم محمد مكتوبا على نحور الحور العين، وعلى ورق قصب آجام الجنة، وعلى ورق شجرة طوبى، وعلى ورق سدرة المنتهى، وعلى أطراف الحجب، وبين أعين الملائكة، فأكثر ذكره فإن الملائكة تذكره فى كل ساعاتها. بدا مجده من قبل نشأة آدم ... فأسماؤه فى العرش من قبل تكتب وروينا فى جزء الحسن بن عرفة من حديث أبى هريرة عنه- صلى اللّه عليه وسلم- قال: لما عرج بى إلى السماء ما مررت بسماء إلا وجدت- أى علمت- اسمى فيها مكتوبا: محمد رسول اللّه، وأبو بكر خلفى. ووجد على الحجارة القديمة مكتوب: محمد تقى مصلح أمين. ذكره فى الشفاء. وعلى الحجر بالخط العبرانى: باسمك اللّهم ، جاء الحق من ربك بلسان عربى مبين، لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه، وكتبه موسى بن عمران. وذكره ابن ظفر فى (البشر) عن معمر عن الزهرى. وشوهد- كما ذكره فى الشفاء- فى بعض بلاد خراسان مولود ولد على أحد جنبيه مكتوب: لا إله إلا اللّه، وعلى الآخر: محمد رسول اللّه. وببلاد الهند ورد أحمر مكتوب عليه بالأبيض: لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه. وذكر العلامة ابن مرزوق عن عبد اللّه بن صوحان: عصفت بنا ريح، ونحن فى لجج بحر الهند، فأرسينا فى جزيرة، فرأينا فيها وردا أحمر زكى الرائحة طيب الشم وفيه مكتوب بالأبيض، لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه، ووردا أبيض مكتوب عليه بالأصفر: براءة من الرحمن الرحيم إلى جنات نعيم، لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه. وفى تاريخ ابن العديم عن على بن عبد اللّه الهاشمى الرقى: أنه وجد ببعض قرى الهند وردة كبيرة طيبة الرائحة سوداء، عليها مكتوب بخط أبيض: لا إله إلا اللّه، محمد رسول اللّه، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق. قال فشككت فى ذلك وقلت: إنه معمول، فعمدت إلى وردة لم تفتح فكان فيها مثل ذلك، وفى البلد منه شىء كثير وأهل تلك القرية يعبدون الحجارة، لا يعرفون اللّه تعالى. وقال عبد اللّه بن مالك: دخلت بلاد الهند، فسرت إلى مدينة يقال لها: نميلة- أو ثميلة. فرأيت شجرة كبيرة تحمل ثمرا كاللوز، له قشر. فإذا كسرت ثمرته خرج منها ورقة خضراء مطوية مكتوب عليها بالحمرة: لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه، وأهل الهند يتبركون بها ويستسقون بها إذا منعوا الغيث. حكاه القاضى أبو البقاء بن الضياء فى منسكه. وفى كتاب روض الرياحين لليافعى عن بعضهم أنه وجد ببلاد الهند شجرة تحمل ثمرا كاللوز، له قشر إذا كسر خرجت منه ورقة خضراء طرية مكتوب فيها بالحمرة: لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه. كتابة جلية وهم يتبركون بها. قال: فحدثت بذلك أبا يعقوب الصباء فقال: ما استعظم هذا، كنت صيادا على نهر الأبلة فاصطدت سمكة، على جنبها الأيمن: لا إله إلا اللّه، وعلى جنبها الأيسر: محمد رسول اللّه، فلما رأيتها قذفتها فى الماء احتراما لها. وعن بعضهم- مما ذكره ابن مرزوق فى شرحه لبردة الأبوصيرى- أنه أتى بسمكة فرأى فى إحدى شحمتى أذنها لا إله إلا اللّه، وفى الآخرى: محمد رسول اللّه. وعن جماعة: أنهم وجدوا بطيخة صفراء فيها خطوط شتى بالأبيض خلقة، ومن جملة الخطوط كتب بالعربى فى أحد جنبيها: اللّه، وفى الآخر: عز أحمد، بخط بين لا يشك فيه عالم بالخط. وأنه وجد سنة تسع أو قال: سنة سبع- بالموحدة- وثمانمائة حبة عنب مكتوب فيها بخط بارع بلون أسود: محمد. وفى كتاب (النطق المفهوم) لابن طغربك السياف، عن بعضهم أنه رأى فى جزيرة شجرة عظيمة لها ورق كبير طيب الرائحة، مكتوب فيه بالحمرة والبياض فى الخضرة كتابة بينة واضحة خلقة ابتدعها اللّه بقدرته، فى الورقة ثلاثة أسطر، الأول: لا إله إلا اللّه، والثانى: محمد رسول اللّه، والثالث: إن الدين عند اللّه الإسلام. قال ابن قتيبة: ومن أعلام نبوته- صلى اللّه عليه وسلم- أنه لم يسم قبله أحد باسمه (محمد) صيانة من اللّه تعالى لهذا الاسم، كما فعل بيحيى، إذ لم يجعل له من قبل سميا، وذلك أنه تعالى سماه به فى الكتب المتقدمة، وبشر به الأنبياء، فلو جعل اسمه مشتركا فيه لوقعت الشبهة، إلا أنه لما قرب زمنه وبشر أهل الكتاب بقربه سمى قوم أولادهم بذلك رجاء أن يكون هو هو، واللّه أعلم حيث يجعل رسالته: ما كل من زار الحمى سمع الندا ... من أهله أهلا بذاك الزائر ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء. وقد عدهم القاضى عياض: ستة، ثم قال: لا سابع لهم. وذكر أبو عبيد اللّه بن خالويه فى كتاب (ليس) ، والسهيلى فى (الروض) : أنه لا يعرف فى العرب من تسمى محمدا قبل النبى- صلى اللّه عليه وسلم- إلا ثلاثة. قال الحافظ ابن حجر: وهو حصر مردود، والعجب أن السهيلى متأخر الطبقة عن عياض، ولعله لم يقف على كلامه. قال: وقد جمعت أسماء من تسمى بذلك فى جزء مفرد فبلغوا نحو العشرين، مع تكرير فى بعضهم، ووهم فى بعض، فيتلخص منهم خمسة عشر نفسا: وأشهرهم: محمد بن عدى بن ربيعة بن سواءة بن جشم بن سعد بن زيد مناة بن تميم التميمى السعدى. ومنهم: محمد بن أحيحة- بضم الهمزة وفتح المهملة- ابن الجلاح- بضم الجيم وتخفيف اللام آخره مهملة- الأوسى. ومحمد بن أسامة بن مالك بن حبيب بن العنبر. ومحمد بن البراء- وقيل: البر- بن طريف بن عتوارة بن عامر بن ليث ابن بكر بن عبد مناة بن كنانة البكرى العتوارى. ومحمد بن الحارث بن حديج بن حويص. ومحمد بن حرماز بن مالك اليعمرى. ومحمد بن حمران بن أبى حمران، ربيعة بن مالك الجعفى المعروف بالشويعر. ومحمد بن خزاعى بن علقمة بن حرابة السلمى، من بنى ذكوان. ومحمد بن خولى الهمدانى. ومحمد بن سفيان بن مجاشع. ومحمد بن اليحمد الأزدى. ومحمد بن يزيد بن عمرو بن ربيعة. ومحمد بن الأسيدى. ومحمد الفقيمى. ولم يدركوا الإسلام إلا الأول ففى سياق خبره ما يشعر بذلك، وإلا الرابع فهو صحابى جزما (١) . __________ (١) الرابع فى ترتيبه هو: محمد بن البراء الكنانى، حيث ذكره الحافظ ابن حجر فى (الإصابة) (٦/ ٣٢٩) . وفيمن ذكره عياض: محمد بن مسلمة الأنصارى. وليس ذكره بجيد، فإنه ولد بعد النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بأزيد من عشرين سنة، لكنه قد ذكر تلو كلامه المتقدم: محمد بن محمد- الماضى- فصار من عنده ستة لا سابع لهم. انتهى. وأما اسمه- عليه الصلاة والسلام- (محمود) فاعلم أن من أسماء اللّه تعالى الحميد، ومعناه: المحمود، لأنه تعالى حمد نفسه، وحمده عباده، وقد سمى الرسول- صلى اللّه عليه وسلم- بمحمود، وكذا وقع اسمه فى زبور داود. وأما (الماحى) ففسر فى الحديث بمحو الكفر، ولم يمح الكفر بأحد من الخلق ما محى بالنبى- صلى اللّه عليه وسلم-، فإنه بعث وأهل الأرض كلهم كفار، ما بين عابد أوثان ويهود ونصارى ضالين وصابئة ودهرية لا يعرفون ربا ولا معادا، وبين عباد الكواكب وعباد النار، وفلاسفة لا يعرفون شرائع الأنبياء ولا يقرون بها، فمحاها برسوله، حتى أظهر دينه على كل دين، وبلغ دينه ما بلغ الليل والنهار، وسارت دعوته مسير الشمس فى الأقطار، ولما كانت البحار هى الماحية للأدران كان اسمه- عليه الصلاة والسلام- فيها الماحى. وأما (الحاشر) ففسر أيضا فى الحديث بأنه الذى يحشر الناس على قدمه، أى يقدمهم وهم خلفه، وقيل على سابقته، وقيل: قدامه وحوله، أى يجتمعون إليه فى القيامة. وقد كان حشره لأهل الكتاب: إخراجه لهم من حصونهم وبلادهم. من دار هجرته إلى حيث أذاقهم اللّه من شدة الحشر ما شاء فى دار الدنيا إلى ما اتصل لهم بذلك فى برزخهم. وهو أول من تنشق عنه الأرض فيحشر الناس على أثره، وإليه يلجئون فى محشرهم، وقيل: على سببه. وأما (العاقب) فهو الذى جاء عقب الأنبياء، فليس بعده نبى، لأن العاقب هو الآخر، أى: عقب الأنبياء، وقيل: وهو اسمه- عليه الصلاة والسلام- فى النار، فإذا جاء- لحرمة شفاعته- خمدت النار وسكنت، كما روى أن قوما من حملة القرآن يدخلونها فينسيهم اللّه تعالى ذكر محمد صلى اللّه عليه وسلم- حتى يذكرهم جبريل، فيذكرونه فتخمد النار وتنزوى عنهم. وأما (المقفى) فكذلك، أى: قفا آثار من سبقه من الرسل، وهى لفظة مشتقة من (القفو) ي قال: قفاه يقفوه إذا تأخر عنه، ومنه قافية الرأس، وقافية البيت، فالمقفى المقفى: الذى قفا من قبله من الرسل فكان خاتمهم وآخرهم. وأما (الأول) فلأنه أول النبيين خلقا- كما مر- وكما أنه أول فى البدء فهو أول فى العود، فهو أول من تنشق عنه الأرض، وأول من يدخل الجنة، وهو أول شافع وأول مشفع، كما كان فى أوليات البدء فى عالم الذر أول مجيب، إذ هو أول من قال: بلى، إذ أخذ ربه الميثاق على الذرية الآدمية، فأشهدهم على أنفسهم: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ (١) فهو- صلى اللّه عليه وسلم- الأول فى ذلك كله على الإطلاق. وأما (الآخر) فلأنه آخر الأنبياء فى البعث كما فى الحديث. وأما (الظاهر) فلأنه ظهر على جميع الظاهرات ظهوره، وظهر على الأديان دينه، فهو الظاهر فى وجوه الظهور كلها. وأما (الباطن) فهو المطلع على بواطن الأمور بواسطة ما يوحيه اللّه تعالى إليه. وأما (الفاتح الخاتم) ففى حديث الإسراء عن أبى هريرة من طريق الربيع ابن أنس قوله تعالى له: (وجعلتك فاتحا وخاتما) . وفى حديث أبى هريرة رضى اللّه عنه- أيضا وفى الإسراء، قوله- صلى اللّه عليه وسلم-: (وجعلنى فاتحا وخاتما) (٢) . فهو الذى فتح اللّه به باب الهدى بعد أن كان مرتجّا، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا، وفتح أمصار الكفر، وفتح به أبواب الجنة، وفتح به طرق العلم النافع والعمل الصالح، والدنيا والآخرة، والقلوب والأسماع والأبصار والإبصار. __________ (١) سورة الأعراف: ١٧٢. (٢) ذكره الهيثمى فى (المجمع) (١/ ٦٩) ضمن حديث طويل جدّا وقال رواه البزار ورجاله موثقون إلا أن الربيع بن أنس قال عن أبى العالية أو غيره فتابعيه مجهول. وقد يكون المراد: المبدأ المقدم فى الأنبياء، والخاتم لهم، كما قال- عليه الصلاة والسلام-: (كنت أول النبيين فى الخلق وآخرهم فى البعث) (١) . وأما (الرؤف الرحيم) ففى القرآن لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢) وهو فعول من الرأفة، وهى أرق من الرحمة، قاله أبو عبيدة، والرحيم فعيل من الرحمة، وقيل رؤف بالمطيعين رحيم بالمذنبين. وأما (الحق المبين) فقال تعالى: حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (٣) . وقال تعالى: وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٤) . وقال تعالى: قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ (٥) . وقال تعالى: فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ (٦) . قيل [المراد] : محمد- عليه السّلام-، وقيل القرآن، ومعناه هنا ضد الباطل، والمتحقق صدقه وأمره، والمبين البين أمره ورسالته، أو المبين عن اللّه ما بعثه به، كما قال تعالى: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (٧) . وأما (المؤمن) فقال تعالى: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّه وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨) . أى يصدق، وقال- صلى اللّه عليه وسلم-: (أنا أمنة لأصحابى) (٩) فهذا بمعنى المؤمن. وأما (المهيمن) فقال تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ __________ (١) لم أجده. (٢) سورة التوبة: ١٢٨. (٣) سورة الزخرف: ٢٩. (٤) سورة الحجر: ٨٩. (٥) سورة يونس: ١٠٨. (٦) سورة الأنعام: ٥. (٧) سورة النحل: ٤٤. (٨) سورة التوبة: ٦١. (٩) صحيح: أخرجه مسلم (٢٥٣١) فى فضائل الصحابة، باب: بيان أن بقاء النبى- صلى اللّه عليه وسلم- أمان لأصحابه، من حديث أبى موسى الأشعرى- رضى اللّه عنه-. يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ (١) . قال ابن الجوزى فى زاد المسير- إن ابن نجيح روى عن مجاهد (ومهيمنا عليه) قال: محمد مؤتمن على القرآن، قال:فعلى قوله فى الكلام تقدير محذوف، كأنه قال: وجعلناك يا محمد مهيمنا عليه، وسماه العباس بن عبد المطلب فى شعره مهيمنا فى قوله: حتى احتوى بيتك المهيمن من ... خندق علياء تحتها النطق وروى: ثم اغتدى بيتك المهيمن، قيل أراد: يا أيها المهيمن، القتبى والإمام أبو القاسم القشيرى. وأما (العزيز) فمعناه: جلالة القدر، أو الذى لا نظير له، أو المعز لغيره، وقد استدل القاضى عياض لهذا الاسم بقوله تعالى: وَللّه الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ (٢) . أى فجائز أن يوصف النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بالعزيز والمعز، لحصول العز له. ولقائل أن يقول: هذا اللفظ أيضا للمؤمنين لشمول العطف إياهم، فلا اختصاص للنبى- صلى اللّه عليه وسلم-، والغرض اختصاصه، قال اليمنى: وعجبت من القاضى كيف خفى عليه مثل هذا: ويجاب: باختصاصه- عليه الصلاة والسلام- برتبة من العزة ليست لغيره واللّه أعلم. وأما (العالم) و (العليم) و (العلم) و (معلم أمته) فقد قال تعالى: وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ (٣) . و قال: وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (٤) . وأما (الخبير) فمعناه: المطلع على كنه الشىء، العالم بحقيقته، وقيل: المخبر، قال اللّه تعالى: الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (٥) . قال القاضى بكر بن العلاء فيما ذكره فى الشفاء-: المأمور بالسؤال غير النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، والمسئول __________ (١) سورة المائدة: ٤٨. (٢) سورة المنافقون: ٨. (٣) سورة النساء: ١١٣. (٤) سورة البقرة: ١٥١. (٥) سورة الفرقان: ٥٩. الخبير هو النبى- صلى اللّه عليه وسلم-. وقال غيره: بل السائل النبى- صلى اللّه عليه وسلم- والمسئول اللّه عز وجل، فالنبى- صلى اللّه عليه وسلم- خبير بالوجهين المذكورين، قيل لأنه- عليه الصلاة والسلام- عالم على غاية من العلم بما أعلمه اللّه من مكنون علمه، وعظيم معرفته، مخبر لأمته بما أذن فى إعلامهم به. انتهى. وأما (العظيم) فقال اللّه تعالى فى شأنه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (١) . ووقع فى أول سفر من التوراة عن إسماعيل: وسيلد عظيما لأمة عظيمة. فهو صلى اللّه عليه وسلم- عظيم وعلى خلق عظيم. وأما (الشاكر) و (الشكور) فقد وصف- صلى اللّه عليه وسلم- نفسه بذلك ف قال: (أفلا أكون عبدا شكورا) أى: أأترك تهجدى فلا أكون عبدا شكورا؟! والمعنى: أن المغفرة سبب لكون التهجد شكرا، فكيف أتركه؟ وعلى هذا فتكون (الفاء) للسببية. وقال القاضى عياض: شكورا أى: معترفا بنعم ربى، عالما بقدر ذلك، مثنيا عليه، مجهدا نفسى فى الزيادة من ذلك، لقوله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (٢) . وأما (الشكار) فهو أبلغ من شاكر، وفى حديث ابن ماجه أنه- صلى اللّه عليه وسلم- كان من دعائه: (رب اجعلنى لك شكارا) (٣) . وأما (الكريم) و (الأكرام) و (أكرم ولد آدم) فسماه اللّه تعالى به فى قوله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤) . أي محمد- صلى اللّه عليه وسلم-، وليس المراد به جبريل، لأنه تعالى لما قال: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذكر بعده أنه ليس بقول __________ (١) سورة القلم: ٤. (٢) سورة إبراهيم: ٧. (٣) صحيح: أخرجه الترمذى (٣٥٥١) فى الدعوات، باب: فى دعاء النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، والنسائى فى (الكبرى) (١٠٤٤٣) ، وابن ماجه (٣٨٣٠) فى الدعاء، باب: دعاء رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، وابن حبان فى (صحيحه) (٩٤٨) ، والحاكم فى (مستدركه) (١/ ١٧٠) ، من حديث ابن عباس- رضى اللّه عنهما- . (٤) سورة الحاقة: ٤٠. شاعر ولا كاهن، والمشركون لم يكونوا يصفوا جبريل بذلك، فتعين أن يكون المراد بالرسول الكريم هنا محمدا- صلى اللّه عليه وسلم-، كما سيأتى- إن شاء اللّه تعالى- بيانه فى مقصد آىالتنزيل. وقال- عليه السّلام-: (أنا أكرم ولد آدم) (١) . وأما (الولى) و (المولى) فقال- عليه الصلاة والسلام-: (أنا ولى كل مؤمن) (٢) . وأما (الأمين) فقد كان- عليه الصلاة والسلام- يعرف به، وشهر به قبل النبوة وبعدها، وهو أحق العالمين بهذا الاسم، فهو أمين على وحيه ودينه، وهو أمين من فى السماء والأرض. وأما (الصادق) و (المصدوق) فقد ورد فى الحديث تسميته بهما، ومعناهما غير خفى، وكذلك (الأصدق) . وروى أنه- عليه الصلاة والسلام- لما كذبه قومه حزن فقال له جبريل: إنهم يعلمون أنك صادق. وأما (الطيب) و (ماذ ماذ) - بميم ثم ألف ثم ذال معجمة منونة، ثم ميم ثم ألف ثم ذال معجمة- كذا رأيته لبعض العلماء، ونقل العلامة الحجازى فى حاشيته على الشفاء عن السهيلى: ضم الميم وإشمام الهمزة ضمة بين الواو والألف ممدود، و قال: نقلته عن رجل أسلم من علماء بنى إسرائيل، وقال معناه: طيب طيب، ولا ريب أنه- صلى اللّه عليه وسلم- أطيب الطيبين، وحسبك أنه كان يؤخذ من عرقه ليتطيب به، فهو- صلى اللّه عليه وسلم- طيب اللّه الذى نفحه فى الوجود، فتعطرت به الكائنات وسمت، واغتذت به القلوب فطابت، وتنسمت به الأرواح فنمت. وأما (الطاهر) و (المطهر) و (المقدس) أى المطهر من الذنوب، كما قال تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللّه ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ (٣) . أو الذى يتطهر به من __________ (١) أخرجه الترمذى (٣٦١٠) فى المناقب، باب: فى فضل النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، من حديث أنس- رضى اللّه عنه- . (٢) أخرجه الطبرانى فى (الكبير) (٥/ ١٦٦) من حديث زيد بن أرقم- رضى اللّه عنه-. (٣) سورة الفتح: ٢. الذنوب، ويتنزه بأتباعه عنها، كما قال اللّه تعالى: وَيُزَكِّيهِمْ (١) و قال: وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ (٢) أو يكون مقدسا بمعنى مطهرا من الأخلاق الذميمة والأوصاف الدنية. وأما (العفو) و (الصفوح) فمعناهما واحد، وقد وصفه اللّه تعالى بهما فى القرآن والتوراة والإنجيل، كما فى حديث عبد اللّه بن عمرو بن العاصى عند البخارى (ولا يجزى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح) وأمره تعالى بالعفو فقال: خُذِ الْعَفْوَ (٣) و قال: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ (٤) . وأما (العطوف) فهو الشفوق، وسمى به- عليه الصلاة والسلام- لكثرة شفقته على أمته، ورأفته بهم. وأما (النور) فقال تعالى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّه نُورٌ (٥) قيل: محمد صلى اللّه عليه وسلم- وقيل القرآن، فهو نور اللّه الذى لا يطفأ. وأما (السراج) فسماه اللّه تعالى به فى قوله: وَسِراجاً مُنِيراً (٦) . لوضوح أمره، وبيان نبوته، وتنوير قلوب المؤمنين والعارفين بما جاء به، فهو نيّر فى ذاته منير لغيره، فهو السراج الكامل فى الإضاءة، ولم يوصف بالوهاج كالشمس، لأن المنير الذى ينير من غير إحراق بخلاف الوهاج. وأما (الهادى) فبمعنى الدلالة والدعاء، قال اللّه تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧) وقال تعالى فيه: وَداعِياً إِلَى اللّه بِإِذْنِهِ (٨) . __________ (١) سورة البقرة: ١٢٩. (٢) سورة المائدة: ١٦. (٣) سورة الأعراف: ١٩٩. (٤) سورة المائدة: ١٣. (٥) سورة المائدة: ١٥. (٦) سورة الأحزاب: ٤٦. (٧) سورة الشورى: ٥٢. (٨) سورة الأحزاب: ٤٦. وأما (البرهان) فقال تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ (١) قيل: هو محمد- صلى اللّه عليه وسلم-، وقيل معجزاته وقيل القرآن. وأما (النقيب) فروى أنه- صلى اللّه عليه وسلم- لما مات نقيب بنى النجار أبو أمامة أسعد بن زرارة وجد عليه- صلى اللّه عليه وسلم- ولم يجعل عليهم نقيبا بعده، و قال: أنا نقيبكم فكانت من مفاخرهم، والنقيب هو شاهد القوم وناظرهم وضمينهم. وأما (الجبار) فسمى به فى مزامير داود، فى قوله فى مزمور أربعة وأربعين. تقلد أيها الجبار سيفك، فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك، لأنه الجبار الذى جبر الخلق بالسيف على الحق، وصرفهم عن الكفر جبرا، قال القاضى عياض: وقد نفى اللّه تعالى عنه جبرية التكبر التى لا تليق به ف قال: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ (٢) . وأما (الشاهد) و (الشهيد) فسماه اللّه بهما فى قوله: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً (٣) أى على من بعثت إليهم بتصديقهم وتكذيبهم، ونجاتهم وضلالهم. وقوله: وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً (٤) روى أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء، فيطالبهم اللّه ببينة التبليغ- وهو أعلم بهم- إقامة للحجة على المنكرين، فيؤتى بأمة محمد- صلى اللّه عليه وسلم- فيشهدون، فتقول الأمم: من أين عرفتهم؟ فيقولون علمنا ذلك بإخبار اللّه فى كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق، فيؤتى بمحمد- صلى اللّه عليه وسلم- فيسأل عن حال أمته، فيشهد بعدالتهم، وهذه الشهادة وإن كانت لهم لما كان الرسول كالرقيب المهيمن على أمته عدى ب (على) وقدمت الصلة للدلالة على اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم. قاله البيضاوى. __________ (١) سورة النساء: ١٧٤. (٢) سورة ق: ٤٥. (٣) سورة الأحزاب: ٤٥. (٤) سورة البقرة: ١٤٣. وأما (الناشر) فسمى به لأنه نشر الإسلام وأظهر شرائع الأحكام. وأما (المزمل) فأصله المتزمل، فأدغمت التاء فى الزاى وسمى به، لما روى أنه- عليه الصلاة والسلام- كان يفرق من جبريل ويتزمل بالثياب أول ما جاءه، وقيل: أتاه وهو فى قطيفة، وقال السدى معناه، يا أيها النائم، قال: وكان متلفقا فى ثياب نومه، وعن ابن عباس: يعنى المتزمل بالقرآن، وعن عكرمة بالنبوة. وقيل من الزمل، بمعنى الحمل، ومنه الزاملة، أى: المتحمل بأعباء النبوة، وعلى هذا يكون التزمل مجازا. وقال السهيلى: ليس (المزمل) باسم من أسمائه يعرف به، وإنما هو مشتق من حالته التى كان التبس بها حالة الخطاب، والعرب إذا قصدت الملاطفة، بالمخاطب بترك المعاتبة نادوه باسم مشتق من حالته التى هو عليها، كقول النبى- صلى اللّه عليه وسلم- لعلى- رضى اللّه عنه- وقد نام ولصق جنبه بالتراب- قم أبا تراب إشعارا بأنه ملاطف له، فقوله: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) فيه تأنيس وملاطفة. وأما ما روى عن عائشة أنها قالت: كان متزملا مرطا طوله أربعة عشر ذراعا، نصفه على وأنا نائمة ونصفه عليه، فكذب صراح، لأن نزول يا أيها المزمل بمكة فى أول مبعثه، ودخوله بعائشة كان بالمدينة. وأما (المدثر) فأصله: المتدثر، فأدغمت التاء فى الدال. روى أنه- صلى اللّه عليه وسلم- قال: (كنت بحراء فنوديت فنظرت عن يمينى وشمالى. فلم أر شيئا فنظرت فوقى فإذا هو على عرش بين السماء والأرض) - يعنى الملك الذى ناداه- (فرعبت فرجعت إلى خديجة فقلت دثرونى دثرونى) ، فنزل جبريل و قال: يا أيها المدثر (٢) . وعن عكرمة: يا أيها المدثر بالنبوة وأثقالها قد تدثرت هذا الأمر فقم به. __________ (١) سورة المزمل: ١. (٢) صحيح: أخرجه البخارى (٤٩٢٢) فى التفسير، باب: سورة المدثر، ومسلم (١٦١) فى الإيمان، باب: بدء الوحى إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، من حديث جابر- رضى اللّه عنه-. وقيل: ناداه بالمزمل والمدثر فى أول أمره، فلما شرع خاطبه اللّه تعالى بالنبوة والرسالة. وأما (طّه) فروى النقاش (١) عنه- عليه الصلاة والسلام-: لى فى القرآن سبعة أسماء فذكر منها طّه. وقيل: هو اسم اللّه، وقيل معناه: يا رجل، وقيل: يا إنسان. وقيل: يا طاهر يا هادى يعنى النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، وهو مروى عن الواسطى، وقيل معناه: يا مطمع الشفاعة للأمة، ويا هادى الخلق إلى الملة، وقيل: الطاء فى الحساب بتسعة والهاء بخمسة وذلك أربعة عشر فكأنه قال: يا بدر، وهذه من محاسن التأويل، لكن المعتمد أنهما من أسماء الحروف. وأما (يس) فحكى أبو محمد مكى أنه روى عنه- صلى اللّه عليه وسلم- أنه قال: لى عند ربى عشرة أسماء ذكر منها (يس) . وقد قيل معناه: يا إنسان بلغة طىء، وقيل بالحبشية، وقيل بالسريانية، وأصله كما قاله البيضاوى وابن الخطيب وغيرهما: يا أنيسين: فاقتصر على شطره لكثرة النداء به وقيل ياسين. لكن تعقب بأنه لا يعلم أن العرب قالوا فى تصغيره أنيسين، وأن الذى نقل عنهم فى تصغيره أنيسيان، بياء بعدها ألف، وبأن التصغير من التحقير الممتنع فى حق النبوة لنصهم على أن التصغير لا يدخل فى الأسماء المعظمة شرعا. ويأتى مزيد بيان لذلك إن شاء اللّه تعالى فى الفصل الرابع من النوع الخامس من أنواع المقصد السادس. وعن ابن الحنفية: معناه يا محمد، وعن أبى العالية: يا رجل، وعن أبى بكر الوراق: يا سيد البشر، وعن جعفر الصادق: يا سيد مخاطبة له- عليه الصلاة والسلام-، وفيه من تعظيمه على تفسير أنه يا سيد ما فيه. وأما (الفجر) فقال ابن عطاء فى قوله تعالى: وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) الفجر محمد- صلى اللّه عليه وسلم-، لأن منه تفجر الإيمان. __________ (١) تقدم القول فيه، أنه ..... الحديث، وإن كان إماما فى القراآت. (٢) سورة الفجر: ١، ٢. وهو تأويل غريب لم ير لغيره، والصواب أنه الفجر المفسر بالصبح فى قوله تعالى: وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١) . وأما (القوى) فقال اللّه تعالى: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢) قيل محمد، وقيل جبريل- عليهما الصلاة والسلام-، وسيأتى فى المقصد السادس ما فى ذلك. وأما ما قاله ابن عطاء فى قوله: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (٣) أقسم بقوة قلب حبيبه محمد- صلى اللّه عليه وسلم- حيث حمل الخطاب والمشاهدة ولم يؤثر ذلك فيه لعلو حاله، فلا يخفى ما فيه. وأما (النجم) فعن جعفر بن محمد بن الحسين فى تفسير قوله تعالى: وَالنَّجْمِ (٤) أنه محمد- صلى اللّه عليه وسلم- إِذا هَوى إذا نزل من السماء ليلة المعراج. وحكى السلمى فى قوله: تعالى وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٥) أن النجم هنا أيضا محمد- صلى اللّه عليه وسلم-. والصحيح: أن المراد به النجم على ظاهره، وسمى به- عليه السّلام- لأنه يهتدى به فى طرق الهدى كما يهتدى بالنجم. وأما (الشمس) فسمى بها- صلى اللّه عليه وسلم- لكثرة نفعه، وعلو رفعته، وظهور شريعته، وجلالة قدره وعظم منزلته، لأنه لا يحاط بكماله، حتى لا يسع الرائى له أن ينظر إليه ملء عينيه إجلالا له، كما أن الشمس فى الرتبة أرفع من غالب الكواكب لأنها فى السماء السادسة والانتفاع بها أكثر من غيرها، كما لا يخفى، ولا يدركها البصر لكبر جرمها، وأيضا فلما كان سائر __________ (١) سورة التكوير: ١٨. (٢) سورة التكوير: ٢٠. (٣) سورة ق: ١. (٤) سورة النجم: ١. (٥) سورة الطارق: ١- ٣. الكواكب تستمد من نورها ناسب تسميته- عليه الصلاة والسلام- بها، لأن نور الأنبياء مستمد من نوره (١) . وأما (النبى) و (الرسول) فمن خصائصه- عليه الصلاة والسلام- أنه خاطبه تعالى بهما فى القرآن دون سائر أنبيائه. ثم إن النبوءة بالهمز مأخوذة من النبأ، وهو الخبر، وقد لا يهمز تسهيلا. أى أن اللّه أطلعه على غيبه وأعلمه أنه نبيه، فيكون نبيّا منبأ، أو يكون مخبرا عما بعثه اللّه به ومنبئا بما أطلعه اللّه عليه. وبغير الهمزة يكون مشتقّا من النبوة وهو ما ارتفع من الأرض، أى أن له رتبة شريفة ومكانة عند اللّه منيفة. قال الشيخ بدر الدين الزركشى فى شرح البردة. وكان نافع يقرأ: النبىء- بالهمز- فى جميع القرآن. والاختيار تركه. وهو لغة النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، وقد جاء فى الحديث أن رجلا قال: يا نبىء اللّه- يعنى بالهمز- فقال له: (لست نبىء اللّه، ولكنى نبى اللّه) (٢) فأنكر الهمز لأنه لم يكن من لغته- عليه الصلاة والسلام-. وقال الجوهرى والصاغانى: إنما أنكر لأن الأعرابى أراد: يا من خرج من مكة إلى المدينة، ي قال: نبأت من أرض إلى أرض إذا خرجت منها إلى أخرى. وتكلم جماعة من القراء فى هذا الحديث: وقد رواه الحاكم فى المستدرك عن أبى الأسود عن أبى ذر، و قال: صحيح على شرط الشيخين، وفيما قاله نظر فإن فيه حسينا الجعفى، كذا قاله بعضهم وليس من شرطهما. ورواه أبو عبيد: حدثنا محمد بن سعد عن حمزة الزيات عن حمران بن أعين أن رجلا ... الحديث، وهذا منقطع. انتهى. والرسول: إنسان بعثه اللّه إلى الخلق بشريعة مجددة يدعو الناس إليها. __________ (١) قلت: فى هذا الكلام نظر، وبخاصة أن هذا الاسم لم يثبت أصلا. (٢) أخرجه الحاكم فى (المستدرك) (٢/ ٢٥١) ، من حديث أبى ذر- رضى اللّه عنه-، وصححه، إلا أن الحافظ الذهبى تعقبه قائلا: بل ....... لم يصح. واختلف هل هما بمعنى أو بمعنيين؟ فقال بالأول قوم مستدلين بقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ (١) فأثبت لهما معا الإرسال. وعلى هذا فلا يكون النبى إلا رسولا، ولا الرسول إلا نبيّا. وقال آخرون بالثانى: وأنهما يجتمعان فى النبوة التى هى الاطلاع على الغيب والإعلام بخواص النبوة أو الرفعة بمعرفة ذلك وحوز درجتها، وافترقا فى زيادة الإرسال. وحجتهم من الآية نفسها: التفريق بين الاسمين، إذ لو كانا شيئا واحدا لما حسن تكرارهما فى الكلام البليغ، ويكون المعنى: وما أرسلنا من نبى إلى أمة، أو نبى ليس بمرسل إلى أحد. وذهب آخرون: إلى أن الرسول: من جاء بشرع مبتدأ، ومن لم يأت به نبى غير رسول وإن أمر بالإبلاغ والإنذار. والصحيح: أن كل رسول نبى، وليس كل نبى رسولا. نعم نوزع فى هذا بأنه كلام يطلقه من لا تحقيق عنده، فإن جبريل عليه الصلاة والسلام- رسول، وغيره من الملائكة المكرمين بالرسالة رسل لا أنبياء. فالانفصال عنه: بأن يقيد الفرق بين الرسول والنبى، بالرسول البشرى. ثم إن النبوة والرسالة ليستا ذاتا للنبى- صلى اللّه عليه وسلم-، ولا وصف ذات بل تخصيص اللّه إياه بذلك خلافا للكرامية. وقال القرافى، كما نقله عنه ابن مرزوق: يعتقد كثير أن النبوة مجرد الوحى، وهو باطل، لحصوله لمن ليس بنبى كمريم وليست نبية على الصحيح، مع أنه تعالى يقول: فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا (٢) الآية، وأَنَّ اللّه __________ (١) سورة الحج: ٥٢. (٢) سورة مريم: ١٧. يُبَشِّرُكَ (١) وفى مسلم: بعث اللّه تعالى ملكا لرجل على مدرجته وكان خرج فى زيارة أخ له فى اللّه تعالى، وقال له: إن اللّه يعلمك أنه يحبك لحبك لأخيك فى اللّه (٢) وليس بنبوة، لأنها عند المحققين: إيحاء اللّه لبعض بحكم إنسانى يختص به كقوله: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ (٣) فهذا تكليف يختص به فى الوقت، فهذه نبوة لا رسالة، فلما نزل قُمْ فَأَنْذِرْ (٤) كانت رسالة لتعلق هذا التكليف بغيره أيضا، فالنبى كلف بما يخص به، والرسول بذلك، وتبليغ غيره، فالرسول أخص مطلقا، انتهى. وهل نبينا- صلى اللّه عليه وسلم- رسول الآن؟ قال أبو الحسن الأشعرى (٥) : هو صلى اللّه عليه وسلم- فى حكم الرسالة، وحكم الشىء يقوم مقام أصل الشىء، ألا ترى أن العدة تدل على ما كان من أحكام النكاح، ويأتى لذلك مزيد بيان- إن شاء اللّه تعالى-. وأما (المذكر) فقال تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٦) . وأما (البشير) و (المبشر) و (النذير) و (المنذر) فقال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٧) أى مبشرا لأهل طاعته بالثواب، وقيل بالمغفرة، ونذيرا لأهل معصيته بالعذاب، وقيل: محذرا من الضلالات. __________ (١) سورة آل عمران: ٤٥. (٢) صحيح: أخرجه مسلم (٢٥٦٧) فى البر والصلة، باب: فى فضائل الحب فى اللّه، من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-. (٣) سورة العلق: ١. (٤) سورة المدثر: ٢. (٥) هو: إمام المتكلمين، أبو الحسن، على بن إسماعيل بن أبى بشر الأشعرى اليمانى البصرى، كان معتزليّا، فلما برع فيه، كرهه وتبرأ منه، ثم أخذ يرد على المعتزلة ويهتك عوراتهم، فعرف بمذهبه، ثم كان فى آخر حياته على عقيدة أهل السنة والجماعة حتى مات عليها سنة (٣٢٤ هـ) . (٦) سورة الغاشية: ٢١. (٧) سورة الأحزاب: ٤٥. وأما (المبلغ) فقال تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (١) . وأما (الحنيف) فقال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً (٢) كذا قاله بعضهم. وأما (نبى التوبة) فلأن الأمم رجعت لهدايته- عليه السّلام- بعد ما تفرقت بها الطرق إلى الصراط المستقيم. وأما (رسول الرحمة) و (نبى الرحمة) و (نبى المرحمة) فقال اللّه تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (٣) وقال تعالى: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤) . فبعثه تعالى رحمة لأمته، ورحمة للعالمين وروى البيهقى مرفوعا (إنما أنا رحمة مهداة) (٥) فرحم اللّه تعالى به الخلق مؤمنهم وكافرهم، وهذا الاسم من أخص أسمائه. وقد كان حظ آدم من رحمته سجود الملائكة له تعظيما إذ كان فى صلبه، ونوح: خروجه من السفينة سالما، وإبراهيم: كانت النار عليه بردا وسلاما إذ كان فى صلبه، فرحمته- عليه الصلاة والسلام- فى البدء والختام والدوام لما أبقى اللّه له من دعوة الشفاعة، ولما كانت نبوته رحمة دائمة مكرّرة مضاعفة اشتق له من الرحمة اسم الرحمة. وأما (نبى الملحمة والملاحم) وهى الحروب، فإشارة إلى ما بعث به من القتال والسيف، ولم يجاهد نبى وأمته قط ما جاهد- صلى اللّه عليه وسلم- وأمته، والملاحم التى وقعت وتقع بين أمته وبين الكفار لم يعهد مثلها قبله، فإن أمته يقاتلون الكفار فى الأقطار على تعاقب الأعصار حتى يقاتلون الأعور الدجال. __________ (١) سورة المائدة: ٦٧. (٢) سورة الروم: ٣٠. (٣) سورة الأنبياء: ١٠٧. (٤) سورة التوبة: ١٢٨. (٥) صحيح: أخرجه ابن سعد، والحكيم عن أبى صالح مرسلا، والحاكم فى المستدرك عنه [أى عن أبى صالح] عن أبى هريرة كما فى (صحيح الجامع) (٢٣٤٥) . وأما (صاحب القضيب) فهو السيف، كما وقع مفسرا به فى الإنجيل فال: معه قضيب من حديد يقاتل به، وأمته كذلك. وقد يحمل على أنه القضيب الممشوق الذى كان يمسكه. وأما (صاحب الهراوة) فهى فى اللغة: العصا، وقد كان- صلى اللّه عليه وسلم- يمسك فى يده القضيب كثيرا، وكان يمشى بين يديه بالعصا، وتغرز له فى الأرض فيصلى إليها، قال القاضى عياض: وأراها العصا المذكورة فى حديث الحوض: أذود الناس عنه بعصاى لأهل اليمن (١) . أى لأجلهم ليتقدموا، فلما كان- صلى اللّه عليه وسلم- راعيا للخلق سائقا لجميعهم إلى مواردهم كان صاحب الهراوة يرعى بها أهل الطواعية، وصاحب السيف يقد به من لا تزيده الحياة إلا شرّا. وأما (الضحاك) - بالمعجمة- فهو الذى يسيل دماء العدو فى الحروب لشجاعته (٢) . وأما (صاحب التاج) فالمراد به العمامة، ولم تكن حينئذ إلا للعرب، والعمائم تيجانها. وأما (صاحب المغفر) فهو- بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء- زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس، كان- صلى اللّه عليه وسلم- يلبسه فى حروبه. وأما (قدم صدق) فقال قتادة والحسن وزيد بن أسلم فى قوله تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ (٣) هو محمد- صلى اللّه عليه وسلم- يشفع لهم، وعن أبى سعيد الخدرى: هى شفاعة نبيهم محمد- صلى اللّه عليه وسلم- هو شفيع صدق عند ربهم، وعن سهل بن عبد اللّه: هى سابقة رحمة أودعها فى محمد- صلى اللّه عليه وسلم-. __________ (١) صحيح: أخرجه مسلم (٢٣٠١) فى الفضائل، باب: إثبات حوض نبينا- صلى اللّه عليه وسلم- وصفاته، من حديث ثوبان- رضى اللّه عنه-. (٢) قلت: وهو معنى بعيد، ولماذا لا يكون بمعنى الضحك فى وجوه المؤمنين، غير عابس لهم، ولا مقطب ولا غضوب، ولا فظ، كما قال ذلك ابن القيم فى (زاد المعاد) (١/ ٩٦) . (٣) سورة يونس: ٢. وأما (نعمة اللّه) فقال سهل فى قوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّه لا تُحْصُوها (١) قال: نعمته بمحمد- صلى اللّه عليه وسلم-، و قال: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّه ثُمَّ يُنْكِرُونَها (٢) . يعنى يعرفون أن محمدا نبى ثم يكذبونه، وهذا مروى عن مجاهد والسدى وقال به الزجاج (٣) . وأما (الصراط المستقيم) فقال أبو العالية والحسن البصرى فى تفسير سورة الفاتحة: هو رسول اللّه وخيار أهل بيته وأصحابه. حكى الماوردى ذلك فى تفسير صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (٤) عن عبد الرحمن بن زيد. وأما (العروة الوثقى) فحكى أبو عبد الرحمن السلمى عن بعضهم فى تفسير قوله تعالى: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى (٥) الآية، أنه محمد- صلى اللّه عليه وسلم-. وأما (ركن المتواضعين) فلأنه عمادهم، وقد ظهر عليه- صلى اللّه عليه وسلم- من التواضع ما لم يظهر على غيره، فكان يرقع القميص، ويخصف النعل، ويقم البيت. ووقع فيما ترجموه من كتاب شعياء مما يدل صريحا فى البشارة برسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: ولا يميل إلى الهوى، ولا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة ال.....ة بل يقوى الصديقين، وهو ركن المتواضعين، وهو نور اللّه الذى لا يطفأ. وأما (قثم) و (قثوم) - بالقاف والمثلاثة- ففسره القاضى عياض بالجامع للخير، وقال ابن الجوزى مشتق من القثم، وهو الإعطاء ي قال: قثم له من العطاء يقثم، إذا أعطاه، وقد كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أعظم الخلق ندى وأسخاهم يدا. __________ (١) سورة النحل: ١٨. (٢) سورة النحل: ٨٣. (٣) هو: نحوى زمانه، أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن السّرى الزجاج البغدادى، له (معانى القرآن) وغير ذلك، مات سنة (٣١١ هـ) . (٤) سورة الفاتحة: ٦. (٥) سورة البقرة: ٢٥٦. وأما (البارقليط) و (الفارقليط) - بالموحدة. وبالفاء بدلها، وفتح الراء والقاف. وبسكون الراء مع فتح القاف. وفتح الراء مع سكون القاف. وبكسر الراء وسكون القاف غير منصرف للعجمة والعلمية- فوقع فى إنجيل يوحنا، ومعناه: روح الحق. وقال ثعلب (١) الذى يفرق بين الحق والباطل، وفى نهاية ابن الأثير، فى صفته- عليه السّلام-، أن اسمه فى الكتب السالفة (فارق ليطا) أى يفرق بين الحق والباطل، قال: ومنه الحديث: محمد فرق بين الناس، أى يفرق بين المؤمنين والكافرين بتصديقه وتكذيبه. وأما (حمطايا) - فبفتح الحاء المهملة وسكون الميم- قال الهروى: أى حامى الحرم، وقال ابن الأثير فى حديث كعب أنه قال فى أسماء النبى صلى اللّه عليه وسلم- فى الكتب السالفة: محمد وأحمد وحمياطا- يعنى بالحاء المهملة ثم ميم ساكنة فمثناة تحتية فألف فطاء مهملة فألف-. قال أبو عمرو: سألت بعض من أسلم من اليهود عنه فقال: معناه يحمى الحرم من الحرام، ويوطئ الحلال. وأما (أحيد) - وهو بهمزة مضمومة ثم حاء مهملة مكسورة ثم مثناة تحتية ساكنة ثم دال مهملة. كذا وجدته فى بعض نسخ الشفاء المعتمدة. والمشهور ضبطه بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وبفتح المثناة التحتية، وفى نسخة بفتحها وكسر الحاء وسكون المثناة- فقال النووى فى كتابه تهذيب الأسماء واللغات: عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: (اسمى فى القرآن محمد، وفى الإنجيل أحمد، وفى التوراة أحيد، وإنما سميت أحيد لأنى أحيد عن أمتى نار جهنم) (٢) . وأما (المنحمنا) وهو بضم الميم وسكون النون وفتح الحاء المهملة وكسر الميم وتشديد النون الثانية المفتوحة، مقصور، وضبطه بعضهم بفتح الميمين، فمعناه بالسريانية محمد. __________ (١) هو: إمام النحو، أبو العباس، أحمد بن يحيى بن يزيد الشيبانى، مولاهم البغدادى، صاحب (الفصيح والتصانيف) ، مات سنة (٢٩١ هـ) . (٢) انظر (تذكرة ال.......ات) للفتنى (٨٦) و (الفوائد المجموعة) للشوكانى (٣٥٩) . وأما (المشفح) - وهو بضم الميم وبالشين المعجمة وبالفاء المشددة المفتوحتين ثم حاء مهملة، وروى بالقاف بدل الفاء- ففى كتاب شعيا فى البشارة به- عليه السّلام-: يفتح العيون العور، والآذان الصم ويحيى القلوب، وما أعطيه لا أعطيه أحدا، مشفع يحمد اللّه حمدا جديدا، وهو بلغتهم السريانية الحمد. وأما (مقيم السنة) ففى كتاب الشفاء: قال داود- عليه الصلاة والسلام-: اللّهم ابعث لنا محمدا يقيم السنة بعد الفترة. وأما (المبارك) فمبدأ الكون ونماؤه كائن من بركته المستمدة من بركة اللّه، ومن كمال بركته نبع الماء من بين أصابعه، وتكثير الطعام القليل ببركته حتى أشبع الجيش الكثير، وغير ذلك مما لمسه أوباشره، كما سيأتى ذلك- إن شاء اللّه تعالى- فى مقصد معجزاته. وأما (المكين) فهو- صلى اللّه عليه وسلم- المكين بعلو مكانته عند ربه تعالى، ومن ذلك أن قرن سبحانه ذكره بذكره فما أذن باسم أحد سواه، ولا قرن اسم أحد مع اسمه إلا إياه، فأعلن له فى السابقة على ساق العرش وأذن به فى اللاحقة على منار الإيمان. وأما (الأمى) فهو من أخص أسمائه، وقال تعالى: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا (١) ، فهو تعالى يقرئه ما كتبه بيده، وما خطته أقلامه العلمية فى ألواح قدسه الأقدسية، فيغنيه بذلك عن أن يقرأ ما تكتب الخلق. وأما (المكى) فقد كان بداية ظهوره- عليه الصلاة والسلام- فى الأرض فى مكة، التى هى حرم اللّه، وهى مدد البركة ومنشأ الهدى، فهو- صلى اللّه عليه وسلم- مكى الإقامة ومبدأ النبوة، ومكى الإعادة، وكان من آية ذلك توجيه لها حيثما توجه، فهو- صلى اللّه عليه وسلم- المكى الذى لم يبرح وجودا وقصدا، والمرء __________ (١) سورة الشورى: ٥٢. حيث قصده لا حيث جسمه، حتى كان من شرعه أن يوجه الميت للكعبة. ومن أومأ لشىء فهو لما أومأ إليه، ولذلك صحت الصلاة إيماء. وأما (المدنى) فلأن المدينة دار هجرته وإقامته لا رحلة له عنها، وخصت تربتها بأن ضمت أعضاءه المقدسة. وأما (عبد الكريم) فذكر الحسين بن محمد الدامغانى فى كتابه (شوق العروس وأنس النفوس) نقلا عن كعب الأحبار أنه قال: اسم النبى- صلى اللّه عليه وسلم- عند أهل الجنة عبد الكريم، وعند أهل النار عبد الجبار، وعند أهل العرش عبد الحميد، وعند سائر الملائكة عبد المجيد، وعند الأنبياء عبد الوهاب، وعند الشياطين عبد القهار، وعند الجن عبد الرحيم، وفى الجبال عبد الخالق، وفى البر عبد القادر وفى البحر عبد المهيمن، وعند الحيتان عبد القدوس، وعند الهوام عبد الغياث، وعند الوحوش عبد الرزاق، وعند السباع عبد السلام، وعند البهائم عبد المؤمن، وعند الطيور عبد الغفار، وفى التوراة موذ موذ، وفى الإنجيل طاب طاب، وفى الصحف عاقب، وفى الزبور فاروق، وعند اللّه طه ويس، وعند المؤمنين محمد-صلى اللّه عليه وسلم-، وكنيته أبو القاسم لأنه يقسم الجنة بين أهلها (١) . وأما (عبد اللّه) فسماه اللّه تعالى به فى أشرف مقاماته فقال: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (٢) . وقال: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (٣) . وقال: الْحَمْدُ للّه الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ (٤) . فذكره بالعبودية فى مقام إنزال الكتاب عليه والتحدى بأن يأتوا بمثله. وقال تعالى: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللّه يَدْعُوهُ (٥) فذكره فى مقام __________ (١) ........ (٢) سورة البقرة: ٢٣. (٣) سورة الفرقان: ١. (٤) سورة الكهف: ١. (٥) سورة الجن: ١٩. الدعوة إليه، وقال تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا (١) ، و قال: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ (٢) ولو كان له اسم أشرف منه لسماه به فى تلك الحالات العلية. ولما رفعه اللّه تعالى إلى حضرته السنية، ورقاه إلى أعلى المعالى العلوية، ألزمه- تشريفا له- اسم العبودية، وقد كان- صلى اللّه عليه وسلم- يجلس للأكل جلوس العبد، وكان يتخلى عن وجوه الترفعات كلها فى ملبسه ومأكله ومبيته ومسكنه إظهارا لظاهر العبودية فيما يناله العيان، صدقا عما فى باطنه من تحقيق العبودية لربه تحقيقا لمعنى وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ (٣) . ولما خير بين أن يكون نبيّا ملكا، أو نبيّا عبدا، اختار أن يكون نبيّا عبدا، فاختار ما هو الأتم، وكان- صلى اللّه عليه وسلم- يقول كما فى الصحيح: (لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى، ولكن قولوا عبد اللّه ورسوله) (٤) فاستثبت ما هو ثابت له، وأسلم للّه ما هو له لا لسواه، وليس للعبد إلا اسم العبد، ولذا كان (عبد اللّه) أحب الأسماء إلى اللّه تعالى. __________ (١) سورة الإسراء: ١. (٢) سورة النجم: ١٠. (٣) سورة الزمر: ٣٣. (٤) صحيح: أخرجه البخارى (٣٤٤٥) فى أحاديث الأنبياء، باب: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها، من حديث عمر- رضى اللّه عنه-. الفصل الثانى فى ذكر أولاده الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلاماعلم أن جملة ما اتفق عليه منهم ستة: القاسم وإبراهيم، وأربع بنات: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، وكلهن أدركن الإسلام وهاجرن معه. واختلف فيما سوى هؤلاء: فعند ابن إسحاق: الطاهر والطيب أيضا فتكون على هذا ثمانية، أربعة ذكور وأربع إناث. وقال الزبير بن بكار (١) : كان له- صلى اللّه عليه وسلم- سوى إبراهيم والقاسم عبد اللّه، مات صغيرا بمكة، ويقال له: الطيب والطاهر، ثلاثة أسماء. وهو قول أكثر أهل النسب، قاله أبو عمر، وقال الدار قطنى: هو الأثبت. وسمى عبد اللّه بالطيب والطاهر لأنه ولد بعد النبوة. فعلى هذا تكون جملتهم سبعة، ثلاثة ذكور. وقيل: عبد اللّه غير الطيب والطاهر، حكاه الدار قطنى وغيره. فتكون جملتهم على هذا تسعة خمسة ذكور. وقيل: كان له الطيب والمطيب، ولدا فى بطن، والطاهر والمطهر، ولدا فى بطن، ذكره صاحب الصفوة، فيكونون على هذا أحد عشر. وقيل: ولد له ولد قبل المبعث يقال له عبد مناف، فيكونون على هذا اثنى عشر. وكلهم سوى هذا ولد فى الإسلام بعد المبعث. وقال ابن إسحاق: كلهم غير إبراهيم قبل الإسلام. ومات البنون قبل الإسلام وهم يرتضعون، وقد تقدم من قول غيره أن عبد اللّه ولد بعد النبوة ولذلك سمى بالطيب والطاهر. __________ (١) هو: الحافظ النسابة، قاضى مكة وعالمها، أبو عبد اللّه بن أبى بكر، بكار بن عبد اللّه القرشى الأسدى الزبيرى المدنى المكى، كان عالما بالنسب وأخبار المتقدمين، مات سنة (٢٥٦ هـ) . فتحصل من جميع الأقوال ثمانية ذكور: اثنان متفق عليهما: القاسم وإبراهيم، وستة مختلف فيهم: عبد مناف، وعبد اللّه، والطيب والمطيب، والطاهر، والمطهر. والأصح أنهم ثلاثة ذكور والأربع بنات متفق عليهن وكلهم من خديجة بنت خويلد إلا إبراهيم. فأما القاسم فهو أول ولد ولد له- عليه الصلاة والسلام- قبل النبوة، وبه كان يكنى. وعاش حتى مشى، وقيل عاش سنتين، وقال مجاهد مكث سبع ليال، وخطأه الغلابى فى ذلك و قال: الصواب أنه عاش سبعة عشر شهرا. وقال ابن فارس: بلغ ركوب الدابة ومات قبل المبعث. وفى مستدرك الفريانى ما يدل على أنه توفى فى الإسلام. وهو أول من مات من ولده- عليه الصلاة والسلام-. وأما زينب فهى أكبر بناته بلا خلاف إلا ما لا يصح، وإنما الخلاف فيها وفى القاسم أيهما ولد أولا. وعند ابن إسحاق أنها ولدت فى سنة ثلاثين من مولد النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، وأدركت الإسلام، وهاجرت، وماتت سنة ثمان من الهجرة عند زوجها- وابن خالتها- أبى العاص لقيط وقيل مهشم بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس. وكانت هاجرت قبله وتركته على شركه، وردها النبى- صلى اللّه عليه وسلم- إليه بالنكاح الأول بعد سنتين، وقيل بعد ست سنين وقيل قبل انقضاء العدة، فيما ذكره ابن عقبة. وفى حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ردها له بنكاح جديد سنة سبع. وولدت له عليّا مات صغيرا وقد ناهز الحلم، وكان رديف النبى- صلى اللّه عليه وسلم- على ناقته يوم الفتح، وولدت له أيضا أمامة التى حملها- صلى اللّه عليه وسلم- فى صلاة الصبح على عاتقه، وكان إذا ركع وضعها وإذا رفع رأسه من السجود أعادها (١) ، وتزوجها على بن أبى طالب بعد موت فاطمة. وأما رقية فولدت سنة ثلاث وثلاثين من مولده- صلى اللّه عليه وسلم-. وذكر الزبير بن __________ (١) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (٥١٦) فى الصلاة، باب: إذا حمل جارية صغيرة على عنقه فى الصلاة، ومسلم (٥٤٣) فى المساجد، باب: جواز حمل الصبيان فى الصلاة، من حديث أبى قتادة- رضى اللّه عنه-. بكار وغيره أنها أكبر بناته- صلى اللّه عليه وسلم- وصححه الجرجانى النسابة. والأصح الذى عليه الأكثرون كما تقدم، أن زينب أكبرهن. وكانت رقية تحت عتبة بن أبي لهب، وأختها أم كلثوم تحت أخيه عتيبة، فلما نزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ (١) قال لهما أبوهما- أبو لهب- رأسى من رأسكما حرام إن لم تفارقا ابنتى محمد، ففارقاهما ولم يكونا دخلا بهما. فتزوج عثمان بن عفان رقية بمكة، وهاجر بها الهجرتين إلى أرض الحبشة، وكانت ذات جمال رائع. وذكر الدولابى أن تزويجه بها كان فى الجاهلية، وذكر غيره ما يدل على أنه كان بعد إسلامه. وتوفيت والنبى- صلى اللّه عليه وسلم- ببدر. وعن ابن عباس: لما عزى- صلى اللّه عليه وسلم- برقية قال: (الحمد للّه، دفن البنات من المكرمات) (٢) أخرجه الدولابى. وأما أم كلثوم فلا يعرف لها اسم، إنما تعرف بكنيتها، وكانت تحت عتيبة بن أبى لهب- كما قدمته- ففارقها قبل الدخول. ويروى أن عتيبة لما فارق أم كلثوم جاء إلى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فقال: كفرت بدينك، وفارقت ابنتك، لا تحبنى ولا أحبك. ثم سطا عليه وشق قميصه وهو خارج نحو الشام تاجرا. فقال- صلى اللّه عليه وسلم-: (أما إنى أسأل اللّه أن يسلط عليك كلبه)وفى رواية: ( اللّهم سلط عليه كلبا من كلابك) وأبو طالب حاضر فوجم لها و قال: ما كان أغناك عن دعوة ابن أخى، فخرج فى تجر من قريش حتى نزلوا مكانا من الشام يقال له الزرقاء ليلا، فأطاف بهم الأسد تلك الليلة فجعل عتيبة يقول: يا ويل أمى، وهو واللّه آكلى، كما دعا على محمد، أقاتلى ابن أبى كبشة وهو بمكة وأنا بالشام، فعدا عليه الأسد من بين القوم فأخذ برأسه ففدغه. وفى رواية: فجاء الأسد فجعل يتشمم وجوههم، ثم ثنى ذنبه فوثب فضربه ضربة واحدة فخدشه، فقال: قتلنى ومات. وفى __________ (١) سورة المسد: ١. (٢) أخرجه الطبرانى فى الكبير عن ابن عباس كما فى (..... الجامع) (٢٧٩٢) ، والخطيب البغدادى عن ابن عمر، كما فى (..... الجامع) (٢٩٩٠) . رواية: أن الأسد أقبل يتخطاهم حتى أخذ برأس عتيبة ففدغه (١) ، ذكره الدولابى. ولما توفيت رقية خطب عثمان ابنة عمر حفصة فرده (٢) ، فبلغ ذلك النبى صلى اللّه عليه وسلم- فقال: يا عمر، أدلك على خير لك من عثمان، وأدل عثمان على خير له منك؟ قال: نعم يا نبى اللّه، قال: تزوجنى ابنتك، وأزواج عثمان ابنتى، خرجه الخجندى. وكان تزويج عثمان بأم كلثوم سنة ثلاث من الهجرة. وروى أنه- صلى اللّه عليه وسلم- قال له: (والذى نفسى بيده لو أن عندى مائة بنت يمتن واحدة بعد واحدة، زوجتك أخرى بعد أخرى، هذا جبريل أخبرنى أن اللّه يأمرنى أن أزوجكها) (٣) . رواه الفضائلى. وماتت أم كلثوم سنة تسع من الهجرة، وصلى عليها- صلى اللّه عليه وسلم- ونزل فى حفرتها على والفضل وأسامة بن زيد. وفى البخارى (جلس- صلى اللّه عليه وسلم- على القبر وعيناه تذرفان و قال: (هل فيكم أحد لم يقارف الليلة) فقال أبو طلحة: أنا، فقال: (انزل قبرها) فنزل) (٤) . وقد روى نحو ذلك فى رقية، وهو وهم، فإنه- صلى اللّه عليه وسلم- لم يكن حال دفنها حاضرا، بل كان فى غزوة بدر كما قدمته. وغسلتها أسماء بنت عميس، وصفية بنت عبد المطلب، وشهدت أم عطية غسلها، وروت قوله- صلى اللّه عليه وسلم-: (اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك، بماء وسدر، واجعلن فى الآخرة كافورا، فإذا __________ (١) أخرجه ابن عساكر كما فى (كنز العمال) (٣٥٥٠٦) . (٢) قلت: الذى فى الصحيح أن حفصة لما تأيمت بوفاة زوجها عرضها أبوها عمر على عثمان، وليس العكس، والخبر أخرجه البخارى (٥١٢٩) فى النكاح، باب: من قال لا نكاح إلا بولى. (٣) أخرجه ابن عساكر بنحوه كما فى (كنز العمال) (٣٦١٩٩ و ٣٦٢٠٠) . (٤) صحيح: أخرجه البخارى (١٣٤٢) فى الجنائز، باب: من يدخل قبر المرأة، من حديث أنس- رضى اللّه عنه-، ودون تعيين اسم المتوفاة. فرغتن فاذننى) فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه و قال: (أشعرنها إياه) قالت ومشطناها ثلاثة قرون وألقيناها خلفها (١) . و (الحقو) : الإزار، و (أشعرنها) أى اجعلناه شعارها الذى يلى جسدها، وذلك هو الشعار وما فوقه الدثار. وأما فاطمة الزهراء البتول فولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبى صلى اللّه عليه وسلم-، قاله أبو عمر، وهو مغاير لما رواه ابن إسحاق: أن أولاده- صلى اللّه عليه وسلم- كلهم ولدوا قبل النبوة إلا إبراهيم، وقال ابن الجوزى: ولدت قبل النبوة بخمس سنين، أيام بناء البيت. وروى مرفوعا: (إنما سميت فاطمة، لأن اللّه قد فطمها وذريتها عن النار يوم القيامة) أخرجه الحافظ الدمشقى. وروى الغسانى والخطيب مرفوعا: (لأن اللّه فطمها ومحبيها عن النار) (٢) . وسميت بتولا لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسبا، وقيل: لانقطاعها عن الدنيا إلى اللّه، قاله ابن الأثير. وتزوجت بعلى بن أبى طالب فى السنة الثانية، وقيل بعد أحد، وقيل بعد بنائه- عليه السّلام- بعائشة بأربعة أشهر ونصف، وبنى بها بعد تزويجها بسبعة أشهر ونصف، وقيل فى صفر فى السنة الثانية، وبنى بها فى ذى الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا. وكان تزويجها بأمر اللّه ووحيه. وتزوجت ولها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف ولعلى إحدى وعشرون سنة وخمسة أشهر، وقيل غير ذلك. وتقدم مزيد لذلك فى المغازى والسير من المقصدالأول. __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (١٢٥٣) فى الجنائز، باب: غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر، ومسلم (٩٣٩) فى الجنائز، باب: فى غسل الميت. (٢) أخرجه الخطيب البغدادى عن ابن عباس كما فى (كنز العمال) (٣٤٢٢٦) ، والديلمى عن أبى هريرة، كما فى (كنز العمال) (٣٤٢٢٧) ، وانظر (ال.......ات) لابن الجوزى (١/ ٤٢١) . قال أبو عمر: وفاطمة وأم كلثوم أفضل بنات النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، وكانت فاطمة أحب أهله إليه- صلى اللّه عليه وسلم-، وكان يقبلها فى فيها ويمصها لسانه، وإذا أراد سفرا يكون آخر عهده بها، وإذا قدم أول ما يدخل عليها. وقال- صلى اللّه عليه وسلم-: (فاطمة بضعة منى فمن أغضبها أغضبنى) (١) رواه البخارى. وقال لها: (أما ترضين أن تكونى سيدة نساء المؤمنين) (٢) رواه مسلم، وفى رواية أحمد (أفضل نساء أهل الجنة) (٣) . وتوفيت بعده- صلى اللّه عليه وسلم- بستة أشهر، ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة، وهى ابنة تسع وعشرين سنة، قاله المدينى. وقيل توفيت بعده بثمانية أشهر وقيلغير ذلك، والأول أصح كذا قالوه فيما رأيته، وهو غير منتظم مع السابق فليتأمل. وروى أنها قالت لأسماء بنت عميس: إنى قد استقبحت ما يصنع بالنساء أن يطرح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت أسماء: يا بنت رسول اللّه ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة، فدعت بجرائد رطبة، فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا، فقالت فاطمة ما أحسن هذا، تعرف به المرأة من الرجل، فإذا أنا مت فاغسلينى أنت وعلى، ولا يدخل على أحد، الحديث خرجه أبو عمر. وفى حديث أم رافع سلمى أنها لما اشتكت اغتسلت ولبست ثيابا جددا واضطجعت فى وسط البيت، ووضعت يدها اليمنى تحت خدها، ثم استقبلت القبلة و قالت: إنى مقبوضة الآن فلا يكشفنى أحد ولا يغسلنى، ثم قبضت مكانها، ودخل على فأخبر بالذى قالت، فاحتملها فدفنها بغسلها __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٣٧١٤) فى المناقب، باب: مناقب قرابة رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ومنقبة فاطمة- عليها السلام-، ومسلم (٢٤٤٩) فى فضائل الصحابة، باب: فضائل فاطمة بنت النبى- عليهما الصلاة والسلام-، من حديث المسور بن مخرمة- رضى اللّه عنه-. (٢) صحيح: أخرجه البخارى (٣٦٢٤) فى المناقب، باب: علامات النبوة فى الإسلام، ومسلم (٢٤٢٠) فى فضائل الصحابة، باب: فضائل فاطمة بنت النبى- عليهما الصلاة والسلام-، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-. (٣) أخرجه أحمد فى (المسند) (١/ ٢٩٣) من حديث ابن عباس- رضى اللّه عنهما-. ذلك، ولم يكشفها ولا غسلها أحد. رواه أحمد فى المناقب والدولابى وهذا لفظه مختصرا، وهو مضاد لخبر أسماء المتقدم. قال أبو عمر: فاطمة أول من غطى نعشها من النساء على الصفة المذكورة فى خبر أسماء المتقدم، ثم بعدها زينب بنت جحش صنع بها ذلك أيضا. وولدت لعلى: حسنا وحسينا ومحسنا، فمات محسن صغيرا، وأم كلثوم وزينب. ولم يكن لرسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- عقب إلا من ابنته فاطمة- رضى اللّه عنها- فانتشر نسله الشريف منها من جهة السبطين الحسن والحسين فقط. ويقال للمنسوب لأولهما: حسنى، ولثانيهما: حسينى. وقد يضم للحسينى من يكون من ذرية إسحاق بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين على بن الحسين بن على بن أبى طالب الإسحاقى، في قال: الحسينى الإسحاقى. وإسحاق هذا، هو زوج السيدة نفيسة ابنة الحسن بن زيد بن الحسن بن على، وله منها: القاسم وأم كلثوم ولم يعقبا. وتزوج عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت فاطمة، فولدت له: زيدا ورقية، ولم يعقبا ثم تزوجت أم كلثوم بعد موت عمر بعون بن جعفر، ثم تزوجت بعد وفاته بأخيه محمد بن جعفر ثم مات عنها فتزوجت بأخيهما عبد اللّه بن جعفر ثم ماتت عنده ولن تلد لواحد من الثلاثة سوى للثانى ابنة صغيرة فليس لها عقب. ثم تزوج عبد اللّه بن جعفر أختها زينب بنت فاطمة، فولدت له عدة من الأولاد، منهم: على وأم كلثوم. وتزوج أم كلثوم- هذه- ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر بن أبى طالب فولدت له عدة من الأولاد منهم: فاطمة زوج حمزة بن عبد اللّه بن الزبير بن العوام، وله منها عقب. وبالجملة: فعقب عبد اللّه بن جعفر انتشر من على وأخته أم كلثوم ابنى زينب بنت الزهراء. ويقال لكل من ينتسب لهؤلاء جعفرى، ولا ريب أن لهؤلاء شرفا. وأما الجعافرة المنسوبون لعبد اللّه بن جعفر فلهم أيضا شرف، لكنه يتفاوت، فمن كان من ولده من زينب بنت الزهراء فهم أشرف من غيرهم، مع كونهم لا يوازون شرف المنسوبين للحسن والحسين لمزيد شرفهما، وكذا يوصف العباسيون بالشرف لشرف بنى هاشم. قال الحافظ ابن حجر فى الألقاب: وقد لقب به. يعنى بالشريف- كل عباسى ببغداد وعلوى بمصر. وفى شيوخ ابن الرفعة شخص يقال له الشريف العباسى. وأما عبد اللّه ابن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فقيل مات صغيرا بمكة، فقال العاصى ابن وائل: قد انقطع ولده فهو أبتر، فأنزل اللّه تعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (١) . واختلف: هل ولد قبل النبوة أو بعدها؟ وهل هو الطيب والطاهر؟ والصحيح: أنهما لقبان له، كما تقدم. وأما إبراهيم فمن مارية القبطية، وسيأتى ذكرها فى سراريه- عليه السّلام- إن شاء اللّه تعالى فى الفصل التالى لهذا فى أمهات المؤمنين. وولد فى ذى الحجة سنة ثمان من الهجرة، وقيل ولد بالعالية، ذكره الزبير بن بكار، وكانت سلمى زوج أبى رافع مولاة رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- قابلته، فبشر أبو رافع به النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فوهب له عبدا، وعق عنه يوم سابعه بكبشين، وحلق رأسه أبو هند، وسماه النبى- صلى اللّه عليه وسلم- يومئذ، وتصدق بزنة شعره ورقا على المساكين، ودفنوا شعره فى الأرض. وفى البخارى: من حديث أنس بن مالك، أنه- صلى اللّه عليه وسلم- قال: __________ (١) سورة الكوثر: ٣. (ولد لى الليلة غلام سميته باسم أبى إبراهيم) ثم دفعه إلى أم سيف، امرأة قين بالمدينة يقال له أبو سيف (١) ، الحديث، وفيه: أنه بقى عندها إلى أن مات، والقين: الحداد. ويجمع بينهما: بأن التسمية كانت قبل السابع، كما فى حديث أنس هذا ثم ظهرت فيه، وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده- عند الترمذى مرفوعا- أنه أمر بتسمية المولود يوم سابعه(٢) ، فيحمل على أنها لا تؤخر عن السابع، لا أنها لا تكون إلا فيه، بل هى مشروعة من الولادة إلى السابع. قال الزبير بن بكار: وتنافست الأنصار فيمن ترضع إبراهيم- عليه السّلام-، فإنهم أحبوا أن يفرغوا مارية له- عليه السّلام-، فأعطاه لأم بردة بنت المنذر بن زيد الأنصارى، زوجه البراء بن أوس، فكانت ترضعه بلبن ابنها فى بنى مازن بن النجار وترجع به إلى أمه. وأعطى- صلى اللّه عليه وسلم- أمه بردة قطعة نخل. وقد تقدم أنه أعطاه أم سيف وبقى عندها إلى أن مات، فيحتمل أن يكون أعطاه أولا أم بردة ثم أعطاه أم سيف وبقى عندها إلى أن توفى، لكن قد روى أنه توفى عند أم بردة، فيرجع فى الترجيح إلى الصحيح. وعن أنس بن مالك قال: ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم-، كان إبراهيم مسترضعا فى عوالى المدينة فكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت وكان ظئره قينا، فيأخذ فيقبله ثم يرجع. الحديث رواه أبو حاتم. وفى حديث جابر: أخذ- صلى اللّه عليه وسلم- بيد عبد الرحمن بن عوف، فأتى به النخل فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه، فأخذه- صلى اللّه عليه وسلم- فوضعه فى حجره ثم __________ (١) صحيح: أخرجه أبو داود (٣١٢٦) فى الجنائز، باب: فى البكاء على الميت، وأصل الحديث عند البخارى (١٣٠٣) فى الجنائز، ومسلم (٢٣١٥) فى الفضائل. (٢) حسن: أخرجه الترمذى (٢٨٣٢) فى الأدب، باب: ما جاء فى تعجيل اسم المولود، وقال الترمذى: هذا حديث حسن غريب، وهو كما قال. ذرفت عيناه، ثم قال: (إنا بك يا إبراهيم لمحزنون، تبكى العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب) (١) خرجه بهذا السياق أبو عمرو بن السماك، ومعناه فى الصحيح. وتوفى وله سبعون يوما- فيما ذكره أبو داود- فى ربيع الأول يوم الثلاثاء لعشر خلون منه، وقيل: بلغ ستة عشر شهرا وثمانية أيام، وقيل: سنة وعشرة أشهر وستة أيام. وحمل على سرير صغير، وصلى عليه النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بالبقيع و قال: (ندفنه عند فرطنا عثمان بن مظعون) . وروى أن عائشة قالت: دفنه- صلى اللّه عليه وسلم- ولم يصل عليه، فيحتمل أن يكون لم يصل عليه بنفسه وأمر أصحابه أن يصلوا عليه، أو لم يصل عليه فى جماعة. وروى أن الذى غسله أبو بردة، وروى الفضل بن العباس، ولعلهما اجتمعا عليه. ونزل قبره الفضل وأسامة. والنبى- صلى اللّه عليه وسلم- على شفير القبر، ورش قبره وعلم بعلامة. قال الزبير: وهو أول قبر رش. وانكسفت الشمس يوم موته فقال الناس: إنما كسفت لموت إبراهيم، فقال- صلى اللّه عليه وسلم-: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللّه، لا ينكسفان لموت أحد) (٢) رواه الشيخان: قيل: الغالب أن الكسوف يكون يوم الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين، فكسفت يوم موت إبراهيم فى العاشر، فلذلك قالوا: كسفت لموته. __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (١٣٠٣) فى الجنائز، باب: قول النبى- صلى اللّه عليه وسلم-: إنا بك لمحزونون، ومسلم (٢٣١٥) فى الفضائل، باب: رحمته- صلى اللّه عليه وسلم- الصبيان والعيال، من حديث أنس- رضى اللّه عنه-. (٢) صحيح: أخرجه البخارى (١٠٤١) فى الجمعة، باب: الصلاة فى كسوف الشمس، ومسلم (٩١١) فى الكسوف، باب: ذكر النداء بصلاة الكسوف الصلاة جامعة، من حديث أبى مسعود الأنصارى. وقال- صلى اللّه عليه وسلم-: (إن له مرضعا فى الجنة) (١) رواه ابن ماجه. وقد روى من حديث أنس بن مالك أنه قال: (لو بقى- يعنى إبراهيم ابن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- لكان نبيّا، ولكن لم يبق لأن نبيكم آخر الأنبياء) (٢) أخرجه أبو عمر. قال الطبرى: وهذا إنما يقوله أنس عن توقيف يخص إبراهيم، وإلا فلا يلزم أن يكون ابن النبى نبيّا، بدليل ابن نوح- عليه السّلام-. وقال النووى فى تهذيب الأسماء واللغات: وأما ما روى عن بعض المتقدمين: لو عاش إبراهيم لكان نبيّا فباطل وجسارة على الكلام على المغيبات، ومجازفة وهجوم على عظيم. انتهى. قال شيخنا فى كتابه (المقاصد الحسنة) : ونحوه قول ابن عبد البر فى تمهيده: لا أدرى ما هذا، فقد ولد نوح غير نبى، ولو لم يلد النبى إلا نبيّا لكان كل أحد نبيّا، لأنهم من ولد نوح. انتهى. قال الحافظ ابن حجر: ولا يلزم من الحديث المذكور ما ذكره الطبرى لما لا يخفى، وكأنه سلف النووى، وقال أيضا عقب كلام النووى: إنه عجيب من وروده عن ثلاثة من الصحابة، قال: وكأنه لم يظهر له وجه تأويله، فقال فى إنكاره ما قال. وجوابه: أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع، ولا يظن بالصحابى الهجوم على مثل هذا بالظن. قال شيخنا: والطرق الثلاثة: أحدها: ما أخرجه ابن ماجه وغيره من حديث ابن عباس: لما مات __________ (١) صحيح: أخرجه ابن ماجه (١٥١١) فى الجنائز، باب: ما جاء فى الصلاة على ابن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، وذكر وفاته، من حديث ابن عباس- رضى اللّه عنهما-، وهو عند البخارى (٢٢٥٠) فى بدء الخلق، باب: ما جاء فى صفة الجنة، من حديث البراء- رضى اللّه عنه-. (٢) صحيح: أخرجه أحمد فى (مسنده) (٣/ ١٣٣) . إبراهيم ابن النبى- صلى اللّه عليه وسلم-، صلى عليه و قال: (إن له مرضعا فى الجنة، لو عاش لكان صديقا نبيّا، ولو عاش لأعتقت أخواله من القبط، وما استرق قبطى) (١) . وفى سنده أبو شيبة إبراهيم بن عثمان الواسطى، وهو .....، ومن طريقه أخرجه ابن منده فى المعرفة و قال: إنه غريب. ثانيها: ما رواه إسماعيل السدى عن أنس قال: كان إبراهيم قد ملأ المهد، ولو بقى لكان نبيّا، الحديث. ثالثها: ما عند البخارى من طريق محمد بن بشر عن إسماعيل بن أبى خالد قال: قلت لعبد اللّه بن أبى أوفى: (رأيت إبراهيم ابن النبى- صلى اللّه عليه وسلم-؟ قال: مات صغيرا،. ولو قضى بعد محمد نبى عاش ابنه إبراهيم، ولكن لا نبى بعده) (٢) . وأخرجه أحمد عن وكيع عن إسماعيل سمعت ابن أبى أوفى يقول: لو كان بعد النبى- صلى اللّه عليه وسلم- نبى ما مات ابنه (٣) . انتهى. __________ (١) بهذا المقام: أخرجه ابن ماجه (١٥١١) ، وقد تقدم قبل حديثين. (٢) صحيح: أخرجه البخارى (٦١٩٤) فى الأدب، باب: من سمى بأسماء الأنبياء. (٣) أخرجه أحمد فى المسند) (٤/ ٣٥٣) . الفصل الثالث فى ذكر أزواجه الطاهرات وسراريه المطهراتقال اللّه تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ (١) . أى أزواجه- صلى اللّه عليه وسلم- أمهات المؤمنين، سواء من مات عنها أو ماتت عنه وهى تحته. وذلك فى تحريم نكاحهن، ووجوب احترامهن، لا فى نظر وخلوة. ولا يقال بناتهن أخوات المؤمنين، ولا آباؤهن وأمهاتهن أجداد وجدات، ولا إخوانهن ولا أخواتهن أخوال وخالات. قال البغوى: كن أمهات المؤمنين دون النساء، روى ذلك عن عائشة- رضى اللّه عنها- ولفظها- كما فى البيضاوى-: (لسنا أمهات النساء) وهو جار على الصحيح عند أصحابنا وغيرهم من أهل الأصول: أن النساء لا يدخلن فى خطاب الرجال. قال: وكان- صلى اللّه عليه وسلم- أبا للرجال والنساء. ويجوز أن يقال أبو المؤمنين فى الحرمة. وفضلت زوجاته صلى اللّه عليه وسلم- على النساء، وثوابهن وعقابهن مضاعفان، ولا يحل سؤالهن إلا من وراء حجاب. وأفضلهن خديجة وعائشة- رضى اللّه عنهما-، وفى أفضلهما خلاف يأتى تحقيقه- إن شاء اللّه تعالى- قريبا. واختلف فى عدة أزواجه- صلى اللّه عليه وسلم- وترتيبهن، وعدة من مات منهن قبله، ومن مات عنهن ومن دخل بها ومن لم يدخل بها، ومن خطبها ولم ينكحها، ومن عرضت نفسها عليه. والمتفق عليه: أنهن إحدى عشرة امرأة، ست من قريش: خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤى. __________ (١) سورة الأحزاب: ٦. وعائشة بنت أبى بكر بن أبى قحافة بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤى. وحفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد اللّه بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب بن لؤى. وأم حبيبة بنت أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى. وأم سلمة بنت أبى أمية بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤى. وسودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لؤى. وأربع عربيات: زينب بنت جحش بن رباب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم ابن دودان بن أسد بن خزيمة. وميمونة بنت الحارث الهلالية. وزينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين. وجويرية بنت الحارث الخزاعية المصطلقية. وواحدة غير عربية من بنى إسرائيل وهى صفية بنت حيى من بنى النضير. ومات عنده- صلى اللّه عليه وسلم- منهن اثنتان: خديجة وزينب أم المساكين، ومات صلى اللّه عليه وسلم- عن تسع، ذكر أسماءهن الحافظ أبو الحسن بن الفضل المقدسى نظما ف قال: توفى رسول اللّه عن تسع نسوة ... إليهن تعزى المكرمات وتنسب فعائشة ميمونة وصفية ... وحفصة تتلوهن هند وزينب جويرية مع رملة ثم سودة ... ثلاث وست ذكرهن مهذب ولا خلاف فى أن أول امرأة تزوج بها منهن خديجة بنت خويلد، وأنه صلى اللّه عليه وسلم- لم يتزوج عليها حتى ماتت. وهذا حين الشروع فى ذكرهن على الترتيب. فأما أم المؤمنين خديجة- وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم- فكانت تدعى فى الجاهلية (الطاهرة) ، وكانت تحت أبى هالة النباش بن أبى زرارة فولدت له هندا وهالة وهما ذكران. ثم تزوجها عتيق بن عائذ المخزومى، فولدت له جارية اسمها هند، وبعضهم يقدم عتيقا على أبى هالة. ثم تزوجها رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، ولها يومئذ من العمر أربعون سنة وبعض أخرى، وكان سنه- صلى اللّه عليه وسلم- إحدى وعشرين سنة، وقيل خمسا وعشرين، وعليه الأكثر،وقيل ثلاثين. وكانت عرضت نفسها عليه، فذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه منهم حمزة، حتى دخل على خويلد بن أسد، فخطبها إليه فتزوجها- صلى اللّه عليه وسلم- وأصدقها عشرين بكرة. وزاد ابن إسحاق من طريق آخر: وحضر أبو طالب ورؤساء مضر: فخطب أبو طالب. وقد قدمت خطبته فى المقصد الأول عند ذكر تزويجها له- صلى اللّه عليه وسلم-. وذكر الدولابى وغيره أن النبى- صلى اللّه عليه وسلم- أصدق خديجة اثنتى عشرة أوقية ذهبا. وقد كانت خديجة- كما قدمته- أول من آمن من الناس، وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة: (أن جبريل قال للنبى- صلى اللّه عليه وسلم- يا محمد، هذه خديجة قد أتتك بإناء فيه طعام- أو إدام أو شراب- فإذا هى أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومنى، وبشرها ببيت فى الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب) (١) والقصب: اللؤلؤ المجوف. __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٣٨٢١) فى المناقب، باب: تزويج النبى- صلى اللّه عليه وسلم- خديجة وفضلها- رضى اللّه عنها-، ومسلم (٢٤٣٢) فى فضائل الصحابة، باب: فضائل خديجة أم المؤمنين- رضى اللّه تعالى عنها-، من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-. قال ابن إسحاق: كان- صلى اللّه عليه وسلم- لا يسمع شيئا يكرهه من رد عليه وتكذيب له- عليه السّلام-، فيحزنه ذلك إلا فرج اللّه عنه بخديجة إذا رجع إليها تثبته وتخفف عنه، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس حتى ماتت. وعن عبد الرحمن بن زيد قال: قال آدم- عليه السّلام-: إنى لسيد البشر يوم القيامة، إلا رجلا من ذريتى نبيّا من الأنبياء، يقال له أحمد، فضل على باثنتين: زوجته عاونته فكانت له عونا، وكانت زوجتى على عونا، وأعانه اللّه على شيطانه فأسلم، وكفر شيطانى. خرجه الدولابى، كما ذكره الطبرى. وخرج الإمام أحمد عن ابن عباس أنه- صلى اللّه عليه وسلم- قال: (أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة ابنة محمد، ومريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون) (١) . قال الشيخ ولى الدين العراقى: خديجة أفضل أمهات المؤمنين على الصحيح المختار، وقيل: عائشة. انتهى. وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصارى فى شرح بهجة الحاوى، عند ذكر أزواجه- صلى اللّه عليه وسلم-: وأفضلهن خديجة وعائشة وفى أفضلهما خلاف، صحح ابن العماد تفضيل خديجة لما ثبت أنه- صلى اللّه عليه وسلم- قال لعائشة، حين قالت له: قد رزقك اللّه خيرا منها ف قال: (لا واللّه ما رزقنى اللّه خيرا منها، آمنت بى حين كفر بى الناس، وصدقتنى حين كذبنى الناس، وأعطتنى مالها حين حرمنى الناس) (٢) . وسئل ابن داود [بن على الظاهرى] أيهما أفضل؟ ف قال: عائشة أقرأها النبى- صلى اللّه عليه وسلم- السلام من جبريل، وخديجة أقرأها جبريل من ربها السلام على لسان محمد، فهى أفضل. قيل له: فمن أفضل خديجة أم فاطمة؟ ف قال: إن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- قال: (فاطمة بضعة منى) (٣) فلا أعدل ببضعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم- أحدا. __________ (١) أخرجه أحمد فى (المسند) (١/ ٢٩٣) ، وقد تقدم قريبا. (٢) حسن: أخرجه أحمد فى (المسند) (٦/ ١١٧) بسند حسن. (٣) صحيح: وقد تقدم قريبا. ويشهد له قوله- صلى اللّه عليه وسلم- لها: (أما ترضين أن تكونى سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم) (١) . واحتج من فضل عائشة بما احتجت به من أنها فى الآخرة مع النبى صلى اللّه عليه وسلم- فى الدرجة، وفاطمة مع على فيها. وسئل السبكى عن ذلك فقال: الذى نختاره، وندين اللّه به، أن فاطمة بنت محمد أفضل من أمها خديجة، ثم أمها خديجة، ثم عائشة، ثم استدل لذلك بما تقدم بعضه. وأما خبر الطبرانى: خير نساء العالمين مريم بنت عمران ثم خديجة بنت خويلد، ثم فاطمة بنت محمد، ثم آسية امرأة فرعون (٢) . فأجاب عنه ابن العماد: بأن خديجة إنما فضلت فاطمة باعتبار الأمومة، لا باعتبار السيادة. واختار السبكى: أن مريم أفضل من خديجة لهذا الخبر، وللاختلاف فى نبوتها، انتهى. وقال أبو أمامة بن النقاش: إن سبق خديجة، وتأثيرها فى أول الإسلام ومؤازرتها ونصرها وقيامها فى الدين للّه بمالها ونفسها، لم يشركها فيه أحد، لا عائشة ولا غيرها من أمهات المؤمنين. وتأثير عائشة فى آخر الإسلام، وحمل الدين وتبليغه إلى الأمة وإدراكها من الأحاديث ما لم تشركها فيه خديجة ولا غيرها، مما تميزت به عن غيرها، انتهى. وماتت خديجة بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل بأربع، وقيل بخمس، ودفنت فى الحجون، وهى ابنة خمس وستين سنة، ولم يكن يومئذ يصلى على الجنازة، وكانت مدة مقامها مع النبى- صلى اللّه عليه وسلم- خمسا وعشرين سنة، وقيل أربعا وعشرين سنة. __________ (١) صحيح إلا جملة مريم، وقد تقدم قريبا. (٢) قلت: هو عند الطبرانى فى (الكبير) (٢٢/ ٤٠٢) بحرف العطف (واو) وليس (ثم) الذى يفيد الترتيب والتراخى. وأما سودة بنت زمعة- وأمها الشموس بنت قيس- فأسلمت قديما وكانت تحت ابن عم لها يقال له السكران بن عمرو- أخو سهيل بن عمرو- أسلم معها قديما، وهاجرا جميعا إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، فلما قدما مكة مات زوجها، وقيل إنه مات بالحبشة. وتزوجها- صلى اللّه عليه وسلم- بمكة بعد موت خديجة قبل أن يعقد على عائشة، هذا قول قتادة وأبى عبيدة، ولم يذكر ابن قتيبة غيره، ويقال تزوجها بعد عائشة ويجمع بين القولين: بأنه- صلى اللّه عليه وسلم- عقد على عائشة قبل سودة، ودخل بسودة قبل عائشة، والتزويج يطلق على كل منهما، وإن كان المتبادر إلى الفهم العقد دون الدخول. ولما كبرت سودة أراد- صلى اللّه عليه وسلم- طلاقها، فسألته ألايفعل وجعلت يومها لعائشة فأمسكها. وتوفيت بالمدينة فى شوال سنة أربع وخمسين. وروى البخارى فى تاريخه بإسناد صحيح إلى سعيد بن أبى هلال: أنها ماتت فى خلافة عمر، وجزم الذهبى فى التاريخ الكبير بأنها ماتت فى آخر خلافة عمر، وقال ابن سيد الناس: إنه المشهور. وأما أم المؤمنين عائشة- رضى اللّه عنها- وأمها أم رومان ابنة عامر بن عويمر بن عبد شمس، من بنى مالك بن كنانة- فكانت مسماة على جبير بن مطعم، فخطبها النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وأصدقها- فيما قاله ابن إسحاق- أربعمائة درهم، وتزوجها بمكة فى شوال سنة عشر من النبوة قبل الهجرة بثلاث سنين، ولها ست سنين، وأعرس بالمدينة فى شوال سنة اثنتين من الهجرة على رأس ثمانية عشر شهرا، ولها تسع سنين. وقيل بعد سبعة أشهر من مقدمه- عليه الصلاة والسلام-. وخرج الشيخان عن عائشة أنها قالت: (تزوجنى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وأنا ابنة ست سنين فقدمنا المدينة، فنزلنا فى بنى الحارث بن الخزرج، فوعكت فتمزق شعرى، فأتتنى أمى- أم رومان- وإنى لفى أرجوحة مع صواحب لى، فصرخت بى فأتيتها، ما أدرى ما تريد منى، فأخذت بيدى حتى أوقفتنى على باب الدار، وأنا أنهج، حتى سكن بعض نفسى، ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهى ورأسى ثم أدخلتنى الدار، فإذا نسوة من الأنصار فى البيت فقلن: على الخير والبركة، فأسلمتنى إليهن فأصلحن من شأنى، فلم يرعنى إلا رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ضحى، فأسلمتنى إليه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين (١) . وأخرجه أبو حاتم بتغيير بعض ألفاظه. قال أبو عمر: كان نكاحه- صلى اللّه عليه وسلم- لعائشة فى شوال، وابتنى بها فى شوال، وكانت تحب أن يدخل النساء من أهلها وأحبتها فى شوال على أزواجهن. وكانت أحب نساء رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- إليه، وكانت إذا هويت الشىء تابعها عليه، وفقدها- عليه السّلام- فى بعض أسفاره ف قال: (واعروساه) (٢) .أخرجه أحمد. وقال لها- صلى اللّه عليه وسلم-- كما فى الصحيحين-: (رأيتك فى المنام ثلاث ليال، جاءنى بك الملك فى سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك فأقول: إن يكن من عند اللّه يمضه) (٣) والسرقة: شقة الحرير أو البيضاء. وفى الترمذى أن جبريل جاءه- عليه الصلاة والسلام- بصورتها فى __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٣٨٩٤) فى المناقب، باب: تزويج النبى- صلى اللّه عليه وسلم- عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها، ومسلم (١٤٢٢) فى النكاح، باب: تزويج الأب البكر الصغيرة. (٢) أخرجه أحمد فى (المسند) (٦/ ٢٤٨) ، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها-. (٣) صحيح: أخرجه البخارى (٣٨٩٥) فى المناقب، باب: تزويج النبى- صلى اللّه عليه وسلم- عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها، ومسلم (٢٤٣٨) فى فضائل الصحابة، باب: فى فضل عائشة رضى اللّه تعالى عنها-، واللفظ لمسلم. خرقة حرير خضراء وقال هذه زوجتك فى الدنيا والآخرة. وفى رواية عنده: قال جبريل: إن اللّه قد زوجك بابنة أبى بكر، ومعه صورتها (١) . وكانت مدة مقامها معه- صلى اللّه عليه وسلم- تسع سنين، ومات عنها- صلى اللّه عليه وسلم- ولها ثمانى عشرة سنة ولم يتزوج بكرا غيرها، وكانت فقيهة عالمة فصيحة، كثيرة الحديث عن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، عارفة بأيام العرب وأشعارها، روى عنها جماعة كثيرة من الصحابة والتابعين، وكان- صلى اللّه عليه وسلم- يقسم لها ليلتين، ليلتها وليلة سودة بنت زمعة، لأنها وهبت ليلتها لما كبرت لها- كما تقدم- ولنسائه ليلة ليلة، وكان يدور على نسائه ويختم بعائشة. وماتت بالمدينة سنة سبع وخمسين. وقال الواقدى: ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان سنة ثمان وخمسين، وهى ابنة ست وستين سنة، وأوصت أن تدفن بالبقيع ليلا، وصلى عليها أبو هريرة، وكان يومئذ خليفة مروان على المدينة فى أيام معاوية بن أبى سفيان. وكانت عائشة تكنى أم عبد اللّه، يروى أنها أسقطت من النبى- صلى اللّه عليه وسلم- سقطا، ولم يثبت والصحيح أنها كانت تكنى بعبد اللّه بن الزبير، ابن أختها، فإنه- عليه الصلاة والسلام- تفل فى فيه لما ولد، وقال لعائشة: (هو عبد اللّه وأنت أم عبد اللّه) قالت: فما زلت أكنى بها وما ولدت قط. خرجه أبو حاتم. وأما أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب- رضى اللّه عنهما- وأمها زينب بنت مظعون- فأسلمت وهاجرت. وكانت قبل رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- تحت خنيس- بضم المعجمة وفتح النون وبالسين المهملة- ابن حذافة السهمى، هاجرت معه، ومات عنها بعد غزوة بدر. فلما تأيمت ذكرها عمر على أبى بكر وعثمان فلم يجبه واحد منهما إلى زواجها، فخطبها رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فأنكحه إياها فى سنة ثلاث من __________ (١) صحيح: أخرجه الترمذى (٣٨٨٠) فى المناقب، باب: من فضل عائشة- رضى اللّه عنها-، من حديث عائشة- رضى اللّه عنها- . الهجرة (١) ، وطلقها تطليقة واحدة، ثم راجعها (٢) ، نزل عليه الوحى: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك فى الجنة (٣) . وروى عنها جماعة من الصحابة والتابعين. وماتت فى شعبان سنة خمس وأربعين فى خلافة معاوية، وقيل سنة إحدى وأربعين، وهى ابنة ستين سنة، وقيل إنها ماتت فى خلافة عثمان. وأما أم المؤمنين أم سلمة هند، وقيل رملة والأول أصح- وأمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة، وليست عاتكة بنت عبد المطلب- فكانت قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم- تحت أبى سلمة بن عبد الأسد، وكانت هى وزوجها أول من هاجر إلى أرض الحبشة، فولدت له بها زينب، وولدت له بعد ذلك سلمة وعمر ودرة، وقيل هى أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة، وقيل غيرها، ومات أبو سلمة سنة أربع وقيل سنة ثلاث من الهجرة. وكانت أم سلمة سمعته- صلى اللّه عليه وسلم- يقول: (ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول: اللّهم آجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيرا منها، إلا أخلف اللّه له خيرا منها) قالت: فلما مات أبو سلمة قلت أى المسلمين خير من أبى سلمة، ثم إنى قلتها، فأخلف اللّه لى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فأرسل إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- حاطب بن أبى بلتعة يخطبنى له. وفى رواية: فخطبها أبو بكر فأبت، وخطبها عمر فأبت، ثم أرسل إليها رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فقالت: مرحبا برسول اللّه، إن فى خلالا ثلاثا: أنا امرأة __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٥١٢٢) فى النكاح، باب: عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير. (٢) صحيح: أخرجه أبو داود (٢٢٨٣) فى الطلاق، باب: فى المراجعة، وابن ماجه (٢٠١٦) فى الطلاق، باب: رقم (١) من حديث عمر- رضى اللّه عنه-. (٣) حسن: أخرجه الحاكم فى (المستدرك) (٤/ ١٦) من حديث قيس بن زيد- رضى اللّه عنه-، و (٤/ ١٧) من حديث أنس- رضى اللّه عنه- . شديدة الغيرة، وأنا امرأة مصبية (١) وأنا امرأة ليس لى ها هنا أحد من أوليائى فيزوجنى. فغضب عمر لرسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أشد مما غضب لنفسه حين ردته، فأتاها رسول اللّه-صلى اللّه عليه وسلم- فقال: (أما ما ذكرت من غيرتك فإنى أدعو اللّه أن يذهبها عنك، وأما ما ذكرت من صبيتك فإن اللّه سيكفيهم، وأما ما ذكرت من أوليائك فليس أحد من أوليائك يكرهنى) فقالت لابنها: زوج رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فزوجه (٢) . قال صاحب (السمط الثمين) رواه بهذا السياق هدبة بن خالد (وصاحب الصفوة) وخرج أحمد والنسائى طرفا منه، ومعناه فى الصحيح. وفيه دلالة على أن الابن يلى العقد على أمه، وعندنا أنه إنما زوجها بالعصوبة لأنه ابن ابن عمها، لأن أبا سلمة عبد اللّه بن عبد الأسد بن هلال ابن عبد اللّه، وأم سلمة هند بنت سهيل بن المغيرة بن عبد اللّه، ولم يكن أحد من عصبتها حاضرا غيره. وكانت أم سلمة من أجمل النساء، وتزوجها رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فى ليال بقين من شوال من السنة التى مات فيها أبو سلمة. وماتت سنة تسع وخمسين وقيل سنة اثنتين وستين، والأول أصح، ودفنت بالبقيع وصلى عليها أبو هريرة، وقيل سعيد بن زيد، وكان عمرها أربعا وثمانين سنة. وأما أم المؤمنين أم حبيبة، رملة بنت أبى سفيان صخر بن حرب، وقيل اسمها هند، والأول أصح- وأمها صفية بنت أبى العاصى بن أمية عمة عثمان بن عفان- فكانت تحت عبيد اللّه بن جحش وهاجر بها إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، ثم تنصر وارتد عن الإسلام ومات هناك، وثبتت أم حبيبة على الإسلام. __________ (١) مصيبة: أى عندى صبيان. (٢) صحيح: أخرجه مسلم (٩١٨) فى الجنائز، باب: ما يقال عند المصيبة، من حديث أم سلمة- رضى اللّه عنها-. واختلف فى وقت نكاح رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- إياها، وموضع العقد، فقيل: إنه عقد عليها بأرض الحبشة سنة ست، فروى أنه- صلى اللّه عليه وسلم- بعث عمرو ابن أمية الضمرى إلى النجاشى ليخطبها عليه، فزوجها إياه، وأصدقها عنه أربعمائة دينار، وبعث بها إليه مع شرحبيل بن حسنة. وروى أن النجاشى أرسل إليها جاريته (أبرهة) فقالت: إن الملك يقول لك إن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- كتب إلى أن أزوجك منه، وأنها أرسلت إلى خالد ابن سعيد بن العاصى فوكلته وأعطت أبرهة سوارين وخواتم من فضة سرورا بما بشرتها به، فلما كان العشى أمر النجاشى جعفر بن أبى طالب ومن هناك من المسلمين فحضروا، فخطب النجاشى فقال: الحمد للّه الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار، أشهد ألاإله إلا اللّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أمابعد: فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وقد أصدقتها عنه أربعمائة دينار ذهبا، ثم سكب الدنانير بين يدى القوم. فتكلم خالد بن سعيد فقال: الحمد للّه أحمده وأستعينه وأستغفره، وأشهد ألاإله إلا اللّه وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. أما بعد: فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- وزوجته أم حبيبة بنت أبى سفيان، فبارك اللّه لرسوله- صلى اللّه عليه وسلم- فيها. ودفع الدنانير إلى خالد بن سعيد بن العاصى فقبضها، ثم أرادوا أن يقوموا فقال: اجلسوا فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج، فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا. خرجه صاحب الصفوة كما قال الطبرى. وكان ذلك سنة سبع من الهجرة. قال أبو عمر: واختلف فيمن زوجها، فروى أنه سعيد بن العاصى، وروى عثمان بن عفان وهى ابنة عمته. وذكر البيهقى أن الذى زوجها خالد ابن سعيد بن العاصى وهو ابن ابن عم أبيها، لكن إن صح التاريخ المذكور فلا يصح أن يكون عثمان هو الذى زوجها، فإنه كان مقدمه من الحبشة قبل وقعة بدر فى السنة الثانية من الهجرة. وكان أبو سفيان أبوها حال نكاحها بمكة مشركا محاربا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم-. وقد قيل إن عقد النكاح عليها كان بالمدينة بعد رجوعها من أرض الحبشة والمشهور الأول. وماتت بالمدينة سنة أربع وأربعين وقيل: سنة اثنتين وأربعين. وأما أم المؤمنين زينب بنت جحش- وأما أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم- فكان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- زوجها من زيد بن حارثة، فمكثت عنده مدة ثم طلقها- كما سيأتى- إن شاء اللّه تعالى- فى الخصائص- فلما انقضت عدتها منه قال- صلى اللّه عليه وسلم- لزيد بن حارثة (اذهب فاذكرنى لها) قال: فذهبت إليها، فجعلت ظهرى إلى الباب فقلت يا زينب بعث رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يذكرك، فقالت: ما كنت لأحدث شيئا حتى أؤامر ربى عز وجل، فقامت إلى مسجد لها، فأنزل اللّه تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها (١) . فجاء رسول اللّه فدخل عليها بغير إذن (٢) . أخرجه مسلم. وقال المنافقون: حرم محمد نساء الولد، وقد تزوج امرأة ابنه، فأنزل اللّه تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ (٣) . وكانت زينب تفخر على أزواج النبى- صلى اللّه عليه وسلم- تقول: زوجكن آباؤكن، وزوجنى اللّه من فوق سبع سماوات (٤) ، رواه الترمذى وصححه. وكان اسمها (برة) فحوّله- صلى اللّه عليه وسلم- إلى زينب. وعن أنس: لما تزوج صلى اللّه عليه وسلم- زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون، فإذا هو صلى اللّه عليه وسلم- يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام وقام من قام، وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا، فانطلقت __________ (١) سورة الأحزاب: ٣٧. (٢) صحيح: أخرجه مسلم (١٤٢٨) فى النكاح، باب: زواج زينب بنت جحش- رضى اللّه عنها-، من حديث أنس- رضى اللّه عنه-. (٣) سورة الأحزاب: ٤٠. (٤) صحيح: أخرجه البخارى (٧٤٢١) فى التوحيد، باب: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ، والترمذى (٣٢١٣) فى التفسير، باب: ومن سورة الأحزاب، واللفظ للترمذى. فجئت فأخبرت النبى- صلى اللّه عليه وسلم- أنهم انطلقوا. فجاء حتى دخل فذهبت لأدخل فألقى الحجاب بينى وبينه، فأنزل اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ (١) الآية. وكان تزويجها له- صلى اللّه عليه وسلم- فى سنة خمس من الهجرة، وقيل سنة ثلاث. وهى أول من مات من أزواجه بعده. وقالت عائشة فى شأنها: ولم تكن امرأة خيرا منها فى الدين، وأتقى للّه وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها فى العمل الذى تتصدق به وتتقرب به إلى اللّه. رواه مسلم. وماتت بالمدينة سنة عشرين، وقيل سنة إحدى وعشرين، ولها ثلاث وخمسون سنة، وصلى عليها عمر بن الخطاب، وهى أول من جعل على جنازتها نعش. وأما أم المؤمنين زينب بنت خزيمة بن الحارث الهلالية، وكانت تدعى فى الجاهلية أم المساكين لإطعامها إياهم، فكانت تحت عبد اللّه بن جحش فى قول ابن شهاب، قتل عنها يوم أحد فتزوجها رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- سنة ثلاث، ولم تلبث عنده إلا شهرين أو ثلاثة وتوفيت فى حياته- صلى اللّه عليه وسلم-، وقيل مكثت عنده ثمانية أشهر، ذكره الفضائلى. وقيل كانت قبله- صلى اللّه عليه وسلم- تحت الطفيل بن الحارث، ثم خلف عليها أخوه عبيدة بن الحارث وقتل عنها يوم أحد شهيدا، فخلف عليها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم-، والأول أصح. وتوفيت فى ربيع الآخر سنة أربع ودفنت بالبقيع على الطريق قال الطبرى: كذا ذكره الفضائلى، وإنما يكون هذا على ما حكاه من أنها مكثت عنده- عليه السّلام- ثمانية أشهر، أما على ما حكاه أبو عمر فلا يصح، إذ العقد كان فى سنة ثلاث، ومدتها عنده- صلى اللّه عليه وسلم- شهران أو ثلاثة فلا يصح أن تكون وفاتها فى ربيع الآخر، انتهى، فليتأمل. __________ (١) سورة الأحزاب: ٥٣. وأما أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية- وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن حمير- فتزوجها- صلى اللّه عليه وسلم- لما كان بمكة معتمرا سنة سبع بعد غزوة خيبر، وكانت أختها أم الفضل لبابة الكبرى تحت العباس ابن عبد المطلب، وأختها لأمها أسماء بنت عميس تحت جعفر، وسلمى بنت عميس تحت حمزة، وكانت جعلت أمرها إلى العباس فأنكحها النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وهو محرم، فلما رجع بنى بها بسرف حلالا (١) ، ذكره أبو عمر. وفى الصحيح من أفراد مسلم، عنها أنه- صلى اللّه عليه وسلم- تزوجها وهو حلال، زاد البرقانى بعد قوله تزوجها حلالا: وبنى بها حلالا وماتت بسرف (٢) . فيحمل قوله: وهو محرم، أى داخل فى الحرم، ويكون العقد وقع بعد انقضاء العمرة، ثم خرج بها إلى سرف وابتنى بها فيه، وهو على عشرة أميال من مكة، كذا قاله الطبرى. وسيأتى فى مقصد المعجزات فى ذكر الخصائص مزيد بيان لذلك إن شاء اللّه تعالى-. وكانت ميمونة قبل عند أبى رهم بن عبد العزى، وي قال: بل عبد اللّه ابن أبى رهم، وقيل: بل عند حويطب بن عبد العزى، وقيل: بل فروة بن عبد العزى. قال ابن إسحاق. وي قال: إنها وهبت نفسها للنبى- صلى اللّه عليه وسلم- وذلك أن خطبته- صلى اللّه عليه وسلم- انتهت إليها وهى على بعيرها فقالت: البعير وما عليه للّه ولرسوله. وقيل: الواهبة نفسها غيرها. وتوفيت ميمونة بسرف فى الموضع الذى بنى بها فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم-، وذلك سنة إحدى وخمسين، وقيل ست وخمسين وقيل ثلاث وستين، وصلى عليها ابن عباس ودخل قبرها. وأما أم المؤمنين جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار- بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الراء- فكانت تحت مسافح- بالسين المهملة والفاء- ابن صفوان المصطلقى. __________ (١) تقدمت الأحاديث الدالة على ذلك. (٢) تقدمت الأحاديث الدالة على ذلك. وكانت قد وقعت فى سهم ثابت بن قيس بن شماس الأنصارى، فى غزوة المريسيع، وهى غزوة بنى المصطلق، فى سنة خمس وقيل سنة ست، فكاتبته على نفسها، ثم جاءت رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فقالت يا رسول اللّه، أنا جويرية بنت الحارث وكان من أمرى ما لا يخفى عليك، ووقعت فى سهم ثابت بن قيس بن شماس وإنى كاتبت نفسى، فجئت أسألك فى كتابتى، فقال رسول اللّه-صلى اللّه عليه وسلم- (فهل لك إلى ما هو خير) قالت: وما هو يا رسول اللّه؟ قال: (أؤدى عنك كتابتك وأتزوجك) قالت: قد فعلت. فتسامع الناس أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- قد تزوج جويرية فأرسلوا ما فى أيديهم من السبى، فأعتقوهم وقالوا أصهار رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-. قالت عائشة: فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها، أعتق فى سببها مائة أهل بيت بنى المصطلق (١) خرجه أبو داود من حديث عائشة. وقال ابن هشام: ويقال اشتراها- صلى اللّه عليه وسلم- من ثابت بن قيس وأعتقها وتزوجها وأصدقها أربعمائة درهم. وعن ابن شهاب: سبى- صلى اللّه عليه وسلم- جويرية بنت الحارث يوم المريسيع فحجبها وقسم لها، وكانت ابنة عشرين سنة، وكان اسمها (برة) فحوله صلى اللّه عليه وسلم- وسماها جويرية. وقد تقدم مثل ذلك فى زينب بنت جحش. وتوفيت وعمرها خمس وستون سنة فى ربيع الأول سنة خمسين، وقيل سنة ست وخمسين. وأما أم المؤمنين صفية بنت حيى بن أخطب بن سعية- بفتح السين وسكون العين المهملتين وبالياء المثناة التحتية- ابن ثعلبة بن عبيد من بنى إسرائيل من سبط هارون بن عمران- عليه الصلاة والسلام-. وأمها ضرة بفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء- بنت سموأل- بفتح السين المهملة وفتح الميم وسكون الواو وفتح الهمزة وباللام-. فكانت تحت كنانة بن أبى الحقيق __________ (١) حسن: أخرجه أبو داود (٣٩٣١) فى العتق، باب: فى بيع المكاتب إذا نسخت الكتابة، وأحمد فى (مسنده) (٦/ ٢٧٧) ، وابن حبان فى (صحيحه) (٤٠٥٤ و ٤٠٥٥) . - بضم الحاء المهملة وفتح القاف الأولى وسكون المثناة التحتية- فقتل يوم خيبر فى المحرم سنة سبع من الهجرة. قال أنس: لما افتتح- صلى اللّه عليه وسلم- خيبر وجمع السبى، جاءه دحية ف قال: يا رسول اللّه أعطنى جارية من السبى، فقال: (اذهب فخذ جارية) فأخذ صفية بنت حيى فجاء رجل إلى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللّه، أعطيت دحية صفية بنت حيى سيدة قريظة والنضير، ما تصلح إلا لك، قال: (ادعوه بها) فجاء بها، قال: فلما نظر إليها النبى- صلى اللّه عليه وسلم- قال: (خذ جارية من السبى غيرها) قال: وأعتقها وتزوجها. قال له ثابت: يا أبا حمزة ما أصدقها؟ قال: نفسها، أعتقها وتزوجها. حتى إذا كان الطريق جهزتها له أم سليم فأهدتها له من الليل، فأصبح- صلى اللّه عليه وسلم- عروسا، ف قال: (من كان عنده شىء فليجىء به) قال: فبسط نطعا، قال: فجعل الرجل يجىء بالأقط، وجعل الرجل يجىء بالتمر، وجعل الرجل يجىء بالسمن، فحاسوا حيسا فكانت وليمة رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- (١) . وفى رواية: فقال الناس لا ندرى أتزوجها أم اتخذها أم ولد، قالوا: إن حجبها فهى امرأته وإن لم يحجبها فهى أم ولد، فلما أراد أن يركب حجبها. وفى رواية: فانطلقنا حتى إذا رأينا جدر المدينة هششنا إليها، فدفعنا مطايانا، ودفع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- مطيته، قال: وصفية خلفه قد أردفها، قال: فعثرت مطية رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فصرع وصرعت، فليس أحد من الناس ينظر إليه ولا إليها حتى قام رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فسترها. قال: فدخلنا المدينة، فخرج جوارى نسائه يتراءينها ويشمتن بصرعتها (٢) رواه الشيخان وهذا لفظ مسلم. وروى عن جابر أنه- صلى اللّه عليه وسلم- أتى بصفية يوم خيبر، وأنه قتل أباها __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٣٧١) فى الصلاة، باب: ما يذكر فى الفخذ، ومسلم (١٣٦٥) فى النكاح، باب: فضيلة إعتاق أمة ثم يتزوجها. (٢) صحيح: أخرجه مسلم (١٣٦٥) (٨٨) فيما تقدم. وأخاها، وأن بلالا مر بها بين المقتولين، وأنه- صلى اللّه عليه وسلم- خيرها بين أن يعتقها فترجع إلى من بقى من أهلها، أو تسلم فيتخذها لنفسه، فقالت: أختار اللّه ورسوله. خرجه فى الصفوة. وأخرج تمام فى فوائده من حديث أنس أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- قال لها: (هل لك فىّ) قالت: يا رسول اللّه لقد كنت أتمنى ذلك فى الشرك، فكيف إذ أمكننى اللّه فى الإسلام. وأخرج أبو حاتم من حديث ابن عمر: رأى- صلى اللّه عليه وسلم- بعين صفية خضرة ف قال: (ما هذه الخضرة؟) فقالت: كان رأسى فى حجر ابن الحقيق وأنا نائمة، فرأيت قمرا وقع فى حجرى فأخبرته بذلك فلطمنى و قال: تمنين ملك يثرب. وبنى بها- صلى اللّه عليه وسلم- بالصهباء. وماتت فى رمضان سنة خمسين فى زمن معاوية، وقيل غير ذلك. فهؤلاء أزواجه اللاتى دخل بهن لا خلاف فى ذلك بين أهل السير والعلم بالأثر. وقد ذكر أنه- صلى اللّه عليه وسلم- تزوج نسوة غير من ذكر، وجملتهن اثنتا عشرة امرأة: الأولى: الواهبة نفسها له- صلى اللّه عليه وسلم-، واختلف من هى، فقيل أم شريك القرشية العامرية، واسمها: غزية- بضم الغين المعجمة وفتح الزاى وتشديد المثناة التحتية- بنت جابر بن عوف، من بنى عامر بن لؤى. وقيل بنت دودان ابن عوف، وطلقها النبى- صلى اللّه عليه وسلم- واختلف فى دخوله بها. وقيل هى أم شريك غزية الأنصارية من بنى النجار، وفى الصفوة: هى أم شريك غزية بنت جابر الدوسية قال: والأكثرون على أنها التى وهبت نفسها للنبى- صلى اللّه عليه وسلم- فلم يقبلها فلم تتزوج حتى ماتت. وذكر ابن قتيبة فى المعارف عن أبى اليقظان، أن الواهبة نفسها خولة بنت حكيم السلمى، ويجوز أن يكونا وهبتا أنفسهما من غير تضاد. وقال عروة بن الزبير: كانت خولة بنت حكيم، من اللاتى وهبن أنفسهن للنبى- صلى اللّه عليه وسلم-، فقالت عائشة: أما تستحى المرأة أن تهب نفسها للرجل، فلما نزلت: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ (١) قالت عائشة: يا رسول اللّه، ما أرى ربك إلا يسارع لك فى هواك (٢) رواه الشيخان. وهذه خولة هى زوجة عثمان بن مظعون، ولعل ذلك وقع منها قبل عثمان. الثانية: خولة بنت الهذيل بن هبيرة. تزوجها- صلى اللّه عليه وسلم- فهلكت قبل أن تصل إليه. الثالثة: عمرة بنت يزيد بن الجون- بفتح الجيم- الكلابية، وقيل بنت يزيد بن عبيد بن أوس بن كلاب الكلابية. قال أبو عمر: وهذا أصح. تزوجها- صلى اللّه عليه وسلم- فتعوذت منه حين أدخلت عليه، فقال لها: (لقد عذت بمعاذ) فطلقها وأمر أسامة بن زيد فمتعها بثلاثة أثواب (٣) ، قال أبو عمر: هكذا روى عن عائشة. وقال قتادة: كان ذلك فى امرأة من سليم. وقال أبو عبيدة: إنما ذلك لأسماء بنت النعمان بن الجون، وهكذا ذكره ابن قتيبة. وسيأتى وقال فى عمرة هذه: إن أباها وصفها للنبى- صلى اللّه عليه وسلم- ثم قال وأزيدك: أنها لم تمرض قط فقال- صلى اللّه عليه وسلم-: (ما لهذه عند اللّه من خير فطلقها) . الرابعة: أسماء بنت النعمان بن الجون- بفتح الجيم- ابن الحارث الكندية وهى الجونية. قال أبو عمر: أجمعوا أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- تزوجها واختلفوا فى سبب فراقة لها، فقال قتادة وأبو عبيدة: إنه- صلى اللّه عليه وسلم- لما دعاها قالت: تعال أنت وأبت أن تجىء، وقال بعضهم: قالت: أعوذ باللّه منك، فقال: (عذت بمعاذ ولقد أعاذك اللّه منى) __________ (١) سورة الأحزاب: ٥١. (٢) صحيح: أخرجه البخارى (٤٧٨٨) فى التفسير، باب: قوله: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ الآية، ومسلم (١٤٦٤) فى الرضاع، باب: جواز هبتها نوبتها لضرتها. (٣) صحيح: أخرجه البخارى (٥٢٥٤) فى الطلاق، باب: من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق، وابن ماجه (٢٠٣٧) فى الطلاق، باب: متعة الطلاق، واللفظ له. وقيل: إن نساءه- صلى اللّه عليه وسلم- علمنها ذلك فإنها كانت أجمل الناس فخفن أن تغلبهن عليه، فقلن لها إنه يحب إذا دنا منك إن تقولى: أعوذ باللّه منك، ف قال: (قد عذت بمعاذ) وطلقها، ثم سرحها إلى أهلها وكانت تسمى نفسها الشقية. وقال الجرجانى: قلن لها: إن أردت أن تحظى عنده فتعوذى باللّه منه، فقالت ذلك فولى وجهه عنها. وقيل المتعوذة غيرها، قال أبو عبيدة: ويجوز أن تكونا تعوذتا، وقال آخرون: كان بأسماء وضح فقال لها (ألحقى بأهلك) (١) وقد قيل فى اسمها أميمة، وقيل: أمامة. الخامسة: مليكة بنت كعب الليثية، قال بعضهم: هى التى استعاذت من النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وقيل دخل بها، وماتت عنده، والأول أصح، ومنهم من ينكر تزويجه بها أصلا. والسادسة: فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابى، تزوجها بعد وفاة ابنته زينب وخيرها حين نزلت آية التخيير، [الأحزاب ٢٨ و ٢٩] فاختارت الدنيا ففارقها- عليه الصلاة والسلام- فكانت بعد ذلك تلقط البعر وتقول هى الشقية اختارت الدنيا، هكذا رواه ابن إسحاق. لكن قال أبو عمر: هذا عندنا غير صحيح، لأن ابن شهاب يروى عن عروة عن عائشة، أنه- صلى اللّه عليه وسلم- حين خير أزواجه بدأ بها فاختارت اللّه ورسوله، وتابع أزواج النبى- صلى اللّه عليه وسلم- على ذلك. وقال قتادة وعكرمة: كان عنده- صلى اللّه عليه وسلم- عند التخيير تسع نسوة وهن اللاتى توفى عنهن. وقيل إنه- صلى اللّه عليه وسلم- تزوجها سنة ثمان، وقيل إن أباها قال: إنها لم تصدع قط، فقال- عليه الصلاة والسلام-: (لا حاجة لى بها) . السابعة: عالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف، تزوجها- صلى اللّه عليه وسلم- وكانت __________ (١) انظر ما قبله، وكذلك ما قاله الحافظ ابن حجر فى (الفتح) (٩/ ٣٥٧- ٣٥٩) . عنده ما شاء اللّه، ثم طلقها، وقل من ذكرها، وقال أبو سعد: طلقها حين أدخلت عليه- صلى اللّه عليه وسلم-. الثامنة: قتيلة- بضم القاف وفتح المثناة الفوقية وسكون المثناة التحتية- بنت قيس أخت الأشعث بن قيس الكندى، زوجه إياها أخوها فى سنة عشر، ثم انصرف إلى حضر موت فحملها فقبض-صلى اللّه عليه وسلم- سنة إحدى عشرة قبل قدومها عليه، وقيل تزوجها- عليه السّلام- قبل وفاته بشهرين، وقال قائلون: إن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- أوصى بأن تخير، فإن شاءت ضرب عليها الحجاب، وكانت من أمهات المؤمنين، وإن شاءت الفراق فلتنكح من شاءت، فاختارت النكاح فتزوجها عكرمة بن أبى جهل بحضر موت، فبلغ ذلك أبا بكر فقال: هممت أن أحرق عليها بيتها، فقال له عمر- رضى اللّه عنه-: ما هى من أمهات المؤمنين، ما دخل بها رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ولا ضرب عليها الحجاب. وقال بعضهم: لم يوص فيها- عليه السّلام- بشىء، ولكنها ارتدت حين ارتد أخوها. وبذلك احتج عمر على أبى بكر- رضى اللّه عنهما-: أنها ليست من أمهات المؤمنين بارتدادها. التاسعة: سنا بنت أسماء بن الصلت السلمية، تزوجها- صلى اللّه عليه وسلم- ومات قبل أن يدخل بها، وعند ابن إسحاق: طلقها قبل أن يدخل بها. العاشرة: شرف- بفتح الشين المعجمة وتخفيف الراء وبالفاء- بنت خليفة الكلبية، أخت دحية بن خليفة الكلبى، تزوجها رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- فماتت قبل دخوله- عليه السّلام- بها. الحادية عشرة: ليلى بنت الخطيم- بفتح الخاء المعجمة وكسر الطاء المهملة- أخت قيس تزوجها- صلى اللّه عليه وسلم- وكانت غيورا فاستقالته فأقالها فأكلها الذئب، وقيل هى التى وهبت نفسها له- صلى اللّه عليه وسلم-. الثانية عشرة: امرأة من غفار تزوجها- صلى اللّه عليه وسلم- فأمرها فنزعت ثيابها فرأى بكشحها بياضا فقال: (ألحقى بأهلك) ولم يأخذ مما آتاها شيئا (١) ، أخرجه أحمد. فهؤلاء جملة من ذكر من أزواجه- صلى اللّه عليه وسلم-، وفارقهن فى حياته، بعضهن قبل الدخول وبعضهن بعده- كما ذكرناه- فيكون جملة من عقد عليهن ثلاثا وعشرين امرأة دخل ببعضهن دون بعض. مات منهن عنده بعد الدخول خديجة وزينب بنت خزيمة، ومات منهن قبل الدخول اثنتان: أخت دحية وبنت الهذيل باتفاق. واختلف فى مليكة وسنا، هل ماتتا أو طلقهما، مع الاتفاق على أنه صلى اللّه عليه وسلم- لم يدخل بهما. وفارق بعد الدخول باتفاق بنت الضحاك، وبنت ظبيان، وقبله باتفاق: عمرة وأسماء والغفارية. واختلف فى أم شريك: هل دخل بها؟ مع الاتفاق على الفرقة. والمستقيلة التى جهل حالها. فالمفارقات بالاتفاق سبع، واثنتان على خلاف. الميتات فى حياته باتفاق أربع، ومات- صلى اللّه عليه وسلم- من عشر، واحدة لم يدخل بها. وروى أنه- صلى اللّه عليه وسلم- خطب عدة نسوة: الأولى منهن: امرأة من بنى مرة بن عوف بن سعد، خطبها- صلى اللّه عليه وسلم- إلى أبيها ف قال: إن بها برصا، وهو كاذب، فرجع فوجد البرص بها، وي قال: إن ابنها شبيب بن البرصاء بن الحارث بن عوف. ذكره ابن قتيبة، كما قاله الطبرى، وعند ابن الأثير فى جامع الأصول: جمرة بنت الحارث بن عوف خطبها- صلى اللّه عليه وسلم- فقال أبوها: إن بها سوآ، ولم يكن بها شىء، فرجع إليها أبوها وقد برصت، قال: وهى أم شبيب بن البرصاء الشاعر. __________ (١) ذكره الهيثمى فى (المجمع) (٤/ ٣٠٠) عن كعب بن زيد أو زيد بن كعب و قال: رواه أحمد، وجميل [أحد رواته] ...... الثانية: امرأة قرشية يقال لها سودة، خطبها- صلى اللّه عليه وسلم- وكانت مصبية، فقالت: أخاف أن تضغو صبيتى- أى يصيحوا ويبكوا- عند رأسك، فدعا لها وتركها. الثالثة: صفية بنت بشامة- بفتح الموحدة وتخفيف الشين المعجمة- كان أصابها فى سبى فخيرها بين نفسه الكريمة وبين زوجها، فاختارت زوجها. الرابعة: ولم يذكر اسمها، قيل إنه- صلى اللّه عليه وسلم- خطبها، فقالت: أستأمر أبى، فلقيت أباها فأذن لها، فعادت إلى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فقال لها: (قد التحفنا لحافا غيرك) . الخامسة: أم هانىء فاختة بنت أبى طالب أخت على، خطبها- صلى اللّه عليه وسلم- فقالت: إنى امرأة مصبية واعتذرت إليه، فعذرها. السادسة: ضباعة- بضم الضاد المعجمة وتخفيف الموحدة وبالعين المهملة- بنت عامر بن قرط- بضم القاف وسكون الراء وبالطاء المهملة- خطبها- صلى اللّه عليه وسلم- إلى ابنها سلمة بن هشام ف قال: حتى أستأمرها، فقيل للنبى صلى اللّه عليه وسلم-: إنها قد كبرت، فلما عاد ابنها- وقد أذنت له- سكت عنها- صلى اللّه عليه وسلم- فلم ينكحها. السابعة: أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب، عرضت عليه- صلى اللّه عليه وسلم- فقال: (هى ابنة أخى من الرضاعة) (١) . الثامنة: عزة بنت أبى سفيان، عرضتها أختها أم حبيبة عليه- صلى اللّه عليه وسلم- فقال (إنها لا تحل لى) (٢) لمكان أختها أم حبيبة تحت النبى- صلى اللّه عليه وسلم-. وقيل: تزوج- صلى اللّه عليه وسلم- الجندعية- بضم الجيم وسكون النون وضم الدال وبالعين المهملة- امرأة من جندع، وهى ابنة جندب بن ضمرة، ولم يدخل __________ (١) صحيح: أخرجه البخارى (٢٦٤٥) فى الشهادات، باب: الشهادة على الأنساب، ومسلم (١٤٤٧) فى الرضاع، باب: تحريم ابنة الأخ من الرضاعة، من حديث ابن عباس رضى اللّه عنهما-. (٢) صحيح: أخرجه مسلم (١٤٤٩) فى الرضاع، باب: تحريم الربيبة وأخت المرأة. بها. وأنكره بعض الرواة. فهؤلاء النساء اللاتى ذكر أنه- صلى اللّه عليه وسلم- تزوجهن أو خطبهن أو دخل بهن، أو لم يدخل بهن أو عرضن عليه. وأما سرارية فقيل إنهن أربعة: مارية القبطية بنت شمعون- بفتح الشين المعجمة- أهداها له المقوقس القبطى صاحب مصر والإسكندرية، وأهدى معها أختها سيرين- بكسر السين المهملة وسكون المثناة التحتية وكسر الراء وبالنون آخرها-، وخصيا يقال له: مأبور، وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا لينا من قباطى مصر، وبغلة شهباء وهى دلدل، وحمارا أشهب وهو عفير ويقال: يعفور، وعسلا من عسل بنها، فأعجب النبى- صلى اللّه عليه وسلم- العسل ودعا فى عسل بنها بالبركة. قال ابن الأثير: وبنها- بكسر الباء وسكون النون- قرية من قرى مصر، بارك النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فى عسلها، والناس اليوم يفتحون الباء، انتهى. ووهب- صلى اللّه عليه وسلم- سيرين لحسان بن ثابت وهى أم عبد الرحمن بن حسان، ومارية أم إبراهيم ابن النبى- صلى اللّه عليه وسلم-. وماتت مارية فى خلافة عمر سنة ست عشرة ودفنت بالبقيع. وريحانة بنت شمعون من بنى قريظة، وقيل من بنى النضير، والأول أظهر، وماتت قبل وفاته- صلى اللّه عليه وسلم- مرجعه من حجة الوداع سنة عشر، ودفنت بالبقيع، وكان- صلى اللّه عليه وسلم- وطئها بملك اليمين، وقيل أعتقها وتزوجها ولم يذكر ابن الأثير غيره. وأخرى: وهبتها له زينب بنت جحش. الرابعة: أصابها فى بعض السبى. الفصل الرابع فى أعمامه وعماته وإخوته من الرضاعة وجداتهقال صاحب (ذخائر العقبى فى مناقب ذوى القربى) : كان له- صلى اللّه عليه وسلم- اثنا عشر عمّا بنو عبد المطلب، أبوه- عبد اللّه- ثالث عشرهم: الحارث، وأبو طالب واسمه عبد مناف، والزبير ويكنى أبا الحارث، وحمزة، وأبو لهب واسمه عبد العزى، والغيداق، والمقوم، وضرار، والعباس، وقثم، وعبد الكعبة، وجحل- بتقديم الجيم، وهو السقاء الضخم، وقال الدار قطنى بتقديم الحاء وهو القيد والخلخال- ويسمى المغيرة. وقيل كانوا أحد عشر فأسقط: المقوم، وقال هو عبد الكعبة، وقيل عشرة، فأسقط الغيداق وجحلا، وقيل تسعة فأسقط قثم. فأما حمزة، فأمه هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة، ويكنى أبا عمارة وأبا يعلى، كنيتان له بابنيه عمارة ويعلى، وكان يدعى أسد اللّه وأسد رسوله وفى معجم البغوى أنه- صلى اللّه عليه وسلم- قال: (والذى نفسى بيده إنه لمكتوب عند اللّه عز وجل فى السماء السابعة: حمزة أسد اللّه وأسد رسوله) (١) . وكان إسلامه فى السنة الثانية من المبعث، وقيل فى السادسة بعد دخوله صلى اللّه عليه وسلم- دار الأرقم، وقيل قبل إسلام عمر بثلاثة أيام. وشهد بدرا، وقتل بها عتبة بن ربيعة مبارزة، قاله موسى بن عقبة، وقيل: بل قتل شيبة بن ربيعة مبارزة، قاله ابن إسحاق. وأول راية عقدها- صلى اللّه عليه وسلم- لأحد من المسلمين كانت لحمزة، وأول سرية بعثها، وقال- صلى اللّه عليه وسلم-: (خير أعمامى حمزة) (٢) رواه الحافظ الدمشقى. __________ (١) أخرجه الحاكم فى (المستدرك) (٣/ ٢١٤ و ٢١٩) ، والطبرانى فى (الكبير) (٣/ ١٤٩) . (٢) أخرجه الديلمى فى مسند الفردوس عن عباس بن ربيعة، كما فى (الجامع الصغير) (٤٠٤٩). وروى ابن السرى مرفوعا: (سيد الشهداء يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب) (١) . وذكر السلفى عن بريدة فى قوله تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢) قال: حمزة بن عبد المطلب، وعن ابن عباس فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ (٣) قال: حمزة. واستشهد فى وقعة أحد، قتله وحشى. وعن سعيد بن المسيب كان يقول: كنت أعجب لقاتل حمزة كيف ينجو، حتى إنه مات غريقا فى الخمر. رواه الدار قطنى على شرط الشيخين. وقال ابن هشام: بلغنى أن وحشيّا لم يزل يحد فى الخمر حتى خلع من الديوان، فكان عمر يقول: لقد علمت أن اللّه لم يكن ليدع قاتل حمزة. ولما رأى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- حمزة قتيلا بكى، فلما رأى ما مثل به شهق (٤) . وعن أبى هريرة: وقف- صلى اللّه عليه وسلم- على حمزة- وقد قتل ومثل به- فلم ير منظرا كان أوجع لقلبه منه. رواه أبو عمر، والمخلص (٥) ، وصاحب الصفوة. وعند ابن هشام أنه- صلى اللّه عليه وسلم- قال: (لن أصاب بمثلك أبدا، ما وقفت موقفا قط أغيظ لى من هذا) . وعند ابن شاذان من حديث ابن مسعود: ما رأينا رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- __________ (١) صحيح: أخرجه الحاكم فى (المستدرك) (٣/ ٢١٢) من حديث على- رضى اللّه عنه-، و (٣/ ٢١٥) من حديث جابر- رضى اللّه عنه-. (٢) سورة الفجر: ٢٧. (٣) سورة الأحزاب: ٢٣. (٤) ذكره الهيثمى فى (المجمع) (٦/ ١١٨) عن جابر و قال: رواه البزار وفيه عبد اللّه بن محمد ابن عقيل، وهو حسن الحديث على ضعفه، وفى (٦/ ١١٩) عن جابر أيضا و قال: رواه الطبرانى، وفيه المفضل بن صدقة وهو متروك. (٥) هو: الشيخ المحدث، أبو طاهر، محمد بن عبد الرحمن بن العباس البغدادى الذهبى، مخلّص الذهب من الغش، كان ثقة، مات سنة (٣٩٣ هـ) . باكيا قط أشد من بكائه على حمزة بن عبد المطلب، وضعه فى القبلة ثم وقف على جنازته وانتحب حتى نشغ من البكاء يقول: (يا حمزة يا عم رسول اللّه وأسد اللّه وأسد رسوله، يا حمزة يا فاعل الخيرات، يا حمزة يا كاشف الكربات، يا حمزة يا ذابّا عن وجه رسول اللّه) (١) . والنشغ: الشهيق حتى يبلغ به الغشى. وكان- صلى اللّه عليه وسلم- إذا صلى على جنازة كبر عليها أربعا، وكبر على حمزة سبعين تكبيرة، رواه البغوى فى معجمه. وقد روى أنس بن مالك أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم (٢) . خرجه أحمد وأبو داود. فيحمل أمر حمزة على التخصيص، ومن صلى عليه عليه أنه جرح حال الحرب ولم يمت حتى انقضت الحرب. وكان سن حمزة يوم قتل تسعا وخمسين سنة، ودفن هو وابن أخته عبد اللّه بن جحش فى قبر واحد. وأما العباس وكنيته أبو الفضل، فأمه نتلة، ويقال نتيلة بنت جناب بن كلب بن النمر بن قاسط، وي قال: إنها أول عربية كست البيت الحرام الديباج وأصناف الكسوة، لأن العباس ضل وهو صبى، فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت. وكان العباس جميلا وسيما أبيض، له ضفيرتان، معتدلا وقيل كان طوالا، وولد قبل الفيل بثلاث سنين، وكان أسن من النبى- صلى اللّه عليه وسلم- بسنتين أو ثلاث، وكان رئيسا فى قريش وإليه عمارة المسجد الحرام. وكان مع النبى- صلى اللّه عليه وسلم- يوم العقبة يعقد له البيعة على الأنصار، وكان عليه السّلام- يثق به فى أمره كله. ولما شدوا وثاقه فى أسرى بدر سهر- صلى اللّه عليه وسلم- تلك الليلة، فقيل: ما يسهرك يا رسول اللّه؟ قال: (لأنين العباس) فقام رجل __________ (١) لم أقف عليه، ولا أظنه يثبت عن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-. (٢) صحيح: أخرجه أبو داود (٣١٣٥- ٣١٣٧) فى الجنائز، باب: فى الشهيد يغسل، وهو عند البخارى (١٣٤٣) فى الجنائز، باب: الصلاة على الشهيد، ولكن من حديث جابر ابن عبد اللّه- رضى اللّه عنهما-. فأرخى وثاقه، وفعل ذلك بالأسرى كلهم، ذكره أبو عمر، وصاحب الصفوة. وقيل: كان يكتم إسلامه وخرج مع المشركين يوم بدر فقال- صلى اللّه عليه وسلم- (من لقى العباس فلا يقتله فإنه خرج مستكرها) (١) فأسره كعب بن عمرو، ففادى نفسه ورجع إلى مكة. وقيل: إنه أسلم يوم بدر ثم أقبل إلى المدينة مهاجرا، فاستقبل النبى صلى اللّه عليه وسلم- يوم الفتح بالأبواء وكان معه فى فتح مكة، وبه ختمت الهجرة. وقال أبو عمر: أسلم قبل فتح خيبر وكان يكتم إسلامه ويسره ما يفتح اللّه على المسلمين، وأظهر إسلامه يوم فتح مكة، وشهد حنينا والطائف وتبوك. ويقال: إن إسلامه كان قبل بدر، وكان يكتب بأخبار المشركين إلى رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، وكان المسلمون بمكة يثقون به، وكان يحب القدوم على رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-، فيكتب إليه- صلى اللّه عليه وسلم- (إن مقامك بمكة خير لك) وقال أبو مصعب إسماعيل بن قيس بن سعد بن زيد بن ثابت حدثنا أبو حازم سلمة ابن دينار عن سهل بن سعد- رضى اللّه عنه- قال: استأذن العباس- رضى اللّه عنه- النبى صلى اللّه عليه وسلم- فى الهجرة فكتب إليه: (يا عم أقم مكانك الذى أنت فيه، فإن اللّه عز وجل يختم بك الهجرة كما ختم بى النبوة) (٢) رواه أبو يعلى والهيثم بن كليب- فى مسنديهما- والطبرانى فى الكبير. وأبو مصعب متروك، لكن يعتضد بقول عروة بن الزبير: كان العباس قد أسلم وأقام على سقايته ولم يهاجر (٣) ، رواه الحاكم فى مستدركه. وذكر السهمى فى الفضائل أن أبا رافع لما بشر النبى-صلى اللّه عليه وسلم- بإسلام العباس أعتقه. __________ (١) ذكره الحافظ ابن كثير فى (تفسيره) (٢/ ٣٢٧) وعزاه لمحمد بن إسحاق عن العباس بن عبد اللّه بن مغافل عن بعض أهله عن عبد اللّه بن عباس- رضى اللّه عنهما- فذكره. (٢) أخرجه الطبرانى فى (الكبير) (٦/ ١٥٤) ، وأبو يعلى فى (مسنده) (٢٦٤٦) ، بسند فيه أبو مصعب، إسماعيل بن قيس. (٣) أخرجه الحاكم فى (مستدركه) (٣/ ٣٦٤) ، والبيهقى فى (السنن الكبرى) (٩/ ١٥) . وكان- صلى اللّه عليه وسلم- يكرم العباس بعد إسلامه ويعظمه، ووصفه- عليه السّلام- ف قال: (أجود الناس كفّا، وأحناه عليهم) رواه الفضائلى وفى معجم البغوى: (العباس عمى وصنو أبى، من آذاه فقد آذانى) (١) وفى الترمذى نحوه، و قال: حسن صحيح. وذكر السهمى فى الفضائل: أن العباس أتى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فلما رآه قام إليه، وقبل ما بين عينيه، ثم أقعده عن يمينه ثم قال: (هذا عمى فمن شاء فليباه بعمه) فقال العباس: نعم القول يا رسول اللّه، قال (ولم لا أقول هذا، أنت عمى وصنو أبى وبقية آبائى ووارثى وخير من أخلف من أهلى) وقال له صلى اللّه عليه وسلم- (يا عم لا ترم منزلك أنت وبنوك غدا حتى أتيكم فإن لى فيكم حاجة) فلما أتاهم اشتمل عليهم بملاءة ثم قال: (يا رب، هذا عمى وصنو أبى وهؤلاء أهل بيتى فاسترهم من النار كسترى إياهم بملاءتى هذه) قال: فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت: آمين آمين آمين. رواه ابن غيلان، وأبو القاسم حمزة، والسهمى، ورواه ابن السرى وفيه: فما بقى فى البيت مدرة ولا باب إلا أمن. ورواه الترمذى من حديث ابن عباس بلفظ (فألبسنا كساء) ثم قال: (اللّهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبا، اللّهم احفظه فى ولده) (٢) ، وقال حسن غريب. وعند ابن عبد الباقى من حديث أبى هريرة: (اللّهم اغفر للعباس ولولد العباس ولمن أحبهم) (٣) . وفى تاريخ دمشق من حديث ابن عباس عن أبيه أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- قال له فى فتح مكة (اللّهم انصر العباس وولد العباس) قالها ثلاثا ثم قال: __________ (١) أخرجه الترمذى (٣٧٥٨) فى المناقب، باب: مناقب العباس بن عبد المطلب- رضى اللّه عنه-، وأحمد فى (مسنده) ، (٤/ ١٦٥) وقال الترمذى فى نسختنا: حسن غريب. (٢) حسن: أخرجه الترمذى (٣٧٦٢) فى المناقب، باب: مناقب العباس بن عبد المطلب رضى اللّه عنه-، والطبرانى فى (مسند الشاميين) (١/ ٢٦٥) ، و قال: حديث حسن غريب، وهو كما قال. (٣) أخرجه الخطيب البغدادى وابن عساكر عن أبى هريرة كما فى (كنز العمال) (٣٣٤٤٦) . (يا عم أما علمت أن المهدى من ولدك) (١) . وروى الحاكم فى مستدركه والبغوى فى معجمه عن سعيد بن المسيب أنه قال: (العباس حبر هذه الأمة، ووارث النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وعمه) قال الذهبى سنده صحيح. قال: ويتكلف لتأويله إن كان قوله خير- بالمعجمة والتحتية-. وفى الأفراد للدار قطنى عن جابر الأنصارى- رضى اللّه عنه-. قال سمعت: رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يقول (من لم يحب العباس بن عبد المطلب وأهل بيته فقد برىء من اللّه ورسوله) وفى سنده عمر بن راشد الحارثى. وهو ..... جدّا. لكن يشهد له ما رواه محمد بن حسين الأشنانى ثم أبو بكر بن عبد الباقى فى أماليه ومن طريقهما المنذرى من طريق منصور عن مسلم بن صبيح بن الضحى عن مسروق عن ابن عباس- رضى اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- (من لم يحب عمى) هذا- وأخذ بيد العباس فرفعها (للّه عز وجل ولقرابته لى فليس بمؤمن) (٢) . وللترمذى و قال: حسن، عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- قال للعباس (والذى نفسى بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان ما لم يحبكم للّه ولرسوله)ثم قال (يا أيها الناس من آذى عمى فقد آذانى فإنما عم الرجل صنو أبيه) (٣) . وروى البغوى أنه- عليه الصلاة والسلام- قال له: (لك يا عم من اللّه حتى ترضى) (٤) . وروى السهمى فى الفضائل أنه- عليه السّلام- قال للعباس: (إن اللّه عز وجل غير معذبك ولا أحد من ولدك) . وفى المعجم الكبير للطبرانى عن سهل بن سعد قال: قال رسول اللّه __________ (١) أخرجه الحاكم فى (المستدرك) (٣/ ٣٧٦) عن سعيد بن المسيب مرسلا. (٢) أخرجه العقيلى فى (الضعفاء) له (٤/ ١٤٩) . (٣) تقدم قبل قليل. (٤) ذكره ابن عساكر كما فى (تهذيب تاريخ دمشق) (٧/ ٢٤٣) . - صلى اللّه عليه وسلم-: (اللّهم اغفر للعباس، وأبناء العباس وأبناء أبناء العباس) (١) . وفى سنده عبد الرحمن بن حاتم المرادى المصرى وهو متروك. وفى تاريخ دمشق- مما هو شديد الوهى- عن أبى هريرة مرفوعا: (اللّهم اغفر للعباس ولولد العباس ولمحبى ولد العباس وشيعتهم) (٢) . وفى المناقب للإمام أحمد بسند لا بأس به، أن العباس قال: كنت عند النبى- صلى اللّه عليه وسلم- ذات ليلة ف قال: (انظر هل ترى فى السماء نجما) قلت: نعم قال: (ما ترى) قلت: الثريا، قال: (أما إنه يلى هذه الأمة بعددها من صلبك) (٣) . وروى السهمى من حديث ابن عباس أنه- صلى اللّه عليه وسلم- قال له: (ألا أبشرك يا عم) قال: بلى بأبى أنت وأمى فقال- عليه السّلام-: (إن من ذريتك الأصفياء ومن عترتك الخلفاء) (٤) . ومن حديث أبى هريرة: (فيكم النبوة والمملكة) (٥) . ومن حديث ابن عباس عن أبيه: (هذا عمى أبو الخلفاء أجود قريش كفّا وأجملها وإن من ولده السفاح والمنصور والمهدى) (٦) . __________ (١) أخرجه الطبرانى فى (الكبير) (٦/ ٢٠٥) ، وذكره الهيثمى فى (المجمع) (٩/ ٢٦٩) و قال: رواه الطبرانى عن شيخه عبد الرحمن بن حاتم المرادى. (٢) تقدم قبل قليل من حديث أبى هريرة- رضى اللّه عنه-. (٣) أخرجه أحمد فى (المسند) (١/ ٢٠٩) ، والحاكم فى (المستدرك) (٣/ ٣٦٨) ، وذكره الهيثمى فى (المجمع) (٥/ ١٨٦) و قال: رواه أحمد والطبرانى، وفيه أبو ميسرة مولى العباس ولم أعرفه إلا فى ترجمة أبى قبيل وبقية رجال أحمد ثقات. (٤) أخرجه الرافعى عن ابن عباس، كما فى (كنز العمال) (٣٣٤٢٠) . (٥) أخرجه ابن عساكر عن أبى هريرة كما فى (كنز العمال) (٥٣٣٤٣٤ و ٣٨٧١٨٥) ، وذكره الهيثمى فى (المجمع) (٥/ ١٩٢) و قال: رواه البزار وفيه محمد بن عبد الرحمن العامرى، وهو ...... (٦) انظر (ال.......ات) لابن الجوزى (٢/ ٣٧) ، و (اللآلىء المصنوعة) للسيوطى (١/ ٢٢٦) . وذكر ابن حبان والملاء من حديث ابن عباس أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- قال: (يا أبا بكر هذا العباس قد أقبل وعليه ثياب بيض وسيلبس ولده من بعده السواد) . وعن جابر بن عبد اللّه سمعت رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- يقول (ليكونن فى ولده- يعنى العباس- ملوك يكونون أمراء أمتى، يعز اللّه بهم الدين) (١) قال الحافظ أبو الحسن الدار قطنى: هذا حديث غريب من حديث عمرو بن دينار عن جابر، خرجه الأصفهانى. وتوفى العباس- رضى اللّه عنه- فى خلافة عثمان- رضى اللّه عنه- قبل مقتله بسنتين بالمدينة، يوم الجمعة لاثنتى عشرة- وقيل لأربع عشرة- خلت من رجب، وقيل من رمضان سنة اثنتين وقيلثلاث وثلاثين، وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وقيل سبع وثمانين سنة، أدرك منها فى الإسلام اثنتين وثلاثين سنة ودفن بالبقيع، ودخل قبره ابنه عبد اللّه. وكان عظيما جليلا، وكان يسمى ترجمان القرآن، وهو أبو الخلفاء. ويروى أن أمه أم الفضل لما وضعته أتت به النبى- صلى اللّه عليه وسلم- فأذن فى أذنه اليمنى، وأقام فى اليسرى، و قال: (اذهبى بأبى الخلفاء) (٢) رواه ابن حبان وغيره. وقد ملأ عقبه الأرض حتى قيل إنهم بلغوا فى زمن المأمون ستمائة ألف. واستبعد واللّه أعلم. وكان العباس أصغر أعمامه- صلى اللّه عليه وسلم- ولم يسلم منهم إلا هو وحمزة. وأسنهم الحارث. وأما عماته- صلى اللّه عليه وسلم- بنات عبد المطلب بن هاشم، فجملتهن ست: عاتكة، وأميمة، والبيضاء وهى أم حكيم، وبرة، وصفية، وأروى، ولم يسلم منهن إلا صفية أم الزبير بلا خلاف. __________ (١) انظر (العلل المتناهية) لابن الجوزى (١/ ٢٨٨) . (٢) أخرجه الخطيب عن ابن عباس عن أمه أم الفضل كما فى (كنز العمال) (٣٣٤٣٢ و ٣٣٥٨٧) ، وذكره الهيثمى فى (المجمع) (٥/ ١٨٧) و قال: رواه الطبرانى فى الأوسط، وفيه أحمد بن راشد الهلالى، وقد اتهم بهذا الحديث. واختلف فى أروى وعاتكة، فذهب أبو جعفر العقيلى إلى إسلامهما، وعدهما فى الصحابة، وذكر الدار قطنى: عاتكة فى جملة الإخوة والأخوات، ولم يذكر أروى. وأما ابن إسحاق فذكر أنه لم يسلم منهن غير صفية. فأما صفية فأسلمت باتفاق، كما ذكرته، وشهدت الخندق، وقتلت رجلا من اليهود، وضرب لها- صلى اللّه عليه وسلم- بسهم، وأمها هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة، شقيقة حمزة والمقوم وحجل، وكانت فى الجاهلية تحت الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس، ثم هلك فخلفه عليها العوام بن خويلد أخو خديجة أم المؤمنين، فولدت له الزبير والسائب وعبد الكعبة، وتوفيت بالمدينة فى خلافة عمر- رضى اللّه عنه- سنة عشرين، ولها ثلاث وسبعون سنة، ودفنت بالبقيع. وأما عاتكة المختلف فى إسلامها فأمها فاطمة بنت عمرو بن عائد، فتكون شقيقة عبد اللّه أبى النبى- صلى اللّه عليه وسلم- وأبى طالب والزبير وعبد الكعبة، وهى صاحبة الرؤيا فى قصة بدر(١) . وأما أروى المختلف أيضا فى إسلامها، فأمها صفية بنت جندب، فهى شقيقة الحارث بن عبد المطلب، وكانت تحت عمير بن وهب بن عبد الدار بن قصى، فولدت له طليبا، ثم خلفه عليها كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى. وأسلم طليب وكان سببا فى إسلام أمه، كما ذكره الواقدى. وأما أم حكيم، البيضاء، فهى شقيقة عبد اللّه أبى النبى- صلى اللّه عليه وسلم-. وأما برة فأمها فاطمة أيضا، وكانت عند أبى رهم بن عبد العزى العامرى، ثم خلفه عليها عبد الأسد بن هلال المخزومى، فولدت له أبا سلمة بن عبد الأسد الذى كانت عنده أم سلمة قبل النبى- صلى اللّه عليه وسلم-. وأما أميمة فأمها فاطمة، وكانت تحت جحش بن رئاب، فولدت له عبد اللّه وعبيد اللّه وأبا أحمد وزينب وأم حبيبة وحمنة، أولاد جحش بن رئاب. وأما جداته- عليه الصلاة والسلام- من أبيه: __________ (١) انظر خبر رؤيتها فى (دلائل النبوة) للبيهقى (٣/ ٢٩- ٣١) . فأم عبد اللّه- أبيه- هى فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم. وأم عبد المطلب، سلمى ابنة عمرو من بنى النجار، وكانت قبل هاشم تحت أحيحة بن الجلاح فولدت له عمرو بن أحيحة، وهو أخو عبد المطلب لأمه. وأم هاشم عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان من بنى سليم. وأم عبد مناف عاتكة بنت فالج بن مليك بن ذكوان من بنى سليم. وأم قصى فاطمة بنت سعد من أزد الشراة. وأم كلاب، نعم بنت سرير بن ثعلبة بن مالك بن كنانة. وأم مرة وحشية بنت شيبان بن محارب بن فهم. وأم كعب، سلمى بنت محارب من فهم. وأم لؤى، وحشية بنت مدلج بن مرة بن عبد مناف من كنانة. وأم غالب، سلمى بنت سعد من هذيل. وأم فهر، جندلة بنت الحارث الجرهمى. وأم مالك: هند بنت عدوان بن عمرو بن قيس بن غيلان. وأم النضر، برة بنت مرة، أخت تميم بن مرة. ذكره ابن قتيبة فى كتاب المعارف كما حكاه الطبرى عنه و قال: فالجدة الأولى قرشية مخزومية، والثانية نجارية، والثالثة سليمية والرابعة سليمية أيضا، وقيل خزاعية والخامسة أزدية، والسادسة كنانية، والسابعة فهمية والثامنة فهمية أيضا أو فهرية- والخط فى الأصل يوهم- والتاسعة كنانية، والعاشرة هذلية، والحادية عشرة جرهمية، والثانية عشرة قيسية، والثالثة عشرة مرية. وأما جداته- عليه الصلاة والسلام- من أمه (١) : فأم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، برة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصى بن كلاب بن مرة وأم أبيها وهب: __________ (١) انظر (الطبقات الكبرى) لابن سعد (١/ ٤٩) . عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان من بنى سليم، ذكره ابن قتيبة. وقال أبو عمر: ويعرف أبوها بأبى كبشة الذى ينسب إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم- في قال: ابن أبى كبشة، ونسب إليه لأنه كان يعبد (الشعرى) ولم يكن أحد من العرب يعبدها غيره، فلما جاءهم- صلى اللّه عليه وسلم- بخلاف ما كانت عليه العرب قالوا: هذا ابن أبى كبشة، ولم يقصدوا ذمه- صلى اللّه عليه وسلم- بذلك. وقيل: بل نسب إلى وهب أخى أمه كان يدعى بها، وقيل: كان يدعى بها أبوه من الرضاعة: الحارث بن عبد العزى زوج حليمة فنسب إليه. وأم برة هى أم حبيب، قاله ابن قتيبة وقال أبو سعد: أم سفيان بنت أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب بن مرة بن كعب. وأم أم حبيب هى برة بنت عوف بن عبيد بن عدى بن كعب بن لؤى بن غالب. وأم برة بنت عوف، قلابة بنت الحارث بن صعصعة بن عائذ بن لحيان ابن هذيل. وأم قلابة، هند بنت يربوع من ثقيف. قاله ابن قتيبة، وقال ابن سعد: أمها بنت مالك بن عثمان من بنى لحيان. فالجدة الأولى والثانية والثالثة من أمهات أمه- صلى اللّه عليه وسلم- قرشيات، وأم أبى أمه سلمية والرابعة لحيانية هذلية، والخامسة ثقفية، ففى كل قبيلة من قبائل العرب له- صلى اللّه عليه وسلم- علقة نسب. وأما إخوته- عليه الصلاة والسلام- من الرضاعة (١) : فحمزة وأبو سلمة بن عبد الأسد، أرضعتهما معه- صلى اللّه عليه وسلم- ثويبة جارية أبى لهب بلبن ابنها مسروح بن ثويبة. وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب أرضعته ورسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- __________ (١) انظر (الطبقات الكبرى) لابن سعد (١/ ٨٧) . حليمة السعدية، وعبد اللّه وآسية وجدامة- وتعرف بالشيماء- الثلاثة أولاد حليمة. وقد روى أن خيلا له- صلى اللّه عليه وسلم- أغارت على هوازن، فأخذوها فى جملة السبى، فقالت: أنا أخت صاحبكم، فلما قدموا على رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- قالت له: يا محمد، أنا أختك، فرحب بها وبسط لها رداءه، وأجلسها عليه ودمعت عيناه، وقال- صلى اللّه عليه وسلم-: (إن أحببت فأقيمى عندى مكرمة محببة، وإن أحببت أن ترجعى إلى قومك وصلتك) قالت: بل أرجع إلى قومى، فأسلمت، وأعطاها رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم- ثلاثة أعبد وجارية ونعما وشاء (١) ذكره أبو عمر وابن قتيبة. وأما أمه من الرضاعة، فحليمة بنت أبى ذؤيب من هوازن، وهى التى أرضعته حتى أكملت رضاعه، وجاءته- صلى اللّه عليه وسلم- يوم حنين فقام إليها وبسط رداءه لها، فجلست عليه. وكذا ثويبة جارية أبى لهب أيضا، واختلف فى إسلامها كما اختلف فى إسلام حليمة وزوجها، فاللّه أعلم. وكانت ثويبة تدخل عليه- صلى اللّه عليه وسلم- بعد أن تزوج خديجة، فكانت تكرمها. وأعتقها أبو لهب، وكان- صلى اللّه عليه وسلم- يبعث إليها من المدينة بكسوة وصلة حتى ماتت بعد فتح خيبر. ذكره أبو عمر. وكانت حاضنته- صلى اللّه عليه وسلم- أم أيمن، بركة بنت ثعلبة بن حصن بن مالك، غلبت عليها كنيتها، وكنيت باسم ابنها أيمن الحبشى، وهى أم أسامة بن زيد، تزوجها زيد بعد عبيد، فولدت له أسامة، وي قال: إنها مولاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم-. هاجرت الهجرتين إلى أرض الحبشة وإلى المدينة. وكانت لعبد اللّه ابن عبد المطلب، فورثها النبى- صلى اللّه عليه وسلم-. وقيل كانت لأمه-عليه السّلام-. وكان صلى اللّه عليه وسلم- يقول: (أم أيمن أمى بعد أمى) (٢) . وكانت الشيماء بنت حليمة السعدية تحضنه أيضا مع أمها حليمة السعدية. __________ (١) انظر قصتها فى (الإصابة) لابن حجر العسقلانى (٧/ ٧٣٢) . (٢) أخرجه ابن عساكر عن سليمان بن أبى شيخ معضلا، كما فى (..... الجامع) (١٢٧٦) . |