Geri

   

 

 

İleri

 

١٢٢

المكتوب الثاني والعشرون والمائة

الى نور محمد التهاري في بيان ان الطريق الموصل الى جناب قدس الحق تعالى اثنان

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

الحمد للّه و سلام على عباده الذين اصطفى ان الطريق الموصل الى جناب قدسه تعالى اثنان طريق يتعلق بقرب النبوة على ارباﺑﻬا الصلاة والتحية وهو موصل الى اصل الاصل والواصلون من هذا الطريق بالاصالة هم الانبياء عليهم السلام واصحاﺑﻬم الكرام ويشرف به ايضا من اريد له ذلك من سائر اولياء الامة العظام وان كانوا قليلين بل اقل ولا توسط في هذا الطريق ولا حيلولة وكل من يأخذ الفيض من هؤلاء الواصلين يأخذه من الاصل بلا توسط احد وليس احدهم حائلا للآخر وطريق يتعلق بقرب الولاية والاقطاب والاوتاد والبدلاء والنجباء وعامة اولياء اللّه تعالى واصلون من هذا الطريق وطريق السلوك عبارة عن هذا الطريق بل الجذبة المتعارفة ايضا داخلة فيه وفيه التوسط والحيلولة ومقتدى الواصلين من هذا الطريق ورئيسهم ومنبع فيض هؤلاء الاكابر علي المرتضى كرم اللّه تعالى وجهه الكريم وهذا المنصب العظيم الشان متعلق به وكأن قدمي النبي صّلى اللّه عليه و سّلم في هذا المقام على فرقه المبارك كرم اللّه تعالى وجهه وحضرة الفاطمة وحضرات الحسنين شركاء معه في هذا المقام واظن انه كرم اللّه وجهه كان ملاذ هذا المقام قبل النشأة العنصرية ايضا كما ان بعد النشأة العنصرية كل من وصل اليه الفيض والهداية من هذا الطريق وصل بتوسطه فانه عند نقطة منتهى هذا الطريق ومركز هذا المقام متعلق به ولما تم دوره كرم اللّه وجهه فوض هذا المنصب العظيم القدر وسلمه الى حضرات الحسنين على الترتيب وبعدهما الى كل واحد من الائمة الاثني عشر على الترتيب والتفصيل وكل من وصل اليه الفيض والهداية في اعصار هؤلاء الاكابر وكذلك بعد ارتحالهم وصل بتوسطهم وبحيلولتهم وان كان من الاقطاب ونجباء الوقت وكان ملاذ الجميع وملجأ الكل هؤلاء الاكابر فانه لا بد للاطراف من اللحوق بالمركز الى ان وصلت النوبة الى الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره ولما بلغت النوبة اليه فوض المنصب المذكور اليه قدس سره ولا يشاهد على هذا المركز احد بين الائمة المذكورين وبين الشيخ قدس سره ويفهم وصول الفيوض والبركات في هذا الطريق الى اي فرد كان من الاقطاب والنجباء بتوسطه الشريف فان هذا المركز لم يتيسر لغيره ولهذا قال (شعر): ( ١ )

( ١ ) من قصيدة مطلعها ما في المناهل منهل مستعذب * الا ولي فيه الالذ الاطيب عفي عنه.

أفلت شموس الاولين وشمسنا * ابدا على أفق العلى لا تغرب

والمراد بالشمس شمس فيضان الهداية والارشاد ومن أفولها عدم الفيضان المذكور ولما تعلقت المعاملة التي كانت اولا متعلقة بالاولين بالشيخ بعد وجوده وصارهو واسطة وصول الرشد والهداية كما كان الاولون قبله و يكون وصول الفيض ايضا بتوسطه ما دامت معاملة التوسط باقية صح قوله (شعر):

افلت شموس الاولين وشمسنا البيت

 (فان قيل) ان هذا الحكم منتقض بمجدد الالف الثاني فانه قد اندرج في مكتوب من مكتوبات الجلد الثاني في بيان معنى مجدد الالف الثاني ان كلما يصل الى الامة في تلك المدة من انواع الفيض انما يصل بتوسطه سواء كانوا اقطابا او اوتادا او بدلاء او نجباء في ذلك الوقت

(قلت) ان مجدد الالف في هذا المقام نائب مناب حضرة الشيخ قدس سره وهذه المعاملة مربوطة به نيابة عن حضرة الشيخ كما قالوا ان نور القمر مستفاد من نور الشمس فلا محذور

(فان قيل) ان معنى مجدد الالف الذي ذكر فيما سبق مشكل لان عيسى عليه السلام يترل في المدة المذكورة والمهدي عليه الرضوان ايضا يظهر في تلك المدة ومعاملتهما اجل واعلى من ان تأخذا الفيوض بتوسط احد

(قلت) ان معاملة التوسط مربوطة بالطريق الثاني من الطريقين.المذكورين الذي هو عبارة عن قرب الولاية وفي الطريق الاول الذي هو عبارة عن قرب النبوة معاملة التوسط مفقودة وكل من وصل من ذاك الطريق ليس له حائل ومتوسط في البين بل يأخذ الفيوض والبركات بلا توسط احد والتوسط والحيلولة انما هما في الطريق الاخير فقط ومعاملة ذلك الموطن ممتازة عن غيره كما مر وعيسي عليه السلام والمهدي عليه الرضوان واصلان من الطريق الاول كما ان الشيخين رضي اللّه عنهما وصلا من الطريق الاول في ضمنه صّلى اللّه عليه و سّلم ولهما فيه شأن خاص على تفاوت درجاﺗﻬما

(تنبيه) ينبغي ان يعلم انه يصح ان يصل شخص من طريق قرب الولاية الى قرب النبوة و يكون شريكا في كلتا المعاملتين ويعطي محلا هناك ايضا بتطفل الانبياء عليهم الصلاة و السلام ويجعل معاملة كلا الطريقين مربوطة به (شعر):

ليس على اللّه بمستنكر * ان يجمع العالم في واحد

ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين والحمد للّه رب العالمين و صلى اللّه تعالى على سيدنا محمد سيد المرسلين وآله وصحبه اجمعين قد من اللّه سبحانه و تعالى على هذا العبد العاجز اللاشئ باتمام هذه الترجمة الحقيرة بعد اتعاب الجسم والروح في عدة شهور وصارت بحيث يطلق عليه اسم المسطور فلولا ان من اللّه به عليّ لما تيسر مدي الدهور لاني حين الاشتغال كنت مبتلى بغاية سوء الحال وتشتت البال وانواع الاهوال بحيث كان الاشتغال ﺑﻬا من اظهر المحال الا ان ما يسرّ اللّه سبحانه ليس بعسير وهو على كل شئ قدير وكان الشروع فيها في اواسط شعبان المعظم عام ثلاثة وثلاثمائة والف والفراغ منها في ذي القعدة من العام الثاني وكم شردت في تلك المدة لاقتناص شواردها رقادي وكم فرقت لجمع فرائدها شمل فؤادي وكم فارقت لوصل خرائدها قومي وكم صبرت لقيد فوائدها على ايذاء من خاض في لومي وكم اقتحمت لاستيضاح نكتة منها مواقع السهر في ظلماء الدياجر وكم اقدمت لتصحيح شبهة منها ظماء الهواجر فنسأل اللّه سبحانه ان يجعلها خالصة لوجهه الكريم وان ينفع ﺑﻬا اخوان الصفاء النفع العميم انه لطيف بعباده رؤف رحيم و صلى اللّه على سيدنا محمد ذي الخلق العظيم وآله وصحبه الذين تأهبوا ليوم عظيم

م   م   م

م  م

م

يقول الراجى من ربه نيل الأمانى * عبد الحميد فردوس المكى الخالدى الأفغانى مصحح الكتب العربية * بالمطبعة الميرية * غفر اللّه له ولوالديه ولمحبيه وللمسلمين.

الحمد للّه الذى نور قلب العارفين بنور اليقين * وشرح صدور الواصلين بالمشاهدة فكانوا هداة الدين * فأعربوا عن الحقائق الإلهية بلسان الحق المبين * والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين * ترجمان لسان القدم * ومنبع الحكمة والحكم * من أوتى فصل الخطاب وجوامع الكلم * وعلى آله وأصحابه هداة الأمم * والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين * وبعد فد تم بحمد اللّه الوهاب * طبع الكتاب المستطاب * الموسوم بالدرر المكنونات النفيسة * فى تعريب المكتوبات الشريفة * للإمام الكامل المكمل ذى الجناحين * المرشد المجدد للألف الثانى بلا ريب ولا مين * العلامة الأستاذ الشيخ الربانى * والهيكل الصمدانى * سيدى ومولاى الشيخ أحمد السرهندى * الأفغانى * النقشبندى * نفع اللّه به آمين والتعريب والتعريب للعالم الفاضل الكامل الجامع بين عملى الظاهر والباطن العلامة الشيخ محمد مراد القزانى المكى فللّه در مؤلفه فقد أفاد وأجاد * بلغه اللّه وإيانا المراد * وشكر سعيه ونفع به كما نفع بأصله إنه سميع قريب مجيب * ولم نألوا جهدا فى التصحيح ثم نرفعه لملاحظة المؤلف فيطبع بعد ذلك وذلك فى المطبعة الميرية * الكائنة بمكة المحمية * فى ظل ظل اللّه فى الأرض * وخليفته فى الطول والعرض * ملك البرين وخاقان البحرين والممالك التى لا تحصى * خادم الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى * مولانا السلطان المظفر المعان المحفوظ بالقرآن والسبع المثانى * مولانا السلطان الغازى ( عبد الحميد ) خان الثانى اللّهم انصره نصرا تعز به الدين * وتنجز وعد وكان حقا علينا نصر المؤمنين * ووفقه ووزراءه وقضاته وعماله لما تحب وترضى فى كل وقت وحين * بنظر وإدارة مديرها من للمكارم يبدى * شويكى زاده عبد الغنى أفندى * والتصحيح بمصاحبة العالم الفاضل الشيخ عبد اللّه زبير وكان تمام الطبع * وختام الترتيب والوضع فى اليوم السابع عشر من شهر ربيع الأول من عام السابع عشر والثلاثمائة والألف * من هجرة من خلقه اللّه على أكمل وصف * صلى اللّه عليه وعلى آله * وكل ناسج على منواله ما طاف بالبيت العتيق طائف * ووقف بعرفة واقف * ولما بدا بدر تمامه * وفاح مسك ختامه * قلت مؤرخاً ( شعر).

درر زهت بالطبع يا صاح * أم غادة جليت بأفراح

أم روضة مأنوسة جمعت * للروح والريحان والراح

أم ذا كتاب عربت وعلت * ألفاظه بالطبق يا صاحى

سر الطريقة والحقيقة قد * أبداه فيه لنا بإيضاح

للفاضل الشيخ الذكر مرا  * د من أمد بفيض فتاح

فللّه يعلى قدره أبدا  * بالأنبيا والسيد الماحى

من غير كاف تم أرخه  * تعريب مكتوب بإفصاح

    ١٣١٧    ٥     ٦٨٢     ٤٤٨     ١٨٢

( ترجمة أحوال المعرب على سبيل الإجمال )

هو الشيخ محمد مراد سلمه اللّه تعالى ابن عبد اللّه ولد سنة اثنتين وسبعين ومائتين وألف فى منتصف ربيع الآخر يوم الثلاثاء والشمس فى أواسط برج الجدى فى قرية المت من مضافات قصبة منزلة التابعة لولاية أوفا من ممالك قزان المدعوة سابقاً بممالك بلغار الشهيرة فى الكتب الفقهية بعد غيبوبة الشفق لتوغلها فى الشمال أسلم أهلها طوعاً فى حدود سنة ثلاثمائة أيام المقتدر باللّه العباسى أو قبلها التابعة الآن من حدود سنة إحدى وستين وتسعمائة لدولة الروسية فلما بلغ سلمه اللّه تعالى ست سنين شرع فى قراءة العلوم أخذ القرآن المجيد أولا من أبويه ثم من خاله الشيخ الملا حسن الدين الذى هو من أكبر تلامذة المنلا إسمعيل القشقارى المشهور فى تلك البلاد وشرع فى قراءة الصرف فى سن تسع وقرأ عوامل الجرجانى فى سن احدى عشرة ولازم خاله المذكور إلى أن بلغ عمره ثمانى عشرة سنة وقرأ فى تلك المدة عليه من النحو والمنطق والأخلاق والفقه إلى شرح العقائد النسفية للتفتازانى وكان معيدا لدروسه وبهذا حصل له ملكة جيدة فيما قرأ وبعد ذلك سافر إلى بلدة قزان فى أول ربيع من عام تسعين ومائتين وألف واختار مدرسة العلامة شهاب الدين القزانى المرجانى صاحب الناظورة وغيرها من التآليف الكثيرة ولكن لم يوفق للإقامة هناك بل سافر منها قاصدا بخارا وما وراء النهر صحبة واحد من السياحين إلا أنه توقف أثناء سفره هذا فى بلدة طرويسكى مقدار سنين واختار للإقامة هناك مدرسة المرحوم الحاج المنلا شرف الدين والمنلا محمد جان وقرأ عليهما شرح العقائد وسلم العلوم فى المنطق مع حواشيه وهو غير السلم المنورق المنظوم المستعمل فى بلاد العرب بل هو منثور وأكبر من المذكور وأجمع لقواعد المنطق إلا أنه مخلوط بمسائل الفلسفة خصوصا حاشيته المشهورة للقاضى مبارك الكوفاموى الهندى وكان له شغف تام به حتى كتبه وحاشيته المذكورة وحاشية المنلا حسن بيده وحفظه من أوله لكونه رائجاً فى بلاده والناس لابد لهم من أن يرغبوا لما هو رائج عند أهل زمانه وبلاده وكان يعتقد كاهل بلاده أن لا كمال فوق الذى يحويه هذا الكتاب وحاشيته المذكورة ولهذا كان لا يفارقهما فى سفره وحضره ثم توجه إلى بخارا من طريق طاشكند وأقام بطاشكند مقدار شهرين وكان يحضر درس شرح العقائد وشرح حكمة العين عند بعض علمائها ثم دخل بخارا سنة ثلاثة وتسعين وحضر درس شرح العلامة الدوانى على تهذيب المنطق للعلامة التفتازانى من أوله عند المنلا عبد اللّه المفتى السرطاوى القزانى والمنلا عبد الشكور التركمانى رحمهما اللّه فأتم بحث الحمد فى مدة ستة أشهر بقراءة أربعة من حواشيه على ما هو عادة تلك البلاد فى هذه الأزمنة الأخيرة فيقرأونه بهذه الكيفية إلى بحث الموضوع فى مدة أربع سنين ثم يتركونه قبل الوصول إلى مقصود الفن وهكذا عادتهم فى جميع الكتب فطرأ الفتور على تحصيله بعد اطلاعه على ذلك وتيقن أن بخارا لم تبق معدنا للكمالات كما كان أولاً وأن شهرتها إنما هى بالنظر إلى حالها الأول وعلم يقينا أن الإقامة فيها على هذه الحالة تضييع للوقت لا غير وحرمان من المقصود فخرج منها فى أول الربيع متوجهاً إلى طاشكند ثانياً فأقام بها وبنواحيها سنتين وحضر درس علمائها المتداول هناك وأقام فى رباط بعض المشائخ فى نواحيها مدة معلما وصادف عنده كثيراً من كتب التصوف بالعربية والفارسية وكتب السير أيضاً فطالعها كلها بالشوق والالتذاذ واستيقن أن ما ظنه كمالا نقص محض وأنه تضييع للوقت وأن الكمال فيما وراءه ورأى النبى صلى اللّه عليه وسلم فى منامه أثناء مطالعته كتب السير وتشرف بالإنابة فى الطريقة على يد بعض المشائخ فى تلك الناحية ثم أراد الرجوع إلى بخارا ثانياً فدله بعض أحبابه على التوجه إلى الحجاز وشوقه إلى ذلك فخرج من طاشكند فى أواسط سنة خمس وتسعين فى رفاقه بعض أعيان بلاده المجاورين بطاشكند متوجهاً إلى الحجاز فسلكوا طريق سمرقند وقرشى وعذار وبلخ وكابل وجلال آباد وپشاور ولاهور وأمرتسر فتوقفوا هناك جمعة واحدة بسبب انكسار الجسر فى طريق بابور البر فرجعوا من هناك إلى لاهور ثانياً فسلكوا طريق ملتان فسقر بقر فحيدر آباد السندفكراجى فبمبى فأقاموا هناك مدة شهر رمضان وبعد العيد ركبوا البابور ووصلوا إلى جدة بعد ثمانية عشر يوماً ودخلوا مكة المكرمة فى أواخر شوال وبعد أن حج فى السنة المذكورة توجه إلى المدينة المنورة فدخل هناك أولا فى مدرسة أمين أغا ثم تحول بعد شهور إلى مدرسة الشفا ثم انتقل منها بعد ثمانية أشهر إلى المدرسة المحمودية بسبب أن مدرسها الذى كان جاء من الآستانة فى العام المذكور وأحدث الامتحان لقبلو الطلبة فى المدرسة المذكورة فحضر دروس العلوم الدينية كالفقه والحديث والتفسير عند علمائها الكبار وانكب على مطالعة العلوم العربية خصوصاً الفنون الثلاثة والعروض فحصل منها شيأ صالحاً وطالع أكثر الأحياء وسائر كتب التصوف وقرأ التوضيح فى الأصول مع حاشيته التلويح على واحد من علماء بلاده وكان جاور فى المدينة فى العام المذكور وأتم حفظ القرآن فى العام الذى دخل المدينة ونال الإجازة من كبار علماء المدينة الذين حضر دروسهم من الأهالى والمجاورين فى سائر الفنون والعلوم ودخل الطريقة النقشبندية المجددية عند قطب وقته والمشار إليه بالبنان فى الطريقة والحقيقة فى عصره والذى لا يشق له غبار فيهما مولانا الشيخ محمد مظهر قدس اللّه سره وروح روحه ونور ضريحه وكان له قدس سره فى حقه عناية تامة والتفات خاص وقد أثنى عليه مرارا عند خواص أصحابه حين غيبوبته أخبره بذلك وبشره بما هنالك المرحوم المخدوم اسمعيل أفندى التوسى الذى كان من خواص أصحابه وناظر كتبه رحمه اللّه تعالى وقال المترجم سلمه اللّه رأيت مرة فى المنام حين كنت فى صحبة سيدى محمد مظهر قدس سره بيتا عالياً فى صحراء واسعة وحوله أصحاب سيدى الشيخ وفى أيديهم المخدوم الأعظم الشيخ أحمد بهاؤ الدين حفظه اللّه تعالى ولد شيخنا يريدون أن يدخلوه فى البيت المذكور ويتداولونه من يد إلى يد يجيئون به تارة إلى باب وتارة إلى الطاقة ولا يقدرون على إدخاله بوجه ما لأن العتبة عالية جداً والحقير انظر اليهم من بعيد وأضحك متعجباً من عدم قدرتهم على الإدخال فلما تبين لى عجزهم أخذته من أيديهم ووضعته فى العتبة وقلت له ادخل البيت فدخل اهـ قال فكان الأمر كذلك لأن شيخنا المذكور لما توفى بقى المخدوم المذكور حفظه اللّه فى سن عشرة فأخذه سيدى السيد محمد صالح الزواوى المكى قدس اللّه سره وروح روحه ونور ضريحه فى حجر تربيته فلما جاء به مكة المكرمة سلمه إلىّ للأقراء فقرأ على مدة حياة سيدى المذكور وسنتين بعد وفاته أيضاً واستفاد طريقة أجداده أيضاً فى تلك المدة حتى حملته إلى المدينة سنة عشر وثلاثمائة وألف ووضعته فى عتبة باب آبائه وأجداده العالية وهو الآن جالس فى مسند آبائه الكرام رزقه اللّه تعالى حسن الاستقامة والحمد للّه على ذلك وحين كان يستفيد فى صحبة شيخه المذكور من الأسرار ويستضئ فيها بأنواع الأنوار وحصل له فيها أحوال القلب وسائر اللطائف فى مدة يسيرة وشاهد حصولها فى عالم المثال بصور الأنوار إذ غدر عليه الدهر الغدار حيث حصل له مرض شديد سلب عنه الصبر والقرار فلزمه تبديل الهواء بالسفر إلى بلاده فحصل الأذن من شيخه بأنواع الحيلة إذ كان غير راض بمفارقته لعدم مجيئ أوانها فسافر إلى وطنه وبعد أن أقام به عدة أشهر كر راجعاً إلى الحجاز فى عامه ذلك وبعد أن حج فى العام المذكور أقام بمكة المكرمة ولم يرجع إلى المدينة المنورة وحضر صحبة مولانا الشيخ العلامة عبد الحميد أفندى الداغستانى قدس اللّه سره وروح روحه ونور ضريحه ثم سافر إلى وطنه ثانياً وعاد فى عامة إلى الحجاز ودخل المدينة أولاً فى هذه النوبة من طريق ينبع وأقام بها ثمانية عشر يوماً ثم توجه إلى مكة المكرمة وأقام بها أيضاً بعد إتمام الحج وحضر صحبة مولانا الشيخ عبد الحميد أفندى المذكور واستفاد منه الطريقة وحضر درس سنن أبى داود عنده فى رمضان وكان يحضر دروس بعض علمائها الكبار فى فنون شتى وبينما هو فى صدد الرجوع إلى المدينة بنية التشمر على صحبة شيخه المذكور وقصر وقته عليها إذ جاءه خبر وفاة شيخه المذكور قدس سره سنة أحد وثلاثمائة وألف فرجع عن عزيمته بالضرورة والتزم صحبه مولانا الشيخ عبد الحميد قدس سره ولكن خانه الدهر الخؤن أيضاً حيث توفى آخر العام المذكور شيخه المبرور المذكور أيضاً فحصل له غاية القلق والاضطراب حيث ذاق طعم شراب القوم وأدرك كنهه وتيقن أن لا كمال سوى مشربهم ذوقاً وحالا كما قال الإمام الغزالى قدس سره وهو فى غاية العطش ولم ينل منه مقصوده ولم يحصل بغيته فهم بالمسافرة إلى الهند لأخذ الطريقة من كبار المشائخ هناك لا لأجل غرض آخر ولكن لما جلس مولانا السيد محمد صالح الزواوى مكان الشيخ عبد الحميد أفندى قدس سرهما اطمئن خاطره وحضر صحبته وصار يستفيد منه الطريقة ولكن لما سافر السيد المذكور فى رجب عام اثنين وثلاثمائة عاد عليه القلق والاضطراب ثانياً فشرع حينئذ فى تعريب الرشحات لدفع الهموم عن نفسه بإشغالها به ورجاء حصول النفع للإخوان وورد إليه من المدينة المنورة من السيد المذكور مع قافلة رجب ورقة الإجازة والاستخلاف فى مكانه مشتركا مع واحد من إخوانه الجاويين فزاد تحيره واضطرابه من ذلك لأنه كان معتقدا أنه لم يضع قدمه فى الطريقة بل لم يحصل له مناسبة بها بعد فكتب إلى شيخه بطلب الإقالة منه فلم يقله بل لما عاد مكة المكرمة فى العام الثانى أكد الإجازة بالباس الخرقة إياهما فى مجمع كافة الإخوان وبالإجازة قولا وكتب له إجازة مخصوصة فى سائر العلوم على ظهر رسالة الامم للشيخ إبراهيم الكورانى وكان يخلفهما بمكة المكرمة حين توجهه إلى المدينة المنورة وكان يبذل فى حقه أنواع العنايات وصنوف الألطاف ولما قدمه تعريب الرشحات بعد عوده إلى مكة المكرمة استحسنه وأمره بتعريب المكتوبات أيضاً فاعتذره بأنه مشكل جداً وفى غاية الصعوبة فقال إن اللّه يعينك بحرمة المشائخ الكرام وأنه (ع)

لا عسر فى أمر مع الكرماء *

فعربها أيضاً امتثالا لأمره فاستحسنه غاية الاستحسان وسر به نهاية السرور وقابله بما عربه بعض العلماء منتخباً من المكتوبات وعزم على طبعه بعد طبع الرشحات ولكن اخترمته المنية قدس سره قبل بلوغه تلك الأمنية سنة طبع فيها الرشحات وقد كتب له إجازة ثالثة على ظهر كتابه حصر الشارد من إسانيد الشيخ عابد فى الطريقة وسائر العلوم والفنون وكتب فيها هذه العبارة وإنه له من اسمه نصيب وكما أنه مريد فهو مراد وأنه يحصل منه نفع تام للعباد اهـ وقد بشره بالمرادية والمحبوبية مشافهة مرارا ولكنه مع هذه كلها لا يغتر بها بل دائماً فى خوف ووجل من المسؤلية عند اللّه بالجلوس فى هذا المكان ولهذا ترك حضور الحلقة مرة بعد الاعتذار على الإخوان وإذنه إياهم بالذهاب إلى أى محل شاؤا ولكن لما لم يترك الإخوان ذيله وجاءه الملام من كل طرف بتضييع محل المشائخ وتركه إياه خاليا فى حياته عاد إليه ثانياً لكن بالتصريح بأنه غير مستحق له وأنه إنما يجلس فيه لكونه مأمورا من جانب مشائخه ويؤكد ذلك دائماً ويعتقده من قلبه ويشهد على ذلك كل احد لئلا يكون مسؤلا عند اللّه تعالى ولذلك لا يختار أوضاع المشائخ ولا يحب أن يمشى أحد خلفه وقت المشى أو يحمل أحد سجادته أو أن يتكلم مع الناس على طور المشائخ بإيراد كلمات الصوفية وبيان اصطلاحاتهم كما هو ديدن مشائخ الوقت بل يتكلم مع كل أحد كلاما مناسباً لحاله وصنعته لا ستر الحالة بل لئلا يكون منه دعوى ما ليس فيه ولو ضمنا وكان فى حياة شيوخه كلما يحضر عندهم يحضر بغاية الخوف من ظهوره عند بصر بصيرتهم بصورة واحدة من الأخلاق الذميمة وبالجملة إنه لا يرى فى نفسه شيأ من كمالات القوم وكل من أراد منه الطريقة يقول ليس عندى شئ أطلبها من أهلها وإنما اجلس فى هذا المحل امتثالا لأمر مشائخى فإن ألح فى الطلب يقبله بالضرورة خوفاً من البخل والكتمان وكذلك من راجع إليه فى شئ من علوم القوم يبين له ما وصل إليه بمطالعة كتب القوم أو من مشائخه مشافهة وعنده جملة من تأليفات مشائخه كالمكتوبات المعصومية والمقامات المظهرية والمعمولات المظهرية ورسائل مولانا أحمد سعيد ومولانا محمد مظهر قدس سرهما والمقامات الدهبيدية ومناقب الإمام الربانى وغيرهما من كتب التصوف وقد طالع كلها مرارا وما سواها أيضاً فى خزانات الكتب فى المدينة المنورة وطالع العوارف والفتوحات المكية والفصوص مع عدة من شروحه وحواشيه بحيث اطلع على حقيقة مذهب الشيخ محيى الدين ابن عربى كما أنه مطلع على حقيقة مذهب الإمام الربانى قدس سرهما كما ينبغى بحيث قلما يخفى عليه دقيقة من دقائقهما علماً وكذلك طالع شروح التائية الكبرى وشرح اللمعات ولوائح الجامى وشرح الرباعيات وشرح الخمريات له وبالجملة اعتناؤه بكتب التصوف أزيد من اعتنائه بغيرها ومع ذلك لا يخلو أيضاً من مطالعة كتب التفسير والحديث والسير وتراجم المشائخ والعلماء وتواريخ الأمم ويتمنى دائماً أن يمضى عمره بعد عبادة اللّه تعالى فى مطالعة هذه الفنون ومذاكرتها مع أهلها وله من التصانيف تعريب الرشحات وذيله وقد طبع فى مكة المكرمة سنة سبع وثلاثمائة من جيب شيخه السيد محمد صالح الزواوى قدس سره وتاريخ قزان وبلغار إلا أنه لم يتم إلى الآن لتوقفه على ترجمة بعض تواريخ الروسية بل لتوقفه على إرادة اللّه تعالى وتعريب المكتوبات هذا وما وضع فى هامش الجلد الأول من ترجمة أحوال الإمام الربانى وما وضع فى هامش الجلد الثانى من تعريب المبدأ والمعاد ورسائل أخر لم تنتشر بعد ومدار تعيشه يحصل من كرماء أهل بلاده بقدر الكفاية والستر خصوصاً أصحاب تكيته التى هو ساكن بها الآن بمكة المكرمة وهم الذين عرفوه حين جهله الناس وأخرجوه من زاوية الخمول إلى عرصة الظهور والاشتهار واشتروا له هذه التكية بألف ذهب عثمانى ولا ينسونه فى كل عام من إحساناتهم جزاهم اللّه سبحانه خير الجزاء وعمر دنياهم وأخراهم وكذلك سائر أهل الإحسان وطبع هذا الكتاب أيضاً من جملة إحسانات أهل بلاده ولولاهم لما تيسر طبعه ونشره وهو ليس بأثر قليل بل هو أثر جليل امتاز هذا الزمان المسعود عما قبله بنشره فيه وقد قيل أن المرحوم السلطان عبد العزيز رحمه اللّه تعالى أمر العلامة اليد داود البغدادى بتعريبها أعنى مكتوبات الإمام الربانى ووعده بإنعامات جزيلة بعد الإتمام زيادة على ما عينه له حين الاشتغال بتعريبه من المصارف اللازمة وشرع فيه ولكن خانه الزمان وحيل بين العير والنزوان وشربا من كأس الحمام قبل أن يتم ويخرج فى الميدان وللّه سبحانه فى كل أمور حكم ولكل وقت حادث قل أوجم وبالجملة إنه كلما يفتح بصره يقع نظره على إحسانات أهل ممالك قزان وليس فى ذمته حقوق لسواهم فى باب الإحسان إلا أن يكون من أهل الجاوة بعض الإخوان جزى اللّه الجميع خير جزائه وعاملهم بلطفه يوم جزائه والحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين تم بقلم بعض أصحابه على سبيل الاختصار وخير الكلام ما قل ودل .

 

ـــل ومل الحادى وحار الدليل

لمعت نارهم وقد عسعس الليـــ

ـــن عليل ولحظ عينى كليل

فتـأملتهـا وفـكرى من البيـــ

وغرامى ذاك الغرام الدخيل

وفؤادى ذاك الفؤاد المعنى

هذه النار نار ليلى فميلوا

ثم قابلتها وقلت لصحبى

ت فعادت خواسئا وهى حول

فرموا نحوها لحاظا صحيحا

خلب ما رأيت أم تخييل

ثم مالوا إلى الملام وقالوا

والهوى مركبى وشوقى الزميل

فتجـنبتـهم وملت إليهـا

ثار والحب شرطه التطفيل

ومعى صاحب أتى يقتفى الآ

حجزت دونها طلول محول

وهى تعلو نحن ندنوا إلى أن

زفرات من دونها وغليل

فدنونا من الطلول فحالت

وأسير مكبل وقتيل

قلت من بالديار قالوا جريح

جاء يبغى القرى فأين النزول

ما الذى جئت تبتغى قلت ضيف

ها فما عندنا لضيف رحيل

فأشارت بالرحب دونك فاعقر

قلت من لى بها وأين السبيل

من أتانا ألقى عصى السير عنه

صرعتهم قبل المذاق الشمول

فحططنا إلى منازل قوم

فهو رسم والقوم فيه حلول

درس الوجد منهم كل رسم

ـــوى ولا للدموع فيه مقيل

منهم من عفى ولم يبق للشكــ

وهو عنها مبرأ معزول

ليس إلا الأنفاس تخبر عنه

ــد تبقى عليه منه القليل

ومن القوم من يشير إلى وجــ

شرحه فى الكتاب مما يطول

ولكل منـهم رأيت مقـاماً

لى فؤاد عنكم بكم مشغول

قلت أهل الهوى سلام عليكم

ــع حنينا إلى لقاكم سيول

وجفون قد اقترحتها من الدمــ

نى إليكم والحادثات تحول

لم يزل حافز من الشوق يحدو

ـلم عذرى فى ترك عذرى قبول

واعتذارى ذنب فهل عند من يعـ

ركم هذه الغداة سبيل

جئت كى أصطلى فهل لى إلى نا

كل حد من دونها مفلول

فأجابت شواهد الحال عنهم

ت فمن دونها ربا ودحول

لا تروقنك الرياض الأنيقا

ــها وراموا أمرا فعز الوصول

كم أتاها قوم على غرة منــ

لاح للوصل غرة وحجول

وقفوا شاخصين حتى إذا ما

ـــد ونادى أهل الحقائق جولوا

وبدت راية الوفابيد الوجــ

ــيوم فيه صبغ الدعاوى يحول

أين من كان يدعينا فهذا الــ

ــرع يوم اللقاء إلا الفحول

حملوا حملة الفحول ولا يصــ

بوصال واستصغر المبذول

بذلوا أنفساً سخت حين شحت

بين أمواجها وجاءت سيول

ثم غابوا من بعد ما اقتحموها

دمه فى طلولها مطلول

قذفتهم إلى الرسوم فكل

ـرى بليل لكونها لا تنيل

نارنا هذه تضئ لمن يســــ

ـظ والمدركون ذاك قليل

منتهى الحظ ما تزود منه اللحــ

وله البسط والمنى والسول

جاءها من عرفت يبغى اقتباساً

عن دنو إليه وهو رسول

فتعالت عن المنال وعزت

كل عزم من دونها مخذول

فوقفنا كما عهدت حيارى

ــك بقلب غذاؤه التعليل

ندفع الوقت بالرجاء وناهيــ

جاء كأس من الرجا معسول

كلما ذاق كأس بأس مرير

حيد عنه وقيل صبر جميل

فإذا سولت له النفس أمرا

ـــم إليه وكل حال تحول

هذه حالنا وما وصل العلــ

 ( للشيخ أبى محمد عبد اللّه بن القاسم الشهر زورى رحمه اللّه تعالى فى التصوف )