١٢١ المكتوب الحادى والعشرون والمائة إلى مولانا حسن الدهلى. بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه وسلام على عبادة الذين اصطفى اعلم أن الحقيقة المحمدية ظهور أول وحقيقة الحقائق بمعنى أن سائر الحقائق سواء كانت حقائق الأنبياء الكرام أو حقائق الملائكة العظام عليهم الصلاة والسلام كالظلال لها وإنها أصل جميع الحقائق قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام أول ما خلق اللّه نورى وقال عليه الصلاة والسلام خلقت من نور اللّه والمؤمنون من نورى فبالضرورة تكون تلك الحقيقة بين سائر الحقائق وبين الحق جل وعلا ويكون وصول أحد إلى المطلوب بلا توسطه عليه وعلى آله الصلاة والسلام محالا فهو نبى الأنبياء والمرسلين وإرساله رحمة للعالمين ومن ههنا يتمنى الأنبياء أولو العزم مع وجود الأصالة فيهم تبعيته والدخول فى عداد أمته كما ورد عنه عليه وعليهم الصلاة والسلام ( فإن قيل ) أى كمال مربوط بكون الأنبياء من أمته صلى اللّه عليه وسلم ولم يتيسر لهم مع وجود دولة النبوة فيهم ( قلت ) إن ذلك الكمال هو الوصول إلى حقيقة الحقائق والاتحاد به وهما منوطان بالتبعية والوراثة بل موقو فإن على كمال فضله تعالى فإنهما نصيب أخص الخواص من أمته صلى اللّه عليه وسلم ومن لم يكن من أمته لا يصل إلى هذه الدولة ولا يرتفع فى حقه الحجاب فإنه إنما يتيسر بسبب الاتحاد ولعل اللّه سبحانه قال من هذه الحيثية كنتم خير أمة فهو عليه وعلى آله الصلاة والسلام كما هو أفضل من كل فرد من الأنبياء الكرام والملائكة العظام كذلك هو عليه الصلاة والسلام أفضل من الكل من حيث الكل عليه وعليهم الصلاة والسلام فإن للأصل فضلا على ظله وإن كان ذلك الظل متضمناً لألوف من الظلال فإن وصول الفيوض من المبدأ الفياض سبحانه إلى الظل إنما هو بتوسط الأصل وقد حقق هذا الفقير فى رسائله أن للنقطة الفوقانية فضلا على جميع النقط التى تحتها وهن كالظلال لها وقطع العارف لتلك النقطة الفوقانية التى هى كالأصل أزيد من قطعة لجميع النقط التحتانية التى هى كالظلال لها ( فإن قيل ) يلزم من هذا البيان فضل خواص هذه الأمة على الأنبياء عليهم السلام ( قلت ) لا يلزم ذلك أصلا وإنما يلزم شركة خواص هذه الأمة مع الأنبياء فى تلك الدولة ومع ذلك فى الأنبياء كمالات كثيرة ومزايا عديدة مختصة بهم وأخص الخواص من هذه الأمة لو ترقى غاية الترقى لا يصل رأسه إلى قدم أدنى الأنبياء وأين المجال للمساواة والمزية بعد قال اللّه تعالى ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين عليهم الصلوات والتسليمات فلو ترقى فرد من أفراد الأمة بتطفل نبيه وتبعيته فوق بعض الأنبياء عليهم السلام إنما يكون ذلك بعنوان الخادمية والتبعية ومن المعلوم أنه ما نسبة الخادم إلى أقران المخدوم غير الخادمية والتبعية والخادم الطفيلى طفيلى فى جميع الوقت والحقيقة المحمدية التى هى حقيقة الحقائق على ما انكشف لهذا الفقير فى آخر الأمر بعد طى جميع مراتب الظلال هى التعين الحبى وظهوره الذى هو مبدأ الظهورات ومنشأ خلق المخلوقات كما ورد فى الحديث القدسى المشهور كنت كنزا مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لا عرف وأول شئ جاء إلى منصة الظهور من ذلك الكنز الخفى كان الحب الذى صار سببا لخلق الخلائق فلو لم يكن هذا الحب لما انفتح باب الإيجاد وكان قدم العالم راسخا ومستقراً فى العدم وينبغى أن يطلب سر حديث لولاك لما خلقت الأفلاك ولما أظهرت الربوبية فى هذا المقام ( فإن قيل ) إن صاحب الفتوحات المكية جعل التعين الأول الذى هو الحقيقة المحمدية عبارة عن إجمال العلم وأنت قلت فى رسائلك أن التعين الأول هو التعين الوجودى وجعلت مركزه الذى هو أشرف أجزائه وأسبقها عبارة عن الحقيقة المحمدية وظننت تعين حضرة الإجمال ظل هذا التعين الوجودى وتكتب الآن ههنا أن التعين الأول هو التعين الحبى وأنه حقيقة محمدية فما وجه التوفيق بين هذه الأقوال ( قلت ) كثيرا ما يظهر ظل شئ بصورة أصله ويجعل السالك مشغولا ومشغوفاً بنفسه فذانك التعينات من ظلال التعين الأول ظهراً للسالك وقت العروج بصورة أصلهما الذى هو التعين الأول الحبى ( فإن قيل ) كيف يستقيم القول بأن التعين الوجودى ظل التعين الحبى والحال أن للوجود سبقة على الحب فإن الحب فرع الوجود قلت أن هذا الفقير قد حقق فى رسائله أن الحق سبحانه وتعالى موجود بذاته لا بالوجود وكذلك صفاته الثمانية الحقيقية موجودة بذاته جل شأنه لا بالوجود فإنه لا مجال للوجود بل للوجوب فى تلك المرتبة لأن الوجود والوجوب كليهما من الاعتبارات وأول اعتبار ظهر لإيجاد العالم هو الحب ثم بعده اعتبار الوجود الذى هو مقدمة إيجاد العالم فإن لحضرة الذات تعالت بلا اعتبار هذا الحب والوجود استغناء عن العالم وعن إيجاد العالم أن اللّه لغنى عن العالمين نص قاطع والقول بظلية التعين العلمى الإجمال لذينك التعينين باعتبار أنهما من اعتبارات حضرة الذات بلا ملاحظة الصفات والملحوظ فى هذا التعين هو الصفة الذى هى كالظل للذات ( ينبغى ) أن يعلم أنه إذا أجيل النظر فى التعين الأول الذى هو التعين الحبى بالدقة والإمعان يعلم بفضل اللّه سبحانه أن مركز ذلك التعين هو الحب الذى هو الحقيقة المحمدية ومحيطه الذى هو كالدائرة فى صورة المثال وكالظل لذلك المركز هو الخلة التى هى الحقيقة الإبراهيمية فكان الحب أصلا والخلة كالظل له ومجموع المركز والمحيط الذى هو دائرة واحدة تعين أول ومسمى باسم أشرف أجزائه وأسبقها الذى هو المركز الذى هو عبارة عن الحب وفى النظر الكشفى أيضاً يظهر باعتبار أصالة ذلك الجزء وغلبته تعينا حبياً ومن حيث أن محيط الدائرة كالظل لمركزها وناش منه وإن ذلك المركز أصل ومنشأ له لو قيل للمحيط تعيناً ثانوياً أيضاً لجاز ولكن ليس فى النظر الكشفى تعينان بل تعين واحد مشتمل على الحب والخلة اللذين هما المركز والمحيط والتعين الثانى فى النظر الكشفى هو التعين الوجودى الذى هو كالظل للتعين الأول كما مر فإذا كان المركز أصلا للمحيط لابد للمحيط فى الوصول إلى المطلوب من توسط المركز فإن الوصول إلى المطلوب من طريق المركز الذى هو أصل الدائرة وإجمالها ينبغى أن يعرف من هذا البيان مناسبة حبيب اللّه واتحاده بخليل اللّه عليهما الصلاة والسلام ولما كان الأصل واسطة للظل فى الوصول إلى المطلوب لا جرم أراد الخليل توسط حبيب اللّه وتمنى أن يكون داخلا فى عداد أمته عليهما الصلاة والسلام كما ورد فى الخبر ( فإن قيل ) إذا كانت المعاملة هكذا فما معنى أمر حبيب اللّه بمتابعة ملة خليل اللّه عليهما الصلاة والسلام ولم قال صلى اللّه عليه وسلم فى بيان الصلاة والسلام على نفسه الشريفة كما صليت وكما سلمت على إبراهيم ( قلت ) إن حقيقة الشئ كلما كانت أعلى وأقرب إلى التنزيه يكون مظهر تلك الحقيقة فى عالم العناصر أسفل ويكون تلبسه بالصفات البشرية أكثر فوصول ذلك المظهر إلى تلك الحقيقة بطريق العروج يكون متضمناً للعسر والملة التى أعطاها اللّه سبحانه لإبراهيم عليهم السلام طريق واضح للوصول إلى الحقيقة الإبراهيمية التى هى واقعة فى جوار الحقيقة المحمدية كما مر إبراهيم عليه السلام وصل هناك من هذا الطريق ولهذا أمر صلى اللّه عليه وسلم بمتابعة ملته ليصل بها إلى حقيقة الحقائق وقال صلى اللّه عليه وسلم كما صليت وكما سلمت لأن الصلاة والرحمة عليه السلام إنما هى بعد حصول دولة الوصول إلى الحقيقة مع أنا نقول أن الفاضل يؤمر فى بعض الأحيان بمتابعة المفضول ولا يلزم من ذلك الأمر بالمتابعة قصور فى فاضليته قال اللّه تعالى لنبيه عليه وعلى آله الصلاة والسلام وشاورهم فى الأمر والأمر بمشورة الأصحاب لا يخلو من تضمن الأمر بمتابعتهم وإلا فما فائدة المشورة ( واعلم أن حقيقة ) الصديق رضى اللّه عنه يعنى ربه من الأسماء الإلهية الذى هو مبدأ تعينه ظل الحقيقة المحمدية بلا توسط أمر على نهج كلما هو كائن فى تلك الحقيقة ثابت لذلك الظل بطريق التبعية والوراثة ومن ههنا كان هو رضى اللّه عنه أكمل ورثة هذه الأمة وأفضلهم قال عليه الصلاة والسلام ما صب اللّه شيئاً فى صدرى إلا وقد صببته فى صدر أبى بكر ( ولاح ) أيضاً أن الحقيقة الإسرافيلية أيضاً هى تلك الحقيقة المحمدية لا بطريق الأصالة والظلية كما فى الحقيقة الصديقية حيث كانت ظلا لتلك الحقيقة بل فى كليهما أصالة هنا لا ظلية حائلة وإنما الفرق بينهما بالكلية والجزئية فإن حقيقته صلى اللّه عليه وسلم كلية ولهذا كانت تلك الحقيقة منسوبة إلى اسمه عليه الصلاة والسلام وحقائق الملائكة الكرام عليهم السلام ناشئة من الحقيقة الإسرافيلية ( فإن قيل ) هل يجوز أن يترقى العارف من حقيقته التى هى عبارة عن الاسم الإلهى الذى هو ربه بعد الوصول إليها أولاً ( قلت ) إن الوصول إلى تلك الحقيقة بعد طى مراتب السلوك الذى قالوا إنه عبارة عن تمامية السير إلى اللّه على نوعين أحدهما وصول إلى ظل من ظلال ذلك الاسم الذى ظهر فى المظاهر الوجوبية فى صورة حقيقته وبرز بوصف أصله وهذا الاشتباه كثير الوقوع فى هذا الطريق وعقبة عظيمة على السالك إلا أن يتيسر مخلص من هذه العقبة بمحض فضل اللّه تعالى ولا شك أن هذا الترقى من هذا الظل الشبيه بالحقيقة جائز بل واقع وأما إذا وقع الوصول إلى نفس الحقيقة فلا يجوز الترقى منها بلا تطفل أحد وتبعيته فإن تلك الحقيقة نهاية مراتب استعداده الذاتى وأما إذا وصل إلى حقيقة غيره التى هى فوق حقيقته بطريق التطفل فجائز بل واقع وهذا السير كأنه سير قسرى وراء السير الطبيعى الاستعدادى كما مرت شمة من ذلك عند بيان الوصول إلى الحقيقة المحمدية ( فإن قيل ) هل يجوز الترقى من الحقيقة المحمدية التى هى حقيقة الحقائق ولا حقيقة فوقها من حقائق الممكنات أولاً وأنت كتبت فى رسائلك أن الترقى من الحقيقة المحمدية قد وقع فما حقيقة هذه المعاملة ( قلت ) لا يجوز فإن فوقها مرتبة اللاتعين ووصول المتعين إليها ولحوقه بها محال والقول بالوصول واللحوق بلا تكيف مجرد نفوه يتسلى به قبل الوصول إلى حقيقة المعاملة وأما بعد الوصول إلى حقيقة الأمر فالحكم بعد الوصول واللحوق لازم لأنه ليس فيه شائبة الريب وما كتبت أنه قد وقع الترقى من الحقيقة المحمدية فالمراد من تلك الحقيقة ظل تلك الحقيقة الذى قالوا أه عبارة عن إجمال حضرة العلم ومعبر عنه بالوحدة كان فى ذلك الوقت اشتباه الظل بالأصل ولما تيسر التخلص بمحض فضل اللّه جل سلطانه من ذلك الظل وسائر الظلال علم أن الترقى من حقيقة الحقائق غير واقع بل غير جائز فإن رفع القدم منها ووضعها فيما فوقها وضع القدم فى الوجوب وخروج من الإمكان وذلك محال عقلا وشرعاً ( فإن قيل ) يلزم من هذا التحقيق أن الترقى من تلك الحقيقة غير واقع لخاتم الرسل عليه وعليهم الصلاة والسلام أيضاً ( قلت ) إنه صلى اللّه عليه وسلم أيضاً مع علو شأنه وجلالة قدره ممكن دائماً لا يخرج من الإمكان قط ولا يلحق بالوجوب أصلا فإنه مستلزم للتحقق بالألوهية تعالى اللّه أن يكون له ند وشريك دع ما ادعته النصارى فى نبيهم الخ ( فإن قيل ) قد اتضح من التحقيق السابق أن الوصول إلى حقيقة الحقائق واللحوق والاتحاد بها بتطفله ووراثته صلى اللّه عليه وسلم ثابت للآخرين أيضاً وشركتهم له فى كماله الخاص به صلى اللّه عليه وسلم كائنة فعلى هذا التقدير ما الفرق بين المتبوع الأصل وبين التابع الطفيلى فى هذا الكمال الذى هو متضمن لرفع الحجاب وارتفاع الواسطة وفوق جميع الكمالات وأى مزية فى المتبوع والأصل ليست هى فى التابع والطفيلى ( قلت ) أن وصول الآخرين إلى تلك الحقيقة ولحوقهم بها من قبيل لحوق الخادم بالمخدوم ووصول الطفيلى إلى الأصيل فإن كان الواصل من أخص خواص الأمة الذين هم الأقلون فهو خادم وإن كان من الأنبياء عليهم السلام فهو أيضاً طفيلى والخادم الذى هو نائل حصة مما فى يد المخدوم أى شركة له مع المخدوم وأى عزة له وأى مزية فى جنبه والطفيلى وإن كان جايسا وشريكاً فى اللقمة ولكن الطفيلى طفيلى ووصول الخدمة بتبعية المخدوم إلى إمكنة عالية وأكلهم من الأطعمة المخصوصة به ونيلهم الإعزاز والاحترام من عظمة شأن المخدوم وعلو منولته وكأنه يلحق للمخدوم ح عزة أخرى من جهة لحوق خدمة به مع وجود عزته الذاتية ويزيد بذلك قدرة ويرتفع شأنه ( اسمع سماعاً حسناً ) أنه قد ورد فى الحديث النبوى على صاحبه الصلاة والسلام من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها فالمتبوع كلما كان التابع له فى سنته الحسنة أكثر يكون أجره مثل أجورهم أزيد وأوفر ويكون موجباً لازدياد منزلته فكيف يكون للتابعين شركة مع المتبوع وكيف تتوهم المساواة بينهما ( اسمع اسمع ) إنه يجوز أن يكون جماعة فى مقام واحد وشركاء فى دولة واحدة ولكن يكون مع كل منهم معاملة على حدة ولا يكون لأحد منهم اطلاع على الآخر ألا ترى أن أزواج النبى صلى اللّه عليه وسلم يكن معه فى الجنة فى مقام واحد ويتناولن من طعام واحد وشراب واحد ولكن المعاملة التى تكون مع النبى صلى اللّه عليه وسلم لا تكون معهن والالتذاذ والسرور اللذان يكونان له صلى اللّه عليه وسلم لا يكونان لهن فلو كانت لهن شركة هناك معه فى جميع الأمور يلزم أفضليتهن على الكل كأفضليته صلى اللّه عليه وسلم فإن الأفضلية هنا بمعنى كثرة الثواب عند اللّه ( فإن قيل ) إن هذا التعين الحبى الذى هو التعين الأول والحقيقة المحمدية هل هو ممكن أو واجب حادث أو قديم وقد قال صاحب الفصوص للتعين الأول حقيقة محمدية وعبر عنه بالوحدة وكذلك قال للتعين الثانى وأحدية وأثبت الأعيان الثابتة التى هى حقائق الممكنات عنده فى تلك المرتبة وقال لكلا التعينين تعينا وجوبياً واعتقد قدمهما وقال للتعينات الثلاثة الباقية أعنى الروحى والمثالى والجسدى تعينا إمكانياً فما معتقدك فى هذه المسئلة ( قلت ) لا تعين عند الفقير أصلا ولا متعين أى تعين يجعل اللامتعين متعيناً وهذه الألفاظ موافقة لمذاق حضرة الشيخ محيى الدين وأتباعه قدس اللّه تعالى أسرارهم فإن وقع مثل هذه الألفاظ فى عبارات الفقير ينبغى أن نعتقده من قبيل صنعة المشاكلة وعلى كل حال أقول إن ذلك التعين تعين إمكانى ومخلوق وحادث قال عليه الصلاة والسلام أول ما خلق اللّه نورى وورد فى أحاديث أخر تعين وقت خلقة ذلك النور أيضاً كما ورد قبل خلق السموات بألفى عام وأمثاله وكلما هو مخلوق ومسبوق بالعدم فهو ممكن وحادث فإذا كانت حقيقة الحقائق التى هى أسبق الحقائق مخلوقة وممكنة تكون حقائق الآخرين مخلوقة وممكنة وحادثة بالطريق الأولى والعجب من الشيخ قدس سره من أين يحكم للحقيقة المحمدية بل حقائق جميع الممكنات التى قال لها أعيانا ثابتة بالوجوب ويعتقد قدمها ويخالف قول نبيه عليه الصلاة والسلام والممكن ممكن بجميع أجزائه وممكن بصورته وحقيقته لأى شئ يكون التعين الوجوبى حقيقة الممكن وحقيقة الممكن ينبغى أن تكون ممكنة ألبتة فإن الممكن لا اشتراك له مع الواجب تعالى أصلا ولا انتساب غير أن يكون الممكن مخلوقة وهو سبحانه خالقه والشيخ لعدم تمييزه بين الواجب والممكن حيث قال بنفسه بعدم التميز بينهما لا يبالى من أن يقول للواجب ممكنا وللممكن واجباً فلو سومح فى ذلك فهو من كمال الكرم والعفو ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ( فإن قيل ) إنك قد أثبت فى رسائلك بين الواجب تعالى والممكن نسبة الأصالة والظلية ( قلت ) فى حق الممكن إنه ظل الواجب تعالى وكتبت أيضاً أن الواجب تعالى باعتبار الأصالة حقيقة للممكن الذى هو كالظل له وفرعت على ذلك معارف كثيرة فلو قال الشيخ قدس سره أيضاً للواجب حقيقة الممكن بهذا الاعتبار أى محذور يلزم منه ولم يكون ملوما به ( قلت ) إن مثل هذه العلوم التى تثبت بين الواجب تعالى والممكن نسبة ولم يرد بها الشرع كلها من المعارف السكرية ولعدم الاطلاع على حقيقة المعاملة ولعدم إدراك كنة الأمر وماذا يكون الممكن حتى يكون ظل الواجب تعالى وكيف يكون للواجب تعالى ظل فإن الظل موهم لتوليد المثل ومنبئ عن شائبة عدم كمال لطافة الأصل فإذا لم يكن لمحمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من لطافته ظل كيف يكون لآله محمد ظل والموجود فى الخارج بالذات وبالاستقلال هو حضرة الذات تعالت وصفاته الثمانية الحقيقية وما سواها أياما كان صار موجودا بإيجاده تعالى وممكن ومخلوق وحادث ولا شئ من المخلوق بظل لخالقه وليس له انتساب إلى الخالق تعالى غير المخلوقية وغير ما ورد به الشرع وهذا العلم بظلية العالم ينفع للسالك فى الطريق نفعاً كثيراً ويؤديه بجذبه إلى الأصل فإذا طوى بكمال العناية منازل الظلال ووصل إلى الأصل يجد بفضل اللّه تعالى أن هذا الأصل أيضاً حكمه حكم الظل ليس له لياقة بالمطلوبية لكونه متسماً بسمة الإمكان وأن المطلوب ما وراء حيطة الإدراك والوصل والاتصال ربنا آتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشدا . ( فصل ) قد كان منبع الفضائل والكمالات مولانا حسن الكشميرى الدهلوى أحسن اللّه سبحانه أحواله وحصل آماله أرسل رسالة إلى هذا الفقير وإدرج فيها أسئلة متعددة وطلب حلها ولما كان حلها متضمنا لإظهار بعض الأسرار مع بعض موانع أخر ما اجترأ الفقير على تحرير الجواب وأمر الوقت بالتعلل ولكن لما كان للمشار إليه حقوق عظيمة على ذمة الفقير حيث تشرف بحسن دلالته بدولة الحضور عند صاحب الولاية حاوى طريق اندراج النهاية فى البداية فأخذ منه تعليم ألف باقى هذا الطريق واستفاد فى خدمته فيوضات وبركات غير متناهية أدراج حل بعض أسئلته التى لها مناسبة بعلوم هذه الرسالة فى ذيل هذه الرسالة بالضرورة واللّه سبحاه الهادى إلى سبيل الرشاد ( وقد سأل ) أن الكمالات الصورية والمعنوية والظاهرية والباطنية والعلمية والعملية والدنيوية والأخروية وما يمكن فى نوع البشر كلها حاصل لحضرة خير البشر عليه الصلاة والسلام إلى يوم الحشر ومتمكنة فيه بالفعل كما يفهم من حديث أنا سيد ولد آدم ولا فخر وآدم ومن دونه تحت لوائى يوم القيمة فعلمت علم الأولين والآخرين وأمثالها وما كان مشروطا بشروط أو موقوفا على وقت يحصل له بأحسن الوجوه ألبتة فعلى هذا التقدير لماذا يكون حزنه صلى اللّه عليه وسلم الموصوف بالدوام المعروف بالكثرة وما سبب ذلك فإن السبب للحزن والغم فقدان شئ يطلبه ويريده ألبتة ( أيها المخدوم ) أن استبعاد وجود الحزن وفقدان الكمال بالنسبة إلى خاتم الرسل عليه وعلى آله الصلاة والسلام والتحية نظراً إلى جاهه وجلاله المحمدى وعناية اللّه جل سلطانه الشاملة لحاله فى حاله ومآله عليه الصلاة والسلام مسلم ومستحسن وإذا نظرنا إلى عبديته وعجزه البشرى صلى اللّه عليه وسلم ولاحظنا عزته وجلاله وعظمته وكبرياءه واستغناءه تعالى الذاتيات لا يستبعد حصول حزن له أو فقدان كمال من كمالاته تعالى الغير المتناهية فى حقه صلى اللّه عليه وسلم أيضاً بل ذلك لائق بحال العبودية قوله تعالى ولا يحيطون به علما وقوله تعالى لا تدركه الأبصار كلاهما شاهدان عدلان لهذا المعنى ويثبتان الفقدان فى حق الكل نعم إن الممكن وإن بلغ الدرجات العلى ماذا يدرك من حقيقة الواجب وماذا ينال الحادث من القديم وكيف يحيط المتناهى بما هو غير متناه وما كتبوه من أن كل كمال ممكن الحصول لنوع البشر فهو حاصل فيه صلى اللّه عليه وسلم بالفعل نعم أن الفضل الكلى على الكل مخصوص به عليه الصلاة والسلام ولكن يجوز أن يكون كمال راجع إلى فضل جزئى مخصوصاً ببعض الأنبياء الكرام أو الملائكة العظام عليهم الصلاة والسلام ولا يوجب ذلك قصورا فى فضله صلى اللّه عليه وسلم الكلى أصلا وقد وردت أحاديث صحيحة بكون بعض الكمالات فى أفراد الأمة حتى يغبطه الأنبياء عليهم السلام والحال أن الفضل الكلى على جميع أفراد الأمة للأنبياء عليهم السلام وأيضاً قد ورد فى الحديث أن لشهداء فى سبيل اللّه مزية على الأنبياء بأشياء حيث أن الشهداء لا احتياج لهم إلى الغسل ولم يشرع صلاة الجنازة على الشهداء كما هو مذهب الإمام الشافعى والأنبياء لابد لهم من الصلاة وقال فى القرآن المجيد ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل اللّه أموات بل أحياء الآية وقال فى حق الأنبياء موتى وهذه كلها فضائل جزئية لا تستلزم القصور فى فضل الأنبياء الكلى فيمكن أن يطرأ عليه صلى اللّه عليه وسلم حزن وغم بسبب فقدان هذه الفضائل الجزئية ويكون ذلك الحزن سببا لحصول الاستعداد والوصول إلى تلك الفضائل بأن تجتمع الشهادة مثلا مع النبوة ولئن سلمنا أن جميع كمالات جميع أفراد الإنسان حاصلة له صلى اللّه عليه وسلم بالفعل نقول أن همته صلى اللّه عليه وسلم لما كانت عالية لم يكتف بتلك الكمالات بل اشتاق إلى ما فوقها قائلاً هل من مزيد ولما كان حصول الكمالات الفوقانية للبشر خارجاً عن حد الإمكان كان دوام الحزن وإفراط الغم نقد وقته صلى اللّه عليه وسلم وتحقيق هذا المبحث واللّه أعلم بحقيقة الحال إن مدار الأمر فى الطريقة والحقيقة وفى القربة والمعرفة على الفناء وعلى زوال الصفات البشرية والأحوال الإمكانية ( شعر). ومن لم يكن فى حب مولاه فانياً * فليس له فى كبرياء سبيل وكلما يبقى من وجود البشرية يكون حجاب الطريق بقدره وارتفاع الصفات البشرية بالكلية غير ممكن فى حق الكل سواء كان من الخواص أو من أخص الخواص قال الشيخ فريد الدين العطار ( شعر). ألا ترى سيد الكونين ما وصلا * لكنه فقر فدع عن نفسك التعبا وأراد بكنه الفقر زوال الصفات البشرية والأحكام الإمكانية بالكلية وحصول ذلك غير متصور لكونه مستلزما لقلب الحقائق فإن الممكن إذا ترقى وانخلع من إمكانيته يصير واجباً ألبتة وذلك محال عقلا وشرعاً وما قاله واحد من الأعزة ( شعر). لو نقض الممكن أغبرة الـــ * ــــإمكان لا يبقى سوى واجب محمول على التمثيل والتشبيه لا على التحقيق والتقرير فإنه غير واقع قال واحد من الأعزة ( شعر ) . سواد الوجه فى الدارين صاح * من المخلوق أصلا لا يزول ( فإن قيل ) إن بقاء إحكام الإمكان وآثاره ظاهر فى مقام قاب قوسين فإن قوس الوجوب وقوس الإمكان كليهما قائمان فيه وأما مقام أو أدنى الذى هو بالأصالة مخصوص به صلى اللّه عليه وسلم فما معنى بقاء أحكام الإمكان فيه ( قلت ) أن ما به الامتياز بين الوجوب والإمكان هو العدم الذى هو أحد طرفى الإمكان فإن الطرف الآخر من الإمكان الذى هو الوجود مشترك بين الوجوب والإمكان وفى مقام أو أدنى تشرع أحكام تلك العدم فى الزوال فيرتفع الامتياز من بين القوسين لا أن الإمكان يرتفع بالكلية وينقلب وجوباً فإنه محال كما مر وإنما الفرق أن فى مقام قاب قوسين لا تخلص من الحجب الظلمانية التى هى من آثار العدم وفى مقام أو أدنى لو وجدت الحجب فهى نورانية وناشئة من طرف الوجود الإمكانى ويمكن حمل معنى ذلك البيت الذى مر على هذا التوجيه بأن يراد من نفض غبار الإمكان زوال أحكام العدم التى هى كدورة بالكلية ( فإن قيل ) إذا زال طرف العدم عن الإمكان وارتفع ما به الامتياز من بين الوجوب والإمكان ولم يبق فيه غير الوجود الذى هو طرف آخر من الإمكان وقدر مشترك بينه وبين الوجوب فقد انخلع الإمكان عن حقيقته وصار ملحقاً بالوجوب الذى هو الوجود الصرف ولزم قلب الحقيقة وكان معنى البيت المذكور أعنى لم يبق فيه شئ غير الواجب محمولا على حقيقته ( قلت ) إن الوجود الذى هو أحد طرفى الإمكان ظل الوجود الذى هو ثابت فى الوجوب لا عينه وذاك الوجوب الذى حدث فى الممكن بسبب زوال طرفه العدم هو وجوب بالغير الذى هو قسم من الممكن لا وجوب بالذات حتى يلزم انقلاب الحقيقة وذلك لأن ارتفاع هذا العدم ما جاء من جهة الممكن حتى يصير واجبا بالذات ويلزم المحال بل ارتفاع هذا العدم من الممكن إنما هو لاستيلاء وجود الواجب وقهر الوجوب الذاتى للمكن الذاتى والمتبادر من الوجوب المذكور فى المصراع السابق هو الوجوب الذاتى لا الوجوب بالغير والقول بكون الوجود قدرا مشتركا بين الوجب والممكن فهو من قبيل الاشتراك اللفظى لا المعنوى وإن قالوا أنه كلى مشكك فإنه لا شركة لوجود الممكن مع وجود الواجب فى الحقيقة أصلا حتى تتصور الكلية والجزئية ( فإن قيل ) فما معنى الفناء والبقاء اللذين قال بهما الصوفية وجعلوا الولاية عبارة عنهما فإنه إذا لم يتصور ارتفاع الصفات البشرية كيف يتصور الفناء ( قلت ) أن الفناء الذى هو معتبر فى الولاية باعتبار الشعور والشهود فإنه عبارة عن نسيان ما سوى الحق سبحانه لا ارتفاع ما سواه غاية ما فى الباب أن صاحب ذلك الفناء ربما يظن فى غلبات السكر عدم الشعور بالأشياء عدم الأشياء ويتوهمه ارتفاع ما سواه تعالى ويتسلى بذلك فإذا ترقى من ذلك بمحض فضله تعالى وتشرف بدولة الصحو وصار صاحب تميز يعلم أن ذلك الفناء كان نسيان الأشياء لا انعدام الأشياء فلو زال بسبب هذا النسيان شئ فإنما هو التعلق بالأشياء الذى كان متمكنا ومذموما لا نفس الأشياء فإنها قائمة على صرافتها ممتنع نفيها وإعدامها (ع) سياهى ازحبشى كى رودكه خودر نكست * فإذا حصل بفضل اللّه تعالى هذه الرؤية والتمييز زال ذلك التسلى وقعده مكانه الحزن والغم وعدم الاستراحة وتيقن أن وجوده مرضى لا يكون بسعيه واهتمامه معدوما وعلم أن نقص الإمكان وقصور الحدوث لا زمان له دائماً والعجب أن العارف كلما يترقى إلى فوق ويكون عروجاته أكثر يكون رؤية النقص والقصور فيه أزيد ويكون عديم القرار والراحة وتشبه معاملة هذا العارف بقصة تلميذ رسن تاب حيث قال لأستاذه على وجه التعجب كما يكون عملى أزيد أقع أبعد ولعله من ههنا قال عليه الصلاة والسلام كما ورد يا ليت رب محمد لم يخلق محمداً وقال أيضاً صلى اللّه عليه وسلم ما أوذى نبى مثل ما أوذيت ويشبه أن يكون المراد بهذه الأذية رؤية النقص والقصور الموجبة لكمال الحزن والغم فإن سائر الأذية يمكن أن يقال أنها كانت فى سائر الأنبياء أكثر فإن نوحا عليه السلام كان بين قومه تسعمائة وخمسين عاماً ورأى منهم أنواع الأذية ونقل أن قومه رموه حين دعاهم إلى الإيمان بالأحجار حتى سقط مغشياً عليه من كثرة الأحجار كالأمطار فكان مستوراً تحت الأحجار فلما أفاق شرع إلى الدعوة وعاملة قومه بالمعاملة السابقة وهكذا إلى أن يبلغ الكتاب أجله ينبغى أن يعلم أن رؤية النقص والقصور هذه ليست هى من البعد بل هى القرب والحضور فإن الكدورة القليلة فى المحل النورانى ترى فى النظر كثيرة والكدورة الكثيرة فى المحل الظلمانى ترى يسيرة وإنما قلت فيما سبق أن مدار الأمر فى القرب والمعرفة على الفناء فإن السالك ما لم يفن عن نفسه ولم يخرج من الصفات البشرية والامكانية بالكلية لا يصل الى المطلوب فان اجتماعه مع المطلوب من قبيل اجتماع النقيضين فان ثبوت العدم ضروري في الامكان وفي الوجوب سلبه ضروري وما لم يصل الى المطلوب ماذا يدرك من كمالات المطلوب لا يدرك الشئ الا بما يضاده ويغايره قضية مقررة عند ارباب المعقول الا ترى ان الصبي الذي لا يعرف لذة الجماع اذا وصفت له لذته ليقال انه حلو لا مر وهو يتوهم حلاوته كحلاوة النبات والعسل البتة فانه لا حلاوة في وجدانه غيرها وهذه اللذة ليست هي لذته بل هي لذة مجعولة ومخترعة باختراع وهم ذلك الصبي وفي الحقيقة هي راجعة اليه لا الى ذاك فالعارف كلما يحكي من المطلوب من قبل نفسه بلا اعلام منه انما يكون حاكيا من نفسه واذا مدحه كان مادحا لنفسه قال عارف في هذا المقام يمكن ان يكون ضمير بحمده في قوله تعالى وان من شئ الا يسبح بحمده راجعا الى الشئ يعني لا يسبح شئ ولا يقدس ولا يمدح الا نفسه لهذا قال البسطامي سبحاني لاعادة التسبيح اليه ونعم ما قيل بالفارسية المثنوية أشعار (ع): اى شده هم در جمال خويشتن * مى پرستى هم خيال خويشتن قسم خلقان زان جمال وزان كمال * هست گر بر هم ﻧﻬى مشت خيال گرز معشوقت خيالى در سرست *نيست معشوق آن خيال ديگر است قال صاحب الفصوص والتجلي من الذات لا يكون الا بصورة المتجلى له فالمتجلى له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق وما رأى الحق ولا يمكن ان يراه وقال بامكان الرؤية على وجه المتابعة لا على وجه التحقيق فان الرؤية في الدينا جائزة وفي الآخرة واقعة ولما كان فناء السالك بالكلية ممتنعا وكان الوصول الى المطلوب والاتصال به بدونه ممنوعا ولم تتصور المعرفة بدون الوصول لزم العجز عن المعرفة بالضرورة وصار العجز عن المعرفة عين المعرفة لا يقال ان العجز عن المعرفة كيف يكون عين المعرفة فانه نقيضها لان العجز عن المعرفة عبارة عن معرفة بانه لا يعرف قال الصديق الاكبر رضي اللّه تعالى عنه العجز عن درك الادراك ادراك فسبحان من لم يجعل للخلق اليه سبيلا الا بالعجز عن معرفته قال واحد من الاكابر (شعر): سبحانه من خالق اوصافه من كبرياه * القى على تراب عجز فيه عقل انبياه فاذا كان الانبياء عليهم الصلاة و السلام عاجزين في معرفة صفة كبريائه وقال الملائكة الكرام عليهم السلام سبحانك ما عرفناك حق معرفتك واعترف الصديق رضي اللّه عنه الذي هو رئيس هذه الامة التي هي خير الامم بالعجز فمن ذا الذي يدعي المعرفة بعد هؤلاء الا ان يظن جهله المركب معرفة ويعتقد غير الحق حقا وهذا العجز عن المعرفة هو ﻧﻬاية ﻧﻬايات مراتب العروج ومنتهى غايات مدارج القرب ومن لم يصل الى النقطة الاخيرة ولم يطو مراتب التجليات والظهورات ولم يجد الوصل والاتصال الذين كان مسرورا ﺑﻬما مدة كثيرة عين الانفصال لا يكون مشرفا بدولة هذا العجز ولا يتخلص عن الجهل باللّه ومعرفة غير الحق حقا (فان قيل) فعلى هذا ما معنى وجوب معرفة اللّه تعالى (قلت) معنى وجوب المعرفة هو ان كل ما ورد به الشرع في معرفة الذات والصفات الالهية فمعرفته واجبة وكل معرفة تستفاد من غير الشريعة فاطلاق معرفة الحق عليها جراءة عند هذا الفقير وحكم على الحق جل وعلا بالظن والتخمين اتقولون على اللّه مالا تعلمون ولعله لذلك قال سراج الامة وامام الائمة الامام الاعظم الكوفي رضي اللّه تعالى عنه سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ولكن عرفناك حق معرفتك وان كان هذا القول ثقيلا على الاكثر ولكنه قابل للتوجيه الوجيه فان حق المعرفة ان يعرف الحق بجميع ما نطقت به الشريعة من كمالاته وتتريهاته وتقديساته تعالى لانه لم يبق ما وراءه معرفة حتى تكون مانعة عن المعرفة (فان قيل) للعوام شركة في هذه المعرفة مع الخواص بل مساواة فيلزم ان تكون معرفة عوام المؤمنين مثل معرفة الانبياء عليهم الصلاة و التسليمات فان حق المعرفة حصل للكل وهذه المسئلة تشبه ما قال الامام الاعظم الايمان لا يزيد ولا ينقص وقالوا هناك انه يلزم من هذه العبارة ان يكون ايمان عوام المؤمنين مثل ايمان الانبياء عليهم السلام (قلت) ان حاصل هذه الشبهة القوية مبنية على دقيقة اهتدى اليها هذا الفقير بمحض الفضل والكرم وهي ان حق المعرفة هو ان يلحق بتلك المعارف الشرعية الحاصلة للعارف العجز عن المعرفة مثلا وردت الشريعة بثبوت صفة العلم للواجب تعالى وذلك العلم غير متكيف وغير متكم كذاته تعالى وخارج عن حيطة ادراكنا فمن عرف ذلك العلم قياسا على علمه فهو لم يعرفه بل المعرفة هناك مجعول وهمه ومخترع خياله لا معرفة علم الحق الذي هو صفته الكاملة ففي هذه الصورة لم توجد نفس المعرفة فضلا عن حق المعرفة فان انجرت معاملته من القياس والتخمين الى العجز ووجد بوجدانه وحاله انه لا يمكن معرفته وايقن انه لا نصيب له من ذلك غير الايمان بثبوت تلك الصفة الكاملة فحينئذ قد حصل له نفس المعرفة وحق المعرفة فكان اصل المعرفة هو حق المعرفة في الحقيقة وما ليس بحق المعرفة ليس باصل المعرفة فلم يكن للعوام شركة مع الخواص في حق المعرفة واين المساواة بعد (فان قيل) اذا كان حق المعرفة نفس المعرفة يلزم ان لا يكون في العوام نفس المعرفة لعدم حق المعرفة فيهم (قلت) ان للمعرفة صورة وحقيقة والمعرفة التي هي عين حق المعرفة هي حقيقة المعرفة المربوطة بالعجز عن المعرفة وصورﺗﻬا هي ما لم تبلغ حد هذا العجز ولم تتخلص من شائبة المقايسة على صفات الامكان كما مر ومن كمال فضله تعالى اعتبر صورة المعرفة في نفس الايمان وجعل النجاة مربوطة ﺑﻬا كما اعتبر صورة الايمان ايضا وجعل دخول الجنة مترتبًا عليها وصورة المعرفة كافية في صورة الايمان واما حقيقة الايمان فلابد فيها من حقيقة المعرفة فعلم من هذا التحقيق ان للايمان ايضًا فردين صورة و حقيقة وما هو نصيب العوام هو الصورة وما اعطيه الخواص هو الحقيقة فلم يكن ايمان العوام مثل ايمان الانبياء عليهم السلام الذين هم اخص الخواص فان ذاك الايمان غير هذا الايمان لا مماثلة بينهما ولما كان العجز عن المعرفة مأخوذا في حقيقة الايمان وكانت المعرفة بانه لا يعرف موجودة فيها لا جرم يكون الزيادة والنقصان مفقودين فيها فانه لا احتمال لتفاوت درجات المعرفة في سلب المعرفة وتفاوت الدرجات انما هو في الثبوت فلا يكون في حقيقة الايمان زيادة ولا نقصان واللّه سبحانه اعلم بحقيقة الحال (فان قيل) يلزم على هذا التقرير ان تكون علوم الصوفية ومعارفهم الكشفية ساقطة عن حيز الاعتبار وان لا تكون معرفة الحق جل وعلا مربوطة ﺑﻬا اصلا فان حق المعرفة حصل بالعلوم الشرعية ولم تبق معرفة حتى يكتسبها الصوفية بالسعي والاجتهاد فلم تثبت للصوفية مزية على العلماء في معرفة الحق جل شانه اصلا (قلت) ان علوم الصوفية ومعارفهم الكشفية معدات لذلك العجز الذي يتيسر للمنتهىين منهم الى ﻧﻬاية النهاية وهؤلاء الاكابر يتدرجون في مدارج تلك المعارف الكشفية الى ان يتشرفوا بدولة الوصول الى ذلك العجز فتكون معارف هؤلاء الاصفياء معتبرة لكوﻧﻬا وسيلة لحصول حق المعرفة وذريعة الوصول الى تلك الحقيقة (فان قيل) اذا ثبت العجز عن المعرفة وكان الكمال منحصرًا في العجز فما معنى اعتبار الصوفية ثلاثة مراتب في المعرفة وما يكون المراد بعلم اليقين وعين اليقين وحق اليقين (قلت) ان لهذا الفقير مشاجرة في هذه المسئلة مع القوم وهؤلاء الاكابر اعتبروا هذه المراتب الثلاث بالنسبة الى ذاته تعالى واثبتوا علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين في حضرته جل شأنه وفي التمثيل الذي اوردوه لذلك قالوا للعلم بالنار الحاصل من الاستدلال بالدخان علم اليقين بالنسبة الى النار وقالوا لرؤية النار عين اليقين وللتحقق بالنار حق اليقين وهذا الفقير نزل هذه المراتب الثلاث الى الآيات الدالة على ذات الواجب جل سلطانه وقال بالعلم والعين والحق في الدوال لا في المدلول فانه اجل واعلى من العلم والعين والحق وفي التمثيل اثبت العلم والعين والحق بالنسبة الى الدخان لا بالنسبة الى النار فان العلم بالدخان اذا حصل بالاستدلال فهو علم اليقين بالنسبة الى الدخان المستلزم للنار واذا حصلت رؤية الدخان واستدل به لوجود النار فهو عين اليقين بالنسبة الى الدخان واذا حصل التحقق بالدخان واستدل به على وجود النار فهو حق اليقين بالنسبة الى الدخان وهذا الاستدلال اتم من الاستدلال السابق فان ذاك استدلال من الآفاق وهذا استدلال من الانفس لحصول التحقق بالدخان وأيضا ان الدخان واسطة في عين اليقين وفي حق اليقين ليس بواسطة بل النسبة التي هي كائنة للدخان مع النار تحصل تلك النسبة بعينها للمستدل فيصل الى اعلا مدارج القرب الذي هو ما وراء العلم والعين والحق (لا يقال) اذا ارتفعت الواسطة فقد تحققت الرؤية التي هي عين اليقين (لانا نقول) ان ارتفاع الواسطة لا يكفي في تحقق الرؤية بل لا بد من اشياء اخر وهي مفقودة ولما كانت مراتب اليقين راجعة الى الآيات ولم تبق معرفة تكون راجعة الى المدلول لزم العجز عن المعرفة في المدلول بالضرورة ولم تتحقق هناك معرفة غير سلب المعرفة فلو لم تجعل هذه المراتب الثلاث لليقين راجعة الى الآيات وكانت راجعة الى المدلول كيف يتصور العجز عن المعرفة وما يكون معنى سلب المعرفة. |