٥٧ المكتوب السابع والخمسون إلى مولانا حميد الأحمدى فى بيان حدوث العالم ورد عبيد العقل الفعال. الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين إن اللّه تعالى موجود بذاته ووجوده سبحانه بنفسه وهو تعالى قد كان على ما عليه الآن ويكون على ذلك إلى أبد الآباد ولا سبيل للعدم السابق والعدم واللاحق إلى جناب قدسه تعالى فإن وجوب الوجود أحقر خدام ذلك الجناب المقدس وسلب العدم أذل كناسى ذاك الحريم المحترم وما سواه تعالى المسمى بالعالم من العناصر والأفلاك والعقول والنفوس والبسائط والمركبات كلها موجودة بإيجاد اللّه تعالى ومخرجة من العدم إلى الوجود والقدم الذاتى والقدم الزمانى كلاهما ثابتان لجناب قدسه تعالى فقط والحدوث الذاتى والزمانى كائن لغيره تعالى كما أنه خلق الأرض فى يومين أخرج السموات والكواكب بعد خلق الأرض من العدم إلى الوجود فى يومين قوله تعالى خلق الأرض فى يومين وقوله تعالى فقضاهن سبع سموات فى يومين مصداق هذا الكلام سفيه بل منكر لنص القرآن من يتفوه بقدم بعض ما سواه كالأفلاك وما فيها وبسائط العناصر والعقول والنفوس وقد انعقد إجماع المليين إلى حدوث ما سواه تعالى وحكموا بوجوده بعد العدم السابق بالاتفاق كما صرح به الإمام حجة الإسلام الغزالى فى رسالته المنقذ عن الضلال وكفر جماعة قالوا بقدم بعض أجزاء العالم فالحكم بقدم شئ من الممكنات خروج عن الملة ودخول فى الفلسفة وكما أن العدم السابق كائن لما سواه تعالى العدم اللاحق أيضاً لاحق به فتنتثر الكواكب وتنشق السموات وتندك الأرض والجبال وتلحق بالعدم كما نطق به نص القرآن وانعقد عليه إجماع جميع الفرق الإسلامية قال اللّه تعالى فى كلامه المجيد فإذا نفخ فى الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهى يومئذ واهية وقال إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وقال إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وقال إذا السماء انشقت وقال كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون ووردت فى القرآن أمثال ذلك آيات كثيرة والجاهل ينكر فناء هؤلاء بجهله ويرد النصوص القرآنية مفتتنا بالمموهات الفلسفية وبالجملة إن إثبات العدم اللاحق فى الممكنات كائنات العدم السابق فيها من ضروريات الدين والإيمان به لازم وما قال بعض العلماء من أن سبعة أشياء لا يتطرق عليها الفناء بل تكون باقية وهى العرش والكرسى واللوح والقلم والجنة والنار والروح لا بمعنى إن هذه الأشياء لا تقبل الفناء وليست فيها قابلية الزوال حاشا من ذلك وكلا بل بمعنى أن القادر المختار جل شأنه يفنى بعد الوجود من يشاء ويبقى من يشاء لحكم ومصالح يفعل اللّه ما يشاء ويحكم ما يريد ولاح من هذا البيان أن العالم بجميع أجزائه مستند إلى الوجب وتعالى ومحتاج إليه سبحانه فى الوجود والبقاء فإن البقاء عبارة عن استمرار الوجود فى زمان ثان وثالث إلى ما شاء اللّه تعالى ليس فيه أمر زائد على الوجود مسمى بالبقاء فيكون نفس الوجود واستمراره مستندا ومفوضا إلى إرادته تعالى وماذا يكون العقل الفعل الفعال حتى يدبر الأشياء وتكون الحوادث مستندة إليه وفى نفس وجوده وثبوته ألف كلام فإن تحققه وحصوله مبتن على المقدمات الفلسفية المموهة وكلها غير تامة على أصول جميع الفرق الإسلامية والأبله من يصرف الأشياء عن القادر المختار جل شأنه ويسندها إلى مثل هذا الأمر الموهوم بل يلحق للأشياء ألوف من العار من أن تكون مستندة إلى منحوت الفلسفى بل الأشياء بعدمها راضية من أن يكون استنادها إلى مجعول سفسطى محرومة من سعادة الانتساب إلى قدرة القادر المختار جل سلطانه كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا . |