٩٤ المكتوب الرابع والتسعون الى مولانا عبد القادر الانبالي في بيان حقيقة الفناء والبقاء وانفكاك العدم من حقيقة العارف وصورته وتكميل نسبة اﻟﻤﺠاورة بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ الحمد للّه رب العالمين والصلاة و السلام على سيد المرسلين اعلم ان حقائق الممكنات بعلم هذا الفقير كما كتب في بعض المكاتيب عبارة عن العدمات التي هي منشأ جميع الشر والنقص مع عكوس الصور العلمية للاسماء والصفات الالهية جل شأنه التي ظهرت في تلك العدمات غاية ما في الباب ان تلك العدمات مثل الهيولي وتلك العكوس كالصورة الحالة في الهيولي تشخص تلك العدمات وتميزها بتلك العكوس الظاهرة فيها وقيام تلك العكوس بتلك العدمات المتميزة وهذا القيام ليس هو كقيام العرض بالجوهر بل كقيام الصورة بالهيولي على ما قالوا ان قيام الصورة بالهيولي وتشخيص الهيولي بالصورة فاذا كان السالك متوجها بتوفيق اللّه سبحانه الى جناب قدس الحق جل شأنه بالذكر والمراقبة واعرض عما سواه سبحانه ساعة فساعة تحصل لتلك الصور العلمية للصفات الواجبة جل شأنه في كل آن قوة وغلبة وتستولي على قرينها الذي هو العدمات وتتسلط الا ان حزب اللّه هم الغالبون وتبلغ المعاملة مبلغا تشرع العدمات التي هي كالاصل والهيولي لتلك العكوس في الاستتار بل تكون مختفية عن نظر السالك بالتمام ولا يبقى في نظره غير العكوس والاصول واصول الاصول بل تكون العكوس التي هي مرايا اصولها مختفية عن النظر فانه لا بد للمرايا من الاختفاء وهذا المقام مقام الفناء وعال جدا فان شرف هذا السالك الفاني بالبقاء باللّه وارجع الى العالم يجد عدمه كالجلد الضيق الذي هو لوقاية البدن ويكاد يعبر عنه من غاية عدم مناسبته له بقميصٍ من شعر ويجده مباينا لنفسه ولكن ما كان العدم مباينا له في هذا الموطن في الحقيقة بل هو داخل في مظان أنانيته وبالجملة ان العدم في هذا المقام جزؤه المغلوب والمستور ومتترل عن الحالة التي كانت له فيما قبل وصار تابعا بل قائما بتلك العكوس التي كان قيامها به وهذا الفقير كان في هذا المقام سنين ووجد عدمه مباينا لنفسه كقميص من شعر ولما كانت عناية اللّه سبحانه التي لا غاية لها شاملة لحاله بعد اللتيا واللتي رأى ان ذلك الجزء المغلوب انحل من هذا التركيب وفارقه وفقد التشخص الذي كان عارضا له بحصول تلك العكوس وكأنه صار ملحقا بالعدم المطلق كصورة تجعل في قالب ويجعل قيامها به فاذا كملت وحصل لها ثبات ورسوخ يكسر ذلك القالب وتخرج الصورة منه ويجعل قائمة بنفسها وفيما نحن فيه ايضا العكوس التي كان قيامها به حصل لها قيامها بنفسها بل باصولها ففي هذا الوقت لم يبق اطلاق انا على غير العكوس واصول تلك العكوس وكان الجزء العدمي لم يكن له مساس ﺑﻬا ووجدان حقيقة الفناء انما حصلت في هذا الموطن وكأن الفناء السابق كان صورة هذا الفناء ولما اخرج الى البقاء من هذا المقام وارجع الى العالم اعيد ذلك العدم الذي كانت له نسبة الجزئية وكانت له الاصالة والغلبة وجعل مجاورا وقرينًا له ومباينا عن حقيقته وصورته وابعد عن اطلاق لفظ انا عليه والبس هو اياه كقميص الشعر ثانيا لاجل حكم ومصالح وفي هذه الحالة وان أعيد العدم ولكن لم يجعل قيام تلك العكوس مربوطا به بل جعل قيام العدم بتلك العكوس كما مر في البقاء السابق فاذا كان في ذلك البقاء هذه النسبة تكون هذه النسبة في تلك الحالة التي هي حقيقة البقاء على الوجه الاتم غاية ما في الباب ان للثوب تأثيرا في صاحب الثوب بعد لبسه فانه اذا كان الثوب حارا يتأثر اللابس بالحرارة وان كان باردا يتأثر بالبرودة وكذلك هذا العدم المشابه بالثوب وجد له تأثيرا في نفسه ورأى اثره ساريا في جميع بدنه ولكن يعرف ان هذا التأثير والسراية ظاهري لا باطني عرضي لا ذاتي حاصل من اﻟﻤﺠاور الخارج لا من اﻟﻤﺠانس الداخل وان وجد الشر والنقص اللذان ناشيان من ذلك العدم فهما ايضا عرضيان خارجيان لا ذاتيان اصليان وصاحب هذا المقام وان كان مشاركا لسائر الناس في البشرية ومساهما مع غيره في صدور الصفات البشرية ولكن ظهور الصفات البشرية منه ومن ابناء جنسه عرضي ناش من اﻟﻤﺠاور ومن الآخرين ذاتي واصلي شتان ما بينهما والعوام يتصورون الخواص بل اخص الخواص كأنفسهم ملاحظين المشاركة الصورية ويكونون في مقام الانكار عليهم ويحرمون بركاﺗﻬم قوله تعالى فقالوا ابشر يهدوننا فكفروا وقوله تعالى وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق علامة حالهم وكلما ارى في نفسي من الصفات البشرية أجد بعناية اللّه سبحانه ان حامل تلك الصفات هو ذلك العدم اﻟﻤﺠاور الذي جري في كليتي وسري واجد نفسي بالتمام والكمال طاهرا ومبرأ من تلك الصفات ولا أحس في نفسي نبذة من تلك الصفات للّه سبحانه الحمد والمنة على ذلك وهذه الصفات التي تظهر بسبب اﻟﻤﺠاورة كحمرة تظهر من شخص لابس لباسا أحمر بسبب حمرة اللباس اﻟﻤﺠاور والحمقاء لعدم تمييزهم يظنون حمرة مجاور شخص حمرة ذلك الشخص وينسبون اليه احكاما مخالفة للواقع (شعر): خاب الذي قد يرى ذا القبح كالحسن * وفاز من كان فيه حدة البصر النيل كان دما للقبط ولبني * يعقوب ماء وذا من أعظم العبر ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب و السلام على من اتبع الهدى. |