١٠٩ المكتوب التاسع والمائة إلى حضرة المخدوم زاده الخواجه محمد معصوم سلمه اللّه سبحانه فى بيان أن إيجاد العالم فى مرتبة الوهم ولكنه بواسطة الاستقرار وتعلق الإيجاد به صار منسوباً إلى نفس الأمر وهذه المرتبة وراء مرتبة العلم والخارج وبيان أن الوحدة والكثرة كلتيهما فى نفس الأمر وتحقيق أن فناء السالك مع وجود الثبات والاستقرار بأى معنى يكون وهذا المكتوب بقى غير تام بواسطة حوادث الأيام. اعلم أن مرتبة الوهم عبارة عن مرتبة يكون فيها ظهور بلا وجود كما أن صورة زيد مثلا إذا كانت متوهمة فى المرآة فهناك ظهور بلا وجود لأنه لا صورة فى المرآة أصلا وليس لها ثبوت فيها غير الظهور الوهمى وقد لاح بالكشف الصحيح والشهود الصادق أن الحق سبحانه خلق العالم من كمال اقتداره فى تلك المرتبة وأعطاه بصنعة الكامل ظهورا محضاً وإن كان فى تلك المرتبة ظهورا بلا كون ووجود ولكن لما صار العالم مخلوقاً فى تلك المرتبة كان ظهورا مع وجود فإن إيجاده تعالى يكون مثبتاً وموجداً ولما كان ظهورا مع وجود كان فى مرتبة نفس الأمر وترتبت عليه أحكام وآثار صادقة ومرتبة الوهم هذه وراء مرتبة العلم والخارج ومشابهتها ومناسبتها بمرتبة الخارج أزيد من مناسبة مرتبة العلم بها وثبوتها شبيه بثبوت خارجى بخلاف الثبوت العلمى الذى يقال له وجوداً ذهنياً فإنه فى الطرف المقابل للوجود الخارجى والظهور الذى هو فى مرتبة الوهم له أيضاً شبه تام بالظهور الخارجى بخلاف مرتبة العلم فإن هناك بطونا وكمونا وكأنه وقع فى مرتبة الوهم ظل من مرتبة الخارج فأوجد العالم فيها بظل الخارج فلا يكون فى نفس الخارج موجود غير الذات الأحدية ويكون العالم مع هذا التعدد والتكثر موجودا فى ظل الخارج بإيجاد اللّه تعالى بوجود ظلى وفى خارج نفس الأمر وحدة وفى ظل خارج نفس الأمر كثرة كما أن المطابق لنفس الأمر فى العلم أيضاً كثرة فتكون الحدة والكثرة كلتاهما فى نفس الأمر ويكون لكل منهما اعتبار على حدة ولا محذور فيه كما أن هذا الخارج والوجود للعالم ظليان كذلك سائر صفاته من الحياة والعلم والقدرة وغيرها أيضاً ظلال صفات الواجب جل سلطانه بل النفس الأمر الذى يثبت فى إثبات العالم أيضاً ظل نفس الأمر الكائن فى مرتبة الخارج ( شعر ) . ما جئت من بيتى بشئ أولاً * ومنحتنى ما بى وإنى بعض ذا قال اللّه تعالى وتقدس ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ( فإن قيل ) إنك كتبت فى رسائلك أن ما فى الظل كله من الأصل وليس فى يد الظل شئ غير حمل أمانات الأصل فإذا رد السالك المستعد جميع ما فى يده من الخير والكمال والوجود وتوابع الوجود بحكم الظلية إلى أصله ووجد نفسه خالياً من جميع الكمالات يصير متحققاً بالفناء والاضمحلال بالضرورة ولا يبقى منه اسم ولا رسم فما حاصل هذا الكلام وما معنى ردا الكمالات إلى الأصل وبأى اعتبار يكون فناء السالك واضمحلاله مع وجود ثباته واستقراره ( قلت ) إن هذا الفناء يشبه حال شخص لبس أثواب العارية ويعلم أنها ليس له بل لغيره وإنما لبسها بطريق العارية فإذا غلبت هذه الرؤية واستولت استيلاء تاما يمكن أن يعطى تلك الأثواب مع وجود التلبس بها لصاحبها ويجد نفسه عريانا حتى ينفعل ويستحى من جلسائه بسبب عريه من الثياب ويجر نفسه إلى زاوية وحيث أن السالك صار مخلوقاً فى مرتبة التوهم والتخيل يكفيه الفناء التخيلى أيضاً فإن استيلاء هذا التخيل بوصله إلى اليقين القبلى ويجعله ذوقياً وجدانياً فيوجد ما هو المقصود من الفناء والاضمحلال لأن المقصود من الفناء زوال التعلق بالظل وحصول التعلق بالأصل ولما صار رجوع الظل إلى الأصل يقينا وذوقيا ووجدانياً زال التعلق بالظل بالضرورة وجاء مكانه التعلق بالأصل فلو لم يحصل هذا التخيل لما تيسرت دولة زوال التعلق بالظل بل مدار سلوك هذا الطريق على التوهم والتخيل والأحوال والمواجيد التى هى المعانى الجزئية فى هذا الطريق إنما تدرك بالوهم والتجليات والتلوينات إنما تشاهد للسالكين فى مرآة الخيال فلولا الوهم لقصر الفهم ولولا الخيال لاستتر الحال لم يوجد فى هذا الطريق شئ أنفع من الوهم والخيال وجاء أكثر إدراكهما وانكشافهما مطابقا لواقع والذى يقع مسافة خمسين ألف سنة كائنة بين العبد والرب فى مدة قليلة بكرم اللّه تعالى ويوصل العبد إلى درجات عالية هو الوهم والذى يجعل دقائق غيب الغيب وأسراره منكشفة فى مرآته ويطلع السالك المستعد عليها هو الخيال ومن شرافة الوهم اختيار الحق سبحانه خلق العالم فى تلك المرتبة وجعلها محلا لظهرو كمالاته ومن جلالة الخيال جعله اللّه أنموذجا لعالم المثال الذى هو أوسع جميع العوالم حتى قالوا بوجود صورة فيه لمرتبة الوجوب أيضاً وحكموا بأن اللّه سبحانه ليس له مثل ولكن له مثال وللّه المثل الأعلى والذى يحسه العارف فى مرآة خياله ويترقى بذوق وجدانه هو صور الأحكام الوجوبية ( فإن قيل ) قد اتضح من التحقيق السابق أن الفناء باعتبار التخيل وإن كان موصلا إلى يقين قلبى وجعله ذوقياً ووجدانياً وترتبت عليه أحكام صادقة لا باعتبار التحقق وأنت بنفسك كتبت فى بعض رسائلك أن هذا الفناء باعتبار الوجود وأنه زوال العين والأثر فما حقيقة هذه المعاملة ( قلت ) لما كان رجوع وجود الظل إلى الأصل يقينيا وذوقيا ووجدانياً حكم بزوال الوجود أيضاً بالضرورة وقيل بارتفاع العين والأثر ( فإن قيل ) إن هذا الحكم بالفناء الوجودى مع ثبوت الفانى واستقراره هل هو صادق أو كاذب . |