٩٣ المكتوب الثالث والتسعون إلى حضرة المخدوم زاده الخواجه محمد سعيد فى تحقيق التعين الأول الوجودى وبيان الفرق بين مبادى تعينات الحبيب والخليل والكليم عليهم الصلوات والتسليمات. والذى صار مكشوفا فى الآخر بكرم اللّه وفضله سبحانه وتعالى هو أن التعين الأول لحضرة الذات تعالت وتقدست هو تعين حضرة الوجود والمحيط بجميع الأشياء والجامع لجميع الأضداد والخير المحض وكثير البركة حتى أن الأكثرين من مشائخ هذه الطائفة قالوا إنه عين الذات ومنعوا كونه زائدا على الذات تعالى وفيه غاية الدقة وكمال اللطافة بحيث لا يكاد بصر كل شخص يدركه ولا يقدر تمييزه من الأصل ولهذا بقى تعينه مختفيا إلى هذه المدة ولم يتميز من المتعين وعبده جم غفير بزعم أنه هو اللّه ولم يطلبوا معبودا ومطلوبا ما وراءه واعقتدوا أنه هو المبدأ للآثار الخارجية وظنوا أنه المكون للحوادث اليومية وهذا التمييز أعنى تمييز الحق عما دون الحق كان دولة مدخرة لهذا المسكين العاجز المتأخر ونفى مشاركة غير المعبود مع المعبود سبحانه وتعالى كان حصة باقية من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مختبية لملتقط ما سقط من موائدهم هذا الحمد للّه الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا اللّه لقد جاءت رسل ربنا بالحق وقد صار مكشوفا أن هذا التعين الأول الوجودى هو رب خليل الرحمن على نبينا وعليه الصلاة والسلام ومبدأ تعينه وتعين خلته وصار مكشوفا أيضاً أن مركز هذا التعين الذى هو جزؤه الأشرف وفيه نسبة الأقربية بالأصل من بين الأجزاء الأخر هو رب حبيب اللّه ومبدأ تعينه وتعين محبته عليه وعلى جميع الأنبياء الصلوات والتسليمات ( فإن قيل ) إذا كان التعين الأول رب الخليل فما معنى قول نبينا عليهما الصلاة والسلام أول ما خلق اللّه نورى ( قلت ) إن مركز الدائرة أسبق أجزاء الدائرة وأيضاً إن للجزء تقدما على الكل فيكون مبدأ تعينه صلى اللّه عليه وسلم الذى عبر عنه بنورى أسبق من الكل بالضرورة ومركز الدائرة وإن كان جزء من الدائرة والدائرة كلا له ولكنه جزء نشأ منه سائر أجزاء الكل فإن جميع أجزاء محيط الدائرة ظلال ذلك الجزء الذى هو مركز تلك الدائرة فلو لم يكن ذلك الجزء لما كان من الدائرة اسم ولا رسم ( فاتضح ) أن رب حضرة الخليل ومبدأ تعينه هو التعين الأول ومنشأ التعين الأول الذى هو الجزء والمركز وأشرف أجزاء تلك الدائرة رب حضرة خاتم الرسل عليه وعليهم الصلاة والسلام ومبدأ تعينه فيكون أسبق الكل هو حقيقة خاتم النبوة ويكون منشأ ظهور الآخرين أيضاً هى ومن ههنا ورد فى الحديث القدسى فى شأن حبيب اللّه لولاك لما خلقت الأفلاك ولما أظهرت الربوبية فإذا كان مبدأ تعين خاتم الرسل عليه وعليهم الصلاة والسلام مركز دائرة التعين الأول الذى هو مبدأ تعين الخليل عليه السلام فلا جرم تكون الولاية المحمدية التى منشأوها المحبة مركز الولاية الخليلية التى منشأها الخلة والولاية الخليلية مع وجود أوليتها لا تكون حائلة وحاجزة بين الولاية المحمدية وبين حضرة الذات تعالت وتقدست فإن لمركز الدائرة سبقة ذاتية على الدائرة فلا يكون الخلف حائلا للسلف بل الأمر بالعكس ( ووجه آخر ) لسبق هذا المركز وقربه اسمع إنه كلما ما يتعمق فى السير فى هذه النقطة التى هى المركز يتميز المحب من المحبوب من تلك النقطة التى حاصلها المحبة وتظهر صورة دائرة مركزها المحبوبية ومحيطها المحبية وتلك المحبية هى مبدأ الولاية الموسوية والمحبوبية هى مبدأ الولاية المحمدية على صاحبها الصلاة والسلام فهذا المركز الذى هو المحبوبية أسبق من ذاك المركز الذى هو المحبة وصار دائرة وأقرب إلى حضرة الذات فإن للمركز سبقة وقربا ليسا للدائرة فكانت الولاية المحمدية أسبق من الولاية الموسوية أيضاً وأقرب ( ووجه آخر ) لسبقة الولاية المحمدية وقربها اسمع أنه كلما يتعمق فى السير فى هذا المركز الذى هو المحبوبية بفضل اللّه سبحانه وتعالى تعرض لهذا المركز أيضاً صورة دائرة يرى مركزها محبوبية صرفة ويظهر محيطها محبوبية ممتزجة بالمحبية وهى نصيب فرد من أفراد أمته بتبعيته عليه وعلى آله الصلاة والسلام بل بتبعية الولاية الموسوية على صاحبها الصلاة والسلام التى لها مناسبة بمحيط الدائرة ومن ههنا قيل أن الولاية المحمدية مركز فى جميع الأوقات وكيفية المحبية أيضاً من بركات تلك الولاية فإن المركز الثانى إنما صار دائرة بامتزاجها به وظهر منه مركز آخر ( ينبغى ) أن يعلم أن هذا المركز الثالث أورث للمعاملة ترقيا كثيرا وجعلها أقرب من الأقرب (ع) لا عسر فى أمر مع الكرام * وما أظهر زيادة على ذلك من هذه الأسرار والدقائق وماذا يقال ويبين مما وراء التعين الأول أكثر من ذلك وأن لم يكن وراء التعين الأول لكونه جزءه أو جزء جزئه بواسطة أو بواسطتين ولكنه بعيد عن التعين الأول فى النظر الكشفى بمراحل وأقرب منه إلى المطلوب بمنازل ( فإن قيل ) إن كل كمال ميسر للجزء ميسر للكل فإن الكل عبارة عن ذلك الجزء مع أجزاء آخر فما وجه حصول السبقة والقرب للجزء دون الكل ( قلت ) إن الكمال الذى يحصل للجزء بالأصالة يحصل ذلك للكل بتبعيته للجزء لا بالأصالة ولا شك أن للأصالة سبقة ليست هى للتبعية وللأصل قرب ليس هو للفرع فلو كان مركز الدائرة أسبق قدما من الدائرة فى كمالاته المخصوصة به لساغ ( والتحقيق ) فى الجواب أن كمال الجزء إنما يسرى فى الكل إذا كان ذلك الكمال ناشئا من ماهية الجزء الأصلية وأما إذا كان الكمال عارضا للجزء بعد انقلاب ماهيته لا يلزم أن يسرى ذلك الكمال فى الكل فإن ذلك لجزء لم يبق جزء لذلك الكل بعد انقلاب ما هيته حتى يسرى الكمال فيه مثلا إذا جعل جزء من الورق بعمل الأكسير ذهبا وانقلب من ماهية الورق إلى ماهية الذهب لا يمكن أن يقال أن كمالات هذا الجزء الذهبية تسرى فى الفضة التى هى كله فإن ذلك الجزء لم يبق جزأ لها بعد الانقلاب حتى تسرى كمالاته فأفهم وقس عليه معرفة ما نحن فيه ( فإن قيل ) إن التعين الأول الوجودى هل له وجود فى الخارج أو ثبوت علمى فقط وكل واحد من هذين الشقين غير صحيح فإنه لا موجود فى الخارج عند هؤلاء الأكابر غير ذات واحدة تعالت ولا اسم فى ذلك الخارج من التعينات والتنزلات ولا رسم ولو قلنا بالثبوت العلمى يلزم أن يكون التعين العلمى سابقا عليه وهو خلاف المقرر ( أجيب ) إنه ثابت فى نفس الأمر فلو قيل بالثبوت الخارجى بمعنى أن له ثبوتا فيما وراء العلم أيضاً لساغ واللّه سبحانه الملهم للصواب . |