٨٦ المكتوب السادس والثمانون إلى الدرويش حبيب الخادم فى بيان سر كثرة ظهور الخوارق وقلته. اعلم أن ارتكاب فضول المباحات باعث على قلة ظهور الخوارق خصوصا إذا أفضى كثرة مباشرة الفضول إلى حد المشتبه وأدت منه عياذ باللّه سبحانه إلى حوالى المحرم فأين الكرامة حينئذ وأين الخوارق وكلما يضيق دائرة مباشرة المباح واكتفى منه بقدر الضرورة يكون مجال الكشف والكرامة أوسع وطريق ظهور الخوارق أوضح وظهور الخوارق من شرائط النبوة لا من شرائط الولاية فإن إظهار النبوة واجب دون إظهار الولاية بل السر والإخفاء فى هذه المرتبة أولى فإن هناك دعوة الخلق وهنا قرب الحق جل شأنه ومعلوم أن الإظهار لازم للدعوة والستر مناسب للقرب وكثرة ظهور الخوارق من ولى لا يدل على أفضليته على غيره من الذين لم يظهر منهم من الخوارق مثل ظهر منه بل يجوز أن يكون ولى لا يظهر منه خارق أصلا أفضل من الأولياء الذين ظهرت منهم الخوارق كما حقق شيخ الشيوخ هذا المعنى فى كتابة العوارف فإذا لم يكن قلة ظهور الخوارق وكثرته فى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام موجبة للأفضلية والمفضولية مع كونها شرطا للنبوة كيف تكون فى الولاية موجبة للتفاضل مع كونها غير شرط فيها وأظن أن المقصود الأصلى من رياضات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومجاهداتهم وتضييقهم فى مباشرة المباح على أنفسهم هو تحصيل ظهور الخوارق التى هى واجبة عليهم وشرط نبوتهم لا الوصول إلى درجات القرب الإلهى جل سلطانه فإن الأنبياء عليهم الصلوات والتحيات مجتبون فيجربهم بسلسلة جذب المحبة جرا جرا ويوصل بهم إلى درجات القرب الإلهى جل شأنه بلا مشقة منهم والطريق الذى يحتاج فيه للوصول إلى درجات القرب الإلهى جل سلطانه إلى الرياضات والمجاهدات هو طريق الإنابة والإرادة الذى هو طريق المريدين وطريق الاجتباء هو طريق المرادين والمريدون يذهبون بأرجلهم بالمشقة والمحنة والمرادون يحملون إلى منزل المقصود بالإعزاز والإكرام ويوصل بهم إلى درجات القرب بلا محنة منهم ( ينبغى ) أن يعلم أن الرياضات والمجاهدات من شرائط طريق الإنابة والإرادة وإنها ليست بشرط فى طريق الاجتباء ومع ذلك هى نافعة مثلا إذا حصل حمل شخص جراجرا وهو مع ذلك الجر يستعمل سعيه أيضاً فلا شك أنه أسرع ذهابا من الذى لا يستعمل سعيه وإن جاز أن يكون الجر وحده أحيانا أقوى وأجدى من الجر المركب المذكور فالسعى والمشقة لا يكون شرط كمال الوصول فى طريق الاجتباء كما أنه ليس بشرط فى نفس الوصول نعم فيه احتمال النفع ولو فى بعض المحال وفوائد الرياضات ومنافع المجاهدات التى هى عبارة عن الاقتصار على ضروريات المباح كثيرة لأرباب الاجتباء أيضاً بغير المعنى المذكور مثل دوام الجهاد الأكبر وطهارة الباطن ونظافته من التلويثات الدنيوية فإن كل حوائج ضرورية ليست بداخلة فى الدنيا وكلما هو فضول فداخل فى الدنيا والنفع الآخر فى الرياضة والاقتصار على الضرورة فلة المحاسبة والمؤاخذة الأخرويتين وإنها سبب لارتفاع الدرجات الأخروية فإن مسرة الآخرة تكون أضعاف محنة الدنيا فظهر لرياضات الأنبياء ومجاهداتهم عليهم الصلاة والسلام وجوه أخر غير الوجوه الذى ذكرناه آنفا فاتضح أن الرياضة والاقتصاد على ضروريات المباح وإن لم تكن شرطا للوصول فى طريق الاجتباء ولكنها محمودة فى حد ذاتها ومستحسنة بل النظر إلى الفوائد المذكورة ضرورية ولازمة ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا والسلام على من اتبع الهدى . |