Geri

   

 

 

İleri

 

٦٨

المكتوب الثامن والستون

إلى الفقير محمد هاشم الكشمى فى تحقيق مرتبة الوهم التى ظهر العالم فى تلك المرتبة وما يناسب ذلك.

إن قولنا للعالم موهوما لا بمعنى أنه منحوت الوهم ومجعوله كيف يكون منحوت الوهم فإن الوهم أيضاً من جملة العالم بل بمعنى أن الحق سبحانه خلق العالم فى مرتبة الوهم وإن لم يكن الوهم موجودا فى ذلك الوقت ولكنه كان فى علم اللّه تعالى ومرتبة الوهم عبارة عن ظهور بلا كون ووجود كمثل دائرة ناشئة من جولان النقطة الجوالة حيث أن لها ظهورا ولا وجود والحكيم المطلق جل سلطانه خلق العالم فى تلك المرتبة وأعطى الظهور المحض ثبوتا وثباتا وأخرجه من الغلط إلى الصحة ومن الكذب إلى الصدق وجعله نفس الأمر أولئك يبدل اللّه سيئاتهم حسنات والمرتبة الموهومة مرتبة عجيبة لا مزاحمة لها بالموجود أصلا ولا تدافع ولا تثبت له جهة من الجهات ولا حد ولا نهاية كما لا تنازع للدائرة الموهومة مع النقطة الجوالة الموجودة ولا جهة من الجهات ثابتة لها معها ولم يحدث فى النقطة نهاية أصلا من حدوث الدائرة الموهومة حيث لا يمكن أن يقال أن النقطة فى يمين الدائرة أو فى شمالها أو فى قدامها أو فى خلفها أو فوقها أو تحتها وثبوت هذه الجهات للدائرة إنما هو بالنسبة إلى الأشياء التى لها ثبوت فى مرتبتها

وأما ما هو كائن فى مرتبة فليس شئ من هذه الجهات بثابت للدائرة معها وأيضاً لم يثبت لهذه النقطة حد ونهاية بحدوث تلك الدائرة بل هى على صرافتها وللّه المثل الأعلى ينبغى أن يعلم من هذا البيان حال العالم مع صانع العالم جل شأنه بأنه لم يحدث له سبحانه من إيجاد العالم حد ولا نهاية ولم تحصل له جهة من الجهات وهذه النسبة كيف تتصور هناك فإنه لا اسم من هؤلاء فى تلك المرتبة العلياء ولا رسم حتى تتصور النسب وطائفة من المخذولين توهموا من قصور نظرهم حصول هذه النسب وثبوت الجهات فى حق صانع العالم جل شأنه مع العالم ونفوا رؤيته تعالى وزعموها محالا وقدموا جهلهم المركب وتصديقهم للكاذب على الكتاب والسنة وظنوا أنه لو كان الحق سبحانه مرئيا لكان فى جهة من جهات الرائى وذلك مستلزم للحد والنهاية وقد علم من التحقيق السابق إن لا شئ فى حقه سبحانه من هذه النسب مع العالم سواء أثبتت الرؤية أولا فتكون الرؤية ولا تحدث الجهة كما تحقق هذا المعنى أما علموا أن هذا االمحذور لازم أيضاً فى وقت وجود العالم فإن الصانع تعالى يكون فى جهة من العالم ويكون أيضاً وراء العالم وهو مستلزم للحد والنهاية فإن قالوا إنه فى جميع جهات العالم فما يقولون فى حق لزوم الحد والنهاية اللازم للورائية وأيضاً الفساد والمحذور فى ثبوت الجهة إنما هو لاستلزامها النهاية وهى بنفسها لازمة هنا والخلاص من هذا المضيق إنما هو فى اختيار قول الصوفية أعنى قولهم للعالم موهوما فيحصل التخلص حينئذ من أشكال الجهة والنهاية ولا محذور فى القول بأنه موهوم أصلا فإن له أحكاما صادقة كالموجود والمعاملة الأبدية والتنعمات والتعذيبات السرمدية مربوطة به والموهوم الذى قال به السوفسطائية المجانين شئ آخر فإنه مخترع الوهم ومنحوت الخيال شتان ما بينهما ( ولنرجع ) إلى أصل الكلام فنقول إنه لا جهة للدائرة الموهومة الناشئة من النقطة الجوالة بالنسبة إليها بل هى خارجة من جميع جهاتها فلو صارت تلك الدائرة فرضا بتمامها بصرا لرأت النقطة من غير جهة ألبتة لأن الجهة مفقودة بينهما وفيما نحن فيه أيضاً لو صار الرائى بتمامه بصرا ورأى الحق جل وعلا بلا جهة أى محذور يلزم فيه والمؤمنون يرونه سبحانه فى الجنة بكليتهم ولا يثبت جهة أصلا وبحكم تخلقوا بأخلاق اللّه تحصل هذه الدولة للأولياء فى الدنيا ويصيرون بكليتهم بصرا وإن لم تكن رؤية فإنها مختصة بالآخرة ولكن لها حكم الرؤية وإنما قلت تخلقوا بأخلاق اللّه فإنهم قالوا فى الواجب تعالى ذاته كلها بصر وكلها سمع وكلها علم وللمتخلقين نصيب من هذه الأخلاق ألبتة وكل صفة من صفاتهم تأخذ فى ذلك المقام حكم كليتهم فيصيرون بكليتهم بصرا مثلا ويعطى سائر المؤمنين هذه النسبة فى الآخرة فيتشرفون هنالك بدولة الرؤية إن شاء اللّه تعالى ولا يلزم على هذا التقدير محذور واشتباه أصلا واللّه سبحانه أعلم بحقيقة الحال .