٥٨ المكتوب الثامن والخمسون إلى الخواجه صلاح الدين الأحرارى فى بيان أن خلق الممكنات ووجودها فى مرتبة الوهم. كان اللّه ولم يكن معه شئ ولما أراد أن يظهر كمالاته المكنونة طلب كل اسم من أسمائه تعالى مظهرا من المظاهر ليجلى كمالاته فى ذلك المظهر ولا قابل لمظهرية الوجود وتوابعة غير العدم فإن مظهر الشئ ومرآته مباين ومقابل لذلك الشئ والمباين والمقابلة للوجود هو العدم فقط فعين الحق سبحانه بكمال قدرته فى عالم العدم لكل اسم من أسمائه مظهرا من المظاهر وخلقه فى مرتبة الحس والوهم فى أى وقت أراده على أى طور شاء خلق الأشياء متى شاء وجعل المعاملة الأبدية مربوطة بها ( ينبغى ) أن يعلم أن المنافى للعدم هو الخارج لا الثبوت العارض له فى مرتبة الحس والوهم فإنه لا منافاة بينهما وثبوت العالم فى مرتبة الحس والوهم لا فى مرتبة الخارج حتى يكون منافيا له فيجوز أن يعرض للعدم ثبوت فى مرتبة الحس والوهم ويحصل له هناك بصنع اللّه جل سلطانه إتقان ورسوخ ويكون فى تلك المرتبة حيا وعالما وقادرا ومريدا ويصيراً وسميعا ومتكلما بطريق الانعكاس والظلية ولا يكون له فى مرتبة الخارج اسم ولا رسم ولا يكون شئ غير ذات الواجب وصفاته تعالى ثابتاً وموجودا فى الخارج وبهذا المعنى يمكن أن يقال وهو الآن كما كان ومثال ذلك النقطة الجوالة والدائرة الموهومة فإن الموجود هو النقطة فقط والدائرة معدومة فى الخارج لا اسم منها فيه ولا رسم ومع ذلك عرض لها فى مرتبة الحس والوهم وثبوت وحصل لها فى تلك المرتبة بطريق الظلية إنارة وإشراف ومن هذا التحقيق حصل الاستغناء عن المقدمات المبسوطة التى ذكرها الشيخ محى الدين وتابعوه فى تكوين العالم من بيان التنزلات والتعينات العلمية والخارجية وإثبات الحقائق والأعيان الثابتة فى مرتبة علم الواجب تعالى وإثبات عكوسها فى الخارج الذى هو ظاهر الوجود وتسمية آثارها خارجية كما لا يخفى على المنصف الناظر فى كلامهم المطلع على اصطلاحهم وبهذا التحقيق صار معلوما إن لا موجود فى الخارج غير الحق جل وعلا لا الأعيان ولا آثار الأعيان بل ثبوت هؤلاء فى مرتبة الحس والوهم ولا محذور فى ذلك أصلا فإن ذلك ليس بموهوم ثابت باختراع الوهم حتى يرتفع بارتفاع الوهم بل ثبوته بصنع اللّه جل شأنه فى مرتبة الوهم وله فى تلك المرتبة تقرر وإتقان واستحكام صنع اللّه الذى أتقن كل شئ ( واتضح ) من هذا البيان أن حقائق الممكنات عدمات عرض لها فى موطن علم الواحب تميز وتعين وصارت ثابتة فى مرتبة الحس والوهم مرة ثانية بصنع اللّه تعالى وصار بعض منها مرايا الأسماء الإلهية جل شأنه وصار فى تلك المرتبة بطريق الظلية والنعكاس حيا وعالما وقادرا ومريدا وبصيرا وسمعياً ومتكلما وتحقيق الشيخ ومتابعيه أن حقائق الممكنات صور الأسماء الإلهية العملية التى هى أحد التنزلات الخمسة الوجودية وبالجملة إن حقائق الممكنات فى فهم هذا الفقير عدمات وعند الشيخ وجودات متنزلة وحضرة الشيخ أثبت أراءة الكثرة فى الخارج وقال إن الصور العلمية المتكثرة التى هى حقائق الممكنات وعبر عنها بالأعيان الثابتة صارت منعكسة فى مرآة ظاهر الوجود تعالى الذى لا موجود غيره فى الخارج وعرض لها أراءة فى الخارج وصارت ترى كأنها موجودة فى الخارج ولا موجود فى الحقيقة فى الخارج غير الذات تعالت وقال إن كل واحدة من الصور العلمية تحدث لها فى وقت من الأوقات نسبة مجهولة الكيفية بظاهر الوجود الذى هو كالمرآة لتلك الصور وتصير تلك النسبة سببا لكونها مرئية فى الخارج وهذه النسبة ليست بمعلومة لأحد حتى أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يطلعوا على هذا السر وقال لإظهار تلك الصور فى الخارج بعد حصول تلك النسبة المجهولة الكيفية خلقا وإيجاد اللأشياء وعلى التحقيق السابق الذى اهتدى إليه هذا الفقير كما أن الأشياء لا وجود لها فى الخارج كذلك كونها مرئية فيه أيضاً على لا لونيتها لا وجود فيه للغير ولا آراءة ولا شأن فإن ثبتت له إراءة فهى فى مرتبة الوهم وإن كان له ثبوت فهو أيضاً بصنع اللّه تعالى فى مرتبة الوهم وبالجملة إن ثبوته وأراءته فى مرتبة واحدة لا أن ثبوته فى موضع وأراءته فى موضع آخر مثلا إن الدائرة الموهومة الناشئة من النقطة الجوالة كما أن ثبوتها فى مرتبة الوهم لا فى الخارج أراءاته أيضاً فى تلك المرتبة فإنه لا رسم لها فى الخارج حتى تصير مرتبة فيه غاية ما فى الباب أنه ربما يظن الاراءة الوهمية أراءة خارجية كما أذا رأى الرائى الصورة المثالية فى عالم المثال فى اليقظة بحس الباطن فيخال إنه يراها فى عالم الشهادة بحسب الظاهر وأمثال هذا الاشتباه تقع كثيرا ويجد السالك مرتبة من المراتب مشتبهة بأخرى فيكم على ذاك بحكم هذا ففيما نحن فيه أن تلك الدائرة الموهومة التى صارت مرتسمة فى الخيال ترى فى مرتبة هى مرتسمة فيها ببصر الخيال ويتخيل أنها ترى فى الخارج بعين الرأس وليس كذلك فإنه لا اسم لها فى الخارج الذى هو محل النقطة الجوالة ولا رسم حتى تكون مرئية فيه وصورة الشخص التى صارت منعكسة فى المرآة على هذا المنوال أيضاً فإنه لا ثبوت لها فى الخارج ولا ارآءة بل ثبوتها واراءتها كلاهما فى مرتبة الخيال واللّه سبحانه أعلم فما ظنه الشيخ قدس سره خارجا وأثبت للأشياء الاراءة والمرئية فيه بطريق الانعكاس ليس هو خارجا بل مرتبة الوهم قد حصل لها ثبات وتقرر بصنع اللّه جل شأنه وتوهم أنها خارج والخارج وما وراء ذلك فإنه بمعزل عن شهودنا وإحساسنا وما هو مشهود ومحسوس ومعقول ومتخيل لنا كلها داخلة فى دائرة الوهم والموجود الخارجى هو ما وراء وراء أفهامنا لا مجال هناك للمرآتية وأى صورة تنعكس فى تلك الحضرة والمرايا والصور كلها فى مراتب الظلال التى تتعلق بدائرة الوهم والحس ربنا آتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشدا . |