Geri

   

 

 

İleri

 

٤٨

المكتوب الثامن والأربعون

إلى حضرة المخدوم زاده الخواجه محمد سعيد مد ظله العالى فى بيان سر أقربيته تعالى وبيان أن انكشاف كنه الذات بالعلم الحضورى.

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه وسلام على عباده الذين اصطفى

( اعلم ) إن أقربيته تعالى مربوطة بالعلم الحضورى الذى تعلق بأصل المعلوم لا بظل من ظلاله وبصورة من صوره فإن ذلك نصيب العلم الحصولى فالعلم الحصولى لا يكون فى الحقيقة علم نفس الشئ بل علم صورة من صوره ويكون الجهل متحققا بالنسبة إلى نفس ذلك الشئ سبحان اللّه قد قالوا للجهل بالشئ علماً بذلك الشئ وكأنهم تصوروا صورة الشئ وظله عين الشئ وزعموا علم تلك الصورة علم ذلك الشئ وذلك ممنوع ودعوى العينية غير مسموح فإن بين الشئ وصورته نسبة الأثنينية وكلما ثبتت نسبة الأثنينية فالتغاير لازم الاثنان متغاير أن قضية مقررة من قضايا أرباب المعقول وأيضاً إن العلم بصورة الشئ كيف يكون مستلزما للعلم بذلك الشئ كما هو فإن صورة الشئ تمثال ظاهر الشئ ظهر متلبساً بأحكام المرآة وكم من دقائق شئ وأسراره ليس منها فى الصورة اسم ولا رسم ( شعر ) .

لو صور النقاش صورة ذا المنا  * وأحيرنى ما حيلتى فى غنجه

وليت ظاهر الشئ يظهر بصرافته فى صورة الشئ ويكون الباطن موقوفا ومسكوتاً عنه فإنه إذا ثبت أن ظاهر الشئ يظهر فى صورة الشئ متلبساً بأحكام المحل والمرآة على ما مر لا يبقى الظاهر على صرافته يقينا بل تعرض له هيئة أخرى فالصورة كما أنها محرومة من باطن الشئ محرومة أيضاً من ظاهرة فلا يكون علم تلك الصورة مستلزماً لعلم ذلك الشئ كما هو بالضرورة وبالجملة إن المعلوم هو ما يكون كائنا فى الذهن ولما كان الكائن فى الذهن الصورة يكون المعلوم أيضاً هو تلك الصورة ولما كانت بين الصورة والشئ نسبة التباين والتغاير لا يكون علم الصورة مستلزما لعلم الشئ كما هو والعلم الحضورى هو الذى يكون الحاضر فيه فى المدركة نفسى الشئ من غير أن يتخلل فى البين شئ من الظل والصورة فيكون المعلوم فى هذا العلم هو نفس الشئ لا صورة من صوره فيكون العلم الحضورى أشرف بل يكون العلم هو فقط لا غير ويكون ما سواه من العلم الحصولى جهلا مشتبها بصورة العلم والمتصف بالجهل المركب من يزعم جهله علماً ولا يدرى بأنه لا يدرى فلا يكون للعلم الحصولى إلى ذاته وصفاته تعالى سبيل ولا تكون الذات والصفات الواجبية تعالت وتقدست معلومة بهذا العلم فإن هذا العلم فى الحقيقة علم بصورة المعلوم لا بنفس المعلوم كما مر ولا سبيل للصورة فى حضرته جل سلطانه حتى يظن العلم بالصورة علما بالأصل وإن قال البعض إن الحق سبحانه وإن لم يكن له مثل ولكن له تعالى مثال ولكن هذه الصورة المثالية على تقدير ثبوتها غير تلك الصورة المنفية التى يتعلق بها العلم يمكن أن تكون الصورة كائنة فى المثال الذى هو أوسع المخلوقات ولا تكون ثابتة فى الذهن وهذا الحديث القدسى لا يسعنى أرضى ولا سمائى ولكن سعنى قلب عبدى المؤمن مخصوص بقلب العبد المؤمن الذى معاملته مغايرة لمعاملة سائر الناس لتشرفه بالفناء والبقاء وتخلصه من الحصول وتحققه بالحضور فإن كان هناك التوسع فهو باعتبار الحضور لا باعتبار الحصول (ع)

فى أى مرآة يكون مصوراً

( ينبغى ) أن يعلم أن فى العلم الحضورى اتحاد العالم بالمعلوم فزوال هذا العلم عن العالم  لا يجوز فإن المعلوم هو نفسه فلا ينفك عنه بل العلم ثمة عين العالم وعين المعلوم فإين المجال للأنفكاك ينبغى أن يعلم أن المعلوم لما كان فى العلم الحضورى نفس الشئ لا صورته ينكشف المعلوم فيه كما هو بالضرورة ويصير معلوما بالكنة فإن كنة الشئ عبارة عن نفس الشئ ولما كان جميع الوجوه والاعتبارات ساقطة وبقى نفس الذات الحاضرة عند المدركة صار كنهها معلوما بخلاف العلم الحصولى فإن المعلوم هناك وجوه الشئ واعتباراته التى هى صوره وأشباحه لأنفسه كما مر فلا يكون المعلوم هناك كنة الشئ ولا يكون الشئ فيه معلوما بكنهه غاية ما فى الباب أن فى العلم الحصولى انكشاف الشئ ودرك الشئ وفى العلم الحضورى انكشاف الشئ موجود ودركه مفقود فكنه المعلوم يصير منكشفا لا يكون مدركا

( لا يخفى ) أنه إذا ثبت العلم الحضورى بالنسبة إلى ذات الواجب جل سلطانه كما مر لزم أن يكون كنه الذات منكشفا وتكون الذات معلومة كما هى وهذا خلاف ما تقرر عند العلماء وأقول إن هذا العلم الحضورى الذى تعلق بذات الواجب تعالى من قبيل الرؤية التى يثبتونها بالنسبة إليه تعالى وهناك الانكشاف موجود والدرك مفقود وكذا هنا الانكشاف موجود والدرك مفقود فإذا تعلقت الرؤية بذات الواجب تعالى لم لا يتعلق بها العلم الذى هو ألطف من الرؤية والمحذور إنما هو فى الإدراك المستلزم للإحاطة لا فى الانكشاف قال اللّه تعالى لا تدركه الأبصار لم يقل لا تراه الأبصار

( فإن قيل ) إذا لم يحصل الدرك ماذا يجدى الانكشاف

( أقول ) إن المقصود من الانكشاف هو التذاذ الرائى وهو حاصل تحقق الدرك وإلا

( فإن قيل ) إن الانكشاف بلا درك كيف يكون مستلزما للالتذاذ

( أجيب ) إن العلم بالانكشاف كاف حصل الدرك أولا أو نقول إن الدرك أيضا حاصل فى ذاك الموطن ولكنه مجهول الكيفية والدرك المنفى واللّه أعلم هو ما تعلم كيفيته ويوجب إحاطة المعلوم لا يحيطون به علما مناسب للعلم الحصولى فإنه إذا لم يكن الدرك فى العلم الحضورى من أين يكون فى العلم الحصولى فإن كلما هو فى الظل مستفاد من مرتبة الأصل ولكن الدرك فى الأصل مجهول الكيفية وفى الظل معلوم الكيفية .