٣٣ المكتوب الثالث والثلاثون إلى الملا شمس الدين فى تحقيق كلام الشيخ شرف الدين يحيى المنيرى من أن السالك ما لم يكفر ولم يقع رأس أخيه ولم يتزوج بأمه لا يكون مسلماً. عليكم بالاستقامة يا ملا شمس قد سئلتم أن شيخ المشايخ شرف الدين يحيى المنيرى كتب فى رسالته أرشاد السالكين إن السالك ما لم يكفر لا يكون مسلما وما لم يقطع رأس أخيه لا يكون مسلماً وما لم يتزوج بأمه لا يكون مسلماً فما المراد بهذه الكلمات ( اعلم ) أن المراد بالكفر كفر الطريقة الذى هو عبارة عن مرتبة الجمع الذى هو موطن الاستتار ومقام عدم الامتياز بين حسن الإسلام وقبح الكفر بل كما يرى الإسلام مستحسنا يجد للكفر أيضاً حسنا فيه ويجد كليهما مظهر للاسم الهادى والاسم المضل وينال من كل منهما حظا ويكون بهما مستلذا وهذا هو ذلك الكفر الذى أخبر عنه حسين ابن منصور الحلاج وكان فيه ومات عليه وقال (شعر ) . كفرت بدين اللّه والكفر واجب * لدىّ وعند المسلمين قبيح والشطحيات مثل قول أنا الحق وقول سبحانى وقول ليس فى جبتى سوى اللّه كلها من إثمار شجرة الجمع الذى منشاؤه استيلاء الحب وغلبة محبة المحبوب الحقيقى لم يبق فى نظر شهودهم غير المحبوب بل صار مختفياً ومستورا وهذا المقام مقام الجهل والحيرة أيضاً ولكن جهل هذا المقام محمود وحيرته ممدوحة فإن وقع سير إلى أعلى من مقام الجمع بعناية اللّه سبحانه واجتمع العلم بالجهل واقترنت المعرفة بالحيرة وظهر الفرق والتميز وتبدل السكر بالصحو فحينئذ يحصل الإسلام الحقيقى وتتيسر حقيقة الإيمان وهذان الإسلام والإيمان محفوظان من الزوال ومأمونان من طريان الكفر والاستبدال والمراد بما ورد فى بعض الأدعية المأثورة من قوله صلى اللّه عليه وسلم اللّهم إنى أسئلك إيمانا ليس بعده كفر هو هذا الإيمان لأنه محفوظ عن الزوال وقوله تعالى ألا إن أولياء اللّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون بيان لعلامة حال أهل هذا الإيمان فإن الولاية لا تتصور بدون هذا الإيمان وإن كان يمكن إطلاق اسم الولاية فى مرتبة الجمع أيضاً ولكن النقص والقصور لازم تلك المرتبة دائماً فإن الكمال فى الإيمان والمعرفة لا فى الكفر والجهل أى كفر وأى جهل كان فصح ما قال الشيخ فإنه ما لم يتحقق بكفر الطريقة لا يشرف بإسلام الحقيقة ( وما ) قال إنه ما لم يقطع رأس أخيه لا يكون مسلماً فالمراد من الأخ الشيطان الذى يولد معه ويكون قرينه ويدله على الشر والفساد دائماً كما ورد فى الحديث على قائله الصلاة والسلام ما من ابن آدم إلا ومعه قرين من الجن قالوا ومعك يا رسول اللّه قال نعم ولكن أعاننى اللّه عليه فأسلم يعنى من شره إن كان بصيغة المتكلم أو فأسلم شيطانى إن كانت الرواية بصيغة الماضى وهذه الرواية الأخيرة مشهورة وقتل هذا القرين عبارة عن عدم الانقياد إليه واستحقازه واسترذله ( فإن قيل ) إن الإنسان مع وجود العقل والفراسة فيه لم يكون مغلوبا للشيطان ويرتكب غير مرضاته تعالى ( أجيب ) أن الشيطان فتنة وبلاء سلطة اللّه سبحانه على عباده الابتلاء والامتحان وجعله مستورا عن نظرهم ولم يطلعهم على أحواله وجعله بصيرا بأحوالهم وأجراه مجرى الدم منهم والسعيد من يكون محفوظاً بعناية اللّه تعالى من كيد مثل هذا البلاء ومكره ومع ذلك ذكر اللّه سبحانه كيده فى القرآن المجيد بالضعف وجرأ السعداء وشجعهم نعم أن حكم الشيطان بهذا التسلط مع إعانة اللّه لعبده حكم الثعلب وبدون إمداد فضله أسد مفترس ( شعر ) . ألا فاعطنى قلبا ترى من جسارة * الأسود وإن الفيتنى قبل ثعلبا ( والجواب ) الآخر أن الشيطان ربما يجئ من طرق أهواء النفس ويدله على المشتبهات فيجد النصرة عليه بالضرورة بإعانة النفس الأمارة التى هى عدو المنزل ويجعلها منقادة لنفسه وكيد الشيطان ضعيف فى حد ذاته وإنما يفعل ما يفعل بإعانة من يؤوى العدو إليه وبلاؤنا فى الحقيقة هو النفس الأمارة التى هى عدوة أرواحنا لا أحد عدو لنفسه إلا هذه الخسيسة والعدو الخارجى إنما يصنع ما يصنع بإمدادها فينبغى أولاً أن يقطع رأس النفس وأن يمتنع عن الانقياد إليها والازدراء بها وإهانتها ورأس الأخ يقطع فى ضمن هذا الجهاد ويصير حقيراً وذليلا وحجاب طريق السالك وسده هو نفسه والأخ خارج عن المبحث فإنه يدعو إلى الشر من بعد ومن صراط مستقيم إلى سبل معوجة ودفع العدو الخارجى بعد التخلص من انقياد النفس متصور بإمداد اللّه تعالى بأسهل الوجوه إن عبادى ليس لك عليهم سلطان بشارة للعباد الذين تخلصوا من رقية النفس وأخلصوا العبادة للمعبود الحقيقى واللّه سبحانه الموفق ( وما قال ) من أنه ما لم تتزوج بأمه لا يكون مسلما يمكن أن يكون مراده بأمه عينه الثابت الذى هو سبب ظهور وجوده فى الخارج وورد التعبير عن العين الثابت بالأم فى اصطلاح هذه الطائفة قال واحد من الأعزة ( شعر ) . ولدت أمى أباها * إن ذا من عجبات أراد بالأم عينه الثابت وبأبيها اسما من الأسماء الإلهية الذى العين الثابت ظل ذلك الاسم وعكسه ولما كان ظهور ذلك الاسم فى الخارج بتوسط ذاك العين الثابت عبر عن ذلك الظهور بالولادة وبالجملة يقولون الأم ويريدون به العين الثابت ويقال لهذا العين الثابت تعيناً وجبيا فإن التعينات عند هذه الطائفة العلية خمسة يقال لها التنزلات الخمسة والحضرات الخمس أيضاً يثبتون منها فى مرتبة الوجوب تعينين وثلاثة فى مرتبة الإمكان والتعينات الوجوبيان هما تعين الوحدة وتعين الواحدية وكلاهما فى مرتبة العلم والفرق بالإجمال والتفصيل العلميين والعينات الثلاثة الإمكانية هى التعين الروحى والتعين المثالى والتعين الجسدى ولما كان العين الثابت فى مرتبة الواحدية يكون تعينه وجوبياً بالضرورة وحيث أن حقيقة الممكن عينه الثابت الذى له وجه إلى التعين الوجوبى وذلك الممكن كالظل له فيكون أم ذلك الممكن من عالم الوجوب الذى أظهرته فى عالم الإمكان والتزوج بالأم بمعنى أن تعين الممكن الإمكانى يتحد مع تعينه الوجوبى ( شعر ) . لو نقض الممكن أغبرة الإمـــ * ـــكان لا يبقى سوى واجب يعنى يكون تعينه الإمكانى مختفياً عن نظره ويطلق لفظ إنا على التعين الوجوبى لا بمعنى أن التعين الإمكانى يتحد بالتعين الوجوبى فى نفس الأمر فإن محال والقول به مستلزم للإلحاد والزندقة لان المعاملة هنا بحسب الشهود فإن كان زوال تعين فباعتبار الشهود وإن اتحاد فبالشهود أيضاً ( شعر ) . وهذا لا يصير قط ذاكا * وذاكم لا يصير قط هذا فإذا وجد السالك تعينه متحدا بذاك التعين صار مستحقاً لأن يتخلص عن التلوثات الإمكانية وأن يشرف بدولة الإسلام والانقياد لمرتبة الوجوب ( ينبغى ) أن يعلم أن التنزلات الخمسة التى قال بها الصوفية مجرد اعتبارات فى الوجود وتتعلق بالكشف والشهود لا أنه فى الحقيقة تنزل هناك وتغير وتبدل فسبحان من لا يتغير بذاته ولا بصفاته ولا فى أسمائه بحدوث الأكوان وربما يورد الصوفية على ألسنتهم أشياء على قدر وجدانهم الذى متضمن للسكر وغلبة الحال كلام السكارى يحمل ويصرف عن الظاهر واللّه سبحانه أعلم بحقائق الأمور كلها ولما نقلت هذه الكلمات الموجبة للقلق والاضطراب عن شخص عظيم كتبنا فى حلها أشياء بالضرورة وإلا فهذا الفقير لا يلتفت إلى أمثال هذه الكلمات المشعرة بالمخالفة ولا يحرك شفتيه بالرد والقبول ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين الحمد للّه رب العالمين أولا وآخراً والصلاة والسلام على رسوله دائماً وسرمداً وعلى آله الكرام وصحبه العظام إلى يوم القيام . |