٢٨ المكتوب الثامن والعشرين إلى الملا صالح الترك فى بيان كيفية التصديق عن أرواح الموتى الحمد للّه وسلام على عباده الذين اصطفى وقع يوما فى الخاطر أن أتصدق عن أرواح بعض الأقارب الموتى فظهر فى ذلك الأثناء أنه قد حصل الفرح والسرور لذلك الميت المرحوم بمجرد هذه النية وظهر فى النظر فرحاً ومسرورا ولما جاء وقت إعطاء تلك الصدقة قصدت بها أولا روحانية خاتم الرسل عليه وعلى آله الصلاة والسلام كما كان ذلك عادتى ثم روحانية ذلك الميت فأحسست فى ذلك الميت فى ذاك الوقت غما وحزناً وظهر بالوحشة والكدورة فحصل لى تعجب تام من مشاهدة هذا الحال لأنه لم يظهر وجبه تكدره ووحشته مع أنه كان محسوساً أنه قد حصل له من تلك الصدقة بركات عظيمة ولم يظهر فيه أثر فرح وسرور وكذلك نذرت يوما مبلغا لروحانيته صلى اللّه عليه وسلم وأدخلت فى ذلك النذر سائر الأنبياء الكرام على نبينا وعليهم الصلاة والسلام فلم يعلم مرضاة صلى اللّه عليه وسلم فى ذلك الأمر وكذلك إذا أشركت سائر الأنبياء نبينا عليهم الصلاة والسلام فى الصلوات فى بعض الأوقات لا يظهر رضاه صلى اللّه عليه وسلم مع أنه قد علم أنه إذا تصدقت عن روحانية واحد وأشركت فيها جميع المؤمنين يصل ثوابها إلى الكل من غير أن ينقص شئ من ثواب الشخص المنوى عنه إن ربك واسع المغفرة فما يكون وجه التكدر وعدم الرضاء فى ذلك التقدير وبقى هذا الإشكال مدة فظهر آخر الأمر بفضل اللّه سبحانه إن وجه التكدر والحزن هو أن الصدقة إذا تصدق بها عن الميت بلا شركة يحمل ذلك الميت تلك الصدقة من جانبه إلى ملازمة النبى صلى اللّه عليه وسلم بطريق الهدية ويأخذ عنه صلى اللّه عليه وسلم فيوضا وبركات بوساطتها بخلاف ما إذا قصد صاحب الصدقة بصدقته النبى صلى اللّه عليه وسلم فإنه لا نفع حينئذ للميت سوى الثواب ففى صورة الشركة إن قبلت الصدقة فللميت تلك الصدقة وفى عدم الشركة إن قبلت ثواب الصدقة وبركات إتحاف تلك الصدقة وفيوض إهدائها له صلى اللّه عليه وسلم وهذا المعنى كائن فى كل صدقة يشرك فيها الميت بالغير فإن فى صورة الشركة درجة واحدة من الثواب وفى صورة عدم الشركة درجتان درجة الصدقة ودرجة حملها من عنده إلى ذلك الغير وكذلك صار معلوما أن غريبا إذا حمل تحفة وهدية إلى واحد من الأكابر الأفضل أن يحملها إليه من غير شركة أحدية ولو كان طفيليا والمهدى إليه يعطيها من عنده من شاء من إخوانه وغيرهم والآل والأصحاب الذين هم بمثابة عياله عليه وعليهم الصلوات والتسليمات فلو جعلهم داخلا فى هديته صلى اللّه عليه وسلم يكون ذلك مرضيا ومقبولا نعم من المعروف أن من أهدى هديات إلى واحد من الأعزة وأشرك به فيها أقرانه يكون ذلك بعيداً من الأدب والتماس رضا المهدى إليه بخلاف ما إذا أهدى إلى خدمته بتبعيته فإن ذلك يكون مرضيا لأن إعزاز خدمة شخص إعزاز ذلك الشخص فعلم أن أكثر رضاء الموتى فى إفراد الصدقة لا فى الإشراك ولكن إذا قصد التصدق عن ميت ينبغى أن يهدى أولا شيأ بنية روحانية النبى صلى اللّه عليه وسلم على حدة ثم يتصدق عن الميت فإن حقوقه صلى اللّه عليه وسلم فوق حقوق سائر الخلق وأيضاً إن فى هذا التقدير احتمال كون الصدقة مقبولة ببركة النبى صلى اللّه عليه وسلم وهذا الفقير إذا عجز عن تصحيح النية فى بعض الصدقات عن الموتى لا يجد علاجا أفضل من أن أتصدق بها بنيته صلى اللّه عليه وسلم واجعل ذلك الميت طفيليا له فإنه يرجى أن تقبل ببركته صلى اللّه عليه وسلم وقد قال العلماء أن الصلاة على النبى صلى اللّه عليه وسلم مقبولة ولو صدرت رياء وسمعة وهى واصلة إلى النبى صلى اللّه عليه وسلم وإن لم يحصل منها ثواب إلى المصلى فإن حصول الثواب من الأعمال مربوط بتصحيح النية وأما وصولها إلى النبى الذى هو محبوب رب العالمين وكونها مقبولة فى حقه عليه الصلاة والسلام فتكفيه أدنى علة وقوله تعالى وكان فضل اللّه عليك عظيما نازل فى حقه صلى اللّه عليه وعلى آله وعلى جميع إخوانه الكرام من الأنبياء والملائكة العظام إلى يوم القيام . |